شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         كلام جرايد د حسام عقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 33 )           »          تأمل في قوله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره... } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          بيان معجزة القرآن بعظيم أثره وتنوع أدلته وهداياته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          { ويحذركم الله نفسه } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          رمضان والسباق نحو دار السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          جدول لآحلى الأكلات والوصفات على سفرتك يوميا فى رمضان . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 772 )           »          منيو إفطار 19 رمضان.. طريقة عمل الممبار بطعم شهى ولذيذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          جددي منزلك قبل العيد.. 8 طرق بسيطة لتجديد غرفة المعيشة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 29-06-2022, 10:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد


شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (1)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 353الى صــ 364
(21)



وَهَذَا يَقْتَضِي لِكَوْنِهِ يَنْتَفِعُونَ بِهِ لَا لِتَكْرَارِهِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِمُ الْإِحْرَامُ كُلَّمَا دَخَلُوا لَشَقَّ عَلَيْهِمْ مَشَقَّةً عَظِيمَةً، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ مَكَّةَ لِتَعَلُّقِ مَصَالِحِهِمْ بِهَا وَتَعَلُّقِ مَصَالِحِ الْبَلَدِ بِهِمْ ... .
قَالَ أَصْحَابُنَا: وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا لَهُ صَنْعَةٌ بِالْحِلِّ يَتَرَدَّدُ إِلَيْهَا، وَكَذَلِكَ الْفُيُوجُ الَّذِي يَتَكَرَّرُ دُخُولُهُمْ، وَحَدُّ التَّكْرَارِ ... قَالَ حَرْبٌ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: الرَّجُلُ يَدْخُلُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ مِنَ الْحَطَّابَةِ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ كُلَّ يَوْمٍ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ فَقَيَّدَهُ بِيَوْمٍ.
(فَصْلٌ)
وَإِنَّمَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ عَلَى الدَّاخِلِ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْحَجِّ، فَأَمَّا الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَيَجُوزُ لَهُمُ الدُّخُولُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتُهُ، فَأَنْ لَا يَجِبَ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمْ.
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)
أَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ مَكَّةَ أَوْ قَصَدَهَا وَهُوَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ دُخُولُهَا بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، كَالْمُحَارِبِ وَذِي الْحَاجَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ وَغَيْرِهِمْ إِذَا أَرَادَ النُّسُكَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْمِيقَاتِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ.
(فَصْلٌ)


فَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْعَبْدُ إِذَا دَخَلُوا مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، ثُمَّ أَرَادُوا الْحَجَّ بِأَنْ يَأْذَنَ لِلصَّبِيِّ مَوْلَاهُ، وَلِلْعَبْدِ سَيِّدُهُ، أَوْ صَارُوا مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ فَإِنَّهُمْ يُحْرِمُونَ بِالْحَجِّ مِنْ حَيْثُ أَنْشَئُوهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَذُكِرَ لَهُ قَوْلُ سُفْيَانَ فِي مَمْلُوكٍ جَاوَزَ الْمَوَاقِيتَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ مَنَعَهُ مَوَالِيهِ أَنْ يُحْرِمَ حَتَّى وَقَفَ بِعَرَفَةَ، قَالَ: يُحْرِمُ مَكَانَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّ سَيِّدَهُ مَنَعَهُ، قَالَ أَحْمَدُ: جَيِّدٌ حَدِيثُ أَبِي رَجَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ جَازَ لَهُمْ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِمُ الْإِحْرَامُ حِينَ صَارُوا مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ فَصَارُوا كَالْمَكِّيِّ، وَلِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ الْإِحْرَامَ إِلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، وَهَذَا فِيمَا إِذَا دَخَلُوا غَيْرَ مُرِيدِينَ لِلنُّسُكِ، أَوْ أَرَادَهُ وَمَنَعَهُمَا السَّيِّدُ وَالْوَلِيُّ مِنَ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُمَا الْوَلِيُّ فِي الْإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ فَلَمْ يُحْرِمَا لَزِمَهُمَا دَمٌ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي.
وَأَمَّا الْكَافِرُ إِذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ، أَوْ دَخَلَ مَكَّةَ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَرَادَ الْحَجَّ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمَ مِنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَعَلَيْهِ دَمٌ، قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي نَصْرَانِيٍّ أَسْلَمَ بِمَكَّةَ: يَخْرُجُ إِلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ، فَإِنْ خَشِيَ الْفَوَاتَ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَالشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ وَتَمَكَّنَ مِنْهُ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ بِتَرْكِهِ كَالْمُسْلِمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَافِرَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُسْلِمَ وَيُحْرِمَ وَهُوَ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِي تَرْكِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِحْرَامُ فِي حَالِ كُفْرِهِ فَأَشْبَهَ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَهُوَ مُحْدِثٌ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي نَصْرَانِيٍّ أَسْلَمَ بِمَكَّةَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وُلِدَ بِمَكَّةَ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فِي الذِّمِّيِّ يُسْلِمُ بِمَكَّةَ: يُحْرِمُ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ مَوْضِعِ أَسْلَمَ، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِحْرَامُ فَأَشْبَهَ الْمَجْنُونَ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَرَكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: («الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ إِذَا عَتَقَ وَالصَّبِيِّ إِذَا بَلَغَ سَوَاءً، وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُحْدِثًا فَإِنَّهُ هُنَاكَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَا تَرَكَهُ مِنَ الْوَاجِبَاتِ فِي حَالِ حَدَثِهِ، وَهُنَا يُغْفَرُ لَهُ مَا تَرَكَهُ فِي حَالِ كُفْرِهِ حَتَّى يُخَاطَبَ بِالْوُجُوبِ مِنْ حِينِ الْإِسْلَامِ.
وَلِأَنَّ مَكَّةَ قَدِ اسْتَوْطَنَهَا أَقْوَامٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا دَخَلُوهَا بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، أَوْ بِإِحْرَامٍ لَا يَصِحُّ، ثُمَّ لَمَّا أَسْلَمُوا لَمْ يُؤْمَرُوا أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُوا مِنْهُ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ اسْتَوْطَنَهَا أُفُقِيٌّ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ.
الْفَصْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ إِنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ وَأَرَادُوا النُّسُكَ لَزِمَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُوا مِنْهُ، فَيَدْخُلُ فِي هَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ مَقْصُودُهُ الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ مَقْصُودُهُ دُخُولَ مَكَّةَ لِتِجَارَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.


وَإِنْ قُلْنَا: يَسْقُطُ الْإِحْرَامُ بِالدُّخُولِ، أَوْ قُلْنَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إِذَا أَرَادَ الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمَ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ الْحَجُّ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: فَأَمَّا الْمُسْلِمُ يَدْخُلُ مَكَّةَ لِتِجَارَةٍ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ ثُمَّ يُرِيدُ الْحَجَّ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إِلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ مِنْهُ فَإِنْ خَشِيَ الْفَوْتَ أَحْرَمَ مِنْ مَكَانِهِ، وَكَانَ عَلَيْهِ دَمٌ قَوْلًا وَاحِدًا، ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ حَكَى فِي الذِّمِّيِّ إِذَا أَسْلَمَ بِمَكَّةَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ وَقْتٌ وَأَرَادَ الْحَجَّ رَجَعَ إِلَى الْمِيقَاتِ فَأَهَلَّ مِنْهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ خَافَ الْفَوْتَ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ دَمٌ.
وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ وَالْحَجُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يُرِدْهُ .... ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنَ الْمِيقَاتِ وَاجِبٌ قَدْ أَمْكَنَ فِعْلُهُ فَلَزِمَهُمْ كَسَائِرِ الْوَاجِ
بَاتِ.
وَإِذَا رَجَعُوا فَأَحْرَمُوا فَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَتَوْا بِالْوَاجِبِ وَتِلْكَ الْمُجَاوَزَةُ لَيْسَتْ نُسُكًا، فَإِذَا لَمْ يَتْرُكُوا نُسُكًا وَلَمْ يَفْعَلُوا نُسُكًا فِي غَيْرِ وَقْتِهِ وَلَمْ يَفْعَلُوا فِي الْإِحْرَامِ مَحْظُورًا فَلَا وَجْهَ لِإِيجَابِ الدَّمِ.
قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: " رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَرُدُّهُمْ إِلَى الْمَوَاقِيتِ إِذَا جَاوَزُوهَا بِغَيْرِ إِحْرَامٍ " رَوَاهُ سَعِيدٌ.
فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ يَخَافُونَ - مِنَ الرُّجُوعِ - فَوْتَ الْحَجِّ، أَوْ لَمْ يُمْكِنِ الرُّجُوعُ لِتَعَذُّرِ الرُّفْقَةِ وَمَخَافَةِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمُ الرُّجُوعُ، فَيُحْرِمُونَ مِنْ مَوْضِعِهِمْ وَعَلَيْهِمْ دَمٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْرَمُوا مِنْ دُونِهِ مَعَ إِمْكَانِ الْعَوْدَةِ فَعَلَيْهِمْ دَمٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ... وَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ بِعَوْدِهِمْ إِلَى الْمِيقَاتِ.
[مَسْأَلَةٌ حكم الإحرام قبل الميقات]
مَسْأَلَةٌ: (وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُحْرِمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ مُحْرِمٌ.


مَذْهَبُ أَحْمَدَ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَلَا بِالْعُمْرَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْمِيقَاتَ، قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَقَدْ سُئِلَ أَيُّمَا أَعْجَبُ إِلَيْكَ: يُحْرِمُ مِنَ الْمِيقَاتِ أَمْ قَبْلُ؟ فَقَالَ: مِنَ الْمِيقَاتِ أَعْجَبُ إِلَيَّ.
قِيلَ لَهُ وَسُئِلَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ أَوَّلَ مَا يَحُجُّ مِنْ بَيْتِهِ، أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ، فَقَالَ: وَجْهُ الْعَمَلِ الْمَوَاقِيتُ.
وَكَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي: كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ أَوَّلَ مَا يَحُجُّ مِنْ بَيْتِهِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ، فَقَالَ: وَجْهُ الْعَمَلِ الْمَوَاقِيتُ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ: إِذَا أَحْرَمَ الرَّجُلُ أَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتٍ أَعْجَبُ
إِلَيَّ، وَلَا يُحْرِمُ مِنْ قَبْلِ الْمِيقَاتِ فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ، وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ، قَالَ حَرْبٌ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: الرَّجُلُ يُحْرِمُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ؟ قَالَ: قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمٌ، وَكَأَنَّهُ سَهَّلَ فِيهِ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: إِنْ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ بَأْسٌ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ هُوَ وَعَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ،وَاعْتَمَرَ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ وَعُمْرَةَ الْقَضَاءِ هُوَ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ يُحْرِمُ هُوَ وَالْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمِيقَاتِ وَلَمْ يَنْدُبْ أَحَدًا إِلَى الْإِحْرَامِ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا رَغَّبَ فِيهِ وَلَا فَعَلَهُ أَحَدٌ عَلَى عَهْدِهِ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ أَفْضَلَ لَكَانَ أَوْلَى الْخَلْقِ بِالْفَضَائِلِ أَفْضَلَ الْخَلَائِقِ وَخَيْرَ الْقُرُونِ وَلَوْ كَانَ خَيْرًا لَسَبَقُونَا إِلَيْهِ وَكَانُوا بِهِ أَوْلَى، وَبِفَضْلٍ - لَوْ كَانَ فِيهِ - أَحْرَى، وَلَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى ذَلِكَ كَمَا نَدَبَ إِلَى جَمِيعِ الْفَضَائِلِ؛ إِذْ هُوَ الْقَائِلُ: " «وَمَا تَرَكْتُ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ إِلَّا وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلَا مِنْ شَيْءٍ يُبَعِّدُكُمْ عَنِ النَّارِ إِلَّا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ» ".
فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ فَتَقْتَدِي الْأُمَّةُ بِهِ وَقَدْ يَخْتَارُ غَيْرَ الْأَفْضَلِ لِلتَّعْلِيمِ.
قِيلَ: قَدْ أَحْرَمَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ مَعَ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا مَرَّةً فَقَدْ كَانَ الْجَوَازُ وَالْبَيَانُ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَمَّا أَحْرَمَ فِيهَا كُلِّهَا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ عُلِمَ أَنَّهُ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ.
وَلِأَنَّهُ قَدْ كَرَّرَ الْعُمَرَ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا عُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ، فَزِيَادَةُ مَوْضِعِ الْإِحْرَامِ لَوْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ وَأَيْسَرَ.
وَلِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْفِعْلِ الَّذِي يَتَكَرَّرُ، فَيَفْعَلُ الْمَفْضُولَ مَرَّاتٍ لِبَيَانِ الْجَوَازِ كَالصَّلَاةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، فَأَمَّا مَا لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَخْتَارَ لِرَسُولِهِ أَدْنَى الْأَمْرَيْنِ وَيَدَّخِرَ لِمَنْ بَعْدَهُ أَفْضَلَهُمَا، وَفَاعِلُ هَذَا وَقَائِلُهُ يُخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ.
وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ فَقَالَ: أَخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةَ [قِيلَ لَهُ: وَأَيُّ فِتْنَةٍ] فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا هِيَ زِيَادَةُ أَمْيَالٍ؟ فَقَالَ: وَأَيُّ فِتْنَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَظُنَّ أَنَّكَ خُصِصْتَ بِأَمْرٍ لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَوْ كَانَ الْفَضْلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ إِذْ هُوَ أَنْصَحُ الْخَلْقِ لِلْخَلْقِ،وَأَرْحَمُ الْخَلْقِ بِالْخَلْقِ، كَمَا دَلَّهُمْ عَلَى الْأَعْمَالِ الْفَاضِلَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَشَقَّةٌ كَالْجِهَادِ وَغَيْرِهِ.


وَكَوْنُهُ أَيْسَرَ قَدْ يَكُونُ مُقْتَضِيًا لِفَضْلِهِ، كَمَا أَنَّ صَوْمَ شَطْرِ الدَّهْرِ أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِهِ كُلِّهِ وَقِيَامَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِهِ كُلِّهِ، وَالتَّزَوُّجَ وَأَكْلَ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ أَفْضَلُ مِنْ تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ: «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» أَمْرٌ بِالْإِهْلَالِ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ، وَهَذَا التَّوْقِيتُ يَقْتَضِي نَفْيَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ الزِّيَادَةُ مُحَرَّمَةً فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا أَفْضَلَ.
وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَوْرَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَ
لَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -«لِيَسْتَمْتِعْ أَحَدُكُمْ بِحِلِّهِ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ فِي حُرْمَتِهِ») رَوَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِمِثْلِ إِسْنَادِهِ، لَكِنْ أَبُو سَوْرَةَ ضَعَّفُوهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَكَانَ أَحَدُ الْوَقْتَيْنِ، فَلَمْ يَكُنِ الْإِحْرَامُ قَبْلَهُ مُسْتَحَبًّا كَالزَّمَانِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُقَدَّرَاتِ مِنَ الْمَشْرُوعَاتِ كَإِعْدَادِ الصَّلَاةِ وَرَمْيِ الْجَمَرَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُشْرَعُ كَالنَّقْصِ مِنْهُ، فَإِذَا لَمْ تَكُنِ الزِّيَادَةُ مَكْرُوهَةً فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا فَضْلٌ.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 01-07-2022, 07:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد


شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (1)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 367الى صــ 380
(22)



وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّرَفُّهَ بِالْحِلِّ قَبْلَ الْمِيقَاتِ رُخْصَةٌ، كَالْأَكْلِ بِاللَّيْلِ فِي زَمَانِ الصَّوْمِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي زِيَادَةِ الْإِحْرَامِ عَلَى مَا وَجَبَ تَعْرِيضًا لِأَخْطَارِ الْإِحْرَامِ؛ مِنْ مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورَاتِ وَمَلَالَةِ النَّفْسِ، فَكَانَ الْأَوْلَى السَّلَامَةَ، كَمَا سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ قَلِيلِ الطَّاعَةِ قَلِيلِ الْمَعْصِيَةِ، وَرَجُلٍ كَثِيرِ الطَّاعَةِ كَثِيرِ الْمَعْصِيَةِ، فَقَالَ: " لَا أَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا "، وَطَرْدُ هَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ لِلْمُتَمَتِّعِ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، وَإِنَّمَا اسْتَحْبَبْنَا لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَوَاقِيتِ فَيُحْرِمَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ مِيقَاتٌ شَرْعِيٌّ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ: " تَمَامُهَا أَنْ تُحْرِمَ بِهَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ ".


وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: («مَنْ أَهَلَّ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ») رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: («مَنْ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ») وَأَبُو دَاوُدَ وَلَفْظُهُ: («وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ») شَكَّ الرَّاوِي، وَابْنُ مَاجَهْ وَلَفْظُهُ: («مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ»).
وَقَدْ أَحْرَمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ فَوْقِ الْمَوَاقِيتِ، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ أَحْرَمَ عَامَ الْحَكَمَيْنِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ " وَعَنْهُ: " أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: لَوَدِدْتُ أَنِّي لَوْ جِئْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَأَحْرَمْتُ مِنْهُ ".
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنَ الْعَقِيقِ " رَوَاهُمَا سَعِيدٌ.
وَقَدْ قِيلَ: أَهَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنَ الشَّامِ، وَأَهَلَّ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ مِنَ الْبَصْرَةِ، وَأَهَلَّ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنَ الْقَادِسِيَّةِ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يُحِبُّونَ أَوَّلَ مَا يَحُجُّ الرَّجُلُ أَوْ يَعْتَمِرُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَرْضِهِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا، وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ، وَتَرْكَهُ عَادَةٌ، وَالْعِبَادَاتُ أَفْضَلُ مِنَ الْعَادَاتِ.
قِيلَ: أَمَّا أَثَرُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَحَرْبٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] قَالَ: " إِنَّ إِتْمَامَهَا أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ " قَالَ حَرْبٌ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ: " أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ " قَالَ: هُوَ أَنْ يُنْشِئَ سَفَرَهَا مِنْ أَهْلِهِ، وَقَالَ أَحْ
مَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْحَدِيثِ " أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ " قَالَ: يُنْشِئُ لَهَا سَفَرًا مِنْ أَهْلِهِ؛ كَأَنَّهُ يَخْرُجُ لِلْعُمْرَةِ عَامِدًا، كَمَا يَخْرُجُ لِلْحَجِّ عَامِدًا، وَهَذَا مِمَّا يُؤَكِّدُ أَمْرَ الْعُمْرَةِ.
وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُذَيْنَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَمَامِ الْعُمْرَةِ فَقَالَ: ائْتِ عَلِيًّا فَسَلْهُ فَعُدْتُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: ائْتِ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَلْهُ، فَأَتَيْتُ عَلِيًّا فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ رَكِبْتُ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَالسُّفُنَ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ تَمَامِ الْعُمْرَةِ فَقَالَ: تَمَامُهَا أَنْ تُنْشِئَهَا مِنْ بِلَادِكَ، فَعُدْتُ إِلَى عُمَرَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ: ائْتِ عَلِيًّا فَسَلْهُ، فَقُلْتُ: قَدْ سَأَلْتُهُ فَقَالَ: تَمَامُهَا أَنْ تُنْشِئَهَا مِنْ بِلَادِكَ، قَالَ: هُوَ كَمَا قَالَ " رَوَاهُ سَعِيدٌ وَذَكَرَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: " أَحْرِمْ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ " فَقَدْ تَوَافَقَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى أَنَّ تَمَامَهَا أَنْ يُنْشِئَهَا مِنْ بَلَدِهِ، فَيُسَافِرَ لَهَا سَفَرًا مُفْرَدًا كَسَفَرِ الْحَجِّ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَنْشَأَ لِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْقَضِيَّةِ سَفَرًا مِنْ بَلَدِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا فَإِنَّ الْعُمْرَةَ الَّتِي يُنْشِئُ لَهَا سَفَرًا مِنْ مِصْرِهِ أَفْضَلُ مِنْ عُمْرَةِ الْمُتَمَتِّعِ وَعُمْرَةِ الْمُحْرِمِ وَالْعُمْرَةِ مِنَ الْمَوَاقِيتِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ يَقْصِدُهُ عُمَرُ بِنَهْيِهِمْ عَنِ الْمُتْعَةِ أَنْ يُنْشِئُوا لِلْعُمْرَةِ سَفَرًا آخَرَ.


فَأَمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الدُّخُولُ فِي الْإِحْرَامِ مِنَ الْمِصْرِ فَكَلَّا؛ لِأَنَّ عُمَرَ قَدْ زَجَرَ عَنْ ذَلِكَ، وَعَلِيٌّ لَمْ يَفْعَلْهُ قَطُّ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، بَلْ لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ يَكُونُ التَّمَامُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ وَلَا جَمَاهِيرُ أَصْحَابِهِ.
وَقَوْلُهُ: " أَنْ تُحْرِمَ مِنْ أَهْلِكَ " كَمَا يُقَالُ: تَحُجُّ مِنْ أَهْلِكَ وَتَعْتَمِرُ مِنْ أَهْلِكَ لِمَنْ سَافَرَ سَفَرَ الْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِيرُ حَاجًّا وَلَا مُعْتَمِرًا حَتَّى يُهِلَّ بِهِمَا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: («لَا يَرْكَبِ الْبَحْرَ إِلَّا حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ أَوْ غَازٍ فِي سَبِي
لِ اللَّهِ»).
وَلِهَذَا كَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: " مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ هَذَا الْوَجْهَ فَلَا يَقُولَنَّ: إِنِّي حَاجٌّ وَلَكِنْ لِيَقُلْ: إِنِّي وَافِدٌ، فَإِنَّمَا الْحَاجُّ الْمُحْرِمُ " وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: " لَا يَقُولُ أَحَدُكُمْ إِنِّي حَاجٌّ وَإِنَّمَا الْحَاجُّ الْمُحْرِمُ، وَلَكِنْ يَقُولُ: أُرِيدُ الْحَجَّ، وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي صَرُورَةٌ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَيْسَ بِصَرُورَةٍ ".
وَعَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ: " سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: لَا تَقُلْ إِنِّي حَاجٌّ حَتَّى تُهِلَّ، وَلَكِنْ لِتَقُلْ إِنِّي مُسَافِرٌ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي الْعَالِيَةِ فَقَالَ: صَدَقَ أَنَسٌ، أَوَلَيْسَ إِنْ شَاءَ رَجَعَ مِنَ الطَّرِيقِ " رَوَاهُمَا سَعِيدٌ.


تَقْدِيرُهُ أَنْ تَقْصِدَ الْإِحْرَامَ وَالْإِهْلَالَ مِنْ أَهْلِكَ وَتُنْشِئَ سَفَرَهُمَا مِنْ أَهْلِكَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَدْ قِيلَ: هُوَ مَخْصُوصٌ بِهِ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَفْضَلَ خُصُوصًا لِأَنَّهُ يُعَمِّرُ مَا بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِالْعِبَادَةِ، وَهُمَا أَوْلَى مَسَاجِدِ الْأَرْضِ وَبَيْنَهُمَا كَانَ مَسْرَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمَا الْقِبْلَتَانِ، وَمِنْهُمَا الْمَبْدَأُ وَالْمَعَادُ فَإِنَّ الْأَرْضَ دُحِيَتْ مِنْ تَحْتِ الْكَعْبَةِ وَتُعَادُ مِنْ تَحْتِ الصَّخْرَةِ، وَعَامَّةُ الْأَنْبِيَاءِ الْكِبَارِ بُعِثُوا مِنْ بَيْنِهِمَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إِهْلَالُ ابْنِ عُمَرَ مِنْهُ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ
فِي حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: إِنَّ الْإِحْرَامَ مِنَ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ ضَعَّفَ الْحَدِيثَ.
وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي: عَلَى أَنْ يُنْشِئَ السَّفَرَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَيَكُونَ الْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ مِنَ الصَّحَابَةِ قَبْلَ الْمَوَاقِيتِ فَأَكْثَرُ مِنْهُمْ عَدَدًا وَأَعْظَمُ مِنْهُمْ قَدْرًا لَمْ يُحْرِمُوا إِلَّا مِنَ الْمَوَاقِيتِ، وَقَدْ أَنْكَرُوهُ بِالْقَوْلِ، فَرَوَى الْحَسَنُ: " أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ أَحْرَمَ مِنَ الْبَصْرَةِ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَغَضِبَ وَقَالَ: " يَتَسَامَعُ النَّاسُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ مَنْ مِصْرِهِ ".
وَعَنِ الْحَسَنِ: " أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ أَحْرَمَ مِنْ خُرَاسَانَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَامَهُ فِيمَا صَنَعَ وَكَرِهَهُ لَهُ " رَوَاهُمَا سَعِيدٌ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَكَرِهَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ كِرْمَانَ.
وَفِي رِوَايَةٍ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ: " فَقَدِمَ عَلَى عُمَرَ فَأَغْلَظَ لَهُ وَقَالَ: يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ
رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ مِنْ مِصْرٍ مِنَ الْأَمْصَارِ ".
وَعَنْ مُسْلِمٍ أَبِي سَلْمَانَ: " أَنَّ رَجُلًا أَحْرَمَ مِنَ الْكُوفَةِ فَرَأَى عُمَرُ سَيِّئَ الْهَيْئَةِ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ وَجَعَلَ يُدِيرُهُ فِي الْخَلْقِ وَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ وَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ ".
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: " اسْتَمْتِعُوا بِثِيَابِكُمْ فَإِنَّ رِكَابَكُمْ لَا تُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا رَوَاهُنَّ النَّجَّادُ.
[مَسْأَلَةٌ أشهر الحج]
مَسْأَلَةٌ: (وَأَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ).
هَذَا نَصُّهُ وَمَذْهَبُهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: أَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ ... .
وَيَوْمُ النَّحْرِ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَأَبِي طَالِبٍ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " أَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ " رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ وَالنَّجَّادُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمْ.


[وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي قَوْلِهِ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] قَالَ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، رَوَاهُ سَعِيدٌ الْأَشَجُّ وَالنَّجَّادُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمْ]، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَوْلُهُ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] وَهُوَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْحَجِّ، وَسَائِرُ الشُّهُورِ لِلْعُمْرَةِ، فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُحْرِمَ أَحَدٌ بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يُحْرِمُ بِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ " رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْهُ.
وَعَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَعَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " أَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ " رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَفِي لَفْظٍ: وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَهَذَا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ، وَمُرَادُهُمْ بِعَشْرٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ بِكَمَالِهِ، كَمَا قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَاتٍ أُخْرَى.
وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ: اسْمٌ لِمَجْمُوعِ اللَّيَالِي وَأَيَّامِهَا، فَإِنَّ يَوْمَ النَّحْ
رِ مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: («مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ») وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 2] وَيَوْمُ النَّحْرِ دَاخِلٌ فِيهَا، وَقَالَ تَعَالَى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} [الأعراف: 142]

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 01-07-2022, 08:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد



شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (1)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 381الى صــ 394
(23)

وَيَوْمُ النَّحْرِ هُوَ آخِرُ الْأَرْبَعِينَ، وَلَفْظُ الْعَشْرِ - وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ اسْمًا لِلْمُؤَنَّثِ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ هَاءٍ -: فَإِنَّمَا دَخَلَ فِيهِ الْيَوْمُ لِسَبَبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ فِي التَّارِيخِ إِنَّمَا يُؤَرِّخُونَ بِاللَّيَالِي؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ وَتَدْخُلُ الْأَيَّامُ تَبَعًا، وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ يَوْمِ النَّحْرِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ يَجِيءُ هَذَا فِي صِفَةِ الْمُذَكِّرِ بِغَيْرِ هَاءٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - («مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ») وَقَوْلِهِ: (مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ).
وَأَيْضًا فَإِنَّ يَ
وْمَ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ هِيَ الْأَشْهُرُ الَّتِي سَنَّ اللَّهُ فِيهَا الْحَجَّ وَشَرَعَهُ، وَالْحَجُّ لَهُ إِحْرَامٌ وَإِحْلَالٌ، فَأَشْهُرُهُ هِيَ: الْوَقْتُ الَّذِي يُسَنُّ فِيهِ الْإِحْرَامُ بِهِ وَالْإِحْلَالُ مِنْهُ.
وَأَوَّلُ وَقْتٍ شُرِعَ الْإِحْرَامُ فِيهِ بِالْحَجِّ شَوَّالٌ وَالْوَقْتُ الَّذِي يُشْرَعُ فِيهِ الْإِحْلَالُ: يَوْمُ النَّحْرِ، وَمَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ لَا يُشْرَعُ التَّأْخِيرُ إِلَيْهِ، وَلَيْلَةُ النَّحْرِ لَا يُسَنُّ التَّعْجِيلُ فِيهَا كَمَا لَا يُسَنُّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ أَوَّلُهَا عِيدُ الْفِطْرِ وَآخِرُهَا عِيدُ النَّحْرِ، وَالْحَجُّ هُوَ مَوْسِمُ الْمُسْلِمِينَ وَعِيدُهُمْ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ طَرَفَيْ وَقْتِهِ عِيدَيْنِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] قَالَ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا عُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يُزَارَ الْبَيْتُ، إِذَا جُعِلَتِ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَفِدِ الرَّجُلُ إِذَا حَجَّ الْبَيْتَ أَبَدًا ".
وَعَنِ التَّمِيمِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ " [ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْ
مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ] رَوَاهُنَّ سَعِيدٌ.
قِيلَ: لَيْسَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ اخْتِلَافٌ فِي الْمَعْنَى، كَمَا يُقَالُ: قَدْ مَضَى ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ الثَّالِثِ، وَيُقَالُ: لَهُ خَمْسُونَ سَنَةً وَإِنْ كَانَ لَمْ يُكْمِلْهَا، فَكَثِيرٌ مَا يُعَبَّرُ بِالسِّنِينَ وَالشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ عَنِ التَّامِّ مِنْهَا وَالنَّاقِصِ، فَمَنْ قَالَ: وَذُو الْحِجَّةِ أَنَّهُ مِنْ شُهُورِ الْحَجِّ فِي الْجُمْلَةِ، وَمَنْ قَالَ: وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ فَقَدْ بَيَّنَ مَا يَدْخُلُ مِنْهُ فِي شُهُورِ الْحَجِّ عَلَى سَبِيلِ
التَّحْدِيدِ وَالتَّفْصِيلِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197].
قُلْنَا: الشَّهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ تُسَمَّى شُهُورًا، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ بِالْأَهِلَّةِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ فَائِدَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْيَمِينُ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَهَذَا التَّحْدِيدُ لَهُ فَائِدَةٌ فِي أَوَّلِ الْأَشْهُرِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَعْتَمِرَ قَبْلَهَا، وَهِيَ عُمْرَةُ رَمَضَانَ وَأَنَّهُ إِنِ اعْتَمَرَ فِيهَا كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَقَبْلَ ذَلِكَ هُوَ وَقْتُ الصِّيَامِ، فَإِذَا انْسَلَخَ دَخَلَ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ.
وَمِنْ فَوَائِدِهِ: أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالْأَرْكَانِ قَبْلَ أَشْهُرِهِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ وَطَافَ لِلْقُدُومِ لَمْ يُجْزِهِ سَعْيُ الْحَجِّ عَقِيبَ ذَ
لِكَ؛ لِأَنَّ أَرْكَانَ الْعِبَادَةِ لَا تُفْعَلُ إِلَّا فِي وَقْتِهَا، وَفَائِدَتُهُ فِي آخِرِ الْأَشْهُرِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَلَا يَتَقَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا يَتَأَخَّرَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ مَكْرُوهٌ.
فَصْلٌ
وَالْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ: مَكْرُوهٌ [قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: إِذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ] قَالَ الْقَاضِي: أَوَدُّ بِهَذَا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: مِيقَاتُ الْمَكَانِ ضَرْبٌ؛ لِئَلَّا يُتَجَاوَزَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَمِيقَاتُ الزَّمَانِ ضَرْبٌ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ، فَإِنْ خَالَفَ وَتَجَاوَزَ انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ مَكْرُوهًا، وَكَذَلِكَ إِذَا خَالَفَ فِي مِيقَاتِ الزَّمَانِ يَجِبُ أَنْ يَنْعَقِدَ مَكْرُوهًا.
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ هَلْ يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: لَا يُكْرَهُ كَالْإِحْرَامِ قَبْلَ مِيقَاتِ الْمَكَانِ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ الْمِيقَاتِ فِيهِمَا.


وَالثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ لِأَنَّهُ رُكْنٌ، فَكُرِهَ فِعْلُهُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ.
وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي فِي الْكَرَاهَةِ خِلَافًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] وَمَعْنَاهُ: أَشْهُرُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ، أَوَّلُهُمَا شَوَّالٌ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا التَّوْقِيتِ وَالتَّحْدِيدِ فَائِدَةٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّوْقِيتُ لِأَجْلِ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ آخِرَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَالطَّوَافُ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَقَّتَ بِأَوَّلِ شَوَّالٍ، فَعُلِمَ أَنَّ التَّوْقِيتَ لِلْإِحْرَامِ، وَلِأَنَّ الْحَجَّ اسْمٌ لِلْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَشْهُرُ مَوَاقِيتَ لِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ وَقْتًا لَهَا لَمْ يَكُنْ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ مَشْرُوعًا؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ لَا يَكُونُ لِمُجَرَّدِ الْفَضِيلَةِ بِدَلِيلِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي آخِرِهِ، وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ هُوَ وَقْتَهَا.
وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ} [البقرة: 197]
خَصَّ الْفَرْضَ بِهِنَّ، فَعُلِمَ أَنَّهُ فِي غَيْرِهِنَّ لَا يُشْرَعُ فَرْضُهُ.
وَأَيْضًا مَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: " لَا يَصْلُحُ أَنْ يُحْرِمَ أَحَدٌ بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يُحْرِمُ بِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ " وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ " ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ النَّجَّادُ.
وَالصَّحَابِيُّ إِذَا أَطْلَقَ السُّنَّةَ انْصَرَفَ ذَلِكَ إِلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ " أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنِ الرَّجُلِ: أَيُهِلُّ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ؟ فَقَالَ: لَا " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَرَوَاهُ النَّجَّادُ، وَلَفْظُهُ: " لَا يُحْرِمِ الْمُحْرِمُ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ".
وَعَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمَا قَالَا: " إِتْمَامُهَا أَنْ تُحْرِمَ بِهَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ " وَإِذَا كَانَتْ دَارُهُ بَعِيدَةً لَمْ يُحْرِمْ إِلَّا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ.
قُلْنَا: قَدْ فَسَّرْنَاهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إِنْشَاءُ السَّفَرِ لَهُمَا، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ نَفْسَ الدُّخُولِ فِي الْحَجِّ فَهَذَا لِأَنَّ غَالِبَ دِيَارِ الْإِسْلَامِ يَتَأَتَّى الْإِحْرَامُ مِنْهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ... .
فَإِنْ خَالَفَ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَ
بِي طَالِبٍ وَسِنْدِيٍّ: مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَزِمَهُ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ فَسْخَهُ بِعُمْرَةٍ فَلَهُ ذَلِكَ، قَالَ الْقَاضِي: فَقَدْ نَصَّ عَلَى انْعِقَادِهِ وَأَجَازَ لَهُ فَسْخَهُ إِلَى الْعُمْرَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي جَوَازِ فَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ.
فَعَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي: إِنْ فَسَخَهُ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَلْ
زَمْهُ دَمٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَمَتُّعٍ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ لِأَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ إِنَّمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَحْبَبْنَا لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَإِذَا حَلَّ مِنْهَا أَنْشَأَ الْحَجَّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَقَامَ عَلَى إِحْرَامِهِ لَمَا أَهَلَّ بِهِ إِلَى أَنْ أَتَى الْحَجُّ أَجْزَأَهُ وَقَدْ تَحَمَّلَ مَشَقَّةً.
وَالْأَشْبَهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ مَقْصُودَ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَفْسَخُهُ بِعُمْرَةٍ: لَا لِأَجْلِ فَضْلِ التَّمَتُّعِ، بَلْ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ مَكْرُوهٌ، فَيَتَخَلَّصُ بِفَسْخِهِ إِلَى الْعُمْرَةِ مِنَ الْمَكْرُوهِ وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ. رَوَاهَا هِبَةُ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يَنْعَقِدُ بِعُمْرَةٍ: ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى هَذَا فِيهِ وَجْهَيْنِ:أَحَدُهُمَا: لَا يَنْعَقِدُ بِعُمْرَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ، وَلَا بِحَجٍّ لِأَنَّ وَقْتَهُ لَمْ يَدْخُلْ، كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ أَحْرَمَ بِالنَّفْلِ قَبْلَ الْفَرْضِ، أَوْ عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ.
وَالثَّانِي - وَهُوَ الْمَشْهُورُ - أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِعُمْرَةٍ وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: إِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ يَجْعَلُهَا عُمْرَةً، وَفَسَّرَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يَفْسَخُ الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَيَفْرَغَ مِنْهَا، وَيُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ.
وَالْأَشْبَهُ أَنَّ أَحْمَدَ إِنَّمَا قَصَدَ بِهَذَا أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهَا عُمْرَةٌ وَيُتِمَّهَا بِعَمَلِ عُمْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ - فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ - قَالَ: " يَجْعَلُهَا عُمْرَةً " وَفِي رِوَايَةٍ: " اجْعَلْهَا عُمْرَةً " فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة:
197] وَمَذْهَبُهُ: أَنَّ نَفْسَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ أَحْمَدَ إِنَّمَا قَصَدَ الْأَخْذَ بِقَوْلِ عَطَاءٍ فَتَكُونُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بَعْضُ الْحَجِّ وَجُزْءٌ مِنْهُ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ بِدُخُولِهِ فِيهِ يُسَمَّى حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَأَنَّهُ يُلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَأَنَّ الْعُمْرَةَ لِلشَّهْرِ الَّذِي يُهِلُّ فِيهِ لَا الشَّهْرِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِهِ السَّعْيُ إِلَى الْحَجِّ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُدْرِكُ الْوُقُوفَ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَفْوِيتُ الْحَجِّ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ قَبْلَ وَقْتِ الْعِبَادَةِ كَسَائِرِ الْأَبْعَاضِ وَكُنْيَةِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] فَخَصَّ الْفَرْضَ فِيهِنَّ بِالذِّكْرِ فَعُلِمَ أَنَّ حُكْمَ مَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ، وَلِأَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: («مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»).
وَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدِ الْحَجُّ وَلَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إِلَى بُطْلَانِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ إِلَّا لَازِمًا مُوجِبًا، انْعَقَدَ مُوجِبًا لِعُمْرَةٍ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْفَرْضِ قَبْلَ وَقْتِهِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ نَفْلًا.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَوْ جَازَ الْإِحْرَامُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَوَجَبَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي هَذَا الْعَامِ وَيَقِفَ بِعَرَفَةَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الْإِحْرَامِ يُوجِبُ إِتْمَامَهُ كَمَا أَنَّ النَّذْرَ يُوجِبُ فِعْلَ الْمَنْذُورِ [فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَزِمَهُ إِتْمَامُهُ كَمَا لَوْ نَذَرَهُ، وَكَوْنُهُ مَكْرُوهًا لَا يَمْنَعُ لُزُومَ الْوَفَاءِ بِهِ كَمَا أَنَّ عَقْدَ النَّذْرِ مَكْرُوهًا، وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، ثُمَّ النَّذْرُ يُوجِبُ فِعْلَ الْمَنْذُورِ] وَكَذَلِكَ الْإِحْرَامُ يُوجِبُ فِعْلَ مَا أَحْرَمَ بِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّ إِحْرَامَهُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ لُزُومَهُ وَانْعِقَادَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عَقَدَهُ، كَمَا لَوْ عَقَدَهُ وَهُوَ لَابِسٌ عَالِمًا ذَاكِرًا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ وَمَعَ هَذَا يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ صَحِيحًا مُوجِبًا لِلدَّمِ، بَلْ لَوْ عَقَدَهُ وَهُوَ مُجَامِعٌ انْعَقَدَ إِحْرَامًا فَاسِدًا، فَوَجَبَ الْمُضِيُّ فِيهِ وَالْقَضَاءُ لَهُ وَالْهَدْيُ، نَعَمْ، هَؤُلَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ دَمٌ لِمَا فَعَلُوهُ مِنَ الْمَحْظُورِ؛ لِأَنَّهُمْ نَقَصُوا الْإِحْرَامَ وَهَذَا لَمْ يَنْقُصْهُ وَإِنَّمَا زَادَ عَلَيْهِ، فَأَسْوَأُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَزِيدَ كَالْمَعْدُومِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ إِحْرَامٌ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَزِيَادَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ الْمَشْرُوعِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى مُحْرِمًا إِلَى حِينِ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْمَنَاسِكِ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً فَإِنَّهَا لَا تَقْدَحُ فِي الْقَدْرِ الْمَشْرُوعِ كَمَا لَوْ وَقَفَ بِالْمُعَرَّفِ قَبْلَ وَقْتِهِ أَوْ أَقَامَ بِهِ إِلَى نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ أَوْ طَافَ لَيْلَةَ النَّحْرِ أَوْ طَافَ أَكْثَرَ مِنْ أُسْبُوعٍ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَوْ رَمَى الْجِمَارَ بِأَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ حَصَيَاتٍ، أَوْ بَاتَ بِمِنًى بَعْدَ لَيَالِيهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُ
نْ ذَلِكَ قَادِحًا فِي الْإِحْرَامِ الْوَاقِعِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَكُونُ إِحْرَامًا صَحِيحًا قَدِ الْتَزَمَهُ، فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ الْإِحْرَامُ، وَإِذَا لَزِمَهُ ذَلِكَ الْإِحْرَامُ لَزِمَهُ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ إِلَّا بِصِحَّةِ مَا قَبْلَهُ وَلُزُومِهِ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْعَبْدَ لَوْ أَدْرَكَا الْوُجُوبَ وَهُمَا بِعَرَفَةَ صَحَّ إِتْمَامُ الْحَجِّ بِمَا وَجَدَ مِنَ الْإِحْرَامِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَكَانَ بَعْضُ هَذَا الْإِحْرَامِ مُجْزِئًا عَنِ الْوَاجِبِ، وَبَعْضُهُ لَيْسَ مُجْزِئًا عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْمُجْزِئُ مِنْهُ بِصِحَّةِ غَيْرِ الْمُجْزِئِ؛ فَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ الْمَشْرُوعَ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ جَعْلًا لِمَا وَجَدَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَالْوُجُوبُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ مَا لَمْ يَقَعْ فَاسِدًا.

وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَبَيْنَ سَائِرِ أَجْزَاءِ الْعِبَادَاتِ؛ فَإِنَّهَا إِنَّمَا لَمْ تُجْزِئْ لِكَوْنِ الْجُزْءِ الْمَفْعُولِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَاجِبًا بِكُلِّ حَالٍ، وَفِعْلُ الْوَاجِبِ قَبْلَ وَقْتِهِ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ يَكُونُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَعَدَمُ الْوَاجِبِ فِي الْعِبَا
دَةِ يُبْطِلُهَا، وَهُنَا الْإِحْرَامُ الْمَوْجُودُ قَبْلَ الْوَقْتِ إِذَا كَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَعَدَمُهُ لَا يُؤَثِّرُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ أَحَدُ الْمِيقَاتَيْنِ فَانْعَقَدَ الْإِحْرَامُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهِ كَالْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَجَّ مَخْصُوصٌ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَالْوُقُوفَ وَالطَّوَافَ أَخَصُّ مَكَانًا وَزَمَانًا [مِنَ الْإِحْرَامِ فَإِنَّ الْإِحْرَامَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمَا فِي مَكَانِهِ وَزَمَانِهِ] وَمِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالنُّسُكِ قَبْلَ مَكَانِ الْإِحْرَامِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ انْعَقَدَ، فَكَذَلِكَ إِذَا أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ زَمَانِهِ.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَمِيقَاتُ الزَّمَانِ جَمِيعُهُ بِمَنْزِلَةِ الْبُقْعَةِ الَّتِي يُشْرَعُ الْإِحْرَامُ مِنْهَا، لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهَا وَإِنْ تَقَدَّمَ انْعَقَدَ، لَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَهُوَ مِيقَاتُ الْمَكَانِ قَدْ نُهِيَ عَنِ التَّأَخُّرِ عَنْهُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ انْعَقَدَ وَلَزِمَهُ دَمٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ لِبَعْضِ النُّسُكِ، وَمِيقَاتُ الزَّمَانِ إِذَا أَخَّرَهُ عَنْ وَقْتِ جَوَازِهِ فَاتَ الْحَجُّ فَلَمْ يَنْعَقِدْ، وَإِنْ كَانَ التَّقَدُّمُ فِي الزَّمَانِ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ الْوَقْتَ بِالْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ بِخِلَافِ الْمَكَانِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدِ الْتَزَمَ الْحَجَّ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ الْتِزَامًا صَحِيحًا وَجَبَ أَنْ يُتِمَّهُ كَمَا الْتَزَمَهُ، وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، أَمَّا الْعُمْرَ
ةُ فَلَمْ يَقْصِدْهَا وَلَمْ يَنْوِهَا، وَهِيَ بَعْضُ مَا الْتَزَمَهُ، أَوْ هِيَ مُخَالِفَةٌ لَهُ فَكَيْفَ تَقُومُ مَقَامَ الْحَجِّ؟!
وَقَدِ احْتَجَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ بِقَوْلِهِ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] قَالُوا: وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَهِلَّةِ فَيَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ جَمِيعًا مِيقَاتًا لِلْحَجِّ، وَهَذَا غَلَطٌ مُحَقَّقٌ؛ لِأَنَّ الْهِلَالَ إِنَّمَا يَكُونُ وَقْتًا لِلشَّيْءِ إِذَا اخْتَلَفَ حُكْمُهُ بِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا، مِثْلُ أَنْ تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ أَوْ يَحِلَّ بِهِ الدَّيْنُ أَوْ يَجِبَ بِهِ الصَّوْمُ أَوِ الْفِطْرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ جَمِيعُ الْعَامِ وَقْتًا لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ لَمْ تَكُنِ الْأَهِلَّةُ مِيقَاتًا لِلْحَجِّ كَمَا لَمْ تَكُنْ مِيقَاتًا لِلنَّذْرِ، وَلَا مِيقَاتًا لِسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ، بَلْ هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ مُؤَقَّتٌ بِالْأَهِلَّةِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ مُؤَقَّتًا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَهِلَّةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ: أَنَّ جِنْسَ الْأَهِلَّةِ مِيقَاتٌ لِلْحَجِّ كَمَا قَالَ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: 173].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 01-07-2022, 08:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد


شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (1)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 395الى صــ 408
(24)


وَالْجِنْسُ يَحْصُلُ بِهِلَالٍ وَاحِدٍ، وَبِاثْنَيْنِ وَثَلَاثَةٍ فَأَ
فَادَتِ الْآيَةُ أَنَّ الْأَهِلَّةَ مِيقَاتٌ لِلْحَجِّ يُعْلَمُ جَوَازُهُ بِوُجُودِهَا فِي الْجُمْلَةِ، وَذَلِكَ حَقٌّ فَإِنَّ الْحَجَّ إِنَّمَا يَكُونُ لِهِلَالٍ خَاصٍّ، وَهُوَ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ أَنَّ مَجْمُوعَ أَهِلَّةِ السَّنَةِ وَقْتٌ لِلْحَجِّ فَإِنَّ الْحَجَّ إِنَّمَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ عِنْدَ انْتِهَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَيَجُو
زُ أَنْ يُرَادَ بَعْضُهَا مِيقَاتٌ لِلنَّاسِ وَبَعْضُهَا مِيقَاتٌ لِلْحَجِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ .... .
وَأَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَرْضَهُ قَبْلَهُنَّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ: {فِيهِنَّ} [البقرة: 197] مُتَعَلِّقًا بِالْحَجِّ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ خِلَافَ السُّنَّةِ فَصَحِيحٌ، لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ.


وَأَمَّا كَوْنُ الْإِحْرَامِ رُكْنًا لِلْحَجِّ وَبَعْضًا مِنْهُ فَقَدِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ، فَزَعَمَ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْحَجِّ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ لَهُ، وَالشُّرُوطُ تُفْعَلُ قَبْلَ وَقْتِ الْعِبَادَةِ كَالطَّهَارَتَيْنِ وَالسِّتَارَةِ قَالُوا: وَلِهَذَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُهُ فِي جَمِيعِ الْحَجِّ، وَالرُّكْنُ إِنَّمَا يُفْعَلُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الرُّكْنِ كَالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.
وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ أَصْحَابِنَا يَجْعَلُونَهُ رُكْنًا، ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: كَوْنُهُ رُكْنًا لَا يُوجِبُ اخْتِصَاصَ جَوَازِهِ بِأَشْهُرِ الْحَجِّ كَالطَّوَافِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَنَقُولُ: رُكْنٌ فِي طَرَفِ الْحَجِّ فَجَازَ فِعْلُهُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ كَالطَّوَافِ، وَعَكْسُهُ الْوُقُوفُ فَإِنَّهُ رُكْنٌ فِي وَسَطِ الْحَجِّ، وَقِيَاسُهُ بِالطَّوَافِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَاكَ تَأْخِيرٌ وَهَذَا تَقْدِيمٌ.
وَلِأَنَّ الطَّوَافَ لَا يُفْعَلُ إِلَّا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَالْإِحْرَامُ يَدُومُ وَيَسْتَمِرُّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِأُصُولِنَا فَإِنَّ الْعُمْرَةَ عِنْدَنَا لِلشَّهْرِ الَّذِي يُحْرِمُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا مُخْتَصًّا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ، نَعَمْ هُوَ يُشْبِهُ النِّيَّةَ لِأَنَّهُ بِهِ يَنْعَقِدُ الْحَجُّ، وَيَلْزَمُ وَبِهِ يَدْخُلُ فِي الْحَجِّ كَمَا يَدْخُلُ بِالنِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ، وَالنِّيَّةُ مِنْهَا مَا يَتَقَدَّمُ وَقْتَ الْعِبَادَةِ كَالصَّوْمِ، وَمِنْهَا مَا لَا يَتَقَدَّمُ كَالصَّلَاةِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ لَهُ شَبَهًا بِالشَّرَائِطِ وَشَبَهًا
بِالْأَرْكَانِ، وَالْأُصُولُ لَا يُقَاسُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، كَمَا أَنَّ الْحَجَّ لَا يُقَاسُ بِغَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا قُلْتُمْ يَنْعَقِدُ وَلَهُ فَسْخُهُ إِلَى عُمْرَةٍ يَحُجُّ بَعْدَهَا؛ فَهَذَا ظَاهِرٌ، أَمَّا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ وَيَفْسَخُهُ إِلَى عُمْرَةٍ مِنْ غَيْرِ حَجٍّ، وَيَكُونُ ذَلِكَ أَفْضَلَ مِنْ تَمَامِ حَجِّهِ فَكَيْفَ هَذَا؟
قُلْنَا: فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ يَجُوزُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَهُوَ تَحْصِيلُ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ حَجَّةٍ مُفْرَدَةٍ، فَلَمَّا كَانَ تَحْصِيلُ عُمْرَةٍ يَتَمَتَّعُ بِهَا وَحَجَّةٍ أَفْضَلَ مِنْ حَجَّةٍ مُفْرَدَةٍ جَازَ لَهُ الْفَسْخُ لِذَلِكَ، وَهُنَا إِحْرَامُهُ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ يَأْتِي بِهَا مِنْ غَيْرِ حَجٍّ أَفْضَلُ مِنْ حَجَّةٍ يُحْرِمُ بِهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ هَذَا مَكْرُوهٌ مَعَ كَثْرَتِهِ، وَذَاكَ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، فَإِذَا انْتَقَلَ إِلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِذَا أَقَامَ عَلَى إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ إِلَى أَنْ تَدْخُلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَهُنَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الْفَسْخُ إِلَّا إِلَى مُتْعَةٍ.
(فَصْلٌ)


وَمَتَى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ تِلْكَ السَّنَةَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْحَجَّ إِلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ الْإِحْرَامَ إِلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَإِنْ جَوَّزْنَا الْإِحْرَامَ قَبْلُ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يُوجِبُ فِعْلَ الْحَجِّ ذَلِكَ الْعَامَ، فَإِذَا فَاتَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهَذَا الْإِحْرَامِ حَجَّةً أُخْرَى.
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا الْعُمْرَةُ: فَيُحْرِمُ بِهَا مَتَى شَاءَ لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهَا لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَخْتَصَّ إِحْرَامُهَا بِوَقْتٍ، قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُكْرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ السَّنَةِ بَلْ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ، وَلَهُ أَنْ يَبْقَى مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ -: يَعْتَمِرُ الرَّجُلُ مَتَى شَاءَ فِي شَعْبَانَ أَوْ رَمَضَانَ.
وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ، فَأَمَّا إِذَا تَحَلَّلَ مِنَ الْحَجِّ وَبَقِيَ عَلَيْهِ
الرَّمْيُ لَمْ يَنْعَقِدْ إِحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ، وَإِنْ نَفَرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ ... .
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ فِيمَنْ وَاقَعَ قَبْلَ الزِّيَارَةِ -: يَعْتَمِرُ إِذَا انْقَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَرَ الْعُمْرَةَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالْمَذْهَبُ عَلَى مَا حَكَيْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ - فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ -: الْعُمْرَةُ بَعْدَ الْحَجِّ لَا بَأْسَ بِهَا عِنْدِي، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَتَحْتَمِلُ أَنَّ الْحَاجَّ نَفْسَهُ لَا يَعْتَمِرُ إِلَّا بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ، وَقَدْ رَوَى النَّجَّادُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتِ: " الْعُمْرَةُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا إِلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ " وَفِي لَفْظٍ: " حَلَّتِ الْعُمْرَةُ الدَّهْرَ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ " وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّلَبُّسِ بِالْحَجِّ.
[باب الْإِحْرَامِ] [مَسْأَلَةٌ ما يستحب للمحرم عند الإحرام]


مَسْأَلَةٌ: (مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَتَنَظَّفَ وَيَتَطَيَّبَ وَيَتَجَرَّدَ عَنِ الْمَخِيطِ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفَيْنِ).
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِاغْتِسَالُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ طَاهِرًا أَوْ حَائِضًا، قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ -: وَيَغْتَسِلُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ إِذَا أَرَادَا أَنْ يُهِلَّا وَيَغْتَسِلَانِ إِذَا أَرَادَا أَنْ يَدْخُلَا الْحَرَمَ؛ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا فَلَا بَأْسَ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: وَالْحَائِضُ إِذَا بَلَغَتِ الْمِيقَاتَ فَتَغْتَسِلُ وَتَصْنَعُ مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَلَا بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا تَدْخُلَ الْمَسْجِدَ أَعْجَبُ إِلَيَّ؛ لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَ
رِيبٌ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ غَسَلَ رَأْسَهُ بِخِطْمِيٍّ وَأُشْنَانٍ وَدَهَنَهُ بِزَيْتٍ غَيْرِ كَثِيرٍ» وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَغْتَسِلَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ» رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «اغْتَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَبِسَ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ فَلَمَّا اسْتَوَى بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَحْ
رَمَ بِالْحَجِّ» وَفِيهِ يَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ.
وَأَمَّا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَرَوَى خُصَيْفٌ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَ
عَ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَنَّ النُّفَسَاءَ أَوِ الْحَائِضَ تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ وَتَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ» " وَفِي لَفْظٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إِذَا أَتَيَا عَلَى الْوَقْتِ تَغْتَسِلَانِ وَتُحْرِمَانِ وَتَقْضِيَانِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرَ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «نُفِسَتْ أَسْمَاءُ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَأْمُرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ نُفِسَتْ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، «وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: " أَنَّهَا وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِالْبَيْدَاءِ فَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مُرْهَا فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لْتُهِلَّ» " رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
وَإِذَا رَجَتِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ أَنْ تَطْهُرَ أَقَامَتْ حَتَّى إِذَا طَهُرَتِ اغْتَسَلَتْ إِذَا اتَّسَعَ الزَّمَانُ هَكَذَا، ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، وَلَيْسَ هَذَا الْغُسْلُ وَاجِبًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إِنَّ بَعْضَ الْمَدَنِيِّينَ يَقُولُ: مَنْ تَرَكَ الِاغْتِسَالَ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَسْمَاءَ وَهِيَ نُفَسَاءُ: " اغْتَسِلِي " فَكَيْفَ الطَّاهِرُ؟! فَأَظْهَرَ التَّعَجُّبَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَغْتَسِلُ أَحْيَانًا وَيَتَوَضَّأُ أَحْيَانًا وَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ أَجْزَأَهُ، وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً فِي عُمْرَةٍ اعْتَمَرَهَا وَلَمْ يَغْتَسِلْ، وَكَانَ فِي عُمْرَةٍ إِذَا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ تَجَرَّدَ وَاغْتَسَلَ " رَوَاهُمَا سَعِيدٌ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَاءٌ فَهَلْ يَتَيَمَّمُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَيُقَالُ: رِوَايَتَيْنِ.
إِحْدَاهُمَا: يَتَيَمَّمُ، قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ ... .
(فَصْلٌ)

وَأَمَّا التَّنْظِيفُ فَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَجُزَّ شَارِبَهُ وَيُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ وَيَنْتِفَ إِبْطَهُ وَيَحْلِقَ عَانَتَهُ إِنِ احْتَاجَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَيُزِيلُ شَعَثَهُ، وَقَطْعُ الرَّائِحَةِ.
قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ - فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُحْرِمَ فَخُذْ مِنْ شَارِبِكَ وَأَظْفَارِكَ وَاسْتَحِدَّ وَانْتِفْ مَا تَحْتَ يَدِكَ وَتَنَظَّفْ وَاغْتَسِلْ إِنْ أَمْكَنَكَ، وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ فَإِنْ وَافَقَتْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً صَلَّيْتَ، وَإِلَّا فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ أَرَدْتَ الْمُتْعَةَ فَإِنَّهَا آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ: («لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً») فَلَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهُ سَاقَ الْهَدْيَ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَخْتَارُهَا، فَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَيَسِّرْهَا لِي، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي، وَأَعِنِّي عَلَيْهَا، تُسِرُّ ذَلِكَ فِي نَفْسِكَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَتَشْتَرِطُ عِنْدَ إِحْرَامِكَ تَقُولُ: إِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحَلِّي حَ
يْثُ حَبَسْتَنِي، وَإِنْ شِئْتَ أَهْلَلْتَ عَلَى رَاحِلَتِكَ.
وَذَكَرَ فِي الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ نَحْوَ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ فَيَسِّرْهُمَا لِي وَتَقَّبَلْهُمَا مِنِّي لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ عُمْرَةً وَحَجًّا، فَقُلْ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ لَفْظَهُ فِي التَّلْبِيَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ شَاءَ تَطَيَّبَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَغْتَسِلُ الْمُحْرِمُ إِنْ شَاءَ قَبْلَ دُخُولِ الْحَرَمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا بِنَظَافَةٍ كَغَيْرِهَا، لَا سِيَّمَا وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ بِالْجَزِّ وَنَحْوِهِ فَهَلْ يُكْرَهُ؟ رَخَّصَ فِيهِ عُمَرُ وَالْحِجَازِيُّونَ وَكَرِهَهُ ... .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 01-07-2022, 08:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد


شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (1)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 409الى صــ 422
(25)

(فَصْلٌ)
وَأَمَّا التَّطَيُّبُ فَقَدْ قَالَ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ -: وَإِنْ شَاءَ تَطَيَّبَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَأَلْتُ أَبِي عَنِ الْمُحْرِمِ: الطِّيبُ أَحَبُّ إِلَيْكَ لَهُ أَمْ تَرْكُ الطِّيبِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَيَّبَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَنَذْهَبُ فِيهِ إِلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَكَذَلِكَ نَقَلَ حَنْبَلٌ، وَإِنَّ
مَا لَمْ يُؤَكِّدْهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ، وَفِي مُرَاعَاتِهِ نَوْعُ مَشَقَّةٍ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ مُؤَكَّدٍ بِحَيْثُ لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُ بِخِلَافِ الِاغْتِسَالِ وَالتَّنْظِيفِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ بِمَا شَاءَ مِنْ طِيبِ الرِّجَالِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَبْقَى أَثَرُهُ أَوْ لَا يَبْقَى؛ لِمَا رَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[عِنْدَ إِحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: " كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَطْيَبِ] مَا
أَقْدِرُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ثُمَّ يُحْرِمُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: «كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ إِحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ يَتَطَيَّبُ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، ثُمَّ أَرَى وَبِيصَ الدُّهْنِ فِي لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ " وَفِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ عَنْهَا: " كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَ
لَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهًا بِالْمِسْكِ الْمُطَيِّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إِحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَرَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَنْهَانَا» رَوَاهُ ... وَأَبُو دَاوُدَ.
وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ: " «كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى مَكَّةَ ادَّهَنَ بِدُهْنٍ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، ثُمَّ يَأْتِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَيُصَلِّي ثُمَّ يَرْكَبُ، فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَحْرَمَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ دُرَّةَ قَالَتْ: [كُنْتُ أُغَلِّفُ رَأْسَ عَائِشَةَ بِالْمِسْكِ وَالصَّبِرِ عِنْدَ إِحْرَامِهَا، وَعَنْ عَائِشَةَ ابْنَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ] قَالَتْ: " كُنْتُ أَسْحَقُ لَهُ الْمِسْكَ - يَعْنِي سَعْدًا - بِالْبَانِ الْجَيِّدِ فَأُضَمِّخُ مِنْهُ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ وَأُجَمِّرُ حُلَّتَهُ، فَيَرُوحُ فِيهَا مُهِلًّا ".

وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ قَالَ: " رَأَيْتُ فِي رَأْسِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَلِحْيَتِهِ مِنَ الطِّيبِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ مَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ لَاتَّخَذَ مِنْهُ رَأْسَ مَالٍ ".
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ: " قَالَ لِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ: ادَّهِنْ بِأَيِّ دُهْنٍ شِئْتَ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ " وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: " ادَّهِنْ بِالزَّيْتِ ".
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الطِّيبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأُصَعْصِعُهُ فِي رَأْسِي، ثُمَّ أُحِبُّ بَقَاءَهُ ".
«وَعَنِ ابْنِ الْمُنْتَشِرِ قَالَ: " سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ: مَا تَقُولُ فِي الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ؟ فَقَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا يَنْضَحُ مِنِّي الطِّيبُ، وَفِي لَفْظٍ: لَأَنْ أُصْبِحَ مَطْلِيًّا بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَحُ طِيبًا، فَلَمَّا سَمِعَ ذَاكَ أَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: أَنَا أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَكَتَ» ". رَوَاهُنَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنَةِ عَبْدِ اللَّهِ.
قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَطَيَّبَ فِي بَدَنِهِ دُونَ ثِيَابِهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا طَ
يَّبَ الثَّوْبَ فَرُبَّمَا خَلَعَهُ ثُمَّ لَبِسَهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَتْ عَائِشَةُ أَنَّهَا كَانَتْ تَرَى الطِّيبَ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِحْيَتِهِ.
قَالُوا: وَإِنْ طَيَّبَهُمَا جَازَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ، فَلَوْ كَانَ تَطْيِيبُ الثَّوْبِ مَشْرُوعًا لَمَا نَهَى عَنْ لُبْسِهِ.
قَالُوا: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَطَيَّبَ كَالرَّجُلِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلِأَنَّهَا لَا تَقْرُبُ مِنَ الرِّجَالِ بِخِلَافِ الطِّيبِ عِنْدَ الْخُرُوجِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ وَالْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ، فَإِنَّهُنَّ يَخْتَلِطْنَ بِالرِّجَالِ فَكُرِهَ ذَلِكَ.
قَالُوا: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْتَضِبَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ كَانَتْ أَيِّمًا أَوْ ذَاتَ زَوْجٍ ... .
فَأَمَّا غَيْرُ الْمُحْرِمَةِ فَقَالَ الْقَاضِي: يُسْتَحَبُّ لَهَا الْخِضَابُ إِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ إِذَا كَانَتْ أَيِّمًا.
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا التَّجَرُّدُ عَنِ الْمَخِيطِ وَلِبَاسُ إِزَارٍ وَرِدَاءٍ نَظِيفَيْنِ أَبْيَضَيْنِ: فَلِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ فِي حَدِيثٍ لَهُ ذَكَرَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ أَحْرَمُوا فِي الْأُزُرِ وَالْأَرْدِيَةِ وَالنِّعَالِ، وَلِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَالْمَنْكِبَيْنِ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَسَتْرَهُمَا بِالْمَخِيطِ غَيْرُ جَائِزٍ، فَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ بِإِزَارٍ، وَمَنْكِبَيْهِ بِرِدَاءٍ.
وَلَمْ يَذْكُرْ أَحْمَدُ وَالْخِرَقِيُّ وَالشَّيْخُ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمُ الْأَمْرَ بِالْإِحْرَامِ فِي نَعْلَيْنِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ، وَإِنَّمَا يُشْرَعُ ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَمْشِيَ وَيَنْتَعِلَ، وَمَنْ أَرَادَ الرُّكُوبَ أَوِ الْمَشْيَ حَافِيًا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَلَهُ أَنْ لَا يَنْتَعِلَ بِخِلَافِ اللِّبَاسِ فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ بِكُلِّ حَالٍ.
وَإِنَّمَا اسْتَ
حَبَّ أَصْحَابُنَا الْبَيَاضَ ... .
وَسَوَاءٌ كَانَا جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ ... .
وَإِنْ أَحْرَمَ فِي مُلَوَّنٍ لَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ: فَجَائِزٌ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.
وَإِنَّمَا اسْتَحْبَبْنَا أَنْ يَكُونَا نَظِيفَيْنِ مِنَ النَّجَاسَةِ وَمِنَ الْوَسَخِ ... .
[مَسْأَلَةٌ يستحب الإحرام بعد الصلاة]
مَسْأَلَةٌ: (ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيُحْرِمُ عَقِيبَهُمَا؛ وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِحْرَامَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ وَيَشْتَرِطَ فَيَقُولَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ النُّسُكَ الْفُلَانِيَّ فَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي).

فِي هَذَا الْكَلَامِ فُصُولٌ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ بَعْدَ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ وَصَفُوا حَجَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُ صَلَّى فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ - كَمَا سَيَأْتِي - ثُمَّ أَحْرَمَ عَقِبَ ذَلِكَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ أَنَّهَا كَانَتْ صَلَاةَ الظُّهْرِ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ النَّا
قَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ يَعْنِي التَّلْبِيَةَ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ثُمَّ إِنْ حَضَرَتْ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ أَحْرَمَ عَقِيبَهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ عَقِيبَ الْمَكْتُوبَةِ وَلَمْ يُصَلِّ بَعْدَهَا شَيْئًا، وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي مَعَ الْفَرْضِ شَيْئًا، وَإِنْ صَلَّى بَعْدَهَا سُنَّةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ ... ، وَإِنْ لَمْ تَحْضُرْ مَكْتُوبَةٌ: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ إِنْ كَانَ وَقْتُ صَلَاةٍ. فَإِنْ كَانَ وَقْتُ نَهْيٍ
، وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فَلَا بَأْسَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : سَأَلْتُ أَبِي: يُحْرِمُ الرَّجُلُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: أَعْجَبُ إِلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فَلَا بَأْسَ، وَكَذَلِكَ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ، وَقَدْ سُئِلَ: يُحْرِمُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: أَعْجَبُ إِلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فَلَا بَأْسَ.
(الْفَصْلُ الثَّانِي)
فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ فِيهِ الْإِحْرَامُ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِيهِ الْإِ
حْرَامُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ جَالِسٌ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَسَنٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي - رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ - فَإِنْ وَافَقْتَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً صَلَّيْتَ، وَإِلَّا فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ أَرَدْتَ الْمُتْعَةَ فَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي وَأَعِنِّي عَلَيْهَا، تُسِرُّ ذَلِكَ فِي نَفْسِكَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَتَشْتَرِطُ عِنْدَ إِحْرَامِكَ تَقُولُ: إِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي. وَإِنْ شِئْتَ أَهْلَلْتَ عَلَى رَاحَتِكَ، وَذَكَرَ فِي الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ مِثْلَ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ فَيَسِّرْهُمَا لِي وَتَقَبَّلْهُمَا مِنِّي لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ عُمْرَةً وَحَجًّا قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَالَ - فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ - إِذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ فَإِنْ وَافَقَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً صَلَّى ثُمَّ أَحْرَمَ، وَإِنْ شَاءَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ الْمَسْجِدِ [أَحْرَمَ، وَإِنْ شَاءَ بَعْدَمَا صَلَّى فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ فَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ أَجْزَأَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ] فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.

وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ -: فَإِنْ وَافَقَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً صَلَّى، ثُمَّ أَحْرَمَ وَإِنْ شَاءَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ.
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ -: إِذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ، وَيَلْبَسَ إِزَارًا وَرِدَاءً فَإِنْ وَافَقَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً صَلَّى ثُمَّ أَحْرَمَ، وَإِنْ شَاءَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ فَلَبَّى تَلْبِيَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَجَعَلَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هَذِهِ النُّصُوصَ - مِنْهُ -: مُقْتَضِيَةً لِلِاسْتِحْبَابِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ [وَإِنْ شَاءَ أَحْرَمَ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ بَدَأَ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ ثُمَّ جَوَّزَ الْآخَرَ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا شُرِعَ الْإِحْرَامُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ] بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ عَقِيبَهُمَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ زَائِدًا عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّهُ أَحْرَمَ عِنْدَ اسْتِوَاءِ نَاقَتِهِ وَانْبِعَاثِهَا بِهِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَشْرُوعًا فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ فَتَقْدِيمُهُ أَفْضَلُ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ - وَقَدْ سُئِلَ: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: الْإِحْرَامُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ، أَوْ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ
نَاقَتُهُ؟ -[قَالَ: كُلٌّ قَدْ جَاءَ دُبُرَ الصَّلَاةِ وَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ] وَإِذَا عَلَا الْبَيْدَاءَ.
قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ.
وَلَفْظُ أَبِي الْخَطَّابِ: وَعَنْهُ أَنَّ إِحْرَامَهُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ، وَإِذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ وَإِذَا بَدَأَ فِي السَّيْرِ سَوَاءً، وَلَفْظُ غَيْرِهِ فِيهَا: أَنَّ الْإِحْرَامَ عَقِيبَ الصَّلَاةِ وَحِينَ تَسْتَوِي بِهِ رَاحِلَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ سَوَاءٌ.
وَالْمَذْهَبُ عَلَى مَا حَكَيْنَا، وَأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ: أَنْ يُحْرِمَ دُبُرَ
الصَّلَاةِ، وَمَعْنَى قَوْلِنَا إِذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ: أَنَّهَا الْحَالُ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْمَسِيرِ.
وَقَدْ نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ يَلْبَسُ ثَوْبَيْنِ ثُمَّ يُقَلِّدُ بَدَنَتَهُ ثُمَّ يُشْعِرُ ثُمَّ يُحْرِمُ هَكَذَا الْأَمْرُ، هَكَذَا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَعَلَى هَذَا: يُسْتَحَبُّ الْإِحْرَامُ إِذَا رَكِبَ وَأَرَادَ الْأَخْذَ فِي السَّيْرِ؛ لِأَنَّ تَقْلِيدَ الْهَدْيِ وَإِشْعَارَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ جَعَلَ الْإِحْرَامَ بَعْدَهُ.
وَإِذَا أَحْرَمَ دُبُرَ الصَّلَاةِ فَفِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ التَّلْبِيَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُلَبِّي إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ، قَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ؛ قَالَ: قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ مُحْرِمًا بِغَيْرِ تَلْبِيَةٍ إِذَا عَزَمَ عَلَى الْإِحْرَامِ وَقَدْ يُلَبِّي الرَّجُلُ وَلَا يُحْرِمُ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَهُوَ يَعْزِمُ عَلَى الْإِحْرَامِ، فَإِذَا انْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ لَبَّى.
وَالثَّانِي: أَنَّ أَوَّلَ حَالٍ تُشْرَعُ فِيهَا التَّلْبِيَةُ إِذَا أَشْرَفَ عَلَى الْبَيْدَاءِ لَا فِي أَوَّلِ الْإِحْرَامِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يُلَبِّي عَقِيبَ إِحْرَامِهِ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَدْ نَصَّ
فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَصِلُ الْإِحْرَامَ بِالتَّلْبِيَةِ.
قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنِ الرَّجُلِ إِذَا أَحْرَمَ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ أَيُلَبِّي سَاعَةَ يُسَلِّمُ أَمْ مَتَى؟ قَالَ: يُلَبِّي مَتَى شَاءَ سَاعَةَ يُسَلِّمُ، وَإِنْ شَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَسَهَّلَ فِيهِ.
وَأَكْثَرُ نُصُوصِ أَحْمَدَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ زَمَنَ الْإِحْرَامِ هُوَ زَمَنُ التَّلْبِيَةِ - كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ -: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَالْإِهْلَالِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ، وَعَلَى الرَّاحِلَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُحْرِمُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ وَيُلَبِّي إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 01-07-2022, 09:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد


شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (1)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 423الى صــ 436
(26)


وَسَبَبُ هَذَا: الِاخْتِلَافُ فِي وَقْتِ إِحْرَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِهْلَالِهِ، فَرَوَى نَافِعٌ قَالَ: " «كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْتِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَرْكَبُ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَحْرَمَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَفِي لَفْظٍ - لَهُ -: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْكَبُ رَاحِلَتَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ يُهِلُّ حِينَ تَسْتَوِي بِهِ قَائِمَةً».
«وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ " يَعْنِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ " مَا أَهَلَّ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الشَّجَرَةِ حِينَ قَامَ بِهِ بَعِيرُهُ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُهِلُّ مُلَبِّدًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ [لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ]وَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.


وَعَنْهُ أَيْضًا - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ وَانْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَهَلَّ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ أَهَلَّ لَمَّا انْبَعَثَتْ بِهِ إِلَى الْقِيَامِ وَهُوَ اسْتِوَاؤُهَا؛ لِأَنَّ الْبَعِيرَ إِذَا نَهَضَ يَكُونُ مُنْحَنِيًا، فَإِذَا اسْتَوَى صَارَ قَائِمًا.
وَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ أَنَّهُ أَهَلَّ حِينَ اسْتِوَاءِ الْبَعِيرِ وَإِرَادَةِ الْمَسِيرِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي السَّيْرِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ التَّلْبِيَةُ عِوَضًا عَنِ الذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ.
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّ إِهْلَالَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ: رَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ.
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَلَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ أَهَلَّ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِمُسْلِمٍ إِلَى قَوْلِهِ: " رَكْعَتَيْنِ ".
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ، وَسَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا، وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
فَهَذِهِ نُصُوصٌ صَحِيحَةٌ أَنَّهُ إِنَّمَا أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَاسْتَوَى عَلَيْهَا، وَرُوَاتُهَا مِثْلُ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ.
ثُمَّ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا: يُحْرِمُونَ عَقِيبَ الصَّلَاةِ قَالَ: قَدْ جَاءَ أَنَّهُ أَحْرَمَ عَقِيبَ الصَّلَاةِ، وَهُنَا أَنَّهُ أَهَلَّ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، فَتُحْمَلُ تِلْكَ الرِّوَايَةُ عَلَى الْإِحْرَامِ الْمُجَرَّدِ، وَهَذِهِ عَلَى الْإِهْلَالِ؛ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ إِجَابَةُ الدَّاعِي، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْإِجَابَةُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الذَّهَابِ إِلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ عَقْدٌ وَإِيجَابٌ فَفِعْلُهُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ أَقْرَبُ إِلَى الْخُشُوعِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ الْبَيْدَاءِ فَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا عَلَا عَلَى جَبَلِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ نَحْوَهُ، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فَاجْتَمَعُوا، فَلَمَّا أَتَى الْبَيْدَاءَ أَحْرَمَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ، وَلَفْظُهُ: «فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقُصْوَى، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ".
» وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَخَذَ طَرِيقَ الْفَرْعِ أَهَلَّ إِذَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَإِذَا أَخَذَ طَرِيقَ أُحُدٍ أَهَلَّ إِذَا أَشْرَفَ عَلَى جَبَلِ الْبَيْدَاءِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.


وَوَجْهُ الْأَوَّلِ مَا رَوَى خُصَيْفٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَّى فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ، وَلَفْظُ أَحْمَدَ: «لَبَّى فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: " «قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: عَجَبًا لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إِهْلَالِهِ، فَقَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ إِنَّمَا كَانَتْ مِنْهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ فَمِنْ هُنَالِكَ اخْتَلَفُوا، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاجًّا فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ، فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ، فَحَفِظُوا عَنْهُ، ثُمَّ رَكِبَ فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ، فَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظُوا عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ ثُمَّ مَضَى فَلَمَّا عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ، فَأَدْرَكَ ذَلِكَ أَقْوَامٌ فَقَالُوا: إِنَّمَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ عَلَا شَرَفَ الْبَيْدَاءِ، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلَّاهُ وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَأَهَلَّ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ» ".
وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَقَالَ: " «أَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِحْرَامَ حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَلَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ» " وَلَعَلَّ هَذَا اللَّفْظَ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا.
وَرَوَى .... عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَنَا مَعَهُ، وَنَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَابْنُ عُمَرَ مَعَهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَرَكِبَ فَأَهَلَّ فَظَنَّ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ أَهَلَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ».
وَهَذِهِ رِوَايَةٌ مُفَسِّرَةٌ فِيهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ وَاطِّلَاعٍ عَلَى مَا خَفِيَ فِي غَيْرِهَا، فَيَجِبُ التَّقَيُّدُ بِهَا وَاتِّبَاعُهَا، وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّهُ أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الرِّوَايَةَ بَعْضُ هَذِهِ.

وَعَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ بِالْبَيْدَاءِ ثُمَّ رَكِبَ وَصَعِدَ جَبَلَ الْبَيْدَاءِ وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى عُمَرُ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ: أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي - عَزَّ وَجَلَّ - فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ، وَفِي لَفْظٍ: " عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، فَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْإِحْرَامِ فَصْلًا.
وَأَيْضًا فَإِنَّ كُلَّ صَلَاةٍ مَشْرُوعَةٍ لِسَبَبٍ بَعْدَهَا: فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوصَلَ بِهَا كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَصَلَاةِ الْحَاجَةِ وَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَإِنَّ إِحْرَامَهُ جَالِسًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَقْرَبُ إِلَى اجْتِمَاعِ هَمِّهِ وَحُضُورِ قَلْبِهِ، وَهُوَ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَقْرَبُ إِلَى الْخُشُوعِ مِنْهُ عِنْدَ الرُّكُوبِ، فَإِحْرَامُهُ حَالَ الْخُشُوعِ أَوْلَى، وَقَدْ بَيَّنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَبَّى عَقِيبَ الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَحَادِيثِ لَيْسَ فِيهَا فَرْقٌ بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ.
بَلِ التَّلْبِيَةُ وَالْإِهْلَالُ وَالْإِحْرَامُ وَفَرْضُ الْحَجِّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَلِهَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ أَحْرَمَ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ " وَفِي لَفْظٍ: " أَنَّهُ أَهَلَّ» فَعُلِمَ أَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ ابْتِدَاءَ الْإِحْرَامِ.
فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَحْرَمَ وَلَمْ يُلَبِّ، ثُمَّ لَبَّى حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ الْأَحَادِيثِ وَلِعَامَّةِ نُصُوصِ أَحْمَدَ.
وَالْإِحْرَامُ مِنْ مَكَّةَ مِنَ الْمُتَمَتِّعِ كَغَيْرِهِ يَحْرُمُ عَقِيبَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ طَوَافِ سَبْعٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ -: إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنَ الْمَسْجِدِ.
وَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ - فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ -: إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ طَافَ بِالْبَيْتِ فَإِذَا خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ لَبَّى بِالْحَجِّ، فَذَكَرَ أَنَّهُ يُهِلُّ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: قُلْتُ: مِنْ أَيْنَ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ؟ قَالَ: إِذَا جَعَلَ الْبَيْتَ خَلْفَ ظَهْرِهِ، قُلْتُ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ: يُحْرِمُ مِنَ الْمِيزَابِ؟ قَالَ: إِذَا جَعَلَ الْبَيْتَ خَلْفَ ظَهْرِهِ أَهَلَّ.

فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُهِلُّ إِذَا أَخَذَ فِي الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَالذَّهَابِ إِلَى مِنًى، وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى أَنَّهُ يُهِلُّ إِذَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ خَارِجًا مِنْ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ.
وَالتَّلْبِيَةُ عَقِيبَ الْإِحْرَامِ، إِنَّمَا تُسْتَحَبُّ إِذَا كَانَتْ فِي الْبَرِّيَّةِ وَالصَّحْرَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَمْصَارِ لَمْ تُسْتَحَبَّ حَتَّى يَبْرُزَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسْتَحَبُّ فِي الْأَمْصَارِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ، وَقَدْ سُئِلَ إِذَا أَحْرَمَ فِي مِصْرِهِ يُلَبِّي، فَقَالَ: مَا يُعْجِبُنِي، كَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى التَّلْبِيَةِ مِنْ وَرَاءِ الْجُدُرِ.
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ -: التَّلْبِيَةُ إِذَا بَرَزَ عَنِ الْبُيُوتِ.
فَإِنْ كَانَ الْإِحْرَامُ فِي مَسْجِدٍ فِي الْبَرِّيَّةِ أَوْ فِي قَرْيَةٍ ... .
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)
أَنَّ الْإِحْرَامَ يَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا.
قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ - الرَّجُلُ يَكُونُ مُحْرِمًا بِالنِّيَّةِ إِذَا عَقَدَ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَحَدِيثُ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى هَدْيِهِ مُقَلَّدًا، فَقَالَ: ذَاكَ كَانَ قَدْ عَقَدَ الْإِحْرَامَ بِتَقْلِيدِهِ الْهَدْيَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُسَمِّي حَجًّا وَلَا عُمْرَةً، وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ مُحْرِمًا بِغَيْرِ تَلْبِيَةٍ إِذَا عَزَمَ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَقَدْ يُلَبِّي الرَّجُلُ وَلَا يُحْرِمُ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَهُوَ يَعْزِمُ عَلَى الْإِحْرَامِ، فَإِذَا انْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ لَبَّى.
(فَصْلٌ)
وَقَدِ اسْتَحَبَّ أَصْحَابُنَا: أَنْ يَنْطِقَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّهُ عَلَى ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَيَسِّرْهَا لِي، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي.
لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: " «أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَالَ لَهُ: كَيْفَ قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - " رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي وَقَالَ: قُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ [وَفِي لَفْظٍ: عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ]» وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: " «أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً، ثُمَّ قَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ جَمَعْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَةٍ» ".
وَاسْتَحَبُّوا الِاشْتِرَاطَ، وَهُوَ مَنْصُوصُهُ أَيْضًا ... .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 01-07-2022, 09:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد


شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (1)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 437الى صــ 450
(27)

وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُسْتَحَبُّ لَهُ الِاشْتِرَاطُ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ التَّلْبِيَةِ: إِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي.
وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ: يَنْطِقُ بِالِاشْتِرَاطِ قَبْلَ التَّلْبِيَةِ.
[مَسْأَلَةٌ من أراد النسك فهو مخير بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ]
مَسْأَلَةٌ: (وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ، وَأَفْضَلُهَا التَّمَتُّعُ، وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِ
الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيَفْرَغَ مِنْهَا ثُمَّ يَشْرَعَ فِي الْحَجِّ فِي عَامِهِ، ثُمَّ الْإِفْرَادُ، وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا، ثُمَّ الْقِرَانُ، وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا أَوْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ يُدْخِلُ عَلَيْهَا الْحَجَّ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ لَمْ يَنْعَقِدْ إِحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ.)
فِي هَذَا الْكَلَامِ فُصُولٌ:
أَحَدُهَا: (أَنَّ مَنْ أَرَادَ النُّسُكَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ يَمُرُّ فِيهَا عَلَى الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَالْأَفْضَلُ: التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ ثُمَّ الْقِرَانُ لِمَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ - مَا تَقَدَّمَ حَيْثُ خَيَّرَهُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَاخْتَارَ لَهُ الْمُتْعَةَ.
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ -: التَّمَتُّعُ آخِرُ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالَّذِي نَخْتَارُ الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ يَجْمَعُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ جَمِيعًا، وَيَعْمَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ، وَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَ
نْ يَحِلُّوا، وَقَالَ: " «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ، وَلَأَحْلَلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ» " وَهَذَا بَعْدَ أَنْ قَدِمَ مَكَّةَ - وَهُوَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَأَلْتُ أَبِي عَنِ الْقِرَانِ، وَالْإِفْرَادِ؟ قَالَ: التَّمَتُّعُ آخِرُ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَعْنِي أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: وَالْمُتْعَةُ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَجْمَعُ اللَّهُ فِيهَا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَاخْتِيَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا إِذْ قَالَ: " «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ» " فَلَمْ يَحِلَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ سَاقَ الْهَدْيَ.
وَسُئِلَ عَنِ الْقِرَانِ؟ قَالَ: التَّمَتُّعُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَهُوَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «اجْعَلُوا حِجَّكُمْ عُمْرَةً» " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَعْنِي الْحَجَّ، وَالْأَمْرَانِ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَالْحَجُّ وَالْمُتْعَةُ عَلَى هَذَا مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: .. ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ: اجْعَلُوا حَجَّكُمْ عُمْرَةً فَأَمَرَهُمْ بِالْعُمْرَةِ، وَهِيَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَهَذَا بَيِّنٌ إِلَّا مَنْ ضَاقَ عِلْمُهُ بِالْفِقْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَأَصْحَابُهُ، وَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ: " «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَلَأَحْلَلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ. فَقَالُوا: أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ، قَالُوا: نُخْرِجُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: أَحِلُّوا. وَغَضِبَ، فَحَلُّوا، فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عُمْرَتُنَا لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ: بَلْ لِلْأَبَدِ» ".


وَأَمَّا إِذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: الْقِرَانُ أَفْضَلُ، قَالَ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ - إِنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ، وَإِنْ لَمْ يَسُقْ فَالتَّمَتُّعُ نَقَلَهَا أَبُو حَفْصٍ.
وَالثَّانِيَةُ: التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: أَنَا أَخْتَارُ فِي الْحَجِّ التَّمَتُّعَ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ وَاجِبَةٌ، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى مَا تَخْتَارُ فِي الْحَجِّ؟ قَالَ: أَنَا أَخْتَارُ التَّمَتُّعَ يَدْخُلُ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَيَحِلُّ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَ سَاقَ الْهَدْيَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ [لِعُمْرَتِهِ ثُمَّ قَامَ عَلَى إِحْرَامِهِ] فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ هَذَا مَذْهَبُهُ؛ وَذَلِكَ لِمَا اعْتَمَدَهُ أَحْمَدُ وَبَنَى مَذْهَبَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَحْرَمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ قَالَ: " مَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ " فَلَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ: أَمَرَهُمْ كُلَّهُمْ أَنْ يَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِهِمْ إِذَا طَافُوا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، وَيَتَمَتَّعُوا بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَإِنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ مِنَ التَّحَلُّلِ».
وَكَانَ دُخُولُهُمْ مَكَّةَ يَوْمَ الْأَحَدِ رَابِعَ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَمَرَهُمْ أَنْ يُهِلُّوا بِالْحَجِّ، فَحَجَّ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَمْرِهِ مُتَمَتِّعِينَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ الَّتِي هِيَ أَكْمَلَ بِهَا الدِّينَ وَأَتَمَّ بِهَا النِّعْمَةَ، وَقَدْ كَرِهُوا ذَلِكَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُهُمْ بِالْمُتْعَةِ، وَيَغْضَبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْهَا وَيَقُولُ: " «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ، وَلَوْلَا الْهَدْيُ لَأَحْلَلْتُ» " لِعِلْمِهِ بِفَضْلِ الْإِحْلَالِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُتْعَةَ أَفْضَلُ مِنْ حَجَّةٍ مُفْرَدَةٍ، وَمِنَ الْقِرَانِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَمَرَهُمْ بِهَا عَيْنًا بَعْدَ أَنْ خَيَّرَهُمْ عِنْدَ الْمِيقَاتِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَوَّلًا فَضْلَ الْمُتْعَةِ حَتَّى أَمَرَهُ اللَّهُ بِهَا وَحَضَّهُ عَلَيْهَا، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِهَا وَحَضَّهُمْ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْلَمُ أَوَّلًا مِنْ فَضْلِ الْمُتْعَةِ مَا عَلِمَهُ بَعْدَ قُدُومِهِ مَكَّةَ لَكَانَ قَدْ أَمَرَهُمْ بِالْإِهْلَالِ بِهَا مِنَ الْمِيقَاتِ، وَلَمْ يُخَيِّرْهُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا لِيَسْتَرِيحَ مِنْ كَرَاهَتِهِمْ لِفَسْخِ الْحَجِّ وَمَشَقَّتِهِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا،
[وَلِهَذَا قَالَ: "
«مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً» "].
الثَّانِي: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ حَجُّوا مَعَهُ مُتَمَتِّعِينَ جَمِيعُهُمْ إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَكَانُوا قَلِيلًا، وَذَلِكَ بِأَمْرِهِ، وَأَمْرُهُ أَبْلَغُ فِي الْإِيجَابِ وَالِاسْتِحْبَابِ مِنْ فِعْلِهِ لَوْ كَانَ الْفِعْلُ مُعَارِضًا لَهُ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] وَلَا يَنْبَغِي لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَخْتَارَ لِنَفْسِهِ غَيْرَ مَا اخْتَارَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.


الثَّالِثُ: أَنَّ هَذِهِ الْحَجَّةَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ لَمْ يَحُجَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُسْلِمِينَ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، وَفِيهَا أَكْمَلَ اللَّهُ الدِّينَ، وَأَتَمَّ النِّعْمَةَ، وَأُحْيِيَتْ مَشَاعِرُ إِبْرَاهِيمَ، وَأُمِيتَ أَمْرُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ تَعَالَى يَخْتَارُ لِرَسُولِهِ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ السُّبُلِ إِلَّا أَقْوَمَهَا، وَمِنَ الْأَعْمَالِ إِلَّا أَفْضَلَهَا، وَقَدِ اخْتَارَ اللَّهُ لَهُمُ الْمُتْعَةَ.
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْرِهِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمُتْعَةِ: مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْأَثَرِ، وَاسْتَفَاضَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَاشْتَهَرَ حَتَّى لَعَلَّهُ قَدْ تَوَاتَرَ عِنْدَهُمْ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنَ الْأَخْبَارِ بَعْضَ مَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ:فَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: " مَنْ كَانَ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ وَلْيَهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ أَهْلَهُ ".
وَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ
مِنَ السَّبْعِ، وَمَشَى أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ ثُمَّ رَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ، فَأَتَى الصَّفَا، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءِ حَرُمَ مِنْهُ وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ مِنَ النَّاسِ».
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَتَمَتُّعِ النَّاسِ مَعَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
«وَعَنْ سَالِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا - مِنْ أَهْلِ الشَّامِ - وَهُوَ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْ
نَ عُمَرَ عَنِ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: " هِيَ حَلَالٌ، قَالَ الشَّامِيُّ: إِنَّ أَبَاكَ قَدْ نَهَى عَنْهَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَبِي نَهَى عَنْهَا وَصَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَأَمْرَ أَبِي نَتَّبِعُ أَمْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: بَلْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ: لَقَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْهُ: " «الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ تَامَّةٌ قَدْ عَمِلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ» ".

وَعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَّدَ رَأْسَهُ وَأَهْدَى فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَمَرَ نِسَاءَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ، قُلْنَ مَا لَكَ أَنْتَ لَا تَحِلُّ؟ قَالَ: " إِنِّي قَلَّدْتُ هَدْيِي وَلَبَّدْتُ رَأْسِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنْ حَجَّتِي وَأَحْلِقَ رَأْسِي» " رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَعَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: («قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ وَأَصْحَابُهُ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَرُوحُ أَحَدُنَا إِلَى مِنًى وَذَكَرُهُ يَقْطُرُ مَنِيًّا؟! قَالَ: نَعَمْ، وَسَطَعَتِ الْمَجَامِرُ، وَقَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: فَإِنَّ لَكَ مَعَنَا هَدْيًا»، قَالَ حُمَيْدٌ: فَحَدَّثْتُ بِهِ طَاوُسًا فَقَالَ
: هَكَذَا فَعَلَ الْقَوْمُ) وَفِي رِوَايَةٍ: " «اجْعَلْهَا عُمْرَةً» ".
وَفِي رِوَايَةٍ («خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَبَّى بِالْحَجِّ وَلَبَّيْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ أَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْهَدْيُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً» " رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَبَعْضُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَأَظُنُّهُ وَهْمًا.
وَعَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نُرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ، قَالَتْ: فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ فَأَحْلَلْنَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحِضْتُ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ، قَالَ: أَوَمَا كُنْتِ طُفْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا مَكَّةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَاذْهَبِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ ثُمَّ مَوْعِدُكُ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ صَفِيَّةُ:مَا أُرَانِي إِلَّا حَابِسَتَكُمْ، قَالَ: عَقْرَى حَلْقَى، أَوَمَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: لَا بَأْسَ عَلَيْكِ انْفِرِي، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَلَيْهَا، أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ
مُنْهَبِطٌ مِنْهَا» ".
وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ: " «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُلَبِّي لَا نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً» " وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ.
وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَلَا نُرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ فَلَمَّا كُنَّا بِسَرِفَ حِضْتُ حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدَخَلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا، فَقَالَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَزْوَاجِهِ»، قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: أَتَتْكَ وَاللَّهِ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ ".


وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: " «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ، حَتَّى جِئْنَا سَرِفَ فَطَمَثْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ [فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ خَرَجْتُ الْعَامَ، فَقَالَ: مَا لَكِ؟] لَعَلَّكِ نَفِسْتِ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَلَّا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي، قَالَتْ: فَلَمَّا قَدِمْتُ مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ: اجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَأَحَلَّ النَّاسُ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، قَالَتْ: فَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَذِي الْيَسَارَةِ، ثُمَّ أَهَلُّوا حِينَ رَاحُوا، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ طَهُرْتُ، فَأَمَرَنِي
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفَضْتُ، قَالَتْ: فَأُتِينَا بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَرْجِعُ النَّاسُ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَأَرْجِعُ بِحَجَّةٍ؟ قَالَتْ: فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْدَفَنِي عَلَى جَمَلِهِ، قَالَتْ: فَإِنِّي لَا أَذْكُرُ وَأَنَا حَدِيثَةُ السِّنِّ أَنْعَسُ فَتُصِيبُ وَجْهِيَ مُؤَخِّرَةُ الرَّحْلِ، حَتَّى جِئْنَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ جَزَاءً بِعُمَرِ النَّاسِ الَّتِي اعْتَمَرُوا» ".



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 01-07-2022, 09:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد



شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (1)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 451الى صــ 464
(28)

وَعَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَيَالِي الْحَجِّ، وَحَرَمِ الْحَجِّ فَنَزَلْنَا بِسَرِفَ، قَالَتْ: فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلَا، قَالَتْ: فَالْآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَكَانُوا أَهْلَ قُوَّةٍ وَكَانَ مَعَهُمُ الْهَدْيُ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْعُمْرَةِ، قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا هَنْتَاهُ؟ قُلْتُ: سَمِعْتُ قَوْلَكَ لِأَصْحَابِكَ فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ، قَالَ: وَمَا شَأْنُكِ؟ قُلْتُ: لَا أُصَلِّي، قَالَ: فَلَا يَضُرُّكِ، إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا، قَالَتْ: فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ، وَفِي لَفْظٍ: " فَخَرَجْتُ فِي حَجَّتِي " حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى فَطَهُرْتُ، ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ، قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي النَّفَرِ الْآخَرِ حَتَّى نَزَلَ الْمُحَصَّبَ وَنَزَلْنَا مَعَهُ، فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ افْرُغَا، ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا، فَإِنِّي أَنْتَظِرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي، قَالَتْ: فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ، وَفَرَغْتُ مِنَ الطَّوَافِ ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرٍ، فَقَالَ: هَلْ فَرَغْتُمْ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَآذَنَ بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ فَمَرَّ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَفِي لَفْظٍ: " فَأَذَّنَ فِي أَصْحَابِهِ بِالرَّحِيلِ، فَخَرَجَ فَمَرَّ بِالْبَيْتِ، فَطَافَ بِهِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا.
وَعَنْ ذَكْوَانَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ خَمْسٍ، فَدَخَلَ عَلَيَّ وَهُوَ غَضْبَانُ، فَقُلْتُ: مَنْ أَغْضَبَكَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ، قَالَ: أَوَمَا شَعَرْتِ أَنِّي أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرٍ فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ، فَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ مَعِي حَتَّى أَشْتَرِيَهُ ثُمَّ أُحِلُّ كَمَا حَلُّوا» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ، وَلَحَلَلْتُ مَعَ النَّاسِ حِينَ حَلُّوا» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَهَذَا الْحَدِيثُ مُبِيِّنٌ أَنَّ الصَّحَابَةَ حَلُّوا إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ. وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ صَدَرُوا عَنْ مَكَّةَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي تَلِي لَيَالِيَ مِنًى، وَلَمْ يُقِيمُوا بِمَكَّةَ بَعْدَ لَيَالِي مِنًى شَيْئًا، وَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِرْ بَعْدَ الْحَجِّ أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا عَائِشَةُ وَحْدَهَا، حَتَّى أَخُوهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الَّذِي كَانَ مَعَهَا لَمْ يَعْتَمِرْ مِنَ التَّنْعِيمِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدِ اعْتَمَرُوا قَبْلَ الْحَجِّ.
وَقَوْلُهَا: " لَا نَرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ "؛ تَعْنِي: مَنْ كَانَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، أَوْ قَرَنَ بَيْنَهُمَا، وَرُبَّمَا كَانُوا أَكْثَرَ الْوَفْدِ. تَرَى أَنَّهُمْ يُقِيمُونَ عَلَى حَجِّهِمْ وَلَا يَتَحَلَّلُونَ مِنْهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهَا قَالَتْ: فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ، وَهِيَ لَمْ تَتَطَوَّفْ، فَكَانَتِ الْكِنَايَةُ عَنِ الْحَاجِّ فِي الْجُمْلَةِ.
وَقَوْلُهَا: لَا نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً: تَعْنِي فِي التَّلْبِيَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَيَّنَتْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَنَ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهَا كَانَتْ هِيَ مُتَمَتِّعَةً، وَقَوْلُهَا: فَالْآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا مِنَ الصَّحَابَةِ، هَذَا كَانَ بِسَرِفَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمُوا مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إِذْنًا وَلَمْ يَكُنْ أَمْرًا، فَلَمَّا قَدِمُوا جَزَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَمْرِ، وَتَرَدَّدَ بَعْضُ النَّاسِ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ تَرَدَّدَ، فَأَطَاعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَتَمَتَّعُوا، وَتَوَجَّعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى كَوْنِهِ لَمْ يُمْكِنْهُ مُوَافَقَتَهُمْ فِي الْإِحْلَالِ مِنْ أَجْلِ هَدْيِهِ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْقَاسِمِ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " مِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا، وَمِنَّا مَنْ قَرَنَ، وَمِنَّا مَنْ تَمَتَّعَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَرَوَى الزُّهْرِيُّ، «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، فَقَدِمْنَا مَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يَهْدِ فَلْيَحْلِلْ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَأَهْدَى فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ بِنَحْرِ هَدْيِهِ، وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ، قَالَتْ: فَحِضْتُ، فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَلَمْ أُهْلِلْ إِلَّا بِعُمْرَةٍ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي، وَأَمْتَشِطَ، وَأُهِلَّ بِالْحَجِّ، وَأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ حَتَّى قَضَيْتُ حَجَّتِي، فَبَعَثَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَمِرَ مَكَانَ عُمْرَتِي مِنَ التَّنْعِيمِ»، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا قَالَتْ: " «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ، وَأَهَلَّ مَعَهُ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ، وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ».
وَعَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: " «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ، وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ» ".
وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، «عَنْ عَائِشَةَ - قَالَتْ: " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ فَلْيُهِلَّ، وَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. فَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، فَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَحِضْتُ قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكَّةَ، فَأَدْرَكْتُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: دَعِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ. فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَرْدَفَهَا، فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِهَا». قَالَ هِشَامٌ: فَقَضَى اللَّهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَا صَوْمٌ ". مُتَّفَقٌ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ هَذِهِ ذِكْرُ الْفَسْخِ؛ وَلِهَذَا كَانَ يُنْكِرُهُ حَتَّى جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ مَا جَرَى. فَأَمَّا قَوْلُهُ: " «وَمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ» ": فَيَتَحَمَّلُ شَيْئَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَنِ اسْتَمَرَّ إِهْلَالُهُ بِالْحَجِّ، وَلَمْ يُحَوِّلْهُ إِلَى عُمْرَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ، وَكَانَ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ مِمَّنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: " وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ ". إِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ وَكَانَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: مَنْ دَامَ إِهْلَالُهُ بِالْحَجِّ، أَوْ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَاسْتَمَرُّوا: هُمُ الَّذِينَ لَمْ يَحِلُّوا لِأَجْلِ سَوْقِ الْهَدْيِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ أَخْبَرَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ إِلَّا الْحَجَّ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ، أَوْ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي الْفَسْخِ قَبْلَ أَنْ يَدْنُوَا مِنْ مَكَّةَ فِي أَوَائِلِ الْإِحْرَامِ .. . .
وَأَمَّا قَوْلُهَا: خَرَجْنَا مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ .. . .
وَعَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَسْلَمَ قَالَ: " «حَجَجْتُ مَعَ مَوَالِيَّ، فَدَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: أَعْتَمِرُ قَبْلَ أَنْ أَحُجَّ؟ قَالَتْ: إِنْ شِئْتَ فَاعْتَمِرْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، وَإِنْ شِئْتَ فَبَعْدَ أَنْ تَحُجَّ، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَنْ كَانَ ضَرُورَةً فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَعْتَمِرَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ، قَالَ: فَسَأَلْتُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهَا، فَأَخْبَرْتُهَا بِقَوْلِهِنَّ، قَالَ: فَقَالَتْ: نَعَمْ وَأَشْفِيكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: أَهِلُّوا يَا آلَ مُحَمَّدٍ بِعُمْرَةٍ فِي حَجٍّ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ.


وَعَنْ طَاوُسَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْجَرُ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرَ، وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَأَ الدَّبَرُ، وَعَفَا الْأَثَرُ، وَانْسَلَخَ صَفَرُ، حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرَ، قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيٌّ الْحِلِّ؟، قَالَ: حِلٌّ كُلُّهُ» " [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ، وَقَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ].
قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ عَمْرٌو يَقُولُ: " إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَهُ شَأْنٌ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ طَاوُسَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى مَاتَ، وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى مَاتَ، وَعُمَرُ حَتَّى مَاتَ، وَعُثْمَانُ حَتَّى مَاتَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ نَهَى عَنْهَا مُعَاوِيَةُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَعَجِبْتُ مِنْهُ، وَقَدْ حَدَّثَنِي أَنَّهُ قَصَّرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِشْقَصٍ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ - وَهَذَا لَفْظُهُ - وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفِيهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ.
وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إِلَّا مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: " «لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنَ الْعَشْرِ وَهُمْ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً» " وَفِي لَفْظٍ: " «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصُّبْحَ بِذِي طُوًى، وَقِدَمَ لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُحِلُّوا إِحْرَامَهُمْ بِعُمْرَةٍ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ» " وَفِي لَفْظٍ لَهُ: " «أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ، فَقَدِمَ لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَصَلَّى الصُّبْحَ، وَقَالَ حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ: مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً» " وَفِي لَفْظٍ: " «فَصَلَّى الصُّبْحَ بِالْبَطْحَاءِ» ".
وَعَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلِ الْحِلَّ كُلَّهُ، فَإِنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «أَهَلَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يُقَصِّرْ وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ أَجْلِ الْهَدْيِ، وَأَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَطُوفَ وَأَنْ يَسْعَى وَيُقَصِّرَ، أَوْ يَحْلِقَ ثُمَّ يَحِلَّ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِيهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ.
وَعَنْ. . . ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّاجًا فَأَمَرَهُمْ فَجَعَلُوهَا عُمْرَةً، ثُمَّ قَالَ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلُوا، لَكِنْ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَنْشَبَ أَصَابِعَهُ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، فَحَلَّ النَّاسُ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهْلَلْتَ بِهِ، قَالَ: فَهَلْ مَعَكَ هَدْيٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَأَقِمْ كَمَا أَنْتَ وَلَكَ ثُلُثُ هَدْيِي، قَالَ: وَكَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةُ بَدَنَةٍ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَعَنِ النَّهَّاسِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِذَا أَهَلَّ الرَّجُلُ بِالْحَجِّ، ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَدْ حَلَّ، وَهِيَ عُمْرَةٌ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَشْبَهُ.

وَعَنْ عِكْرِمَةَ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ، فَقَالَ: " أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَهْلَلْنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إِلَّا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ، فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، وَقَالَ: مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ الْمَنَاسِكِ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَلَيْنَا الْهَدْيُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] " إِلَى أَمْصَارِكُمُ الشَّاةُ تُجْزِئُ، فَجَمَعُوا نُسُكَيْنِ فِي عَامٍ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَاحَهُ لِلنَّاسِ غَيْرَ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196]» وَأَشْهُرُ الْحَجِّ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى: شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، فَمَنْ تَمَتَّعَ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ أَوْ صَوْمٌ. . وَالرَّفَثُ: الْجِمَاعُ، وَالْفُسُوقُ: الْمَعَاصِي، وَالْجِدَالُ: الْمِرَاءُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: " تَمَتَّعْتُ فَنَهَانِي نَاسٌ، فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَأَمَرَنِي فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلًا يَقُولُ لِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ وَعُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، فَأَخْبَرْتُ ابْنَ. .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَوَّلَهُ.
وَعَنْ مُسْلِمٍ أَيْضًا - قَالَ: " «سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَرَخَّصَ فِيهَا، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْهَا، فَقَالَ: هَذِهِ أُمُّ ابْنِ الزُّبَيْرِ تُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِيهَا، فَادْخُلُوا عَلَيْهَا، فَاسْأَلُوهَا، قَالَ: فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا فَإِذَا هِيَ امْرَأَةٌ ضَخْمَةٌ عَمْيَاءُ، فَقَالَتْ: قَدْ رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ «عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: " خَرَجْنَا مُحْرِمِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُقِمْ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ، فَلَمْ يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ، فَحَلَلْتُ، وَكَانَ مَعَ الزُّبَيْرِ هَدْيٌ فَلَمْ يُحِلَّ، قَالَتْ: فَلَبِسْتُ ثِيَابِي، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: قُومِي عَنِّي، فَقُلْتُ: أَتَخْشَى أَنْ أَثْبُتَ عَلَيْكَ»، وَفِي رِوَايَةٍ: " قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ "



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 03-07-2022, 07:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد



شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (1)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 465الى صــ 478
(29)

رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: " «قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " «أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ وَنَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا، وَضَاقَتْ بِهِ صُدُورُنَا، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَحِلُّوا، فَلَوْلَا الْهَدْيُ الَّذِي مَعِي لَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتُمْ، قَالَ: فَأَحْلَلْنَا حَتَّى وَطْئِنَا النِّسَاءَ، وَفَعَلْنَا مَا يَفْعَلُ الْحَلَالُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ، أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ [قَالَ: أَهَلَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ]، وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَلْحَةَ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَمَعَهُ هَدْيٌ، فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، وَيَطُوفُوا، وَيُقَصِّرُوا، وَيَحِلُّوا، إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ قَالُوا: نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ، وَحَاضَتْ عَائِشَةُ، فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَنْطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ، فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ،فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَأَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا، فَقَالَ: أَلَكُمْ هَذِهِ خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَا، بَلْ لِلْأَبَدِ» "، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: " «قَدِمْتُ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا بِعُمْرَةٍ، فَدَخَلْنَا قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ لِي نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: تَصِيرُ الْأَنَ حَجَّتُكَ حَجَّةً مَكِّيَّةً، فَدَخَلْتُ عَلَى عَطَاءٍ أَسْتَفْتِيهِ فَقَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: " أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ، وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، فَقَالَ لَهُمْ: أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافٍ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا ثُمَّ أَقِيمُوا حَلَالًا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً، فَقَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً، وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؟ فَقَالَ: افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ، فَلَوْلَا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، فَفَعَلُوا» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَانِ .... الْبُخَارِيُّ.

.. عَبَّاسٌ، فَقَالَ: سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي فَأَجْعَلُ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي، فَقَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ: لِمَ؟ فَقَالَ: لِلرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتَ "، وَفِي لَفْظٍ: " «سَأَلَتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْمُتْعَةِ، فَأَمَرَنِي بِهَا، وَسَأَلْتُهُ عَنِ الْهَدْيِ، فَقَالَ: فِيهَا جَزُورٌ، أَوْ بَقَرَةٌ، أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ، قَالَ: وَكَأَنَّ نَاسًا كَرِهُوهَا، فَنِمْتُ، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ الْمُنَادِيَ يُنَادِي، حَجٌّ مَبْرُورٌ وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ مُسْلِمٍ الْقُرِّيِ سَمِعَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: " «أَهَلَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ أَصْحَابُهُ بِحَجٍّ، فَلَمْ يَحِلَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَحَلَّ بَقِيَّتُهُمْ، وَكَانَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فِيمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلَمْ يَحِلَّ»،وَلِمُسْلِمٍ، فَقُلْنَا: " «لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلَّا خَمْسٌ أَمَرَنَا أَنْ نُفْضِيَ إِلَى نِسَائِنَا، فَنَأْتِيَ عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا الْمَنِيَّ، قَالَ جَابِرٌ بِيَدِهِ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى قَوْلِهِ بِيَدِهِ يُحَرِّكُهَا، قَالَ: فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِينَا، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَصْدَقُكُمْ وَأَبَرُّكُمْ، وَلَوْلَا هَدْيِي لَحَلَلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ، وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ، فَحِلُّوا، فَحَلَلْنَا، وَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا» " وَلِمُسْلِمٍ قَالَ: " «أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَحْلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ إِذَا تَوَجَّهْنَا إِلَى مِنًى، قَالَ: فَأَهْلَلْنَا مِنَ الْأَبْطَحِ، فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِأَبَدٍ» ".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَفِيهِ: " «ثُمَّ قَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أُرِيتَ مُتَمَتِّعًا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَلْ هِيَ أَبَدٌ» ".

وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرٍ فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ جَابِرٌ: " «لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، وَذَكَرَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ، قَالَ: حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافٍ عَلَى الْمَرْوَةِ، قَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً [فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً] فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى، وَقَالَ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ - مَرَّتَيْنِ - لَا، بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ حَلَّ، وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، قَالَ: وَكَانَ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ بِالْعِرَاقِ:فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: صَدَقَتْ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ، قَالَ: فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا تَحِلَّ، قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ، وَالَّذِي أَتَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةً، قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.
وَرَوَاهُ سَعِيدٌ، عَنْ عَتَّابِ بْنِ بَشِيرٍ، ثَنَا خَصِيفٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: " «لَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ سَأَلَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَيِّ شَيْءٍ أَهْلَلْتُمْ؟ فَقَالَ بَعْضُنَا: بِالْحَجِّ، وَقَالَ بَعْضُنَا: بِالْعُمْرَةِ، وَقَالَ بَعْضُنَا: بِالَّذِي أَهْلَلْتَ بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: أَحِلُّوا أَجْمَعِينَ إِلَّا إِنْسَانٌ مَعَهُ الْهَدْيُ قَلَّدَهُ، وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ حَتَّى أَكُونَ مَعَكُمْ حَلَالًا، فَرَأَى أَنَّ الْفَضْلَ فِي الْإِحْلَالِ، فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ: أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ: لِأَبَدِ الْآبِدِينَ» ".
وَعَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: " «كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِالْمُتْعَةِ، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْهَا، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: عَلَى يَدَيَّ دَارَ الْحَدِيثُ، تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ قَالَ: إِنِ اللَّهَ كَانَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ مَنَازِلَهُ، فَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ، وَاتَّقُوا نِكَاحَ هَذِهِ النِّسَاءِ، فَلَنْ أُوتَى بِرَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً إِلَى أَجَلٍ إِلَّا رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ»، وَفِي رِوَايَةٍ: " «وَافْصِلُوا حَجَّكُمْ مِنْ عُمْرَتِكُمْ، فَإِنَّهُ أَتَمُّ لِحَجِّكُمْ، وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِكُمْ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِأَحْمَدَ: قَالَ جَابِرٌ: " «تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْقُرْآنُ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الرَّسُولُ، وَإِنَّهَا كَانَتَا مُتْعَتَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِحْدَاهُمَا مُتْعَةُ الْحَجِّ، وَالْأُخْرَى مُتْعَةُ النِّسَاءِ» ".

وَعَنْ سَعِيدٍ قَالَ: " «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخًا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَرُحْنَا إِلَى مِنًى، أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ» " [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: " «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ، قَالَ: فَأَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ] فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ: اجْعَلُوا حَجَّكُمْ عُمْرَةً، قَالَ النَّاسُ: قَدْ أَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ كَيْفَ نَجْعَلُهَا عُمْرَةً قَالَ: انْظُرُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا، فَرَدُّوا عَلَيْهِ الْقَوْلَ، فَغَضِبَ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَرَأَتِ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَتْ: مَنْ أَغْضَبَكَ أَغْضَبَهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: وَمَا لِي لَا أَغْضَبُ، وَأَنَا آمُرُ بِالْأَمْرِ فَلَا أُتَّبَعُ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ وَابْنِ مَاجَهْ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، ثَنَا حَجَّاجٌ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: " «لَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَجَدْتُ فَاطِمَةَ قَدْ لَبِسَتْ ثِيَابًا صِبْغِيًّا، وَقَدْ نَضَحَتِ الظَّهْرَ لِلْبَيْتِ بِنَضُوحٍ، فَقَالَتْ: مَا لَكَ! فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَحَلُّوا، قُلْتُ لَهَا: إِنِّي أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِي: كَيْفَ صَنَعْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَإِنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ، قَالَ: فَقَالَ لِي: انْحَرْ مِنَ الْبُدْنِ سَبْعًا وَسِتِّينَ أَوْ سِتًّا وَسِتِّينَ، وَأَمْسِكْ لِنَفْسِكَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَأَمْسِكْ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ مِنْهَا بَضْعَةً» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحَلِيفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ حَمِدَ اللَّهَ، وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَقَالَ: وَنَحَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ قِيَامًا، وَذَبَحَ بِالْمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -حَتَّى إِذَا كَانَ بِعُسْفَانَ قَالَ لَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْضِ لَنَا قَضَاءَ قَوْمٍ كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْمَ، فَقَالَ: إِنِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْكُمْ فِي حَجِّكُمْ عُمْرَةً، فَإِذَا قَدِمْتُمْ فَمَنْ تَطَوَّفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَدْ حَلَّ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

وَعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ: " «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ، فَقُلْنَا: أَلَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ: بَلْ لِلْأَبَدِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اقْضِ لَنَا قَضَاءَ قَوْمٍ كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْمَ، أَلِعَامِنَا أَوْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ: بَلْ لِلْأَبَدِ، دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» " رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَفِي لَفْظٍ: " «أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْعُمْرَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ عُمْرَتَنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ: بَلْ لِلْأَبَدِ، دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.
وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: " «بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى قَوْمِي بِالْيَمَنِ، فَجِئْتُ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ، فَقَالَ: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ؟ قُلْتُ: لَا، فَأَمَرَنِي فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَحْلَلْتُ، فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَّطَتْنِي، أَوْ غَسَلَتْ رَأْسِي، فَقَدِمَ عُمَرُ فَقَالَ: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] "، وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: «قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ، فَقَالَ: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هَلْ سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، [ثُمَّ حِلَّ، قَالَ: فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ] ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَّطَتْنِي، وَغَسَلَتْ رَأْسِي، فَكُنْتُ أُفْتِي النَّاسَ بِذَلِكَ فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَإِمَارَةِ عُمَرَ، فَإِنِّي لَقَائِمٌ بِالْمَوْسِمِ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ كُنَّا أَفْتَيْنَاهُ بِشَيْءٍ فَلْيَتَّئِدْ، فَهَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ فَبِهِ فَائْتَمُّوا، فَلَمَّا قَدِمَ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا هَذَا الَّذِي أُحْدِثَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ؟ فَقَالَ: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: " {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] " وَأَنْ نَأْخُذَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ» ".
وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ: " «أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِالْمُتْعَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ:رُوَيْدَكَ بِبَعْضِ فُتْيَاكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النُّسُكِ، فَلَقِيَهُ بَعْدُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ فَعَلَهُ وَأَصْحَابُهُ، وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ يَظَلُّوا مُعَرِّسِينَ بِهِنَّ فِي الْأَرَاكِ، ثُمَّ يَرُوحُونَ فِي الْحَجِّ تَقْطُرُ رُءُوسُهُمْ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، «أَنَّ عُمَرَ قَالَ: " هِيَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي الْمُتْعَةَ - وَلَكِنْ أَخْشَى أَنْ يُعَرِّسُوا بِهِنَّ تَحْتَ الْأَرَاكِ، ثُمَّ يَرُوحُوا بِهِنَّ حُجَّاجًا».



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 03-07-2022, 07:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد



شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (1)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 479الى صــ 492
(30)

«وَعَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ: " سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الْمُتْعَةِ فِي الْحَجِّ، قَالَ: فَعَلْنَاهَا وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالْعَرْشِ - يَعْنِي بُيُوتَ مَكَّةَ، يَعْنِي مُعَاوِيَةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيُشْبِهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ سَعْدٌ إِنَّمَا عَنَى الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي الْجُمْلَةِ، وَعَنَى عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ مُسْلِمًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ.
«وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: " أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ عَامَ حَجَّ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ،وَهُمَا يَذْكُرَانِ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَا يَصْنَعُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ، فَقَالَ سَعْدٌ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أَخِي، قَالَ الضَّحَّاكُ: فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ نَهَى عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ» رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَعَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: " «نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحِرِّمُهُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ: " «تَمَتَّعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ» "، وَلَهُ: " «نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ - يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجَّ - وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ» ". وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ «عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ يُحَرِّمْهُ قَالَ فِيهَا رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ، وَقَدْ كَانَ يُسَلَّمُ عَلَيَّ حَتَّى اكْتَوَيْتُ فَتُرِكْتُ، ثُمَّ تَرَكْتُ الْكَيَّ فَعَادَ» ". وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِأَحْمَدَ: " «اعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَعْمَرَ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِهِ فِي الْعَشْرِ، فَلَمْ يَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ ارْتَأَى كُلُّ امْرِئٍ بَعْدُ مَا شَاءَ أَنْ يَرْتَئِيَ» ".
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ: " «أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالْمُتْعَةِ، وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنْهَا، فَقَالَ عُثْمَانُ كَلِمَةً، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ عُثْمَانُ: أَجَلْ وَلَكِنَّا كُنَّا خَائِفِينَ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: " «شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، فَقَالَ عُثْمَانُ: تَرَانِي أَنْهَى النَّاسَ وَأَنْتَ تَفْعَلُهُ، قَالَ: مَا كُنْتُ لِأَدَعَ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِ أَحَدٍ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَفِي لَفْظٍ: " «وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي بِهِمَا جَمِيعًا» " رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: " «اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَهُمَا بِعُسْفَانَ فِي الْمُتْعَةِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا تُرِيدُ إِلَى أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلِمُسْلِمٍ: " «اجْتَمَعَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ بِعُسْفَانَ، فَكَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ أَوِ الْعُمْرَةِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا تُرِيدُ إِلَى أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنْهَى عَنْهُ. فَقَالَ عُثْمَانُ: دَعْنَا مِنْكَ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَكَ، فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ ذَلِكَ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا» " وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: " «خَرَجَ عُثْمَانُ حَاجًّا حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قِيلَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنِ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِأَصْحَابِهِ: إِذَا ارْتَحَلَ فَارْتَحِلُوا، فَأَهَلَّ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ بِعُمْرَةٍ، فَلَمْ يُكَلِّمْ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ التَّمَتُّعِ؟ قَالَ: فَقَالَ: بَلَى، قَالَ: فَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَتَّعَ؟ قَالَ: بَلَى» ".
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: " «وَاللَّهِ إِنَّا لَمَعَ عُثْمَانَ بِالْجُحْفَةِ، وَمَعَهُ رَهْطٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فِيهِمْ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيُّ إِذْ قَالَ عُثْمَانُ - وَذَكَرَ لَهُ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ -: إِنْ أَتَمَّ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَلَّا يَكُونَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَلَوْ أَخَّرْتُمْ هَذِهِ الْعُمْرَةَ حَتَّى تَزُورُوا هَذَا الْبَيْتَ زَوْرَتَيْنِ كَانَ أَفْضَلَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَسَّعَ فِي الْخَيْرِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِبَطْنِ الْوَادِي يَعْلِفُ بَعِيرًا لَهُ، فَبَلَغَهُ الَّذِي قَالَ عُثْمَانُ، فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: أَعَمِدْتَ إِلَى سُنَّةٍ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُخْصَةٍ رَخَّصَ اللَّهُ بِهَا لِلْعِبَادِ فِي كِتَابِهِ تُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ فِيهَا وَتَنْهَى عَنْهَا، وَقَدْ كَانَتْ لِذِي الْحَاجَةِ وَلِنَائِي الدَّارِ؟! ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا، فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: وَهَلْ نَهَيْتُ عَنْهَا، إِنِّي لَمْ أَنْهَ عَنْهَا، إِنَّمَا كَانَ رَأْيًا أَشَرْتُ بِهِ، فَمَنْ شَاءَ أَخَذَ بِهِ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَمَعْنَى قَوْلِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِنَّا كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّا كُنَّا مَشْغُولِينَ بِالْجِهَادِ عَنْ إِنْشَاءِ سَفْرَةٍ أُخْرَى لِلْعُمْرَةِ لِكَوْنِ أَكْثَرِ الْأَرْضِ كَانُوا كُفَّارًا، فَأَمَّا الْيَوْمُ: فَالنَّاسُ قَدْ أَمَنُوا، فَإِفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ النُّسُكَيْنِ بِسَفْرَةٍ هُوَ الْأَفْضَلُ.
وَقَدْ رَوَى سَعِيدٌ عَنْ سَلَامِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: " شَهِدْتُ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَهُمَا يُفْتِيَانِ فُتْيَا شَتَّى؛ عَلِيٌّ يَأْمُرُ بِالْمُتْعَةِ، وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنْهَا، فَقَالَ عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ: هَلْ أَنْتَ مُنْتَهٍ؟ ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَمَّنَكُمْ، أَلَا إِنَّ الْحَجَّ التَّامَّ مِنْ أَهْلِيكُمْ، وَالْعُمْرَةَ التَّامَّةَ مِنْ أَهْلِيكُمْ " وَمِثْلُ هَذَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: " إِنَّمَا كَانَتِ الْمُتْعَةُ إِذْ كَانَ النَّاسُ يَشْغَلُهُمُ الْجِهَادُ عَنِ الْحَجِّ، فَأَمَّا الْيَوْمُ فَقَدْ أَمَّنَ اللَّهُ السَّاحَةَ وَنَفَى الْعَدُوَّ فَجَرِّدُوا " رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ: أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: " «وَقُلْ: عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ» " قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: يَعْنِي ذَا الْحُلَيْفَةِ.

وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقِرَانُ كَمَا فَسَّرَهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ التَّمَتُّعُ، كَمَا جَاءَ: " «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» " يَعْنِي بِهَا الْمُتْعَةَ.
وَكَذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَتِ الرَّجُلَ أَنْ يَعْتَمِرَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ، وَاحْتَجَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَهِلُّوا يَا آلَ مُحَمَّدٍ بِعُمْرَةٍ فِي حَجٍّ» ". فَعُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ: قَدْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي حَجَّةٍ، وَفِي حَدِيثِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ: " «أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْكُمْ فِي حَجِّكُمْ عُمْرَةً، فَإِذَا قَدِمْتُمْ فَمَنْ تَطَوَّفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَدْ حَلَّ، إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ» " وَهَذَا لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إِنَّمَا يُرِيدُ الْحَجَّ الْأَكْبَرَ، وَلَهُ يُسَافِرُ، وَإِلَيْهِ يَقْصِدُ، وَيُدْخِلُ فِي ضِمْنِ حَجِّهِ عُمْرَةً؛ وَلِهَذَا قَالَ: " «عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ» ". فَعُلِمَ أَنَّهَا عُمْرَةٌ تُفْعَلُ فِي أَثْنَاءِ حَجَّةٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْقِرَانُ لَقَالَ: حَجَّةٌ فِيهَا عُمْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةُ تَدْخُلُ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: " «عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ» " لَا تُخَالِفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ أَقْرَبُ إِلَى أَنْ يَكُونَ أَتَى بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ مِنَ الْقَارِنِ الَّذِي لَمْ يَزِدْ عَلَى عَمَلِ الْحَاجِّ.
فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَخْبَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ بِالْمُتْعَةِ، وَأَنَّهُمْ تَمَتَّعُوا مَعَهُ، وَأَنَّهَا كَانَتْ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ، وَأَخْبَرُوا - أَيْضًا -: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَتَّعَ، لَكِنْ هَلْ كَانَتْ مُتْعَةَ عُمْرَةٍ أَوْ مُتْعَةَ قِرَانٍ؟ هَذَا هُوَ الَّذِي وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ؛ هَلِ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِعُمْرَةٍ، أَوْ أَنْ يَقْرِنَ بَيْنَهُمَا؟ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَارِنًا.
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " لَا شَكَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَارِنًا، وَالتَّمَتُّعُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَاحْتَجَّ لِاخْتِيَارِهِ التَّمَتُّعَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً» ".
وَيُوَضِّحُ هَذَا: أَنَّهُ قَدْ رَوَى أَنَّهُ قَرَنَ مُفَسِّرًا، فَرَوَى بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " «سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا، قَالَ بَكْرٌ: فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ. فَلَقِيتُ أَنَسًا فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ أَنَسٌ: مَا تَعُدُّونَا إِلَّا صِبْيَانًا! سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ لَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ، حَمِدَ اللَّهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، وَحَمِيدٍ، أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَسًا قَالَ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ بِهِمَا: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا، لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
«وَعَنْ أَبِي قُدَامَةَ قَالَ: " قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُهِلُّ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ مِرَارًا: بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ الْبَرَاءِ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَعَلِيٍّ: أَوَ قَرَنْتَ؟ " وَهَذَا - أَيْضًا - صَرِيحٌ لَا يُعَارِضُهُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا أَخْبَرَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَتَّعَ، وَكَذَلِكَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَفَسَّرُوا التَّمَتُّعَ بِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.
وَعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: وَقَرَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ.
«وَعَنِ الصَّبِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ: " كُنْتُ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَأَسْلَمْتُ، فَأَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَسَمِعَنِي سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ وَزَيْدُ بْنُ صُوحَانَ، وَأَنَا أُهِلُّ بِهِمَا جَمِيعًا بِالْقَادِسِيَّةِ، فَقَالَا: لَهَذَا أَضَلُّ مِنْ بَعِيرِهِ، فَكَأَنَّمَا حُمِلَ عَلَيَّ بِكَلِمَتِهِمَا جَبَلٌ، فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمَا فَلَامَهُمَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
«وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " أَخْبَرَنِي أَبُو طَلْحَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ.
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: " «إِنَّمَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَاجٍّ بَعْدَهَا» " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَكُلُّ مَنْ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَتَّعَ، فَإِنَّهُ لَا يُخَالِفُ هَذَا، فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ قَدْ اتَّفَقَتْ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ لِأَجْلِ الْهَدْيِ الَّذِي سَاقَهُ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ أَنَّهُ حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ.


وَالْمُتْعَةُ: اسْمٌ جَامِعٌ لِلْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَمَنِ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ حَجَّتِهِ أَوْ مَعَ حَجَّتِهِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى مُتَمَتِّعًا، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ تَرَفَّهَ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ؛ وَلِهَذَا وَجَبَ الدَّمُ عَلَيْهِمَا، فَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ رَوَى أَنَّهُ تَمَتَّعَ عَلَى تَمَتُّعِ الْقِرَانِ، فَإِنَّ كُلَّ قَارِنٍ مُتَمَتِّعٌ.
وَأَمَّا الْمُتَمَتِّعُ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ إِذَا لَمْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ حَتَّى أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ: هَذَا قَارِنٌ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ بِإِحْلَالٍ وَإِحْرَامٍ، لَكِنْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَوَّلًا وَسَعَى، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَجْعَلُونَ هَذَا مُتَمَتِّعًا، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَارِنًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَلَوْ سُمِّيَ الْمُتَمَتِّعُ قَارِنًا لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، لَكِنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَطُوفُ أَوَّلًا وَيَسْعَى لِعُمْرَتِهِ، وَالْقَارِنُ يَطُوفُ أَوَّلًا لِعُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ، ثُمَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ:. . .
فَإِنْ قِيلَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ بِالْإِحْلَالِ وَالْمُتْعَةِ فَهَذَا حَقٌّ، لَكِنَّ هَذَا هُوَ فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ، وَهَذَا الْفَسْخُ كَانَ خَاصًّا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَإِذَا كَانَ الْفَسْخُ خَاصًّا لَهُمْ، وَالْمُتْعَةُ إِنَّمَا حَصَلَتْ بِالْفَسْخِ، فَتَكُونُ تِلْكَ الْمُتْعَةُ الْمُسْتَحَبَّةُ فِي حَقِّهِمْ خَاصَّةً لَهُمْ، فَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهَا إِلَى غَيْرِهِمْ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ خَاصٌّ لَهُمْ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ فِي كِتَابِهِ بِإِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِقَوْلِهِ: " {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] " وَمِنْ فَسَخَ الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ لَمْ يُتِمَّهُ، وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ قَالَ: " إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُنَا بِإِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ " وَهَذَا الْخِطَابُ عَامٌّ، خَرَجُوا هُمْ مِنْهُ بِالسُّنَّةِ، فَيَبْقَى بَاقِي النَّاسِ عَلَى الْعُمُومِ.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 288.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 282.62 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (2.10%)]