عرض كتاب أبو القاسم الشابي: رحلة طائر في دنيا الشعر

[ابوالوليد المسلم]

وَسِرْتَ تُشَوِّه سِحْرَ الوجودِ

وتبذرُ شوكَ الأسى في رُباهُ




رُوَيدَكَ، لا يخدعنْك الربيعُ

وصحوُ الفَضاءِ، وضوءُ الصباحْ




ففي الأفُق الرحب هولُ الظلام

وقصفُ الرُّعودِ، وعَصْفُ الرِّياحْ




حذارِ، فتحْتَ الرَّمادِ اللهيبُ

ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ









ورَوَيَّت بالدَّم قَلْبَ التُّرابِ

وأشْربتَه الدَّمعَ، حتَّى ثَمِلْ




سيجرفُكَ السيلُ، سيلُ الدماء

ويأكلُك العاصفُ المشتعِلْ

ويرى الكاتب في دراسته أن شعر الشابي مر بثلاث مراحل متعاقبة:

المرحلة الأولى: وتمثل المراحل المبكرة، وله شعر فيها يتسم بالتقليد وبعض الضعف، ونلمح فيه تأسِّي الشاعر بشتى التيارات والأساليب.



المرحلة الثانية: مرحلة التطور في تفكيره وفنِّه، بعد مروره بتجربة حبِّه الأولى والتي أنضجت شعره، وجعلت منه شاعرًا قويَّ الأحاسيس، متفرد الذاتية، فابتداءً من عام 1930 وحتى عام 1933 كان التطور الحاسم في شعر الشابي؛ حيث كانت قصائد: النبي المجهول، ورثاء والده، وفكرة الفنان، وفي ظل وادي الموت، والساحرة، وقال قلبي للإله، وغيرها من قصائده الرومانسية.



أما المرحلة الثالثة: فقد دخلها الشابي في عام 1934، سنته الأخيرة؛ حيث نشر شعره بمصر في مجلة "أبولو"، ونشرت له قصيدته الشهيرة: "صلوات في هيكل الحب" التي صنعت دويًّا واسعًا حال نشرها في الأوساط والمحافل الأدبية، واحتفى بها الأدباء في المشرق العربي، وتوالت بعدها قصائده الناضجة القوية في المجلات في أخريات حياته، حتى نشرت له جريدة "العمل التونسي" قصيدته الخالدة: "إرادة الحياة".



كما تناول الكاتب في الفصل الثاني أيضًا جانبًا من نثر الشابي، والذي كان غارقًا في الرومانسية والنزعة التفكيرية البحتة مثل أغلب شعره؛ حيث طبع الأدب والشعر الشابي بطابع متميز، فكان الشابي يكتب من أعماقه رسائله الأخيرة لأصدقائه وللمجلات الأدبية، بعاطفة قوية صادقة نلمح أثرها بين السطور، أو كما يصف جبران خليل جبران طريقة كتابة الشاعر فيقول: "ليس من يكتب بالحبر كمن يكتب بدم القلب".



كتب الشابي إلى أحد أصدقائه يقول:

"إن تونس لفي حاجة إلى أبنائها الذين تتدفَّق في دمائهم عزمات الفتوة، ونخوة الشباب، ونشوة الأحلام، إن تونس لفي حاجة إلى أن تتقدم بخطوات ثابتة إلى سبيل النور والزهور، إن تونس لفي حاجة إلى أن ترفع رأسَها عاليًا حتى تشاهد أنوار السماء وشموسها، وحتى تقبِّل شفتاها أضواء النجوم، ولئن كانت تونس فقيرة إلى هذا الضرب من أبنائها.. هذا الضرب الذي يحن إلى أن يعيشَ عيشة كلها حق ولذة وجمال، وكلها إحساس وشعور وعواطف.. إن كانت تونس فقيرة إلى هذا النوع من أبنائها - فإنه يجب على النفر القليل منهم أن يبذلوا كلَّ ما في جهدهم من عزم وقوة وحمية وشباب؛ حتى يستطيعوا أن يكونوا نشئًا حيًّا مخلصًا، شاعرًا بواجبه لأمته وللحياة وللوجود، وأن يخلقوا في الواقع ذلك الوسط الحي الجميل، الذي نتصوره في أحلامنا، ثم نلتفت فلا نلمح له أثرًا".



ويقول الكاتب في وصف تلك الروح التمردية عند الشابي:

"لقد كان الشابي ناقمًا، كما كان متفائلاً، ولو نظرت إلى نقمة أو تشاؤم في شعره فمرجعه إلى أمل فكري في ذهنه، وأمنيات كبار كانت تراود نفسه، وليس هذا جديدًا على أديب مثل الشابي"؛ صـ72.



وتناول الكاتب في فصله الثالث مختارات من شعر الشابي، ونجد أن الشابي قد جمع أغلب قصائده في ديوان شعره: "أغاني الحياة" في أخريات حياته، وضم هذا الديوانُ معظمَ قصائده، والتي تنوعت ما بين القصائد الرومانسية والحماسية إلى جانب مجموع قصائده الاجتماعية، والمعارضات الشعرية التي كان يجرب قلمه فيها.