المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الدين والحياة الدكتور أحمد النقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 33 )           »          فبهداهم اقتده الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 55 )           »          يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 23 )           »          رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          أمور قد تخفى على بعض الناس في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          دروس رمضانية السيد مراد سلامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 340 )           »          جدول لآحلى الأكلات والوصفات على سفرتك يوميا فى رمضان . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 730 )           »          منيو إفطار 18رمضان.. طريقة عمل كبسة اللحم وسلطة الدقوس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          5 ألوان لخزائن المطبخ عفا عليها الزمان.. بلاش منها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          5 طرق لتنظيف الأرضيات الرخامية بشكل صحيح.. عشان تلمع من تانى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 06-12-2021, 08:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 73 الى صـ 77
الحلقة (11)

ومنهم من يقول: نزلت هذه الآية بمكة، وآخر يقول: بل نزلت في المدينة، وثالث يقول: بل نزلت مرتين.
اختلاف وتباين يجعل الحليم حيرانًا، يقرأ وينظر لكنه لم يستفد إلا بلبلة الفكر وتشتت الذهن.
وقد حاولت في هذا المبحث جمع الأسباب التي قادت إلى الوقوع في الخطأ وحصرها مع التمثيل لكل منها بعدد من الأمثلة ليتبين للناظر حقيقة الأمر بدليله.
وإني أعتقد جازماً أن هذا المبحث ثمرة حسنة من ثمار البحث لأمرين:
أولاً: أن العلم بسبب الخطأ سبب للوقاية منه، وقد قيل: من لا يعرف الشوك لا يتقيه.
ثانياً: الوقوف على القواعد المعتبرة، والضوابط المقررة في تحديد سبب النزول من غيره، وإن العلم بالخطأ يورث العلم بالصواب، وقد قيل: وبضدها تتميز الأشياء.

وقد تبين لي بعد التتبع والاستقراء أن البواعث الرئيسة على الخطأ تنحصر في خمسة يندرج تحتها صور متعددة، وأقسام متنوعة، سأذكر تحت كل قسم خمسة أمثلة، وأُحيل في الحاشية إلى المواضع الأخرى.
السبب الأول: أن تقع المخالفة بين سبب النزول وآيات القرآن باعتبار التاريخ وهو قسمان:
أ - أن تقع المخالفة بين ما نزل قبل الهجرة أو بعدها. وإليك الأمثلة:

1 - أخرج ابن ماجه عن خباب - رضي الله عنه- في قوله: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) - إلى قوله -: (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري فوجدوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعدًا في ناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حول - النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حقروهم، فأتوه، فخلوا به وقالوا: إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسًا تعرف لنا به العرب فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت. قال: (نعم) قالوا: فاكتب لنا عليك كتاباً، قال: فدعا بصحيفة، ودعا علياً ليكتب، ونحن قعود في ناحية فنزل جبرائيل - عليه السلام - فقال: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ .... ). مختصراً.
قال ابن عطية: (وهذا تأويل بعيد في نزول الآية لأن الآية مكية وهؤلاء الأشراف لم يفدوا إلا في المدينة، وقد يمكن أن يقع هذا القول منهم، لكنه إن كان وقع فبعد نزول الآية بمدة) اهـ.
وقال ابن كثير: (وهذا حديث غريب، فإن هذه الآية مكية، والأقرع بن حابس وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر). اهـ.
2 - أخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فنزلت: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33).
وقد أخرج البخاري عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عبَّاسٍ: سورة الأنفال. قال: نزلت في بدر وقال ابن عاشور: (وقد اتفق رجال الأثر كلهم على أنها نزلت في غزوة بدر. قال ابن إسحاق: أُنزلت في أمر بدر سورة الأنفال بأسرها). اهـ.
وجه المخالفة: أن سورة الأنفال بالاتفاق نزلت بعد الهجرة، وأن دعاء أبي جهل كان بمكة لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) وإنما كان فيهم قبل الهجرة.
3 - أخرج الترمذي عن ابن أخي عبد اللَّه بن سلام قال: لما أُريد عثمان جاء عبد اللَّه بن سلام، فقال له عثمان: ما جاء بك؟ قال: جئت في نصرتك، قال: اخرج إلى الناس فاطردهم عني فإنك خارجٌ خير لي منك داخل، فخرج عبد اللَّه إلى الناس، فقال: أيها الناس، إنه كان اسمي في الجاهلية فلان، فسماني رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبد اللَّه، ونزلت فيَّ آيات من كتاب اللَّه، نزلت فيَّ: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ .. ) ونزلت فيَّ: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43).
قال القرطبي: (وكيف يكون عبد اللَّه بن سلام، وهذه السورة مكية، وابن سلام ما أسلم إلا بالمدينة؟).
وقال ابن كثير: (قيل: نزلت في عبد اللَّه بن سلام. قاله مجاهد، وهذا القول غريب لأن هذه الآية مكية، وعبد اللَّه بن سلام إنما أسلم في أول مقدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة).
وقال ابن عاشور: (وقيل: أُريد به عبد اللَّه بن سلام، الذي آمن بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أول مقدمه المدينة، ويبعده أن السورة مكية).

والآية المقصودة هنا آية سورة الرعد.
4 - أخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كانت بنو سلمة في ناحية المدينة فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن آثاركم تكتب فلا تنتقلوا).
قال ابن عطية: (وهذه السورة مكية بإجماع إلا أن فرقة قالت: إن قوله: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) نزلت في بني سلمة، وليس الأمر كذلك إنما نزلت الآية بمكة ولكنه احتج بها عليهم في المدينة). اهـ. باختصار.
وقال ابن كثير عن هذا الحديث: (وفيه غرابة من حيث ذكر نزول هذه الآية، والسورة بكمالها مكية فاللَّه أعلم). اهـ.
وقال ابن عاشور: (وتوهم راوي الحديث أن هذه الآية نزلت في ذلك وسياق الآية يخالفه، ومكيتها تنافيه). اهـ.
5 - أخرج أحمد والترمذي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: مر يهودي برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو جالس، قال: كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل الله السماء على ذِه وأشار بالسبابة، والأرض على ذِه، والجبال على ذِه، وسائر الخلق على ذِه؟ كل ذلك يشير بأصابعه، قال: فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ).
قال ابن عطية: (فرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تمثل بالآية وقد كانت نزلت). اهـ.
وقال ابن عاشورة (وهو وهم من بعض رواته، وكيف وهذه مكية، وقصة الحبر مدنية). اهـ.
ب - أن تقع المخالفة فيما نزل بعد الهجرة كان في أولها أم في آخرها وإليك الأمثلة:
1 - أخرج مسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر، ويرفع رأسه (سمع اللَّه لمن حمده ربنا ولك الحمد) ثم يقول وهو قائم: (اللهم انج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسني يوسف، اللهم العن لحيان ورعلاً وذكوان وعصية عصت الله ورسوله) ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أُنزل: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128).
وجه المخالفة: أن قصة رعل، ولحيان، وذكوان وعصية كانت لما قُتل القراء في بئر معونة وذلك في صفر من السنة الرابعة، والآية فى سياق غزوة أحد، فكيف يتقدم النزول على السبب؟
2 - أخرج أبو داود والترمذي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: نزلت هذه الآية: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر، فقال بعض الناس: لعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذها فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ .. ) الآية.
أفاد ابن عاشور أن هذا الحديث لا يصح أن يكون سبباً لنزول الآية، إذ كيف تفقد القطيفة يوم بدر، ولا تنزل الآية لأجل هذا إلا يوم أحد مع أن بين الغزوتين سنة وشهرًا.
3 - أخرج البخاري وأحمد عن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت:كان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - احجب نساءك قالت: فلم يفعل، وكان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرجن ليلا إلى ليل قبل المناصع، فخرجت سودة بنت زمعة، وكانت امرأة طويلة، فرآها عمر بن الخطاب وهو في المجلس. فقال: عرفناك يا سودة، حرصا على أن ينزل الحجاب، قالت: فأنزل الله - عز وجل - آية الحجاب.
قال ابن كثير عن هذا الحديث: (المشهور في قصة سودة أنها كانت بعد نزول الحجاب). اهـ. وإذا كان كذلك فكيف تكون القصة سبب نزول الآية ولم تقع إلا بعدها.
4 - أخرج البخاري وأحمد عن المسور بن مخرمة ومروان في قصة الحديبية قالا: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية حتى كانوا ببعض الطريق فذكر الحديث ... إلى أن قالا: وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تناشده بالله والرحم: لما أرسل: فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فأنزل الله تعالى: (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ... ).
قال ابن حجر: (ظاهره أنها نزلت في شأن أبي بصير، وفيه نظر، والمشهور في سبب نزولها ما أخرجه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع، ومن حديث أنس بن مالك أيضا وأخرجه أحمد والنسائي من حديث عبد الله بن مغفل بسند صحيح أنها نزلت بسبب القوم من قريش الذين أرادوا أن يأخذوا من المسلمين غرة، فظفروا بهم، فعفا عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت الآية). اهـ. وهذا كان في الحديبية، وقصة أبي بصير بعد الحديبية.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 06-12-2021, 08:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 78 الى صـ 82
الحلقة (12)

5 - أخرج البخاري وأحمد ومسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لو أتيت عبد الله بن أبي، فانطلق إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وركب حمارا، فانطلق المسلمون يمشون معه، وهي أرض سبخة، فلما أتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إليك عني، والله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار منهم: والله لحمار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطيب ريحا منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتمه، فغضب لكل واحد منهما أصحابه فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال فبلغنا أنها أنزلت: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما).
قال ابن عاشور: (ويناكد هذا - أي القول بأنها سبب النزول - أن تلك الوقعة كانت في أول أيام قدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وهذه السورة نزلت سنة تسع من الهجرة). اهـ. مختصرا.
ومن هنا نعلم أنه من رام السلامة من الخطأ في تحديد السبب فلا بد له من معرفة وقت النزول ووقت السبب.
السبب الثاني: أن تقع المخالفة بين سبب النزول وآيات القرآن باعتبار السياق وهو ثلاثة أقسام:

أ - أن يقع الاختلاف بينهما في الألفاظ وإليك الأمثلة:

1 - أخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لما نزل تحريم الخمر، قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء فنزلت هذه الآية التي في البقرة: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) قال: فدعي عمر فقرئت عليه.
بيان مخالفة السبب للآية من وجهين:
الأول: أن الآية فيها السؤال عن الخمر والميسر جميعا، بينما حديث عمر فيه الدعاء بالبيان عن الخمر فقط.
الثاني: أن الله قال في الآية: (يسألونك) وعمر لم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يدل على هذا لفظ الحديث، وإنما فيه أنه دعا الله، وفرق بين دعاء الله وسؤال رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
2 - أخرج الترمذي عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - أن رجلا عض يد رجل فنزع يده، فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك) فأنزل الله: (والجروح قصاص).
وجه المخالفة هنا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفى حقه في الدية فكيف يكون له قصاص مع أن شأن القصاص أعظم وأكبر ثم يقال: فأنزل الله: (والجروح قصاص). اهـ.
3 - أخرج مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: نزلت في أربع آيات أصبت سيفا فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله نفلنيه: فقال: (ضعه) ثم قام، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ضعه من حيث أخذته) ثم قام، فقال: نفلنيه يا رسول الله فقال: (ضعه) فقام فقال: يا رسول الله نفلنيه. أأجعل كمن لا غناء له؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ضعه من حيث أخذته) قال: فنزلت هذه الآية: (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول).
قال أبو العباس القرطبي عن حديث سعد: (يقتضي أن يكون ثم سؤال عن حكم الأنفال، ولم يكن هنالك سؤال عن ذلك على ما يقتضيه هذا الحديث). اهـ. فالذي وقع في حديث سعد أنه سأل نفلا وفرق بين من يسأل عن الشيء وبين من يسأل الشيء، فالأول مستفهم والثاني يريد العطاء.
4 - أخرج البخاري وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت أو سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الذنب عند الله أكبر؟ قال: (أن تجعل لله ندا وهو خلقك) قلت: ثم أي؟ قال: (ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك) قلت: ثم أي؟ قال: (أن تزاني بحليلة جارك) قال: ونزلت هذه الآية تصديقا لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون) فالفرق بين الآية وحديث ابن مسعود أن الحديث حصر القتل في الولد خشية الطعام وحصر الزنا بحليلة الجار وهذا الحصر لا يوافق العموم في الآية. اهـ.
5 - أخرج البخاري ومسلم وأحمد والنسائي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: إن قريشا لما استعصت على النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم قحط وجدب وحتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد ... فذكر الحديث حتى قال فأنزل الله: (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين (10). باختصار.
قال ابن كثير عن الآية: (أي بين واضح يراه كل أحد، وعلى ما فسر به ابن مسعود إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد، وهكذا قوله تعالى: (يغشى الناس) أي يتغشاهم ويعميهم ولو كان أمرا خياليا يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه (يغشى الناس). اهـ.
وقال أبو العباس القرطبي: (لا شك في أن تسمية هذا دخانا تجوز، وحقيقة الدخان ما ذكر في حديث أبي سعيد). اهـ.
ب - أن يقع الاختلاف بينهما في المقصود بالخطاب وإليك الأمثلة:
1 - أخرج الإمام أحمد والنسائي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: أخر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة. قال: (أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم) قال: وأنزل هؤلاء الآيات: (ليسوا سواء من أهل الكتاب) - حتى بلغ - (والله عليم بالمتقين).
وجه المخالفة: أن القول بالنزول يقتضي نفي المساواة بين الذين آمنوا من هذه الأمة وبين أهل الكتاب.
بينما اتفق المفسرون على أن الآية تنفي المساواة بين مؤمني أهل الكتاب وكافريهم قال ابن العربي: (وقد اتفق المفسرون أنها نزلت فيمن أسلم من أهل الكتاب وعليه يدل ظاهر القرآن، ومفتتح الكلام نفي المساواة بين من أسلم منهم وبين من بقي منهم على الكفر). اهـ.
وقال ابن عاشور: (استئناف قصد به إنصاف طائفة من أهل الكتاب بعد الحكم على معظمهم بصيغة تعمهم تأكيدا لما أفاده قوله: (منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون).
2 - أخرج أبو داود والنسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) - إلى قوله - (غفور رحيم) نزلت هذه الآية في المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه.
وجه المخالفة: أن الله قال في آيات الحرابة: (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم) والحديث يقتضي المؤاخذة إذا تاب المحارب قبل القدرة.
قال القرطبي: (وقد أجمعوا على أن أهل الشرك إذا وقعوا في أيدينا فأسلموا أن دماءهم تحرم). اهـ. فإذا كان الإجماع منعقدا على قبول توبة المشرك بعد القدرة فقبلها من باب أولى.
3 - أخرج النسائي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - في قوله تعالى: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) قال: هو بلعم، وقال نزلت في أمية.
وجه المخالفة: أن الله قال عن المذكور: (آتيناه آياتنا) فكيف لأمية بن أبي الصلت أن تأتيه الآيات.
4 - أخرج البخاري عن محمد بن عباد بن جعفر أن ابن عباس قرأ: (ألا إنهم تثنوني صدورهم) قلت: يا أبا العباس ما تثنوني صدورهم؟ قال: كان الرجل يجامع امرأته فيستحي أو يتخلى فيستحي فنزلت: (ألا إنهم تثنوني صدورهم).
قال ابن عاشور بعد ذكر السبب: (وهذا التفسير لا يناسب موقع الآية ولا اتساق الضمائر. فلعل مراد ابن عباس أن الآية تنطبق على صنيع هؤلاء وليس فعلهم هو سبب نزولها). اهـ.
وهذا ظاهر لأن الآية تتحدث عن المذكورين حديث ذم وقدح، بينما المذكورون في الحديث أهل للثناء والمدح.
5 - أخرج الدارمي عن يحيى بن جعدة قال: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتف فيه كتاب، فقال: كفى بقوم ضلالا أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى ما جاء به نبي غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم فأنزل الله - عز وجل -: (أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب).
وجه المخالفة بين الآية والحديث: أن الله قال قبل هذه الآية: (وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين (50) وقال بعدها: (قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون) فالضمير في (يكفهم) يعود على الكافرين القائلين: (لولا أنزل عليه آيات من ربه).
والحديث يقتضي أن عدم الاكتفاء واقع من بعض المؤمنين.
جـ - أن يقع الاختلاف بينهما في أصل الموضوع وإليك الأمثلة:
1 - أخرج ابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان الرجل يقوت أهله قوتا فيه سعة، وكان الرجل يقوت أهله قوتا فيه شدة فنزلت: (من أوسط ما تطعمون أهليكم).
وجه المخالفة: أن حديث الآية عن الكفارة حين يحنث الحالف في يمينه، بينما السبب يدور على القوت والإنفاق وفرق كبير بين هذين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 27-12-2021, 08:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 83 الى صـ 87
الحلقة (13)

2 - أخرج أحمد والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: كانت امرأة حسناء تصلي خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فكان بعض القوم يستقدم في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف الآخر، فماذا ركع نظر من تحت إبطيه فأنزل اللَّه في شأنها: (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ).
قال الطبري: (وأولى الأقوال بالصحة قول من قال معنى ذلك: ولقد علمنا الأموات منكم يا بني آدم فتقدم موته ولقد علمنا المستأخرين الذين استأخر موتهم لدلالة ما قبله من الكلام وهو قوله: (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ) وما بعده وهو قوله: (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ). اهـ. بتصرف.
وقال ابن عاشور عن الحديث: (وهو خبر واهٍ لا يلاقي انتظام هذه الآيات ولا يكون إلا من التفاسير الضعيفة). اهـ. باختصار.
3 - أخرج البخاري ومالك ومسلم والنَّسَائِي عن عائشة - رضي الله عنها -: (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا) أنزلت في الدعاء.
وجه المخالفة هنا: أن اللَّه نهى عن المخافتة بالصلاة في الآية، ولو كان المراد بالصلاة الدعاء لما نهى عن المخافتة لأن هذا هو الأصل في الدعاء لقوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً).
4 - أخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كانت بنو سلِمة في ناحية المدينة فأرادوا النُّقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إدْ آثاركم تكتب فلا تنتقلوا).
وجه المخالفة: أن حديث الآية عن الموتى لقوله: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى) بينما الحديث في الأحياء، فكيف تنزل بسببه.
قال ابن عطية: (ووافقها - أي الآية - قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المعنى فمن هنا قال منْ قال: إنها نزلت في بني سلمة) والمراد بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (دياركم تكتب آثاركم).
5 - أخرج الترمذي عن يوسف بن سعد قال: قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية فقال: سودت وجوه المؤمنين، أو يا مسوِّد وجوه المؤمنين فقال: لا تؤنبني - رحمك الله - فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُري بني أُمية على منبره فساءه ذلك فنزلت: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) يا محمد، يعني نهرًا في الجنة، ونزلت: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)، يملكها بعدك بنو أُمية يا محمد. قال القاسم: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يومًا ولا تنقص.
قال ابن كثير: (ومما يدل على ضعف هذا الحديث أنه سيق لذم بني أمية، ولو أُريد ذلك لم يكن بهذا السياق، فإن تفضيل ليلة القدر على أيامهم، لا يدل على ذم أيامهم فإن ليلة القدر شريفة جدًا، والسورة الكريمة إنما جاءت لمدح ليلة القدر فكيف تمدح بتفضيلها على أيام بني أُمية التي هي مذمومة بمقتضى هذا الحديث.
والسورة مكية فكيف يحال على ألف شهر هي دولة بني أُمية ولا يدل عليها لفظ الآية ولا معناها، والمنبر إنما صنع بالمدينة بعد مدة من الهجرة فهذا كله مما يدل على ضعف الحديث ونكارته واللَّه أعلم). اهـ. بتصرف.
وقال ابن عاشور: (وهو مختل المعنى وسمات الوضع لائحة عليه وهو من وضع أهل النحل المخالفة للجماعة). اهـ. باختصار.
ومن هنا يمكن القول أنه لا بد لاستقامة السبب وقبوله أن يوافق الآية في اللفظ، والخطاب، وأصل الموضوع.
السبب الثالث: وقوع الخطأ في الإسناد وهو أقسام:
أ - أن يكون السبب ضعيف الإسناد وإليك الأمثلة:

1 - أخرج الترمذي وابن ماجه عن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة عن أبيه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر في ليلة مظلمة فلم ندرِ أين القبلة فصلى كل رجل منا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنزل: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ).
هذا الحديث مداره على عاصم بن عبيد اللَّه العمري، وقد قال أبو حاتم، وأبو زرعة والبخاري: (منكر الحديث، زاد أبو حاتم: مضطرب الحديث ليس له حديث يعتمد عليه). اهـ.
2 - أخرج النَّسَائِي عن عبد اللَّه بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن رجلاً أتى امرأته في دبرها في عهد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوجد من ذلك وجدًا شديدًا فأنزل اللَّه تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ).
ظاهر هذا الإسناد الصحة ولكنه ليس كذلك فقد نص أبو حاتم الرازي على علته وأن الأصح في سنده هو ما رواه عبد اللَّه بن نافع الصائغ عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قال ابنه ما نصه: (قال أبي: هذا أشبه - أي كونه من حديث أبي سعيد - وهذا أيضاً منكر، وهو أشبه من حديث ابن عمر لأن الناس أقبلوا قِبل نافع فيما حكى عن ابن عمر في قوله: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) في الرخصةِ، فلو كان عند زيد بن أسلم عن ابن عمر لكانوا لا يولعون بنافع، وأول ما رأيت حديث ابن عبد الحكم استغربناه ثم تبين لي علته).
3 - أخرج أحمد والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: كانت امرأة حسناء تصلي خلف رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فكان بعض القوم يستقدم في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت إبطيه فأنزل اللَّه في شأنها: (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24).
قال ابن كثير: (وهذا الحديث فيه نكارة شديدة، فالظاهر أنه من كلام أبى الجوزاء). اهـ. مختصرًا.
ومدار الحديث على عمرو بن مالك النكري لم يوثقه أحد من ذوي الشأن باستثناء ابن حبان ومع ذلك فقد قال: (يخطئ ويغرب).
4 - أخرج الترمذي عن أبي أُمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاللا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام)، في مثل هذا أُنزلت هذه الآية: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ).

وإسناد هذا الحديث يدور على عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن.
قال الدارقطني: (عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد نسخة باطلة).

وقال ابن حبان: (وإذا روى ابن زحر عن علي بن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسنادٍ خبر عبيد اللَّه بن زحر، وعلي بن يزيد، والقاسم بن عبد الرحمن لا يكون متن ذلك الخبر إلا مما عملت أيديهم فلا يحل الاحتجاج بهذه الصحيفة). اهـ. مختصراً.
5 - أخرج الترمذي عن يوسف بن سعد قال: قام رجل إلى الحسن بن علي بعدما بايع معاوية فقال: سودت وجوه المؤمنين، أو يا مسود وجوه المؤمنين فقال: لا تؤنبني - رحمك اللَّه - فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُري بني أُمية على منبره فساءه ذلك فنزلت: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) يا محمد يعني: نهرًا في الجنة ونزلت: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)، يملكها بعدك بنو أُمية يا محمد. قال القاسم: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يومًا ولا تنقص.
قال ابن كثير: (ثم هذا الحديث على كل تقدير منكر جداً قال شيخنا الإمام الحافظ الحجة أبو الحجاج المزي: هو حديث منكر ... ثم ذكر كلامًا حتى قال: فهذا كله مما يدل على ضعف الحديث ونكارته والله أعلم). اهـ. باختصار.
وقال ابن عاشور: (واتفق حذاق العلماء على أنه حديث منكر صرح بذلك ابن كثير وذكره عن شيخه المزي، وأقول: هو مختل المعنى، وسمات الوضع لائحة عليه). اهـ. باختصار.

ب - أن يكون أصل الحديث صحيحاً وفيه علة إسنادية خفية وإليك الأمثلة:

1 - أخرج مسلم وأحمد والبخاري والدارمي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه (سمع اللَّه لمن حمده ربنا ولك الحمد) ثم يقول وهو قائم: (اللهم انج الوليد ابن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم كسني يوسف اللهم العن لحيان، ورعلاً وذكوان، وعصية عصت اللَّه ورسوله) ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أُنزل: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128).
هذه الرواية في تسمية القبائل تفرد بها يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري عند مسلم وقد تابعه اثنان بدونها: شعيب، وإبراهيم بن سعد عند البخاري، والحديث له طريق أخرى عن أبي هريرة بدونها أيضاً من رواية الأعرج عند البخاري، فهذه الرواية شاذة لأن يونس تفرد بها عن بقية الثقات.
وقال ابن حجر عن رواية البخاري للحديث وقوله: (حتى أنزل اللَّه): (ثم ظهر لي علة الخبر وأن فيه إدراجاً، وأن قوله: حتى أنزل اللَّه منقطع من رواية الزهري عمن بلَّغه، بيَّن ذلك مسلم في رواية يونس المذكورة فقال هنا - يعني الزهري -: ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت وهذا البلاغ لا يصح لما ذكرته). اهـ. يعني الانقطاع.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 27-12-2021, 08:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 88 الى صـ 92
الحلقة (14)

2 - أخرج مالك وأحمد والبخاري ومسلم والنَّسَائِي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: خرجنا مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش، انقطع عقد لي فأقام رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على التماسه وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، قالت عائشة: فجاء أبو بكر، ورسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس وليسوا على ماء، وليس معهم ماء قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء اللَّه أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على فخذي فنام رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أصبح على غير ماء فأنزل اللَّه تبارك وتعالى آية التيمم فتيمموا، فقال أُسيد بن حضير ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت: فبعثنا البعير الذي كنتُ عليه فوجدنا العقد تحته.
وفي لفظ للبخاري: ثم إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استيقظ، وحضرت الصبح فالتُمس الماء فلم يوجد فنزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ).
وهذه الزيادة في ذكر الآية انفرد بذكرها عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري، وخالف الجماعة الذين أعرضوا عن ذكرها، وعمرو بن الحارث وإن كان من الثقات الأثبات فقد ذكر أحمد أن له مناكير.

3 - أخرج البخاري وأحمد عن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: كان عمر بن الخطاب يقول لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احجب نساءك، قالت: فلم يفعل، وكان أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخرجن ليلاً إلى ليلِ قِبَل المناصع، فخرجت سودة بنت زمعة، وكانت امرأة طويلةً فرآها عمر بن الخطاب وهو في المجلس، فقال: عرفناك يا سودة حرصاً على أن ينزل الحجاب قالت: فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - آية الحجاب.
وللشيخين عنها: قالت: فأوحى الله إليه ثم رفع عنه، وإن العرق في يده ما وضعه فقال: (إنه قد أُذن لكنَّ أن تخرجن لحاجتكن).
وهذا الحديث رواه عن عائشة عروة وعنه اثنان، الأول: ابنه هشام بدون ذكر الآية.
الثاني: الزهري وعنه جماعة كلهم ذكروا الآية، وهذه الرواية وإن كانت ثابتة عن الزهري إلا أن مما يؤيد رواية هشام حديث أنس في قصة زينب بنت جحش حيث وقع النزول.
4 - أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن موسى كان رجلاً حيياً ستيرًا، لا يُرى من جلده شيء استحياءً منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده: إما برص، وإما أُدرة وإما آفة، وإن اللَّه أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوماً وحده، فوضع ثيابه على الحجر، ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عرياناً أحسن ما خلق اللَّه، وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر، فأخذ ثوبه، فلبسه، وطفق بالحجر ضرباً بعصاه، فواللَّه إن بالحجر لَنَدَبا من أثر ضربه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً فذلك قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69).
ولفظ مسلم ونزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ... ).

فالتصريح بالنزول شاذ غير محفوظ إذ انفرد به عبد اللَّه بن شقيق ولم يتابعه على الزيادة أحد من أصحاب أبي هريرة الذين أكثروا عنه، وهم أثبت منه عموماً، وفي أبي هريرة خصوصًا.

5 - أخرج البخاري ومسلم وأحمد والنَّسَائِي عن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إن قريشاً لما استعصت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم قحط وجهد، حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد فذكر الحديث ... حتى قال فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11).
فالتصريح بالنزول إنما جاء من طريق أبي معاوية محمد بن خازم، وقد خالف سبعة من أصحاب الأعمش كلهم لم يذكروا نزول الآية، والأعمش أيضًا قد توبع بدونها فتكون شاذة لا اعتبار بها.

جـ - أن يكون السبب صحيحاً لكنه يخالف سبباً أصح منه وإليك الأمثلة:

1 - أخرج أحمد وأبو داود والنَّسَائِي عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي الظهر بالهاجرة، ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها قال فنزلت: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) وقال: إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين.
فهذا يخالف ما روى مسلم وأحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي عن زيد بن أرقم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فأُمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام.
وفي رواية للبخاري: (إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) فأمرنا بالسكوت).
فهذا الحديث أصح سندًا ومتنًا من حديث زيد بن ثابت، وتفصيل ذلك في الدراسة.
2 - أخرج البخاري عن عبد اللَّه بن أبي أوفى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رجلاً أقام سلعة في السوق فحلف فيها، لقد أُعطي بها ما لم يُعْطَه لبوقع فيها رجلاً من المسلمين فنزلت: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا ... ) الآية.
فهذا يخالف ما روى البخاري وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: (قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حلف على يمين وهو فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي اللَّه وهو عليه غضبان) قال: فقال الأشعث بن قيس: فيَّ واللَّه كان ذلك، كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني، فقدمته إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ألك بينة)؟ قال: قلت لا. قال: فقال لليهودي: احلف. قال: فقلت: يا رسول اللَّه إذن يحلف وبذهب بمالي قال: فأنزل الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا) إلى آخر الآية.
فهذا الحديث أصح سنداً ومتناً من حديث ابن أبي أوفى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
3 - أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا خرج رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الغزو تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا قدم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ... ) الآية. فهذا يخالف ما روى مسلم وأحمد والبخاري والترمذي والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن هذه الآية أُنزلت في أهل الكتاب ثم تلا ابن عبَّاسٍ: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) هذه الآية. وتلا ابن عبَّاسٍ: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا) وقال ابن عبَّاسٍ: سألهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن شيء فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه.
فهذا السبب أصح من حديث أبي سعيد من أنها نزلت في المنافقين، لأنه مؤيد بالسياق القرآني.
4 - أخرج النَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار، شربوا حتى إذا نهلوا عبث بعضهم ببعض، فلما صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه وبرأسه ولحيته فيقول: قد فعل بي هذا أخي - وكانوا إخوةً ليس في قلوبهم ضغائن - واللَّه لو كان بي رءوفا رحيماً ما فعل بي هذا فوقعت في قلوبهم الضغائن فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) - إلى قوله - (مُنْتَهُونَ) فقال ناس: هي رجس ... الحديث. اهـ. موضع الشاهد.
فهذا يخالف ما روى مسلم وأحمد عن سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: وأتيت على نفرٍ من الأنصار والمهاجرين فقالوا: تعال نطعمك ونسقيك خمراً. وذلك قبل أن تحرم الخمر. قال: فأتيتهم في حشٍّ - والحش البستان -فإذا رأس جزورٍ مشوي عندهم، وزق من خمر. قال: فأكلت وشربت معهم قال: فذكرت الأنصار والمهاجرون عندهم. فقلت: المهاجرون خير من الأنصار، قال: فأخذ رجل أحد لحيي الرأس فضربني به فجرح بأنفي. فأتيت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته، فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - فيَّ - يعني نفسه - شأن الخمر: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ).
فهذا السبب أصح من حديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في سبب النزول.
5 - أخرج أحمد والترمذي والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قالت قريش ليهود أعطونا شيئاً نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فسألوه فنزلت: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)، قالوا: أُوتينا علماً كثيراً، أوتينا التوراة، ومن أُوتي التوراة فقد أُوتي خيراً كثيراً قال فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي).
فهذا الحديث يخالف ما روى البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حرث بالمدينة، وهو يتوكأ على عسيب، فمر بنفر من اليهود، فقال بعضهم: سلوه عن الروح وقال بعضهم: لا تسألوه، لا يسمعكم ما تكرهون، فقاموا إليه، فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن الروح، فقام ساعة ينظر، فعرفت أنه يُوحى إليه، فتأخرت عنه حتى صعد الوحي ثم قال: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي).
فهذا الحديث أصح سنداً ومتناً من حديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
وبهذا يتبين أن كثيراً من الأخطاء في روايات أسباب النزول ناتج من عدم النظر في أسانيدها من حيث صحتها وضعفها، وشذوذها وحفظها. واللَّه أعلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 27-12-2021, 09:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 93 الى صـ 97
الحلقة (15)

السبب الرابع: وقوع الالتباس في التعبير وهو قسمان:
1 - أن يعبر عن التفسير بالنزول وإليك الأمثلة:

1 - أخرج مسلم والبخاري وابن ماجه عن البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) قال: نزلت في عذاب القبر، فيقال له: من ربك؟ فيقول: ربي اللَّه، ونبيي محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذلك قول اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ).
فلم أرَ من صرح بأن للآية سبب نزول، وأن هذا هو سببها، بل الحديث من باب التفسير فقط.
2 - أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن موسى كان رجلاً حييًا ستيرًا لا يُرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده، إما برص، وإما أُدرة، وإما آفة، وإن اللَّه أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى فخلا يومًا وحده، فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانًا أحسن ما خلق اللَّه، وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر، فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربًا بعصاه، فواللَّه إن بالحجر لنَدَبا من أثر ضربه ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا فدْلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69).
ولفظ مسلم ونزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى ... ) الآية.
فهذا تفسير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للآية، أما النزول فلا يصح لشذوذه، وعدم وجود الحدث زمن النزول.
3 - أخرج أحمد والبخاري عن طاووس قال: سأل رجل ابن عبَّاسٍ المعنى عن قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) فقال سعيد بن جبير: قرابة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال ابن عبَّاسٍ: عجلت. إن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن بطن من قريش إلا لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيهم قرابة فنزلت: قُل (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) إلا أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم.
وقد صحح ابن حجر بأن مقصود ابن عبَّاسٍ التفسير وليس السبب، فقال: (وقوله: (إلا أن تصلوا) كلام ابن عبَّاسٍ تفسير لقوله تعالى: (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) فعرف بهذا أن المراد ذكر بعض الآية بالمعنى على جهة التفسير). اهـ.
4 - أخرج البخاري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: ما سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد اللَّه ابن سلام، قال: وفيه نزلت هذه الآية: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ) يقول الشعبي: (واللَّه ما نزلت في عبد الله بن سلام، ما نزلت إلا بمكة، وما أسلم عبد اللَّه إلا في المدينة، ولكنها خصومة خاصم محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها قومه منزلت: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ).
5 - أخرج النَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لما أراد اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أن يرفع عيسى - عليه السلام - إلى السماء، خرج على أصحابه وهم في بيت اثنا عشر رجلاً، ورأسه يقطر ماء، فقال: أيُّكم يُلقى شبهي عليه فيقتل مكاني، فيكون معي في درجتي؟ فقام شاب من أحدثهم سنًا، فقال: أنا، فقال: اجلس، ثم أعاد عليهم، فقام الشاب فقال: أنا فقال: اجلس، ثم أعاد عليهم الثالثة فقال الشاب: أنا، فقال عيسى - عليه السلام - نعم أنت، فأُلقي عليه شبه عيسى، ثم رُفع عيسى من روزنة كانت في البيت إلى السماء، وجاء الطلب من اليهود، فأخذوا الشاب للشبه فقتلوه ثم صلبوه فتفرقوا ثلاث فرق فقالت فرقة: كان فينا اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - ما شاء ثم صعد إلى السماء وهؤلاء اليعقوبية وقالت فرقة: كان فينا ابن الله ما شاء اللَّه ثم رفعه الله إليه وهؤلاء النسطورية وقالت طائفة: كان فينا عبد اللَّه ورسوله ما شاء الله ثم رفعه فهؤلاء المسلمون فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامسًا حتى بعثا الله محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ) يعني الطائفة التي كفرت في زمان عيسى - عليه السلام - والطائفة التي آمنت في زمان عيسى: (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ) بإظهار محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دينهم على دين الكفار (فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ).
فهذا الحديث لا يكون من أسباب النزول لأن الحدث سبق النزول بزمن طويل واللَّه أعلم.
ب - أن يعبر عن التلاوة والقراءة بالنزول وإليك الأمثلة:

1 - أخرج الترمذي وابن ماجه عن أبي عبيدة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقص كان الرجل فيهم يرى أخاه يقع على الذنب فينهاه عنه فإذا كان الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ونزل فيهم القرآن فقال: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) - حتى بلغ - فَاسِقُونَ) وكان نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متكئًا فجلس فقال: لا حتى تأخذوا على يد الظالم فتأطروه على الحق أطرًا).
فالتصريح بالنزول لا يصح لأن الحديث عن الأمم السابقة، وبعض المفسرين لما ذكر الحديث قال: ثم قرأ: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ).
2 - أخرج البخاري وأحمد ومسلم وأبو داود والنَّسَائِي عن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سألت أو سُئل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيُّ الذنب عند اللَّه أكبر؟ قال: (أن تجعل للَّه ندًا وهو خلقك) قلت: ثم أيٌّ قال: (ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك) قلت: ثم أي؟ قال: (أن تزاني بحليلة جارك) قال: ونزلت هذه الآية تصديقًا لقول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ).
وفي لفظ للترمذي وأحمد عنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتلا هذه الآية: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ... ولم يقل ونزلت.
فهذا الحديث ليس سببًا للنزول لأنه معارض بحديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
3 - أخرج أحمد والنَّسَائِي عن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أهل الكتاب، فقال: يا أبا القاسم، أبلغك أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - يحمل الخلائق على إصبع والسماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والثرى على إصبع، فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بدت نواجذه فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ).
وفي لفظ: ثم قرأ: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
قال ابن عطية: (فرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تمثل بالآية وقد كانت نزلت). اهـ. وقال ابن عاشور: (وفي بعض روايات الحديث فنزل قوله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) وهو وهم من بعض رواته وكيف وهذه مكية، وقصة الحبر مدنية). اهـ.
4 - أخرج البخاري ومسلم وأحمد والنَّسَائِي عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إن قريشًا لما استعصت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم قحط وجهد حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد فذكر الحديث ... حتى قال: فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) وفي لفظ للبخاري: ثم قرأ: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11).
فهذا ليس سببًا للنزول لعدم وجود الحدث الذي يقتضي ذلك.
5 - أخرج مسلم عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: مُطر الناس على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَصبح من الناس شاكر ومنهم كافر. قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، قال: (فنزلت هذه الآية: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) - حتى بلغ - (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ).
قال ابن عاشور: العل الراوي عنه - أي عن ابن عبَّاسٍ - لم يحسن التعبير عن كلامه فأوهم بقوله: فنزلت: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) بأن يكون ابن عبَّاسٍ قال: فتلا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) أو نحو تلك العبارة، وقد تكرر مثل هذا الإيهام في أخبار أسباب النزول). اهـ. مختصراً.
السبب الخامس: مخالفة السبب للمستقر الثابت من حال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه، وإليك الأمثلة:
1 - أخرج أبو داود والترمذي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: نزلت هذه الآية: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) في قطيفة حمراء فُقدت يوم بدر. فقال بعض الناس: لعل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذها، فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) إلى آخر الآية.
قال الطبري: (لو كان إنما نهى بذلك أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يتهموا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالغلول لعقَّب ذلك بالوعيد على التهمة وسوء الظن برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا بالوعيد على الغلول). اهـ. مختصراً.
2 - أخرج النَّسَائِي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما جاء نعي النجاشي، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صلوا عليه) قالوا: يا رسول الله نصلي على عبد حبشي؟ فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ).
فقول الصحابة حسب الحديث: نصلي على عبد حبشي، لا يليق بهم، ولا يوافق الواقع؛ لأن النجاشي ليس عبدًا بل هو ملك حر، فالعبد شرعاً: هو الرقيق المملوك.
أما كونه لا يليق بهم فلأنهم أوفى الناس للناس، ويعرفون فضله ووقوفه معهم حين هاجروا إليه مرتين، مع أن هذا القول لو ثبت عنهم لكان يتضمن أيضًا ردًا لقول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمره.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 27-12-2021, 09:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 98 الى صـ 102
الحلقة (16)

3 - أخرج البخاري عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: كان قوم يسألون رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استهزاءً فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل اللَّه فيهم هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) حتى فرغ من الآية كلها.
وقد أفاد ابن عاشور بأن أولئك ليسوا مؤمنين؛ لأن المؤمنين لا يستهزئون برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أن الآية صُدرت بنداء الإيمان.
4 - أخرج أحمد والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه - قال: كانت امرأة حسناء تصلي خلف رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فكان بعض القوم يستقدم في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه فأنزل الله في شأنها: (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24).
فهذا السبب لا يصح للنزول لما يتضمنه من القدح في أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والنيل منهم، والله أعلم. اهـ.
5 - أخرج الترمذي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما نزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) قال لي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما ترى. دينار؟) قلت: لا يطيقونه، قال: (فنصف دينار؟) قلت: لا يطيقونه.
قال: (فكم؟) قلت: شعيرة. قال: (إنك لزهيد) قال: فنزلت: (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ) قال: فبي خفف اللَّه عن هذه الأمة.
هذا الحديث يقتضي أن علياً أرحم بالناس من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس الأمر كذلك فليس أحد أرحمَ بالمؤمنين من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128).
القسم الأول

قواعد في أسباب النزول وضوابط الترجيح فيها
وفيه فصلان:
الفصل الأول: قواعد في أسباب النزول.
وفيه ستة مباحث:
المبحث الأول: تعريف أسباب النزول ومفهومه لدى العلماء.
المبحث الثاني: أسباب النزول من حيث صيغتها.
المبحث الثالث: تعدد النازل والسبب واحد.
المبحث الرابع: تعدد السبب والنازل واحد.
المبحث الخامس: عموم اللفظ وخصوص السبب.
المبحث السادس: تكرر النزول.
الفصل الثاني: ضوابط الترجيح في أسباب النزول.
وفيه ستة مباحث:
المبحث الأول: الترجيح بتقديم الصحيح على الضعيف.
المبحث الثاني: الترجيح بتقديم السبب الموافق للفظ الآية على غيره.
المبحث الثالث: الترجيح بتقديم قول صاحب القصة على غيره.
المبحث الرابع: الترجيح بتقديم قول الشاهد للسبب على الغائب عنه.
المبحث الخامس: الترجيح بدلالة السياق القرآني.
المبحث السادس: الترجيح بدلالة الوقائع التاريخية.
الفصل الأول
قواعد في أسباب النزول
وفيه ستة مباحث:
المبحث الأول: تعريف أسباب النزول ومفهومه لدى العلماء.
* معنى السبب.
* معنى النزول.
* معنى سبب النزول.
* الأركان التي تُعرف بها أسباب النزول.
المبحث الثاني: أسباب النزول من حيث صيغتها.
المبحث الثالث: تعدد النازل والسبب واحد.
المبحث الرابع: تعدد السبب والنازل واحد.
المبحث الخامس: عموم اللفظ وخصوص السبب.
المبحث السادس: تكرر النزول.
المبحث الأول

تعريف أسباب النزول ومفهومه لدى العلماء
هذه اللفظة (أسباب النزول) تتكون من كلمتين: (أسباب) و (نزول)، ولمعرفة معناها لا بد من بيان معنى كل كلمة، ثم معنى الكلمتين معاً بعد أن صارتا عَلَماً لعلم مخصوص فأقول:
معنى السبب: هو كل شيء يتوصل به إلى غيره.
وقيل: كل شيء يتوسل به إلى شيء غيره، والجمع أسباب، والسبب يأتي لعدة معاني منها:
(1) الوصل والمودة، قال الله تعالى: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166)، أي: الوُصَل والمودات.
(2) ومنها الحبل، قال تعالى: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) أي: فليمدد بحبل إلى السماء.
(3) ومنها الباب، قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى .. ) الآية، أي لعلي أبلغ أبواب السماوات.
والجامع بين هذه المعاني هو الوصول بالشيء إلى غيره.
معنى النزول: النزول في الأصل هو انحطاطٌ من عُلوٍّ، يقال: نزل عن دابته ونزل في مكان كذا حطَّ رحله فيه، والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 27-12-2021, 09:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 103 الى صـ 107
الحلقة (17)

قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا).
وقال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ).
وقال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48).
وقال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ).
* * *
سبب النزول في الاصطلاح
من منهج العلماء في مؤلفاتهم وضع التعريفات لبعض المصطلحات العلمية، لأن التعريفات حدود تدل على الشيء، وتمنع غيره من الدخول فيه، ومن الطبيعي أن يكون لسبب النزول حدود وضوابط، يُعرف بها السبب، ويتميز عن غيره سيما إذا أدركنا أن أسباب النزول نشأت مع نزول القرآن.
ومن الملفت للنظر أنه لا يوجد تعريف واضح لهذا المصطلح عند المتقدمين، ولعل هذا يعود إلى عدم عنايتهم بالدراسات النظرية لعلم أسباب النزول فقد كان همهم منصبًّا على ذكر الأحاديث وتطريقها شأنهم شأن المؤلفين في تلك العصور.
ونظرًا لهذا فإني سأذكر هنا بعض التعريفات المتداولة في كتب المتأخرين ثم ما ترجح لديَّ في تعريف سبب النزول، ثم أقوم بشرحه مع التمثيل مستغنيًا بذلك عن الاستدراك المباشر على هذه التعريفات.
ولعل أقرب من عرف سبب النزول - فيما أعلم - هو السيوطي حيث قال: (والذي يتحرر في سبب النزول أنه ما نزلت الآية أيام وقوعه). اهـ.
وقال الزرقاني: (سبب النزول هو ما نزلت الآية، أو الآيات متحدثةً عنه، أو مبينة لحكمه أيام وقوعه). اهـ.
وقال القطان: (ولذا نعرف سبب النزول بما يأتي: هو ما نزل قرآن بشأنه وقت وقوعه كحادثة أو سؤال). اهـ.
أما التعريف الذي خلصت إليه بعد التتبع والاستقراء فهوكل قول أو فعل نزل بشأنه قرآن عند وقوعه.
وإنما اخترت التعبير عن السبب: بالقول والفعل لأن أعمال المكلفين لا تعدو ثلاثة: النية والقول والفعل.
فالنية المجردة عن معمولها لا يترتب عليها أثرها، ولهذا لا صلة لها بأسباب النزول ولا بغيرها من سائر الأحكام.
فلم يبق إلا الأقوال والأفعال، وهذان يتناولان جميع أحوال المرء الظاهرة، وعليها يترتب الأثر في الدنيا والآخرة.
وقولي: (كل قول): هذا يتناول السؤال، والدعاء، والتعجب، والعرض، والتمني والخبر، والطلب، وغير ذلك.
وسواءً أكان ذلك من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أم من أصحابه أم من المنافقين، أم من اليهود، أم من المشركين.
ولم أرَ من نبّه إلى أن قول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو قول الشهداء، أو قول الجن يكون سبباً لنزول الآية مع وجود الأدلة على ذلك.
بل من كتب في هذا إنما يذكر سؤالاً وجهه أحد الحاضرين إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنزلت الآية مع أن الأسئلة لا تمثل إلا نسبة يسيرة من الأقوال.
وقولي: (أو فعلٍ) أي كل فعل، ويتناول ذلك الأفعال في العبادات والعادات والمعاملات في السفر والحضر، والسلم والحرب، والأمن والخوف.
وسواءٌ أكان ذلك من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أم من أصحابه أم من المنافقين، أم من اليهود، أم من المشركين.
وأول من وقفت على قوله في إشارة إلى أن فعل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد يكون سبباً للنزول هو الرومي حيث قال: (والحادثة التي ينزل القرآن لأجلها قد تكون من الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما حدث في سبب نزول عبس ... ).
وقولي: (نزل) احترازاً من المتلو والمقروءِ، فلو قرأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الآية عند حدث ما، لما كان هذا من أسباب النزول، بل كان هذا من باب الاستشهاد بالآية على الحدث.
مثاله ما روى الشيخان عن علي بن أبي طالب أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طرقه وفاطمةَ بنت النبي - عليه الصلاة والسلام - ليلةً، فقال: (ألا تصليان) فقلت: يا رسول اللَّه، أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلنا ذلك، ولم يرجع إليَّ شيئاً، ثم سمعته وهو مولٍ، يضرب فخذه وهو يقول: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً).
وقولي: (بشأنه) أي بسببه ولأجله، وقد اقتضت حكمة اللَّه البالغة ربط الأسباب بالمسبَبَات، ورتب على وجودها أثرها، فمن الآيات ما لا ينزل من السماء حتى يقع السبب في الأرض، ومنها ما ليس له سبب حاضر، فليس النزول موقوفاً على السبب دوماً، بل يكون أحياناً به، وأحيانًا أخرى بغيره وهذا أكثر.
وقولي: (قرآن) هذا يتناول السورة وبعضها، والآية وبعضها، وسواءٌ أكان النازل مستقلاً بالمعنى، كما في أكثر الآيات النازلة، أو لا يستقل بالمعنى كقوله تعالى: (مِنَ الْفَجْرِ) ضمن قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) وقوله تعالى: (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) ضمن قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، فإن هذا يتناوله لفظ القرآن.
وقولي: (عند وقوعه) وجه التعبير ب (عند) لأمرين:
الأول: أنها تدل على الزمن والدليل على هذا ما روى الشيخان عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
ومثله ما روى البخاري عن عمرو بن الحارث - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: ما ترك رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند وفاته درهماً، ولا دينارًا، ولا عبداً، ولا أَمة ولا شيئًا إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضاً جعلها صدقة.
الثاني: أنها تدل على المقاربة لما روى الشيخان عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما حقُّ امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 23-01-2022, 02:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 108 الى صـ 112
الحلقة (18)

ومثله ما روى البخاري عن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال ومن بلغت صدقتُه بنتَ لبون وليست عنده، وعنده بنت مخاض، فإنها تقبل منه بنت مخاض ويعطي معها عشرين درهماً أو شاتين).
وبهذه الأمثلة تتبين دلالة (عند) على الزمن والمقاربة كما قاله ابن هشام والذي دعاني لاستعمال الظرف الدال على المقاربة دون التحديد أن لديَّ سببين تأخر النزول فيهما وهما قصة الإفك في أم المؤمنين - رضي الله عنها - حيث تأخر نزول براءتها شهراً، وقصة كعب بن مالك وصاحبيه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حيث تخلفوا عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خروجه إلى غزوة تبوك فأرجأ اللَّه التوبة عليهم خمسين ليلةً.
ولو عبرتُ بقولهم: زمن وقوعه، أو أيام وقوعه فربما فُهم من هذا المبادرة والمباشرة وهذا ما لا أُريده ولا أَعنيه.
فالمقاربة المستفادة من الظرف نسبية فمن الآيات ما قرب نزوله من سببه كثيراً ومنها ما بَعُدَ قليلاً ومنها ما بين ذلك.
وسأذكر بعض الأمثلة الدالة على التفاوت في زمن النزول على سبيل الاختصار.
فمن الآيات التي نزلت مباشرة: -

1 - قوله تعالى: (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) فما فرغ ابن أم مكتوم من شكايته حتى نزل الوحي، وإن فخذ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على فخذ زيد بن ثابت - رضي الله عنه.

2 - آية الروح، فما فرغ اليهود من السؤال حتى نزل قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي).
ومن الآيات التي تأخر نزولها يسيراً: -
1 - نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة على أحد من المنافقين بعد صلاته على ابن أُبي.
2 - قضية نزول الحجاب، ومكثهم في بيت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتحدثون حتى أحرجوه فأنزل اللَّه الآية.
ومن الآيات التي تأخر نزولها كثيراً: قضية الإفك، وكعب بن مالك وصاحبيه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
ومن الأسباب ما يكون زمن نزوله بين ذلك وفق ما تقتضيه الحكمة الإلهية واللَّه أعلم.
* * *
الأركان التي تعرف بها أسباب النزول
وبعد تعريف سبب النزول وشرحه تبين لي أنه يرتكز على أربعة أركان ينضبط باجتماعها، ويختلُّ باختلالها أو بعضها وهي:
أولاً: الحدث الجديد، فلا بد من تصورِ أمرٍ جديدٍ قد وقع سواءٌ أكان قولاً أم فعلاً، والغالب الكثير من الأسباب أن يقع ذلك بعد بعثة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى إني لم أجد إلا ستة أسباب، كان الحدث فيها قبل البعثة ومع هذا فقد أنزل اللَّه بشأنها قرآناً.
والسبب في ذلك، - والله أعلم - أنها كانت تتجدد بعد رسالته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إما سنوياً، وإما أقل من ذلك، فلما كانت تتجدد أصبحت كالحدث الجديد، وإليك الأسباب:
1 - أخرج البخاري ومالك وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن عروة بن الزبير قال: قلت لعائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا يومئذٍ حديث السن: أرأيت قول الله - تبارك وتعالى -: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) فلا أُرى على أحد شيئاً أن لا يطوف بهما؟ فقالت عائشة: كلا، لو كانت كما تقول كانت: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، إنما أُنزلت هذه الآية في الأنصار: كانوا يهلون لمناة، وكانت مناةُ حذو قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فأنزل اللَّه تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا).
فالحرج استمر حتى بعد الإسلام، ولهذا سألوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك، فكان كالحدث الجديد.
ب - أخرج البخاري ومسلم عن البراء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: نزلت هذه الآية فينا، كانت الأنصار إذا حجوا فجاؤوا، لم يدخلوا من قِبل أبواب بيوتهم، ولكن من ظهورها فجاء رجل من الأنصار فدخل من قِبل بابه فكأنه عُيِّرَ بذلك فنزلت: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا).
وفي رواية للبخاري والنَّسَائِي عنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره فأنزل الله تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا).
والدليل على تجدد الفعل هنا أن الآية نزلت عقب تعييره لما دخل البيت من بابه فدل على وقوعه في زمن الرسالة، بل بعد الهجرة لأنها نزلت في الأنصار.
جـ - أخرج مسلم والبخاري والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه قال: كانت الحمس لا يخرجون من مزدلفة، وكان الناس كلهم يبلغون عرفات. قال هشام: فحدثني أبي عن عائشة قالت: الحمس هم الذين أنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - فيهم: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) قالت: كان الناس يفيضون من عرفات، وكان الحمس يفيضون من مزدلفة يقولون: لا نفيض إلا من الحرم. فلما نزلت: (أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) رجعوا إلى عرفات.
وفي رواية للشيخين عنها - رضي الله عنها - قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس، وكان سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر اللَّه نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يأتي عرفات، ثم يقف بها ثم يفيض منها، فذلك قوله تعالى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ).

وجه تجدد الفعل هنا: أن وقوفهم في مزدلفة استمر حتى حج رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السنة العاشرة فأمره اللَّه أن يأتي عرفات ثم يفيض منها.

د - أخرج الترمذي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان الناس والرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها، وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة وإن طلقها مائة مرة أو أكثر حتى قال رجل لامرأته: واللَّه لا أُطلقك فتبيني مني، ولا آويك أبداً. قالت: وكيف ذاك؟ قال: أُطلقك فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك، فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها فسكتت عائشة، حتى جاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته، فسكت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى نزل القرآن: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) قالت عائشة: فاستأنف الناس الطلاق مستقبلاً من كان طلق ولم يكن طلق.
هـ - أخرج البخاري وأبو داود والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية في ذلك.
فقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ... ) الآية، هذا النداء لم يقع لهم إلا بعد الرسالة لأنهم قبلها لم يكونوا من أهل الإيمان، ولو لم يكن هذا الفعل فيهم لكان نهيهم عنه لغواً ينزه عنه القرآن.
و أخرج مسلم والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة فتقول: من يعيرني تِطوَافاً؟ تجعله على فرجها وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله ... فما بدأ منه فلا أُحِلُّه
فنزلت هذه الآية: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ).

وبما تقدم يمكن أن أقول: إن السبب المصطلح عليه ينقسم إلى قسمين من حيث النشأة:
الأول: أن ينشأ السبب سواء أكان فعلاً أم قولاً بعد الرسالة، وهذا الغالب.
الثاني: أن يكون السبب موجودًا قبل الرسالة لكنه يتجدد بعدها فيكون كالجديد أصلاً.
ثانياً: الموافقة بين اللفظين، لفظ الآية، ولفظ الحديث فلا بد أن يكون بينهما قدر مشترك في الألفاظ والمعاني، ولهذا يقال: السؤال معاد في الجواب وذلك لما بينهما من الصلة، فالسؤال سبب الجواب، وكذلك الحديث سبب لنزول الآية، وإذا كان بينهما توافق في الألفاظ فلا بد أن يتوافقا في المعاني، وأسباب النزول مع الآيات تشهد بهذا.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 23-01-2022, 02:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 113 الى صـ 117
الحلقة (19)

ثالثاً: سياق الآيات وأعني به الآيات التي تسبق موضع النزول وتتبعه، فهذه الآيات لا بد أن تكون في موضوعها وخطابها غير مخالفة للسبب في أصله وخطابه فلو كان سياق الآيات في أهل الكتاب ما صح أن يكون السبب في آيةٍ منه نازلاً في المشركين وكذلك أصل الموضوع فلو كان السياق القرآني في موضوع يخالف موضوع السبب قطعنا بأنه ليس بينهما صلة، وإن كان الحديث صحيحًا صريحاً في النزول.
رابعاً: مراعاة التاريخ بين السبب والنزول، وقد لاحظت من تتبعي للأسباب أن السبب لا يتأخر عن النزول إلا لحكمة إلهية وفي أمثلة معروفة، فإذا وقعت المباعدة بينهما علمنا أنها ليست مما نحن فيه، وسواءٌ أكانت المباعدة الزمنية بين مكي ومدني أو بين المدني المتقدم أوائل الهجرة والمدني النازل في أواخرها.
هذه أركان السبب كما بدت لي فمن حفظها ورعاها فهو حري أن يصيب ولا يخطئ في تحديد السبب من غيره، ومن تركها وأهملها فقد أضاع المفتاح الذي يفتح بابها.
وثمَّ أمران آخران ليسا كهذه الأركان في المنزلة وإن كانا مؤثرين وهما: صحة الإسناد والتعبير بالنزول.
فأما صحة الحديث فهي قرينة قوية في صحة السبب وثبوته، ومع هذا فمراسيل التابعين الذين تلقوا التفسير عن كبار الصحابة كانت ولا زالت تحظى بالقبول من العلماء، والاحتجاج بها في المعاني والأسباب.
وأما التعبير بالنزول فلا ريب أنه ينفي التردد، وبجرئ القلب على الإقدام، والحكم بالسببية، فوجوده قرينة قوية في الدلالة على الأسباب، والله الموفق للصواب.
المبحث الثاني
أسباب النزول من حيث صيغتها

صيغة أسباب النزول من المباحث الرئيسة عند المؤلفين في الدراسات القرآنية عامة، وأسباب النزول خاصة، ولا تكاد عين القارئ تخطئ هذا الموضوع عند الحديث عن أسباب النزول، إلا أن الحديث في بعضها قديم تليد، وفي بعضها حديث جديد، وسأذكر ابتداء أقوالهم في الموضوع، ناقلاً قول الزرقاني في تقسيمه ذلك إلى صيغة صريحة، وغير صريحة؛ لأنه أول من قسم هذا التقسيم - حسب علمي - ثم تتابع المؤلفون بعده على ذلك بلا تعقب أو تنبيه، ثم أُعقِّب على ذلك بما أراه صحيحاً راجحاً في الموضوع. فأقول:
لأسباب نزول القرآن عند المعاصرين صيغتان:
الأولى: صيغة صريحة قال عنها الزرقاني: (تختلف عبارات القوم في التعبير عن سبب النزول فتارةً يصرح فيها بذكر السبب فيقال: (سبب نزول الآية كذا) وهذه العبارة نص في السببية لا تحتمل غيرها، وتارة لا يصرح بلفظ السبب ولكن يؤتى بفاء داخلة على مادة نزول الآية عقب سرد حادثة، وهذه العبارة مثل تلك في الدلالة على السببية أيضًا، ومثاله رواية جابر الآتية قريبًا، ومرة يسأل الرسول فيوحى إليه، ويجيب بما نزل عليه، ولا يكون تعبير بلفظ سبب النزول، ولا تعبير بتلك الفاء، ولكن السببية تفهم قطعًا من المقام كرواية ابن مسعود الآتية عندما سُئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الروح، وحكم هذه أيضًا حكم ما هو نص في السببية). اهـ. موضع الشاهد وخلاصة هذا الكلام أن الصريح عنده قسمان:
الأول: قول الراوي: (سبب نزول هذه الآية كذا).
الثاني: قول الراوي: (حدث كذا فنزل كذا أو فنزلت الآية).

وذكر حالاً أخرى جعل حكمها كحكم الأول، وهي أن يسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أمر فيُوحى إليه بشأنه، ويجيب بما نزل عليه بدون ذكر السبب أو الفاء الداخلة على مادة النزول.
فأما الأول وهو قوله: (سبب نزول الآية كذا) فهذا لا وجود له في الواقع فمع معاصرتي لأسباب النزول طوال مدة البحث، وكثرة تقليبي لها لم أجد سببًا واحدًا وردت فيه هذه الصيغة، كما أن الزرقاني لم يذكر مثالاً لهذا، ولا يخفى أن القواعد إنما تستمد من الأمثلة فأين هي الأمثلة هنا؟.
ولعلي أعتذر للزرقاني هنا بأنه كان يتصور وجود شيء من هذا مع عدم استحضاره للمثال حين الكتابة فسطَّر ما كان يتصور.
لكني أعجب كثيرًا ممن تابعه من المؤلفين على ذلك، إذ كان بإمكانهم البحث والتحرير قبل التسليم والتسطير.
وأما الثاني: وهو دخول الفاء على مادة النزول بعد سرد حادثة فهذا أكثر الأساليب استعمالاً في أسباب النزول، ومع هذا فلا يعني وجود هذه الصيغة أن يكون الحديث سببًا للنزول، ولديّ من الأمثلة ما يكفي لإثبات هذا.
1 - أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أحد رجع ناس ممن خرج معه، وكان أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرقتين، فرقة تقول: نقاتلهم، وفرقة تقول: لا نقاتلهم فنزلت: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا) وقال: إنها طيبة تنفي الذنوب كما تنفي النار خبث الفضة.
2 - أخرج مالك وأحمد والبخاري ومسلم والنَّسَائِي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: خرجنا مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على التماسه. وأقام الناس معه وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبالناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماءٌ قالت عائشة: فجاء أبو بكر ورسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واضعٌ رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس وليسوا على ماء، وليس معهم ماءٌ، قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء اللَّه أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على فخذي فنام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أصبح على غير ماءٍ فأنزل الله تبارك وتعالى آية التيمم.
وفي لفظ للبخاري: ثم إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استيقظ، وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد فنزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ) فقال أُسيد بن حضير: لقد بارك اللَّه للناس فيكم يا آل أبي بكر، ما أنتم إلا بركةً لهم.
3 - أخرج مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي عن سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: نزلت فيَّ أربع آيات. أصبت سيفاً، فأتى به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول اللَّه نفلنيه، فقال: (ضعه) ثم قام، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ضعه من حيث أخذته) ثم قام فقال: نفلنيه يا رسول اللَّه. فقال: ضعه، فقام فقال يا رسول اللَّه نفلنيه أَأُجعل كمن لا غناء له؟ فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ضعه من حيث أخذته) قال: فنزلت هذه الآية: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ).
4 - أخرج البخاري عن محمد بن عباد بن جعفر أن ابن عبَّاسٍ قرأ: (ألا إنهم تثنوني صدورهم) قلت: يا أبا العباس ما تثنوني صدورهم؟ قال: كان الرجل يجامع امرأته فيستحي، أو يتخلى فيستحي فنزلت: (ألا إنهم تثنوني صدورهم).
5 - أخرج البخاري وأحمد ومسلم وأبو داود والنَّسَائِي عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلاً فتواصيت أنا وحفصة: أن أيَّتنا دخل عليها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير، فدخل على إحداهما فقالت له ذلك، قال: (لا بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له) فنزلت: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ) - إلى - (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ).
لعائشة وحفصة: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ) لقوله: (بل شربت عسلاً) فهذه الأحاديث وقع فيها المنصوص وهو دخول فاء التعقيب على مادة النزول وليست أسباب نزول كما سيتضح من دراستها.
وأما الحال الملحقة بالقسم الأول وهي قوله: (ومرةً يُسأل الرسول فيوحى إليه، ويجيب بما نزل عليه، ولا يكون تعبير بلفظ سبب النزول ولا تعبير بتلك الفاء لكن السببية تُفهم قطعاً من المقام).
فأقول: إذا كانت السببية إنما تُفهم من المقام، فهذا يعني عدم وجود صيغة فضلاً عن كونها صريحة.
ثم كيف يكون حكمُ هذه حكمَ ما هو نص في السببية، مع أن هذا النص ليس له وجود أصلاً.
بل لو قال قائل: إن هذا من أبين الأدلة على عدم وجود صيغ معينة لأسباب النزول فضلاً عن تقسيمها إلى صريحة وغير صريحة لكان قائله حرياً بالصواب.
الثانية: صيغة غير صريحة.
قال الزرقاني: (ومرةً أخرى لا يصرح بلفظ السبب، ولا يؤتى بتلك الفاء ولا بذلك الجواب المبني على السؤال بل يقال: (نزلت هذه الآية في كذا) وهذه العبارة ليست نصاً في السببية بل تحتملها وتحتمل أمراً آخر وهو بيان ما تضمنته الآية من الأحكام.
والقرائن وحدها هي التي تعيّن أحد هذين الاحتمالين أو ترجحه). اهـ.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 23-01-2022, 02:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 118 الى صـ 122
الحلقة (20)

وهذا القول حق، وقد نص عليه بعض الأئمة الأعلام قبل زمن بعيد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقولهم: نزلت هذه الآية في كذا يراد به تارةً أنه سبب النزول، ويراد به تارةً أن ذلك داخل في الآية وإن لم يكن السبب كما تقول عنى بهذه الآية كذا). اهـ.
وقال الزركشي: (وقد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال: نزلت هذه الآية في كذا، فإنه يريد بذلك أن هذه الآية تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها فذكر كلامًا ... حتى قال: فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية لا من جنس النقل لما وقع). اهـ.
وقد قيّد بعض الفضلاء كلام هذين العَلَمَين فقال: (وقول هذين الإمامين لا ينطبق إلا إذا كان المحكي من الراوي حكمًا فقهياً لا حدثا أو شخصًا نزلت في أحدهما الآية، فإن الاسم أو الحدث لا يمكن أن يقال فيه: عُني بهذه الآية كذا وكذا، وإنما يُقال نزلت في فلان أو في الحدث الفلاني.
وهذا القيد لم أرَ من سبق إليه، مع أنه واضح في كلام المتقدمين كما مضى والحمد للَّه على توفيقه). اهـ.
ثم ذكر في الحاشية أنه وجد عبارةً لابن تيمية تقارب ما ذكر من تخصيص السبب بذكر الشخص.
وإنما الغرض من نقل هذا الكلام هنا لأجل أن أُبين أن كلام شيخ الإسلام - رحمه الله - لا يدل على تخصيص السبب بذكر الشخص.

وبيان ذلك أن شيخ الإسلام قال: (الصنف الثاني): أن يذكر كلٌّ منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل، وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه ثم ذكر أمثلة لهذا حتى قال: وقد يجيء كثيرًا من هذا الباب قولهم: هذه الآية نزلت في كذا، لا سيما إن كان المذكور شخصًا كأسباب النزول المذكورة في التفسير، ثم ذكر كلامًا قال بعده: وإذا عُرف هذا فقول أحدهم نزلت في كذا، لا ينافي قول الآخر نزلت في كذا، إذا كان اللفظ يتناولهما كما ذكرناه في التفسير بالمثال). هذا هو كلام شيخ الإسلام في هذا الموضوع، وأوله وآخره دائر على التفسير بالمثال. ولا يعني قوله: (لا سيما إن كان المذكور شخصًا) تخصيص السبب بذكر الشخص لأنه قال قبل ذلك: وقد يجيء كثيراً من هذا الباب قولهم: هذه الآية نزلت في كذا. فإنه يعني بهذا الباب الصنف الثاني الذي جعله عنواناً لهذا الكلام.
كما أن الأمثلة التي بين يديّ تتفق وما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية من أنهم تارةً يريدون بقولهم نزلت في كذا أنه سبب نزول، وتارةً يريدون أن ذلك داخل في الآية دن لم يكن السبب.
فأما الأمثلة على إرادة السببية فمنها: -
1 - قال الله تعالى: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188).

أخرج مسلم وأحمد والبخاري والترمذي والنَّسَائِي أن ابن عبَّاسٍ قال: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما أُنزلت هذه الآية في أهل الكتاب، ثم تلا ابن عبَّاسٍ: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) وقال ابن عبَّاسٍ: سألهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن شيء فكتموه، وأخبروه بغيره فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه.
2 - أخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: نزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) في عبد اللَّه بن حذافة السهمي إذ بعثه رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السرية.
3 - أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية.
وأما الأمثلة على أن ذلك داخل في الآية وإن لم يكن السبب:
1 - أخرج البخاري عن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشأم فاختلفت أنا ومعاوية في: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذاك، وكتب إلى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يشكوني، فكتب إليَّ عثمان أن أقدم المدينة فقدمتها ... الحديث.
2 - أخرج مسلم والبخاري والنَّسَائِي عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) قال: نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرًا من الجن، فأسلم الجنيُّون، والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون فنزلت: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ).
3 - أخرج البخاري ومسلم والنَّسَائِي وابن ماجه عن أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يقسم قسمًا: إن هذه الآية: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزةَ وعلي وعبيدةَ بن الحارث، وعتبة وشيبة ابني ربيعة، والوليد بن عتبة.
والخلاصة التي تبينت لي بعد تتبع الموضوع واستقرائه أنه لا يوجد صيغة محددة لأسباب النزول سواء أكانت صريحة، أم غير صريحة إما لعدم الدليل على ذلك ألبتَّة كما في قولهم: سبب نزول الآية كذا، وإما لاضطراب الأساليب المستعملة في ذلك واختلافها وتناقضها من حيث التطبيق، وإن كان أكثرها شيوعًا قولهم: فأنزل اللَّه، أو فنزلت، ومع هذا فلا يعني استعمال هذين اللفظين تحقق السببية فيما دخلا عليه، وإنما يعني التصريح بذكر النزول فقط، والأساليب المستعملة في التعبير عن النزول كثيرة كقولهم: ونزلت، حتى أنزل اللَّه، فلما أنزل اللَّه، فيَّ نزلت، فينا نزلت، حتى نزل القرآن، حتى نزلت، ونزل فيهم القرآن، فأنزل الله تصديق ذلك، فبلغنا أنها نزلت، ما أحسب هذه الآية أُنزلت إلا في ذلك.
ومع كثرتها وتعددها تجد منها ما يكون سبباً حقاً، ومنها ما ليس كذلك مما يشير إلى أن الأسلوب المستعمل في التعبير عن النزول ليس أُسًّا ينتفي السبب بانتفائه، ويبقى ببقائه حتى عند مستعمليه.
ولعلي أُبين بعض الأسباب التي أَدت إلى عدم إحكام أساليب التعبير عن أسباب النزول فأقول:
أولاً: تصرف الرواة في الألفاظ كثير في هذا الباب، وإذا كانوا يُبدلون تلا بأنزل مع ما بينهما من فرق فلأن يكون الإبدال فيما هو أقل من ذلك من باب أولى.
ثانياً: توسع السلف - رحمهم اللَّه - في استعمال التعبير بالنزول حيث يطلقون هذا المفهوم على ما تضمنته الآية بعمومها من صور وأَمثلة فيظن من بعدهم أنهم يريدون بالنزول ما اصْطُلِح عليه أخيراً، وهو الحدث الذي تنزل بسببه الآية، وليس الأمر كذلك عندهم.

ثالثاً: ظن بعضهم - رحمهم اللَّه - في قضايا معينة أنها أسباب لنزول بعض الآيات وليس الأمر كذلك كما في الأمثلة التالية:
1 - أخرج البخاري وأحمد والنَّسَائِي عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر عن أبيه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه سمع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول: (اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً) بعدما يقول: (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) فأنزل الله: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) إلى قوله: (فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ).
2 - أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا خرج رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الغزو تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا قدم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ... ) الآية.
3 - أخرج النَّسَائِي وأحمد وأبو داود عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن نفرًا من عُكْلٍ قدموا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاجتووا المدينة فأمرهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا، فقتلوا راعيها، واستاقوها، فبعث النبي - كل - في طلبهم، فقال: فأُتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسَمَّرَ أعينهم، ولم يحسمهم وتركهم حتى ماتوا فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... ).
وحينئذٍ يبقى أن أقول إن ذكر مادة النزول في الحديث قرينة قوية، ورافد مهم في السببية لكن بضمها إلى غيرها.
فالحديث إذا تحققت فيه أركان السبب كان سبباً للنزول وإن غابت عنه مادة النزول.
كما أن المادة لا تغني عن الحديث شيئاً، ولا تصيره سبباً إذا دخلت عليه لكن غابت عنه أركان السبب. واللَّه أعلم.
* * *

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 206.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 200.39 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (2.94%)]