|
|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
تعريف القمار والحكمة من تحريمه
تعريف القمار والحكمة من تحريمه الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. إنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسن الهدي هديُ محمدٍ، وشر الأمور محدثاتُها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد: تعريف القِمار والحكمة من تحريمه: القِمار حرام؛ لأنَّ الله حرَّمه وهو سبحانه وتعالى يحكم ما يشاء، قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة:90، 91]. وأما الحكمة في تحريمه فإنَّ العاقل يرى في ذلك أسبابًا كثيرة؛ منها: 1- القمار يجعل الإنسان يعتمد في كسبه على المصادفة والحظ، والأماني الفارغة؛ لا على العمل والجد وكدِّ اليمين، وعَرَق الجبين، واحترام الأسباب المشروعة. 2- القمار أداة لهدم البيوت العامرة، وفَقْدِ الأموال في وجوهٍ محرمة، وافتقار العوائل الغنية، وإذلال النفوس العزيزة. 3- القمار يُورِثُ العداوة والبغضاء بين المتلاعبين بأكل الأموال بينهم بالباطل، وحصولهم على المال بغير الحقِّ. 4- القمار يصُدُّ عن ذكر الله وعن الصلاة، ويدفع بالمتلاعبين إلى أسوأ الأخلاق، وأقبح العادات. 5- القمار هوايةٌ آثمة تَلْتَهِمُ الوقتَ والجُهْد، وتُعَوِّد الخمولَ والكسلَ، وتُعطِّل الأمة عن العمل والإنتاج. 6- القمار يدفع صاحبه إلى الإجرام؛ لأن الفريق المفلس يريد أن يحصل على المال من أي طريق كان، ولو عن طريق السرقة والاغتصاب، أو الرِّشْوة والاختلاس. 7- القمار يُورِث القَلَق، ويُسبِّب المرض، ويُحطِّم الأعصاب، ويُولِّد الحِقْد، ويؤدي في الغالب إلى الإجرام أو الانتحار أو الجنون أو المرض العُضال. 8- والقمار يدفع المقامر إلى أفسد الأخلاق؛ كشرب الخمور وتناول المُخدِّرات، فالأجواء التي يُدار فيها القمار يقلُّ فيها الضوء، ويكثُر فيها دُخان اللفائف، وتخفُت الأصوات، وترتفع الهَمْهَمة، يتسلَّل لها الهواة كأنما يفرُّون من العدالة، ويدخلون في توجُّس وتردُّد، وتلتفُّ جموعهم حول مائدة خضراء، تتصاعد حولها أنفاسُهم المضطربة، وتخفق قلوبهم المكْلُومة، والمفروض أنهم رفاق لعب؛ ولكنهم في الحقيقة أعداء، فكل منهم يتربَّص بالآخر، ويعمل على أن يكسب على حسابه وحساب أولاده، ويعمل صاحب المكان على أن يُخدِّر أحاسيس الجميع بما يقدم لهم من موسيقى حالمة، ونساء ضائعات، وأنواع الشراب، وأنواع التدخين، وتكثُر حول المائدة الخضراء ضروب الغِشِّ والخِداع، فالسقاة والمطعمون والفتيات يكشفون أوراق لاعب إلى لاعب، ويغمزون ويهمسون؛ لينصروا بالباطل واحدًا على الآخر، وليقيموا أحيانًا نوعًا من التوازن يضمن استمرار اللعب وطول اللقاء، ويخسر الجميع بلا شَكٍّ، يخسرون بما يدفعونه ثمنًا للشراب والتدخين، وما يدفعون للسقاة والمطعمين، وما يقدمونه من شراب للفتيات، وتتفاوت بعد ذلك الخسارة، فالرابح الذي نجح في كل الجولات أو أكثرها لا يتبقَّى معه من الربح شيءٌ على الإطلاق، أو لا يتبقَّى معه إلا مقدارٌ ضئيل، وأما الخاسر فقد خسر كلَّ شيءٍ، وفي آخر الليل يتسلَّلون جميعًا وقد علتهم الكآبةُ والخزيُ، والخاسرُ يتوعَّد الرابح إلى الغد؛ أحمد شلبي، الحياة الاجتماعية في التفكير الإسلامي، ص 241. كم من بيوت افتقرت بسبب القمار! وكم من بطون جاعت وأجسام عريت أو لبست الأسمال! وكم من زواج فشل، ووظيفة ضاعت؛ لأن صاحبها اختلس ليقامر! وكم من رجل باع دينه وعِرضه على مائدة القمار! فالقمار يُدمِّر كل شيء، وهو إن كان هدفه المال ولكنه يشمل الخمر والتدخين ورفاق السوء والظلام والغموض والغِشَّ والكراهية والتربُّص والاختلاس وكل صفات الشرِّ. ثم إن القمار أيضًا من شأنه التلهِّي وضياع الوقت فيما لا طائل من ورائه، وضياع أوقات الصلاة، والانصراف عن العبادة وعن ذكر الله، إنه شخص قاسي القلب، لا ينتبه إلى ذكر الله سواء ربح المقامرة أو خسر، فإذا خسر انشغل قلبه بالخسارة، وخارت أعصابه، وإذا ربح أنسته الفرحةُ بمكسبه الآثم كلَّ شيءٍ إلا في محاولات لكسب المزيد، وهذا الرجل لا يمكن أن يكون ذاكرًا لله مقبلًا عليه. والقِمار أيضًا وسيلة للكسب من غير عمل منتج يفيد المجتمع، والمفروض أن يكون كسب الرجل من عمل يعود عليه بالربح، وعلى الاقتصاد العام بالتقدُّم، إلا أن القمار يقتل روح الكفاح والعمل في نفوس المقامرين، فلا يتخذون حِرْفةً ولا عملًا شريفًا يتكسَّبون منه، هذا العمل الشريف يعود بالنفع على الجماعة حاضرًا وآجلًا، فالصناعة تنتج الآلات المفيدة والسلع المفيدة للناس. فمَيْسِر الجاهلية أقلُّ ضررًا من المَيْسِر المعاصر الذي يطلُب الربح لنفسه، ويرجع الربح كلُّه من ملذَّات المقامر دون أن يتصدَّق بشيءٍ منه للمحتاجين، فهذا ما قصده الله من المنفعة، وهي مآلُ الجملِ الذي قامروا عليه إلى المساكين والمحتاجين، إلا أن الأضرار التي ذكرها الله عنه تفوق بأضعاف مضاعفة هذه الحُسن، فقال: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91]. والخلاصة: فلا يجوز لأحدٍ أن يقول عن شيءٍ حرَّمه الله: إنه حلال ولا العكس، فقد قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116] وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [المائدة: 87]. والقمار حرام بكل أنواعه وأشكاله وصُوره، القديم منها والحديث، وقد عرَف العلماء القِمار بأنه مغالبة ومخاطرة بين اثنين، بمعنى أن الواقع في القمار يكون مترددًا بين أن يغنم أو أن يغرم، مع غلبة المخاطرة، هذا والله أعلم. وصلى الله على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |