|
ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() زَيْد بن حارثة الكلبي القائد الشهيد ـ 1 ـ اللواء الركن : محمود شيت خطّاب هو زيد بن حارثة بن شَراحِيْل بن عبد العُزَّى بن امرئ القيس بن عامِر بن النُّعمان بن عامِر بن عَبْد وُدّ بن عَوْف بن كِنَانة بن عَوْف بن عُذرَة بن زيد الَّلات بن رُفَيْدَة بن ثوْر بن كَلْب بن وَبَرَة بن تَغْلب بن حُلْوان بن الجاف بن قُضَاعة بن مالِك بن عمرو بن مُرَّة بن مالِك بن حِمْير بن سَبَأ بن يَشْجُب بن يَعْرُب بن قَحْطان ، وإلى قحطان جماع اليمن ، وربما اختلف الذين نسبوه في الأسماء وتقديم بعضها على بعض وزيادة شيء فيها ونقص شيء فيها . ومن المعلوم أن العرب كانوا ولا يزالون يهتمّون بحفظ أنسابهم تسجيلا ورواية ، ومصادر الأنساب في التراث العربي كثيرة جدا ، وحتى اليوم إذا زرت حيا من أحياء العرب ، وسألت طفلا من أطفاله عن نسبه ، سرد عليك نسبه إلى بضعة أسماء أو أكثر ، وحفظُ الأنساب غير معروف عند غير العرب من الأمم الأخرى ، فلا غرابة في تشكيكهم باستمرار في صحة الأنساب العربية ودقتها ، والمرء عدو ما جهل . ولا مجال للعربي الأصيل أن يتقبل تشكيك غير العربي بصحَّة أنساب العرب ، ولكن الشك ينحصر في دقَّتها ، وبخاصة إذا ارتفعت إلى عهود سحيقة في القِدَم . وأم زيد : سُعْدى بنت ثعلبة بن عبد عامِر بن أفلتَ من بني مَعْنِ من طيء . وزارت سُعْدى أمّ زيد قومها وزيد معها ، فأغارت خيل لبني القَيْن بن جَسْر في الجاهلية فمرّوا على أبيات بني مَعن رهط أمِّ زيد ، فاحتملوا زيدا إذ هو يومئذٍ غلام يَفَعَة قد أَوْصَفَ ، فوافوا به سوق عُكاظ ، فعرضوه للبيع ، فاشتراه منهم حَكيم بن حِزام بن خُوَيلد بن أسد بن عبد العُزَّى بن قصَيّ لعمته خديجة بنت خُوَيْلدِ بأربعمائة درهم ، فلما تزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهبته له ، فقبضه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وفي رواية أخرى ، أن زيدا كان قد أصابه سباء في الجاهليّة ، فاشتراه حكيم بن حزام في سوق حُبَاشة ، وهي سوق بناحية مكة كانت مَجْمعا للعرب يتسوّقون بها في كلِّ سنة ، اشتراه حكيم لخديجة بنت خُوَيلد ، فوهبته خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - ينادى عليه بالبطحاء ، فذكره لخديجة ، فقالت له يشتريه ، فاشتراه من مالها لها ، ثمّ وهبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - . ويقال : إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ابتاع زيدا بالشّام لخديجة حين توجّه مع مَيْسَرة قِّيمِها ، فوهبته له . والمتفق عليه ، أن زيدا أصابه سباء ، وكان حرا فأصبح عبدا لخديجة ، ثم أصبح للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أهميَّة للاختلاف في مَنْ اشتراه ولا في مكان بيعه . وقد كان أبوه حارثة حين فقده قال : بَكَـــيْتُ علـــى زيـــد وَلــم أدْرِ مــا فَعَــلْ أحَــيٌّ فَيُرْجَـــى أم أَتَــى دونَــه الأجــلْ فواللــــهِ مــــا أدري وإنْ كــــنتُ ســـائلا أغَـــالكَ سَــهْلُ الأرض أمْ غــالكَ الجَــبَلْ فيـا ليـتَ شِـعْري هـل لـكَ الدَّهـرَ رجعـةٌ فحسـبي مـن الدنيـا رُجـوعُك لـي بَجَـلْ تذكِّرُنيــــهِ الشَــــمسُ عنــــد طلوعهــــا وَتَعــــرض ذكــــراهُ إذا قــــاربَ الطَّفَـــلْ وإنْ تَعبــــــتِ الأرواحُ هيَّجـــــنَ ذكـــــرَه فيــا طــولَ مــا حــزني عليــه ويـا وَجَـلْ سأعمل نـصَّ العِيْس فـي الأرض جاهدا ولا أســـأم التطـــوافَ أو تســـأم الإبـــلْ حَيـــــاتيَ أو تـــــأتيِ علـــــى منيَّتــــي وكـــلْ امـــرئ فـــانٍ وإنْ غـــرّه الأمـــلْ وأوصـــى بـــه قيســـا وعَمْـــرا كليهمــا وأوصـى يزيــدا ثــمّ مــن بعــدهم جَــبَلْ يعني جبلة بن حارثة أخا زيد ، وكان أكبر من زيد ، ويعني يزيد أخا زيد لأمِّه ، وهو يزيد بن كعب بن شراحيل .ثم إنّ ناسا من بني كلب حجُّوا ، فرأوا زيدا فَعَرَفهم وعرفوه ، فقال : " بلِّغوا أهلي هذه الأبيات ، فإني أعلم أنهم جزعوا عليّ " وقال : أَحــــنّ إلـــى قـــومي وإنْ كـــنتُ نائيـــا بـــأني قطيـــن البيـــت عنــد المشــاعر فكُفّــوا مــن الوَجــدِ الــذي قــد شـجاكُمُ ولا تُعملــوا فـــي الأرض نـــصّ الأبــاعر فـــإني بحـــمد اللــه فــي خَــيْرِ أسْــرَةٍ كــــرام مَعَـــــدٍّ كـــــابرا بَعْـــــدَ كـــــابِرِ وانطلق الكلبيون إلى ديارهم ، وأعلموا أباه بمكانه ، ووصفوا له موضعه وعند مَنْ هو ، فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل بفدائه ، وقدِما مكّة ، فسألا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل : هو في المسجد . فدخلا عليه ، فقال : " يا ابن عبد الله يا ابن عبد المطلب يا ابن هاشم يا ابن سيِّد قومه ، أنتم أهل الحرم وجيرانه وعند بيته ، تفكُّونَ العاني ، وتُطعمون الأسير ، جئناك في ابننا عندك ، فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه ، فإنا سنرفع لك في الفداء" . قال : " مَنْ هو ؟ " ، قالوا : " زيد بن حارثة " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فهل لغير ذلك ؟ " قالوا : " ما هو ؟ " فقال : " دَعُوه فخيِّروه ، فإن اختاركم فهو لكما بغير فداء ، وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على مَنْ اختارني أحدا " . قالا : "زدتنا في النّصف وأحسنت" . ودعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " هل تعرف هؤلاء ؟ " قال : "نعم" ، قال : " مَنْ هما ؟ " قال : "هذا أبي - وهذا عمي" . قال : " فأنا مَنْ قد علمتَ ورأيتَ صُحْبتي لك - فاخترني أو اخترهما " ، فقال زيد : "ما أنا بالذي أختار عليك أحدا ، أنت مني بمكان الأب والأم " ، فقالا : "ويحك يا زيد أتختار العبوديّة على الحريَّة وعلى أبيك وعمِّك وأهل بيتك ؟ !" ، قال : "نعم! إني قد رأيت من هذا الرّجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا" . فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك أخرجه إلى ( الحجر ) فقال : " يا مَنْ حَضَرَ! اشهدوا أنّ زيدا ابني ، أرثهُ ويرثني . فلما رأى ذلك أبوه وعمّه طابت أنفسهما وانصرفا ، فدُعي : زيد بن محمّد ، حتى جاء الله بالإسلام .ويبدو من سياق هذا الحديث ، أنّه جرى قبل مبعثه عليه الصَّلاة والسَّلام ، وكان قدوم حارثة وأخيه مكة لفداء زيد قبل الإسلام أيضا . ومما يلفت النَّظر ، أنَّ زيدا قال لأبيه وعمّه : "إني قد رأيت من هذا الرّجل شيئا ، ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا" ، فما الذي رآه زيد في النبي - صلى الله عليه وسلم - حسن الخلق ، وحسن المعاملة ، ذلك صحيح ، ولكنّه لا يكفي لاختياره ؛ لأنّه اختيار صعب جدا ، لا يكون إلا من أجل العقيدة وحدها ، فهي وحدها تدفع المرء المؤمن إلى التضحية بغير حدود . وأرجِّح أنّ قدوم حارثة وأخيه لفداء زيد ، كان بعد الإسلام ، وأنّ زيدا كان قد أعلن إسلامه وارتبط ارتباطا مصيريا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ، فهذا هو الذي رآه زيد من هذا الرجل : النبوَّة " . ولعلّ الدليل على ذلك ، ما جاء في مصدر واحد : " أنَّ حارثة والد زيد أسلم حين جاء في طلب زيد ، ثم ذهب إلى قومه مسلما " . فإسلام زيد هو الذي جعله يختار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على أبيه وأهله ، وإسلام أبيه حارثة ، هو الذي جعله تطيب نفسه فينصرف راضيا. إسلام زيد : كان الزُهريُّ يقول : " أوّل مَنْ أسلم زيد بن حارثة " ، وكان يقول : " أوّل مَنْ أسلم من النساء خديجة ، ومن الرِّجال زيد بن حارثة " وقال غير الزهري : إنَّ أوّل من أسلم زيد بن حارثة . وكان زيد وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، يلزمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان - صلى الله عليه وسلم - يخرج إلى الكعبة أوّل النّهار ويصلي صلاة الضحى ، وكانت قريش لا تنكرها ، وكان إذا صلى غيرها قعد عليٌّ وزيد بن حارثة يرصدانه . وقيل : إنه أسلم بعد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، فكان أوّل ذكر أسلم وصلى بعد علي بن أبي طالب . وقيل : أول مَنْ أسلم خديجة ، وأسلم علي بن أبي طالب بعد خديجة ، ثم أسلم بعده زيد ، ثمّ أبو بكر - رضي الله عنهم - جميعا . وقيل : أول مَنْ أسلم خديجة ، ثم آمن من الصبيان علي ، ثم آمن من الرجال أبو بكر الصديق ، ثم زيد بن حارثة . ولا أرى تناقضا في تلك الآراء ، فأوَّل مَنْ أسلم من النِّساء خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها ، وأوّل مَنْ أسلم من الرِّجال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وأوَّل مَنْ أسلم من الصبيان علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وأول مَنْ أسلم من الموالي زيد بن حارثة رضي الله عنهم ، فهؤلاء هم الأوائل في الإسلام . وكان هؤلاء النّفر هم الذين سبقوا إلى الإسلام ، ثم تتابع الناس في الإسلام حتى فشا ذكر الإسلام بمكَّة وتحدَّث به النَّاس . وفي مسألة إسلام أولئك النفر السّابقين خلاف مشهور ، ولكنّ تقديم زيد على الجميع ضعيف . ولا مسوِّغ للخلاف ، فكلّهم أوائل في الإسلام ، كل فرد منهم الأوَّل على أمثاله من النَّاس ، فإذا لم يكن زيد أوّل مَنْ أسلم ، فقد كان بالإجماع من أوائل مَنْ أسلم في الطائف : توفي أبو طالب عمّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وخديجة أمّ المؤمنين قبل الهجرة بثلاث سنين ، وبعد خروجهم من الشِّعب - شِعب أبي طالب ، فتُوفي أبو طالب في شوّال أو في ذي القعدة وعمره بضع وثمانون سنة ، وكانت خديجة ماتت قبله بخمسة وثلاثين يوما ، وقيل : كان بينهما خمسة وخمسون يوما ، وقيل : ثلاثة أيام . وعظمت المصيبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بهلاكهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما نالت قريش مني شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب ، وذلك أنّ قريشا وصلوا من أذاه بعد موت أبي طالب إلى ما لم يكونوا يصلون إليه في حياته ، حتى ينثر بعضهم التراب على رأسه ، وحتى إن بعضهم يطرح عليه رحم الشّاة وهو يُصلِّي ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُخْرج ذلك على العود ويقول : أي جوارٍ هذا يا بني عبد مناف !" ، ثمّ يلقيه بالطريق . فلما اشتدّ عليه الأمر بعد وفاة أبي طالب ، خرج ومعه زيد بن حارثة إلى ثَقيْف يلتمس منهم النّصر . فلما انتهى في مدينة الطائف ، عَمَد إلى ثلاثة نفر منهم ، وهم يومئذ سادة ثقيف ، وهم إخوة ثلاثة : عبد ياليل ، ومسعود ، وحبيب ، بنو عمرو بن عُميْر ، فدعاهم إلى الله ، وكلمهم في نصرته على الإسلام والقيام معه على مَنْ خالفه ، ولكنّهم ردّوه ردّا غير كريم . وقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد يئس من خير ثقيف ، وقال لهم : "إن أبيتم فاكتموا عليَّ ذلك ، وكره أن يبلغ قومه خبر إخفاقه ، فلم يفعلوا . وأغروا به سفهاءهم ، فاجتمعوا إليه وألجؤوه إلى حائط لعُتْبة وشَيْبَة ابْنَيْ ربيعة ، وهو البستان ، وهما فيه . ورجع السُّفهاء عنه ، فجلس إلى ظلِّ نخلة وقال : اللهم إليك أشكو ضعف قوّتي وقلّة حيلتي وهواني على الناس! اللهم يا أرحمَ الرَّاحمين أنتَ ربّ المستضعَفين وأنت ربي ، إلى مَنْ تَكِلُنِي ؟ إلي بعيدٍ يتَجهّمني ، أو إلى عدو ملَّكته أمري ، إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع . إني أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، من أن تُنزل بي غضبك أو تُحل بي سخطك . وعاد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أدراجه إلى مكّة ، وعاد معه زيد الذي كان يلازمه ملازمة الظل ، ولا يفارقه طرفة عين ، بعد أن شهد رحلة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف ، ورأى بعينيه ما لاقاه من صدود وأذى من أجل الدّعوة إلى الإسلام وفي - سبيل الله يتبع في التجديد القادم.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() زَيْد بن حارثة الكلبي القائد الشهيد ـ 2 ـ اللواء الركن : محمود شيت خطّاب الهجرة : لما أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة إلى المدينة المنوّرة ، هاجر زيد إليها ، فنزل على سعد بن خَيْثَمَة . وقيل : نزل حمزة بن عبد المطّلب ، وحليفه أبو مَرْثَد كَنَّاز بن حُصَيْن الغَنَوِي ، وزيد بن حارثة الكَلْبِي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على كُلْثُوم بن الهِدْم ، أخي بني عمرو بن عوف بِقُباء ، ويقال : على سعد بن خَيْثَمَة . ومهما يكن الاختلاف في اسم الأنصاري الذي نزل عليه في المدينة أو في ضواحيها ، فقد وجد له مستقرا يأوي إليه ؛ ليستأنف جهاده في خدمة الإسلام . وفي المدينة ، آخى النبيّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين أُسَيْد بن حُضَير ، وقيل : آخى بينه وبين جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنهما - ، وقيل : إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخى بين زيد وحمزة وآخى بين زيد وأسَيْد بن حُضَيْر ، وقيل : آخى بين زيد وحمزة . ويبدو أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - آخى بين زيد وحمزة قبل الهجرة ، وإليه أوصى حمزة يوم أحُد حين حضره القتال ، إن حدث به حادث الموت ، أما مؤاخاة المدينة التي كانت بعد الهجرة إليها فقد آخى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بين زيد وأسَيْد بن حُضَير . أما المؤاخاة بين زيد وبين جعفر بن أبي طالب ، فقد كان جعفر مهاجرا إلى الحبشة ، وعاد منها هو وصحبه من المهاجرين ومَنْ دخل في الإسلام هناك ، وقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خَيْبَر ، وكانت غزوة خيبر في شهر محرّم من السنة السّابعة الهجرية ، فمن المشكوك فيه أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - آخى بين زيد وبين جعفر في تلك السنة المتأخرة من الهجرة ، بينما جرت المؤاخاة بعد الهجرة مبكرا . وهكذا أصبح لزيد في موطنه الجديد ، قاعدة المسلمين الأمينة : المدينة ، مستقرا يأوي إليه ، وأخ يشدّ عضده ، ومجتمع يتعاون معه في السرّاء والضرّاء في غزوة بدر الكبرى : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة باتجاه موقع ( بَدْر ) يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان على رأس تسعة عشر شهرا من مُهاجَره ، أي في السنة الثانية الهجريّة . وكان مع المسلمين سبعون بعيرا ، فكانوا يتعاقبون عليها : البعير بين الرجلين والثلاثة والأربعة ، وكان بين النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة بعير ، وفي رواية أخرى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلي بن أبي طالب ومَرْثَد بن أبي مَرْثد يعتقبون بعيرا ، وكان حمزة وزيد وأبو كَبْشَة وأنسَة موالي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتقبون بعيرا ، والرواية الثانية هي المعتمدة لإجماع أكثر المؤرخين عليها . وكان من الرماة المذكورين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بدر الكبرى ، وكان لهؤلاء الرماة الأثر العظيم في إحراز المسلمين النصر في هذه الغزوة الحاسمة على المشركين . وقد قتل من المشركين يوم بدر حَنْظلة بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أميَّة ، وكان من مشاهير مشركي قريش . وكان زيد البشير الذي أوفده النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة بفتح بدر ، فقد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة إلى أهل ( السّافلة ) من المدينة وبعث عبد الله بن رواحة إلى أهل ( العالية ) بشيرين بنصر المسلمين على المشركين في بدر ، قال أسامة بن زيد : " فأتانا الخبر حين سوينا التراب . على رُقية ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي كانت عند عثمان بن عفان رضي الله عنه ، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد خلَّفني عليها مع عثمان - أن زيد بن حارثة قدم ، فجئته وهو واقف بالمصلى وقد غشيه الناس وهو يقول : قُتل عُتْبَة بن ربيعة ، وشَيْبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، وزمعة بن الأسود ، وأبو البختري العاص بن هشام ، وأمية بن خلف ، ونبُيه ومنبِّه ابنا الحجاج ! قلت : يا أبتِ! أحقٌّ هذا ؟ ! قال نعم والله يا بُنَي !" . وكان رجل من المنافقين قد قال لأسامة بن زيد : " قُتل صاحبكم ومَنْ معه" . وقال آخر منهم لأبي لُبابة : "قد تفرق أصحابكم تفرّقا لا يجتمعون بعده ، وقُتل محمدّ وهذه ناقته نعرفها ، وهذا زيد لا يدري ما يقول من الرُّعب" ، قال أُسامة بن زيد : "فأتيتُ أبي ، فكذّب قول المنافقين " . وهكذا استطاع زيد أن يبدِّد مخاوف أهل المدينة ، ويكذِّب إشاعات المنافقين المغرضة ، ويعيد الهدوء والاطمئنان إلى المدينة . لقد كان دور زيد في غزوة بدر الحاسمة دورا بارزا حقا قائد سرية القَردَة : هي أول سرية خرجٍ فيها زيد أميرا ، وخرج لهلال جمادى الآخرة على رأس سبعة وعشرين شهرا من مُهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي في السنة الثالثة الهجريّة . وكانت قريش قد حذرت طريق الشام أن يسلكوها ، وخافوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، وكانوا قوما تجارا ، فقال صفوان بن أمية : "إن محمدا وأصحابه ، قد عوّروا علينا متجرنا ، فما ندري كيف نصنع بأصحابه ، لا يبرحون الساحل ، وأهل الساحل قد وادعهم ودخل عامّتهم معه ، فما ندري أين نسلك ، وإن أقمنا نأكل رؤوس أموالنا ونحن في دارنا هذه ، مالنا بها نفاق ، إنما نزلناها على التجارة : إلى الشَّام في الصيف ، وفي الشتاء إلى أرض الحبشة " ، فقال له الأسود بن المطَّلب : "فنكب عن السّاحل ، وخذ طريق العراق " . ولم يكن صفوان عالما بطريق العراق ، فاستأجر دليلا يدعى : فُرات بن حيَّان العجليّ الذي قال لصفوان : "أنا أسلك بك طريق العراق . ليس يطأها أحد من أصحاب محمد ، إنما هي أرض نجد وفيافٍ " ، فقال صفوان : "فهذه حاجتي ، أما الفيافي فنحن شاتون ، وحاجتنا إلى الماء اليوم قليل" . وتجهز صفوان ، وأرسل معه أبو زمعة بثلاثمائة مثقال ذهب ونُقر فضة ، وبعث معه رجال من قريش ببضائع ، وخرج معه عبد الله بن أبي ربيعة وحويْطب بن عبد العُزّى في رجال من قريش ، وخرج صفوان بمال كثير: نُقر فضة ، وآنية فضة وزن ثلاثين ألف درهم ، وخرجوا على ( ذات عرق ) . وقدم المدينة نُعيم بن مسعود الأشجعي ، وهو على دين قومه ، فنزل على كِنانة بن أبي الحُقيق في بني النضير من يهود ، فشرب معه ، وشرب معه سليط بن النُّعمان بن أسلم - ولم تحرّم الخمر يومئذٍ - وهو يأتي بني النضير ويصيب من شرابهم ، فذكر نُعيم خروج صفوان في عيره وما معهم من الأموال ، فخرج من ساعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في مائة راكب ، فاعترضوا عير قريش وأصابوها ، وأفلت أعيان قريش وأسروا رجلا أو رجلين . وقدم زيد بالعير على النبي صلى الله عليه وسلم فخمسها ، فكان الخمس يومئذ قيمة عشرين ألف درهم ، وقسم ما بقي على أهل السرية . وكان في الأسر ، فُرات بن حيان ، فأتى به ، فأسلم . وهكذا صعّد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الغزوة الحصار الاقتصادي على قريش ، فهدّد طريق تجارتهم إلى العراق أيضا ، بعد أن هدد طريق مكة - الشام ، وطريق مكة - الطائف في غزواته وسراياه السابقة . سرية زيد إلى سُلَيْم بالجُموم : بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني سُليم بالجمُوم في شهر ربيع الآخر من سنة ست الهجرية زيدا ، فسار على رأس سريته التي لا نعرف تعداد رجالها حتى ورد الجَمُوم ناحية ( بطن نخل ) عن يسارها ، وبطن نخل من المدينة على أربعة بُرُد ، فأصابوا عليه امرأة من مُزيْنة يقال لها حليمة ، فدلتهم على محلة من محال بني سُليم ، فأصابوا في تلك المحلة نعما وشاءً وأسرى ، فكان فيهم زوج حليمة المُزَنِيَّة . فلما قفل زيد بما أصاب ، وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمُزنيَّة نفسها وزوجها ، فقال بلال بن الحارث في ذلك شعرا: لعمــرُك! مــا أخــنى المسُــول ولا وَنَـتْ حليمــــةُ حـــــتى راحَ رَكبُهُمــــا معــــا وكان الهدف من هذه السرية تأمين المدينة القاعدة الأمينة للإسلام ، وفرض سيطرة المسلمين على القبائل التي حولها ، وتشديد وطأة الحصار الاقتصادي على قريش وحلفائها . قائد سرية العِيْص : بعث النبي صلى الله عليه وسلم زيدا إلى العِيْص ، وبينها وبين المدينة أربع ليالٍ ، وبينها وبين ذي المَروَة ليلة ، في جمادى الأولى سنة ست الهجرية . فقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيرا لقريش قد أقبلت من الشَّام ، فبعث زيد بن حارثة في سبعين ومائة راكب يتعرض لها ، فأخذوها وما فيها ، وأخذوا يومئذٍ فضة كثيرة لصفوان بن أمية ، وأسروا ناسا ممن كان في العير ، منهم أبو العاص بن الربيع . وقدم زيد بهم المدينة فاستجار أبو العاص بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأجارته ، ونادت زينب في الناس حين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر: إني قد أجرتُ أبا العاص ! ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وما علمتُ بشيءٍ من هذا ، وقد أجرنا مَنْ أجرْتِ ، وردّ عليه ما أخذ منه. وهكذا شدد النبي صلى الله عليه وسلم الخناق في حصاره الاقتصادي على قريش التي تعيش على التجارة ، وتموت بدونها ائد سرية الطَّرف : بعث النبي صلى الله عليه وسلم زيدا على سرية إلى الطَّرف في جمادى الآخرة من سنة ست الهجرية ، والطرف ماء قريب من المِراض دون النُّخَيل على ستة وثلاثين ميلا من المدينة طريق البقرة على المحجة . وخرج زيد إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا ، فأصاب نعما وشاءً ، وهربت الأعراب ، وصبّح زيد بالنعم المدينة ، وهي عشرون بعيرا ، ولم يلق كيدا ، وغاب أربع ليالٍ ، وكان شعارهم: أمِتْ . . . أمِتْ . . . وكان هدف هذه السريّة ، تأمين المدينة القاعدة الأمينة للإِسلام ، وفرض سيطرة المسلمين على القبائل بالهجوم عليها ، لأنّ الهجوم أنجع وسائل الدفاع ، إذ إنّ الأعراب إذا لم يُهاجموا من المسلمين ، هاجموا المسلمين ، كما هو دأبهم . قائد سرية حِسْمَى : بعثّ النبي صلى الله عليه وسلم زيدا على سرية إلى حسمى ، وهي وراء وادي القُرى ، في جمادى الآخرة من السنة السادسة الهجريّة . وسبب بعث هذه السرية ، أنّ دِحْية برت خليفة الكلبي - وكان مسلما- أقبل من عند قيصر الرُّوم ، وقد أجاره وكساه ، فلقيه الهُنَيْد بن عارض وابنه عارض بن الهُنيد في ناس من بني حُذام بحسْمى ، فقطعوا عليه الطريق ، ولما يتركوا حلله عليه إلا سمل ثوب ، فسمع بذلك نفرٌ من بني الضُّبيب ، فنفروا إليهم ، واستنقذوا لدحية متاعه . وقدم دِحية على النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بذلك ، فبعث زيد بن حارثة في خمسمائة رجل ، وردّ معه دِحية . وكان زيد يسير اللّيل ويكمن النّهار ، ومعه دليل من بني عُذرة ، فأقبل بهم حتى هجم بهم مع الصُّبح على القوم . فأغاروا عليهم وقتلوا فيهم فأوجعوا ، وقتلوا الهنيد وابنه ، وأغاروا على ماشيتهم ونعمهم ونسائهم ، فأخذوا من النَّعم ألف بعير ، ومن الشاء خمسة آلاف شاة ، ومن السبي مائة من النساء والصبيان . ورحل زيد بن رفاعة الجُذامي في نفر من قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابه الذي كتب له ولقومه ليالي قدم عليه فأسلم ، وقال: "يا رسول الله! لا تُحرِّم علينا حلالا ولا تُحل لنا حراماَ" ، فقال: " كيف أصنع بالقتلى؟ " ، قال أبو يزيد بن عمرو : " أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ، ومن قُتل فهو تحت قدمي هاتين" ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صدق أبو يزيد . وبعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى زيد بن حارثة ، يأمره أن يخلي بينهم وبين حُرمهم وأموالهم ، فتوجه علي ، فلقي رافع بن مكيث الجُهني بشير زيد بن حارثة على ناقة من إبل القوم ، فردها عليٌّ على القوم ، ولقي زيدا بالفحلتين ، وهي بين المدينة وذي المروة ، فأبلغه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرد إلى الناس كلّ ما كان أخذ لهم . وكان الهدف من هذه السرية ، تأديب بني جُذام الذين اعتدوا على دِحية بن خليفة الكلبيّ ، وهم يعلمون أنه أحد المسلمين ، وليس النبي صلى الله عليه وسلم بالذي يرضى باعتداء أحد على مسلم من المسلمين؛ لأن الاعتداء عليه اعتداء على المسلمين كافة قائد سرية وادي القُرى : بعث النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة على رأس سرية إلى وادي القُرى في رجب من السنة السادسة الهجرية ، لتأديب بني فزارة ، فأصيبت هذه السرية وتسلل زيد من بين القتلى وعاد إلى المدينة ، فآلى على نفسه ألا يمس رأسه غسل جنابة حتى يغزو بني فزارة . وفي رواية ، أن زيدا خرج في تجارة إلى الشام ، ومعه بضائع لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كان دون وادي القُرى ومعه ناس من أصحابه ، لقيه ناس من بني فزارة من بني بدر ، فضربوه وضربوا أصحابه ، حتى ظنّوا أنهم قد قُتلوا ، وأخذوا ما كان معه ، ثم استبل زيد ، فعاد إلى المدينة ، وهذه الرواية أقرب إلى المنطق والعقل وسير الحوادث . ويبدو أن المسلمين لم يكتفوا بقطح الطريق التجارية: مكة - الشام على تجارة قريش ، بل أرادوا استغلال هذه الطريق لتجارتهم بهدف تحسين أوضاعهمِ الاقتصادية ، ولكنّهم أخفقوا في ذلك ، إذ تبيّن لهم أنّ الوقت لا يزال مبكِّرا لاستغلال هذه الطريق .
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |