الأبوة والأمومة في القرآن - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 369 - عددالزوار : 67589 )           »          منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 259 - عددالزوار : 86825 )           »          الذكاء الاصطناعي وعلاقته بالعلوم الشرعية: رؤية أكاديمية متقدمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          قريش تكتفي بما تحقق لها في أحد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          موسى عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 59 )           »          صحابة منسيون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 66 )           »          اليسع وذو الكفل عليهما السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          مفهوم الاستشراق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          هل يجوز لنا أن ننظم بديلا هو كالاستثناء الخارج عن الأصل ونحث عليه ونطوره (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-02-2025, 03:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,672
الدولة : Egypt
افتراضي الأبوة والأمومة في القرآن

الأبوة والأمومة في القرآن

بقلم الشيخ: مجد أحمد مكي
من خطب جامع السلام بحلب الشهباء، الجمعة 10/ربيع الثاني/1399 الموافق9/آذار/1979م.

ليس في علاقات الناس رابطةٌ أقوى وأرسخُ من رابطة الأبوة والبنوَّة... ومع بداهة التسليم بقوة هذه الرابطة ورسوخها وانفرادِها بالسمو، والحنوِّ بين جميع العلاقات الإنسانية فهي محتاجة أبداً إلى التذكير بحقوقها والتحذير من عقوقها.
وفي القرآن الكريم صُور حيَّة مُشْرقة، مَبثوثة في عديد من سوره تتحدَّث عن الأُبوَّة الحانية اللاهفة، ويُصوِّر القرآن الكريم في قصة سيدنا نُوح عليه السلام أروعَ مَوقفٍ من مواقف الأبوة اللاهفة على البنوَّة العاقَّة، فعندما امتنع الابن عن الإيمان برسالة أبيه، ورفض الركوبَ معه في سفينة النجاة، ناداه في تعطُّفٍ وتَلهُّفٍ: [وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الكَافِرِينَ قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ اليَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا المَوْجُ فَكَانَ مِنَ المُغْرَقِينَ] {هود:43}...
وعندها توجَّه نوح عليه السلام بقلبه الحنون، وطرفه الهتون إلى السماء، وتضرَّعَ إلى ربِّه في لهفة الأب الثاكل، طامعاً في إنجائه سبحانه لابنه من الموت: [وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ] {هود:46}.
ويذكر القرآن الكريم حِرص إبراهيم عليه السلام على أن تَرثه ذريَّته في نبوتِه وإمامتِه: [وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ] {البقرة:124}.
وفي موضع آخر يذكر القرآن وصيَّة إبراهيم لبنيه بالإسلام، يَحْيَون فيه ويموتون عليه: [وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] {البقرة:132}، وفي فصل آخر من قصة إبراهيم عليه السلام يذكر القرآن دعاءَه لصلاح ذريَّته ومحافظتها على إقامة الصلاة: [رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ] {إبراهيم:40}.
وفي سورة يوسف يُصوِّر القرآن لهفة يعقوبَ عليه السلام على ابنه الأثير عنده (يوسف الصديق) عندما تآمر عليه إخوته لأبيه، فألقَوه في غَيَابة الجبِّ، ثم بيع بثمنٍ بخسٍ دراهمَ معدودة إلى عزيز مصر! وزعموا أنَّ الذئب أكلَهُ تيئيساً لأبيهم من لقْياه... فقد ظلَّ أبوه نحوه في ذكر دائم، وشوق لازم يقول: [وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ] {يوسف:84}.
وكان جميلَ الصبر لا ييأس من رَوْح الله أن يعيد إليه يوسف وأخاه الذي افتقده بعده: [يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الكَافِرُونَ] {يوسف:87}، وما فتئ يدعو ويتمنَّى: [عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا] {يوسف:83}.
وعن لهفة الأبوَّة إلى الأبناء يصور لنا القرآن العظيم شوق زكريا عليه السلام إلى الولد:[إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا(3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا(4) وَإِنِّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا(5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا(6) ]. {مريم}..

ليست هذه الصور الحيَّة للهفة الآباء على الأبناء هي كل ما يُقدِّمه القرآن الكريم فهناك الأمومة الحانية.. التي حرص القرآن على تزكيتها، وتكريمها والارتفاع بها إلى مستوى شَاهق نبيل...
يحدِّثنا القرآن الكريم عن أمِّ إسماعيل، وأمِّ موسى، وأمِّ عيسى عليهم السلام، وإنَّ الحديثَ القرآنيَّ عن هذه الأمومة يُبرز لنا ضخامة العبء الذي تَنهض به الأمومة من جهة، وروعة الاحتفاء القرآني بهذه الأم من جهة أخرى...
ونبدأ بحديثنا عن أمِّ إسماعيل... وهي تلك الجارية الأمَة... التي جاءت بها السيدة سارة إلى فلسطين من مصر... بعد رحلتِها مع زوجها إبراهيم، حين خرج مهاجراً بدينه... وكانت سارة عاقراً... لا تحمل... ولا تَلِد.. فأشارت على الخليل عليه السلام أن يتزوَّج بهاجر فتزوَّج بها ثم حملت... وولدت... فولدت إلى جوار وليدها المحنة!!...
قالت سارة لإبراهيم: أنا دفعت إليك جاريتي فلما حملت ترفَّعت علي!! فردَّ إبراهيم في حنان ورثاء لتلك الأنثى المجروحة الغيرى: هي جاريتك تفعلين بها ما تشائين! فأقسمت ألا يؤويها بعد اليوم، فانطلق إبراهيم عليه السلام مع زوجته هاجر وابنها إسماعيل، وعند ربوة حمراء تُسامِت أطلال البيت العتيق، ترك إبراهيم وليده وأمَّه. وما كان لدى الأمِّ ووليدها من رزقٍ في هذا الوادي الجديب الأجرد سوى جراب فيه تمر وسقاء فيه ماء.. ولابدَّ للتمر أن ينفد، ولابدَّ للماء أن يتلاشى.
روى البخاري في صحيحه (3364) عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكَّة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك ووضع عندهما جراباً فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفَّا إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟! فقالت له ذلك مراراً، وجعل لا يتلفت إليها، فقالت: له آلله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيِّعنا. ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع - حتى بلغ - يشكرون }. وجعلت أمُّ إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوَّى - أو قال يتلبط - ،فانطلقتْ كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبلٍ في الأرض يليها، فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم ترَ أحداً فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرفَ دِرْعِها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى إذا جاوزت الوادي ثم أتت المروة، فقامت عليها ونظرت هل ترى أحداً فلم ترَ أحداً ففعلت ذلك سبع مرات.
قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه و سلم: ( فذلك سعي الناس بينهما)، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً، فقالت :صه - تريد نفسها - ثم تسمَّعت فسمعت أيضاً، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالمَلَك عند موضع زمزم فبحث بعقبه، - أو قال بجناحه - حتى ظهر الماء فجعلت تحوضه، وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها، وهو يفور بعد ما تغرف.
قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يرحم الله أمَّ إسماعيل لو كانت تركت زمزم - أو قال لو لم تغرف من الماء - لكانت زمزم عيناً معيناً ).
قال فشربت وأرضعت ولدها، قال لها الملك: لا تخافوا الضيعة؛ فإنَّ ها هنا بيتاً لله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإنَّ اللهَ لا يُضيعُ أهلَه).
إنَّنا نلمح من خلال الجهاد الرائع الذي كابدته أمُّ إسماعيل عبر نزولها وادٍ غير ذي زرع، ومُعَاناتها للظمأ القاتل الرهيب... ثم مسعاها اللاهف بين الصفا والمروة باحثةً عن خيط يشدُّها ووليدها إلى الحياة..
إننا نلمح من خلال ذلك كله... تخليد دور الأمومة الرائعة...
ومع انتهاء هذه القصة القرآنيَّة، نسمع صوت القرآن يردد في مسامعنا: [وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ(124) وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ المَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ(127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ(129) ] {البقرة}.

