جنة النعيم لمن أتى الله بقلب سليم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4435 - عددالزوار : 870397 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3966 - عددالزوار : 402705 )           »          على طريق النصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          تربية الأبناء الواجب والتحديات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          احفظ لسانك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          الأثيم في الاحتفال بشم النسيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          الصلاة والاهتمام بها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          الإسراف خطره وصوره (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          شرح النووي لحديث ابن الزبير: كنت أنا وعمر بن أبي سلمة يوم الخندق مع النسوة في أطم حسا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          شرح الننوي لحديث: لكل نبي حواري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-07-2022, 06:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,680
الدولة : Egypt
افتراضي جنة النعيم لمن أتى الله بقلب سليم

جنة النعيم لمن أتى الله بقلب سليم
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين آمين.

كلُّنا سنُعرَض على الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة، وكلُّنا سنقفُ بين يديه، فالقلوب ينظر إليها الله سبحانه وتعالى، فمن صلَح قلبُه، وسلِمَ مما يغضب الله سبحانه وتعالى؛ فهو في أمن وأمان، وأما مَن لم يصلُح قلبُه، ولم يحسُن إيمانه ولا توحيده، فإنه لن ينفعَه في دنياه ولا في أخراهُ مالٌ ولا بنون؛ قال جل جلاله: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾، [الشعراء: 88، 89]، فكثرةُ الأموالِ والغِنى والرفاهِ، حتى لو كانت تُقدَّمُ في سبيل الله، والقلبُ مريض لا تنفع عند الله؛ إلا أن يكون القلبُ سليمًا صحيحًا معافًى، مِن ماذا؟

ما القلب السليم؟
هو القلبُ الخالي من الشرك، هو القلبُ المليءُ بالتوحيد، هو السليمُ مِن الشِّرْك، ليس فيه شَكٌّ في الحقِّ، هو القلبُ الذي يشهدُ أن لا إلهَ إلا الله، وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، هو القلبُ الذي يؤمنُ بالله ربًّا، هو أن يعلمَ أنَّ اللهَ حقٌّ، وأنَّ الساعة قائمة، وأنَّ الله يبعث مَن في القبور، وأن هناك حياةً دائمة باقية، القلب السليم هو الناصح لله في خَلْقه، القلب السليمُ مِن الشرك، مُخْلِصًا لله عز وجل بالتوحيد، فينفعه يوم البعث مالُه وولدُه، هذا هو القلب السليم الخالي من الشرك، وليس معناه الخاليَ من الذنوب، مَن منَّا يسلمُ مِنَ الذنوب؟ وإنما هو خالٍ مما يُخلِّد الإنسان في النار؛ [انظر: موسوعة التفسير المأثور، إعداد: مركز الدراسات والمعلومات القرآنية (16/ 307)].

يوم القيامة يأتي الغنيُّ وقلبُه ليس بسليم فلا تنفعه أمواله، ولو جاء المجاهد - في نظرنا - في سبيل الله- مقاتلًا، وقَتلَ من الكفار أعدادًا فلا ينفعه، إذا لم يكن قلبُه سليمًا، وكذا المتصدِّقُ والعالم، وقارئ القرآن؛ قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((أُولَئِكَ الثَلَاثَةُ؛ أَوَّلُ خَلْقِ اللهِ تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، [(ت) (2382)]، بماذا تسعر النار؟

بمن ساهم في بناء المساجد، وساعدَ الفقراء والمساكين بماله، فيقال له: ((ليقال: هو كريم... لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ...))، هذه النية ليست لله، القلب غير صالح وغير سليم، القرآن، وقَرَأَةُ القرآنِ ما أكثرهم! العلماء الذين يدرِّسون للناس علمَ الشريعة والدين تسعر بهؤلاء، فيسألهم، العلم بذلناه فيك يا ألله، كذبت، الذي يعلم القلوب مَن؟ إنه الله سبحانه وتعالى، وبعدها ((لِيُقال عنك عالم، ليقال هو قارئ))، وهذا هو الحديث الذي بيَّن هؤلاء على حقيقتهم؛ رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.

وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.

وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ))؛ [(م) 152- (1905)].

فهؤلاء أوَّل من تسعَّر بهم النارُ من أمَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، عافانا الله وإياكم من مرض القلوب؛ مرض الشهوة والشبهة، نسأل الله السلامة، ﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 89]، هذا القلبُ السليمُ تنفعه أمواله يوم القيامة، القلب السليم ينفعه كثرة أولاده، ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، فأبشر يا صاحب القلب السليم، إذا كنت من الأغنياء الذين يتبرعون لله عزَّ وجل، لا يريدون من الناس جزاءً ولا شكورًا، ولا رياءً ولا سمعة، يا من أنجبت الأولاد والذريَّة الصالحةَ التي تذكرُ الله، فقد ربَّيتهم على ذلك، ذرية تصلي الصلوات، تقوم بالعبادات، تنفع إخوانهم المسلمين، تنفع خلق الله سبحانه وتعالى، ترحم البهائم فهي من مخلوقات الله، وترحم حتى الكافر، فالطبيب المسلم إذا كان أمامه كافر مريض يعالجه، ويرحمه؛ لأنه من خلق الله، والله أرحم بنا منَّا بأنفسنا، أرحم بنا من الوالدة بولدها.

عبد الله؛ الله يذكِّرنا بهذا في عباداتنا، فليكن قلبك سليمًا رقيقًا، يتأثر عند ذكر الله، فيا صاحب القلب السليم، إذا سمعت المؤذن ينادي: (اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبر)، وسمعت النداء: (حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح)، فالقلبُ الرقيق السليم يتذكَّر النداءَ يوم القيامة، الله ينادي الناس، ويبعث المنادي ينادي من الملائكة حتى يخرج الأموات من القبور بالأذان؛ قال سبحانه: ﴿ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ﴾ [ق: 41، 42]، خمس مرات مع الأذان يتذكر يوم القيامة، ثمَّ يتوضأُ وينظِّفُ أعضاءَه، أو يغتسلُ للصلاة، فيتذكر طهارة قلبه، إن كان مليئًا بالحقد أو الحسد، أو البغضاء أو الضغائن على المسلمين والناس، أو ما شابه ذلك، أنا أوضِّئ أعضائي وأطرافي من القاذورات ومن الأوساخ، فلماذا لا أنظف قلبي الضغائن والأحقاد؟ فيخرج إلى الصلاة بهذه النية، وقلبُه خالصٌ سليمٌ من مثل هذه الأمور، التي هي أدرانٌ وأوساخٌ القلوبِ وأمراضها، فإذا وقفَ بين يدي الله، في بيتٍ من بيوتِ الله يتذكَّر الموقفَ العظيم أمام الله يوم القيامة، إذا دخل بيتًا من بيوت الله، بقلبه يتذكر أنه داخل على الله سبحانه وتعالى، هنَا لا غيبة ولا نميمة، ولا أحاديث جانبية فارغة، تقتل وقتك، دون أن تستفيد منها بذكر لله، أو بدعاء أو بقراءة قرآن، أو بصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

كثير من إخواني يأتون إلى المساجد في يوم الجمعة، وينشغلون بأمور حسنة وطيبة، مثل قراءة القرآن ونحوها، وينسَون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن الصلاة معروضة على النبي يوم الجمعة مباشرة؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((... أكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ - يَقُولُونَ: بَلِيتَ؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ))؛ [(د) (1047)، (جه) (1085)، (حم) (16162)].

فيقضي وقته بعد أن يقرأ القرآن، يقضي وقته كلامًا مع صاحبه ومع أخيه، لا يا عبدالله، ليكن قلبُك سليمًا، اغتنم هذا الوقت بين الأذان والإقامة، عند انتظار الصلاة، أمَّا أخوك، أما صاحبك، أما صديقك، فالحديث معه طويل في أوقات كثيرة في غير هذه الأوقات، التي منحها الله سبحانه وتعالى لعباده، فــ((الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ))؛ [(ت) (212)، (د) (521)، (حم) (12200)]، فلماذا تنشغل بأمور أخرى؟
﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾، فربَّى أولادَه على الطاعةِ ومنفعة الآخرين، وأدبهم على حسن الأخلاق، ينفعونه يوم القيامة، ينفعونه، فلا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.

لذلك علينا جميعًا أن نتذكَّر هذه المواقف، فكلُّ ما تعمله من خير تذكَّرْ فيه ثوابه عند الله، فلا تدري ما الثواب، نقول: حسنة، ما الحسنة؟ نقول: أجر، ما الأجر؟
هو عند الله عزَّ وجلَّ لك مدَّخر، لا تعلمه اليوم على حقيقته، حتى وإن ورد في الكتاب والسنة تعريفًا بأجر معين، أو ثوابٍ معين، لا نعلمه على حقيقته، كالدرجة في الجنة، كيف هي؟ كما قال صلى الله عليه وسلم عندما يوضح الدرجات، يقول للصحابي: ((أما إنها درجة ليست كعتبة أمك))، فالعتبة درجة توضع أمام الغرفة، يرتفع عليها الإنسان حتى يدخل المنزل، ليست كعتبة أمك؛ فقد قَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي النَّحَّامِ رضي الله عنه: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الدَّرَجَةُ؟! قَالَ: أَمَا إِنَّهَا لَيْسَتْ بِعَتَبَةِ أُمِّكَ، وَلَكِنْ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ مِائَةُ عَامٍ))؛ [(س) (3144)، (حم) (18063)].

وفي رواية البخاري: ((... مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ...))؛ [(خ) (2790)].

القلب السليمُ يتأثر بالمواعظ، يتأثر بآياتٍ من كتاب الله مقروءةٍ مسطورة، يتأثر بآية من آيات الله مشاهَدةٍ في الخلاء ومنظورة، آيات تقرؤها بعينك تقربك من الله، لا تقسِّي قلبك بل ترقِّقُه، وتجعل الدمعةَ تخرج من عينك؛ خشية من الله عزَّ وجلَّ، القلوبُ معظمها اليومَ - إلا من رحم الله - قلوب مريضة بالشهوات والشبهات، مريضةٌ بالحقد والحسد والغِلِّ، كما انتشر اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي أن أحد الموظفين يحمل حقيبةً كَتب عليها: والله ما هي كوبونة! حتى لا ينظر إليه الناس أنه قابض من جمعية خيرية أو ما شابه، إنما من راتبه الشهري، هذه عادات الناس ينظرون بعين حاسدة، وقلوب حاقدة!

انظر إلى أخيك المسلم بقلب خالص، ادعُ له إذا كان صاحبَ سيارة، أو صاحب عمارة، أو صاحب عقار، الله أعطاه أولادًا، صاحب القلب السليم يهنِّئ أخاه على ما وهبه الله، وبارك له فيه، ويدعو اللهَ أن يرزقه مثله، لا أن يشمت به، أو يحسُده على ما أعطاه الله، وإنما يتمنى أن يرزقه الله كما رزقه.

أمَّا أن تتمنَّى زوالَ النعمةِ عن أخيك المسلم؛ حسدًا ومرضًا في القلب، فقبيح جدًّا، يورث الغل والحقد والبغضاء، بينما أصحاب القلوب الطيبة، عندما يرَون من هو أعلى منهم في الدنيا، فيتمنون أن يعطيهم الله كما أعطى فلانًا، وأن يرزقهم خيرًا منه في الآخرة، فإن كان أعطى أخاه عِمارةً، فيتمنى من الله قصرًا يوم القيامة، وإن أعطاه أرضًا يتمنى أرضًا في الجنة يوم القيامة، وهكذا العبد المؤمنُ يربط خيرات الدنيا بخيرات الآخرة، حتى لا يقعَ في قلبه من مثل هذه الأمراض التي تشوش على القلوب.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين؛ أما بعد:

فقد ورد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه الطبراني في مسند الشاميين، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، عَنْ أَبِي عِنَبَةَ الْخَوْلانِيِّ - واختلفوا في اسمه: هل هو عبدالله، أو هو عمارة بن عنبة الخولاني؟ - رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ للهِ آنِيَةً مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَآنِيَةُ رَبِّكُمْ قُلُوبُ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ))، اللهم اجعلنا منهم يا رب، ((وَأَحَبُّهَا إِلَيْهِ أَلْيَنُهَا وَأَرَقُّهَا))؛ [(طب) في مسند الشاميين (840)، وانظر: صَحِيح الْجَامِع: (2163)، الصَّحِيحَة: (1691)].

"إن لله آنيةً"؛ أي: أوعيةً؛ والوعاء ما يوضع فيه الماء، والطعام والشراب وغيرها من الأمور، الله ما يريد بهذه الأوعية؟ بهذه الأواني؟ ((إن لله آنية من أهل الأرض))، وبهذا عرفنا أنَّ المقصود بهذه الأواني، ليست أوانيَ من الألمنيوم، ولا النحاس، ولا الحديد ولا الخشب ولا غيره، وإنما هي في البشر من أهل الأرض، ما هي يا رب هذه الآنية؟
قال: ((وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين))، فالأوعية التي يريد أن يضع الله فيها ماذا؟ لا شرابًا ولا طعامًا، وإنما هو نورُ الإيمان، والتوحيد والإخلاص لله عز وجل، هذه الأوعية والآنية هي القلوب السليمة: ﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 89]، وعاءٌ من أوعية الله عزَّ وجلَّ، يختارك أنت لأنْ يكون قلبك وعاء لنور الإيمان، وعاءً يأتي بنور بالإيمان بالله سبحانه وتعالى.

وأوعية ربكم قلوب عباده الصالحين؛ إذًا ليس قلوب كلِّ أهل الأرض، هذه الآنية التي فيها النور؛ نور الإيمان - ليست قلوب الجميع، وإنما قلوب عباده الصالحين، الذين امتثلوا أمر الله ففعلوه على قدر طاقتهم واستطاعتهم، وابتعدوا واجتنبوا نهي الله، فتجبنوا المحرمات، وابتعدوا عمَّا يغضب الله سبحانه وتعالى.

صالحون، حَكَمَ الله عليهم بالصلاح، اللهم اجعلنا منهم يا رب، اجعل قلوبنا من القلوب الصالحة السليمة التي هي آنية للنور والإيمان، والتوحيد والإخلاص لك يا رب، آنية قلوب عباده الصالحين، آنية ربكم.

وهذه القلوبُ التي هي آنية ربنا درجاتٌ أحبُّها عنده سبحانه، وما يحبه الله عز وجل منَّا، وهذه يستطيع أن يفعلها قساة القلوب، أحبها إلى ربنا ألينُها وأرقُّها، ألينها قلوب هينة لينة، رقيقة ليست قاسية، هذه تُملأ بالإيمان والتوحيد أكثر من غيرها، ألينُها، وأين اللين في قلوب المسلمين هذا الزمان، والأخُ يقتلُ أخاه، والجارُ يحسد جارَه، والأب بينه وبين أبنائه شقاق لا اتفاق، والأم مع ابنتها لم تحسن تربيتها؟

القلوب القاسية، وما الذي يليِّنُها؟ ذكر الله، وكثرة الصلاة والسلام على رسول الله، وكثرة تلاوة القرآن، وأن تعمل العبادات والأعمال الصالحات، رقِّقْ قلبَك بمسحِ رأس يتيم، فقد شكا بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه؛ فقال له: ((إِنْ أَرَدْتَ أنْ يلينَ قلبُك؛ فأطْعِم المسكِينَ، وامسحْ ‌رأسَ ‌اليتيم))؛ [صحيح الجامع: (1410)، ورمز له (طب، في مكارم الأخلاق، هب) عن أبي هريرة، الصحيحة (854): (حم)].

ونقل أبو طالب أن رجلًا سأل أحمد بن حنبل رحمه الله: (كيف يرقُّ قلبي؟)، قال: (ادخل المقبرة، وامسحْ رأس يتيم)؛ [الفروع (2/ 299)، والجامع لعلوم الإمام أحمد، الفقه (7/ 145)].

ابحث عن اليتامى والمساكين، وأصحابِ الحاجات، اذهب إلى المستشفيات، واحمد الله على نعمة الصحة التي وهبك الله إياها، وسُلِبت من غيرك، احمد الله دائمًا وأبدًا، تأتِكَ الرِّقة في القلب، واللينُ مع إخوانك المسلمين، بل مع عباد الله سبحانه وتعالى أجمعين، بل مع مخلوقات الله، فلا تحرق نملةً ولا حشرةً بالنار؛ فــ((إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ))؛ [(د) (2675)].

ارحمها، فهذه مخلوقة من مخلوقات الله سبحانه، إن آذتك فاقتلها، اقتلها قتلًا، أو اقتلها بمبيد حشريٍّ، أو بسمٍّ، أو نحو ذلك، لكن بالنار؟
لا! لا تقتلها عبثًا، فقد عجَّ عصفورٌ إلى ربِّه يشكو من قتلِه عبثًا، وقال العصفور: لم يقتلني لمنفعة، وهو عصفور، فكيف بغيره من خلق الله، فـــ((إِنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللهِ رَجُلٌ... يَقْتُلُ دَابَّةً عَبَثًا))؛ [(ك) (2743)، (هق) (14173)، صَحِيح الْجَامِع: (1567)، الصَّحِيحَة: (999)].

وقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ إِنْسَانٍ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا؛ إِلَّا سَأَلَهُ اللهُ عز وجل عَنْهَا، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: حَقُّهَا أَنْ يَذْبَحُهَا فَيَأكُلَهَا، وَلَا يَقْطَعُ رَأسَهَا فَيَرْمِي بِهَا))؛ [(س) (4445)، (حم) (6550)، (ك) (7574)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ: (1092)، (2266)].

بعضُ الناس رقَّ قلبه، وهو محمَّل بالذنوب والخطايا، رقَّ قلبُه على كلب، المرأة البغي؛ زانية معروف أنها تزني، والزنا ذنب عظيم، رقَّ قلبها على كلب، فلما نزلت البئر شربت ووجدت أن الكلب ما يستطيع أن يشرب فملأت مُوقَها؛ أي: خُفَّها حتى أسقت الكلب؛ ذكر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ، قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ، فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا))؛ [(م) 154- (2245)].

وعكسها امرأة دخلت النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض؛ فقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ قَالَ: فَقَالَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ: لاَ أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلاَ سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِهَا، وَلاَ أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا، فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ))؛ [(خ) (2365)]، نتكلم اليوم فقط عن القلوب اللينة والرقيقة، أمَّا القلوب القاسية، فربما تكون لها خطبة خاصة.

فرقِّقوا قلوبكم، وارحموا عباد الله، ﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 89].

ومن سلامة القلب، قال بعض العلماء ألَّا يكون لعَّانا، وانظر إلى الفسبكة والتوترة، ووسائل التواصل، كيف اللعن والسب بين المسلمين قد انتشر؟ بل في الشوارع، بل هي ثقافة أولادنا وأطفالنا والمدارس؛ اللعن والسب، سبُّ الأمِّ والأب، ونحو ذلك انتشرت، فسلامة اللسان من السبِّ واللعن؛ هذه علامةُ سلامة القلب إن شاء الله، ﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 89]؛ أي: ليس لعانًا ولا طعانًا، وصاحبه ليس فاحشًا ولا بذيئًا، وإنما يَخرُجُ من قلبه على لسانه ذكرُ الله وما والاه من الكلام الطيب والحسن.

صلوا على رسول الله، فقد صلى اللهُ عليه في كتابه؛ فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعليٍّ، وسائر الصحابة أجمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين، وارضَ عنا رب العالمين معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 64.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.72 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.66%)]