المؤدى الفني في الشعر الإسلامي بين التنظير والتطبيق - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         كيفية التعامل مع الأعداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 1164 )           »          التربية على الإيجابية ودورها في نهضة الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          زخرفة المساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 70 - عددالزوار : 16843 )           »          لماذا نحن هنا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          يغيب الصالحون وتبقى آثارهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الهواتف الذكية تحترف سرقة الأوقات الممتعة في حياة الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          استشراف المستقبل من المنظور الشرعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 28 )           »          من شبهات اليهود وأباطيلهم «أن تحويل القبلة أنهى مكانـة المسـجد الأقصى عند المسلمين»!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-02-2022, 04:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,992
الدولة : Egypt
افتراضي المؤدى الفني في الشعر الإسلامي بين التنظير والتطبيق

المؤدى الفني في الشعر الإسلامي بين التنظير والتطبيق


د. نبيل قصاب باشي






المُؤدّى الفنيُّ بينَ الابتداعِ والاتباعِ في الشعر الإسلاميِّ:
إن منهج الفن الإسلامي الذي طرحه الكاتب الإسلامي "محمد قطب" في كتابه الشهير" منهج الفن الإسلامي " منذ قرابة نصف قرن مضى، يُعَدّ التنظير الأعرق والأوفق الذي تنطلق منه محاور نظرية الأدب الإسلامي وأدواتها الفنية؛ فما حظ شعراء الأدب الإسلامي من تمثل هذا المنهج واستيعاب محاوره؟ هل فقه شعراء هذا الأدب باستثناء القليل منهم غائية هذا المنهج؟ هل أدركوا المنظور الفني الذي ارتقى به الكاتب ارتقاء بوّأه بحق أن يصنع من الفنان الإسلامي مبدعًا إسلاميًا، يتقن الأداة الفنية التي تسعفه من الانزلاق في هوة التقرير والتكرير والمباشرة؟ هل عقل جل شعراء هذا الأدب تجربة مُنظَّرِ هذا المنهج حينما عرض لها مشيرًا إلى مصيرها وإلى بواعث تأليفه كتابَه؟، يقول قطب: ".. كنت في فترة من الفترات أقول الشعر، وقد ظللت اثنتي عشرة سنة أو تزيد أقول في معنى متكرر، كلما اتجهت إلى الكتابة وجدتني أكتب في نفس المعنى، وإن اختلفت المشاعر المباشرة الدافعة إلى التعبير "[1] ويفسر الكاتب أزمة ضياعه الفني حتى ينتهي إلى القول: " ثم وجدتني دون قصد مني أنصرف عن قول الشعر "[2].

لقد أدرك "قطب" غائية الفن الإسلامي الأصيل مُلمّحًا إلى أن الجمال الفني لا يكون في تداول المعنى وتكريره؛ وهل تكرير المعنى سوى تعطيل لملكة الإبداع، وتجهيل وقتل لثقافة المبدع والمتلقي على حد سواء؟ إن الشاعر المقلّد ناقل أمين فقط لما طرحه السلف وما يطرحه الخلف، وليس في ذلك فضل؟ وليست هي رسالة المبدع التي يتوخاها منهج الفن الإسلامي.

إن منهج الفن الإسلامي يسعى إلى توخّي الجمال وتصيّده، واقتناص فرائده موازنًا بين جمال الشكل وجمال المضمون، في منظومة علائق بلاغية صادمة للحس والخيال على حد سواء، ولا يتأتى ذلك من اجترار المعاني وتكريرها؛ وما لم يتسلح المبدع بأدوات فنية جديدة؛ فإنه سيتخلف عن معطيات الثقافة الحضارية، وسيجد نفسه تلوب في مكانها، وسيظل عاجزًا عن التصدي لتقاناتها الحديثة.

إن نواتج منهجية قطب الفنية في محصول طائفة من النتاج الشعري الإسلامي مازالت خاوية، لم تقدّم حتى اليوم حصيلة تجاربها التي ربت على نصف قرن؛ وليست العلة في المنهجية؛ وإنما العلة في التقصير أو العجز أو التخلف عن استيعابها وتمثلها. وهذه إشارة إلى خواء ثقافة بعض المبدعين الإسلاميين الفنية، وتقاطعهم مع أدبيات منهجهم الفني الذي بسطه "قطب" في كتابه. وهذا بالتالي يجرنا إلى الحديث عن نواتج إشكالية هذا التقاطع والبحث في علته وأزمته.

إن أفظع نواتج هذا التقاطع هو قتل الذائقة الفنية الناجم عن نصوص مكرورة المعنى، باهتة في علائقها البلاغية، وإنها لأشد وأنكى من قتل الذائقة الناجم عن تذوق نصوص حداثية متطرفة، وكلاهما يسهمان في إغلاق ملكة المبدع والمتلقي وإزهاقها، ويحجبان عنها متعة التفتيش والإدهاش. وهذا ما يمضي بنا بادئ ذي بدء إلى التذكير بغائية الجمال الفني التي انطلقت منها محاور نظرية الفن الإسلامي.

يرى "قطب" أن الجمال على إطلاقه هو منزع رئيس من منازع النفس الإنسانية، يتأتى في توخي الجمال المنثور في الكون والحياة، والذي يتمشى مع ناموس الوجود، وهذا الجمال مطلق من الضرورة خلقه الله لنذوق متعته فحسب؛ إن الإنسان في التصور الإسلامي ينشد الجمال لأنه فطرة الله في خلقه. وعليه ينبغي أن يتملى المبدع هذا الجمال، في إطار من التوازن، لا تتغلب فيه شهوة الجسد على ملكة العقل، ولا ملكة العقل على واقع الأرض، ولا عالم الروح على عالم الحس؛ وهذا التوازن ينبثق منه فن إسلامي يوازن بين " عالم الضرورات القاهرة وعالم الأشواق الطائرة "[3] وبغير هذا التوازن يتأطر الجسد في جمود المادة، وتتأطر الروح في رهبانيتها، ويتأطر العقل في جفاف التفكير الذهني؛ وبذلك يشتط المبدع عن غائية الجمال في الفن، فينعكس ذلك سلبًا على عواطف النفس الإنسانية، وتنقطع صلتها بجاذبية الفن ومتعته.

إن الفن فكرة صامتة تصيح بإيحاءاتها لا بمعانيها.. تشف بدلالاتها وترف بإشاراتها فحسب؛ لا فكرة مثرثرة برمجها العقل ونسقها المنطق، تقدم لنا المعاني جاهزة على طبق من ذهب.

إن الفن ومضة خاطفة تنبثق من باطن النفس، فتعوم على سطحها عومًا نحاول أن نتغور أعماقه، لعلنا نتلمّس من بين ومضاته برقًا ينذر بالغيث، لكن لا نستطيع أن نتنبأ بالأرض التي سوف تحضن هذا الغيث، ولا بالأزهار والأشجار التي ستنتشر في مختلف البقاع والأرباع، ولا بالألوان والظلال التي سيختارها مُنزِل هذا الغيث ومُبدِع جماله. وقد يكون برق هذه الومضة برقًا خُلَّبًا يمضي بنا إلى سراب، ويضرب بنا في غياهب من ضباب. وبين البرقين مفترق طريق بين جمود التقليد وجديد الحداثة، وبين هذين البرقين أيضًا مفترق طريق آخر بين الحداثة الإيجابية والحداثة السلبية. وفي كلتا الحالتين ينبغي أن نستطلع الملامح الجمالية في المؤدى الفني للأدب الإسلامي، والمدى الذي حظي به سلبًا أو إيجابًا.

إننا سنُمنَى بخيبة أمل إذا تبين لنا أن جل شعراء الأدب الإسلامي، يعتقدون أن الفن الإسلامي هو الدعوة إلى الإسلام، في إطار من الحِكَم والمواعظ والإرشادات أي: في إطار من المعاني الجاهزة والأفكار المتمنطقة. إن في هذا الاعتقاد فهمًا ضيقًا للدين والفن على حد سواء. يقول قطب: "إن الدين يلتقي في حقيقة النفس بالفن، فكلاهما انطلاق من عالم الضرورة، وكلاهما شوق مجنّح لعالم الكمال، وكلاهما ثورة على آلية الحياة"[4]. فالفن عند قطب انطلاق من عالم الضرورة... شوق مجنح.. ثورة على آلية الحياة.. ويرى أيضا أن الإنسان إذا تلبّدت نفسه، يمر مرورًا آليًا على هذا الكون، فيتجمد شوقه العلوي، ويضيّق على نفسه المنافذ، فلا يرى نفسه منطلقة مجنّحة، مرفرفة في عالم الجمال، إنه " قد أغلق نفسه دون عالم الفن والجمال وبالتالي يكون قد أغلق نفسه دون عالم العقيدة "[5].

فقطب يربط بين الفن والعقيدة؛ لأنهما يلتقيان في أعماق النفس كما يلتقيان في عالم الوجود، ثم تجده ينتهي إلى القول الصريح: "الفن الإسلامي ليس بالضرورة هو الفن الذي يتحدث عن الإسلام، وهو على وجه اليقين ليس الوعظَ المباشر، والحثَّ على اتباع الفضائل، وليس هو كذلك حقائقَ العقيدة المجردة، مبلورةً في صورة فلسفية، فليس هذا أو ذاك فنًا على الإطلاق "[6] فالفن الإسلامي في منهج قطب" هو الذي يرسم صورة الوجود من زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود.. هو التعبير الجميل عن الكون والحياة والإنسان[7].."

إن الفن الإسلامي يتناول ما يجري في هذا الوجود تناول استشعار واستشفاف بحس المؤمن الجميل المنطلق في عالم الجمال من شتى نوافذه المطلة على فضاءات الحق والجمال. إن" قطبًا " لا يقبل من المبدع أن يتناول شخصية الرسول وهو الأعلى مقامًا أو سيرتَه أو أيةَ غزوة من غزواته أو أية حقيقة من حقائق العقيدة في معزل عن التعبير الجميل الذي ينطلق من حقائق الوجود من خلال التصور الإسلامي لهذا الوجود، " كأنْ يصور المبدع الحق حقيقة النبوة بأنها إشراقة كونية، أو حقيقة واصلة بين السماء والأرض، تسير بقدميها على الأرض، وترفرف بروحها في السماء.. فحين ذاك يكون فنه إسلاميًا صادق التصوير لحقائق الإسلام "[8]. أما أن يؤطر دلالة النبوة في أفكار وسير نبوية؛ فذلك فن لا يكون إسلاميًا على حد تعبيره . فالأفكار المجردة والقوالب الذهنية في منظومة العلائق البلاغية القديمة، تخرج من دائرة الفن الإسلامي الذي ينشد الجمال الفني. والجمال الفني لا يكون في إطار الإبداع المعجب إذا أسرف الفنان واشتط في التقريرية المباشرة والنمطية المكرورة، إنه يفقد بهتته ودهشته، فيعطل في نفس المتلقي ردة فعله الجاذبة الماتعة، فينحرف بذلك مبتعدًا عن غائية الفن الإسلامي.

إن "الفنان هو العدسة الكاشفة التي تكشف عن حقائق الأشياء الباطنة التي لا تراها العين" [9]ولعل "ومضة واحدة في لحظة خاطفة.. تفعل في النفس مالا تفعله أجيال من التجارب والأحاسيس والثقافات والاطلاعات التي توسع مدارك النفس، وتعمق صلاتها بالكون والحياة"[10].

إن كثيرًا من شعراء الأدب الإسلامي لم يفقهوا آلية هذه العدسة التي تفيض أطيافها بشتى ألوان الجمال وظلالها الممتدة في أعماق الأشياء والموجودات التي ينبغي أن يراها المبدع بعدسة بصيرته وحسه، لا بعدسة عينه وبصره. ويكفي أن تنفذ هذه العدسة إلى بواطن الأشياء نفوذًا خاطفًا، يترك في نفس المتلقي أثرًا عميق المدى والفضاء، يجعله أكثر صلة بالكون والحياة.

إن تقوقع كثير من شعراء الأدب الإسلامي في بوتقة الوعظ المباشر، يحجب عن النفس موحياتها، فيرتكس حُداؤها الصاعد عن نبش ما في طاقة الإنسان من مكنونات. يقول قطب: "الإسلام حداء إلى الصعود. والفن الإسلامي أحد الموحيات القوية للنهوض والحركة والصعود. ولكن بالإيحاء بما في طاقة الإنسان من مكنونات..."[11].

فلسفة الجمال الفني في نظرية الأدب الإسلامي:
كيف تناول الإسلام فلسفة الجمال بوجه عام؟ وما مدى تمثل الشاعر الإسلامي محاورَ هذه الفلسفة وملامحها؟ وهل للفنان المسلم أن يختار الأداء الفني الذي يشاء؟ وما حدود معايير أدواته الجمالية؟؟


ينطلق الإسلام في فلسفة الجمال بوجه عام من دأب القرآن الكريم على التنبيه الدائم إلى مواطنه في كل مشهد من مشاهد الكون والطبيعة، والحض على تذوقه وتوخيه فالله جميل يحب الجمال. ويذكر "محمد قطب" مُنظِّرُ منهجية الفن الإسلامي أن الباعث إلى تأليف كتابه هو ما كان يتحراه في كتاب الله عز وجل باحثًا عن إشارة لتذوق معاني الجمال ومجالاته المتعددة المتنوعة، حتى وجده في التوجيه الفني والجمالي الذي لمسه في تنبيه الإنسان إلى ما في هذا الكون من جمال، وإلى ما في كتاب الله من صياغة جميلة معجزة في التعبير عن هذا الجمال بحيث يتسق جمالها مع جمال هذا الكون. ويتحدث "قطب" عن فرحته العظيمة يوم أن هزت نفسه هذه الآية: ï´؟وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَï´¾ [النحل: 6][12]

إن لفظة الجمال فتحت للكاتب آفاقًا مشرقة ومنافذ عدة من التأمل والتدبر.[13]ورأى أن القرآن الكريم استعرض بعض مشاهد الطبيعة فأفاض في تعدد أنواعها

وألوانها "واستخدم لبيان التنويع أداة فنية معينة هي تنويع السياق، ليساعد على استنكاه التنويع في الطبيعة"[14]. ويعلق على قوله تعالى: ï´؟ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ ï´¾ [الأنعام: 99] لم يقل هنا كلوا من ثمره لأن السياق سياق استشفاف لمواطن الجمال وألوانه، قال: " انظروا بعيون مفتوحة وحس مستشرف لتملي الجمال.. لأن المعرِض معرِض الجمال المبثوث في الطبيعة والقدرة القادرة التي تبدع الجمال"[15] وانظر أيضًا إلى قوله تعالى: ï´؟ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ï´¾ [الفرقان: 45] [16] إن القرآن الكريم هنا لا يلفت النظر إلى الطبيعة بقدر ما يوجه النظر إلى الجمال: الجمال الطبيعي الذي يتعانق مع جمال التعبير وأثر هذا الجمال في النفس والحس.

وانظر أيضا إلى قوله تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ï´¾ [النور: 39، 40] "[17] إن القرآن الكريم يرسم لوحة تشكيلية رائعة من لوحات الظلام في مشهد من مشاهد الطبيعة ليس لعرض المشهد فحسب " وإنما لتصوير حالة الظلام النفسي الذي يورثه الكفر للنفوس فإنه أمدنا بلوحة طبيعية رائعة يتملاها الحس والخيال ويعمل فيها الفن بحرية وانطلاق "[18].

