حروف الإيجاب والتصديق في اللغة العربية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الاكتفاء بسماع أذكار الصباح والمساء عند قولها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الفرق بين صلاة التراويح وصلاة القيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          قراءة القرآن بصوت مرتفع في المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الفرصة الأخيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          ترزقوا وتنصروا وتجبروا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          لا سمَرَ إلَّا لِمُصَلٍّ ، أوْ مُسافِرٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          على أبواب العشر الأواخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          رمضان شهر الإقبال على مجالس العلم والعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          التغيير الشامل في رمضان .. هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تاريخ غزوة بدر .. الميلاد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النحو وأصوله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-03-2022, 08:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي حروف الإيجاب والتصديق في اللغة العربية

حروف الإيجاب والتصديق في اللغة العربية
قصي جدوع رضا الهيتي


مقدمة البحث:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فمِن الشاق والعسير أن يكتب إنسان كتابًا أو بحثًا وقد سبقه إليه كثيرون من العلماء الأجلاء، وهذا لا يعني أننا نقف مكتوفي اليد، بل نبحث ونوضح بعض الأقوال الغامضة، ونرجح بعضها على بعض، وقد وقع اختياري على (حروف الإيجاب والتصديق في اللغة العربية)، وكان الدافع الرئيس هو قوله تعالى: ﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ﴾ [الأعراف: 172]، قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: لو قالوا: نعم، لكفَروا، هذه الآية التي بيَّنَت الفرق الشاسع بين (نعم) و(بلى)، وكذلك أيضًا أن حروف الجواب لم يرِدْ منها في القرآن الكريم إلا ثلاثة أحرف فقط، هي: (نعم، وبلى، وإِي)، أما بقية الحروف فمنها ما هو مشترك بين الحرفية والاسمية: (كجلل وجير وبجل)، ومنها ما لا يتأتَّى في بعض المواضع (ككلا) بمعنى نعم، أما (إنْ وأجل)، فقد ورد ذكرهما في كلام العرب شعرًا ونثرًا، ومنهم من خرَّج (إنْ) بمعنى نعم في قراءة مَن قرأ قوله تعالى: ﴿ إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ﴾ [طه: 63]؛ أي: نَعم، هذانِ لساحران، عند مَن أثبت (إنْ) بمعنى نعم، وليست إن المشبهة بالفعل.
وهذه الحروف التي ذكرناها يمكن تسميتها بحروف الجواب، أو حروف الإيجاب والتصديق؛ لأنها توجب القول وتقرِّره، مثبتًا كان أو منفيًّا.

أولًا: حرف الجواب (نَعَمْ):
حرفٌ من حروف الجواب، وفيها أربع لغات، فتح النون والعين، وبها قرأ معظم السبعة، والثانية: كسر العين، وهي لغة كنانة، وبها قرأ الكسائي[2]، والثالثة: كسر النون والعين، تنزيلًا لها منزلة الفعل في قولهم: نِعِم وشِهِد بكسرتين، ولم يقرأ بها أحد، ولكن الفارسي أجازها بالقياس في اللغة[3]، والرابعة (نَحَم)، بفتح النون، وقلب العين المفتوحة حاءً، كما قُلبت الحاءُ عينًا في (حتى)، حكاها النضر بن شُميل، وبها قرأ ابن مسعود[4].

وهي لتصديق مخبرٍ، أو وعد طالبٍ، أو إعلام مستخبرٍ؛ فالتصديق يكون بعد الخبر، نحو: (قام زيد)، فتقول: نعم، أو: (ما قام زيد)، فتقول: نعم، مصدقًا قوله إثباتًا أو نفيًا، والوعد يكون بعد الأمر والنهي، وما في معناهما، نحو: (زرنا قريبًا)، أو: (لا تخبره بما حدث) واعدًا بأنك ستنجز طلبه، وبعد الاستفهام، في نحو: (هل تعطيني؟)، ويحتمل أن تفسر في هذا بالمعنى الثالث، والإعلام يكون بعد الاستفهام، في نحو: (هل جاءك زيد؟) ونحو: ﴿ فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟! ﴾ [الأعراف: 44]، وقول صاحب المقرب: (فنَعَم تكون عادة في جواب الاستفهام والأمر)[5].

وزعَم بعض النحاة أن (نعم) تكون حرفَ تذكير لما بعدها؛ وذلك إذا وقعت صدر الجملة بعدها، نحو: (نعم، هذه أطلالهم)، قال ابن هشام: (والحقُّ أنها في ذلك حرف إعلام، وأنها جواب لسؤال مقدر)[6]، كأن القائل قدَّر في نفسه أن أحدًا سأله وقال: هذه أطلالهم؛ أي: آثار ديارهم، فقال في جوابه: (نعم)، وهذه أطلالهم تأكيد لنعم.
ولم يذكر سيبويه معنى الإعلام ألبتة، بل قال: (وأما "نعم" فعِدَة وتصديق)[7].

وكأنه رأى أنه إذا قيل: (هل قام زيد؟)، فقيل: (نعم)، فهي لتصديق ما بعد الاستفهام، والأولى ما ذكرناه من أنها للإعلام؛ إذ لا يصح أن تقول لقائل ذلك: صدقت؛ لأنه إنشاء لا خبر، جاء في (المساعد): (في جعلِها للسؤال تصديقًا تجوُّز)[8].

قال أبو حيان: (والنفيُ كالموجب، والسؤال عن المنفيِّ كالنفي، تقول: ما قام زيد، وأما قام زيد، فالجواب (نعم)، ففي الموجب والسؤال عنه تصديق للثبوت، وفي النفي والسؤال عنه تصديقٌ للنفي)[9]؛ أي: إن (نعم) تُبقِي الكلام على إيجابه ونفيه؛ لأنها وُضِعت لتصديق ما تقدم من إيجاب أو نفي، من غيرِ أن ترفع ذلك وتُبطلَه.

والذي يراه الباحث أن أبا حيان في قوله هذا، قصَد تصديق المجيب أو تكذيبه؛ أي: إذا قال قائل: (ما قام زيد)، فإن أردت تصديقه قلت: (نعم)، أو تكذيبه قلت: (بلى)، وليس جعلها للسؤال تصديقًا، وهو القائل: (ولإعلام مستخبر فتقول: (هل جاء زيد؟)، فيقول: (نعم)؛ أي: جاء)[10] ؛ لأن الجواب إنما جيء به لأجل تحصيل المستفهم، وغرضُه هو إعلام المجيب، لا تصديقه؛ فإن كلامه إنشاءٌ ليس مجالًا للتصديق.

ثانيًا: حرف الجواب (بَلَى):
حرف ثلاثي الوضع، والألف مِن أصل الكلمة، وزعم الفراء أن أصلها (بل)، زِيدت عليها الألف للوقوف[11]، ويرى السهيلي: أنها مركَّبة مِن لفظ (بل) التي للإضراب، ولفظ (لا) التي للنفي، جاء في (أمالي السهيلي): (فمن أجل ذلك لا تقع أبدًا إلا إضرابًا عن نفي، ومَن أضرب عن النفيِ، فقد أراد الإيجاب)[12]، وقيل: إن الألف للتأنيث؛ بدليل إمالتها، وقد نسبه ابن عقيل[13]إلى الفراء.

وهي مختصة بإيجاب النفي؛ أي: تنقُضُ النفيَ المتقدم، سواء كان ذلك النفي مجردًا، نحو: ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي ﴾ [التغابن: 7]، أم مقرونًا بالاستفهام، حقيقيًّا كان، نحو: (أليس زيد بقائم؟!)، فتقول: بلى، أو توبيخيًّا، نحو: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى ﴾ [القيامة: 3، 4]، أو تقريريًّا، نحو: ﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ﴾ [الأعراف: 172]، أجْرَوُا النفيَ مع التقرير مجرى النفي المجرد في رده (ببلى)؛ ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لو قالوا: (نعم)، لكفَروا"، ووجهُه أن (نعم) تصديق للمخبر بنفي أو إيجاب؛ ولذلك قال جماعة من الفقهاء: لو قال: (أليس لي عليك ألف؟!)، فقال: (بلى)، لزِمَتْه، ولو قال: (نعم) لم تلزَمْه.

وقال آخرون: تلزمه فيهما، وجرَوْا في ذلك على مقتضى العُرف، لا اللغة، قال السهيلي: (فلا يمتنع أن يجاب بنعم بعد الاستفهام من النفي، لا تريد تصديق النفي، ولكن تحقيق الإيجاب الذي في نفس المتكلم؛ لأن المتكلِّم إذا قال لمن رآه يشرب الخمر منكرًا عليه: أليست الخمرُ حرامًا؟ لم يستفهِمْه في الحقيقة، وإنما أراد تقريره أو توبيخه، وفُهم مراده في ذلك بقرينة، فلما فُهم مراده وأنه يعتقد التحريم، جاز أن يجاب بنَعَم، تصديقًا لمعتقده، دون التفات إلى لفظ النفي؛ لأنه ليس بنافٍ في الحقيقة، إلا أن أكثرَ العرب على غير هذا، يرون مراعاة اللفظ أولى؛ لأنه الظاهرُ المسموع، وبه نطق القرآن)[14]، وتبِعه في ذلك تلميذه الشلوبين، وابن عصفور، وابن مالك[15]، وعلى ذلك حديث رواه أبو عبيد في (شرح الغريب)، وهو أن المهاجرين قالوا: (إن الأنصار قد آوَوْنا، وفعلوا معنا وفعلوا، فقال: ألستم تعرفون ذلك لهم؟ قالوا: نعم، قال: فإن ذلك)؛ أي: إن ذلك مكافأةٌ منكم لهم، وكذلك قول جحدر[16]:
أليسَ الليلُ يجمعُ أمَّ عمروٍ
وإيانا، فذاك بنا تَدَاني

نَعم، وترى الهلالَ كما أَراه
ويَعلُوها النَّهارُ كما عَلَاني


وقول المهاجرين للنبي صلى الله عليه وسلم يُؤوَّلُ على أن ذلك لأمنِ اللَّبْس؛ لأنه قد علم أنهم يريدون نعم، نعرف لهم ذلك، وقول جحدر على أن (نعم) جواب المقدر في نفسه، مِن اعتقاده أن الليل يجمَعه وأمَّ عمرو، ويُقوِّيه قوله: (وترى الهلالَ كما أراه) بالواو، عطفًا على (يجمع)؛ لأن الفعل يُعطَف على الفعل، أو يكون جوابًا لقوله: (وترى الهلال... البيت) وقدمه عليه، أو أن يكون قوله: نعم تصديقًا لقوله: (فذاك بنا تداني)، قال أبو حيان: (وأما قولُ جحدر، فليس نصًّا في أن التقرير يجابُ بنَعم)[17].

قالوا: ومما يُقوِّي الجواب بنعم، إذا دخل حرفُ الاستفهام على النفي، بخلافِ حاله قبل الاستفهام، أنَّ حُكم النفي قد تغيَّر وعاد إلى التقرير والإنكار، وأن العربَ قد أَجْرت الكلامَ بعد الاستفهام على غير ما كان قبله في مسائل كثيرة، منها[18]:
دخول إلا قبل الاستفهام، نقول: ليست الخمرُ إلا حرامًا، وما محمد إلا رسولٌ، إن قلت: أما محمد، أو قلت: أليست الخمر، لم يجُزْ إدخال إلا في هذا الكلام، كما لا يجوز إدخالها في الواجب، فيدل على أن الكلام قد صار حكمُه حكمَ الواجب.

ومسألة أخرى: وهي أنك تقول قبل الاستفهام: ليس زيد قائمًا، بل قاعدًا، ولو عطفت بـ: بل بعد الاستفهام، لم يجُزْ؛ فقد تغير إذًا حُكمُ النفي.

ومسألة ثالثة: وهي أنك تقول: أليس زيد إنما هو قاعد، فتكون إنما وما بعدها في موضع خبرِ ليس، ولا يجوزُ ذلك قبل الاستفهام، فدلَّ على اختلاف الحُكمين.

ومسألة رابعة: وهي أنك تقول: ليس زيد قائمًا، فيقوم عمرو، فإن أدخلت ألف الاستفهام لم يجُزْ إدخال الفاء.

ومسألة خامسة: وهي أنك تقول: ليس أحد قائمًا، فإن أدخلت ألف الاستفهام على النفي لم تقُلْ: أليس أحد قائمًا؟ لقوةِ معنى الإيجاب الذي في ضمن الكلام، فتأمَّلْه؛ إذ لا يستعملُ لفظ أحد في الإيجاب.

وزعَم بعض النحويين[19]: أن (بلى) تستعمل بعد الإيجاب، مستدلًّا بقوله[20]:
وقد بعُدَتْ بالوصل بيني وبينها ♦♦♦ بلى، إنَّ مَن زار القبورَ ليبْعُدَا

واستعمالُ (بلى) في البيت لتصديق الإيجاب شاذٌّ، وما ورد من ذلك فلا يقاس عليه؛ لقلَّتِه؛ لأن (بلى) لا يجاب بها عن الإيجاب اتفاقًا.

ثالثًا: حرفُ الجواب (أجَلْ):
بسكون اللام، حرف جواب مثل (نعم)، تكون لتصديق الخبر، ولتحقيق الطلب، ولا تجيء بعد الاستفهام، تقول لمن قال: (قام زيد): أجل، تصديقًا له في الإخبار بقيام زيد، ولمن قال لك: (اضرب زيدًا): أجل، وعدًا له بتحقيق طلبه[21]، قال الشاعر[22]:
ولو كنتَ تُعطي حينَ تُسأَلُ سامَحَتْ
لك النَّفْس، واحلولاكَ كلُّ خليلِ

أجَلْ، لا، ولكنْ أنتَ أشأمُ مَن مشى
وأسأَلُ مِن صمَّاءَ ذات صليلِ

وقال آخر[23]:
وقلنَ: على الفِرْدَوس أوَّل مشرَبٍ ♦♦♦ أجَلْ، جَيْرِ، إنْ كانت أُبيحَتْ دعاثِرُهْ
قال صاحب (رصف المباني): (ولا تكونُ جوابًا للنفيِ، ولا للنهيِ) [24].
أي: جعلها للخبر المثبت، والطلب بغير النهي.

وقال غيره: (أجل) حرفٌ موضوع لتصديق الخبر، ولا تجيء جوابًا للاستفهام ولا للطلب، تقول: (جاء زيد) في الإثبات، و(ما جاء زيد) في النفي، فيقول للقائل: أجل، هذا على قول الزمخشري، وابن الحاجب، وابن مالك[25].
وخصَّها ابن خروف بالخبر في الغالب، قال: أكثرُ ما تكونُ بعده[26].

وقيل: هو حرف جواب مثل (نعم)، فيكون تصديقًا للخبر، وإعلامًا للمستخبر، ووعدًا للطالب، فتقَع بعد نحو: (قام زيد)، ونحو: (أقام زيد؟)، ونحو: (اضرب زيدًا)، هذا على قول ابن هشام والسيوطي[27].

وعن الأخفش: أن (نعم) أحسنُ مِن (أجل) في الاستفهام، و(أجل) أحسنُ من (نعم) في الخبر، فجوَّز مجيئها على ما ترى، في الاستفهام أيضًا، فإذا قال: أنت سوف تذهب، قلت: أجل، وكان أحسن مِن (نعم)، وإذا قال: أتذهب؟ قلت: نعم، وكان أحسن مِن (أجل)[28].

رابعًا: حرف الجواب (إنْ):
حرف جواب بمعنى (أجل)، ذكَر ذلك سيبويه، والأخفش، والزجاجي[29]، وأكثر النَّحْويين، جاء في (الكتاب): وأما قول العرب في الجواب: (إنَّهْ) فهو بمنزلة: (أجل)، وإذا وصلتَ قلت: (إنَّ يا فتى)، وهي التي بمنزلة: (أجل)[30].
قال الشاعر[31]:
بكر العواذل في الصَّبُو
حِ يلُمْنَني وألومُهنَّهْ

ويقُلْنَ شيبٌ قد علا
كَ وقد كبِرْتَ، فقلتُ: إنَّهْ

أي: فقلتُ: أجل.

فهي حينئذ تصديق للخبر فقط، مثبَتًا كان أو منفيًّا، فتقول إذا قال: (قام زيد) أو (لم يقم زيد): إنَّ؛ أي: (أجل)، هذا على قول الزمخشري، وابن الحاجب.
وعن المبرد[32]أنه حمل على ذلك قراءةَ مَن قرأ: ﴿ إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ﴾ [طه: 63][33].

وأنكر أبو عبيدة مجيئها بمعنى (نعم)[34]، وأولُ ما استدلوا به على ذلك من قول الشاعر على أن الهاء ليست للسكت، وإنما هي اسم إن، والخبر محذوف؛ أي: إنه كذلك.

جاء في (شرح التسهيل): (والذي زعم هذا القائلُ ممكنٌ في البيت المذكور، فلو لم يوجد شاهدٌ غيرُه لرجح قوله، ولكن الشواهد على كون إنَّ بمعنى نعم مؤيِّدُها ظاهرٌ، ودافعها مكابرٌ؛ فلزم الانقيادُ إليها، والاعتماد عليها)[35]، فمنها قول ابن الزبير رضي الله عنهما لفضالة بن شريك حين قال له: (لعن الله ناقةً حملَتْني إليك): (إنَّ، وراكبَها)؛ أي: نَعم، ولعَن راكبها؛ إذ لا يجوز حذفُ الاسم والخبر جميعًا.

ومنها قول الشاعر[36]:
قالوا: غَدَرْتَ، فقلتُ: إنَّ وربما ♦♦♦ نال المُنَى وشَفى الغليلَ الغادرُ

ومنها قول حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه[37]:
يقولون: أعمى، قلتُ: إنَّ وربما ♦♦♦ أكونُ وإني مِنْ فتى لبَصيرُ

ومنها قول بعض الطائيين [38]:
قالوا: أُخِفْتَ فقُلْتُ: إنَّ وخيفتي ♦♦♦ ما إنْ تزالُ منوطةً برجاءِ

والذي يبدو لي أن ما استدل به سيبويهِ ليس بنصٍّ في كونها بمعنى (أجل)، وهذا ما دفَع بعضَ النَّحْويين إلى القول بأن البيتَ يحتمل الأمرين:
الأمر الأول: أن تكون (إنَّ) فيه بمعنى (نعم)، والهاء للسَّكْت، كما قال سيبويه.
والثاني: أن تكون على بابها، والهاء الاسم، والخبر محذوف؛ أي: إنه كذلك، كما قال أبو عُبيدة.
وأجاب ابن يعيشَ عن استدلال سيبويه بأنه: (لو كانت الهاءُ هاءَ الإضمار، لثبتَتْ في الوصل كما تثبُتُ في الوقفِ، وليس الأمر كذلك، إنما تقولُ في الوصل: (إنَّ يا فتى) بحذف الهاءِ؛ قال الشاعر:
بكر العواذل في الصَّبُو
حِ يَلُمْنَني وألومُهُنَّهْ

ويقُلْنَ: شيبٌ قد علا
كَ وقد كبِرْتَ، فقُلْتُ: إنَّهْ


وإنما ألحقوا الهاءَ؛ كراهيَةَ أن يجمعوا في الوقف بين ساكنين، لو قالوا: إن فألحقوها الهاء لبيان الحركة التي تكون في الوصل؛ إذ كانوا لا يقِفون إلا على ساكن، وأما خروج (إن) بمعنى (أجل) فإنها لَمَّا كانت تحقِّق معنى الكلام الذي تدخل عليه في قولك: إنَّ زيدًا لراكب، فتحقَّق بها كلامُ المتكلم، حُقِّق بها كلام السائل؛ إذ كان معناها التحقيق، فحصل مِن أمرها أنها تحقِّق تارة كلام المتكلم، وتارة كلام غيرِه على سبيل الجواب، فاعرِفْه)[39].



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-03-2022, 08:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حروف الإيجاب والتصديق في اللغة العربية

حروف الإيجاب والتصديق في اللغة العربية
قصي جدوع رضا الهيتي





خامسًا: حرفُ الجوابِ (إيْ):



بكسر الهمزة وسكون الياء، حرف جواب بمعنى (نعم)، تكون لتصديق مخبِر، أو إعلام مستخبر، أو وعد طالب، فتقع بعد (قامَ زيدٌ)، و(هل قام زيد؟)، و(اضرِبْ زيدًا)، لكنها مختصة بالقَسم، و(نعم) تكون مع القَسم وغيره؛ كقوله تعالى: ﴿ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي ﴾ [يونس: 53]، وليس بلازمٍ أن تقعَ بعد الاستفهام، وزعم ابن الحاجب أنها إنما تقع بعده، جاء في (شرح الوافية): (و"إي" للإثبات بعد الاستفهام، يلزَمُها القَسم؛ كقوله: ﴿ إِي وَرَبِّي [يونس: 53])[40].







وذكر الرضي الإستراباذي أن (إي) لا يُستعمَل بعدها فِعل القسم، فلا يقال: (إي أقسمتُ بربي)، ولا يكون القسم به بعدها إلا (الرب)، و(الله)، و(لعمري)، تقول: (إي والله)، و(إي الله) بحذف القسم، ونصب (اللهَ)، (إي ها الله ذا)، و(إي وربي)، و(إي لعمري)[41].



وهذا الذي ذكره الرضي من وجوب حذفِ فِعل القسم بعد (إي)، لما طال الكلام (بإي) مع كثرةِ الاستعمال.







فأما إذا ولِيَها متحرِّك، فليس إلا إثبات الياء ساكنة، نحو: (إيْ وربي)، وأما إذا حُذِفت واو القَسم وولِيَها لفظ (الله)، جاز فيها ثلاثة أوجه[42]:



الأول: فتح الياء، تقول: إيَ الله، وهو أعلاها، فتُفتَح لالتقاء الساكنين، كما تفتح نون (مِنْ) في قولك: (مِنَ الرجل)، ولم يكسروها استثقالًا للكسرة بعد كسرة الهمزة، وإذا كانوا قد استثقلوا الكسرة على النون للكسرة قبلها مع أن النونَ حرف صحيح، فلأَنْ يستثقلوها على الياء المكسور ما قبلها، أحرى وأَوْلى.







الثاني: بقاؤها ساكنة، والجمع بين الساكنين، مبالغة في المحافظة على حرف الإيجاب، بصَوْن آخرِه عن التحريك والحذف، وإن كان يلزم ساكنان على غير حده؛ لأنهما في كلمتينِ، إجراءً لهما مجرى كلمة واحدة؛ كـ: (الضالين)، و(تُمُودَّ الثَّوبُ)، كما في: (ها الله)، وهذا أيضًا مِن خصائص لفظ (الله)، وفي هذه الحالة يجب أن تشبع الياء مدًّا.







والثالث - وهو أقلها -: أن يقولوا: (إللهِ) فيحذفوا الياء لالتقاء الساكنين؛ لأن همزةَ الوصل محذوفة للوصل؛ أي: في درج الكلام، وإيلاء الهمزة المكسورة اللام المشددة.







وقد جاء في (شرح المفصل): ولا يكون في الله من قولك: (إي الله) إلا النصب[43]، ولو قلت: (ها اللهِ) لخفَضْتَ؛ لأن إي ليست عِوضًا عن حروف القسم، إنما هي جواب لمن سأل عن الخبر، فقلت: (إي والله، لقد كان كذا)، بخلاف (ها)، فإنه عِوض عن الواو؛ ولذلك يجامعها[44].







سادسًا: حرف الجواب (جَلل):



لفظ مشترك، يكون اسمًا، وحرفًا.



فأما (جلل الحرفية) فحرف من حروف الجواب، بمعنى (نعم)، ذكر صاحب (رصف المباني)، وقال: إن (جلل) ليس لها في كلام العرب إلا معنى الجواب خاصة، يقول القائل: هل قام زيد؟ فتقول في الجواب: جلل، ومعناها (نعم)، حكى ذلك الزجاج في كتاب (الشجرة)، فعلى هذا لا تعمل شيئًا، إنما هي نائبة منابَ الجملة الواقعة جوابًا، وهي تُعَدُّ في كلامهم قليلةَ الاستعمال[45].







وكما أن (جلل) جاء حرفًا بمعنى (نعم)، جاء اسمًا بمعنى (عظيم)؛ قال الشاعر[46]:





قومي همُ قتَلوا - أميمَ - أخي

فإذا رميتُ يُصيبني سَهْمي



فلئن عفَوْتُ لأعفُوَنْ جَلَلًا

ولئن سطَوْتُ لأُوهِنَنْ عَظْمي






وبمعنى (يسير)، قال امرُؤُ القيس وقد قُتِل أبوه[47]:



بقَتْل بني أسدٍ ربَّهم ♦♦♦ ألا كلُّ شيءٍ سواه جَلَلْ







وبمعنى (أجل)؛ كقولهم: (فعلت كذا من جَلَلِكَ)؛ أي: مِن أجلك، ومنه في أحد القولين قولُ جميل[48]:



رَسْم دارٍ وقفتُ في طَلَلِهْ ♦♦♦ كدتُ أقضي الحياةَ مِن جَلَلِهْ







فقيل: أراد مِن أجلِه، وقيل: أراد مِن عِظَمِه في عيني.







ومثَّل لمعانيها الأربعةِ صاحبُ (صرف العناية) بقوله[49]:



تقول: هل تبكي؟ جَلَلْ مِن جَلَلِ ♦♦♦ ما بي وهذا جَلَلٌ مِن جَلَلِ







فجَلَل الأوَّل: حرف مبني على السكون بمعنى (نعم)، والبواقي أسماء معربة، والأول بمعنى (أجل)، والثاني بمعنى (اليسير)، والثالث بمعنى (العظيم)؛ أي: تقول أنت كالمنكر عليَّ: هل تبكي؟ وأقول: نَعم أبكي، من أجل ما بي من أليم الشوقِ، وهذا الذي تراه مِن بكائي بالنسبة إلى مصيبتي قليلٌ مِن كثيرٍ.







سابعًا: حرف الجواب (جَيْرِ):



بكسر الراء على أصل التقاء الساكنين الراء والياء (كأمسِ)، وبالفتح للتخفيف (كأينَ) و(كيفَ)، والكسرُ أشهر، فإن قيل: فما بالُهم فتحوا في أينَ وكيفَ وليتَ وكسروا جيرِ وفيها مِن الثقل ما في ليتَ وأخواتِه، قيل: على مقدار كثرة استعمال الحرف يختار تخفيفه، فلما كثر استعمال أينَ وكيفَ وليتَ آثروا الفتحة؛ طلبًا للخفَّة؛ لثقل الكسرة بعد الياء، ولَمَّا قلَّ استعمال جَيْرِ، لم يحفلوا بالثقل، وأتوا فيه بالكسر الذي هو الأصل[50]، وفيها خلاف، منهم مَن قال: إنها حرف جواب بمعنى (نعم)، فتكون حينئذ تصديقًا للخبر، سواء كان الخبر موجبًا أم منفيًّا، ولا تستعمَل في جواب الاستفهام، فتقول إذا قال: (قام زيد) أو (لم يقم زيد): جَيْرِ؛ أي: (نعم)، هذا على قول الزمخشري وابن الحاجب[51].







وجاء في (شرح الرضي على الكافية): أنها تقوم مقام الجملة القَسمية، والجامع أن التصديق توكيدٌ وتوثيقٌ كالقَسم، تقول: (جَيْرِ لأفعلَنَّ)، كأنك قلت: (نعم والله لأفعلَنَّ)[52]، ونحو قول الشاعر[53]:



قالوا: قُهِرْتَ فقُلْتُ: جَيْرِ، ليَعْلَمَنْ ♦♦♦ عمَّا قليلٍ أيُّنا المقهورُ







وقد يؤتى بها دونَ القَسم، كما يؤتى (بنَعَم) و(أجل)، نحو قول الراجز[54]:



قالت: أراك هاربًا للجَوْرِ ♦♦♦ مِن هدَّةِ السُّلطان، قُلْتُ: جَيْرِ







ومنهم مَن قال: إنها اسم بمعنى (حقًّا)، فتكون مصدرًا.



ومنهم من قال: إنها بمعنى (أبدًا)، فتكون ظرفًا كعِوَض[55].







قال ابن مالك: و(جَيْر) حرف بمعنى (نعم)، لا اسم بمعنى (حقًّا)؛ لأن كل موضع وقعت فيه (جَيْر) يصلُحُ أن يوقع فيه (نعم)، وليس كل موضع وقعت فيه (جير) يصلح أن يوقع فيه (حقًّا)؛ فإلحاقها بـ: (نعم) أَوْلى، وأيضًا فإنها أشبهُ بنَعم لفظًا واستعمالًا؛ ولذلك بُنِيَتْ، ولو وافقت (حقًّا) في الاسميَّة لأُعربت، ولجاز أن يصحَبَها الألف واللام، كما أن (حقًّا) كذلك.







ولو لم تكن بمعنى (نعم)، لم تُعطَفْ عليها في قول بعض الطائيين[56]:



أبى كرمًا لا آلفًا جَيْرِ أو نَعَم ♦♦♦ بأحسَنِ إيفاءٍ، وأنجزِ مَوْعدِ







ولم يؤكد (نعم) بها، في قول طفيل الغنوي[57]:



وقلنا على البرديِّ أوَّل مشرَبٍ ♦♦♦ نَعم، جَيْرِ، إن كانَتْ رِواءً أسافِلُه







ولا قوبل بها (لا) في قول الراجز[58]:



إذا تقول: (لا) ابنةُ العُجَيْرِي ♦♦♦ تصدُقُ (لا) إذا تقولُ: جَيْرِ







فهذا تقابُلٌ ظاهرٌ، ومِثله في التقدير قولُ الكُمَيتِ[59]:



يرجُونَ عَفْوي ولا يخشَوْن بادِرَتي ♦♦♦ لا جَيْرِ لا جَيْرِ، والغِربانُ لم تشِبِ



أي: لا يثبُتُ مرجوُّهم، نعم تلحقهم بادرتي؛ أي: سرعةُ غضبي.







واحتجَّ مَن ادعى اسميَّةَ (جَيْرِ) بتنوينِه في قول الشاعر[60]:



وقائلةٍ: أسِيتَ، فقلتُ: جَيْرٍ ♦♦♦ أَسِيٌّ، إنَّني مِن ذاك إنَّهْ







ولا حجةَ فيه؛ لأنه فعلُ مضطرٍّ، ويحتمل أن يكونَ قائلُه أراد توكيد (جَيْرِ) (بإنَّ) التي بمعنى نَعم، فحذف همزتها؛ أي: همزةَ (إن) وخفف.



ويحتمل أن يكون شبَّه آخرَ النصفِ بآخرِ البيت، فنوَّن تنوين الترنم، وهو لا يختص بالأسماء، بل يلحَق الحرفَ والفعل[61].



قال المراديُّ: (أشار الشلوبين إلى هذا الاحتمال الثاني، وهو أقربُ مِن الذي قبله، والله أعلمُ)[62].



ومنهم مَن قال: إنها اسم فعل، بمعنى أعترف، نسبه الرضيُّ إلى عبدالقاهر[63].







ثامنًا: حرف الجواب (بَجَلْ):



تأتي (بجل) بوجهين: حرف، واسم.



1 - بجل الحرفية: حرف جواب بمعنى نعم، وتكون في الخبر والطلب، ذكرها المالقي، وأبو حيان الأندلسي[64]، نحو: (قام زيد): بجل، ونحو (اضرِبْ زيدًا): بجل.



2 - بجل الاسمية، فلها قسمان:



أحدهما: أن تكون اسم فعل، بمعنى: (يكفي)، فتلحقها نونُ الوقايةِ مع ياء المتكلم، فيقال: بجلني، قال ابن هشام: (وهو نادر)[65]، وتكون الياءُ المتصلة بها منصوبةً على المفعوليَّة.



والثاني: أن تكون اسمًا مرادفًا (لحَسْب)[66]، فتكون الياءُ المتصلة بها مجرورةً بالإضافة، ولا تلحقها نون الوقاية؛ كقول طَرَفةَ بن العبد[67]:



ألا إنني شربتُ أسودَ حالكًا ♦♦♦ ألا بَجلي مِن الشرابِ ألا بَجَلْ







ونحو قول لبيد بن ربيعة[68]:



فمتى أهلِكُ فلا أحْفلُه ♦♦♦ بَجَلي الآن مِن العيشِ بَجَل







أما قولُ الشاعر جابر بن رالان السنبسي من شعراء الحماسة[69]:



لَمَّا رأَتْ مَعْشرًا قلَّتْ: حُمولَتُهم ♦♦♦ قالتْ سعادُ: أهذا مالُكُمْ بَجَلا؟







أي: أهذا ما لكم حَسْبُ.



فقد جعل مكان الياء ألفًا، مثل قولهم: (يا ابنة عما)، والأصل: (يا ابنةَ عمِّي).







ومِن خلال البحث والتمحيص وجدتُ أن أغلب النَّحْويين لم يذكرها في حروف الجواب، والسبب في ذلك واضحٌ؛ لعدمِ وجود بيت شعري أو نصٍّ نثري يستدل على حرفيَّتِها بمعنى نعم، وإنما هو اجتهادٌ مِن بعض علماء النَّحْو.







تاسعًا: حرف الجواب (كلَّا):



ذهب النضرُ بن شُمَيلٍ تلميذ الخليل[70] إلى أن (كلا) تكون حرف جواب بمعنى نَعم، وقد نسب هذا القول أيضًا إلى الفراء، جاء في (شرح المفصل): وقال الفراء: "كلا" حرفُ ردٍّ يكتفى بها، كنعم، وبلى، وتكون صلةً لِما بعدها؛ كقولك: كلا وربِّ الكعبة، بمنزلةِ: إي وربِّ الكعبة[71]، أما عبدالله بن محمد الباهلي، فقد ذهب إلى أنها تكونُ على وجهين:



أحدهما: أن تكون ردًّا لكلام قبلها، فيجوزُ الوقوفُ عليها، وما بعدها استئنافٌ.



والآخر: أن تكون صلةً للكلام، فتكون بمعنى (إي)[72].



والذي يظهرُ أن قولَ عبدالله الباهلي موافقٌ لقول النَّضر بن شُميل، إلا أن (نعم) تكون مع القَسم وغيره، كما ذكرنا سابقًا.







قال ابن هشام: (وقول أبي حاتمٍ عندي أَوْلى مِن قول الكسائي والنَّضْر؛ لأنه أكثرُ اطِّرادًا؛ فإن قول النَّضر لا يتأتى في قوله: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا ﴾ [المؤمنون: 99، 100]؛لأنها لو كانت فيها بمعنى نعم، لكانت للوعدِ بالرجوع؛ لأنها بعد الطلبِ، كما يقال: (أكرِمْ فلانًا)، فتقول: نعم، ونحو: ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 61، 62]؛ لأن "نَعم" بعد الخبرِ للتَّصديق)[73].







أما عند سيبويه[74]وعامة البصريين: فإنها حرف معناه الردعُ والزجر، لا معنى لها عندهم إلا ذلك، ورأى آخَرون أن معنى الردع والزجر ليس مستمرًّا فيها، فزادوا معنًى ثانيًا، ثم اختلفوا في تعيين ذلك المعنى: على ثلاثة أقوال[75].



وهذا ما دفَع علماءَ النَّحْو إلى عدم ذِكرها مع حروف الجواب.











بسم الله الرحمن الرحيم



خاتمة البحث:



الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:



فإن موضوعَ حروف الإيجاب والتصديق أخَذ حيزًا في الدراسات النَّحْوية؛ لأهميته، خاصةً في حرفي الجواب (نَعم وبَلى) والفرق بينهما، وهذا ما دفَع ابن عباس رضي الله عنهما عند ذِكر قوله تعالى الذي ورد ذكره سابقًا إلى القول: بأنهم لو قالوا: نعم، لكفروا؛ لأن العربَ أَجْرَوُا النفيَ مع التقرير مجرى النفي المجرد في ردِّه (ببَلَى).







ومِن خلال البحث والتمحيص، وجدتُ أن عدةَ الحروف على المشهور ستةُ أحرف، أما البقية فقد عرَفْنا أنها ألفاظٌ مشتركة بين الحرفية والاسمية، وكذلك لم يرِدْ فيها نصٌّ قاطعٌ على أنها مِن حروف الجواب؛ (كجلل، وبجل، وكلا)، وإنما هو افتراض مِن قِبل علماء النحو، واجتهادٌ منهم، ولم يقدِّموا لنا أمثلةً كافيةً لتوضيح ذلك، سواء أكانت مِن كتاب الله تعالى أم مِن الشواهد السماعية الأخرى.







هذا ما وفقني الله إليه، فإن أصبتُ فمِن الله، وإن جانبتُ الصواب فمن نفسي، فكل ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخير الخطائين التوَّابون، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.







مصادر البحث:



1- القرآن الكريم.



2- الإتقان في علوم القرآن: للإمام السيوطي (ت911 هــ). تحقيق: طه عبدالرؤوف سعد، المكتبة التوفيقية.



3- ارتشاف الضرَب من لسان العرب: أبو حيان الأندلسي (ت745 هــ). تحقيق: د. مصطفى أحمد النماس، ج1 مطبعة النسر الذهبي، القاهرة، ط1، 1404هــ - 1984، ج2 مطبعة المدني القاهرة طـ 1، 1408 هــ - 1987، ج3 مطبعة المدني ط1، 1409 هــ، 1989م.



4- أمالي السهيلي: أبو القاسم عبدالرحمن عبدالله الأندلسي (ت581 هـ). تحقيق: محمد إبراهيم البنا، مطبعة السعادة، القاهرة، 1970م.



5- الأمالي الشجرية: أبو السعادات هبة الله بن علي العلوي الشجري (ت542 هــ). دار المعرفة للطباعة والنشر. بيروت - لبنان.



6- الإيضاح في شرح المفصل: ابن الحاجب النحوي (ت646 هـ) تحقيق: د. موسى بناي العليلي، مطبعة العاني، بغداد، 1402هـ - 1982.



7- الجنى الداني في حروف المعاني: الحسن بن قاسم المرادي (ت749هـ) تحقيق: د. فخر الدين قباوة والأستاذ محمد نديم فاضل، دار الكتب العلمية، ط1، 1413 - 1992م.



8- جواهر الأدب في معرفة كلام العرب: علاء الدين بن علي الإربلي، صنعة الدكتور إميل بديع يعقوب، دار النفائس للطباعة والنشر، ط1، 1412ه - 1991.



9- حروف المعاني: أبو القاسم الزجاجي (ت340هـ) تحقيق: د. علي توفيق الحمد، دار الأمل، إربد - الأردن ط1، 1404 هــ - 1984م.



10- ديوان الحماسة: أبو تمام حبيب بن أوس الطائي (ت231هـ) تحقيق: د. عبدالمنعم أحمد صالح، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد - العراق.



11- ديوان عبيدالله بن قيس الرقيات، تحقيق: د. محمد يوسف نجم، دار صادر بيروت 1378 هــ - 1958.



12- رصف المباني في شرح المعاني: أحمد بن عبدالنور المالقي، تحقيق: أحمد الخراط، دمشق.



13- سبك المنظوم وفك المختوم: ابن مالك (ت672هـ) تحقيق: أ. د. عدنان محمد سلمان وأ. م. فاخر جبر مطر. دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، ط1، 1425 هـــ - 2004.



14- شرح الإعراب في قواعد الإعراب: أبو عبدالله محيي الدين محمد بن سليمان، المعروف بالكافيجي (ت879هــ) دراسة وتحقيق: د. عادل محمد عبدالرحمن الشنداح، دار الكتب والوثائق العراقية، 1427هــ - 2006.



15- شرح التسهيل: ابن مالك. تحقيق: محمد عبدالقادر عطا وطارق فتحي السيد، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط1، 1422 - 2001م.



16- شرح الرضي على الكافية: رضي الدين محمد بن الحسن الأستربادي (ت686هــ) تحقيق: أحمد السيد أحمد، المكتبة التوفيقية. القاهرة - مصر.



17- شرح الكافية الشافية: ابن مالك. تحقيق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبدالموجود، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط1، 1420هــ - 2000م.



18- شرح المفصل: موفق الدين بن يعيش (ت643هــ)، تحقيق: أحمد السيد أحمد، المكتبة التوفيقية، القاهرة مصر.



19- شرح الوافية نظم الكافية: ابن الحاجب النحوي، دراسة وتحقيق د. موسى بناي علوان العليلي، مطبعة الأدب في النجف الأشرف، 1400هـــ - 1980م.



20- صرف العناية في كشف الكفاية، للعالم الفاضل عبدالله بن محمد الكردي البيتوشي، طُبع بمطبعة إحياء الكتب العربية بمصر 1341هــ.



21- الكتاب: سيبويه، تحقيق: د. إميل بديع يعقوب، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط1، 1420ه - 1999م.



22- المساعد على تسهيل الفوائد: ابن عقيل (ت769هــ) تحقيق وتعليق د. محمد كامل بركات، دار المدني للطباعة والنشر والتوزيع 1405هــ - 1984م.



23- معاني القرآن: للفراء (ت207ه) تحقيق: أحمد يوسف نجاتي ومحمد علي النجار، دار السرور.



24- معجم الأدوات النحوية، إعداد سمير بسيوني، مكتبة الإيمان بالمنصورة، ط1، 1424هـــ - 2003م.



25- معجم القراءات القرآنية، د. عبدالعال سالم مكرم، ود. أحمد مختار عمر، ط2، 1408 هــ - 1988م.



26- معجم مقاييس اللغة: ابن فارس (ت395هــ) تحقيق: عبدالسلام محمد هارون، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1399 - 1979م.



27- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب: ابن هشام الأنصاري (ت761هــ) قدم له: حسن حمد، وأشرف عليه: إميل بديع يعقوب، دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، ط1، 1418 - 1998م.



28- المقرب: ابن عصفور (ت669هــ)، تحقيق: أحمد عبدالستار الجواري وعبدالله الجبوري، مطبعة العاني - بغداد، 1986.



29- همع الهوامع في شرح جمع الجوامع: للإمام السيوطي، شرح وتحقيق الأستاذ الدكتور عبدالعال سالم مكرم، عالم الكتب، الشركة الدولية للطباعة، 1421هــ - 2001م.







[1] تم نشر هذا البحث في مجلة جامعة الأنبار للعلوم الإنسانية، مجلة علمية دورية محكمة فصلية ـ المجلد الثالث ـ العدد الرابع عشر ـ كانون الأول ـ 2008، إعداد الدكتور: قصي جدوع رضا العامري الهيتي.




[2] ينظر: معجم القراءات القرآنية: 2/ 179.




[3] ينظر: المغني: 1/ 650.




[4] ينظر: معجم القراءات القرآنية: 2/ 179.




[5] المقرب: 44.




[6] المغني: 1/ 651




[7] الكتاب: 4/ 355.




[8] المساعد: 3/ 230.




[9] ارتشاف الضرب: 3/ 260 - 261.




[10] المصدر نفسه: 3/ 260.




[11] ينظر: معاني القرآن للفراء: 1/ 53.




[12] أمالي السهيلي: 45.




[13] ينظر: المساعد: 3/ 232.




[14] أمالي السهيلي: 45 - 46.




[15] ينظر: المغني 1/ 652، والمقرب: 322، وسبك المنظوم: 259.




[16] البيتان لجحدر بن مالك في أمالي السهيلي: 47، والمقرب: 322 - 323، وجواهر الأدب: 361.




[17] الارتشاف: 3/ 261.




[18] أمالي السهيلي: 47 - 48.




[19] منهم ابن مالك في سبك المنظوم: 259.




[20] البيت بلا نسبة في شرح الكافية: 4/ 437.




[21] يُفهَم من كلام أبي حيان في الارتشاف: 3/ 260 أنه خصها بغير الاستفهام؛ أي: بالخبر والطلب.




[22] ورد البيتان في ارتشاف الضرب: 3/ 260، والجنى الداني: 360، ومعجم الأدوات النحوية: 135.




[23] البيت لمضرس بن ربعي في ديوانه: 76، وشرح المفصل: 4/ 31، والجنى الداني: 360.




[24] رصف المباني: 59.




[25] ينظر: شرح المفصل: 4/ 31، والإيضاح 2/ 222، وسبك المنظوم 259.




[26] ينظر: المغني: 1/ 51، وهمع الهوامع: 4/ 371.




[27] ينظر: المصدران نفساهما: 1/ 51، 4/ 372.




[28] ينظر: شرح الرضي على الكافية: 4/ 440، والارتشاف 3/ 260، وشرح الإعراب في قواعد الإعراب: 272.




[29] ينظر: حروف المعاني للزجاجي: 56.




[30] الكتاب: 3/ 127.




[31] البيتان لعبيدالله بن قيس الرقيات في ديوانه: 66، والكتاب 3/ 127، وحروف المعاني: 56، وشرح الوافية: 403، والجنى الداني: 399.




[32] ينظر: المغني1/ 86، والإتقان 2/ 121.




[33] وهي قراءة نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وشعبة والأعمش وطلحة وغيرهم.




[34] ينظر: ارتشاف الضرب 2/ 148، والجنى الداني: 398، والمغني 1/ 85.




[35] شرح التسهيل1/ 414.




[36] البيت بلا نسبة في أمالي ابن الشجري 1/ 323.




[37] البيت في شرح التسهيل 1/ 414.




[38] البيت في المصدر نفسه 1/ 414




[39] شرح المفصل4/ 33 - 34.




[40] شرح الوافية لابن الحاجب: 403.




[41] شرح الرضي على الكافية 4/ 439.




[42] ينظر: شرح الرضي على الكافية 4/ 439، وشرح المفصل 4/ 35.




[43] هذا رأي سيبويه في الكتاب 3/ 556.




[44] شرح المفصل 4/ 35.




[45] رصف المباني: 82.




[46] البيتان للحارث بن وعلة بن ذهل بن شيبان الذهلي، وقد ورد في المغني 1/ 238.




[47] البيت في المغني 1/ 239، والهمع 4/ 374، وصرف العناية: 396.




[48] البيت في المصادر نفسها 1/ 239، 4/ 374، 396.




[49] البيت للعالم الفاضل عبدالله الكردي البيتوشي في صرف العناية: 396.




[50] ينظر: شرح المفصل 4/ 33.




[51] ينظر: شرح المفصل 4/ 33، وشرح الوافية: 403.




[52] شرح الرضي على الكافية 4/ 317 بتصرف.




[53] لم أعثُرْ على قائله، وقد ورد في شرح الكافية الشافية 1/ 396، والارتشاف2/ 495، والهمع 4/ 257.




[54] الرجز بلا نسبة، وقد ورد في شرح الكافية الشافية 1/ 398.




[55] ينظر: شرح الكافية الشافية 1/ 396، والارتشاف 2/ 494.




[56] البيت في شرح الكافية الشافية 1/ 396، والجنى الداني: 434.




[57] البيت في شرح الكافية الشافية 1/ 396، والارتشاف 2/ 494، والجنى الداني: 434.




[58] الرجز بلا نسبة في الكافية الشافية 1/ 397، والمغني 1/ 236.




[59] البيت في شرح الكافية الشافية 1/ 397، والجنى الداني: 435، وجواهر الأدب: 373.




[60] البيت في شرح الكافية الشافية 1/ 396، والمغني 1/ 236، والهمع 4/ 374.




[61] شرح الكافية الشافية 1/ 396 – 398 بتصرف.




[62] الجنى الداني: 435.




[63] ينظر: شرح الرضي على الكافية 4/ 318.




[64] ينظر: رصف المباني: 125، والارتشاف 3/ 260.




[65] المغني 1/ 219.




[66] ينظر: معجم مقاييس اللغة 1/ 200.




[67] البيت في معجم مقاييس اللغة 1/ 200، والجنى الداني: 420، والهمع 4/ 372، وجواهر الأدب: 451.




[68] البيت في معجم مقاييس اللغة 1/ 200، وصرف العناية: 388، وجواهر الأدب: 452.




[69] البيت في ديوان الحماسة لأبي تمام: 170.




[70] ينظر: ارتشاف الضرب 3/ 262، والمغني 1/ 378، والجنى الداني: 577، والمساعد 3/ 233.





[71] شرح المفصل 4/ 111.





[72] ينظر: ارتشاف الضرب 3/ 262، والمساعد 3/ 233.




[73] المغني 1/ 378 - 379 بتصرف.




[74] ينظر: الكتاب 4/ 356.




[75] ينظر: المغني 1/ 377 - 378، والإتقان 2/ 156.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 112.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 110.46 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (2.07%)]