دموع رحيل ذهبية (قصة قصيرة) - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-03-2022, 03:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي دموع رحيل ذهبية (قصة قصيرة)

دموع رحيل ذهبية (قصة قصيرة)
معروف عبدالرحيم




خرج من المقهى كعادته، وبين أنامله سيجارة خبيثة، وتجاعيد وجهه تَحكي قصص السنين التي مرَّت، وحسرة الأعوام التي فرَّت منه دون رجعة:
إنه الشيخ (منيب) الذي حلَّ ضيفًا - من قريب - في بيت الشيخوخة.

أخد يمشي الهوينى على الرصيف، مغترفًا من سيجارته الجرعةَ الأخيرة، ولقربها من جمرتها المتوهجة، تبدو كأنها فوَّهة بركان، نافثة في رئتيه سحائب دخانية، مخرجًا إياها من منخره الطويل... جرعة قوية كادت تَحرق شواربَه، التي اصطبغت ببياض الشيب، الذي لاح ككومة ثلج فوق جبل مهجور.
فجأة! لمح بصره سيَّارةَ إسعاف تسير ببطء، هي إذًا أمارة الموت؛ جنازة ومشيِّعون يخيم حولهم صمتٌ مهيب، وخشوع منيب.

انتابت الشيخ قشعْريرة تموجية، وتزاحمت في مخيلته أفكار مخيفة، ووساوس مرعبة، جعلتْه يشعر بأنَّه مخاطب بهذه الرسالة، وربما يكون على اللائحة، أو كأنه يخاف أن يتخطَّفه الموت فجأة، كما تتخطَّف النسور فرائسَها من فوق أديم الأرض.

وقف الشيخ وقفةَ خشوع حينما تقاطع مع الجنازة، ولما بانت منه.. تابَع المسيرَ على الرصيف؛ إذ يرى نافورة الوضوء، أمام أحد المساجد وقد اجتمع عليها المتوضِّئون، وكان من بينهم طفل صغير في سنِّ أحد أحفاده، وهو يتابِع مراحل الوضوء؛ من غسل اليدين، إلى غسل الرِّجلين.
وسبَّابته متجهة نحو السماء، ناطقًا الشهادتين ومرددًا دعاء الوضوء.

فاضت عينا (منيب)، وانسابت على خديه دموع ساخنة، غزيرة ومتلاحقة، حتى بلَّلت جزءًا من ثوب قميصه، ثمَّ مزَّق علبةَ سجائره، ورماها في سلَّة المهملات الموجودة قرب الرصيف، فاقترب من حديقة المسجد وجلس تحت شجرة يقي رأسَه أشعة الشمس الحارقة.

تابع البكاء، دموع تهطل مثل الأمطار، وأخرى كامنة في لائحة الانتظار، وبدأ الشيخ يمرِّغ جسمَه في التراب كما يفعل بعض الحيوانات لإزالة الحشرات والطفيليات من جلدها؛ تُرى ماذا يريد الشيخ أن يزيل؟

إنَّه لم يسجد لخالقه كل هذه السنين الطويلة، التي رُزق فيها أرزاقًا كثيرة، ومسكنًا جميلًا، وأبناء وبنات بأعداد وفيرة، ونِعمًا أخرى ومِنحًا شتى، لكنه لم يسجد للجوّاد سجدة واحدة!

كان كل وقته بين العمل وتجميع المال، ونصيب الأسد من وقت فراغه يكاد يكون من نصيب المقهى؛ حيث يلعب لعبة "الضما"؛ وهو شطرنج على الطريقة المغربية، وكان يقامر بها - مع رفقاء درب اللَّهو والعبث - مقابل كؤوس القهوة أو الشاي أو قنينة مشروب من المشروبات الغازية، ويتبادلون الكلامَ والنكت، حتى إذا ما جاء وقت الغداء الذي يوافق أذان الظهر، أو وقت العشاء - الوجبة – مساءً، والذي يوافق بدوره صلاة العشاء، نهض هو وزملاؤه وذهبوا لمنازلهم لأكل الوجبة الدَّسمة؛ فالنوم العميق الثقيل، دون صلاة ولا ذِكر للسَّميع الجليل.

للشيخ منيب صفة حميدة، بالرغم من فداحة الذَّنب؛ حيث كان كثير رماد القِدر؛ يدعو الناس على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية إلى موائد الطعام؛ حيت يجلس الغني قربَ الفقير، وذو الجاه بجانب الحقير.

نعود إلى بطلنا البكَّاء؛ فقد كانت هذه الدموع طهارة لنَفسه الآثمة، التي نسيت بارئها كلَّ هذه المدة، ولما تذكَّرتْ كانت الذِّكرى من العمق ومن القلب، البئر التي يَسكنها الإيمان، والنفس اللوامة التي تؤدِّي إلى النفس المطمئنة.

أضفت هذه الدُّموع الغالية نورًا ربانيًّا على محيَّا (منيب)، وجعلت وجهه منيرًا ومشعًّا، كأنه البدر أيام الثلاث البيض، جفَّت أجفانه، فما بقيت دموع في عمق العيون لاستجلابها، وجلس جلسة القرفصاء يتأمَّل تأملًا عميقًا ويفكِّر تفكيرًا مركزًا، والناس من حوله يسرقون النَّظرات متعجبين وحائرين وظانِّين أنَّ العجوز مجنون أو مشرَّد أو متخلًّى عنه أو مصاب بالمرض الغريب؛ مرض فقد الذاكرة "زهايمر".

بيد أن (منيب) غير مكترِث بتلك النَّظرات والتأويلات؛ فقد وجد ما كان ينقصه كلَّ هذه السنين، لقد تمَّ الاتصال بالسماء؛ حيث السمو والعلو، ولا مكان للسفالة والرذيلة، ورفع يده إلى السماء يناجي ربَّه دون أدنى صوت يُسمع، فاقترب منه رجل، وكذلك الناس اقتربوا، فقال الرجل له:
يا شيخ، هل تحتاج إلى مساعدة؟
أجابهم بسرعة عائدًا إلى مناجاته:
دعوني يرحمكم الله مع ربِّي ولا تزعجوني!
حسنًا.. معذرة!
فتفرَّق القوم من حوله، ودخل (منيب) باحةَ المسجد، وأخذ إناء الوضوء، فملأه ماءً دافئًا، وبدأ بالوضوء؛ من غسل اليدين إلى غسل الرجلين، وهو يحسُّ كأنَّ ذنوبه تخرج من أنامله، ورفع السبَّابة - كما شاهد الطفلَ فعل - ونطق الشهادتين، وربما أتبعهما بدعاء.

دخل الآن المسجد، وصلَّى ركعتي تحية المسجد، مقلِّدًا المصلين، حتى إذا ما انتهى، أخد المصحف ففتحه بطريقة عشوائيَّة، فإذا هو يصادف الآية: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]، فعادت الدموع الغالية إلى مجاريها عبر خدَّي (منيب)، وكأنَّه يحسُّ أنه المخاطب بهذا الخطاب الرباني، وهمس (منيب) داعيًا: "اللهمَّ إني تبتُ إليك، فتقبَّل توبتي".
دخل الإمام المسجدَ، فأُقيمت الصلاة، وقبل انتهائها، وبالضبط في السجدة الأخيرة قام الكلُّ للتشهد عدا (منيب)!

ترى ما الأمر؟ سلَّم الإمام وسلَّم المصلون من بعده، فانتبهوا إلى (منيب) الذي لم يقم من السجود، فبدأ بعض المصلِّين يتكلَّم معه ظانًّا أنه ربَّما لم يسمع التكبير، فما وجد من جواب، فاتصل عمَّار بيت الله بالإسعاف والسلطات المعنية، وبعد معاينة الطبيب، تأكَّد أن منيبًا قد رحل عنَّا رحيلَه الأخير؛ مات ساجدًا سجدته الأخيرة في أول صلاة فريضة يصلِّيها، مات في عزِّ توبته إلى الله وإنابته إلى ربِّه.

بعد إتمام تغسيله، جُهز (منيب) في جنازة كبيرة العدد، متصلة السند، فمرَّت من أمام المقهى الذي خرج منه آخر مرة، ويا لقدر الله تعالى! فقد صادف مرور الجنازة، خروج زملائه رفاق المقهى والملهى! فوقفوا حائرين مزلزلين، فسألوا أحدَ المشيِّعين عن هُوِيَّة الميت، فلمَّا علموا أنَّه صديقهم بكوا وغاصوا في عمق الجنازة؛ ليشاركوا في تشييع رفيقهم.


لما ووري (منيب) التراب، سأل زملاؤه عن كيفيَّة وفاته، خصوصًا أنه فارقهم بصحَّة جيدة، فحكى لهم الناس القصَّةَ كاملة، وكان ذلك اليوم آخر عهد لهم بالمقهى، فاستبدلوها بالمسجد، وأصبحوا رجالًا صالحين في حيِّهم، فكأنَّ منيبًا دعا إلى الله بقوَّة توبته وصدقها، ودموعُه الغالية النَّفيسة التي ذرفها عربون على نقاء إنابته وصفاء عودته إلى ربه.
دموع الرحيل الغالية الثَّمينة، كانت سببًا أن رزق اللهُ الشيخ توبةً جميلة وخاتمة حسنة وموعظة لزملائه في البلوى بليغة.
فهل من توبة منيبية؟

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 56.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 54.85 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (3.34%)]