أحاديث الصيام شرحها، وفقهها - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 213796 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-04-2022, 05:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي أحاديث الصيام شرحها، وفقهها

أحاديث الصيام شرحها، وفقهها (1)

عبد الله المسعود

1-التبشير بقدوم رمضان
ذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي قال: في حديث مرفوع خرَّجه ابن أبي الدنيا: "لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنَّت أُمّتي أن يكون رمضان السنةَ كلّها"(1) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبَشِّر أَصحابه بقدوم رمضان كما خرجه الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه يقول: "قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تُفتح أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغلّ فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم"(2)
قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضا بشهر رمضان..
كيف لا يبشَّر المؤمن بفتح أبواب الجنان...!
كيف لا يبشّر المذنب بغلق أبواب النيران...!
كيف لا يبشَّر العاقل بوقت ُيغلُّ فيه الشياطين...!
من أين يشبه هذا الزمان زمان...!
وفي حديث آخر: "أتاكم رمضان سيد الشهور فمرحبا به وأهلا".
جاء شهر الصيام بالبركات... فأكرم به من زائر هو آت
وروي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ببلوغ رمضان فكان إذا دخل رجب يقول: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" خرجه الطبراني وغيره (3).
2-وُجُوبُ صومِ رمضان:
لا صيام فرض إلّا رَمضان.
أـ عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: أنّ أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله عليّ من الصلاة؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «الصلوات الخمس إلا أن تطوَّع شيئاً».
فقال: أخبرني ما فرض الله عليّ من الصيام؟
فقال: «شهر رمضان إلا أن تطوّع شيئاً».
فقال: أخبرني بما فرض الله عليّ من الزكاة؟
فقال: فأخبَرَه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شرائع الإسلام.
قال: والذي أكرمَك، لا أتطوّع شيئاً، ولا أنقصُ ممَّا فرضَ الله عليَّ شيئاً.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أفْلحَ إنْ صَدَقَ» أو «دخَلَ الجنَّة إنْ صَدقَ» (4).
الصّومُ والصّيامُ في اللّغة: الإمساك. وفي الشّرع: إمساكٌ مخصوص في زَمَنٍ مخصوص عن شيء مخصوص بشرائط مخصوصة.
وقال صاحب «المُحْكَم»: الصّوم تَرْكُ الطّعام والشّراب والنِّكاح والكلام، يقال: صَام صَومَاً وصِياماً، ورَجُلٌ صائِمٌ وصَوِمٌ.
وقال الرّاغِبُ: الصَّومُ في الأصل الإمساك عن الفعل، ولذلك قيل للفَرَسِ المُمْسِك عن السّير صائِم، وفي الشّرع: إمساكُ المُكَلَّف بالنيّة عن تناول المَطعَم والمَشرَب والاستمناء والاستقاء مِنَ الفجر إلى المغرب (5).
ب ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صَام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عاشوراء وأمرَ بصيامهِ، فلما فُرِضَ رمضان ترك. وكانَ عبد الله لا يصومه إلا أن يُوافق صومه (6).
(عاشوراء) اليوم العاشر من المحرم. (أن يُوافق صَومه) الذي كان يعتادهُ، والمعنَى: أنَّه كان لا يعتقد صيام يوم عاشوراء من النفل المندوب.‏
ج-حديث عائشة المُتضَمِّن الأَمْر بصيام عاشوراء: عن عائشة رضي الله عنها: أنّ قريشاً كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصيامه حتى فُرِضَ رمضان، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: من شاء فليصمه، ومن شاء أفطر(7).
وقد اختلف السّلف هل فُرِضَ على النّاس صيام قبل رمضان أو لا؟
فالجمهور ـ وهو المشهور عند الشّافعيّة ـ أنّه لم يجبْ قطّ صومٌ قبل صوم رمضان، وفي وجهٍ وهو قول الحنفيّة أوّل ما فُرِضَ صيام عاشوراء، فلمّا نزل رمضان نُسِخَ.
د-عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «صِيَامُ رَمضانٍ كتبهُ اللهُ على الأُمَمِ قبلَكُم» (8).
3-فضلُ الصّوم:
أ-عن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ صامَ يوماً في سبيلِ الله باعَدَ اللهُ وجهه عَنِ النَّارِ سبعين خَرِيفاً» (9).
فيه: فضيلة الصّيام في سبيل الله، وهو محمولٌ على مَنْ لا يتضرّر به، ولا يُفَوِّتُ به حَقّاً، ولا يختلّ به قتالهُ ولا غيره مِنْ مُهِمّات غزوه،
ومعناه: المباعدةُ عن النّار، المعافاة منها، والخريف: السّنَةُ. والمراد: سبعين سنة.
ب-وروى النِّسائيُّ بسندٍ صحيح عن أبي أُمَامة قال: قلتُ يا رسول الله، مُرْنِي بعَمَلٍ آخُذُه عنكَ، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «عليكَ بالصّومِ فإنّه لا مِثْلَ له»(10).
وفي رواية: «لا عَدْلَ له». والمشهور عند الجمهور ترجيحُ الصّلاة.
4- الصيام مدرسة الأخلاق:
أ- الصِّيام (جُنَّة): عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الصّيامُ جُنَّةٌ فلا يَرْفُثْ ولا يَجْهَلْ، وإن امْرُؤٌ قاتَلَهُ أو شاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إنّي صائِمٌ مَرّتينِ. والذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أَطْيَبُ عند الله تعالى مِنْ رِيحِ المِسْكِ يَتْرُكُ طعامَهُ وشرابَهُ وشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيامُ لي وأنا أَجْزِي به، والحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمثالِها» (11).
قال الحافظ في الفتح: زاد سعيد بن منصور عن أبي الزِّناد: «جُنَّة مِنَ النَّار» (12)، وللنَّسائيِّ: مِنْ حديث عائشة مثلهُ، ولهُ من حديث عثمان بن أبي العاص: «الصِّيامُ جُنّةٌ كجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنَ القِتَالِ».
ولأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه : «جُنَّةٌ وحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النّارِ».
وله من حديث أبي عبيدة بن الجرّاح: «الصِّيامُ جُنَّةٌ ما لم يَخْرِقْها».
زاد الدّارِمِيُّ: «بالغِيبَةِ». وبذلك ترجم له هو وأبو داود.
والجُنَّة: بضَمِّ الجيم: الوقاية والسَّتر. وقد تبيّن بهذهِ الرِّوايات مُتَعَلَّق هذا السَّتر وأنّه من النّار، وبهذا جزم ابن عبد البرّ.
وأمّا صاحب «النّهاية» فقال: معنى كونه جُنَّة أيّ يَقِي صاحبه ما يؤذيه من الشّهوات.
وقال القرطبيّ: جُنَّة أي سترة، يعني بحسب مشروعيّتهِ، فينبغي للصّائم أن يصونه ممّا يُفْسِدهُ وينقص ثوابه، وإليه الإشارة بقوله: «فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث... إلخ».
ويصحّ أن يراد أنّه سترة بحسب فائدته وهو إضعاف شهوات النّفس، وإليه الإشارة بقوله: «يَدَعُ شهوته... إلخ».
ويصحّ أن يُراد أنّه سترة بحسب ما يحصل من الثّواب وتضعيف الحسنات. وقال القاضي عِيَاض في الإكمال: معناهُ سترة من الآثام أو من النّار أو من جميع ذلك، وبالأخير جزم النّوويّ.
وقال ابن العربيّ: إنّما كان الصّوم جُنّة من النّار لأنّه إمساك عن الشّهوات، والنّار محفوفة بالشّهوات.
فالحاصل: أنّه إذا كفّ نفسه عن الشّهوات في الدّنيا كان ذلك ساتراً له من النّار في الآخرة.
ب-الغيبةُ تَضُرّ بالصّيام
وفي زيادة أبي عبيدة بن الجراح «الصِّيامُ جُنَّةٌ ما لم يَخْرِقْها» إشارة إلى أنّ الغيبة تَضُرّ بالصّيام، وقد حُكِيَ عن عائشة رضي الله عنها.
وبه قال الأوزاعيُّ: إنَّ الغيبة تُفْطِر الصّائم وتُوجب عليه قضاء ذلك اليوم.
وأفرط ابن حزم فقال: يُبطله كلّ مَعصيةٍ من متعمِّدٍ لها ذاكراً لصومه سواء كانت فعلاً أو قولاً، لعموم قوله: «فلا يرفث ولا يجهل»، ولقوله في الحديث الآتي بعد: «مَنْ لم يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به فليس لله حاجَةٌ في أن يَدَعَ طعامه وشَرَابَه» (13).
والجمهور وإن حَمَلُوا النَّهْي على التّحريم إلّا أنّهم خصُّوا الفطر بالأكلِ والشُّرب والجماع.
وأشار ابن عبد البرّ إلى ترجيح الصّيام على غيره من العبادات فقال: حسبُك بكون الصّيام جُنّة من النّار فضلاً.
ج- «لا يَرْفُث»:
- في الموطَّأ: «الصِّيامُ جُنَّةٌ، فإذا كان أحدُكُم صائماً فلا يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ. فَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ، أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ» (14)
ويَرفُثُ: بالضّمِّ والكسر، والمراد بالرّفَثِ هنا: الكلام الفاحش، وهو يُطْلَق على الجِماع وعلى مُقَدِّماته، وعلى ذِكْره مع النِّساء أو مُطلَقاً، ويُحْتَمَل أن يكون أعمّ.
د- «لا يجهل»:
أي لا يفعل شيئاً من أفعال أهل الجهل كالصِّيَاحِ والسَّفَه ونحو ذلك. ولسعيد بن منصور من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه: «فلا يَرْفُثْ ولا يُجادلْ».
قال القرطبيّ: لا يُفْهَم من هذا أنّ غير الصّوم يُباح فيه ما ذُكِرَ، وإنّما المُرَاد أنّ المنع من ذلك يتأكّد بالصّوم.
هـ-إنِّي صائِمٌ «وإن امرُؤٌ قاتَلَهُ أو شاتَمَهُ»:
1-شاتَمَهُ:
في رواية: «فإنْ سابَّهُ أَحَدٌ أو قاتَلَهُ»، وللنّسائيِّ من حديث عائشة «وإنْ امرُؤٌ جَهِلَ عليه فلا يَشْتُمْهُ ولا يسُبّهُ».
واتّفَقَتِ الرِّوايات كُلّها على أنّه يقول: «إنِّي صائِمٌ»، فمنهم من ذكرها مرّتين ومنهم من اقتصر على واحدة.
ظاهره بأنّ المفاعلة تقتضي وقوع الفعل من الجانبين، والصّائم لا تصدُر منه الأفعال التي رُتِّبَ عليها الجواب خصوصاً المقاتلة...؟!
والجواب عن ذلك: أنّ المراد بالمفاعلة التّهيُّؤ لها، أي إن تهيّأ أحد لمقاتلته أو مشاتمته فليقل إنّي صائم فإنّه إذا قال ذلك أمكن أن يَكُفّ عنه، فإن أصرّ دفعه بالأخفِّ فالأخفّ كالصّائل، هذا فيمن يروم مُقاتلته حقيقة.
فإن كان المراد بقوله: «قاتله» شاتمه لأنّ القتل يطلق على اللّعن واللّعن من جملة السّبّ ويؤيّده ما ذكرت من الألفاظ المختلفة فإنّ حاصلها يرجع إلى الشّتم.
فالمراد من الحديث: أنّه لا يعامله بمثل عملهِ بل يقتصر على قوله: «إنّي صائم».
واختلف في المراد بقوله: «فَلْيَقُلْ إنّي صائمٌ» هل يخاطِب بها الذي يُكَلِّمهُ بذلك أو يقولها في نفسه؟
قال النّوويّ في «شرح المهذَّب» كُلٌّ منهما حَسَن.
والقول باللِّسانِ أَقوى ولو جمعهما لكانَ حسناً.
ونقل الزّركشيّ أنّ المراد بقوله: «فَلْيَقُلْ إنّي صائمٌ مرّتين»، يقولُهُ: مرّة بقلبه ومرّة بلسانه، فيستفيد بقوله بقلبه كفُّ لسانه عن خصمه، وبقوله بلسانه كفُّ خصمه عنه.
2-قاتَلَهُ:
«معنى قاتَلَهُ»: يمكن حمله على ظاهره، ويمكن أن يُراد بالقتل: لَعْنٌ يرجع إلى معنَى الشّتم، ولا يمكن حمل قَاتَلَه وشاتَمَه على المفاعلة؛ لأنّ الصّائم مأمور بأن يكفّ نفسه عن ذلك فكيف يقع ذلك منه؟
وإنّما المعنى إذا جاءه مُتَعَرِّضاً لمقاتلَتِهِ أو مشاتمته كَأَنْ يبدأه بقتل أو شتم اقتضت العادة أن يكافئه عليه.
فالمراد بالمفاعلة إرادة غير الصّائم ذلك من الصّائم، وقد تُطْلَق المفاعلة على التّهيّؤ لها ولو وقع الفعل من واحد،
وقد تقع المفاعلة بفعل الواحد كما يقال لواحدٍ عالج الأمر وعافاه الله.
(1) -أخرجه أبو يعلى في مسنده
(2) -حديث صحيح أخرجه الامام أحمد(7148)عن أبي هريرة والنسائي(2096)
(3) -ابن رجب الحنبلي: لطائف المعارف؛ المجلس الثالث في صيام آخر شعبان
(4) - أخرجه البخاري (1792).
(5) -فتح الباري لابن حجر (4/ 102)
(6) أخرجه البخاري (1793).
(7) - أخرجه مسلم (1125).
(8) -تفسير ابن أبي حاتم - (1/ 304) 1625
(9)- أخرجه مسلم (1153).
(10) رواه النسائي في سننه (2235).
(11) رواه البخاري (1894).
(12)- فتح الباري لابن حجر (4/ 104) باختصار
(13) - رواه البخاري (1903).
(14) موطأ مالك ت الأعظمي (3/ 445)1099/ 323
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 21-04-2022 الساعة 10:13 PM.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21-04-2022, 05:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحاديث الصيام شرحها، وفقهها

أحاديث الصيام شرحها، وفقهها (2)

عبد الله المسعود

5-الإخلاص في الصوم:
أ-الصيام إيماناً واحتساباً:
-عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قام ليلةَ القَدْرِ إيماناً واحْتِسَاباً غُفِرَ له ما تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، ومَنْ صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (1). زاد أحمد عن أبي سَلَمَةَ: «وما تأخّرَ».
لقد اشترط النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في قيام الليل وصيام النهار الإيمان والاحتساب، والإيمان هو التصديق بما وعد الله له من الثواب، والاحتساب أن يكون مقبلا عليه خاشعاً لله تعالى، فإذا أراد العبد أن ينال الثواب والفضائل التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فينبغي أن يعرف حرمة الشهر ويحفظ فيه لسانه من الكذب والغيبة والفصول، ويحفظ جوارحه عن الخطايا والزلل، ويحفظ قلبه عن الحسد وعداوة المسلمين، فإذا فعل ذلك فينبغي أن يكون خائفا أن الله يقبل منه أو لا يقبل.
وقد ذُكِرَ عن بعض الحكماء أنه كان يقول: إلهي قد ضَمِنتَ لصاحب المصيبة في الدنيا الأجر وفي الآخرة الثواب، إلهي إن رددتَ علينا هذا الصَّوم فلا تحرمنا أجر المصيبة يا معروفاً بالمعروف".
ب-والنِّيَّةُ: شَرطٌ في وقوعهِ قربةً. والمراد بالإيمان: الاعتقاد بِحَقِّ فرضيّة صومه، وبالاحتساب: طلب الثّواب من الله تعالى.
وقال الخَطّابيّ: احتساباً أي عزيمة، وهو أن يصومَه على معنى الرّغبة في ثوابه طَيِّبَةً نفسُهُ بذلك غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيّامه.
ج-من مظاهر الإخلاص
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:” قال اللهُ: كلُّ عملِ ابنِ آدمَ لهُ إلا الصيامَ، فإنَّه لي وأنا أُجْزي بهِ “رواه البخاري «يترُكُ طعامَه وشَرَابَه وشَهْوَته مِنْ أَجْلِي» (2)
ووَقع في الموطأ: «وإنّما يَذَرُ شَهْوَتَه...» ولم يصرِّح بنسبته إلى الله للعلم به وعدم الإشكال فيه. وقد روى أحمد هذا الحديث بعد قوله من ريح المسك: «يقول الله عزّ وجلّ: إنّما يَدَعُ شهوَتَه... إلخ».
وقد يُفْهَم من الإتيان بصيغة الحصر في قوله: «إنّما يَذَرُ... إلخ» التّنبيه على الجهة التي بها يستحقّ الصّائم ذلك وهو الإخلاص الخاصّ به، حتّى لو كان ترك المذكورات لغرضٍ آخَر كالتُّخَمَةِ لا يَحْصُل للصّائم الفضل المذكور.
لكنّ المدار في هذه الأشياء على الدّاعي القويّ الذي يدور معه الفعل وُجُوداً وعَدَماً، ولا شكّ أنّ مَنْ لم يعرض في خاطره شهوة شيء من الأشياء طول نهاره إلى أن أَفطر ليس هو في الفضل كمن عرض له ذلك فجاهد نفسه في تركه.
والمراد بالشّهوة في الحديث شهوة الجماع لعطفها على الطّعام والشّراب، ويُحتَمَل أن يكون من العام بعد الخاص. وفي رواية ابن خزيمة من طريق سهيل عن أبي صالح عن أبيه: «يَدَعُ الطّعامَ والشّراب مِنْ أجلي، ويَدَعُ لذّته مِنْ أجلي». وفي رواية أبي قُرَّة من هذا الوجه: «يَدَعُ امرأته وشهوته وطعامه وشرابه من أجلي». وأَصْرَحُ من ذلك ما وقع عند الحافظ سَمُّويَةَ في فوائده من طريق المُسَيِّب بن رافع عن أبي صالح: «يترُكُ شهوته من الطّعام والشّراب والجماع من أجلي» (3)
ب- «الصِّيام لي وأنا أجزي به»
وقد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى: «الصّيام لي وأنا أجزي به» مع أنّ الأعمال كلّها له وهو الذي يجزي بها على أقوال:
أحدها: أنّ الصّوم لا يقع فيه الرِّياء كما يقع في غيره، حكاهُ المازِرِيّ ونقله عياض عن أبي عُبَيْد، ولفظ أبي عُبَيْد في غريبه: قد علمنا أنّ أعمال البرّ كُلّها لله وهو الذي يجزي بها، فنرى والله أعلم أنّه إنّما خَصَّ الصّيام لأنّه ليس يظهر من ابن آدم بفعله وإنّما هو شيء في القلب.
ويؤيِّد هذا التّأويل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ليس في الصّيام رياء» (4)
عن الزُّهريِّ مرسلاً قال: وذلك لأنّ الأعمال لا تكون إلّا بالحركاتِ، إلّا الصّوم فإنّما هو بالنيّة التي تخفَى عن النّاس.
وقال القرطبيّ: لَمّا كانتْ الأعمال يَدْخُلها الرِّياء والصَّوم لا يطّلع عليه بمجرّد فعله إلّا الله فأضافه الله إلى نفسه، ولهذا قال في الحديث: «يَدَعُ شَهْوَتَه من أَجلي».
وقال ابن الجوزيّ: جميع العبادات تظهر بفعلها وقلّ أن يسلم ما يظهر مِن شَوْبٍ، بخلاف الصّوم. وارتضى هذا الجواب المازِرِيّ وقرّره القرطُبيّ بأنّ أعمال بني آدم لَما أمكن دخول الرِّياء فيها أُضيفَتْ إليهم، بخلاف الصّوم فإنّ حال المُمْسِك شِبَعاً مثل حالِ المُمْسِك تَقَرُّباً يعني في الصُّورة الظّاهرة.
مَعنى النَّفِي في قوله: «لا رِياء في الصّوم» أنّه لا يدخلهُ الرِّياء بفعلهِ، وإنْ كان قد يدخُلُهُ الرِّياء بالقول كمَن يصوم ثمّ يُخبر بأنّه صَائم فقد يدخله الرِّياء من هذه الحيثيّة، فدخول الرِّياء في الصّوم إنَّما يقع من جهة الإخبار، بخلاف بقيّة الأعمال فإنّ الرِّياء قد يدخُلُها بمجرّد فعلها.
وقد حاوَل بعضُ الأئمّة إلحاق شيءٍ من العبادات البدنيّة بالصّوم فقال: إنّ الذِّكر بلا إله إلّا الله يمكن أن لا يدخله الرِّياء، لأنّه بحركة اللّسان خاصّة دون غيره من أعضاء الفم، فيمكن للذّاكر أن يقولها بحضرة النّاس ولا يشعرون منه بذلك.
ثانيها: أنّ المراد بقوله: «وأنا أجزي به» أنّي أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته. وأمّا غيره من العبادات فقد اطّلع عليها بعض النّاس.
قال القرطُبيّ: معناهُ أنّ الأعمال قد كشفتْ مقادير ثوابها للنّاس وأنّها تُضاعَف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله، إلّا الصِّيام فإنّ الله يُثيب عليه بغير تقدير. ويشهد لهذا السِّياق الرِّواية الأخرى يعني رواية الموطّأ.
وكذلك رواية مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي
لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ "(5)
«أي أُجازي عليه جَزاءً كثيراً من غير تعيين لمقداره، وهذا كقوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [الزُّمَر:10] انتهى.
والصّابِرون: الصّائِمون في أكثر الأَقوال.
قال أبو عبيد في غريبه فقال: بَلَغَني عن ابن عُيَينةَ أنّه قال ذلك، واستَدَلّ له بأنّ الصّوم هو الصّبر؛ لأنّ الصّائم يُصَبِّر نفسَه عن الشّهوات، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزُّمَر:10] انتهى.
وأمّا مقدار ثواب ذلك فلا يعلمه إلّا الله تعالى. ويؤيّده أيضاً العرف المستفاد من قوله: «أنا أجزي به»؛ لأنّ الكريم إذا قال: أنا أتولّى الإعطاء بنفسي كان في ذلك إشارة إلى تعظيم ذلك العطاء وتفخيمه.
ثالثها: معنى قوله «الصّوم لي»، أي: أنّه أحبّ العبادات إليّ والمقدّم عندي،
قال ابن عبد البرّ: كفى بقوله: «الصّوم لي» فضلاً للصّيام على سائر العبادات. وروى النّسائيُّ وغيره من حديث أبي أُمامة مرفوعاً: «عليك بالصّوم فإنّه لا مثل له».
رابعها: الإضافةُ إضافةُ تشريفٍ وتعظيم كما يقال: بيتُ الله، وإن كانت البيوت كُلّها لله.
قال الزّين بن المنير: التّخصيص في موضع التّعميم في مثل هذا السِّياق لا يُفْهَم منه إلّا التّعظيم والتّشريف.
خامسها: أنّ الاستغناء عن الطّعام وغيره من الشّهوات من صفات الرّبّ جلّ جلاله، فلمّا تَقَرَّبَ الصّائم إليه بما يُوافق صفاته أضافه إليه.
وقال القرطبيّ: معناهُ أنّ أعمال العباد مناسبة لأحوالهم إلّا الصّيام فإنّه مناسبٌ لصفةٍ من صفاتِ الحقّ، كأنّه يقول إنّ الصّائم يتقرّب إليّ بأمر هو متعلِّق بصفةٍ من صِفاتي.
سادسها: أنّ المعنى كذلك، لكنْ بالنِّسبة إلى الملائكة لأنّ ذلك من صفاتهم.
سابعها: أنّه خالصٌ لله وليس للعبد فيه حظٌّ، قاله الخطّابيّ، هكذا نقله عِيَاض وغيره، فإن أراد بالحظِّ ما يحصل من الثّناء عليه لأجل العبادة رجع إلى المعنى الأوّل، وقد أفصح بذلك ابن الجوزيّ فقال: المعنى ليس لنفس الصّائم فيه حظٌّ بخلاف غيره فإنّ له فيه حظّاً لثناء النّاس عليه لعبادته.
ثامنها: سبب الإضافة إلى الله أنّ الصِّيام لم يُعْبَد به غير الله، بخلافِ الصّلاة والصَّدَقَة والطّواف ونحو ذلك.
تاسعها: أنّ جميع العبادات تُوفّى منها مظالم العباد إلّا الصِّيام.
روى ذلك البيهقيُّ عن ابن عُيَيْنَةَ قال: إذا كان يوم القيامة يُحاسِب اللهُ عَبْدَه ويؤدِّي ما عليه من المَظالم من عمله حتّى لا يبقى له إلّا الصّوم، فَيَتَحَمَّل الله ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصّوم الجنّة.
قال القرطُبيّ: قد كنتُ استحسَنْتُ هذا الجواب إلى أن فكّرت في حديث المقاصّة فوجدْتُ فيه ذكر الصّوم في جُملة الأعمال حيث قال: «المُفْلِس الذي يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصَدَقَةٍ وصيامٍ،
ويأتي وقد شَتَمَ هذا وضَرَبَ هذا وأكَلَ مالَ هذا»... الحديث.
وفيه: «فيؤخذ لهذا من حسناتِه ولهذا من حَسَنَاتِه، فإذا فَنِيَتْ حسناتُه قبلَ أن يَقْضِيَ ما عليه أُخِذَ مِنْ سيِّئاتِهمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النّار» (6).
فظاهرهُ أنّ الصّيام مشتركٌ مع بقيّة الأعمال في ذلك.
قلتُ (الحافظ ابن حجر): إنْ ثَبَتَ قول ابنِ عُيَيْنَةَ أَمكَنَ تَخْصِيص الصِّيام من ذلك، فقد يُسْتَدَلّ له بما رواه أحمد عن أبي هريرة رفعه: «كُلّ العَمَلِ كفّارَةٌ إلّا الصّومَ، الصّومُ لي وأنا أجزي به» (7).
عاشِرُها: أنّ الصّوم لا يَظْهَر فتكتبه الحفظة كما تكتِبُ سائرَ الأعمال (8).
6-حقيقةُ الصيامِ وأقسامِهِ:
أ-والمراد بالصّيام هنا صيامُ مَنْ سَلِمَ صيامُه من المعاصي قولاً وفعلاً.
قال البيضاوِيّ: والمعنى أنّ الحسناتِ يضاعَفُ جزاؤُها من عشرةِ أمثالها إلى سبعمائةِ ضِعْفٍ إلّا الصَّوْم فلا يُضاعَفْ إلى هذا القدر بل ثوابه لا يُقَدِّرُ قَدْرَه ولا يُحْصِيه إلّا الله تعالى، ولذلك يتولّى اللهُ جزاءَهُ بنفسه ولا يَكِلُهُ إلى غيره. (9)
ب-الصّوم كفّارةٌ:
وهو كون الصّوم يُحمَلُ على كفّارةِ شيءٍ مخصوص وفي النّفي على كفّارة شيء آخر، وقد حمله المصنِّف-ابن حجر- في موضعٍ آخر على تكفيرِ مُطلق الخطيئة فقال في الزّكاة: "باب الصّدقة تُكفِّرُ الخطيئةَ" ثُمَّ أوردَ هذا الحديثَ بعينه.
1 ـ ويؤيِّد الإطلاق ما ثَبَتَ عند مسلمٍ من حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه أيضاً مرفوعاً: «الصَّلواتُ الخَمْسُ ورمضانُ إلى رمضانِ مُكَفِّرَاتٍ لما بينَهُنَّ ما اجْتُنِبَتِ الكبائِرُ» (10).
2ـ ولابن حِبّان في صحيحه مِنْ حديث أبي سعيدرضي الله عنه  مرفوعاً: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَعَرَفَ حُدُودَهُ، وَتَحَفَّظَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَفَّظَ، كَفَّرَ مَا قَبْلَهُ» (11).
وعلى هذا فقولُه: «كُلّ العَمَلِ كَفَّارَةٌ إلّا الصِّيامُ» يُحتَمَلُ أنْ يكونَ المُرادُ إلّا الصِّيام فإنّهُ كَفَّارَةٌ وزيادةُ ثوابٍ على الكفّارَةِ، ويكون المُراد بالصِّيامِ الذي هذا شأنُه ما وَقَعَ خالِصاً سالِماً مِنَ الرِّياء والشَّوائبِ كما تَقَدَّمَ شَرْحُهُ، واللهُ أعلم. (12)
7- أبواب الجنة
أ- باب الرَّيّانُ للصّائمين
عن سهل رضي الله عنه عن النّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنّ في الجنّةِ باباً يقالُ له الرَّيَّانُ، يَدخُلُ منه الصّائمون يومَ القيامَةِ لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، يقالُ: أينَ الصَّائِمُونَ؟ فيقُومُونَ لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، فإذا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ منه أحَدٌ» (13). (الرَّيَّان) بِفتحِ الرَّاء وتشديد التّحتانيّة وزن فَعْلان مِنَ الرِّيّ: اسمُ عَلَمٍ على بابٍ من أبواب الجنّة يخْتَصّ بدخولِ الصَّائمين منه، وهو ممّا وقعتِ المناسبة فيه بين لفظه ومعناهُ؛ لأنّه مُشْتَقٌّ من الرِّيّ وهو مناسب لحالِ الصّائمينَ وسيأتي أنّ مَنْ دخله لم يظمأ.
قال القرطُبيّ: اكْتُفِيَ بذكرِ الرِّيِّ عن الشِّبَعِ لأنّهُ يَدُلّ عليه من حيث أنّهُ يستلزِمه،
قلت: أو لكونه أشَقّ على الصّائم من الجوع.
قال الزَّيْنُ بنُ المُنيرِ: إنّما قال في الجنّة ولم يَقُلْ للجنّةِ؛ لِيُشْعِرَ بأنّ في الباب المذكور من النّعِيم والرّاحة في الجنّة، فيكون أبلَغَ في التّشَوُّق إليه.
ب-عدد أبواب الجنة
- عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: إِنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ مِنْهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانُ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ "(14). ورَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ.
وقال: «في الجنّة ثمانيةِ أبوابٍ». قوله: «فإذا دَخَلُوا أُغْلِقَ فلم يَدْخُلْ منه أحدٌ». وعند مسلم: «فإذا دخل آخِرُهمْ أُغْلِقَ»، هكذا في بعض نُسَخ مُسْلِم.
ج-أبواب الجنة: والأعمال الموصلة لها
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبِيلِ الله نُودِيَ مِنْ أبوابِ الجنّةِ يا عبدَ الله هذا خَيْرٌ، فَمَنْ كان مِنْ أهلِ الصّلاةِ دُعِيَ مِنْ بابِ الصّلاةِ، ومَنْ كان مِنْ أهلِ الجهادِ دُعِيَ مِنْ بابِ الجهادِ، ومن كان مِنْ أهلِ الصِّيامِ دُعِيَ من بابِ الريّانِ، ومَنْ كان مِنْ أهلِ الصّدقةِ دُعِيَ مِنْ بابِ الصّدقةِ». فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه  بأبي أنتَ وأمِّي يا رسولَ الله، ما على مَنْ دُعِيَ مِنْ تلك الأبوابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدعَى أحدٌ مِنْ تلك الأبوابِ كُلِّها؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «نَعَمْ، وأرجُو أنْ تكون منهم» (15).
شرح الحديث
أ- «مَنْ أنفَقَ زوجين في سبيلِ الله»
المراد بقولِهِ: «في سبيل الله» فقيلَ أرادَ الجهاد، وقيلَ ما هو أعمّ منه، والمراد بالزّوجين إنفاق شيئين من أيّ صِنْفٍ مِنْ أصناف المال مِنْ نَوْعٍ واحدٍ.
ب- «هذا خيرٌ»
المعنى هذا خيرٌ من الخيرات، والتّنوين فيه للتّعظيمِ وبه تظهر الفائدة.
ج- بابِ الريّان
«ومَنْ كان مِنْ أهل الصِّيام دُعِيَ مِنْ بابِ الريّان»
في رواية عن الزّهريِّ عند أحمد: «لكلِّ أهلِ عَمَلٍ بابٌ يُدعَون منه بذلك العملِ، فلأهلِ الصِّيام بابٌ يُدْعَوْنَ منه يقال له الريّان» (16)
8ـ فرحتان للصائم:
أخرج الإمام مسلم من حديث أبى هريرة ــ رضي الله عنه ــ أنَ النبي صلى الله عليه وسلم قال: للصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه.
وفى رواية: وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه.
قال الحافظ ابن رجب ــ رحمه الله: - أما فرحة الصائم عند فطره: فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح، فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات، ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه، خصوصا عند اشتداد الحاجة إليه، فإن النفوس تفرح بذلك طبعاً.
-وأما فرحه عند لقاء ربه: فيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخراً، فيجده أحوج ما كان إليه، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَِنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجرَاً ﴾ [ المزمل: 20]، وقوله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا ﴾ [ آل عمران: 30 ]، وقوله تعالى: ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾ [ الزلزلة: 7 ]17)) فهذا فرح الصائم عند فطره، فكيف فرحه بصومه عند لقاء ربه..!عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «للصائمِ فرحتان: فرحةٌ عند فطرِهِ، وفرحةٌ عند لقاءِ ربّه»(18).
9-تسلسلُ الشياطين في رمضان:
عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا دخلَ شَهْرُ رمضانَ فُتِّحَتْ أبوابُ السَّماءِ، وغُلِّقَتْ أبوابُ جَهَنَّمَ، وسُلْسِلَتِ الشَّياطينُ» (19).
أ-قال الحَلِيميُّ: يحتمِلُ أنْ يكون المرادَ مِنَ الشَّياطينِ مُسْتَرِقُو السّمع منهم، وأنّ تسلسلهم يقع في ليالي رمضان دون أيّامه؛ لأنّهم كانوا منعوا في زمن نزول القرآن من استراقِ السّمع فزيدوا التّسلسلَ مبالغةً في الحفظ.
ب-ويُحتملُ أن يكون المراد أنّ الشّياطين لا يخلصونَ من افتتان المسلمين إلى ما يخلصونَ إليه في غيرهِ لاشتغالهم بالصّيام الذي فيهِ قمعُ الشّهوات وبقراءة القرآن والذِّكر.
ج ـ وقال غيره: المرادُ بالشّياطين بعضهم وهم المرَدَةُ منهم.
وترجم لذلك ابن خزيمة في صحيحه وأورد ما أخرجه هو والترمذي والنّسائي وابن ماجه والحاكم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ: «إذا كان أوّل ليلة مِنْ شَهْر رمضان صُفِّدَتِ الشّياطين ومَرَدَةُ الجنّ» (20).
د-زاد أبو صالح في روايته: «وغُلِّقَتْ أبوابُ النّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ، وفُتِحَتْ أبوابُ الجنّةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ، ونادى مُنادٍ: يا باغِيَ الخير أقبِلْ، ويا باغِيَ الشرِّ أقصِرْ، ولله عُتَقاءٌ مِنَ النَّارِ وذلك كلَّ ليلةٍ». لفظ ابن خُزَيْمَةَ.
وقوله: «صُفِّدَتْ» بالمهملة المضمومةِ بعدها فاء ثقيلة مكسورة، أي: شُدَّتْ بالأصفادِ وهي الأغلالُ، وهو بمعنى سُلْسِلَتْ.
ونحوه للبيهقيِّ مِنْ حديثِ ابن مسعود، وقال فيه: «فُتِحَتْ أبوابُ الجنّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ منها بابٌ الشّهرَ كلّه».
قال عِيَاض: يحتمل أنّه على ظاهره وحقيقته وأنّ ذلك كلّه علامة للملائكة لدخولِ الشّهر وتعظيم حرمته ولمنعِ الشّياطين من أذى المؤمنين.
ويحتمل أن يكون إشارةً إلى كثرة الثواب والعفو، وأنّ الشّياطين يقلُّ إغواؤهم فيصيرون كالمصفَّدِين.
قال: ويؤيِّدُ هذا الاحتمال الثّاني قوله في رواية يُونُسَ عن ابن شهابٍ عند مسلم: «فُتِحَتْ أبوابُ الرّحمة».
قال: ويحتمل أن يكون فتح أبوابِ الجنّةِ عبارة عمّا يَفْتَحُهُ الله لعباده من الطّاعات وذلك أسباب لدخول الجنّة.
غَلْقُ أبواب النّارِ عبارة عن صرفِ الهمم عن المعاصي الآيلة بأصحابها إلى النّار.
وتصفيد الشّياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشّهوات.
وقال الطِّيبِيّ: فائدة فتح أبوابِ السَّماءِ توقيف الملائكة على استحماد فعل الصّائمين وأنّه من الله بمنزلةٍ عظيمةٍ، وفيه إذا علم المكلّف ذلك بإخبار الصّادق ما يزيدُ في نشاطه ويتلقّاهُ بأريحيّة.
*كيف تقع الشرور مع تصفيد الشياطين؟
وقال القرطبيّ بعد أن رجّح حمله على ظاهره: فإنْ قيل كيف نرى الشُّرورَ والمعاصيَ واقعةً في رمضان كثيراً فلو صُفِّدَتِ الشّياطين لم يقع ذلك؟
فالجواب: أنّها إنّما تَقِلُّ عن الصّائمين الصّوم الذي حُوفِظَ على شُرُوطِهِ ورُوعِيَتْ آدابُهُ، أو المصَفّد بعضُ الشّياطين وهم المرَدَةُ، لا كلّهم كما تقدّم في بعض الرِّوايات، أو المقصود تقليلُ الشّرور فيه، وهذا أمرٌ محسوس؛ فإنّ وقوع ذلك فيه أقلّ من غيره، إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شرٌّ ولا معصية؛ لأنّ لذلك أسباباً غير الشّياطين كالنُّفُوسِ الخبيثةِ، والعادات القبيحة، والشّياطين الإنسيّة.
وقال غيره: في تصفيد الشّياطين في رمضان إشارة إلى رفع عذرِ المكلّف كأنّه يقال له: قد كُفَّتِ الشّياطينُ عنك فلا تعتلّ بهم في ترك الطّاعة ولا فعلِ المعصية.
وفي رواية: «إذا دخلَ رمضانُ» فيه دليل للمذهبِ الصّحِيح المختار الذي ذهبَ إليه البخارِيّ والمحقِّقُونَ أنّه يجوز أن يقال: «رمضان» من غير ذكر الشّهر بلا كراهة.
10-السِّواكُ للصائم:
أولاً:«خُلُوفُ فم الصائم وريح المسك» روى البخاري عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال (وَالّذِى ‏نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطيَبُ عِندَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسكِ، 1- ُخلُوف:بضمِّ المعجمة واللّام وسكون الواو بعدها فاء. قال القاضي عِيَاض: هذه الرِّواية الصّحيحة، وبعض الشّيوخ يقوله بفتح الخاء, واتّفقوا على أنّ المراد به تَغَيُّر رائحة فم الصّائم بسبب الصّيام.
2- «فَمِ الصّائمِ» فيه رَدٌّ على من قال: لا تثبت الميم في الفم عند الإضافة إلّا في ضرورة الشّعر لثبوته في هذا الحديث الصّحيح وغيره.
3- «أَطيبُ عند الله من ريح المسك»
اختلف في كون الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك ـ مع أنّه سبحَانه وتعالى مُنزّهٌ عن استطابة الرّوائح، إذ ذاك من صفات الحيوان[البَشَر]، ومع أنّه يعلم الشّيء على ما هو عليه ـ على أوجه:
أـ قال المازريّ: هو مجاز لأنّهُ جرتْ العادة بتقريب الرّوائح الطيِّبة منّا فاستُعِيرَ ذلك للصّوم لتقريبه من الله، فالمعنى: أنّه أطيب عند الله من ريح المسك عندَكُم، أي يُقَرَّب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم.
ب ـ وقيل المراد أنّ ذلك في حقّ الملائكة وأنّهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر ممّا يستطيبون ريح المسك.
ج ـ وقيل المراد أنّ الله تعالى يجزيه في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما يأتي المكلوم وريح جُرحه تفوح مسكاً.
-ويؤخذ من قوله: «أطيب من ريح المسك» أنّ الخُلُوف أعظم من دم الشّهادة؛ لأنّه شَبَّهَ رِيحَ دَمِ الشّهيد بريحِ المِسْك، والخُلُوف وُصِفَ بأنّه أطيب، ولا يلزمُ من ذلك أن يكون الصّيام أفضل من الشّهادة لما لا يخفى، ولعلّ سبب ذلك النّظَر إلى أصل كُلٍّ منهما فإنّ أصل الخُلُوف طاهِرٌ وأصلُ الدّم بخلافه فكان ما أصلهُ طاهر أطيبُ ريحاً.
وحاصلهُ: حمل معنى الطِّيب على القبول والرِّضا.
وقد نقل القاضي حسين في تعليقه أنّ للطّاعات يوم القيامة ريحاً تفوح.
قال: فرائحة الصّيام فيها بين العبادات كالمسك،
ويُؤيِّد الثّلاثة الأخيرة قوله في رواية مسلم وأحمد والنّسائيّ من طريق عطاء عن أبي صالح: «أطيَبُ عندَ الله يومَ القيامَةِ».
قال الخطّابيُّ: طِيبهُ عند الله رضاهُ به وثناؤهُ عليه.
وقال البغوِيُّ: معناه الثّناء على الصّائم والرِّضا بفعله، وبنحو ذلك قال القدوريّ من الحنفيّة والدّاوديّ وابن العربيّ من المالكِيّة وأبو عثمان الصّابونيّ وأبو بكر بن السّمعانيّ وغيرهم من الشّافعِيّة، جَزَمُوا كُلّهم بأنّه عبارة عن الرِّضا والقبول.
وأمّا ذِكْر يوم القيامة في تلك الرِّواية فلأنّه يوم الجزاء وفيه يظهر رُجحان الخُلُوف في الميزان على المسك المستعمل لدفع الرّائحة الكريهة طلباً لرضا الله تعالى حيث يُؤمر باجتنابها، فقيّده بيوم القيامة في رواية وأطلق في باقي الرِّوايات نظراً إلى أنّ أصل أفضليّته ثابت في الدّارين، وهو كقوله:{ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11) } [العاديات:11] وهو خبير بهم في كُلّ يوم، انتهى.
ثانياً:حكم السِّواكُ للصائم:
ويترتّب على هذا الخلاف المشهور في كراهة إزالة هذا الخلوف بالسِّواك سواكِ الرَّطْبِ واليابسِ للصّائمِ: ويذكرُ عن عامِرِ بن ربيعةَ قال: رأيتُ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يستاكُ وهو صائمٌ ما لا أُحصي(21).
وأشار بهذه التّرجمة إلى الردِّ على من كره للصّائم الاستياك بالسِّواكِ الرَّطبِ كالمالكيّة والشَّعبِيِّ. وقد قاسَ ابن سيرين السِّواك الرّطب على الماء الذي يُتمَضمضُ به.
وكره الشافعي السواك بعد الزوال.
(1) أخرجه البخاري (1802).
(2) - رواه البخاري (5927)، ومسلم (1151) واللفظ له
-(3) فتح الباري شرح صحيح البخاري،الحافظ: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني:4/107
(4)- شعب الإيمان للبيهقي (3593).
(5) -صحيح مسلم (2/ 807)164 - (1151)
(6) رواه مسلم (6744).
(7) رواه أحمد في مسنده (10286).
(8) -فتح الباري لابن حجر (4/ 109) وقارن بشرح الزرقاني على الموطأ (2/ 297) مع الاختصار
(9)- فتح الباري لابن حجر (4/ 110) باختصار
(10) أخرجه مسلم (574).
(11) صحيح ابن حبان باب فضل رمضان (3433). مسند أحمد ط الرسالة (18/ 84)11524
(12) -فتح الباري لابن حجر (4/ 111)
(13) - أخرجه البخاري (1797).
(14) السنن الكبرى للبيهقي (4/ 502)8512
(15) أخرجه البخاري (1798).
(16) - فتح الباري - ابن حجر - ج ٤ - الصفحة ٩٦
(17) -سعيد مسفر الزهراني: للصائم فرحتان
(18) أخرجه البخاري (2763).
(19) أخرجه البخاري (1800).
(20) - شعب الإيمان للبيهقي، فضائل الإيمان (3446).
(21) رواه أبو داود في سننه (1366)، وأحمد في مسنده (15716).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 21-04-2022 الساعة 10:15 PM.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21-04-2022, 05:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحاديث الصيام شرحها، وفقهها

أحاديث الصيام شرحها، وفقهها (3)

عبد الله المسعود


11-فضل وبركة السحور:
أ-أحاديث السحور
-عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «تَسَحَّرُوا فإنّ في السَّحُورِ بركَةً» (1).
وابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «استعينوا بطعام السحر على صيام النهار، وبالقيلولة على قيام الليل» (2).
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلَةُ السحور» (3).
- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: " السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ " (4)
وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه  قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تزال أمتي بخير ما عجَّلوا الإفطار وأخَّروا السحور» (5).
ب- (السُّحُورِ بركَةً)
(السُّحُورِ): هو بِفَتْحِ السِّينِ وبِضَمِّها؛ لأنّ الْمُرَادَ بِالْبَرَكَةِ الْأَجْرُ وَالثَّوَابُ فَيُنَاسِبُ الضَّمَّ لأنّه مصدرٌ بمعنى التّسَحُّرِ، أو البرَكَةُ لكونه يُقوِّي على الصَّومِ ويُنَشِّطُ له ويُخَفِّفُ المشَقَّةَ فيه فيناسبُ الفتحَ لأنّه ما يُتَسَحَّرُ به، وقيل: البرَكَةُ ما يُتَضَمَّنُ من الاستيقاظِ والدُّعاءِ في السَّحَرِ.
(بركَةً): والأولى أنّ البَرَكَةَ في السُّحُورِ تحصل بجهاتٍ متعدّدة، وهي اتّباعُ السنّة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوِّي به على العبادة، والزّيادة في النّشاط، ومدافعة سوءِ الخلق الذي يُثيره الجوع، والتسبُّبُ بالصّدقة على من يسألُ إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل، والتسبُّبُ للذِّكر والدُّعاء وقت مظِنَّةِ الْإِجَابَةِ، وَتَدَارُكُ نِيَّةِ الصَّوْمِ لِمَنْ أَغْفَلَهَا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ.
قال ابن دقيق العِيد: هذه البَركةُ يجوز أن تعود إلى الأمور الأخرويّة، فإنّ إقامة السنّة يُوجب الأجر وزيادته.
ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدُّنيويّة كقُوّة البدن على الصّوم وتيسيره من غير إضرارٍ بالصّائمِ. قال: وممّا يُعَلَّلُ به استحبابُ السّحورِ المخالفة لأهل الكتابِ لأنّه ممتنعٌ عندهم، وهذا أحد الوجوه المقتضية للزِّيادة في الأجور الأخرويّة.
قال النووي: فيه الحثُّ على السّحُور، وأجمع العلماء على استحبابه، وأنّه ليس بواجبٍ، وأمّا البركة التي فيه فظاهرةٌ؛ لأنّه يقوِّي على الصّيام ويُنشِّط له، وتحصل بسببه الرّغبة في الازدياد من الصّيام لخفّة المشقّة فيه على المتسحِّر. فهذا هو الصّواب المعتمد في معناه. وقيل: لأنّه يتضمّن الاستيقاظ والذِّكر والدُّعاء في ذلك الوقت الشّريف، وقت تنزُّل الرّحمة وقبول الدُّعاء والاستغفار، وربّما توضّأ صاحبُه وصلّى، أو أدامَ الاستيقاظ للذِّكر والدُّعاء والصّلاة، أو التأهُّب لها حتّى يطلُعَ الفجر.
ج- (وَقتُ السحور):
يدخل وقت السحور من نصف الليل، فالأكل قبله ليس بسحور، فلا تحصل به السنة، ويُسنّ تأخيره وتقريبه من الفجر ما يسع قراءة خمسين آية، لما روى زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: تسحّرنا مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ثم قام إلى الصلاة. قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟
قال: قدر خمسين آية» (6).
د- (بمَ يحصل السَّحُور):
يحصل السّحورُ بأقلِّ ما يتناولُه المرء من مأكول ومشروبٍ. وقد أخرج هذا الحديث أحمد من حديث أبي سعيد الخُدرِيِّ  بلفظ: «السُّحُورُ بَرَكَةٌ فلا تَدَعُوهُ ولو أنْ يجرَعَ أحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ ماءٍ، فإنّ الله وملائكتَهُ يُصَلُّونَ على المتسَحِّرِينَ» (7).
ولسعيد بن منصورٍ من طريقٍ أُخرى مرسلةٍ: «تَسَحَّرُوا ولو بِلُقْمَةٍ».
هـ-تأخيرُ السّحُورِ وفوائده:
عن سهل بن سعدٍرضي الله عنه قال: كنتُ أتسحَّرُ في أهلي ثمّ تكون سُرْعَتِي أن أُدْرِكَ السُّجُودَ مع رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم (8).
قال عِيَاض: مُراد سهل بن سعد أنّ غاية إسراعه أنّ سحورَه لقربه من طلوع الفجر كان بحيث لا يكاد أن يدركَ صلاة الصّبح مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولشدّة تغليس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصّبح. وقال ابن المنيِّرِ في الحاشية: المرادُ أنّهم كانوا يزاحمون بالسّحور الفجر فيختصرون فيه ويستعجلون خوف الفوات.
-عن أنسٍ عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: تسحّرنا مع النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ قام إلى الصّلاة، قلت: كم كان بين الأذان والسّحور؟ قال: قَدْرُ خمسين آيةً (9).
(قال: قَدْرُ خمسينَ آيَةً). أي متوسّطة لا طويلة ولا قصيرة لا سريعة ولا بطيئة.
قال المهلّبُ وغيره: فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن، وكانت العرب تُقدِّرُ الأوقات بالأعمال كقوله: قَدْرُ حَلْبِ شاةٍ، وقَدْرُ نَحْرِ جَزُورٍ.
فعدل زيد بن ثابت عن ذلك إلى التّقدير بالقراءة إشارة إلى أنّ ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة، ولو كانوا يُقدِّرون بغير العمل لقال مثلاً قدر درجة أو ثلث خُمُس ساعة.
وقال ابن أبي جَمرَةَ: فيه إشارة إلى أنّ أوقاتهم كانت مُستغرقةً بالعبادة.
وفيه: تأخير السّحور لكونه أبلغ في المقصود.
قال ابن أبي جَمْرةَ: كان صلى الله عليه وآله وسلم ينظرُ ما هو الأرفق بأمّته فيفعلُه لأنّه لو لم يتسحّر لاتّبعوه فيشُقُّ على بعضهم.
ولو تسحّر في جوف اللّيل لشقّ أيضاً على بعضهم ممّن يغلب عليه النّوم فقد يُفضي إلى ترك الصّبح أو يحتاج إلى المجاهدة بالسّهر.
وقال: فيه أيضاً تقوية على الصّيام لعموم الاحتياج إلى الطّعام ولو تُرك لشقّ على بعضهم ولا سيّما مَنْ كان صفراويّاً فقد يُغشى عليه فيُفضِي إلى الإفطار في رمضان.
قال: وفي الحديث تأنيس الفاضل أصحابه بِالمؤاكلة، وجواز المشي باللّيل للحاجة، لأنّ زيد بن ثابت ما كان يَبِيتُ مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
وفيه الاجتماع على السُّحور.
وقال القرطبيّ: فيه دلالة على أنّ الفراغ من السّحور كان قبل طلوع الفجر.
----------------------------------------------------------
(1) أخرجه البخاري (1823).
(2) أخرجه ابن ماجه (1763).
(3) أخرجه أبي داود (2343).
(4) الترمذي (2665) وأخرجه أبو داود (3648) » مسند أحمد ط الرسالة (17/ 150)11086
(5) مسند أحمد (11384).
(6) البخاري (1921)
(7) مسند أحمد ط الرسالة (17/ 150)11086
(8)- أخرجه البخاري (1820).
(9) أخرجه البخاري (1821).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 22-04-2022 الساعة 11:19 PM.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 21-04-2022, 05:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحاديث الصيام شرحها، وفقهها

أحاديث الصيام شرحها، وفقهها (4)

عبد الله المسعود



12-مُؤذنو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأذان
أ-مُؤذِّنا الفجر
ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤذّنان: بلال، وابن أمّ مكتوم الأعمى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ بِلالاً يُؤَذِّنُ بليلٍ، فَكُلُوا واشربوا حتّى يُؤَذِّنَ ابنُ أُمِّ مكتومٍ». قال: ولم يكن بينهما إلّا أن ينزلَ هذا ويرقى هذا (1).
قال العلماء: معناه أنّ بلالاً كان يُؤذّنُ قبل الفجر، ويتربّص بعد أذانه للدُّعاء ونحوه، ثمّ يَرْقُب الفجر فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر ابن أمّ مكتوم فيتأهّبُ ابن أمّ مكتومٍ بالطّهارة وغيرها، ثمّ يرقى، ويشرع في الأذان مع أوّل طُلُوع الفجر.
ـ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يَمْنَعَنَّ أحداً منكم أذانُ بلالٍ ـ أو قال نداءُ بلالٍ ـ مِنْ سُحُورِهِ فإنّه يُؤَذِّنُ ـ أو قال يُنادِي ـ بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قائِمَكُمْ ويُوقِظَ نائِمَكُمْ». وقال: «ليس أنْ يقولَ هكذا وهكذا (وصَوّبَ يَدَهُ ورَفَعَها) حتّى يقولَ هكذا (وفَرّجَ بين إصْبُعَيه)» (2).
معناه أنّه إنّما يُؤذّن بليل ليعلمكم بأنّ الفجر ليس ببعيد، فيردّ القائم المتهجِّد إلى راحته لينام غفوةً ليصبح نشيطاً، أو يُوترَ إن لم يكن أَوْتَرَ، أو يتأهّب للصّبح إن احتاج إلى طهارةٍ أخرى، أو نحو ذلك من مصالحه المترَتّبة على علمه بقربِ الصُّبح.
في هذه الأحاديث بيان الفجر الذي يتعلّق به الأحكام، وهو الفجر الثّاني الصّادق، (والمستطير) بالرّاء.
ـ عن عبدِ الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إنّ بلالاً يُؤَذِّنُ بليلٍ فَكُلُوا واشربوا حتّى تَسْمَعُوا أذانَ ابن أُمِّ مَكْتُوم» (3).
وعن عطاء: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: هما فجران فأما الذي يسطع في السماء فليس يُحِلُّ ولا يُحرِّم شيئاً، ولكن الفجر الذي يستنير على رؤوس الجبال هو الذي يحرم الشراب. وهكذا روي عن غير واحد من السلف رحمهم الله.
ب-مسألة: أصبح جنباً؟
قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْر}. جَعْلهُ تعالى الفجرَ غايةً لإباحةِ الجماع والطعام والشراب لمن أراد الصيام، يستدل على أنه من أصبح جنباً فليغتسل وليتمّ صومه ولا حرج عليه، وهذا مذهب الأئمة الأربعة وجمهور العلماء سلفاً وخلفاً، لما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة وأًم سلمة رضي الله عنهما أنهما قالتا: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ، لَا مِنْ حُلُمٍ، ثُمَّ لَا يُفْطِرُ وَلَا يَقْضِي» (4).
ج-فقه وفوائد الحديث: 1- جواز الأذان للصّبح قبل طُلُوع الفجر.
2- جواز الأكل والشرب والجماع وسائر الأشياء إلى طُلُوع الفجر.
3- جواز أذان الأعمى، قال أصحابنا: هو جائز، فإن كان معه بصيرٌ كابن أُمِّ مكتومٍ مع بلال فلا كراهة فيه، وإن لم يكن معه بصير كُرِهَ للخوف من غَلَطِهِ.
4-استحباب أذانين للصُّبْحِ أحدهما قبل الفجر، والآخر بعد طُلُوعه أوّل الطُّلُوع.
5- اعتماد صوت المؤذّن، واستدلّ به مالك والمزنيّ وسائر مَنْ يقبل شهادة الأعمى، وأجاب الجمهور عن هذا بأنّ الشّهادة يُشترط فيها العلم ولا يحصل علم بالصّوت لأنّ الأصوات تشتبه، وأمّا الأذان ووقت الصّلاة فيكفي فيها الظنّ.
6-جواز الأكل بعد النيّة، ولا تفسُد نيّة الصّوم بالأكل بعدها؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أباحَ الأكل إلى طُلُوع الفجر، ومعلوم أنّ النيّة لا تجوز بعد طُلُوع الفجر، فدلّ على أنّها سابقة، وأنّ الأكل بعدها لا يَضُرّ، وهذا هو الصّواب المشهور.
7-استحبابُ السّحور وتأخيرُه.
8- اتّخاذ مُؤذِّنَينِ للمسجد الكبير، قال أصْحابنا: وإنْ دَعَتِ الحاجة جاز اتّخاذ أكثر منهما، كما اتّخذ عثمان أربعة، وإن احتاج إلى زيادة على أربعة فالأصحّ اتّخاذُهُم بحسب الحاجة والمصلحة (5)
13-تعجيل الإفطار:
أ-قال الإمام البخاري (6): باب متى يَحِلُّ فِطْرُ الصّائمِ.؟
وأفطر أبو سعيد الخُدْرِيُّ رضي الله عنه حين غاب قُرصُ الشّمس.
هل يجبُ إمساكُ جزءٍ مِنَ اللّيل لِتَحَقُّقِ مُضِيِّ النّهار أمْ لا...؟
الجواب لا يجبُ).
وذلك: أنّ أبا سعيد لمّا تحقّق غروب الشّمس لم يطلب مَزيداً على ذلك ولا التفتَ إلى موافقة من عندهُ على ذلك، فلوْ كان يجب عنده إمساك جزء من اللّيل لاشتراك الجميع في معرفة ذلك والله أعلم.
ب-ثمّ ذكر البخاري في الباب حديثين.
الحديثُ الأول: عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا أَقَبَلَ اللّيلُ من ها هُنا، وأَدْبَرَ النّهارُ مِن هَا هُنا، وغَرَبَتِ الشَّمسُ، فقد أفطرَ الصّائِمُ» (7).
«إذا أقبل اللّيل من هاهنا» أيّ: من جهة المشرق كما في الحديث الذي يليه، والمراد به وُجُود الظّلمة حسّاً، وذكر في هذا الحديث ثلاثة أمور، لأنّها وإن كانت متلازمةً في الأصل لكنّها قد تكون في الظّاهر غير مُتلازمة، فقد يُظَنُّ إقبالُ اللّيل من جهة المشرق،ولا يكون إقبالهُ حقيقةً بل لوجود أمرٍ يُغَطِّي ضوء الشّمس وكذلك إدبارُ النّهار فَمِنْ ثَمّ قيَّد بقوله: «وغَرَبَتِ الشّمسُ» إشارة إلى اشتراط تحقُّق الإقبال والإدبار، وأنّهما بواسطة غروب الشّمس لا بسببٍ آخرَ، ولم يذكُر ذلك في الحديث الثّاني فيحتملُ أن يُنزّل على حالين: أمّا حيث ذكرها ففي حال الغيم مثلاً. وأمّا حيثُ لم يذكرها ففِي حَال الصّحو، ويحتمل أن يكونا في حالة واحدة وحَفِظَ أحد الرّاوِيَين ما لم يحفظْ الآخرُ، وإنّما ذُكِرَ الإقبال والإدبار معاً لإمكان وُجُود أحدهما مع عدم تحقُّقِ الغروب قاله القاضي عِيَاض.
وفي «شرحِ التِّرمذيِّ»: الظّاهرُ الاكتفاءُ بأحَدِ الثّلاثة لأنّه يُعْرَفُ انقضاء النّهار بأحدهما، ويُؤَيِّدهُ الاقتصار في رواية ابن أبي أَوْفَى على إقبال اللّيل.
قال ابن خزيمة في قوله: «فقد أَفْطَرَ الصَّائمُ»: لَفْظُ خَبَرٍ ومعناه الأمر، أي: فليُفْطِرِ الصّائِمُ.
الحديث الثاني: عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: كُنّا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر وهو صائمٌ فلمَا غَرَبَتِ الشّمس قال لبعض القوم: «يا فلان قُمْ فاجْدَحْ لنا»، فقال: يا رسول الله، لو أمسيت؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «انزل فاجْدَحْ لنا»، قال: يا رسول الله، فلو أمْسَيْتَ. قال صلى الله عليه وآله وسلم: «انزل فاجْدَحْ لنا» قال: إنّ عليك نهاراً. قال صلى الله عليه وآله وسلم: «انزل فاجْدَحْ لنا». فنزل فجَدَحَ لهم، فشرب النّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ قال: «إذا رَأيتُمُ اللّيلَ قد أَقْبَلَ مِنْ هاهنا فقد أفطَرَ الصَّائمُ» (8).
هذا السّفر يُشبه أن يكون سَفَرَ غزوة الفتح، ويُؤَيِّدهُ عند مسلم بلفظ: «كُنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سَفَرٍ في شهرِ رمضان». وأنّ سَفَره في رمضان مُنْحَصِرٌ في غزوة بدرٍ وغزوة الفتح، لم يشهد ابنُ أبي أَوفى بدراً فتعَيَّنَتْ غزوة الفتح.
(يا فلان قُمْ فاجْدَحْ): بالجيم ثمّ الحاء المهملة، والجَدْح: تحريك السَّويق ونحوه بالماء بعودٍ يقال له: المِجْدَحُ مُجَنَّح الرّأس.
يحتمل كان يرى كثرَةَ الضّوء مِنْ شدّة الصّحو فَيَظُنُّ أنّ الشّمس لم تَغْرُبْ ويقول لعلّها غطّاها شيءٌ مِنْ جَبَلٍ ونحوه، أو كان هناك غيمٌ فلم يتحقّق غروب الشّمس.
فقه وفوائد الحديث
1- استحبابُ تعجيل الفطر، وأنّه لا يجب إمساك جزءٍ مِنَ اللّيل مُطلقاً، بل متى تحقّق غروب الشّمس حَلَّ الفِطْرُ.
2ـ وفيه تَذَكُّر العَالِم بما يُخْشَى أن يكون نَسِيَهُ، وتَرْكِ المراجعة له بعد ثلاث.
3ـ بيانُ وقت الصّوم، -من طلوع الفجر الى الغروب- وأنّ الغروب متى تحقّق كفى.
4ـ وفيه إيماء إلى الزّجر عن مُتابعة أهل الكتاب فإنّهم يُؤَخِّرُون الفطر عن الغُرُوب.
5-أحاديث التعجيل متواترة
-قال تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] يقتض: الإفطار عند غروب الشمس.
قال ابن عبد البرّ: أحاديثُ تعجيل الإفطار وتأخير السُّحُور صِحاحٌ مُتواترةٌ:
1- جاء في الصحيحين: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ». (9)
2-عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ، مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ». (10)
3-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا. »(11).
4- وعند عبد الرزّاق وغيره بإسنادٍ صحيحٍ عن عَمْرو بن ميمون الأوديِّ قال: «كان أصحابُ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم أسْرَعَ النّاسِ، إفطاراً وأبطأهُم سحوراً» (12).
زاد أبو ذَرٍّ في حديثه: «وأخَّرُوا السُّحُورَ» أخرجَهُ أحمد، امتثالاً للسّنّةِ واقفين عند حَدّها غير مُتَنَطِّعِينَ بِعُقُولهم ما يُغَيِّرُ قواعِدها.
5-زاد أبو هريرة في حديثه: «لأنّ اليهودَ والنَّصارى يُؤَخِّرُون» أخرجه أبو داود وابن خزيمة وغيرهما.
وتأخير أهل الكتاب له أمَدٌ وهو ظُهُور النَّجْمِ، وقد روى ابن حبّانَ والحاكم من حديث سهل أيضاً بلفظ:
6- «لا تَزَالُ أُمّتي على سُنَّتِي ما لم تَنتَظِرْ بِفِطرها النُّجُومَ» (13) وفيه بيان العِلّة في ذلك.
ب-الحكمة من تعجيل الإفطار
أ-قال المُهَلَّبُ: والحكمة في ذلك أن لا يُزادَ في النّهار من اللّيل، ولأنّه أرفق بالصّائم وأقوى له على العبادة، واتّفقَ العلماءُ على أنّ محلّ ذلك إذا تحقّق غروب الشّمس بالرّؤية أو بإخبار عدلَين، وكذا عدلٍ واحد في الأرجح.
ب-قال ابن دقيق العيد: في هذا الحديث ردٌّ على الشّيعة في تأخيرهم الفطر إلى ظهور النّجوم، ولعلّ هذا هو السّبب في وجود الخير بتعجيل الفطر لأنّ الذي يُؤَخِّرُهُ يدخُلُ في فعل خلاف السّنّة ا هـ.
ج- (تنبيه): من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزّمان أن صاروا لا يؤذّنون إلّا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت زعموا فأخّروا الفطر وعجّلوا السّحور وخالفوا السنّة، والله المستعان (14).
ج-النهي عن الوصال:
أ- الوِصَالِ: وهو أن يصل يوماً بيوم آخر ولا يأكل بينهما شيئاً.
ورد في الأحاديث الصحيحة النهي عن الوصال،
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ تُوَاصِلُوا»، قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي»، فَلَمْ يَنْتَهُوا عَنِ الوِصَالِ، قَالَ: فَوَاصَلَ بِهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يَوْمَيْنِ أَوْ لَيْلَتَيْنِ، ثُمَّ رَأَوُا الْهِلَالَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْ تَأَخَّرَ الهِلاَلُ لَزِدْتُكُمْ» كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ (15).
ب- الوِصَالِ: من خصائص النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه كان يقوى على ذلك ويُعان.
والأظهر أنَّ ذلك الطعام والشراب في حقِّه إنما كان (معنويَّاً) لا (حسيَّاً) وإلا فلا يكون مُواصلاً مع الحسِّي ولكن كما قال الشاعر:
لها أحاديثُ مِنْ ذكراكَ تشغِلُها = عنْ الشَّراب وتُلهِيهَا عَن الزَّادِ
ج-وأمَّا مَنْ أحبَّ أنْ يُمسكَ بعد غروب الشَّمس إلى وقت السَّحر فلهُ ذلك، كما في حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «لَا تُوَاصِلُوا، فَأَيُّكُمْ يُرِيدُ أَنْ يُوَاصِلَ، فَلْيُوَاصِلْ إِلَى السَّحَرِ».
قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.؟
قَالَ: «إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» (16).
د- تعجيل الفطر مُسْتَحَبٌّ: قال الشّافعيّ في «الأُمّ»: تعجيل الفطر مُسْتَحَبٌّ، ولا يكره تأخيره إلّا لمن تعمّدَهُ ورأى الفضل فيه، ومقتضاهُ أنّ التّأخير لا يكرهُ مطلقاً، وهو كذلك إذ لا يلزم من كون الشّيء مُستحبّاً أن يكون نقيضهُ مكروهاً مُطلقاً.
هـ-مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْطِرَ عَلَيْهِ
- عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ، فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» (17)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: مَنْ وَجَدَ تَمْرًا فَلْيُفْطِرْ عَلَيْهِ، وَمَنْ لاَ، فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ، فَإِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ. (18) [فَلْيُفْطِرْ عَلَيْه]ِ الأمرُ هنا: ليس على الوجوب بل على الاستحباب، وقد شذّ ابن حزم فأوجب الفطر على التّمر وإلّا فعلى الماء.
14-الدعاء عند الإفطار
عن معاذ بن زُهْرة، بلغه أن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أفطر، قال: اللَهُمَّ لك صُمْتُ، وعلى رِزْقِكَ أفْطَرْتُ (19). كان رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أفطر قال: "ذهب الظَّمأ وابتلَّت العُرُوقُ وثبتَ الأجر إن شاء اللهُ" (20).
قَال ابْنِ حَجَرٍ: أَيْ زَالَ التَّعَبُ وَحَصَلَ الثَّوَابُ، وَهَذَا حَثٌّ عَلَى الْعِبَادَاتِ، فَإِنَّ التَّعَبَ يَسِيرٌ لِذَهَابِهِ وَزَوَالِهِ، وَالْأَجْرُ كَثِيرٌ لِثَبَاتِهِ وَبَقَائِهِ،
نَظِيرُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ:
{الْحَمْدُ لِله الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 34] "(21)

----------------------------------------------------------

(1) سنن البيهقي (1864).
(2) أخرجه مسلم (2593).
(3) أخرجه مسلم (2588).
(4)- صحيح البخاري (3/ 29)1926 أخرجه مسلم (2647).
(5) شرح النووي على صحيح مسلم ج7 ص202
(6) فتح الباري شرح صحيح البخاري (ج6 ص214)
(7) أخرجه البخاري (1954).
(8) أخرجه البخاري (1955).
(9) صحيح البخاري (3/ 36) صحيح مسلم (2/ 772)51 - (1100) 1954
(10) موطأ مالك ت الأعظمي (3/ 411)1011/ 300
(11) سنن الترمذي ت بشار (2/ 74)700
(12) مصنف عبد الرزاق ج4 (7591).
(13) صحيح ابن حبان، باب الإفطار وتعجيله (3579).
(14) فتح الباري (ج6/220)
(15) صحيح البخاري (9/ 97)7299
(16)- سنن الدارمي (2/ 1063)1747
(17) صحيح ابن حبان - محققا (8/ 282)
أخرجه أحمد سنن أبي داود (2/ 306)2356 والترمذي "696"، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وقال الدارقطني: إسناده صحيح، قال الترمذي: حسن غريب.
(18) سنن الترمذي ت بشار (2/ 70)694
(19) سنن أبي داود ت الأرنؤوط (4/ 40)2358
(20) -سنن أبي داود ت الأرنؤوط (4/ 39)2357
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 22-04-2022 الساعة 11:21 PM.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 115.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 112.17 كيلو بايت... تم توفير 3.40 كيلو بايت...بمعدل (2.94%)]