مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 410 - عددالزوار : 151937 )           »          أبت كبدي لا أكذبنْكَ قتالَهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          ملخص كتاب: لماذا لم أتشيع - الأول: المقدمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 574 )           »          سلسلة ‘أمراض على طريق الدعوة‘ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 2993 )           »          قالت هو من عند الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          {وإذا حُييتم... } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          حسرات المجرمين والظالمين يوم القيامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          العقوبات التربوية المفيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 81 )           »          شرح دعاء الغضب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          شرح الدعاء للمتزوج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأخت المسلمة
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-08-2024, 04:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,420
الدولة : Egypt
افتراضي مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية

مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية(1) «الـــتــفــــــاهــــم والــحــــــــوار»





التفاهم: هو أن يفهم القوم بعضهم بعضا، والحوار: هو نوع من الحديث بين شخصين يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة ما
احرص على الاحترام المتبادل، وتجنب الاحتداد وعلو الصوت، وألا يكون جدالاً يثير الكراهية والعداوة
الأسرة هي المؤسسة الأولى والأساسية من بين المؤسسات الاجتماعية المتعددة المسؤولة عن إعداد الطفل ليكون عنصراً صالحاً فعّالاً في المجتمع، ولكن لا تخلو أي أسرة من وجود مشكلات عديدة لسبب أو لآخر وبدرجات متفاوتة، وقد تؤدي هذه المشكلات إلى تفكك الأسرة وانفراط عقدها، ولكن إذا تم تشخيص الداء سهل وصف الدواء؛ لذا كان لابد من التعرض لبعض المفاهيم التي غابت عن حياتنا الأسرية التي على أساسها تبنى العلاقات السوية وتستمر، ونتناول ذلك في سلسلة أسبوعية نحاول من خلالها تسليط الضوء باختصار على كل مفهوم لعله يكون طوق نجاة لكثير من الأسر التي غابت عنها هذه المفاهيم، ونبدأ بأهم هذه المفاهيم وهو ( التفاهم والحوار).

(التفاهم والحوار)، هما لغة الإسلام، والقرآن الكريم هو دستور المسلمين ومصدر عقيدتهم وشريعتهم وقد اتخذ التفاهم والحوار منهج ليعلمنا استعماله في جميع مجالات حياتنا من أجل الوصول لقناعة عقلية وارتياح نفسي واطمئنان وجداني لكي نعيش في إخاء وتواصل وأمن وأمان وحب وسلام، ويجب علينا اتباعه عند بحث القضايا والمشكلات، فهو قائم على لغة هادفة تلون الحياة بطعم مميز، فالتفاهم والحوار هما أساس في عملية التواصل الإنساني، ونجاح واستمرار أي علاقات، وانعدامهما سبب رئيس لسريان الملل، وتفاقم المشكلات، وضياع الأبناء وبحثهم عن ملجأ آخر غير الأسرة لإشباع احتياجاتهم، فإن تنشئتهم في جو يفتقد الحوار الإيجابي والتفاهم يؤدي إلى ظهور أجيال تستمر في ممارسة التسلط وفرض الرأي وعدم احترام الآخر، ولكن أحياناً وللأسف حتى مع وجود الحوار فإن الرجل يفرضه على زوجته، وهما معاً يفرضانه على أبنائهم ويقرران النتائج كما يريدانها وكما يتصورانها وما على الابن إلا أن يصغي ويبارك وإلا فإنه سيوصم بالتمرد وعدم الطاعة.

أصل مفهوم التفاهم والحوار

التفاهم: هو أن يفهم القوم بعضهم بعضا، والحوار: هو نوع من الحديث بين شخصين يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة ما، فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب، ومما لا شك فيه أن كل واحد من المتحاورين لا يقتصر على عرض الأفكار القديمة التي يؤمن بها؛ وإنما يقوم بتوليد الأفكار في ذهنه، ويعتمد على توضيح المعاني المتولدة من خلال عرض الفكرة وتقديمها بأسلوب علمي مقـنع للآخر؛ بحيث يظل العقل واعياً طوال فترة المحاورة ليستطيع إصدار الحكم عليها، سلباً أو إيجابا؛ً فهو ليس أداة تعبير لغوي فقط، بل الحوار هو أداة التعبير الذاتي.

التفاهم والحوار في القرآن الكريم

هذا المفهوم يتسم باتساع دائرته وتعدد قضاياه في القرآن الكريم، فنحن بحاجة إلى الحوار ليفهم بعضنا بعضاً فنتحاور مع أبنائنا لنعظهم ونذكرهم بالله سبحانه وتعالى كما ورد لسان لقمان عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان:13)، وإبراهيم عليه السلام وحواره مع أبنائه عندما وصّاهم بالتمسك بالدين في قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (البقرة:132) ويظهر في لهجته مع أبنائه من تحبب وتقرب يدلان على أدب رفيع في الحوار مع الآخرين؛ فالإنسان يحـب أن يعبر عما بداخله وينتظـر من غـيره الإنصـات لـه.

التفاهم والحوار في السنة والنبوية

عن أبي أمامه أن فتى شابا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا (مه، مه) فقال: ادن، فدنا منه قريبا. قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: والناس لا يحبونه لأخواتهم. قال: أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: «اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وأحصن فرجه»، فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء (رواه أحمد)، نلاحظ أنالرسولصلى الله عليه وسلم ، لم يستخدم أسلوب اللوم أو العقاب، وإنما استخدم أسلوب الحوار والمناقشة، وطرح الأسئلة، ليدع المجال للأخر للتفكير في أمره، ولاحظوا معي هذه النقاط بالنسبة لهذا الموقف: المجالسة، الرفق، الاحتواء، الحوار، السؤال، الاستماع، الاختيار، الذات، القناعة، الحوافز، الدعاء، واللمسة الأبوية وهذه هي أصول الحوار وقواعده. فالحوار هو غذاء عقول يقبل الناس عليه إقبالهم على غذاء البطون لذلك فإن الأب الذكي هو الذي يختبر اهتمام زوجته أو ابنه بحديثه قبـل التوغـل في حوار معهم، ويحاول استثارة اهتمامهم بموضوع الحوار، فإن وجد منهم أذنًا صاغية واصل الحوار، وإلا كفّ عنه، إلا أن يكون واجبًا شرعيًا لابد من إبلاغهم به. فبراعته تكمن في جعل كلماته صُوَرًا تتدفق أمام ناظري الطرف الآخر، مبتعدًا عن الرمزية والغموض، باحثًا عن الكلمات والعبارات التي تسمع وترى في آن واحد؛ فالحوار ليس مطلوبا لذاته كما هو الشأن في الخطاب المعاصر وإنما المراد هو الوصول إلى نقاط ارتكاز مشتركة بين الأسرة تؤسس لتفاهم أكبر على المستوى الحيـاتي والنشاط الإنسـاني، وبدء الحوار بالسؤال يعطي المسؤول الفرصة حتى يعبر عما في نفسه، ولا يبدأ بالهجوم قبل أن يعرف ما عند الطرف الآخر، فمعظم الناس لا يسمعون بعضهم بعضا سماعا كافيا؛ لهذا ينشأ الخلاف بينهم.

أسس الحوار الناجح

وهناك بعض الخطوات التي ترسم لنا آفاق المستقبل الناجح وتظلل حياتنا العملية وبيوتنا بأجواء التفاهم والحوار بعيداً عن القلق والاضطراب ومخاوف الهزيمة والفشل وهي:

- إعطاء الظروف النفسية وزنها، فالإرهاق، والجوع، ودرجة الحرارة، وضيق المكان قد تؤثر على الحوار سلباً فتبتره.

- لا تستأثر بالحديث، كن مستمعا بارعا، أحسن الاستماع، لا تقاطع من تحاور حتى لو كنت على حق؛ بل شجعه على الحديث كي يقابلك بالمثل.

- احرص على الاحترام المتبادل، وتجنب الاحتداد وعلو الصوت، وألا يكون جدالاً يثير الكراهية والعداوة، وأن يكون فرصة لطرح الآراء ومناقشتها وأن يتم تقبل الآخر وتجنب اتباع أسلوب الاستهزاء، وكذلك عدم التسرع في إصدار الأحكام.

- تجنب عرض نقاط الاختلاف عند البدء بالحوار لأنه يوقف الحوار من أوله أو يحوّله إلى منحنى التحدي، وتكون نصرة الذات لا بلوغ الحق هي الهم الأوحد.

- اعترف بالخطأ، ومن ذا الذي لا يخطئ؟ قال الرسولصلى الله عليه وسلم «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» (صححه الحاكم)، فحري بنا أن نبدأ بتطبيق فنون الحوار لتتحول حِواراتنا الأسرية إلى حِوارات إيجابية نافعة مثمرة.



اعداد: إيمان الوكيل



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21-08-2024, 04:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,420
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية

مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية(2) التـــضحــيـــة والإيــثــــــار


التضحية الممزوجة بالبر تتجلى في أسمى معانيها عندما سلَّم إسماعيل عليه السلام رقبته لأبيه ولم يخف لحظة وهو يقترب من الموت

البيوت السعيدة المتماسكة التي ظهرت فيها روح التضحية والإيثار عند ارتفاع أذان الفجر يتحول البيت كله إلى خلية نحل نشيطة
الأسرة هي المؤسسة الأولى المسؤولة عن إعداد الطفل ليكون عنصراً صالحاً فعّالاً في المجتمع، ولكن لا تخلو أي أسرة من وجود مشكلات عديدة لسبب أو لآخر وبدرجات متفاوتة، وقد تؤدي هذه المشكلات إلي تفكك الأسرة وانفراط عقدها، ولكن إذا تم تشخيص الداء سهل وصف الدواء؛ لذا كان لابد من التعرض لبعض المفاهيم التي غابت عن حياتنا الأسرية التي على أساسها تبنى العلاقات السوية وتستمر، ونتناول ذلك في سلسلة أسبوعية نحاول من خلالها تسليط الضوء باختصار على كل مفهوم لعله يكون طوق نجاة لكثير من الأسر التي غابت عنها هذه المفاهيم ، ونتناول اليوم المفهوم الثاني من هذه المفاهيم وهو (التضحية والإيثار) .

التضحية المتبادلة بين الزوجين ركن مهم من أركان السعادة الزوجية؛ ذلك لأن الحياة الزوجية بمعناها الحقيقي حياة عطاء، حياة قوامها واجبات على كل طرف من الأطراف قبل أن تكون حقوقًا لكل من الزوجين، ومن ذلك كان لزامًا على كل من الزوجين أن يتنازل طوعًا عن كل ما كان ينعم به من حرية شخصية ومن استقلال قبل الزواج، وعلى كل منهما أن يضحي عن طيب خاطر، وأن يكون شعار الحياة الزوجية التضحية المشتركة، فلا يشعر أحد الزوجين بأنه يضحي في حين أن الآخر يضن بالتضحية، ومن لم يكن لديه القدرة على التضحية، فعليه أن ينتحي ناحية من الجبل وينعزل عن الناس، وأن لا يطرق باب الزواج.

ولكي يتمكن الزوجان من الظفر بحياة زوجية سعيدة وهنيئة عليهما أن يتسما سويا بالتضحية؛ لأن التضحية تعد من بين أهم أسرار نجاح العلاقة الزوجية، سواء تعلق الأمر بالمرأة أو بالرجل، فنجاح العلاقة الزوجية يعود بالأساس إلى تضحية أحد الطرفين، حتى تستطيع السفينة أن ترسي على بر الأمان، وعلى الزوجين أن يتفقا على أنه لنجاح العلاقة الزوجية لابد من تواجد التضحية والتنازل في أحيان كثيرة، والتغافل في الكثير من الأحيان؛ لأن التفكير والتركيز والتدقيق في الأمور أو المشكلات الصغيرة يعد من بين الأشياء التي تلحق الضرر الكبير بالعلاقة الزوجية؛ كونها مشكلات لا تخدم البتة الزوجين.

التضحية في القرآن والسنة

أمثلة كثيرة، ونماذج رائعة ذكرها لنا القرآن الكريم لا يمكن أن تتكرر بحال من الأحوال في تاريخ البشرية إلا أن يشاء الله؛ لأنها نماذج ربانية رباها الله وصنعها على عينه.

أسرة نبوية تربت على التضحية

بيت نبوي، وأسرة ربانية تربت على التضحية فهذه هاجر الأم والزوجة لم تتردد رضي الله عنها في البقاء وحدها وفي رقبتها رضيع في صحراء مقفرة لا تعرف ما يحمل لها الغد، ولكنها توقن بمن يملك اليوم والغد فتقولها صادقة لزوجها إبراهيم عليه السلام بعد أن قال لها: إن الله هو الذي أمر بهذا، إذن لن يضيعنا وانصرف إبراهيم عليه السلام عنهم وهو يدعو ربه: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}، (إبراهيم : 37، 38) .

وهذه التضحية الممزوجة بالبر تتجلى في أسمى معانيها عندما سلَّم إسماعيل عليه السلام رقبته لأبيه ولم يخف لحظة وهو يقترب من الموت، وتدنو منه سكين أبيه الذي اعتصر هو أيضاً مشاعر أبوته وضحى بها انصياعاً لأمر الله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (الصافات : 102).

ولم يخلُ تاريخ النساء العظيم من روائــع بالتضحية والإيثار، فقد ضحت أم سلمة بشمل الأسرة ، وتحملت فراق الزوج والولد في سبيل الـهـــجـرة إلى الله تعالى.

ولا يـخفى جهد أسماء وعناؤها أثناء الهجــرة وتضحيتها بابنها عبد الله بن الزبير في سبيل نصرة الحق .

أسس التضحية

التضحية علاقة مشتركة بين الطرفين فلابد أن تكون من كلا الطرفين حتى لا تتسمى بالتضحية الغبية، ولابد أن تكون مقترنة بهدف سامٍ، وأن يتخللها شيء من الصبر والحكمة والعقل، وغالبًا إذا اقتصرت التضحية على طرف واحد تكون النتيجة سلبية؛ حيث تعود الشخص الذي يُضحَّى من أجله على الأنانية، فهناك أمور وحقوق أساسية للمرأة لا يمكن التنازل عنها، وكذلك الرجل، فلابد من التوازن بين الطرفين وعلى كل طرف أن يعرف حقوقه وواجباته ليؤديها على أكمل وجه دون انتقاص من حق الشريك.

أثر التضحية والإيثار في استقرار الأسرة وسعادتها

نجاح الحياة الزوجية يبنى على مقدار فهم كل طرف من أطراف هذه العلاقة للشريك الآخر، وعلى مقدار نجاح كلا الطرفين في تقديم التنازلات، وبذل التضحيات على كافة الأصعدة الجسديَّة والعقلية والعاطفية والنفسية والاجتماعية يكون قدر هذا النجاح، إلا أن بذل أحد الطرفين لهذه التضحيات والتنازلات بمعزلٍ عن مشاركة الآخر له قد يؤدي إلى عدم نجاح هذه العلاقة، ولاسيما عندما يكون ذلك في بداية الحياة الزوجية التي يكون فيها كل طرف غير قادرٍ على فهم الآخر وذلك لحداثة التجربة واختلاف طباع كلا منهما.

وقد أظهرت نتائج دراسة حديثة تم إجراؤها في جامعة سان فرانسيسكو الأمريكية أن الدافع وراء التضحية الزوجية هو العامل الأساسي في نجاح العلاقة والشعور بالاستقرار وهذه النتيجة تم التوصل إليها بعد سؤال 162 شخصا عما إذا كانوا يشعرون بالاستقرار في حياتهم الزوجية، وإذا ما ازدادت سعادتهم مع شركاء حياتهم بعد تقديم التضحية من أجل شريك الحياة أم لا.

التضحية والإحساس بالآخر

البيوت السعيدة المتماسكة التي ظهرت فيها روح التضحية والإيثار عند ارتفاع أذان الفجر يتحول البيت كله إلى خلية نحل نشيطة، الكل يضحي براحته لأجل الله، فتكون بداية اليوم بصلاة جامعة يلفها الخشوع والأمل، وبعد الصلاة لا يعود الجميع إلى دفء الفراش ولذة النوم تاركين الأم وحدها تقوم بمهام اليوم، بل يؤدي كل فرد منهم عملاً، فتخف الأعباء عن الأم، ويموت شعورها بالظلم والقهر من أن الزوج والأبناء يستغلونها بلا رحمة ولا أحد يضحي من أجلها، وهي منبع التضحية والأبناء في هذه الصورة لا ينسون في غمرة طموحاتهم أنهم ينتمون إلى بيت وأسرة يستحقان منهم بعض الوقت والجهد فلا يتقوقعون على أنفسهم، ولا يتعاملون مع الأب بوصفه ممولا والأم بوصفها خادمة .. ويتنازلون عن مطالبهم إذا تعارضت مع مصلحة الأسرة وعن طيب خاطر، فالأسرة المسلمة تحتاج إلى هذا الإحساس السامي، وهذه الروح الراقية، ولا يكون ذلك إلا من خلال التضحية والإيثار.

فهيا نراجع أنفسنا، ونفسح في بيوتنا مكانًا أوسع للتضحية، ونسد السبل أمام الطمع والأنانية وكل الأخلاقيات الرديئة التي تؤدي إلى فرار البركة والمودة والسعادة من بيوتنا ونفوسنا، وإنه لما ضلت التضحية إلينا الطريق تفشى سرطان الأنانية في جسد الأسرة، وفتك بها، وأدى ذلك إلى تفككها وتمزيق صفوفها، وأبى الحب والنجاح والاستقرار أن يزور الأسرة؛ بسبب انتشار العداوة والكراهية الناجمة عن تضخيم الذات أو ترديد العبارات الانهزامية ، كـ«أنا ومن بعدي الطوفان»، أو «كل يبحث عن مصلحته»، فالتربية الصحيحة تتطلب التضحية بأشياء كثيرة في سبيل إسعاد الأسرة والمجتمع، بل هي تبلغ القمة بالتضحية بالنفس عند الاقتضاء لتحقيق السعادة بإيثار غيره على نفسه ، وتقديم مصلحة الأسرة على مصالحه الشخصية عندما تتعارض المصالح، امتثالاً لقوله[: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» (رواه الترمذي) .



اعداد: إيمان الوكيل


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-11-2024, 06:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,420
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية

مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية(3) «الصــبـــر»




الأسرة هي المؤسسة الأولى المسؤولة عن إعداد الطفل ليكون عنصراً صالحاً فعّالاً في المجتمع، ولكن لا تخلو أي أسرة من وجود مشكلات عديدة لسبب أو لآخر وبدرجات متفاوتة، وقد تؤدي هذه المشكلات إلى تفكك الأسرة وانفراط عقدها، ولكن إذا تم تشخيص الداء.. سهل وصف الدواء؛ لذا كان لابد من التعرض لبعض المفاهيم التي غابت عن حياتنا الأسرية التي على أساسها تبنى العلاقات السوية وتستمر، ونتناول ذلك في سلسلة أسبوعية نحاول من خلالها تسليط الضوء باختصار على كل مفهوم لعله يكون طوق نجاة لكثير من الأسر التي غابت عنها هذه المفاهيم، ونتناول اليوم أحد هذه المفاهيم وهو (الصبر).
(الصبر) هو مفتاح لجميع الأبواب المغلقة، وأول خطوات السعادة الأسرية، وأوسع عطاء للزوجين تنبسط به الحياة، ونور وضياء لهما في حياتهما يتحملان به المشاق، وتهون عليهما الصعاب فحاجتهما إليه ملحة في كل شأن من شؤونهما، فهو قوة نفسية لتخطي الآلام والأزمات والتغيرات والأخطاء التي تمر بها سفينة الحياة الزوجية، ولهذا جاء في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: «ما أعطى أحد عطاء أوسع ولا خيراً من الصبر».
ولكي ننجح في استمرارية علاقة زوجية ناجحة فعلينا أن نضيء حياتنا بالصبر؛ لأنه أهم ركيزة من ركائز بناء العلاقات الناجحة، وهو أمر مطلوب ولاسيما لو أدرك كل طرف من العلاقة أن شريكه يختلف عنه كثيراً، فالصبر أهم خطوة في حل النزاع وبقاء الودّ ومقاومة الفشل ولاسيما في بداية الزواج فهذه أكثر فترة في الحياة الزوجية تحتاج إلى صبر من الزوجين حتى تمر بسلام؛ فإنهما يكونان غير متفاهمين بالدرجة الكافية، ويحاولان التأقلم على العيش معاً رغم اختلاف الطباع والصفات.
الصبر في القرآن والسنة:
أوصى الله المؤمنين بالصبر في سبيل المحافظة على الكيان الواحد في آيات كثيرة قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال:46)
امرأة خلدها التاريخ في صبرها مع زوجها عليه السلام، وهي (ليا) زوجة أيوب عليه السلام، فقد كان عليه السلام أحد أغنياء الأنبياء، كانت (ليا) قد آمنت مع أيوب وبدعوته، فكان عليه السلام برا تقيا رحيما، يحسن إلى المساكين، ويكفل الأيتام والأرامل، وكان شاكرا لأنعم الله عليه، مؤديا لحق الله عز وجل، ورزقه الله البنين والبنات ما تقر به عينه ولا يحزن، وأوسع عليه وعلى زوجته من الرزق شيئا مباركا، وفضلهما على كثير من خلقه، إلا أنهما خضعا لامتحان رباني فيما آتاهما الله، قال الحسن رحمه الله: ضُرب أيوب بالبلاء ثم البلاء بعد البلاء بذهاب الأهل والمال، وصبر أيوب عليه السلام وصبرت زوجته صبرا جميلا، إلا أن أيوب قد ابتلي في جسده، ومسه الضُر وطال بلاؤه ومرضه أياما وأعواما، وهو في ذلك كله صابرٌ محتسب، ذاكر الله في ليله ونهاره وفي كل وقت، طال مرضه عليه السلام حتى كاد ينقطع عنه الناس، ولم يبق أحدٌ يحنو عليه سوى زوجته، فقد كانت ترعى له حقه، وتعرف قديم إحسانه إليها عندما كان في بحبوحة من العيش، وبسطة من الصحة والجسم، ولهذا وصفها ابن كثير رحمه الله بقوله: الصابرة، والمحتسبة، المكابدة، الصديقة، البارة، والراشدة، رضي الله عنها فقد أشفقت على زوجها عليه السلام إشفاقا شديدا ورثت لحاله، فلما رأت أن زوجها طال عليه البلاء، ولم يزدد إلا شكرا وتسليما قال تعالى:{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (ص:44)، عندئذ تقدمت منه وقالت له فيما رواه ابن عباس رضي الله عنه: يا أيوب، إنك رجل مجاب الدعوة، فادع الله أن يشفيك قال تعالى: {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ (40) وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} (ص:41-44)، يقول ابن عباس: لم يكرمه الله هو فقط بل أكرم زوجته أيضا التي صبرت معه أثناء هذا الابتلاء.
فحينما نقرأ مثل هذه المعاني الجميلة نحن معشر النساء، علينا أن نتأمل حالنا، ونتفقد كيف نكون مع أزواجنا حال الصحة، وحال الابتلاء هل نصبر؟ أم لا؟.
أثر الصبر في استقرار الأسرة وسعادتها:
لا تستقيم الأسرة المسلمة إلا بالصبر بدءاً بأقرب من يعاشرك وهي الزوجة وانتهاءً بأبعد الناس عنك، وقد قال الله تعالى مبيناً ما ينبغي أن يتحلى به الزوج من صبر في مواجهة مشاكل الزوجية قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النساء: 19)، وكذلك ازرعه بجسد أبنائك ليصبروا على التعلم والمعلم، وهذا ما حدثنا عنه في القرآن عندما ذهب موسى إلى الخضر ليعلمه مما علمه الله، قال له الخضر إما لأن الله أخبره بالحقيقة أو تهييجاً على الصبر قال تعالى: {قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا } (الكهف: 67- 68)، فتعهد موسى بالصبر قال: {قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} (الكهف: 69) لتدوم سعادتكما تعلما الصبر في حياتكما؛ فالسعادة والبشرى للصابرين، اصبرا على مرضكما، على نقص أموالكما، اصبرا على طبائعكما المختلفة، اصبرا على تربية أولادكما، فيا أيها الزوجان احذرا من الشكوى من حالكما، وارفعا أمركما إلى بارئكما فهو الذي بيده مفاتيح الفرج قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران: 200) فهنيئا للصابرين، هل تعلموا أن السكوت وقت الغضب والصبر والحلم أنهى كثيراً من المشكلات وأطفأ نيراناً كان من الممكن أن تحرق بيت الزوجية ولاسيما عند تدخل الأهل في كل صغيرة وكبيرة، وليس المعنى أن الأهل عامل مساعد للمشكلات، ولكن فقط أعط نفسك الوقت الكافي للتفكير، وتذكر الحب والتضحيات، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «إذا غضب أحدكم فليصمت»، أعط نفسك الفرصة والصبر على تخطي الأمواج؛ فالأسرة الواحدة مثل السفينة في البحر تنجو بتعاون الجميع من الغرق، وتؤدي الزوجة والأم في بيتها دوراَ أساسياَ ومهماَ يتمثل في قدرتها على نشر السعادة بالصبر وامتصاص ثورات غضب الجميع بدءاَ من نزوات أبنائها وانتهاء بمزاج زوجها المتعب من عمله.
فلا نقلل من قيمة الصبر، قال تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(البقرة: 153)، معهم بالتوفيق والبركة والمعونة على شأنهم معونة حسية ونفسية وذلك لا ينال إلا بالصبر، فالسعادة موجودة حولنا على الدوام لكن لا بد من تحويل أفكارنا إلى اتجاه إيجابي في خلق السعادة، فلا يستطيع الشعور بها إلا من يستعد لها؛ لذا يجب على الإنسان تعلم كيفية استقبال إشارات السعادة وتعزيز الشعور بها، بأن يقول لنفسه مثلا: الآن لحظة سعادة جيدة تستحق الاستمتاع بها، فعلى الإنسان الاستمتاع بكل ما يوجد حوله من مؤثرات إيجابية ليوفر لنفسه السعادة، وليحاول الوصول إليها من خلال توفير المزيد من المسوغات لنشر السعادة والتركيز عليها والوصول إليها، فالمصائب والشدائد أمور مع الصبر تكون مؤقتة في الحياة.. كثير من الزوجات لا يشعرن بسعادة في حياتهن الزوجية؛ بسبب نظرتهن السلبية إلى أزواجهن، فهن لا ينظرن إلا في أوجه النقص والقصور، وقد تكون الجوانب الإيجابية في أزواجهن أكثر بكثير من الجوانب السلبية، إلا أن عدم الصبر والنظرة السوداوية للأمور قد تخطت كل فعل جميل، فعند الصبر وتحمل نقاط الضعف وتناسيها ومقابلتها الإساءة بالإحسان له تأثير بالغ في زوجهاً، ولربما كان سبباً في تبدل أسلوبه معها، واستبدال تلك الصفات السلبية بأخرى إيجابية محمودة.



اعداد: إيمان الوكيل





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 08-11-2024, 01:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,420
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية

مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية(4) القبـــــــــــ ــول






يدفع عدم القبول بين الزوجين إلى شعور كل من الزوجين بالإحباط والاكتئاب نتيجة عدم إمكانية التفاهم

الأسرة هي المؤسسة الأولى المسؤولة عن إعداد الطفل ليكون عنصراً صالحاً فعّالاً في المجتمع، ولكن لا تخلو أي أسرة من وجود مشكلات عديدة لسبب أو لآخر وبدرجات متفاوتة, وقد تؤدي هذه المشكلات إلى تفكك الأسرة وانفراط عقدها، ولكن إذا تم تشخيص الداء، سهل وصف الدواء؛ لذا كان لابد من التعرض لبعض المفاهيم التي غابت عن حياتنا الأسرية التي على أساسها تبنى العلاقات السوية وتستمر، ونتناول ذلك في سلسلة أسبوعية نحاول من خلالها تسليط الضوء باختصار على كل مفهوم لعله يكون طوق نجاة لكثير من الأسر التي غابت عنها هذه المفاهيم، ونتناول اليوم أحد هذه المفاهيم وهو (القبول).
(القبول) اللبنة الأولى في بناء أي أسرة تظللها المحبة والسكينة والاحترام، فهو الرضا النفسي بالآخر، ويعد من أهم مقومات النجاح في الحياة الزوجية؛ لأنه ينشأ من فهم كل طرف لطبيعة الآخر فينتج عنه ترابط متين في الأسرة، فعنصر القبول مهم جدًا لنجاح أي زواج، وعامل مساعد للاستمرار والانسجام بين الرجل والمرأة؛ ذلك لأنه ينشأ عنه انسجام ومحبة وثقة واحترام وإخلاص، وهذه الركائز مهمة جدًا لسير الحياة الزوجية ونشوء السكينة والاستقرار اللذين هما أسباب النجاح في الحياة الزوجية واستمرارها حتى النهاية، كما أن القبول يخلق أسرة قوية متماسكة أساسها قبول كل طرف لشريكه كما هو، ولولاه لن تكون هناك أُسرة ولن يكون هناك زواج ناجح .
تقبل الطرف الآخر كما هو
من المبادئ الأساسية في العلاج النفسي أن نتقبل المريض كما هو، وفي حياتنا هناك بعض الأشخاص علينا أن نتقبلهم كما هم، ثم نفكر بعد ذلك كيف سنتعامل معهم ومن هؤلاء: الأبناء والأزواج والآباء والأمهات.
فأنا مثلاً بوصفي أما لابد أن أتقبل ابني كما هو ثم أتعامل بعد ذلك مع الأخطاء والتصرفات التي تزعجني منه، وأنا بوصفي زوجة عليَّ أن أتقبل زوجي كما هو ما دمت قد وافقت على الزواج منه، وقررت الاستمرار في هذا الزواج، ثم بعد ذلك أفكر كيف أتعامل معه ومع التصرفات التي تزعجني منه، ثم نلتقي على أرضية مشتركة، ونتفق على مجموعة من الاتفاقات التي نتوصل إليها سويًا لتستمر الحياة في استقرار.
الفرق بين القبول والموافقة:
القبول يعني التعامل مع الشخص كما هو عليه دون معاقبته أو موافقته على سلوكه؛ أي احترام إنسانية الإنسان وكرامته عندما أتعامل معه وهذا جزء من القبول؛ فقبول الإنسان في حد ذاته يعكس الشعور بالحب والرعاية، ولكن القبول لا يعني الموافقة، فالقبول يحمل معنى تقبل الآخر وليس شرطًا أن أكون موافقة على سلوكه وتصرفاته.
كيف ينشأ عدم القبول
عدم القبول بين الزوجين حالة نفسية، يشعر بها أحد الزوجين أو كلاهما بمشاعر سلبية تجاه الطرف الآخر؛ بما يؤدي إلى عدم إمكانية التواصل العقلي والنفسي والجسمي بينهما، وينفرد كل منهما بحياة عقلية ونفسية خاصة، فيستمر الزواج شكلا، وينتهي مضموناً.
مظاهر عدم القبول
و لعدم القبول بين الزوجين مظاهر تدل عليه، وبعضها قد يكون أسبق في الظهور من بعض، كما أن بعضها قد يكون أكثر ضررًا من البعض الآخر، وتلك السمات هي:
- شيوع الصمت في جلسات الزوجين معًا.
- صعوبة التفاهم بين الزوجين في الصغيرة والكبيرة، وعدم الترحيب بالحوار مع الطرف الآخر.
- الشعور بغربة كل طرف عن الطرف الآخر.
- تباعد المسافات النفسية والعقلية والسلوكية بين الزوجين تدريجيًا.
- عدم الرضا عن أفكار الطرف الآخر وتصرفاته تماما.
- الشعور بعدم تقبل الطرف الآخر نفسيًا، وصعوبة تخيل تقبله زوجا.
- رفض محاولات التودد والتقرب من الطرف الآخر.
- شيوع روح النقد الشديد للطرف الآخر.
- الشعور بصدود وعزوف غير معروف السبب عن التعامل مع الآخر.
- إذا ما تعامل مع زوجه ، يكون عبوسًا، أو مكفهر الوجه، أو جامد الملامح، أو زائغ النظرات، أو خجولا، أما إذا تعامل مع الآخرين أصبح خفيف الدم، حلو الحديث.
- ندرة التعبير عن المشاعر الطيبة، وندرة التلامس الجسدي بينهما.
أسباب عدم القبول بين الزوجين
- سوء الاختيار من البداية، فقد يتم الاختيار منذ البداية بناء على بعض المقومات الخطأ التي تفي بمتطلبات الحياة الزوجية، ولا تؤدي إلى التفاهم الصحيح بين الزوجين، أو قد يتم الاختيار بناء على أحد المقومات التي لا تكفي وحدها لاستمرار العلاقة الزوجية.
- تسرب الملل والفتور إلى العلاقة الزوجية دون اهتمام الزوجين بالقضاء عليهما منذ ظهورهما في حياتهما الزوجية.
- عدم اعتماد الزوجين مبدأ المصارحة بينهما ، وتجنب المناقشات التي تتناول تحليل المشكلات التي يتعرض لها الزوجان، وتجنب فتح الموضوعات التي تحتاج إلى الصراحة في معالجتها، وتعتمد على الوضوح في طرحها، مما يؤدي إلى إقامة حاجز بينهما ، ويظل ذلك الحاجز يزداد سمكه بزيادة عدم الصراحة في التعامل .
- اختلاف الميول والاهتمامات المشتركة بين الزوجين، وقد يرجع ذلك إلى اختلاف المستوى الثقافي الذي يؤدي بدوره إلى اختلاف طرائق التفكير وأساليبه؛ مما يجعل التفاهم بين الزوجين عملية صعبة ومعقدة ، وبالتالي يصير الاختلاف بينهما على كل صغير وكبير فينشأ عدم القبول بينهما .
- العنف المتبادل بين الزوجين : فالعنف سواء كان من قبل الزوج تجاه زوجته، أم كان موجهًا من الزوجة لزوجها، فإنه يثير مشاعر في غاية السوء بين الزوجين، أهمها النفور القوي وعدم القبول بين الزوجين، الذي يقوم بدوره بتدمير العلاقة بينهما.
آثار عدم القبول على استقرار الأسرة
تتلخص المضار التي تصيب الأسرة والأبناء نتيجة وجود عدم القبول فيما يلي:
- عدم القبول إن استمر بين الزوجين يتسبب في التفكك الأسري ، فتجد كلا من الزوجين مشغول بنفسه ، ومهموم بمعاناته من زوجه ، وبالتالي فهو مشغول باستمرار عن الأبناء.
- قد يتسبب عدم القبول بين الزوجين إلى وضع الأطفال في ظروف اجتماعية ونفسية وتربوية غاية في الصعوبة ، فيظل الأطفال يعانون الإحباط والصراع ، مما يعوق نموهم الاجتماعي والانفعالي والخلقي ، وقد يصيرون عرضة للاضطرابات النفسية والانحرافات السلوكية المختلفة.
- يدفع عدم القبول بين الزوجين إلى شعور كل من الزوجين بالإحباط والاكتئاب نتيجة عدم إمكانية التفاهم، وعدم قبول شريكه ، وصعوبة إدارة المنزل ، والشعور أيضا بالدونية نتيجة المقارنة بينهم وبين من هم أقل منهم في الإمكانات الشخصية والمادية وحتى الجسدية.
الحلول المقترحة
- اعتماد مبدأ الصراحة والمكاشفة والشفافية وكل المعاني والأساليب والطرائق التي تؤدي إلى الوضوح بين الزوجين في أثناء التفاهم بينهما، فإنه لا يلجأ إلى المداراة والمناورة إلا المخطئ الذي ينوي التغطية على الأخطاء التي يقوم بها.
- التوقف بحسم عند أول مشكلة أراد الزوجان حلها معًا ثم لم يجد كل منهما نفسه مستعدًا للتنازل عن رأيه أو التنازل عن بعض ما يحب، فالتعامل بمرونة مع المشكلات، وتبادل الآراء الجادة، مع تقديم كل ما يستطيعه أحدهما من تنازلات، هو الطريق الأفضل والأولى لقبول كل طرف لشريكه .
- التجديد والتغيير للحياة الزوجية، ودفع رتابتها، وعدم السماح للصمت بسيادة الموقف، هو الإجراء الأول الذي يتم اتخاذه درءا للمخاطر المترتبة على عدم قبول الطرفين كل منهما للآخر.
ومن الأمور المهمة بين الزوجين التي يجب أن يضعاها في الاعتبار:
- أن يتقبل كل طرف شريك حياته كما هو .
- عدم انتقاد الطرف الآخر باستمرار.
- عدم البحث عن نقاط الضعف والتعيير بالأخطاء .
- لابد من التفريق بين الذات والسلوك أي بين الفعل والفاعل .
- التغاضي عن أخطاء الطرف الآخر والتركيز على الإيجابيات دون السلبيات.



اعداد: إيمان الوكيل
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-11-2024, 05:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,420
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية

مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية(5) التغــــــــــافــل





الحياة الزوجية يجب أن تنهض على أساس من التفاهم والألفة والمحبة والتكامل وأداء الواجب الإلهي حتى يمكن لها الاستمرار والدوام، وكل ذلك ضمن الضوابط الشرعية والتوصيات الأخلاقية


الأسرة هي المؤسسة الأولى المسؤولة عن إعداد الطفل ليكون عنصراً صالحاً فعّالاً في المجتمع ، ولكن لا تخلو أي أسرة من وجود مشكلات عديدة لسبب أو لآخر وبدرجات متفاوتة , وقد تؤدي هذه المشكلات إلى تفكك الأسرة وانفراط عقدها، ولكن إذا تم تشخيص الداء.. سهل وصف الدواء؛ لذا كان لابد من التعرض لبعض المفاهيم التي غابت عن حياتنا الأسرية التي على أساسها تبنى العلاقات السوية وتستمر، ونتناول ذلك في سلسلة أسبوعية نحاول من خلالها تسليط الضوء باختصار على كل مفهوم لعله يكون طوق نجاة لكثير من الأسر التي غابت عنها هذه المفاهيم، ونتناول اليوم أحد هذه المفاهيم وهو (التغافل).

(التغافل) هو التجاوز عن الأخطاء وليس الإهمال الكامل، وهو فن لا يتقنه إلا من رغب السعادة يقول الإمام: أحمد بن حنبل – رحمه الله-: «تسعة أعشار حسن الخُلق في التغافل»، وكان الحسن البصري يقول: «لا يزال التغافل من أخلاق الكرام»، فهو مريح جدًا للنفس حتى لا نقع ضحية للضيق فهو فن التعامل بقلب كبير فيما بيننا، يقول ابن الجوزي –رحمه الله-: «ما يزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام، فإن الناس مجبولون على الزلات والأخطاء، فإن اهتم المرء بكل زلة وخطيئة تعب وأتعب، والعاقل الذكي من لا يدقق في كل صغيرة وكبيرة مع أهله وجيرانه وزملائه كي تحلو مجالسته وتصفو عشرته».

ونشير إلى أعظم ما يمكن أن يذكر من النماذج لخلق التغافل للاقتداء والأسوة هو موقف النبي صلى الله عليه وسلم من زوجاته عندما تقع إحداهن في خطأ أو تقصير في حقه ، فقد ضرب أروع الأمثلة في الخيرية والرفق والرقة في التوجيه، وكتاب الله يصور هذا التغافل في أروع صوره فيقول عز وجل: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ } (التحريم:3).

ليس الغبي بسيّد في قومه

لكن سيّد قومه المتغابي!

الحياة الأسرية ليست بالحياة المتكاملة التي لا تشوبها أي شائبة فلا أحد منا كامل المواصفات لا يخطىء، وليست أيضاً بحلبة صراع بين الزوجين، فهي تتكون من شخصين بمزاجين مختلفين ومن بيئتين متفاوتتين ويحملان في ذاتهما فكرًا وفهمًا يتباين عن الآخر، فمن الطبيعي أن تكون هناك اختلافات وأخطاء لا تقبلها الزوجة من زوجها، وكذلك الرجل، فمن المستحيل على أي زوجين أن يجد كل منهما ما يريده في الطرف الآخر كاملاً، كما أنه لا يكاد يمر أسبوع دون أن يشعر أحدهما بالضيق من تصرف عمله الآخر، وليس من المعقول أن تندلع حرب كلامية كل يوم وكل أسبوع على شيء تافه كملوحة الطعام أو نسيان طلب أو الانشغال عن وعد (غير ضروري) أو زلة لسان ، فهذه حياة جحيم لا تطاق !

ولهذا على كل واحد منهما تقبل الطرف الآخر والتغاضي عما لا يعجبه فيه من صفات، أو طبائع، فبعض الرجال – هداهم الله – يدقق في كل شيء وينقب في كل شيء فيفتح الثلاجة يوميًا ويصرخ لماذا لم ترتبي الخضار أو تضعي الفاكهة هنا أو هناك؟! لماذا الطاولة علاها الغبار؟! كم مرة قلت لك الطعام حار جداً؟! إلخ وينكد عيشها وعيشه!!

وكما قيل: ما استقصى كريم قط .

كما أن بعض النساء كذلك تدقق في أمور زوجها ماذا يقصد بكذا؟ ولماذا لم يشترِ لي هدية بهذه المناسبة؟ ولماذا لم يهاتف والدي ليسأل عن صحته؟ وتجعلها مصيبة المصائب وأعظم الكبائر.. فكأنهم يبحثون عن المشكلات بأنفسهم!!

كما أن بعض الأزواج يكون عنده عادة لا تعجب الطرف الآخر أو خصلة تعود عليها ولا يستطيع تركها – مع أنها لا تؤثر في حياتهم الزوجية بشيء يذكر – إلا أن الطرف الآخر يدع كل صفاته الرائعة ويوجه عدسته على تلك الصفة محاولاً اقتلاعها بالقوة، وكلما رآه علق عليها أو كرر نصحه عنها فيتضايق صاحبها وتستمر المشكلات.. بينما يجدر التغاضي عنها تمامًا، أو يحاول لكن في فترات متباعدة ، وليستمتعا بباقي طباعهما الجميلة ، فلنتغاض قليلاً حتى تسير الحياة سعيدة هانئة لا تكدرها صغائر، ولتلتئم القلوب على الحب والسعادة، فكثرة العتاب تفرق الأحباب .

الفرق بين التغافل والغفلة

التغافل ممدوح؛ لأنه دائمًا ما يكون تغافلا عن تقصير أحد الزوجين من صاحبه في أداء بعض حقوقه أو إخلالاً بسيطًا في مسؤولياته ، كتقصير الزوجة في اهتمامها بمظهرها وكذلك بالنسبة للزوجة إذا رأت من زوجها بعض العبارات القاسية في حال غضبه ولاسيما وأنها ليست من عاداته، فالتغافل مطلوب بين الزوجين للحفاظ على الحياة الزوجية، أما الغفلة فهي غالباً مذمومة؛ لأنها انشغال وعدم توجيه وعدم معرفة كما يدور في بيتك من مسؤوليات وواجبات أو الغفلة عن فعل مشين مخل بالدين والأدب .

أهمية التغافل بين الزوجين !!

يمكننا أن ننظر إلى التغافل في مجال العلاقة الزوجية من ناحيتين :

الأول: عدم تضخيم الأمر في الأمور البسيطة كالتأخر في الوقت على سبيل المثال, أو عدم إحضار شيء ما طلبت الزوجة إحضاره, أو تأخر الزوجة في عمل شيء طلبه إليها زوجها.

الثاني: تأجيل النقاش في بعض المواضيع المهمة؛ فهذا يخفف من حدة النقاش في هذا الجانب , ويجعل الطرف الآخر أكثر تقبلا للرأي الآخر .

فسمو الأخلاق وراحة البال في التغاضي والتغافل عن سلبيات الأمور والتركيز على إيجابياتها، فإن غفلت عن أخطاء غيرك فليس بضعف منك والنبي صلى الله عليه وسلم : «من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور ما شاء» رواه أبو داود، فليس من البطولة أن ينقِّب كل من الزوجين عن أخطاء بعضهما، ولا الصحيح أن تحاسب الزوجة زوجها على صغائر الأمور عن اعتقاد منها بذكائها وفطنتها وأن شيئًا لا يمكن أن يمضي على غفلة منها، فتراقبه وتحاسبه وتوقعه في الإحراج وتفاجأ بالنتيجة العكسية بشكل يهدم حياتها ، وتصرفاتها كانت العامل الأساسي لهذه النهاية فقد قلبت الحياة الأسرية إلى هيئة إدارية ضاع منها الهدوء والمودة وتحولت إلى قيد وغل تجرف ضعاف النفوس منّا إلى جحيم الطلاق أو الخيانة الزوجية، والإحصائيات في بعض المجتمعات تكاد تكون مخيفة؛ لأننا تجاهلنا أسس الحياة الزوجية؛ فالأصل في المشكلات العابرة اتباع أسلوب التغافل معها، ولكلٍ من الزوجين على الآخر حق، ولكن ربما كانت الدقة في المراقبة، والشدة في المحاسبة من بواعث الاضطراب وعدم الاستقرار، لكن التغافل والمرونة أحياناً كفيلة باستدامة السعادة وبقاء المعاشرة الجميلة، فالحياة الزوجية يجب أن تنهض على أساس من التفاهم والألفة والمحبة والتكامل وأداء الواجب الإلهي حتى يمكن لها الاستمرار والدوام، وكل ذلك ضمن الضوابط الشرعية والتوصيات الأخلاقية .

التغافل وتربية الأولاد

التغافل عن الطفل وعدم فضحه إذا أخطأَ، ولا سيما إذا حاول ستر خطئه وإخفائه، فإن إظهار ذلك ربما يجرأَه على ارتكاب الخطأ مرة أخرى ولا يبالي بظهور أخطائه، أو التغاضي عن بعض ما يصدر من الأولاد من عبث أو طيش رغم علم المربي بها، فيجب التغافل عن بعض هفوات التلاميذ وعدم التعليق على كل حركة تصدر عنه، بل لابد أن ننبههم بروح الشفقة والرحمة حتى لا نذل نفسه ونحطم شخصيته أو ندفعه لاكتساب عادات خلقية سيئة كالعناد والكذب .

نماذج متميزة من التغافل

- قال (عبد الوهاب) - موظف في القطاع الصحي:- إن زوجته أصبحت (سمينة) بعد ولادتها، مضيفاً أنه بدأ يشعر أن حديثه عن سمنتها يضايقها، بل ويدفعها للعناد ثم الندم، مشيرًا إلى أن أخاه نصحه بالتعامل مع الأمر بحكمة ، بما سماه (التغافل الإيجابي)، فلم أعد أُظهِر أنني منزعج من سمنتها، ولكنني كنت أُحضر لها ملابس على سبيل الهدية، وفي كل مرة أقلل من قياسها بدرجة واحدة، موضحاً أنها بدأت تتعمد التقليل من وزنها، حتى تستطيع ارتداء الهدية، وهكذا حتى عادت إلى طبيعتها الأولى، دون أن أجرح من إحساسها أو أضايقها.

- وهذا عبد الله دخل بيته وما إن فتح الباب ومشى قليلاً حتى تعثر بلعبة طفلته وكاد يقع، رفع اللعبة ثم واصل طريقه متجهًا إلى المطبخ حيث زوجته وهو متضايق مما حصل له فلولا عناية الله كان سقط على وجهه وكسرت يده، يا الله كم مرة قلت لها اهتمي بترتيب البيت، لم لا تأخذي بكلامي؟! وصل إليها فقابلته بابتسامة مشرقة وكلمة رقيقة، وإذا هي قد أعدت مائدة لذيذة من الطعام الذي يفضله، فأطفأ كل ذلك غضبه وجعل يفكر ، هل الأمر يستحق أن أكرر مرة أخرى عليها الاسطوانة نفسها لتغضب وتخبرني أنها كانت مشغولة بإعداد الطعام، فتجلس على المائدة وهي متضايقة؟! ونتنكد باقي يومنا! أعتقد أنه من الأفضل أن أتغاضى قليلاً لنسعد كثيرًا .

وأخيرًا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها غيره» رواه مسلم، ويقول الشيخ محمد صالح المنجد عن التغافل: التغافل عن بعض الأخطاء في حقك الشخصي يديم الألفة. فما أجمل أن نتغافل وندع سفينة الحياة الزوجية تبحر بهدوء دون أن تتأثر بدوامات وعواصف الأخطاء.






اعداد: إيمان الوكيل









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18-11-2024, 10:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,420
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية

مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية(7) تحمل المسؤولية




من أهم عناصر المسؤولية تجاه الأسرة تجسيد النموذج الحسن في تربية الأولاد، ومسؤولية الطفل لا تعني مسؤولية الأم فقط، إنما مسؤولية الوالدين معاً

الأسرة هي المؤسسة الأولى المسؤولة عن إعداد الطفل ليكون عنصراً صالحاً فعّالاً في المجتمع، ولكن لا تخلو أي أسرة من وجود مشكلات عديدة لسبب أو لآخر وبدرجات متفاوتة, وقد تؤدي هذه المشكلات إلى تفكك الأسرة وانفراط عقدها، ولكن إذا تم تشخيص الداء.. سهل وصف الدواء؛ لذا كان لابد من التعرض لبعض المفاهيم التي غابت عن حياتنا الأسرية التي على أساسها تبنى العلاقات السوية وتستمر، ونتناول ذلك في سلسلة أسبوعية نحاول من خلالها تسليط الضوء باختصار على كل مفهوم لعله يكون طوق نجاة لكثير من الأسر التي غابت عنها هذه المفاهيم، ونتناول اليوم مفهوماً من هذه المفاهيم وهو (تحمل المسؤولية) .
تحمل المسؤولية هو مفتاح النجاح في الحياة الأسرية وثمرة تصور الإنسان عن دوره في الحياة وتوازن بين المطالبة بالحقوق والقيام بالواجبات، فهي مهارة وقيمة سلوكية إنسانية يجب أن تزرع كالمبادئ من الصغر لتتحول إلى عادة، فالعادة تقتل الإحساس بصعوبة المسؤولية، فعند ممارسة المسؤولية بانتظام فإنها تتحول إلى عادة ومن ثم تتحول هذه العادة إلى طبع في الشخص.
تحمل المسؤولية هو سر العمران وعنوان النجاح والفلاح، فمن أبرز الأسباب التي نعانيها في حياتنا الأسرية ولاسيما الحياة الزوجية هو تحمل المسؤولية، فالزوجان هما عمودان لبناء أسرة، فمصلحتهم وسعادتهم وكرامتهم مرتبطة بالقدرة على تحمل المسؤولية وتنصلهم من المسؤولية له أسباب ناشئة عن خلل في التربية الأسرية والمجتمع، فقد أثبتت التجارب العديدة أن عدم تحمل المسؤولية سواء من جانب الزوج أم الزوجة قد يكون مدمراً للحياة الزوجية، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: سمعت الرسول[ يقول: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته؛ الإمام راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤولٌ عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤولٌ عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته» .
مبدأ المسؤولية الشاملة
وقد قررت الشريعة الإسلامية مبدأ المسؤولية الشاملة في المجتمع الإسلامي، وحملت كل فرد فيه مجموعة من المسؤوليات التي تتفق وموقعه وقدراته، واهتمت بالمرأة اهتمامها بالرجل فحدد لها نطاق مسؤولياتها في الأسرة بما يتفق وبناءها الجسمي والعاطفي الذي لابد له من أن تظهر آثاره على أسرتها وبيتها، ولعل أول مسؤولياتها تبدأ بتحقيقها السكينة والاستقرار لزوجها، ثم مسؤوليتها في تربية أولادها وتنشئتهم وتنمية قدراتهم العقلية والانفعالية والجسمية في ظل بيت تغمره المودة والرحمة، فضلا عن مسؤوليتها في حفظ مال زوجها وحسن التدبير له ومحافظتها على عِرضه بحفظ نفسها ، فالحياة الزوجية تحتاج المزيد من المرونة والصبر والذكاء في التعامل، حتى تسير السفينة وتستطيع مواجهة مصاعب الحياة ومشكلاتها التي قد تعصف بها.
عدم تحمل المسؤولية وأثره في الحياة الزوجية
لوحِظ في الفترة الأخيرة انتشار ثقافة اللامبالاة والأنانية والاستهتار والهروب من تحمل المسؤولية؛ مما ترتب عليه ضياع حقوق الزوجة أو الزوج وبالتالي ضياع الأولاد بينهما نتيجة تخلي أحد أركان الأسرة عن مسؤولياته؛ فالزوجة التي لا ترغب في تحمل مسؤولية الأسرة وقضاء حاجاتها وتظل تشكو وتتوجع من كثرة الأعباء، وتظل تمنُّ بما تقدمه للأسرة على قلته من خدمات، وتذم اليوم الذي تزوجت فيه وأنجبت أطفالها، وتتوق إلى حياة الترف والجلوس ساكتة وترى أن السعادة في النوم لساعات طوال والهروب من المسؤولية بأية طريقة، وهناك الزوج الذي يتهرب من تحمل المسؤولية الأسرية ويترك العبء كله على زوجته، ويكتفي بمنحها قدراً من المال يكفي أو لا يكفي، ويترك ماعدا ذلك من مسؤوليات، بل إن هناك من الرجال من يتباهى بأن زوجته هي التي تتصرف بكل أمور الأسرة، وأنه لا يعرف شيئاً عن سير العمل في الأسرة وأنها هي التي تتصرف مثلاً في زواج الأولاد وتحدد لزوجها أصدقاءه، وهذه مظاهر سلبية لعدم تحمل المسؤولية والتواكل والاعتماد على الآخرين، وأسبابها نفسية راسخة في الشخصية، تتكون منذ الطفولة، فعدم تحمل المسؤولية سواء من الزوجة المتربية على العز والدلال، أم من الزوج المتربي في أحضان من يخدمه ويسهر على راحته هي عناصر تؤدي لفشل الزواج لعدم الإحساس بالمسؤولية اتجاه الزواج، فكثير من الأزواج اليوم يعتقدون أن الزواج مجرد استقلال بعيدا عن الأهل، ويفاجؤون بمسؤوليات الزواج والأطفال وما يتبع كل هذا من أمورٍ قد لا تخطر لهم على بال .
ابنك وتحمل المسؤولية
من أهم عناصر المسؤولية تجاه الأسرة تجسيد النموذج الحسن في تربية الأولاد، ومسؤولية الطفل لا تعني مسؤولية الأم فقط، إنما مسؤولية الوالدين معاً، لكن على الأم الجانب الأهم والأقوى لاتصالها بطفلها فترة أطول من الأب، فهيئيه عن طريق الأوامر والنواهي مع التوضيح على تحمل المسؤولة، ولا تجعلي حنانك وعطفك يغلب عليكِ فيصعب عليكِ تكليفة بأي عمل بحجة صغر سنه وأنه سيرهقه، وأيضاً كونك نموذجاً وقدوة له فلا يحق لكِ فرض عمل عليه لسبب تعبك أو شعورك بالكسل.
- تبدأ المسؤولية بالاستقامة الشخصية من الوالدين؛ فهي تساعد على الالتزام بها بعد التوجيه بالأمر بها والحرص عليها، فأن تنهى طفلك عن سلوك سيء لا بد وأن تكون من المنتهين عنه وإلا فنهيك لن يجدي شيئاً.
- ساعد طفلك على اختيار رفيقه لقوله صلى الله عليه وسلم : «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل».
- شجّع طفلك على ممارسة الرياضة أو تعلم الهواية التي يحبها وتطويرها وذلل له الصعاب، فنجاحه في تلك الأنشطة واحتكاكه بمن هم في مثل سنه وتجربته نشاطات لم يجربها من قبل ستزيد بلا شك من تطوره العقلي والنفسي وتزيد من قدرته على تحمل المسؤولية.
- ساعده على احترام النظام والقوانين، فمثلا اطلب من الطفل أن يضع حذاءه في مكان معين كل يوم، أو وضع لعبه في مكانها وكافئه عندما يفعل ذلك ، وإذا استمر أسبوعاً مثلاً يفعل ذلك يكافأ في نهاية الأسبوع، ولكن دون مماطلة أو استسهال أو ترك يوم ولابد أن يكون ذلك بأسلوب محبب إلى الطفل، وحتى تنمو العادة وتترسخ لابد من المواظبة عليها.
- ذكّر طفلك كل يوم وعلى مدى فترة طويلة جدا بوضع ملابسه المتسخة في سلة الغسيل ، ويمكن إلزامه بإعداد منضدة طعام العشاء كل ليلة إذا كان هذا يتناسب مع سنه، كما يمكن تكليفه بطي الملابس التي قامت الأم بغسلها؛ فذاك التوجيه من الوالدين للطفل هو مسؤوليتهما.
- ومن مسؤولية الوالدين أيضاً ملاحظة ما يتجه إليه الطفل في التعليم والعمل وتوجيهه إليه ومساعدته على التحصيل إلى ما يصبو إليه أو تعديل مساره، فالتفكير بمستقبل الطفل من مسؤولية والديه، تكلم معه عن أحلامه وكيف يتصور إمكانية تحقيقها علي أرض الواقع، وذكره بمميزاته وعيوبه وكيفية إصلاحها.
- وما أجمل أن يجلس الوالدان مع الأبناء ليتخذوا القرارات المناسبة المتعلقة بالأسرة سوياً!، وهذا مظهر تربوي يدل على التفاهم والانسجام؛ مما يتيح للأبناء التعبير عن ذاتهم والمشاركة في اتخاذ القرار وبالتالي يشعر الأبناء بتحمل المسؤولية ولا شك أن الأبناء الذين كانوا يشاركون آباءهم في تسيير أمورهم كانوا الأقدر على الاستقلال بأنفسهم في المستقبل، وكانوا أكثر إبداعاً في إدارة شؤونهم .
المسؤوليات التي توكل إلى طفلك
يبدأ تعليم الطفل تحمل المسؤولية من سن ثلاث سنوات، فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحداً» رواه مسلم، وهكذا يعتاد الطفل الجرأة الأدبية، وينشأ بعيداً عن الانهزامية، وفيه قوة رأي وحجة، وتتفاوت أنواع المسؤوليات بتفاوت عمره فيجب الأخذ بنظر الاعتبار لقدرته على المهام الموكلة إليه، فلا تكون من المسؤوليات الكبيرة فترهقه وتنفره منها وتؤثر عليه سلباً فتجعله يهرب منها، لذلك يجب إعطاؤه مسؤوليات تدخل في دائرة قدرته واستطاعته بشيء من التسامح والتغافل المقصود في بعض الأحيان عن الكسل، مع إعطائه حق الاختيار في الأعمال التي توكل إليه، فمثلا نخيره بين ترتيب الغرفة أو غسل الأطباق ليختار أحدهما فذلك يساعده على تقوية روح تحمل المسؤولية لديه، ويجب عدم إجباره عند توكيل المسؤوليات إليه فقد يؤدي إلى رفع روح العناد لديه فازرع أنت تحمل المسؤولية في نفسه، وعدم التدخل في أعمال الطفل عند قيامه بها وعدم تثبيط عزيمته عند بروز أي أخطاء أثناء قيامه بالمسؤولية بل الإرشاد فقط والبعد عن التوبيخ والملامة حتى وإن أخطأ؛ فمثلا إذا سقط إناء من يده وانكسر فتذكر أنه فقط يتعلم تحمل المسؤولية ولم تصبح بعد فرضاً عليه لكي يعاقب، ويراعى التفاوت بين البنت والولد فأمور المنزل ورعاية الأخت الصغرى تكون مهمة البنت، والولد توكل إليه أعمال التصليح والصيانة فتعلم المسؤولية تكون على حسب فطرية كل منهما؛ بحيث تتناسب ومستوى قدراته وذكائه ونضوجه، وإذا تعود الطفل على تحمل المسؤولية في نطاق أسرة فإنه سيشعر بالمتعة واللذة من تحمل المسؤولية، ونربي فيه العادات القيادية، ويسعى لتحمل مزيد من المسؤوليات لينتج عنهما زوج وزوجة مؤهلان للقيام بحياة أسرية متكاملة من البذل والعطاء ونكران الذات والصبر ولن يصدما كلاهما بحياة جديدة؛ لأنهما خرجا من محيط أسري مشبع بالقدرة على تحمل المسؤولية.



اعداد: إيمان الوكيل






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29-11-2024, 12:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,420
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية

مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية(8) التـنــــاصـــح






من العوامل التي تقوي الصلة بين الآباء والأبناء التناصح، فمن واجب الأب ألا يصمت عن سلوك سلبي أو خطأ يراه في ولده

(التناصح) خلق رباني، يفتت العيوب، ويزيل آثارها تماماً، عن تميم بن أوس الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة» (ثلاثًا)، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»، وقيل في معناها: «نصحت العسل: أي خلّصته من الشمع، ونصحت له المحبة إذا أخلصت له المحبة».
فالنصيحة إذاً بين الزوجين: «هي إرادة الخير، بحب وإخلاص للمنصوح»، وإلا كانت نصيحة كاذبة، كقول إخوة يوسف لأبيهم، في قوله تعالى: {}قَالُواْ يَا أَبَانَامَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} (يوسف: 11).
وفي قول الله على لسان إبليس، للزوجين آدم وحواء: {وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ } (الأعراف:21-22)، ولذلك فالحكمة في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكررها ثلاثًا، لينتبه كل منا إلى خطورة النصح، فلا يتهاون أحد الزوجين في النصح إذا رأى عيبًا في الطرف الآخر، حتى نسد مؤامرات الشيطان، ذلك العدو المتربص بكل زوجين.
- فهل أنت مستعد (مستعدة) للنصح عند رؤية عيب الطرف الآخر؟
- وهل أنت مستعد (مستعدة) لتقبل النصح من الطرف الآخر؟
- وهل أنت مستعد (مستعدة) ألا تظن ظنًّا سيئًا بحديث الطرف الآخر؟
فن التناصح بين الزوجين
اتفق علماء السلف على قولهم: «أنصح الناس لك من خاف الله فيك» والنصيحة بين الزوجين لها أدب ولون آخر؛ لأنها تقوم على المودة والرحمة، فإن كانت بين الناس لها فنون عامة فهي بين الزوجين لها فنون عامة وخاصة.
- أساسها هي التعامل مع الخطأ وليس الشخص، فلا لوم ولا عتاب، فاجعل تركيزك على سبب الخلاف دون التدخل في فرعيات أخرى.
- لا تستنتج مستقبلاً سيئاً نتيجة تكرار هذا الخطأ؛ مما يجعل منه عيباً قد التصق به مما يجبر المنصوح إلى القول: «هذا عيبي ولن أتخلص منه».
- اجعل مع التركيز المساعدة أي تهيئة المناخ المناسب لاحتواء هذا الخطأ من الطرف الآخر وتخفيفه أو اختفائه، و «لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم» فما بالكم بالزوجين وهما شركاء للحياة.
- أثناء النصيحة لا تصدر أحكاماً: «أنت مهمل - ثرثار - فوضوي» حتى لا تجعل من حكمك صفة تلتصق بالطرف الآخر.
- احرص على الحوار الهادئ؛ فالتناصح يكون بالرفق فهو خير علاج بعيداً عن الانفعال والغضب والتهديد والصراخ.
- ابدأ بالثناء وكلمات التحفيز المشجعة: «اثق بقدرتك على تجاوز هذا الخطأ – لكم طاقة هائلة على تخطي الصعاب»، ولننظر كيف تداركها صلى الله عليه وسلم قائلا:ً «نعم الرجل عبد الله لو كان له حظ من الليل» فبدأ عليه السلام بالثناء فكانت النتيجة أن ابن عمر رضي الله عنهما لم يترك القيام أبداً.
- لا تستخدم لغة الأمر أو النقد؛ فأصعب شيء عندما ترى الزوجة زوجها غافلاً بعيداً عن الدين، فتبدأ بإلقاء الأوامر؛ مما يحطم كبرياء الرجل ويشعره بأن زوجته لا تحترمه فينفر أكثر رغم طيب نيتها، قال الشيخ يعقوب: انصحي زوجك وأنتِ امرأة بأنوثتها لا تتحولي لرجل يأمر وينهى، تجملي له، أو ترى الزوجة نقد زوجها الجارح لها فتشعر أن قدرها في قلبه مهتز، وصورتها عنده مشوهه وهو أول شخص يُهمها في حياتها.
- تجنب إشراك غيرك؛ فالتناصح همس بالسر لا بالجهر، والحياة الزوجية حياة ثنائية لا جماعية فليس من العقل أن تفزعا في أدنى مشكلة بينكما إلى الأم أو الأخت أو الصديق، لكن إن عظُم الشقاق فلا حرج من دخول طرف عاقل وأكثر، كما قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (النساء:35).
- يجب على كل من الزوجين عند النقاش في أي أمر من الأمور أن يكون هدفه الوصول إلى الحق والصواب، وليكن مستحضراً قول شعيب الذي حكاه عنه تبارك وتعالى: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ} (هود:88).
- الحرص الشديد ألا يكون التناصح أمام الأولاد؛ لأن ذلك يؤدي إلى جرح عميق في نفوسهم يبقى أثره أبد الدهر، وأقل ما يحصل من ذلك عقوق الأولاد لأحدهما واستهانتهم بالمهزوم منهما، حتى الملاحظات في شؤون التربية لا تكون أمام الأولاد؛ فالأسلوب السلبي غالباً ما يولد المشاعر السلبية، ويهدم الحب، ويزيد كل طرف تمسكا بخطئه.
التناصح وتربية الأبناء
من العوامل التي تقوي الصلة بين الآباء والأبناء التناصح، فمن واجب الأب ألا يصمت عن سلوك سلبي أو خطأ يراه في ولده، بل عليه أن يسرع لتقويمه ونصحه في السر، وإذا اقتضى الأمر علناً نصحه، كتدريب على أن يتناصح الأبناء فيما بينهم بحكمة ولطف.
ويجب على الأم ألا تألو جهداً واحتساباً من أجل استقرار أبنائها والتضحية من أجل ذلك فعليها:
- الصبر على الأولاد حتى يشعروا بالأمان وحسن التعامل والتفاهم لتقبل النصيحة.
- الحرص على استعمال كلمات التشجيع والثناء مثل: «بارك الله فيك – أحسنت -أفكارك رائعة - إنجاز جميل ورائع - أنت محل الثقة»، واستعمال أساليب التشجيع والثناء الحسية مثل: «الابتسامة – مسك الأيدي - المسح على الرأس».
<- استغلال المناسبات ومواسم الخير لتكون أكثر تأثيرًا: «رمضان - عيد - مرض – وفاة».. ويُستحب أن تجتمع الأسرة مرةً في الأسبوع مساء الخميس أو صباح الجمعة مثلاً لقراءة القرآن أو الذكر والتناصح والموعظة في جوٍّ من البهجة.
- وعلى الأب أو الأم التوضيح والشرح مع النصيحة حتى لا تبدو أمرًا سلطويًا مفروضًا منتهيا بعلامة تعجب، ناقص الإيضاح؛ فيلجأ لغيرك للتفسير وقد يكون غير مؤهل لذلك، مع الأخذ في الاعتبار الفروق الفردية بين الأبناء في النصيحة.
الآباء ونصيحة أبنائهم
وعلى الوالدين أن يتقبلا نُصح أبنائهم أيضًا، فهما بشر يخطئان ويصيبان مثلهم، وإن كان المفروض أن يكونا أقل خطأً وأكثر صواباً، وعليهم أن ينصحوهما ولا يترددوا في نصحهما بأدب ولطف، والأفضل أن يكون نصح الابن لوالديه على سبيل الإشكال والاستفسار، وعلى الجميع أن يكون هدفهم من النصح محبة الخير للمنصوح عن إخلاص وتواضع لا عن رياء وتكبر وتشهير، فبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستقيم أمر المسلمين، وبدونهما تضطرب الأمور وتنتشر الفوضى والظلم.
التناصح أساس السعادة
وأخيرًا: فإن الحياة الزوجية مبناها على التآلف والتراحم والتعاون فيما بين الزوجين. وكل من الزوجين يسعى لإسعاد الآخر، سواءً كان ذلك بالقول الحسن أم بالفعل الحسن، فإذا رأى أحدهما من الآخر ما ظهر له أنه خطأ فإن المناصحة باب واسع إذا نجح الناصح في تجنب الألفاظ النابية وتجنب النصيحة في الملأ، فإذا وقع أحد الطرفين في خطأ فليكن الآخر عونًا له من حيث تهدئته والتفريج عنه والدعاء له بالتوفيق وإرشاده إلى السبيل التي يمكن من خلالها التخلص من نتائج هذا الخطأ أو تقليلها. قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. (الروم:21)، أما السب والتندر والمعاقبة بالألفاظ النابية فما تفسده هذه أكثر مما تصلحه، ثم إن على الزوجة أن تعلم أن مقامها مقام المستشار وليس مقام الآمر؛ فالشورى معلمة غير ملزمة، فإن أخذ الزوج برأيها فبها ونعمت، وإلا كفت عنه وساعدته فيما ترتب على قراره من أخطاء.



اعداد: إيمان الوكيل


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 130.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 126.42 كيلو بايت... تم توفير 4.39 كيلو بايت...بمعدل (3.35%)]