خطبة عيد الفطر 1440 هـ - ملتقى الشفاء الإسلامي
 
اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215325 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 182 - عددالزوار : 61192 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 123 - عددالزوار : 29177 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-05-2022, 08:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة عيد الفطر 1440 هـ

خطبة عيد الفطر 1440 هـ
د. أحمد بن حمد البوعلي

الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 69 - 71].

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.

أيها المسلمون، إنكم في يوم تبسمت لكم فيه الدنيا، أرضها وسماؤها، شمسها وضياؤها، هذا يوم يفطر فيه المسلمون، هذا يوم يفرح به المؤمنون، هذا يوم تكبرون الله فيه على ما هداكم ولعلكم تشكرون.

فبارك الله لكم عيدكم، وأعاده الله على هذه الأمة المرحومة، وهي في عزٍّ وتمكين، ونصر وتأييد؛ ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34].

معاشر المؤمنين والمؤمنات:
فرحة العيد فرحة شرعية أذن الله بها: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].

فرحة بما منَّ الله وأكرم من نعمة التوفيق للصيام والقيام والتمام، فرحة تحمل أجزل العرفان لأهل الحمد ومستحقه، وأسمى آيات الشكر لأهل الشكر ومستأهله؛ قال تعالى: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

وقال صلى الله عليه وسلم: ((للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه))[1].

إن الجوائز الإلهية والمنح الربانية التي توزع اليوم ما هي إلا جزء من الجوائز العظيمة، والمنح الكريمة، والعطايا الجليلة التي يخص الله بها عباده الصائمين يوم القيامة، ثم يتفضل المنان عليك بأعظم نعمة وأجلها؛ وهي العتق من النيران، والفوز بالجنان، جزاءً وفاقًا على إحسانك، ثم يعطيك كتابك بيمينك، فترفع يديك بين البشر وتصرخ: ﴿ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 19، 20].

و((إن في الجنة بابًا يُقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد))[2]، فتضع رجلك عند باب الجنة، فتستقبلك الملائكة الكرام بأحلى كلمة: ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 23، 24]، فهنيئًا لكم أيها الصائمون.

جمال العيد وبهاؤه يجب أن يكون على ما يرضي الله تعالى، وعلى ما أذن به شرعًا، وأن يكون فرحًا شرعيًّا مباحًا، لا كفرح بعض المسلمين - هداهم الله - يفرح في هذا اليوم فرحًا يجعله يقع في بعض المعاصي والآثام، وقد يتلطخ بالحرام، ويتزين للعيد بما نهاه الله عنه وحرمه عليه.

إن العاقل الفطِن ومع تفكيره بالعيد؛ يكون تفكيره واهتمامه بقبول الله تعالى لعمله؛ قال علي رضي الله عنه: "كونوا لقبول العمل أشد اهتمامًا منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]"[3].

ليس في العيد حزن؛ لأن الحزن من أحب الأمور إلى الشيطان في نفوس المؤمنين؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المجادلة: 10].

لذلك نهى الله تعالى عنه في غير ما آية في كتابه فقال: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾ [آل عمران: 139].
وقال سبحانه: ﴿ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الحجر: 88].

الحزن قرين الهم والغم؛ لذلك استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منهما فقال: ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن))[4].

إن راحة القلب وسروره، وزوال همومه وغمومه، مطلب كل واحد من الناس، به تحصل الحياة الطيبة، وبه يتم السرور والحبور.

أما الحزن؛ فهو الحمَّى التي تشل جسم الحياة، وتكدر صفوها وتنغص عيشها.

لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أعظم الناس بلاء، وكان أعلم الناس بربه، فكان أشرح الناس صدرًا، وأطيبهم نفسًا، وأنعمهم بالًا، امتن الله عليه بشرح صدره؛ فقال: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ [الشرح: 1].

فمن كان للنبي الكريم أتْبَعَ، كان له من سعة الصدر وانشراحه المقام الأرفع.

ألا وإن من أعظم أسباب انشراح الصدور: توحيد الله تعالى؛ إيمانًا به، ورضًا بقضائه وقدره؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

إذا أردت أن يفرج الله همك، فاقْطَعْ طمعك في كل مخلوق، ولا تعلق على أحد أملًا غير الله تعالى.

من أعظم أبواب السعادة: دعاء الوالدين، فاغتنمه ببرهما؛ ليكون دعاؤهما حصنًا حصينًا من كل مكروه.

إذا أهمك أمر ونابتك نائبة، فافزع إلى الصلاة؛ ((كان النبي إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة))[5] ، وكان يقول: ((أرحنا بها يا بلال))([6]) ، ويقول أيضًا: ((وجُعلت قرة عيني في الصلاة))[7].

طهر قلبك من الحسد، ونقِّه من الحقد، وأخرج منه البغضاء، وأزِلْ منه الشحناء، تجد الأمن والسرور.

والحاسد ذو خطر عظيم ونفسية قد بلغت حدًّا من الخبث على قدر ضرره، وقد تؤثر عينه في المحسود سلبًا وإضعافًا وشرًّا، قد يصل إلى حد الهلاك، فتكون نظراته كسم الأراقم والعقارب، وعلى هذا فحسنات الحاسدين في مهب الريح؛ فقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والحسد؛ فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، أو قال: العشب))[8].

اترك الذنوب والمعاصي؛ فالهموم والأحزان عقوبات عاجلة؛ فكيف ينشرح صدر من ضيع صلاته ومنع زكاته؟! كيف ينشرح صدر من عق والديه وقطع أقرب الناس إليه؟! أم كيف ينشرح صدر من ظلم مسلمًا في مال أو عرض؟!

كيف ينشرح صدر من أكل الربا وغش المسلمين في بيع أو شراء؟!

قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 10].

أكثر من ذكر الله وتلاوة القرآن؛ تجد السكينة والطمأنينة والأنس والسرور؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

أكثر من: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، فلها سر عجيب في كشف الكروب، ونبأ عظيم في رفع المحن والخطوب.

لا تنس: ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]، فإنها تطفئ الحريق، وينجو بها الغريق، ويُعرف بها الطريق، وفيها العهد الوثيق.

كرر: (لاحول ولا قوة إلا بالله)؛ فإنها تشرح البال، وتصلح الحال، وتحمل بها الأثقال، وترضي ذا العزة والجلال.

أكثر من الاستغفار؛ فمعه الرزق والفرج والذرية، والعلم النافع والتيسير وحط الخطايا.

أكثر من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنها تذهب الهموم، وتزيل الغموم، وتشفي القلب المكلوم.

اعلم أنك لست الوحيد في البلاء، فما سلم من الهم أحد، وما نجا من الشدة بشرٌ.
إذا اشتد الحبل انقطع، وإذا أظلم الليل انقشع، وإذا ضاق الأمر اتسع، ولن يغلب عسرٌ يسرين.
البلاء يقرب بينك وبين الله، ويعلمك الدعاء، ويذهب عنك الكبر والعجب.

أيها المسلمون:
إن من سنن الله تعالى في خلقه ابتلاءهم وتعريضهم للفتنة، فالاختبار والتمحيص محك صدق الإيمان: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2، 3]، فالله سبحانه لا بد أن يبتلي المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان.

وهذا البلاء مع خطورته إلا أنه كذلك كلما اشتد كان علامة خير؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: ((دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فوضعت يدي عليه فوجدت حره بين يدي فوق اللحاف، فقلت: ما أشدها عليك؟ قال: إنا كذلك يضعف لنا البلاء، ويضعف لنا الأجر، قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء، قلت: ثم من؟ قال: الصالحون، إن كان أحدهم ليُبتلَى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يحويها، وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء، كما يفرح أحدكم بالرخاء))[9].

فالبلاء دليل خير وليس نذيرَ شرٍّ؛ وفي حديث أنس مرفوعًا: ((إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط))[10].

ولكي يرفع الله ما حل بهم من المصائب؛ تجب التوبة إلى الله تعالى والإنابة إليه والإقلاع عن موجبات العقوبة والبلاء؛ قال الله عز وجل: ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 43 – 45].

لقد أرشدنا الله عز وجل في هذه الآية التي تفزع منها قلوب المؤمنين إلى أسباب رفع البلاء إذا حلَّ بالناس؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ﴾ [الأنعام: 43]؛ أي: هلا تابوا وأقلعوا عن ذنوبهم التي كانت سببًا في نزول البلاء؛ فإن الله عز وجل يرفع بالتوبة المحن والمصائب عن الناس؛ كما قال علي رضي الله عنه: "ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة"[11].

وإن من السنن الربانية التي استفاضت بها الأدلة الشرعية إيضاحًا وإقرارًا أن الله لا يعذب الأمم لمجرد ارتكاب الذنب والوقوع في الإثم، بل من رحمة الله أن العذاب والإهلاك لا يصيب الأمم والأفراد إلا بعد استيفاء مراحل متعددة؛ يتجلى فيها حلم الله، وعدم معاجلته للأمم بالعقوبات، فإذا استقامت الأمم على النهج القويم غفر الله لها الزلات، وأمدهم بعطائه، وتولاهم بحفظه، وأما إذا ما خالفت الأمم ونقضت العهود وأصرت على مخالفة المنهج الحق، والاستمرار على الغي، والتمادي في الباطل؛ فعندها يتنزل عليهم العقاب ويحل عليهم السخط.

إن راحة القلب وسروره، وزوال همومه وغمومه، مطلب كل واحد من الناس، به تحصل الحياة الطيبة، وبه يتم السرور والحبور، أما الحزن؛ فهو الحمى التي تشل جسم الحياة، وتكدر صفوها وتنغص عيشها.

أيها المسلمون، إن بلادنا ابتُليت بأناس قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم: ((يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة))[12].

وجاء في وصفهم أيضًا: ((يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم))[13] ؛ قال الشاطبي: "يعني: أنهم لم يتفقهوا فيه، فهو في ألسنتهم لا في قلوبهم"[14].

ومن فرط جهلهم أنهم كما يقول ابن عمر رضي الله عنه: "انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين"[15].

وهذا شأن الخوارج وأهل الابتداع والغلو.

وعن عبدالله بن مسعود، وأبي موسى رضي الله عنهما، قالا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن بين يدي الساعة لأيامًا، ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج))[16] ، والهرج: القتل، فتأمل اقتران كثرة القتل بقلة العلم؛ مما يدل على أن الجهل أو قلة العلم هو سبب انتشار القتل.

أيها المسلمون:
لا يوجد دستور في العالم يحفظ حقوق الإنسان كدين الإسلام؛ وفي القرآن: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32].

بل تجاوز الإسلام ذلك إلى تحريم الاعتداء على الكافرين المستأمنين غير المحاربين؛ عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا))[17].

أمة الاسلام: لقد أقبلت دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله لتصوغ الحياة كلها - فضلًا عن الإعلام - وفق عقيدة التوحيد، وتنقل المجتمعات من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ولذا حاربت الغلو بشتى صوره وأنواعه، بما في ذلك الغلو في التكفير، واجهت هذه الدعوة الغلو في المعظمين من البشر: الصالحين والعلماء والأمراء، وإن المتأمل في مناهج هذه الدعوة العلمية ومواقفها العملية يجد لزوم الوسط والعدل، ومجانبة الغلو والجفاء، ومع حبنا للإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وفضله في دعوته وتحالفه مع الإمام محمد بن سعود رحمه الله تعالى، وقد حققا الشيء الكثير وما هذه البلاد وعطاؤها الممتد ودعوتها وحبها للخير إلا امتداد لها، فدعوة الإمامين ليست إلا دعوة إصلاحية مجددة، فليست مذهبًا فقهيًّا، أو جماعة حزبية، إنما منهج شرعي قام بواجبه تجاه بلاده وأمته ومجتمعه، وأما الجماعات الإرهابية والتحزبات المقيتة، والأفكار التي تفرق الشباب، فإنها دعوات مشينة تفرق جماعة المسلمين؛ والله يقول: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 105].

وبلادنا - ولله المنة - جماعة واحدة مصدرها الكتاب والسنة، ولنا بيعة في أعناقنا لولي أمرنا وولي عهده، نسير بخطى ثابتة مع أسلافنا وعلمائنا الراسخين.

لذا كان من الواجب المتعين وضع منهج لمقاومة هذا الغزو الفارسي والحزبي لديار المسلمين، وهو يقوم على أصلين:
الأول: التحصين الذاتي للأمة ببيان السنة ونشرها، والتحذير من البدعة وفضحها.
والثاني: مواجهة البدعة والمبتدعين بالوسائل الشرعية المناسبة للحال والزمان والمكان.

إن تربيتنا الإسلامية كانت ردحًا من الزمن، عنوانًا للعلم والتميز والنبوغ، والتسامح والعطاء المتجدد للنصح والإصلاح، ونشر القيم الروحية السمحة التي ظلت صمام أمان للمجتمع بكل فئاته وأطيافه، بل حافظت على تماسكه وإشعاعه الحضاري منذ زمن الاستعمار، وطمس الهوية الدينية والثقافية للبلد، فكانت حصنًا حصينًا بدءًا من المسجد ودور القرآن، والكتاتيب القرآنية والرباطات والزوايا؛ حيث حمل العلماء والدعاة والفقهاء شعار السلم والعدل والمساواة والإنصاف، والعبودية لله الواحد القهار، والتحرر من كل العبوديات المادية والاستعمارية والإلحادية، ولا يزالون - ولله الحمد - يحملون المشعل الرباني من جيل إلى جيل حتى يرث الله الأرض ومن عليها بإحسان، وليمحص الله الصادقين من الكاذبين والمنافقين والمتلاعبين بالدين الذين يزينون القول من أجل صد الناس، والمجتمع عن نور الحق المبين: ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30]، ﴿ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [الأنعام: 123].

كثير من الناس يدعي الوسطية، ولا يعني بها سوى التساهل والترخص، وترك العزيمة في الأمر، واختيار ما يتماشى مع رغبات العوام؛ وقال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري: "يعني جل ثناؤه بقوله: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143]: كما هديناكم - أيها المؤمنون - بمحمد عليه والسلام وبما جاءكم به من عند الله، فخصصناكم بالتوفيق لقبلة إبراهيم وملته، وفضلناكم بذلك على من سواكم من أهل الملل، كذلك خصصناكم ففضلناكم على غيركم من أهل الأديان، بأن جعلناكم أمة وسطًا"[18].

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية
الله أكبر سبعًا، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله بكرة وأصيلًا.
تتصافى القلوب، وتتصافح الأيدي، ويتبادل الجميع التهاني.

وإذا كان في القلوب رواسب خصام أو أحقاد، فإنها في العيد تسل فتزول، وإن كان في الوجوه العبوس، فإن العيد يدخل البهجة إلى الأرواح والبسمة.

لا بد للأمة اليوم إذا رغبت أن تعود لمجدها أن تتجاوز حدود الجهود الفردية في معالجة مشكلاتها، وأن تتضافر الجهود في النهوض بالأعباء الجسمية التي تحتاج إلى صبر، وجلد وتضحيات، وذلك شرف وأي شرف يحظى به الصادقون المخلصون من أبناء هذه الأمة.

إنني أعتقد جازمًا أن الهموم مشتركة، وأن الحديث عنها قد فاض واستفاض، غير أن الأمر يحتاج إلى همم عالية؛ ذلك أن العجز والكسل، ليس من طبيعة المؤمنين.

إن (العلم) هو القاعدة الصلبة التي تقوم عليها نهضة الأمم والشعوب، لكن لا على أنصاف المتعلمين، ولا على المتعالمين، وإنما على أصحاب الرسوخ في العلم، وأعني بـ(العلم) هنا: معناه الشامل الذي يخدم كل مصالح الدين والدنيا، ولا يفوتني هنا أن أشيد بالجهود الإصلاحية التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين والحكومة الرشيدة محليًّا وخليجيًّا وعربيًّا وإسلاميًّا وعالميًّا.

إن العمل الخيري أحد مظاهر رعاية التشريع الإسلامي للمجتمع؛ فالقيام به يربي المجتمع على حب الخير للجميع، والارتفاع عن النظرة المادية المغرقة، وتقديم الدعم لكل من يستدعي حاله الحاجة للدعم والاهتمام، وهو كذلك يحفظ تماسك المجتمع، ويحقق الأخوة، مما يضمن له السلم الاجتماعي؛ ولذا جاءت النصوص الشرعية حاثة عليه، آمرة به؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج: 77]، وهي آية جامعة للعمل الخيري مع فرائض الدين اللازمة في سياق واحد.

إن التربية المحمدية ركزت على المبادئ التي تخدم وحدة المسلمين وتدفع عنهم التفرقة والاختلاف المذموم، وقد بدا ذلك جليًّا من خلال نصوص شرعية كثيرة؛ منها: أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((سمعت رجلًا قرأ آية، وسمعت النبي يقرأ خلافها، فجئت به النبي فأخبرته، فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: كلاكما محسن، ولا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا))[19].

ولا شك أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم تأثروا تأثرًا بالغًا بتلك المبادئ، فجعلوها نبراسهم، وسار مسارهم التابعون وتابعو التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ومن أبرزهم الأئمة الأعلام؛ أمثال: مالك وأبي حنيفة، والشافعي وأحمد وغيرهم؛ بحيث لم يتعصبوا لآرائهم، ولم يثبت عن أحدهم أنه كفَّر مخالفيه، أو انتقص من شأنهم لأنهم لم يروا ما رأى، وبذلك ساهموا رضي الله عنهم سنين طويلة في استقرار المجتمع المسلم، وإبعاده عن مغبة التناحر والتطاحن.

يحسن الحديث عن أمر يتعلق بهذه الأجواء الجميلة؛ ألا وهو الاستجمام والنزهة؛ قال تعالى عن أولاد نبيه يعقوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [يوسف: 11، 12].

قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يلهو، وينشط، ويسعى"[20]، بأن "يتنزه في البرية ويستأنس".

وقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: "أجموا هذه القلوب واطلبوا لها طرائف الحكمة؛ فإنها تمل كما تمل الأبدان"[21].

أيتها المسلمة: اغرسي الإيمان في ولدكِ الرضيع بذكر الله تعالى عنده، وعلميه الإيمان حين يحبو بتعويده على الذكر، ودرسيه الإيمان حين يخطو بنسبة كل نعمة لله تعالى، وحين يميز حفِّظيه شيئًا من القرآن فهو كتاب الإيمان، وعلميه أركان الإيمان والإسلام، واغرسي في قلبه أن الإيمان أغلى ما يملك، فليخسر كل شيء من الدنيا ولا يخسر الإيمان، فإن من ملك الإيمان ملك كل شيء، ومن خسره خسر كل شيء: ﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الزمر: 15]، وتذكري أن المرأة المؤمنة تلتقي بأحبتها المؤمنين في الجنة، وترفع درجاتهم إليها، وليس أحد أغلى على المرأة من بنيها وبناتها، فيلحقون بها في الجنة إن حافظوا هم على إيمانهم: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾ [الطور: 21].

ألا فاتقين الله - أيتها الأخوات المؤمنات - وكنَّ خير خلف لخير سلف من نساء المؤمنين، واحذرن التبرج والسفور والاختلاط والتقصير في أداء الأمانة؛ فإن مسؤوليتكن عظيمة، وتأثيركن في البيت أعظم، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر.

بشراكن معاشر المؤمنات؛ بشراكن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها أدخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت))[22].

فالله الله يا مسلمة في طاعة الزوج وحسن التبعل له، الله الله في رعاية البيت المسلم وحسن تربية الأولاد؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها))[23].

إن أمر الشرع للرجال بأداء حقوق للنساء هو كمال في حقهم وحقهن، وهو صورة من صور التكافل والموالاة بين المسلمين، وأنه لا علاقة له بكمال الأهلية بوجه من الوجوه.

إن الولي مسؤول مسؤولية حقيقية عن أهله (أخته، وابنته، وزوجته)، فهو كما أنه مكلف بالنفقة والكفاية والحماية من الأذى، فهو مكلف بمنع السفر بلا محرم، ومنع تبرجها ومخالطتها للأجانب، وغيره.

فعلى هذا، فالرجل تطيعه المرأة في حدود ما كلفه الشرع به، إلا من كانت طاعته واجبة بالأصالة، كالأب، والزوج في المعاشرة وترك الخروج.

ويتضح بهذا أنه لا يجوز أن يحال بين الرجل وبين حقه في القوامة على أهله، بأن تمكن مما نهى الشرع عنه، وأن ذلك نزعٌ لولاية ولاه الله إياها، وتضييع لحقوق أوجب الشرع أداءها بين أهل البيت.

لا تنسوا فقراءكم فهم إخوانكم، أدخلوا البهجة والسرور عليهم، وآتوهم من مال الله الذي آتاكم، فإدخال السرور عليهم قربة من القربات، ادعوهم إلى ولائمكم، فخير طعام الولائم وليمة يدعى إليها الفقراء، وشر الولائم وليمة يمنع منها الفقراء، أعينوهم بما أنعم الله عليكم، فكثير من الكماليات عندنا هي من الضروريات عندهم، فكم من فقير يكتم حاجته بسبب جلباب الحياء والعفة، وكم من فقير غلبت فاقته صمته، فأظهرها من طرف خفي، فمعونة الفقراء من أسباب الرزق والنصر.

لا تنسوا مرضاكم، أشركوهم في عيدكم، واجعلوا لهم حظًّا من زياراتكم، ففرحة العيد ليست موقوفة على الأصحاء.

إن أثمن ما في الأمة شبابها، فيا شباب الإسلام، تمسكوا بدينكم، وإياكم والاغترار بعمر الزهور واكتمال القوى.

فيا شباب الإسلام، أنتم أمل الأمة المشرق، وعدة المستقبل الوضاء، ورجال الغد المتلألئ، عليكم بالقيام برسالتكم، قوموا بواجبكم، واعرفوا مكانتكم، وتمسكوا بدينكم، وتلاحموا مع ولاة أمركم وعلمائكم، واسلكوا المنهج الوسط، فلا غلو ولا جفاء، ولا إفراط ولا تفريط، حذار والاسترسال في الغفلة والشهوات والانخداع بالشبهات، واحذروا وسائل الشر فالمتربصون بكم كثير.

فيا أيها الآباء والأمهات:
اتقوا الله في أولادكم، كونوا قدوة لهم في الخير، أبعدوهم عن قرناء السوء، تابعوهم في صلواتهم وخلواتهم وجلواتهم، كونوا الرقابة المكثفة المقرونة بمشاعر المحبة والحنان والشفقة، حذار أن تتسلل إلى الأسر ألوان من الغزو الفكري والأخلاقي، فتهدم ما بنيتموه، وتنقض ما شيدتموه، نشِّئوهم على الخير والفضيلة والهدى، والبعد عن الرذيلة والشر والردى.

أيها المسلمون، لا تنسوا جنودنا البواسل بالاتصال بهم وزيارة أبنائهم والدعاء لهم بأن ينصرهم الله.

وتابعوا – عباد الله – العمل الصالح بعد رمضان، وإن من متابعة الإحسان بعد رمضان صيام الست من شوال بعد يوم العيد متتابعة أو متفرقة في أول الشهر أو وسطه أو آخره؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر))[24].

لقد اتصف عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالديمومة المتصلة، فحين سُئلت أم المؤمنين عائشة: ((هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختص من الأيام شيئًا؟ قالت: لا؛ كان عمله ديمةً))[25].

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
اللهم تقبل منا مضى من الصيام والقيام، واكتب صيامنا في عداد الصائمين، وقيامنا في عداد القائمين.

اللهم أعِدْ علينا رمضان أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب والأبصار، صرِّف قلوبنا على طاعتك، اللهم اجعلنا ممن طال عمره وحسن عمله، اللهم إنا نسألك الثبات والاستقامة في رمضان، وبعد رمضان، اللهم اجعل عيدنا سعيدًا وعملنا صالحًا رشيدًا.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزة الدين، وانصر عبادك المجاهدين.

اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأمن حدودنا وانصر جنودنا المرابطين.

اللهم إنا نسألك أن ترفع ذكرنا، وتضع وزرنا، وتصلح أمرنا، وتطهر قلوبنا، وتحصن فروجنا، وتنور قلوبنا، وتغفر لنا ذنوبنا، ونسألك الدرجات العلى من الجنة.

وتقبل الله طاعتكم، وكل عام وأنتم بخير، وأدام الله أفراحكم في دياركم العامرة، والحمد لله رب العالمين.


[1] أخرجه البخاري (7492) واللفظ له، ومسلم (1151) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[2] أخرجه البخاري: (1896) عن سهل بن سعد رضي الله عنه.

[3] رواه ابن أبي الدنيا في كتاب: (الإخلاص والنية)، ص: (39).

[4]أخرجه البخاري 2893، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

[5] أخرجه أبو داود (1319)، عن حذيفة رضي الله عنه، قال ابن حجر في فتح الباري (3/ 205): إسناده حسن.

[6] صحيح أبي داود للألباني (4985)، عن سالم بن أبي الجعد رضي الله عنه.

[7] أخرجه النسائي: (3939)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وقال ابن الملقن في البدر المنير (1/ 501): إسناده صحيح.

[8]أخرجه أبو داود، عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 30): إسناده صحيح.

[9]أخرجه الترمذي (2398)، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه (4023)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2398).

[10] أخرجه الترمذي (2396)، وابن ماجه (4031)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2110).

[11] هذا الأثر روي عن العباس بن المطلب رضي الله عنه: أخرجه الدينوري في (المجالسة رقم 727) وابن عساكر في (تاريخ دمشق).

[12] أخرجه البخاري 6930، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

[13] أخرجه الترمذي: 2188، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، وقال: حسن صحيح.

[14] الاعتصام للشاطبي: (456).

[15] أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم (9/ 16).

[16] أخرجه البخاري (7062)، ومسلم (2672).

[17] أخرجه البخاري (3166).

[18] تفسير الطبري (3/ 141).

[19] أخرجه البخاري: (2410).

[20] تفسير ابن جرير الطبري: (15/ 570).

[21] رواه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله: (659(.

[22] أخرجه أحمد: (1661 (وقال الألباني في صحيح الجامع (660) صحيح.

[23] أخرجه البخاري (2554)، ومسلم (1829) باختلاف يسير، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.

[24]أخرجه مسلم (1164)، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.

[25] أخرجه البخاري (1987)، عن عائشة رضي الله عنها.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 71.93 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (2.39%)]