|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
الموافقات أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي الجزء الخامس الحلقة (210) صـ416 إلى صـ 423 [ ص: 416 ] قال له ذلك بعدما ذكر له قوله : ربي الذي يحيي ويميت [ البقرة : 258 ] فوجد الخصم مدفعا ، فانتقل إلى ما لا يمكنه فيه المدفع لا بالمجاز ولا بالحقيقة ، وهو من أوضح الأدلة فيما نحن فيه . وقال تعالى : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم الآية [ آل عمران : 59 ] ، فأراهم البرهان بما لم يختلفوا فيه هو آدم . وقال تعالى : يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده [ آل عمران : 65 ] وهذا قاطع في دعواهم أن إبراهيم يهودي أو نصراني . وعلى هذا النحو تجد احتجاجات القرآن ، فلا يؤتى فيه إلا بدليل يقر الخصم بصحته شاء أم أبى . وعلى هذا النحو جاء الرد على من قال : ما أنزل الله على بشر من شيء [ الأنعام : 91 ] قال تعالى : قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى الآية [ الأنعام : 91 ] ، فحصل إفحامه بما هو به عالم . وتأمل حديث صلح الحديبية ، ففيه إشارة إلى هذا المعنى ، فإنه لما أمر عليا أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، قالوا : ما نعرف بسم الله الرحمن الرحيم ، ولكن اكتب ما نعرف : باسمك اللهم ، فقال : اكتب من محمد رسول الله ، قالوا : لو علمنا أنك رسول الله لاتبعناك ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك ، فعذرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان قولهم من حمية الجاهلية ، وكتب على ما قالوا ، ولم يحتشم من ذلك حين أظهروا له النصفة من عدم [ ص: 417 ] العلم وأنهم إنما يعرفون كذا . وإذا ثبت هذا ، فالأصل المرجوع إليه هو الدليل الدال على صحة الدعوى ، وهو ما تقرر في المقدمة الحاكمة ، فلزم أن تكون مسلمة عند الخصم من حيث جعلت حاكمة في المسألة ؛ لأنها إن لم تكن مسلمة لم يفد الإتيان بها ، وليس فائدة التحاكم إلى الدليل إلا قطع النزاع ورفع الشغب ، وإذا كان كذلك فقول القائل : هذا مسكر ، وكل مسكر خمر ، إن فرض تسليم الخصم فيه للمقدمة الثانية ، صح الاستدلال من حيث أتى بدليل مسلم ، وإن فرض نزاع الخصم فيها لم يصح الاستدلال بها ألبتة ، بل تكون مقدمة تحقيق المناط في قياس آخر ، وهي التي لا يقع النزاع إلا فيها ، فيبين أن كل مسكر خمر بدليل استقراء أو نص أو غيرهما ، فإذا بين ذلك حكم عليه بأنه حرام مثلا إن كان مسلما أيضا عند الخصم ، كما جاء في النص : " إن كل خمر حرام " وإن نازع في أن كل خمر حرام ، صارت مقدمة تحقيق المناط ، ولا بد إذ ذاك من مقدمة أخرى تحكم عليها ، وفي كل مرتبة من هذه المراتب لا بد من مخالفة الدعوى للدعوى الأخرى التي في المرتبة الأخرى ، فإن سؤال السائل : هل كل خمر حرام ؟ مخالف لسؤاله إذا سأل : هل كل مسكر خمر ؟ . وهكذا سائر مراتب الكلام في هذا النمط ، فمن هنا لا ينبغي أن يؤتى [ ص: 418 ] بالدليل على حكم المناط منازعا فيه ، ولا مظنة للنزاع فيه ؛ إذ يلزم فيه الانتقال من مسألة إلى أخرى لأنا إن فعلنا ذلك لم تتخلص لنا مسألة ، وبطلت فائدة المناظرة . فصل واعلم أن المراد بالمقدمتين هاهنا ليس ما رسمه أهل المنطق على وفق الأشكال المعروفة ، ولا على اعتبار التناقض والعكس ، وغير ذلك ، وإن جرى الأمر على وفقها في الحقيقة ، فلا يستتب جريانه على ذلك الاصطلاح ؛ لأن المراد تقريب الطريق الموصل إلى المطلوب على أقرب ما يكون ، وعلى وفق ما جاء في الشريعة ، وأقرب الأشكال إلى هذا التقرير ما كان بديهيا في الإنتاج ، أو ما أشبهه من اقتراني أو استثنائي ، إلا أن المتحرى فيه إجراؤه على عادة العرب في مخاطباتها ومعهود كلامها ، إذ هو أقرب إلى حصول المطلوب على أقرب ما يكون ، ولأن التزام الاصطلاحات المنطقية والطرائق المستعملة فيها مبعد عن الوصول إلى المطلوب في الأكثر ؛ لأن الشريعة لم توضع إلا على شرط الأمية ، ومراعاة علم المنطق في القضايا الشرعية مناف لذلك ، فإطلاق لفظ المقدمتين لا يستلزم ذلك الاصطلاح . ومن هنا يعلم معنى ما قاله المازري في قوله - عليه الصلاة والسلام - : كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام قال : فنتيجة هاتين المقدمتين أن كل مسكر حرام ، قال : وقد أراد بعض أهل الأصول أن يمزج هذا بشيء من علم أصحاب المنطق ، فيقول : إن أهل المنطق يقولون : لا يكون القياس ولا تصح [ ص: 419 ] النتيجة إلا بمقدمتين ، فقوله كل مسكر خمر ، مقدمة لا تنتج بانفرادها شيئا . وهذا وإن اتفق لهذا الأصولي هاهنا وفي موضع أو موضعين في الشريعة فإنه لا يستمر في سائر أقيستها ، ومعظم طرق الأقيسة الفقهية لا يسلك فيها هذا المسلك ، ولا يعرف من هذه الجهة ، وذلك أنا مثلا لو عللنا تحريمه - عليه الصلاة والسلام - التفاضل في البر بأنه مطعوم كما قال الشافعي ، لم نقدر أن نعرف هذه العلة إلا ببحث وتقسيم ، فإذ عرفناها ، فللشافعي [ ص: 420 ] أن يقول حينئذ : كل سفرجل مطعوم ، وكل مطعوم ربوي ، فتكون النتيجة : السفرجل ربوي . قال : ولكن هذا لا يفيد الشافعي فائدة ؛ لأنه إنما عرف هذا وصحة هذه النتيجة بطريقة أخرى ، فلما عرفها من تلك الطريقة أراد أن يضع عبارة يعبر بها عن مذهبه ، فجاء بها على هذه الصيغة . قال : ولو جاء بها على أي صيغة أراد مما يؤدي منه مراده ، لم يكن لهذه الصيغة مزية عليها . قال : وإنما نبهنا على ذلك لما ألفينا بعض المتأخرين صنف كتابا أراد أن يرد فيه أصول الفقه لأصول علم المنطق . هذا ما قاله المازري ، وهو صحيح في الجملة ، وفيه من التنبيه ما ذكرناه من عدم التزام طريقة أهل المنطق في تقرير القضايا الشرعية ، وفيه أيضا إشارة إلى ما تقدم من أن المقدمة الحاكمة على المناط إن لم تكن متفقا عليها مسلمة عند الخصم فلا يفيد وضعها دليلا . [ ص: 421 ] ولما كان قوله - عليه الصلاة والسلام - : " وكل خمر حرام " مسلما ؛ لأنه نص النبي ، لم يعترض فيه المخالف ، بل قابله بالتسليم ، واعترض القاعدة بعدم الاطراد ، وذلك مما يدل على أنه من كلامه - عليه الصلاة والسلام - أمر اتفاقي ، لا أنه قصد قصد المنطقيين . وهكذا يقال في القياس الشرطي في نحو قوله تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [ الأنبياء : 22 ] لأن " لو " لما سيقع لوقوع غيره ، فلا استثناء لها في كلام العرب قصدا ، وهو معنى تفسير سيبويه ، ونظيرها " إن " ؛ لأنها تفيد ارتباط الثاني بالأول في التسبب ، والاستثناء لا تعلق له بها في صريح كلام العرب ، فلا احتياج إلى ضوابط المنطق في تحصيل المراد في المطالب الشرعية . وإلى هذا المعنى - والله أعلم - أشار الباجي في أحكام الفصول [ ص: 422 ] حين رد على الفلاسفة في زعمهم أن لا نتيجة إلا من مقدمتين ، ورأى أن المقدمة الواحدة قد تنتج ، وهو كلام مشكل الظاهر ، إلا إذا طولع به هذا الموضع فربما استقام في النظر . [ ص: 423 ] وقد تم - والحمد لله - الغرض المقصود ، وحصل بفضل الله إنجاز ذلك الموعود ، على أنه قد بقيت أشياء لم يسع إيرادها ؛ إذ لم يسهل على كثير من السالكين مرادها ، وقل على كثرة التعطش إليها ورادها ، فخشيت ألا يردوا مواردها ، وألا ينظموا في سلك التحقيق شواردها ، فثنيت من جماح بيانها العنان ، وأرحت من رسمها القلم والبنان ، على أن في أثناء الكتاب رموزا مشيرة ، وأشعة توضح من شمسها المنيرة ، فمن تهدى إليها رجا بحول الله الوصول ، ومن لا فلا عليه إذا اقتصر التحصيل على المحصول ، ففيه إن شاء الله مع تحقيق علم الأصول علم يذهب به مذاهب السلف ، ويقفه على الواضحة إذا اضطرب النظر واختلف . فنسأل الله الذي بيده ملكوت كل شيء أن يعيننا على القيام بحقه ، وأن يعاملنا بفضله ورفقه ، إنه على كل شيء قدير ، وبالإجابة جدير ، والحمد لله وكفى ، وسلام على عباده الذين اصطفى . تم بفضل الله
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |