01-07-2022, 11:37 PM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(159)
الحلقة (173)
صــ 478إلى صــ 483
1762 - حدثني به يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ننسها ) ، نمحها .
وقرأ ذلك آخرون : ( أو ننسأها ) بفتح النون وهمزة بعد السين ، بمعنى نؤخرها ، من قولك : "نسأت هذا الأمر أنسؤه نسأ ونساء" ، إذا أخرته ، وهو من قولهم : "بعته [ ص: 477 ] بنساء ، يعني بتأخير ، ومن ذلك قول طرفة بن العبد :
لعمرك إن الموت ما أنسأ الفتى لكالطول المرخى وثنياه باليد
يعني بقوله : "أنسأ" ، أخر .
وممن قرأ ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ، وقرأه جماعة من قراء الكوفيين والبصريين ، وتأوله كذلك جماعة من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
1763 - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم قالا : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الملك ، عن عطاء في قوله : ( ما ننسخ من آية أو ننسأها ) ، قال : نؤخرها .
1764 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى قال ، سمعت ابن أبي نجيح يقول في قول الله : ( أو ننسأها ) ، قال : نرجئها .
1765 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( أو ننسأها ) ، نرجئها ونؤخرها .
1766 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا فضيل ، عن عطية : ( أو ننسأها ) ، قال : نؤخرها فلا ننسخها .
1767 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال ، أخبرني عبد الله بن كثير ، عن عبيد الأزدي ، عن عبيد بن عمير ( أو ننسأها ) ، إرجاؤها وتأخيرها .
هكذا حدثنا القاسم ، عن عبد الله بن كثير ، "عن عبيد الأزدي " ، وإنما هو عن " علي الأزدي " .
1768 - حدثني أحمد بن يوسف قال : حدثنا القاسم بن سلام قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، عن علي الأزدي ، عن عبيد [ ص: 478 ] بن عمير أنه قرأها : ( ننسأها ) .
قال أبو جعفر : فتأويل من قرأ ذلك كذلك : ما نبدل من آية أنزلناها إليك يا محمد ، فنبطل حكمها ونثبت خطها ، أو نؤخرها فنرجئها ونقرها فلا نغيرها ولا نبطل حكمها ، نأت بخير منها أو مثلها .
وقد قرأ بعضهم ذلك : ( ما ننسخ من آية أو تنسها ) . وتأويل هذه القراءة نظير تأويل قراءة من قرأ : ( أو ننسها ) ، إلا أن معنى ( أو تنسها ) ، أنت يا محمد .
وقد قرأ بعضهم : ( ما ننسخ من آية ) ، بضم النون وكسر السين ، بمعنى : ما ننسخك يا محمد نحن من آية - من "أنسختك فأنا أنسخك" . وذلك خطأ من القراءة عندنا ، لخروجه عما جاءت به الحجة من القرأة بالنقل المستفيض . وكذلك قراءة من قرأ ( تنسها ) أو ( تنسها ) لشذوذها وخروجها عن القراءة التي جاءت بها الحجة من قراء الأمة .
وأولى القراءات في قوله : ( أو ننسها ) بالصواب ، من قرأ : ( أو ننسها ) بمعنى : نتركها؛ لأن الله - جل ثناؤه - أخبر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنه مهما بدل حكما أو غيره ، أو لم يبدله ولم يغيره ، فهو آتيه بخير منه أو بمثله؛ فالذي هو أولى بالآية ، إذ كان ذلك معناها ، أن يكون - إذ قدم الخبر [ ص: 479 ] عما هو صانع إذا هو غير وبدل حكم آية أن يعقب ذلك بالخبر عما هو صانع ، إذا هو لم يبدل ذلك ولم يغير ، فالخبر الذي يجب أن يكون عقيب قوله : ( ما ننسخ من آية ) . قوله : أو نترك نسخها ، إذ كان ذلك المعروف الجاري في كلام الناس ، مع أن ذلك إذا قرئ كذلك بالمعنى الذي وصفت ، فهو يشتمل على معنى"الإنساء" الذي هو بمعنى الترك ، ومعنى "النساء" الذي هو بمعنى التأخير؛ إذ كان كل متروك فمؤخر على حال ما هو متروك .
وقد أنكر قوم قراءة من قرأ : ( أو تنسها ) ، إذا عني به النسيان ، وقالوا : غير جائز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نسي من القرآن شيئا مما لم ينسخ ، إلا أن يكون نسي منه شيئا ، ثم ذكره . قالوا : وبعد ، فإنه لو نسي منه شيئا لم يكن الذين قرأوه وحفظوه من أصحابه ، بجائز على جميعهم أن ينسوه . قالوا : وفي قول الله جل ثناؤه : ( ولإن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ) [ الإسراء : 86 ] ، ما ينبئ عن أن الله تعالى ذكره لم ينس نبيه شيئا مما آتاه من العلم .
قال أبو جعفر : وهذا قول يشهد على بطوله وفساده ، الأخبار المتظاهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بنحو الذي قلنا .
1769 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : حدثنا أنس بن مالك : أن أولئك السبعين من الأنصار الذين قتلوا ببئر معونة ، قرأنا بهم وفيهم كتابا : "بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا" ، ثم إن ذلك رفع . [ ص: 480 ]
1770 - والذي ذكرنا عن أبي موسى الأشعري أنهم كانوا يقرأون : "لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى لهما ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب" . ثم رفع .
وما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول بإحصائها الكتاب .
وغير مستحيل في فطرة ذي عقل صحيح ، ولا بحجة خبر أن ينسي الله نبيه صلى الله عليه وسلم بعض ما قد كان أنزله إليه ، فإذ كان ذلك غير مستحيل من أحد هذين الوجهين ، فغير جائز لقائل أن يقول : ذلك غير جائز .
وأما قوله : ( ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ) ، فإنه - جل ثناؤه - لم يخبر أنه لا يذهب بشيء منه ، وإنما أخبر أنه لو شاء لذهب بجميعه ، فلم يذهب به والحمد لله ، بل إنما ذهب بما لا حاجة بهم إليه منه ، وذلك أن ما نسخ منه فلا حاجة بالعباد إليه . وقد قال الله تعالى ذكره : ( سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ) [ الأعلى : 6 - 7 ] ، فأخبر أنه ينسي نبيه منه ما شاء ، فالذي ذهب منه الذي استثناه الله .
فأما نحن ، فإنما اخترنا ما اخترنا من التأويل طلب اتساق الكلام على نظام في المعنى ، لا إنكار أن يكون الله تعالى ذكره قد كان أنسى نبيه بعض ما نسخ من وحيه إليه وتنزيله .
[ ص: 481 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( نأت بخير منها أو مثلها )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( نأت بخير منها أو مثلها ) . فقال بعضهم بما : -
1771 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( نأت بخير منها أو مثلها ) ، يقول : خير لكم في المنفعة ، وأرفق بكم .
وقال آخرون بما :
1772 - حدثني به الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( نأت بخير منها أو مثلها ) ، يقول : آية فيها تخفيف ، فيها رحمة ، فيها أمر ، فيها نهي .
وقال آخرون : نأت بخير من التي نسخناها ، أو بخير من التي تركناها فلم ننسخها .
ذكر من قال ذلك :
1773 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( نأت بخير منها ) ، يقول : نأت بخير من التي نسخناها ، أو مثلها ، أو مثل التي تركناها .
"فالهاء والألف" اللتان في قوله : ( منها ) - عائدتان على هذه المقالة - على الآية في قوله : ( ما ننسخ من آية ) . و"الهاء والألف" اللتان في قوله : ( أو مثلها ) ، عائدتان على"الهاء والألف" اللتين في قوله : ( أو ننسها ) .
وقال آخرون بما : -
1774 - حدثني به المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن [ ص: 482 ] ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : كان عبيد بن عمير يقول : ( ننسها ) : نرفعها من عندكم ، نأت بمثلها أو خير منها .
1775 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( أو ننسها ) ، نرفعها ، نأت بخير منها أو بمثلها .
1776 - وحدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا بكر بن شوذب ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن أصحاب ابن مسعود مثله .
والصواب من القول في معنى ذلك عندنا : ما نبدل من حكم آية فنغيره ، أو نترك تبديله فنقره بحاله ، نأت بخير منها لكم - من حكم الآية التي نسخنا فغيرنا حكمها - إما في العاجل لخفته عليكم ، من أجل أنه وضع فرض كان عليكم ، فأسقط ثقله عنكم ، وذلك كالذي كان على المؤمنين من فرض قيام الليل ، ثم نسخ ذلك فوضع عنهم ، فكان ذلك خيرا لهم في عاجلهم ، لسقوط عبء ذلك وثقل حمله عنهم ، وإما في الآجل لعظم ثوابه ، من أجل مشقة حمله ، وثقل عبئه على الأبدان ، كالذي كان عليهم من صيام أيام معدودات في السنة ، فنسخ وفرض عليهم مكانه صوم شهر كامل في كل حول ، فكان فرض صوم شهر كامل كل سنة أثقل على الأبدان من صيام أيام معدودات غير أن ذلك ، وإن كان كذلك ، فالثواب عليه أجزل ، والأجر عليه أكثر؛ لفضل مشقته على مكلفيه من صوم أيام معدودات ، فذلك وإن كان على الأبدان أشق ، فهو خير من الأول في الآجل لفضل ثوابه وعظم أجره ، الذي لم يكن مثله لصوم الأيام المعدودات ، فذلك معنى قوله : ( نأت بخير منها ) ؛ لأنه إما بخير منها في العاجل لخفته على من كلفه ، أو في الآجل لعظم ثوابه وكثرة أجره .
أو يكون مثلها في المشقة على البدن واستواء الأجر والثواب عليه ، نظير نسخ الله تعالى ذكره فرض الصلاة شطر بيت المقدس ، إلى فرضها شطر المسجد الحرام . [ ص: 483 ] فالتوجه شطر بيت المقدس ، وإن خالف التوجه شطر المسجد ، فكلفة التوجه - شطر أيهما توجه شطره - واحدة؛ لأن الذي على المتوجه شطر بيت المقدس من مئونة توجهه شطره ، نظير الذي على بدنه مؤنة توجهه شطر الكعبة ، سواء ، فذلك هو معنى "المثل" الذي قال جل ثناؤه : ( أو مثلها ) .
وإنما عنى جل ثناؤه بقوله : ( ما ننسخ من آية أو ننسها ) : ما ننسخ من حكم آية أو ننسه ، غير أن المخاطبين بالآية لما كان مفهوما عندهم معناها ، اكتفي بدلالة ذكر "الآية" من ذكر "حكمها" ، وذلك نظير سائر ما ذكرنا من نظائره فيما مضى من كتابنا هذا ، كقوله : ( وأشربوا في قلوبهم العجل ) [ البقرة : 93 ] ، بمعنى حب العجل ، ونحو ذلك .
فتأويل الآية إذا : ما نغير من حكم آية فنبدله ، أو نتركه فلا نبدله ، نأت بخير لكم - أيها المؤمنون - حكما منها ، أو مثل حكمها في الخفة والثقل والأجر والثواب .
فإن قال قائل : فإنا قد علمنا أن العجل لا يشرب في القلوب ، وأنه لا يلتبس على من سمع قوله : ( وأشربوا في قلوبهم العجل ) ، أن معناه : وأشربوا في قلوبهم حب العجل ، فما الذي يدل على أن قوله : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها ) - لذلك نظير؟
قيل : الذي دل على أن ذلك كذلك قوله : ( نأت بخير منها أو مثلها ) ، وغير جائز أن يكون من القرآن شيء خير من شيء؛ لأن جميعه كلام الله ، ولا يجوز في صفات الله تعالى ذكره أن يقال : بعضها أفضل من بعض ، وبعضها خير من بعض .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|