|
|
ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
وأيقنت أنه زلزال!
وأيقنت أنه زلزال! صفية محمود كانت ليالي شديدة الريح، مُستمرَّة المطر، وكنا لم نعتدْ هذه الأجواء؛ فهي غريبة على بلادنا التي كانت مشهورة باعتدال الجوِّ في صيفها والشتاء، ولكن تغيَّر الطقس، وهكذا شاء الإله، فكان الأمر مثار استغراب ومحلَّ عجب، ولأنه كان خلاف المعتاد، فلم نعدَّ له عدةً، وحتى في عاداتنا لم يكن له استِعداد. وفي إحدى هذي الليالي صحوت مِن نومي والفجر في اقتراب، فإذا ريح لها دويٌّ، وصوتُ المطر كالسيل، والأبواب لها رجَّة، والريح لها صفير، ومن فراغ النوافذ ينبعث صوت مُخيف، فذكرتُ دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهمَّ حوالَينا لا علينا))، وذكرتُ مشيَه صلى الله عليه وسلم في بيته جيئةً وذهابًا من صوت رعد وريح، وجال في خاطري ضآلة الإنسان أمام قوة الله التي لا تُحَدُّ، وكيف لهذا الإنسان الذي يحتوي الهواء يجرُّه إليه بأنفه استنشاقًا بغير عناء ولا استِعصاء، فكيف يخاف من نفس الهواء؟ أليست الريح إلا هواءً؟ وكيف لها أن تطيح به، وقد ترمي به إلى مكان سحيق؟ وكيف لهذا الماء الذي يحبسه المرء في زجاجة أو في أنبوب ضئيل، أو يرشفه بفمه فيَسيل في داخله مُتعة للشاربين، فيدخل بإذنه، ويكفُّه بإذنه، ويزيل به عطشه وخبثه وتعبه، ونفس الماء يزمجر في شلال، أو يطغى في سيل وطوفان، وقد يحمل الإنسان حملًا كقشَّة على سطحِه، ويُلقيه يمينًا أو شمالًا بلا اكتراث، وقد يطيح في لمحة بما بناه الناس في سنين؟ فاستشعرتُ خوفًا شديدًا، إنها قدرة الله يذلِّل ما يشاء لمن يشاء بأمره وحكمته، ويُهلك من يشاء بما يشاء بأمره وعدله، وكنتُ لم أزل في فراشي، فنظرت خارج الحُجرة، فإذا بالأثاث يتحرَّك حركةً شديدة، فظننتُ أن برأسي دوارًا، فأغمضت عيني وفتحتها من جديد، فإذا الأثاث بالخارج يهتزُّ بشدة، فأيقنتُ أنه زلزال، ولكن ضاعت مِن رأسي الأفكار، ماذا نفعل في تلك الظروف؟ وكيف نتعامل مع الزلزال؟ ربَّاه، ماذا أفعل؟ أيقظتُ الجميع فهبُّوا مَفزوعين، قلت لهم: زلزال! هلمُّوا، لا بد من النزول، فارتبَكوا وأربَكوني، فخرجت من حجرتي فإذا المرآة في باب الحمام تهتزُّ باهتزازه من شدة الريح، وهذا الذي خيَّل لي أن الأثاث يتحرَّك، وإنما صورته بالمرآة هي التي تتحرك بحركة الباب، وكل ما حدث من خوفي ورعبي وفزع الناس وتنغيص نومهم بسبب خطأ في الإدراك وسوء فهْم، فكم من قرارٍ فاشل مبناه على خلل في الإدراك! وكم من نفوس تضيع بسبب خلل في الإدراك! وما يحدث من الناس من كفر ومعصية فهو مِن خلل في الإدراك؛ لذا لا بدَّ من تركيز الاهتمام وبذْل الجهود لتصحيح الإدراك وتقويمه بوسائله من سمع وبصَر وشمٍّ ولمسٍ، ثم ما يَنبني عليها من فهْم وقرار، وإلا فالدَّمار، وقانا الله منه، ورزقنا صحة الإدراك.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |