تنوع المقاربات النقدية عند نجيب العوفي - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215406 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 182 - عددالزوار : 61204 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 123 - عددالزوار : 29184 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-02-2022, 03:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي تنوع المقاربات النقدية عند نجيب العوفي

تنوع المقاربات النقدية عند نجيب العوفي


د. جميل حمداوي






تمهيد:
من المعروف أن النقد الأدبي يستند في دراسته للنصوص الإبداعية في مختلف أجناسها إلى مجموعة من المراحل هي: الملاحظة، والقراءة، والتحليل، والتقويم، والتوجيه. ويمكن أن يعتمد النقد الأدبي أيضا على ثلاث خطوات إجرائية رئيسة: الفهم، والتفسير، والتأويل. ومن ناحية أخرى، يوصف مقوم العمل الأدبي بمصطلحات عدة، مثل: الناقد والقارئ والمتلقي والراصد ومحلل الخطاب والشارح والمفسر والمؤول...

هذا، وقد عرف المغرب منذ سنوات الستين من القرن الماضي إلى يومنا هذا مجموعة من النقاد المتميزين تنظيرا وتطبيقا. وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى عبدالكبير الخطيبي، وعباس الجراري، ومحمد برادة، وإدريس الناقوري، وعبدالقادر الشاوي، ومحمد بنيس، وأحمد اليابوري، وعبدالفتاح كليطو، وعبدالحميد عقار، وحسن المنيعي، ونجيب العوفي، ومحمد مفتاح، وسعيد يقطين، وبشير القمري، وسعيد بنكراد، وأحمد أعراب الطريسي، وإدريس بلمليح، وعبدالله شريق، ومحمد أقضاض، وحميد لحميداني، وشعيب حليفي، ومحمد محفوظ، ومحمد الداهي، وأحمد زنيبر، ومحمد معتصم، وسعاد مسكين، وجميل حمداوي...

هذا، وقد تفرد نجيب العوفي[1] عن هؤلاء بالتأرجح بين النقد الذاتي والموضوعي، وعدم التقيد بمنهج نقدي واحد، وتهجير المصطلح النقدي من حقل إلى آخر، و استخدام لغة إبداعية شاعرية متميزة معضدة بشفرة استعارية أنيقة وجذابة، والجمع في كتاباته النقدية بين الوظيفتين الجمالية والوصفية، واستخدام أسلوب السخرية والفكاهة والدعابة الطريفة. إذاً، ماهي أهم المناهج التي تمثلها نجيب العوفي في دراساته النقدية؟ وماهي مميزات لغته النقدية والوصفية؟ وما الذي يخصص نجيب العوفي عن باقي نقاد المغرب؟ هذا ما سوف نرصده في مقالنا هذا.

أنواع المقاربات النقدية:
تمثل الناقد المغربي نجيب العوفي عبر مسيرته الثقافية والأدبية والعلمية والأكاديمية مجموعة من المناهج والمقاربات النقدية لتطويق النص الأدبي والفني، سواء أكان ذلك النص المنقود قديما أم حديثا أم معاصرا، ويمكن حصر مناهجه النقدية في مجموعة من المقاربات هي: المقاربة الاجتماعية، والمقاربة البنيوية التكوينية، والمقاربة الانطباعية، والمقاربة البويطيقية، والمقاربة السيميائية، والمقاربة الفنية، والمقاربة التاريخية، والمقاربة الموضوعاتية، والمقاربة الأسلوبية، وقد تتداخل هذه المقاربات النقدية بحال من الأحوال في النص الوصفي الواحد...

المقاربة الاجتماعية:
يرتكن المنهج الاجتماعي إلى تحليل الأدب في ضوء سياقه الواقعي بكل معطياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتاريخية والدينية والإيديولوجية، من خلال ربط الإبداع الأدبي والفني بواقعه الاجتماعي بطريقة مباشرة أو آلية.


ويعد نجيب العوفي من أهم النقاد المغاربة الذين تمثلوا المنهج الاجتماعي الجدلي إلى جانب إدريس الناقوري، وعبدالقادر الشاوي، ومحمد برادة، ومحمد أقضاض... ومن أهم المؤلفات التي كتبها نجيب العوفي، وتحسب على المنهج السوسيولوجي، نذكر كتابه (درجة الوعي في الكتابة) الذي صرح فيه بوضوح بأنه يتبنى المنهج الواقعي الجدلي: "إن المنهج المكرس في هذا الكتاب هو المنهج الواقعي الجدلي.هذا المنهج الذي أثبت وما يفتأ يثبت، عبر أهم وألمع الممارسات التي تجلى عبرها، قدرته الفائقة على احتواء النص والواقع معا، بل وقدرته الطيعة على التجدد المستمر والاغتناء بكافة الخبرات والتجارب الفكرية، دون أية حساسية دوغمائية ومن غير أن يفقد بريقه ومناعته أو يتعرض لامتحان صعب يثير حوله الشبهة ويشكك في فعاليته ومصداقيته.


ولا أستطيع أن أدعي بأني كنت وفيا لحدود وقوانين هذا المنهج من الألف إلى الياء، وبأن استخدامي له تم على نحو لا أمت فيه ولاعوج.إن مثل هذا الادعاء لمما تنوء بوزره صفحات هذا الكتاب، وتكذبه لاشك شواهده"[2].


وقد وظفه نجيب العوفي أيضا في كتابه (جدل القراءة)[3] الذي خصص فيه فصلا للمسرح المغربي تحت عنوان (المسرح المغربي: بانوراما تاريخية)، ينطلق فيه من مرجعيات سوسيولوجية ومنطلقات إيديولوجية من خلال ربط المسرح المغربي في تطوره بتطور الواقع المغربي انعكاسا ومحاكاة وأدلجة. والدليل على ذلك ما يورده نجيب العوفي في كتابه من فقرات متنوعة قصرا وطولا، تحمل في طياتها أبعادا سوسيولوجية وإيديولوجية، تربط المسرح بالرؤى الطبقية التي تعبر عن التفاوت الاجتماعي داخل المجتمع المغربي. ومن ثم، تصدر أحكاما نقدية قريبة من الإيديولوجيا الإسقاطية منها إلى التحليل النقدي الموضوعي "إن الفن المسرحي كان وما يزال يتسم بحساسية فكرية وإيديولوجية فائقة، وذلك لمباشرته وعلاقته الحية والدينامية بالجمهور، متعلما كان أم أميا، بحيث تبدو المسافة بين الوجه والقناع، بين المشهد والدلالة، مسافة دقيقة وشفافة، يسهل اختراقها وإلغاؤها. لهذا، تبدو الكتابة المسرحية مرآة مصقولة تعكس بوضوح المشارب الإيديولوجية والمصالح الطبقية. أي: إن الكتابة المسرحية تصبح على هذا الأساس، سلاحا إيديولوجيا هاما في مجال الصراع الاجتماعي، تحاول كل طبقة أن تستغله لمصلحتها وأهدافها.وهكذا، تبدو الخريطة المسرحية في المغرب موزعة على نحو مأساوي بين السلطة الرسمية من جهة بمؤسساتها وطوابيرها، وبين السلطة المضادة والمقموعة، بتناقضاتها واختلافاتها من جهة ثانية.وفي المسافة الواقعة بين السلطتين، تقوم فئات ثالثة بلعبة الأكروبات الانتهازية على خشبة المسرح المغربي[4]".


هذا، ويقرأ نجيب العوفي في إحدى دراساته المنشورة في كتابه (ظواهر نصية) القصيدة العربية قراءة سوسيولوجية جدلية تربط بين القصيدة العربية وواقعها السوسيوثقافي: "والنموذج القديم الذي ينبغي أن يحاكى ويحتذى، وفق هذا المنظور، مائل هناك في الماضي ومتمثل في النص الجاهلي. تماما كما فعل هوراس الروماني مع النص الإغريقي، حين اعتبره النموذج الأعلى للمحاكاة والاحتذاء. هو إذن صراع بين الثبات والتحول، بين تكريس البنيات السوسيوثقافية والجمود عليها وخلخلة هذه البنيات واختراقها وصولا إلى الخبيء والمنشود.وقد كان عمود الشعر الذي أقام المرزوقي دعائمه النهائية، معادلا لعمود السياسة ومدعما له. كلاهما سلطة آمرة وملزمة، وكلاهما قوام الشيء الذي لا يدوم إلا به...


وعلى الرغم من المحاولات الدائبة التي قام بها دعاة التجديد والابتداع لزعزعة هذا "العمود الحديدي"، إلا أن رسوخه كان أقوى من محاولاتهم وطموحاتهم وكانوا مضطرين، آخر المطاف، إلى أن يعودوا ليستظلوا بسقفه ويطوفوا حوله.ذلك أن البنية السوسيوثقافية كانت قد تشكلت واتخذت صيغتها النهائية منذ صعود الخلافة الأموية، وظلت محتفظة بصيغتها هذه حتى سقوط الخلافة العثمانية.


ولم تتخلخل هذه البنية بعمق وتفقد توازنها إلا بعد الصدمة الكولونيالية والإمبريالية الحديثة بدءا من دوي مدافع نابليون، إلى الدوي الأشد لمدافع متعددة الجنسيات والطلقات.


لقد تحطم العمود السياسي القديم بأمجاده وانتكاساته، وتحطم معه العمود الشعري القديم بأمجاده وانتكاساته أيضا. تفتت الكيان التاريخي والحضاري الذي بمثابة البنيان الشامخ المرصوص، إلى ما يشبه بفسيفساء السريالية، بل إلى ما يشبه لوحة الشطرنج، يحركها لاعبون مهرة. فكانت القصيدة الحديثة بتشكيلها العروضي التفعيلي وبهندستها المعمارية المفتوحة على الاحتمالات والمفاجآت، كانت القصيدة الحديثة صك إدانة ومشروع تأسيس"[5].


وهكذا، يتبين لنا أن نجيب العوفي كان يقرأ المشهد الإبداعي العربي بصفة عامة، والمشهد الثقافي المغربي بصفة خاصة، انطلاقا من رؤية واقعية جدلية قوامها التأويل السوسيولوجي الذي يتسم بالنزعة الإيديولوجية من جهة، والربط بين البنية الأدبية والواقع الاجتماعي ربطا مرآويا من جهة أخرى.

المقاربة البنيوية التكوينية:
ينطلق نجيب العوفي في كتابه (مقاربة الواقع في القصة القصيرة)[6] أو في مقاله (القصة القصيرة والأسئلة الكبيرة)[7] من التصور البنيوي التكويني. وفي هذا السياق، يصرح الباحث: "وبموازاة هذا التفكيك أو ضمنه كنا نقوم بتفكيك البنى الذهنية ذاتها الثاوية في طيات البنى السردية والمنتجة لها. كنا نقرأ الأسئلة المضمرة من خلال الأسئلة المظهرة. نقرأ واقعية النصوص من خلال قصصيتها وقصصيتها من خلال واقعيتها. كنا نقرأ بعبارة واقع القصة المغربية وقصة الواقع المغربي.

يمكن أن نعتبر العملية الأولى (تفكيك البنى السردية) حسب المصطلح الـﮔولدماني فهما... كما يمكن أن نعتبر العملية الثانية (تفكيك البنى الذهنية) وحسب المصطلح الكولدماني (تفسيرا)".

يقسم نجيب العوفي رسالته الجامعية إلى بابين: الباب الأول خاص بالبحث عن الهوية (التأسيس)، والباب الثاني متعلق بإثبات الهوية (التجنيس). ويركز نجيب العوفي في بحثه على أهمية القصة القصيرة في عصرنا، ويطرح هذا الجنس- على الرغم من قصر حجمه- أسئلة وقضايا كبرى. وبعد ذلك، ينتقل لتحديد مراحل القصة المغربية.

فيحصرها في مرحلتين أساسيتين:
القصة القصيرة بين التأسيس والبحث عن الهوية والهم الوطني.
القصة القصيرة بين التجنيس وإثبات الهوية والهم الاجتماعي.

إذاً، يستجلي نجيب العوفي نشأة القصة القصيرة بالمغرب، ويبرز مراحلها وتطوراتها على غرار أحمد اليابوري وأحمد المديني في رسالتيهما الجامعيتين حول الجنس نفسه.

وتمتاز القصة المغربية القصيرة - حسب نجيب العوفي - بميزتين أساسيتين: التأسيس والتجنيس. فقد كان الصراع في مرحلة الحماية حادا بين المغاربة والمستعمر في إطار ثنائية (نحن - الآخر)، وامتدت هذه الفترة ما بين 1940-1956. وكان سؤال القصة القصيرة آنذاك هو سؤال الوطن، والبحث عن الهوية، وأصبحت الوطنية طابعا مميزا لتلك القصة. وكان البطل بالضرورة وطنيا. ولا يعني هذا أن السؤال الاجتماعي مغيب، بل كان ثانويا مقارنة بالسؤال الوطني. ولم يتبلور بعد مفهوم الطبقة الاجتماعية بشكل جلي؛ لأن الأمة كانت هي المبتغى والرهان الأساس. ويعني هذا أن القصة الغالبة في مرحلة الحماية هي القصة الوطنية. فقد انتقدت الاستعمار بكل تجلياته، ونددت بكل أشكال الظلم الاستعماري حتى الاجتماعي منه. وكان أبطال القصة يحلمون بالحرية، ويعملون على تحقيقها. لذلك، كان الوعي عند الشخصيات وطنيا، والرؤية للعالم رؤية وطنية قوامها الكفاح والتحرر من الاستعمار. أما البطل، فكان بطلا بروميثيوسا يقارع الاستعمار قصد تحقيق الحرية لأبناء وطنه.

هذا، ويتجلى الهاجس الوطني عبر فعل الدفاع عن الهوية (البطل البرومثيوسي الوطني)، وفعل الهجوم على الهوية (البطل الاستعماري المضاد). وقد نتج عن هذا الصراع الوطني صدع اجتماعي كان يؤجج الصراع الداخلي لطرد المستعمر من البلاد. ويمكن تفسير هذا المتن القصصي بما كانت تقوم به الحركة الوطنية من دفاع عن الهوية الوطنية، ونشر الوعي الوطني بين أبناء هذا الوطن، وتأطير الطبقة الاجتماعية الكادحة لتنسيق المواقف لمواجهة المستعمر. لذلك، كان الوعي الوطني - في طابعه السلمي والعسكري - مهيمنا على هذه المرحلة.

ويمثل هذه الفترة كل من: عبدالمجيد بن جلون، و عبدالرحمن الفاسي، وأحمد بناني، وعبدالكريم غلاب، وأحمد عبدالسلام البقالي، ومحمد الخضير الريسوني.

إذاً، لقد انطلق نجيب العوفي من عملية التفسير لتبيان العوامل التي أفرزت القصة القصيرة الوطنية إبان المرحلة الاستعمارية، فحصرها في عوامل تاريخية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وبين أن الهاجس الغالب على هذه المرحلة هو الهاجس الوطني الذي يتمثل في البحث عن الاستقلال، وبناء مغرب جديد متحرر ومستقل. و يتماثل هذا مع مكونات عملية الفهم، إذ استخلص بنية دالة هي البحث عن الهوية، والشروع في تأسيسها. وبعد ذلك، استكشف نمط الوعي لدى الشخصيات الذي يكمن في الوعي الوطني؛ لأن رؤية الشخصيات إلى العالم رؤية وطنية محضة.

وإذا كانت الدلالة القصصية مبنية على تيمة الوطن /الهوية، فإن البنية الشكلية تتسم بالحفاظ على البنية التقليدية الموبسانية (البداية و الوسط والنهاية)، وعدم الاهتمام باللغة القصصية، وغلبة أسئلة المضمون على الشكل تماثلا مع هيمنة السياسي على الثقافي على مستوى التـفسير.

هذا، وتبتدئ المرحلة الثانية من أعقاب الاستقلال إلى غاية 1970، وسيمتاز الظرف التاريخي بالصراع الاجتماعي والطبقي (نحن نحن)، ويمثل هذه المرحلة مجموعة من القصاصين المغاربة، أمثال: محمد إبراهيم بوعلو، ومحمد بيدي، ومبارك ربيع، وعبدالجبار السحيمي، ورفيقة الطبيعة، ومحمد زفزاف، وإدريس الخوري، ومحمد شكري، والأمين الخمليشي، ومحمد زنيبر، ومحمد برادة، ومحمد القطيب التناني، ومحمد عزيز الحبابي، وخناتة بنونة، ومحمد أحمد شماعو، وحميد البلغيثي، ومحمد التازي، ومحمد الصباغ.

وفي هذه المرحلة، أصبح السؤال الاجتماعي يطرح نفسه بإلحاح بعد تغير مغرب الاستقلال تاريخيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا، إذ حلت الطبقة محل الأمة، فاتخذ الصراع طابعا طبقيا واجتماعيا بين المغاربة أنفسهم، خاصة بين الطبقة الكادحة والطبقة المسيطرة على وسائل الإنتاج والثراء المادي.

أما عن شخصيات القصة، فهي عادية، يمكن حصرها في شخصية الكادح (الفلاح والعامل) وشخصية المثقف اللتين تعانيان القهر الاجتماعي والقهر الروحي. ومن سمات شخصيات هذه القصة الاجتماعية أنها كائنات إشكالية مهمشة تعبر عن مجتمع مشتت.

علاوة على هذا، يبدأ العوفي هذه المرحلة الثانية بعملية التفسير، إذ يحدد العوامل التي تحكمت في متن التجنيس، ويحصرها في ما هو تاريخي وسياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي. وإذا كان الواقع يعج بالصراع الطبقي والاجتماعي، فإن هذا يتناظر مع الصراع الذي نجده في المتن القصصي، حيث تهيمن تيمة المجتمع / الهوية التي تتمثل دلاليا في السعي الجاد نحو إثبات الهوية الاجتماعية، وتأسيس المغرب الاجتماعي. ويعني هذا أن تطور القصة القصيرة المغربية متواشج ومتفاعل مع تطور البرجوازية الصغيرة، وتطور الأحداث المرجعية. أي: إن القصة المغربية في بعديها الوطني والاجتماعي كانت مرآة عاكسة للواقع المغربي، لكن بطريقة غير مباشرة أو غير آلية.

وإذا كانت دلالة القصة في المرحلة الثانية دلالة اجتماعية، فإن بنية الشكل تشير إلى بطولة هامشية مقهورة، و اختلاف في المنظورات الواقعية لدى القصاصين، والمحافظة إلى حد كبير على بنية السرد الكلاسيكي، مع تنويع البنى والأعاريض السردية، واستخدام مكثف للمنولوج، والميل نحو الاقتصاد في توظيف الشخصيات والفضاءات واللغة القصصية.

المقاربة الانطباعـية:
يرتكز المنهج الانطباعي على استخدام الذوق الفني والجمالي، والانطلاق من معايير ومقاييس تأثرية مصدرها القلب والعاطفة والوجدان. ومن ثم، تتسم أحكام هذا النقد بالتعميم، والإطلاقية، والتسرع في إبداء الآراء الشخصية، والميل إلى الاختصار والابتسار في تحليل المعطى الأدبي والفني. ويرتبط النقد الانطباعي بالمقال الصحفي من جرائد ومجلات، ويتخذ طابعا تعريفيا مختزلا يقوم على تلخيص النص، بذكر مضمونه العام، و رصد جوانبه الدلالية والفنية، والابتعاد عن التحليل المفصل والمسهب، والاكتفاء ببعض الإشارات الفنية التي تتعلق باللغة والحوار والأسلوب والتركيب والإيقاع والصورة البلاغية أو بجوانب فنية سردية أو درامية...

وتتمثل هذه القراءة الانطباعية بالخصوص في المقدمات التقريظية التي يكتبها نجيب العوفي للمبدعين والكتاب. لذا، تستوجب هذه المقدمات الاختصار والإيجاز والتكثيف والتشجيع المعنوي، بتوظيف صيغ التفضيل والتكرار والتمييز والتعجب والمفعول المطلق، والتعبير عن مجموعة من الانطباعات الذاتية والانفعالية، كما يتبين ذلك واضحا في مقدمة (ندف الروح) لإسماعيل البويحياوي:" وقد لقيت القصة القصيرة جدا، في الآونة الأخيرة، إقبالا كبيرا من لدن المبدعين الشباب الذين تألق بعضهم في كتابتها تألقا كبيرا.

وإسماعيل البويحياوي، في رأس هؤلاء، وهو واع جدا بقواعد لعب وصنعة هذا الفن الأدبي. يبدو ذلك جليا من خلال لغته الإيحائية المكثفة والسلسة، وموضوعاته المتنوعة المثيرة والشائقة، وإحساسه القصصي المرهف بالأشياء. يقول البويحياوي في تصدير مجموعته (أشرب وميض الحبر) "أريدها قصة قصيرة جدا، مشعة بمعان ودلالات ومقاصد كبيرة جدا جدا". وكذلك الأمر عند البويحياوي، قصر في المحكي والحكي، والجملة الحكائية، وثراء في الدلالات والإيحاءات والمعاني. وفي الجرم الأصغر ينطوي الجرم الأكبر، كما يقول المعري.

تتنوع وتتفاعل الهموم والأسئلة الحكائية التي تدور عليها قصص البويحياوي، من ذاتية واجتماعية وسياسية ووجودية. لكن القالب القصصي يبقى دوما قصيرا جدا، وأنيقا جدا، وسلسا جدا، وممتعا جدا.

وفي مجموعته الجديدة (ندف الروح)، يواصل إسماعيل البويحياوي رحلته الجديدة مع القصة القصيرة جدا، بلغة نضرة يانعة السنابل، تنضح شعرية وسلاسة وخفة دم. والمجموعة، كما يقول استهلال الإهداء، عبارة عن ندف قصصية ملتقطة من رحم الروح والذاكرة"[8].

وهكذا، يمطرنا نجيب العوفي في هذه القراءة الانطباعية بمجموعة من الأحكام الذاتية التي تتعلق بذاتية الناقد الحاكم، مثل: (لغة نضرة يانعة السنابل، تنضح شعرية وسلاسة وخفة دم/ لكن القالب القصصي يبقى دوما قصيرا جدا، وأنيقا جدا، وسلسا جدا، وممتعا جدا). فهذه القراءة تأثرية وانطباعية لاعتمادها على الذوق والذات والتأثر، ولجوئها إلى الاختصار الموجز والمكثف في القراءة والتحليل والتقويم؛ لأن حيز التقديم يفرض على الناقد المقدم أن يختصر في كتابته الوصفية، ويقدم في حق المبدع مقدمة تقريظية مركزة، غالبا ما تكون مقدمة إخوانية انطباعية وتأثرية، تنبني على أحكام ذوقية عامة نابعة من ذات الناقد ووجدانه الشعوري واللاشعوري.

 المقاربـة البويطيقية:
يعتمد نجيب العوفي على المقاربة البويطيقية في كتابه (عوالم سردية) من خلال التركيز على البنى السردية والحكائية والشكلية التي يتضمنها الأدب بصفة عامة، والسرد بصفة خاصة. وهكذا، نجده في تحليله لرواية (ليلة القدر) للطاهر بنجلون يوظف البنيوية السردية في استكناه الأشكال والأساليب من ناحية، وتبني المقاربة الموضوعاتية في استكشاف التيمات الدلالية التي تتحكم في الرواية من ناحية أخرى. وفي هذا السياق، يقول نجيب العوفي: "ستنحو قراءتي أو ستحاول أن تنحو منحى بنائيا- تيماتيكيا، يتعلق حدها الأول برصد نسقية الحكي ووتيرة اشتغاله في الرواية، ويتعلق حدها الثاني برصد شبكة الأسئلة والأطروحات المركزية المهيمنة على ذاكرة الرواية وفضائها. وسأشفع هذه القراءة/ الخطاطة بملاحظات عامة وموجزة تمس جوهر الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية، وتسائل أنطولوجيته وإستراتيجيته"[9].

هذا، ويوظف نجيب العوفي المقاربة البنيوية في دراسته للنصوص الشعرية حين تحليله للقصائد الشعرية المغربية التي تعاملت مع فلسطين، سيما مقاله المعنون بـ(فلسطين النص)، حيث يقول نجيب العوفي:" تتحقق الشعرية في نص ما، حين يثير الانتباه إلى لغته وصيغته، وحين يقوم بسلسلة من الخروقات والانزياحات، إن على المستوى المعجمي أو الدلالي أو الإيقاعي أو الرؤيوي... واللغة الشعرية فيما استعرضناه من نماذج، تخلو من الكثافة الإيحائية والمجازية، وتحيل مباشرة على مراجعها ومداليلها. فهي لغة لازمة وتقريرية تلغي المسافة المجازية والانزياحية بين النص والمرجع وتقلصها. فالنص يقول مرجعه ولا يبدعه. يصفه ولا يكتشفه. ومن هنا تطغى فلسطين المرجع على فلسطين النص"[10].

ولا يعني هذا أن نجيب العوفي يلتزم بالمنهج البويطيقي من ألفه حتى يائه في الدراسة الواحدة، بل يخلطه بمقاربات ووصفات نقدية أخرى، مثل: الموضوعاتية، والمقاربة التاريخية، والواقعية الجدلية...

 المقاربة الفنية:
يعتمد المنهج الفني على استكشاف الخصائص الفنية، وتبيان المقومات الجمالية التي تتسم بها الظواهر الأدبية. ويعني هذا أن الناقد الفني يركز كثيرا على المعطيات الشكلية من جهة، والمقومات اللغوية والأسلوبية والإيقاعية والتركيبية والبنائية من جهة أخرى، دون نسيان المضامين والقضايا والأحداث التاريخية.

وتتجلى هذه المقاربة واضحة عند نجيب العوفي في مقدماته التي كان يضعها لمجموعة من الكتابات الإبداعية كتقديمه لرواية (سيرة للعته والجنون) لجلول قاسمي: "وأزعم أن هذه أول رواية مغربية تتخذ من مدينة جرادة فضاء لها وتيمة. والكاتب على بينة وخبرة بهذا الفضاء، متسقط لأسراره، وسابر لأغواره. والمرء ابن بيئته ومرتعه.

والرواية لذلك عمالية المنحى والمناخ، واقعية النبرة والإيقاع، علما بأن الكاتب ينبه قارءه في البداية إلى أن "الأحداث والأسماء والوقائع من نسج الخيال، وأي تشابه بينها وبين الواقع هو محض صدفة).

وكل رواية هي بالطبع من نسج الخيال واللغة، لكنها أيضا رشح من الواقع وامتداد مجازي له. ومصطلح الرواية، أستعمله هنا بشيء من التحفظ والاحتراس، لأن حجم النص وإطاره الحكائي والبنائي يضيقان قليلا عن الفسحة الدلالية الرحيبة لمصطلح رواية، ويقتربان من مصطلح قصة. وهذه ملحوظة تنسحب على كثير من النصوص الروائية المغربية. ومادام الكاتب قاصدا أن يكتب رواية، فلنضع تحفظنا بين قوسين، ولنجاره في قصده.

هنالك سارد رئيس، مشاهد ومشارك، يقوم بعملية السرد في هذه الرواية، سارد شاب متعلم ومثقف، على بينة من الأمر، يعود إلى بلدته جرادة. وهنالك سارد من درجة ثانية، هو شخصية معمر، الذي يقوم بنفض مكنون ذاكرته حول جرادة وأناسها ووقائعها. وتقوم الرواية بحفر في تاريخ المدينة، ونبش في أخاديدها...كل ذلك ترويه الرواية بسلاسة سردية ذكية، سوى بعض الاختراقات التقريرية والاقتحامية من طرف السارد.

لقد كان المنجم الأسود هو سؤال هذه الرواية وهاجسها الأساس. وقد ظل هذا السؤال معلقا وملغوما إلى آخر الرواية.

وكشفت لنا هذه الرواية المنجمية أخيرا، عن منجم وعود سردية، نأمل أن يستثمرها الكاتب في أعمال لاحقة"[11].

وهكذا، ينطلق نجيب العوفي في مقدمته من منطلقات فنية تجمع بين الدلالة وقراءة الشكل الفني والسردي، من خلال التركيز على البنى السردية والفنية والجمالية والأسلوبية.

المقاربة التاريخيـة:
يستند المنهج التاريخي إلى التحقيب، والتوثيق، والأرشفة، والتصنيف. كما يرصد مختلف المراحل التاريخية التي يعرفها الأدب في صيرورته التطورية، من خلال التشديد على التطور، والمراحل، والتعاقب، والبدايات، والنهايات. ويتم الرصد التاريخي إما بشكل متسلسل، وإما بشكل متقطع، وإما بشكل متداخل.

ومن أهم الدراسات التي استند فيها نجيب العوفي إلى المقاربة التاريخية مقاله عن حاضر القصيدة المغربية، فقد تبنى فيها مقياس التحقيب مع مجموعة من المقاييس الفنية والجمالية والشعرية. وفي هذا النطاق، يقول نجيب العوفي:" نستعمل هنا مصطلح القصيدة المغربية الحديثة بصيغة لا تخلو من تعميم وتقويم، ولابد من أن نحدد ونعين هذا المصطلح حتى تتضح، ولو بشكل نسبي، أبعاد ومعالم الصيرورة التي تمرحلت فيها القصيدة المغربية الحديثة. ونحن مضطرون إلى الاستعانة بالتحقيب الكرونولوجي العقدي، فنقول: القصيدة الستينية - القصيدة السبعينية - القصيدة الثمانينية...

هذا التحقيب الكرونولوجي الاضطراري ليس أكثر من وسيلة نهاجية تمهد لنا السبيل، وتتيح لنا إمكانية مقاربة القصيدة المغربية في تمرحلها وتطورها. أما الزمن الشعري فهو منفلت دوما من إسار الزمن الفيزيقي، متمرد على تقاويمه ومراسيمه، باعتبار أن الشعر، كما يعبر روني شار، هو الكشف عن عالم يظل في حاجة مستمرة إلى الكشف"[12].

بيد أن المقاربة التاريخية تبقى مجرد إطار يستعمله الناقد نجيب العوفي لمقاربة النصوص الإبداعية فنيا وجماليا وبنيويا.

المقاربة السيميوطيقية:
يوظف نجيب العوفي المقاربة السيميوطيقية في تفكيك النصوص الشعرية والسردية معا بغية تركيب بنياتها المضمرة في ضوء معالمها السطحية والعميقة، مستندا في ذلك إلى آليات السيميوطيقا السردية أو مفاهيم البويطيقا والأسلوبية. بتعبير آخر، يتعامل نجيب العوفي مع السيميائيات بنوع من المرونة والسهولة واليسر، ولا يتجافى في التطبيق أو يعسر أو يبالغ في التقيد حرفيا بالمنهجية بحذافيرها النظرية والتطبيقية، بل يجتهد في توظيفها بما يخدم النص بعيدا عن بروكست وسريره الضيق. وهذا ما يتبين لنا جليا حين التعامل مع ديوان (سيرة المطر) لمحمد الأشعري، حيث ينطلق من المقاربة السيميائية المفتوحة على أسلوبية ميكائيل ريفاتير، وسيميائية كل من: بيرس وفرديناند دوسوسير ورولان بارت، مع توظيف العلامات والرموز والإشارات والنسق السيميائي الدلالي. وفي هذا الإطار، يقول نجيب العوفي: "من منظور سيميائي عام، يمكن أن ترصد بداءة الخط البياني للتجربة الشعرية للأشعري، على الأقل من حيث سلمها الدلالي وعلاقتها بالمرجع، من خلال عناوين أعماله الآنفة كعلامات ومؤشرات دالة"[13].

ومن هنا، فقد درس نجيب العوفي عتبة العنوان ومعظم الرموز اللغوية الموجودة في ديوان (سيرة المطر) لمحمد الأشعري، علاوة على استكشاف بنية التضاد والتطابق في الديوان، واستكناه الدلالات والتيمات والرموز المفاتيح، واستقراء اللغة الشعرية في تجلياتها الأسلوبية والتركيبية والبلاغية، متوصلا إلى الخلاصة التالية: "وهكذا، تتحول بلاغة اللغة إلى بلاغة الفضاء والأشياء، من غير أن تفقد هذه اللغة شفافيتها وشعريتها وبلاغتها الخاصة، محققة بذلك المعادلة الصعبة بين الشعري والسردي، والذاتي والموضوعي، من خلال "سمطقة" شعرية بصرية، تغدو فيها اللغة العادية حقلا من العلامات والرموز الملموسة والموحية."[14].

وهكذا، ينطلق نجيب العوفي في هذه الدراسة من توجهات سيميوطيقية مفتوحة في تفكيك الديوان وتركيبه في بنيات دالة كلية.

مقومـات الكتابة النقدية والمنهجية:
تتميز الكتابة النقدية والمنهجية عند نجيب العوفي بمجموعة من المميزات التي تتمثل في طرح الأسئلة الجوهرية، واستعمال لغة إبداعية شاعرية، والمزج بين اللغة الوصفية البيانية الإنشائية واللغة العلمية الموضوعية الرصينة، واستحضار القارئ أو المتلقي دائما في نصه النقدي تمثلا بآليات جمالية التلقي، مع تنويع المقاربات والمناهج النقدية. ومن ثم، فنجيب العوفي لم يتمسك بمنهج نقدي واحد من البداية حتى النهاية، بل يجرب جميع المناهج النقدية واحدة تلو الأخرى لاختبارها، والتثبت من صلاحيتها، وملاءمتها للنص والواقع معا، وقد يجمع بينها في مقاربة نقدية واحدة. ومن هنا، يمكن الحديث عن قراءة متعددة المستويات أو مقاربة متعددة التخصصات. وينضاف إلى ذلك، أن نجيب العوفي يهجر المصطلح النقدي من جنس أدبي إلى آخر أو من حقل علمي إلى آخر. ويعني هذا أنه لا يلتزم بحقل المصطلح ومجاله الخاص، بل يوظفه في مجالات أخرى، كأن يتحدث مثلا عن العروض والإيقاع في مجال السرد والقصة.

علاوة على ذلك، يوظف الناقد نجيب العوفي في قراءاته النقدية العبارات المسكوكة من: حكم وأمثال وأشعار وأقوال مأثورة وحكايات وقصص طريفة، ويسترشد كذلك بالمعرفة الخلفية إمتاعا وإفادة، ويكثر من نغمة التهكم والسخرية والدعابة إظهارا وإضمارا، كما يتبين ذلك جليا في نقده اللاذع لبيان الكتابة عند محمد بنيس، فقد اعتبر بيانه التنظيري أشعر من نصوصه الإبداعية ذاتها[15]. كما يفجر اللغة الوصفية من الداخل حتى تصبح لغة طيعة ومرنة للتعبير عن أفكاره ومعانيه ومقاصده القريبة والبعيدة. وقد استعان نجيب العوفي كذلك بلغة استعارية اشتقاقية قائمة على التوليد والإبداع والانزياح.

ويعني هذا أن نجيب العوفي في مقارباته النقدية يعتمد على الجملة الاستعارية، والكتابة البيانية، واللغة الشاعرية، وبلاغة الاشتقاق والتوازي والتكرار، متخلصا من لغة العلم والمنطق والرصانة الموضوعية، مبتعدا عن تلك المصطلحات الإجرائية التي تغرق الباحثين المتعالمين في عوالم بنيوية أو سيميائية شكلية ومجردة ومغلقة.

خاتمة:
يتبين لنا - مما سبق ذكره- أن نجيب العوفي يعد من النقاد المبرزين في الساحة الثقافية المغربية، وقد تفرد بلغة نقدية خاصة تتميز بالسمة البيانية والاستعارة الشاعرية، إلى جانب امتلاك صاحبها للذكاء الكيس في اختبار النصوص و قراءتها وتذوقها وتحليلها وتقويمها، والتحكم - من جهة أخرى- في المصطلح النقدي توليدا واشتقاقا وتهجيرا وبيانا، وتوظيف قراءة متعددة المستويات أو قراءة منفتحة على مجموعة من المناهج النقدية، دون التقيد بمفاهيمها الإجرائية تقيدا علميا صارما، أو الأخذ بتلابيبها بشكل آلي وسطحي إلى درجة التطبيق التقني أو الحرفي، بل يستخدم قراءة عاشقة تمتح مفرداتها من حقول معرفية ونقدية متعددة ومتنوعة، تذكرنا بقراءة كل من: رولان بارت، و عبدالفتاح كليطو، وعبدالكبير الخطيبي... ويعني هذا أنها قراءة إبداعية عاشقة وشاعرية وزئبقية تتنافى مع المقاييس العلمية الموضوعية؛ لأنها تتمرد عن كل المعايير المألوفة في تفكيك النصوص وتركيبها أو فهمها وتفسيرها وتأويلها.


[1] نجيب العوفي ناقد مغربي من مواليد مدينة الناظور سنة 1948م، وأستاذ جامعي بكلية الآداب بالرباط، كتب القصة القصيرة والنقد الأدبي، من أعماله: درجة الوعي في الكتابة (1980)، وجدل القراءة (1983م)، ومقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية (1987م)، وظواهر نصية (1992م)، ومساءلة الحداثة (1996م).

[2] نجيب العوفي: درجة الوعي في الكتابة، طبع ونشر دار النشر المغربية، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1980م، ص:29-30.

[3] نجيب العوفي: جدل القراءة، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1983م.

[4] نجيب العوفي: جدل القراءة، ص:165-182.

[5] نجيب العوفي: نفسه، ص:836-84.

[6] نجيب العوفي: مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1987م.

[7] نجيب العوفي: ( القصة القصيرة والأسئلة الكبيرة)، الملحق الثقافي، الاتحاد الاشتراكي، المغرب، عدد 303، ص:65؛ وظواهر نصية، نشر عيون مقالات،المغرب، الطبعة الأولى سنة 1992م، ص: 115-117.

[8] نجيب العوفي: (تقطير الحكي)، مقدمة، ندف الروح، إسماعيل البويحياوي، التنوخي للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2011م، ص:10-11.

[9] نجيب العوفي: عوالم سردية، دار نشر المعرفة، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة2000م، ص:24.


[10] نجيب العوفي: ظواهر نصية، ص:36.

[11] نجيب العوفي(مدينة في رواية)، مقدمة، سيرة للعته والجنون، جلول قاسمي، مطبعة تريفة، بركان، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2002م، ص:10-13.

[12] نجيب العوفي: ظواهر نصية، ص:20.

[13] نجيب العوفي: نفسه، ص:53-54.

[14] نجيب العوفي: نفسه، ص:61.

[15] نجيب العوفي: جدل القراءة، ص:123-137.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 77.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 75.39 كيلو بايت... تم توفير 1.65 كيلو بايت...بمعدل (2.14%)]