وبعدُ،،
فكيف يتناول الفنان المسلم ملامح هذا الجمال؟ وهل هو حر في اختيار أدواته الفنية؟ وهل استطاع أن يستوعب هذه الأدوات ويتمثَّلَها خير تمثيل؟

إن غائية الفن الإسلامي كما ألمحنا مرارًا هو " أن يعرض الحياة كلها من خلال المعايير الجمالية.. وألوانُ الجمال لا حدود لها فهي لا تقف عند حد الحس ولا تنحصر في قالب محدود "[19] وإذا كانت أولويات الفن الإسلامي إبرازَ دور العقيدة في حياة الإنسان كما يرى "قطب" فإنه ينبغي على الفنان أن يحتاط الاحتياط الكامل من أن يصبح خطابه خطابًا وعظيًا أو قوالبَ فلسفية جامدة تنحرف بفنه عن طريقته وأهدافه وميدانه الخاص.[20] ويرى أنه " ليس من الضرورة أن تُذكَر العقيدة صراحة أو أن يُذكَرَ الدين؛ وإنما تُرسَمُ الحياة من خلال العقيدة وأثرِها في النفوس "[21] إذن هل من الضرورة أن يتقيد الفن الإسلامي بالموضوعات القرآنية وأغراضها التعبيرية وطرائقها الفنية؟

إن الفن الإسلامي كما يرى"قطب" ليس مقيدًا بالموضوعات القرآنية ولا بأغراض التعبير القرآنية ولا بطرائق التعبير"[22] إن طرائق التعبير ومضامين موضوعاتها متاحة أمام المبدع الإسلامي "فهو حر في اختيار موضوعه وفي طريقة أدائه وفي اختيار النسب والأبعاد والأضواء والظلال في كل لوحة مفردة يرسمها مادام لا يخرج عن النسب العامة التي ترسمها مفاهيم القرآن الكونية الكبيرة"[23].

فشرط قطب إذن هو أن تتطابق مقاييس الجمال الفني مع مقاييس الجمال الكوني الذي يستند إلى التناسق الملحوظ لا إلى العبثية والفوضى "فالنجم طليق في مساره الصحيح خفيف الحركة رشيق الانطلاق لكنه لا يخرج عن مساره ويصطدم بغيره من الأفلاك"[24]؛ وحال الفنان المبدع الملتزم حال النجم سواء بسواء ينبغي أن ينطلق في عوالمه المرفرفة ناشدًا الجمال، مختارًا ما يشاء من طرق أدائه، ولمحات تعابيره ورشاقة تصاويره؛ لكنه لا يخرج به ذلك عن التناسق الجميل إلى الفوضى المنفّرة والعبث الاعتباطي.

رؤية نظرية الأدب الإسلامي في التلاقح الثقافي الفني:
توافق جل نقاد الأدب الإسلامي على التواصل مع فنون الأدب الحديثة والاقتباس من معاييرها الجمالية؛ وقد نصّتْ مبادئ رابطة الأدب الإسلامي العالمية على أن "الأدب الإسلامي يفتح صدره للفنون الأدبية الحديثة، ويحرص على أن يقدمها للناس وقد برئت من كل ما يخالف دين الله عز وجل، وغنيت بما في الإسلام من قيم سامية وتوجيهات سديدة"[25] ولا يرفض الدكتور عماد الدين خليل أيضا أن يتعانق منهج الأدب الإسلامي مع آداب الأمم والجماعات والشعوب فيأخذ منها الصيغ التي تضيئ هذا المنهج، ولا يرى أن يغفل الدارس "عاملاً منها مادام يخدم هذا التوجه الشمولي ولا يرتطم في أساسه ببداهات العقيدة وتوجهاتها، فالأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص بالتقييد كما تقول القاعدة الفقهية"[26]. وهو التوجه نفسه الذي طرحه محمد قطب في " منهجه " قبل نصف قرن مضى حين لم ير حرجًا من الاستمتاع بالفن العالمي الذي قد تغاير مسيرته الفنية منهج الفن الإسلامي لكنها قد تتوافق معه أيضًا، وقد يكون فيها لون من ألوان الجمال.[27] ونحن نرى أن نقتبس من معايير الفنون العالمية الحديثة كل ما يتوافق مع طبيعة الفن الإسلامي ومذاهبه الأدبية.

فالحداثة الإيجابية التي ننشدها، ونرى فيها توافقًا مع معاييرنا الجمالية أمر لا ينبغي أن ندير ظهورنا له، ونخسرَ بتجاهلنا له نوافذ عدة نطل منه على أدوات الجمال الفني الجديدة.

إنه لا ضير أن نقتبس من معايير الحداثة ما يمنح نظرية أدبنا الإسلامي حركة ثقافية متنوعة، يندفع فيها التوهج بأطيافه الجمالية المتنوعة، ويقتلعنا من حال الركون والسكون إلى معايير مفعمة بالحركة، ممتدة في اتساعاتها ومداراتها.

إن تجديد الحياة الفنية، وضخ ماء جديد في أوصالها، يجعلها أكثر نضارة، وأمتع حلاوة، بما سيتمخض عن جديد مائها من جديد النبات والثمر، ولا ضير أن نضخ هذه الحياة بجديد الحداثة الغربية؛ ف " قطب " لا يرى حرجًا من أن يلتقي جميل هذا الجديد مع منهج الفن الإسلامي، ولا يرى أن ننبذ هذا النتاج العالمي الضخم، أو أن نمتنع عن قراءته ومدارسته، والاستمتاع بما فيه من جمال جزئي.[28]

إذن لا ضير أن نستعير أدوات هذا الجمال الجزئي في أدبيات فنوننا الإسلامية؛ وإذا كان "قطب" يلمّح بذلك إلى جمال المضامين الذي ينبثق من تصور معين للكون والحياة والإنسان، فإن جمال الأداء الفني أولى وأشد ضرورة؛ لأن المبدع في رؤيته حر في اختياره الأداء الذي يشاء، في إطار الحفاظ على المفاهيم العامة للجمال في التصور الإسلامي كما ألمحنا إلى ذلك من قبل .

إن الركون إلى مساحة من الجمال الفني أعني التراوح في ميادين العلائق البلاغية القديمة يقتل في النفس الحركة الجاذبة لكل مدهش وعجيب؛ وحين يصبح الجمال مألوفًا في الحس والخيال، يعطّل مدارك النفوذ إلى المشفوف من مكنوناته المخبوءة، وجولاته الماتعة التي تتقفى أسرار إيحاءاته ومغاورها العميقة.

إن الطبيعة تعلمنا أسرار الجمال الذي فطرت عليه، فتقدمه لنا في أزياء مختلفة من الزمان والمكان... فهذا مشهد واحد تفتنّ الطبيعة في عرضه:
إنه الشمس مثلاً التي تفتن في زيها، فتبدو جميلة حين تنسلخ أول الفجر من الليل، فتنشق رويدًا رويدًا، تكشف عن برقعها الجميل على استحياء؛ ثم تتزيا زيًا آخر عندما تعرض جمالها في وضح الضحى الساطع؛ ثم تذهب بك بعد طول سطوع في النهار إلى شفافية الغروب الذي يتأنق في وشاح ألوانه الشفقية. وكم تبدو الشمس جميلة حين تتمنع عن الظهور قليلاً خلف غيمات متناثرة في الفضاء هنا وهناك، كأنها خريدة حسناء تشتط في غنجها متوخية إثارة غيرتك، ناهيك عن جمال غروبها في مشهد بحري، أو جمال اختفائها وراء واحة من الأشجار، أو تواريها الأخير وراء قمة شامخة من شواهق الجبال، أو بين مهاوي شعابه، أو وراء الامتداد الواسع من كثبان الرمال الضاربة في مجاهل الصحراء.

إنك لتشعر بحميمية واشجة، وأنت غارق في قزحية هذه الألوان وأطيافها المختلفة في مخلوق طبيعي واحد في هذا الكون؛ لهذا لا غرابة أن نستشعر هذه الحميمية العميقة في قولة النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا ليتني كنت شجرة تعضد "[29] أو قولته في جبل أحد: " هذا جبل يحبنا ونحبه "[30].

إنه استشعار بحقيقة الجمال، وانسجام ضارب في عالم الأشواق مع الأشياء والأحياء؛ إنه تفسير فطري لطبيعة النفس التي فطرت على حب الجمال، ولطبيعة أجسامنا الماكثة في الأرض المرفرفة بأرواحها إلى السماء.

المؤدى الفني بين تنظير المنهج ونواتج التطبيق:
هل امتثل شعراء الأدب الإسلامي لثقافة هذا المنهج الذي طرحه قطب منذ نصف قرن؟ وهل استطاع مؤداه الفني إثراء الأدب الإسلامي وبلورة نظريته النقدية؟

هذا هو السؤال الذي تنتهي إجابته عند المفارقة الواضحة بين تحديث المؤدى الفني في الأدب الإسلامي وبين التنظير والتطبيق.

لقد استعرضنا فيما سلف المحاور الأساسية لنظرية هذا المنهج من حيث التنظير في الكشف عن معاييره وأدواته الفنية، وبقي أن ننظر في تمثل هذا التنظير بعد مضي نصف قرن تقريبًا على طرحه.

إن الإجابة على هذا السؤال في هذه العجالة لن أوفيها حقها تمام الوفاء وهي أقرب ما تكون ورقة بحث ليس غير. لكني سأجتهد اجتهاد المقل لا الممل.

أزعم أن فريقًا كبيرًا من شعراء الأدب الإسلامي لم يتمثلوا هذا المنهج خير التمثيل والتطبيق، ولم يستطيعوا هضمه واستيعابه وامتلاك أدواته الفنية وإدراك أبعادها الجمالية؛ بل تراهم شذر مذر في مؤداهم الفني. ولا ضير أن يكون شعراء اتجاه عريض من اتجاهات الأدب مختلفي المنازع والأهواء في اختيار المؤدى الفني لطرائق أساليبهم الأدبية؛ لكن العجز والقصور عن تحقيق أدنى معايير الجمال في هذا المؤدى أمر يحتاج إلى بيان واستقصاء.

لقد تأملت أعدادًا كثيرة من "مجلة الأدب الإسلامي" التي تصدرها رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وعرجت على نماذج منها، ابتداء من العدد الخامس عشر، وانتهاء بالعدد الثاني والخمسين، أتدبر قراءة نصوصها الشعرية قراءة أناة وتأمل، متحريًا النظر في مؤداها الفني، ومفتشًا عن أسرار جمالها، وطرافة صورها البكر، والافتنان في تناول مضامينها. وقبل أن أقدم النواتج التي انتهيت إليها يحسن بي أن أقدم نماذج من نصوصها الشعرية وأقتطف منها ما تتيحه لي هذه العجالة في هذه المجلة، عازفًا عن ذكر أسماء أصحابها:
1- ع15ص87[ الغربة]:
غربة الإسلام عادت من جديد
وقبضنا الجمر في عزم عنيد

نحن نمضي والرزايا حولنا
تمطر الركب ببرق ورعود

لا نبالي سخر القوم بنا
أم تلقونا بباقات الورود

نحن أغراب على درب الهدى
نقتدي بالنجم في خطو وئيد



2- ع19 ص43[ تأمل]:
لي في حياتك أمتي آياتُ
ولنا إذا عبس الزمان عظاتُ

في عصر مبعوث الإله إلى الورى
سمت الحياة وجادت الثمرات

والراشدون الأولون أئمة
صيد على نهج الرسول دعاة

والتابعون لهم بخير بعدما
حل الفساد وجاءت الشبهات



3- ع20ص45[ابتهالات]:
إلهي فك عن قلبي قتاما
وهيئ في رحابك لي مقاما

فإن يشرق بهاؤك في ضميري
وأوليت المحبة والسلاما

أكن يا خالقي في الخلق عبدًا
أناب إليك إذ صلى وصاما




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17-02-2022, 04:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,992
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المؤدى الفني في الشعر الإسلامي بين التنظير والتطبيق


4- ع25 ص97 [عندما تبوح الجراح]:
قلب جريح في الدماء سيغرقُ
ومشاعر تسبى وحينا تعتقُ

إن الصديق إذا تقادم عهده
خان الوداد وقد يخون الأوثق

لا تنكروا.. هذي الجراح تقول ما
فعل الصديق ودمعها يتدفق

أخفيت دمعا قد بدا ومشاعرًا
فضحتك أبيات تنوح وتشرق

قلت المصائب قد تنوء بحملها
فتساعد الأبيات قلبًا يخفق






5- ع28ص28[عرس شهيد]:
أنت " رامي " ودرة ومحمدْ
وأزيز الرصاص والكون يشهدْ

مت بل عشت فالشهادة جسر
لحياة أعلى وأغلى وأرغد

والذي يدرك الشهادة ضيف
عند باريه في الجنان مخلد

يصطفيه الرحمان فهو المجلي
في الحياتين والكريم المسود

يا قباب الأقصى التي نفتديها
إننا عائدون والعود أحمد

في زحوف يقودهن همام
هو رام ودرة ومحمد

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17-02-2022, 04:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,992
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المؤدى الفني في الشعر الإسلامي بين التنظير والتطبيق


6- ع41ص26[وكيف يغرد السرب]:
من يدفع السرب كي يشدو على الوترِ
بين الخمائل والأضواء والقمرِ

يا راية المجد من يعليك مكرمة
يرنو بلهفته للمجد والظفر

قد أطلق القوس والأرماح غاضبة
كي يشعل الأرض من جمر ومن شرر

يعانق الفجر أنوارا معطرة
فيها من الذكر والآيات والسور

يسابق الطير في الأجواء سابحة
حينا وآخر بين الدوح والشجر

يمضي وقد ملأ الأرجاء قاطبة
من شعره طيب الأغراس والثمر

كي ترتقي أمة الإسلام من وهن
تعلو ذرا المجد بين الخلق والبشر



7- ع 48ص49 [العيد في أريحا]:
العيد أقبل لا بشر ولا طربٌ
ولا سرور ولا ضحك ولا جذلُ

المسلمون بأرض الله قاطبة
في غاية السعد لا شكوى ولا ملل

لكننا في أريحا في أسى وضنى
وضيق حال وبؤس ما له مثل

إنا نعيش حياة لا سرور بها
في كل شبر لهيب الموت يشتعل

العيد جاء وولى دونما فرح
والحال فينا له قد يسقط الجبل

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 17-02-2022, 04:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,992
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المؤدى الفني في الشعر الإسلامي بين التنظير والتطبيق

متى تعود فلسطين بكاملها
لأهلها كي ينام القلب والمقل


8- ع49ص9 [يا حامل القرآن]:
ماذا أخط إذا أتى القرآنُ
نورًا به كل الدنا تزدانُ

يا حامل القرآن علمنا الهدى
كي نستبين إذا أتى الطوفان

علم لنا الأجيال من قرآننا
فالنور ذكر في الدجى رنان

علمهم الترتيل روحانية
بين الليالي إن أتى رمضان

حتى يفوزوا بالجنان وبالرضا
ونصيبهم من قبلها الغفران

هذا هو القرآن في أنواره
عبق تذوب بحبه الأجفان

دوما يعطرنا بأنسام الصفا
فإذا الوجود تلفه الأفنان

وإذا الوجود مسبح ترنيمة
سبحانك اللهم يا رحمان



9- ع52ص19[غدر اليهود]:
جن اليهود فأشعلوها نارا
عادت عليهم خيبة وتبارا

شعب الجبابرة الذين عرفتهم
خاضوا الحروب ودوخوا الفجارا

ما آمنوا بالله والإسلام إلا
زادهم إيمانهم إصرارا


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17-02-2022, 04:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,992
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المؤدى الفني في الشعر الإسلامي بين التنظير والتطبيق

أبطال جالوت وحطين الألى
طلعوا على هام الزمان فخارا


10- ع52ص49[الحب]:
الأرض تسجد والجبينْ
لله في حب ودينْ

فالحب دنيا أشرقت
آفاقها بالساجدين

الحب نور مؤمن
يأوي لصدر المؤمنين

الحب نجوى المتقين
الحب شكوى الصابرين



لقد آثرت في قراءة هذه النصوص أن أضمها في محورين: ذاتي وموضوعي؛ تنوعت مضامينهما بين دينية ووطنية واجتماعية ووجدانية لنلاحظ كيف اختار شعراؤها نمطًا واحدًا من الأسلوب التقليدي تحسبها كأنها لمبدع واحد يكرر نفسه ويدور في فلك صياغة واحدة في شتى المضامين.

لقد كانت هذه النصوص نماذجَ واضحةً للمباشرة والتقريرية في التعبير والتصوير. ويحسن بنا أن ننبه هاهنا أنه ليس في التقريرية والمباشرة عيب فني إذا كان لدى المبدع طاقة إبداعية يؤدي فيها المعنى أداء لا يخلو من طرافة وإدهاش. وشعرنا العربي قديمه وحديثه متخم بفرائد المعنى التي يغني جمال تفردها عن جمال ديباجتها الفنية، وشفيف إشاراتها الدلالية، وإيماءاتها الإيحائية. ولكن أن تخلو هذه النصوص مما يعجب ويغرب، وتنتكس في رتابتها المملة، فهذا ما نرغب أن نلفت إليه نظر المبدع كي يقلع عما هو فيه، ويخرج من فلك الآخرين، ليكون له فلك خاص، تسبح فيه نجومه ومداراته فحسب.

لقد تواكبت تراكيب هذه النصوص تواكبًا نمطيًا في رتابتها التقليدية، وجمود مائها، واصطفت ألفاظها باهتة عارية تمامًا من أية ومضة من ومضات الإيحاء المشف، والإشارات المرفرفة بأطياف دلالاتها، والمتوهجة بلألآء حروفها.إنها ألفاظ في غاية التسطح والرتابة لا ماء فيها ولا حياة، ناهيك عن خلوها من الديباجة المشرقة، والسبك الأصيل، والتركيب الرصين، إنها تفتقر لأدنى المعايير التقليدية. وارتكس الخيال فيها ارتكاسًا كسيحًا تقوقع في صور مألوفة باهتة؛ هذا فضلاً عن العيوب الأسلوبية كالألفاظ المترادفة التي أتخمت بها بعض النصوص من أجل الوصول إلى القافية نحو: (الأضواء والقمر /المجد والظفر/ الجمر والشرر/ الذكر والآيات والسور/ الدوح والشجر / الخلق والبشر) و (لا طرب ولا سرور ولا ضحك ولا جزل / لا شكوى ولا ملل).

وتشتط هذه النصوص في اجترار الرموز الباهتة والتشابيه والاستعارات المكرورة التي لا تزال في مخيلة آلاف الشعراء منذ خمسة عشر قرنًا نحو: (البرق والرعود، والأوراد، والنجم، وعبوس الزمان، والقتام، والقلب الجريح، والغرق في الدماء، والنور المعطر، ولهيب الموت ن ونور القرآن ن والقرآن يأتي، ورمضان يأتي، والقرآن يعطرنا بالأنسام، واشتعال النار، والأرض تسجد، والحب نور، والأبيات (الشعرية) تنوح، وتحرق، وتساعد القلب المخنوق).

إنها نصوص صبت في موسيقا بحورها الشعرية ليس غير، لم تذهب بنا في الخيال البعيد الذي يقتنص الصور البكر، فتصدمنا تحليقاته المجنحة في إطار من العلائق البلاغية الجديدة.

دعونا نؤكد مرة أخرى أن طرافة المعنى ربما تغني كما أشرنا سابقًا عن جمال التصوير ورشاقة التعبير، لكنْ أي فضل في معاني هذه النصوص وأية صياغة حديثة تحمل بصمتها المتميزة؟ إنها معان شتى تعاورها الشعر العربي منذ أكثر من عشرة قرون، فكيف تمثل مثل هذه النصوص حداثة في التعبير والتصوير تفضي إلى الجمال المتوخى في مؤداها الفني؟ أليس في مثل هذه النماذج ارتكاس لنظرية منهج الفن الإسلامي الذي دأب "قطب" على فلسفة أدواتها الفنية؟.

إن مثل هذه النماذج تقتل فينا الذائقة الفنية، وتغلق علينا منافذ مخزوننا الثقافي الفني فلا نستطيع أن نصول ونجول في تفسير أسرارها الجمالية، فنحن أمام نصوص خاوية من أدوات الجمال الفني، تحجبنا تمامًا عن الغوص في مجاليها، وتؤطر فلسفة تذوقنا ومخزوننا النقدي في إطار مغلق، لا نستطيع أن ننفذ منها إلى اكتشاف أية منظومة بلاغية فيها، تكتظ بالمصطلحات الجمالية أو المعايير الفنية، بحيث تغني نظرية النقد في مصطلح الأدب الإسلامي وتثري محاورها الفنية.

إن مثل هذه النماذج يفضي بنظريتنا النقدية إلى العجز والجمود والتخلف عن مسيرة النقد الفني بعامة. ليس للمعاني ولا للألفاظ هنا أي فضل يرتجى في عالم الأدب، وليس تعريضنا لها من قبيل التحليل والتفسير والنظر في مسألة تفضيل اللفظ على المعنى أو تفضيل المعنى على اللفظ؛ فموضع النظر في هذه المسألة أتخم بحثًا وتنظيرًا في موروثنا البلاغي على امتداد أربعة قرون ابتداء من الجاحظ ومرورًا بالخطابي والرماني والجرجاني وانتهاء بالرافعي.. تلك مسألة مضت وانتهت، فنحن اليوم أمام مسائل نقدية ونظريات فنية وفلسفات جمالية تفرعت وتشعبت وغارت في مذاهبها الفنية غورًا بعيدًا، ينبغي أن نتهدّى إليها ونحذق أدواتها، ونحسن اقتناص ما فيها من جمال، واقتباس ما يتوافق مع أدبيات نظرية نقدنا العربية والإسلامية عل حد سواء.


[*] [ملحوظة: اعتمدت هذه الدراسة في جل إحالاتها على كتاب "منهج الفن الإسلامي" للكاتب الإسلامي "محمد قطب" لحسبانه المرجع الأشهر والأسبق لنظرية الأدب الإسلامي]
[1] قطب. محمد: منهج الفن الإسلامي 8 ط4 دار الشروق القاهرة 1400هـ 1980م
[2] المصدر السابق: المقدمة 8
[3] المصدر السابق 42 45
[4] المصدر السابق 5
[5] المصدر السابق 6
[6] المصدر السابق 6
[7] المصدر السابق 120
[8] المصدر السابق 124
[9] المصدر السابق 78
[10] المصدر السابق 130
[11] سورة النحل 6
[12] قطب. محمد: منهج الفن الإسلامي 139بتصرف
[13] المصدر السابق 147
[14] المصدر السابق 147
[15] سورة الفرقان 45
[16] سورة النور 39
[17] المصدر السابق 153
[18] المصدر السابق 135
[19] المصدر السابق 134
[20] المصدر السابق 134
[21] المصدر السابق 141
[22] المصدر السابق 141 بتصرف يسير
[23] تعريف رابطة الأدب الإسلامي العالمية ص5 ط4 1425 ه 2004م
[24] مجلة الأدب الإسلامي العدد 15 لعام 1418ه 1997م
[25] قطب. محمد: منهج الفن الإسلامي 183
[26] المصدر السابق 183 بتصرف يسير
[27] المصدر السابق
[28] المصدر السابق
[29] قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم (( إني أرى مالا ترون وأسمع مالا تسمعون إن السماء أطت وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدًا لله؛ والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاَ ولبكيتم كثيراَ وما تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله؛ والله لوددت أني كنت شجرة تعضد.)) رواه الترمذي (2312)، وابن ماجة (4190) وفي رواية أخرى عن أبي ذر. " قال أبو ذر: يا ليتني كنت شجرة تعضد ": بصيغة المجهول، أي تقطع وتستأصل، وهذا نشأ من كمال خوفه من عذاب ربه، رواه أحمد والترمذي وابن ماجه. قال التوربشتي رحمه الله: قوله يا ليتني هو من قول أبي ذر، ولكن ليس في كتاب أحمد ممن نقل هو عن كتابه: " قال أبو ذر "، بل أدرج في الحديث، ومنهم من قال: قيل هو من قول أبي ذر وقد علموا أنه بكلام أبي ذر أشبه، والنبي أعلم بالله من أن يتمنى عليه حالا هي أوضع مما هو فيه. ثم إنها مما لا تكون، قال الطيبي رحمه الله تعالى: في جامع الترمذي وجامع الأصول هكذا " تجأرون إلى الله لوددت أني شجرة تعضد "، وفي رواية أن أبا ذر قال: " لوددت أني شجرة تعضد "، ويروى عن أبي ذر موقوفًا، وفي سنن ابن ماجه كما في المتن ونسخ المصابيح قال أبو ذر: " يا ليتني إلى آخره ".

[30] باب أحد //جبل يحبنا ونحبه // رقمه في صحيح مسلم /1392/ وفيه: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا سليمان بن بلال عن عمرو بن يحيى عن عباس بن سهل الساعدي عن أبي حميد قال خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك وساق الحديث وفيه ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني مسرع فمن شاء منكم فليسرع معي ومن شاء فليمكث فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة فقال هذه طابة وهذا أحد وهو جبل يحبنا ونحبه. وروي بطرق أخرى.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 117.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 113.74 كيلو بايت... تم توفير 3.73 كيلو بايت...بمعدل (3.18%)]