نحن الآن مع موسى عليه السلام وأمه... من خلال ما يحدِّثنا به القرآن، وما أصدق حديثَه، وما أخلدَ آياتِه وأروعَها... والقرآن الكريم لا يحدثنا عن والد موسى، وإنما يخصُّ بالذكر أمَّه؛ لأنَّها كانت بطلة الموقف، وحاملة عبئه، والمناضلة بعواطفها عن وليدها الأثير.
وتبدأ القصة برؤيا يراها فرعون تؤرِّق ليله ونهارَه، وتتركه في خضم متلاطم من الهواجس والوساوس، فيجمع كهنته وسحرته، ويسألهم تأويل رؤياه، فيقولون: يولد في بني إسرائيل غلام يُسلبك الملك، ويغلبُكَ على سلطانك، ويخرجك وقومك من أرضك، ويُبدِّل دينك، وقد أظللك زمانه الذي يولد فيه!.
وهنا يجنُّ جنون فرعون، وينفجر في حناياه طوفان من الغضب العارم، فيأمر في لوثة حمقاء بقتل كل غلام وليد، حتى لا يُعانق الحياة هذا البازغ المنتظر الرهيب!، وبين هذه السحب المتراكمة المخيفة وُلد موسى الكَليم عليه السلام، وياله من ميلاد مفزع!...
ذلك الذي يجيء عبرَ أنهار من دماء سبعين ألف شهيد وليد!. وكأنما أفزع أمَّهُ أن يولد لها غلام؛ لأنها تعلم مصيره المحتوم، ونهايته الأكيده، وإذ بوحي إلهي يخاطبها: [أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي اليَمِّ فَلْيُلْقِهِ اليَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي] {طه:39}، وتفعل الأم ما أمر الله به، وتلقي وليدَها في النيل!..
ولقد جاشتْ نفسُها حسراتٍ بعد أن رأت الأمواج تتدافع حاملةً تابوت وليدها تتأرجح يَمْنةً ويَسْرة، وتغوص به مرَّة، وتطفو به أخرى، وكادت تتهالك من الأسى: [لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ] {القصص:10}. ويمضي الموج بالتابوت، ليرسو أمام قصر الطاغية، ويلمحه الجواري إلى جانب الشاطئ يتأرجح، فيلتقطنه ويذهبن به إلى آسية امرأة فرعون، وتنطلق به إلى فرعون في لهفة تستوهبه إيَّاه، قائلة: [وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ] {القصص:9}، ولكنَّ فرعون يُصرُّ على أن يُعانق الطفلُ مصيرَ آلاف الأطفال الذين سبقوه.. ولكن آسية اللهيفة ما تزال تُهَدْهد ثورته، وتتسرب من نوافذ العاطفة إلى قلبه الصلد.. حتى ينهار ويأمر فرعون أن يُستبقى الغلام، ولكن ما بالنا قد تركنا أمَّه هناك! لنرجع إليها... فإنها ما زالت لهيفة عبرى تتحسس أخباره وتقتفي آثاره.. فتهتف بأخته: قُصِّيه، وتمضي الفتاة جانب النهر حتى تقف أخيراً عند قصرِ فرعون... إنَّ شقيقها وراء هذه الجدران.. إنه مُصِرٌ بكل ما في طفولته البريئة من تشامخ عنيد ألهمه الله إيَّاه ألا يقرب من هذه الأثداء المأجورة ثدياً واحداً يُرضعه... وحين ترى أخته جاريةً من جواري القصر تدنو منها على وجل وحذر وتهمس في أذنها: [هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ] {القصص:12}، فتقول الجارية: أجل... أجل... من هؤلاء يا أختاه؟
وتمضي بها إلى امرأة فرعون فتسر إليها بخبر المرضع التي ليست سوى أم الوليد، وحين يؤتى به إلى أمه... يرضع حتى يروى..
ولنستمع إلى الحق سبحانه: [وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ(5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ(6) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ(7) فَالتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ(8) وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ(10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ(12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(13) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ(14)]. {القصص}..

ويحدِّثُنا القرآن الكريم عن أمِّ عيسى عليه السلام، عن أمِّه الطاهرة البتول، التي خلَّدت الأمومة في أنصع صفحات تاريخها الوضيء... تلك الأمومة التي تعرَّضت لامتحان رهيب، فلم تَهِن، ولم تتهالك، وإنما شمخت بكل ما في كيانها من إباء، مُتحديةً تَخرُّص المُتخرِّصين، ولغط اللاغطين... إنَّها مريم... التي نشأت في بيت دِين وفضيلة وعِلْم، والتي كان أبوها شَيخاً جليلاً في قَومه، فلما حملت بها أمها نذرتها: [إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ(35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ(37) ]. {آل عمران}.. وأمضت مريم صباها في المحراب عابدةً، وبشَّرها الله سبحانَه في خلوتها الساجدة: [بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ] {آل عمران:45}، وتفزع مريم من هول هذه البشرى... وتَضْرع في تساؤل: [قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا(20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا(21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا(22) فَأَجَاءَهَا المَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا(23) ]. {مريم}..
وبعد أن وضعت وليدها جاءت به على عَجَلٍ وتردُّد: [فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا(27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا(28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي المَهْدِ صَبِيًّا(29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آَتَانِيَ الكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا(30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا(31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا(32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا(33) ]. {مريم}....

وهكذا عشنا مع روعة الحديث القرآني العظيم عن أمومات ثلاث، وما فيها من تمجيد لدور الأمِّ في الحياة، ولكن هل هذا هو كل ما في القرآن الكريم من حديث حول الأبوَّة والأمومة؟..
إنَّ القرآن تحدَّث عن ذلك في مَجَالات مُتعدِّدة، ولو أننا حاولنا تتبُّع ما جاء في هذا الصَّدد بشيء من التفصيل الرحيب... لضاق بنا المجال، وامتدَّت بنا الآماد، ولكننا سنشير إشارات خاطفة عجلى...
إنَّ لكلمة الأمِّ في القرآن حتى من الزاوية اللغويَّة البحتة، ظلالاً رائعة مُشرقة، توحي بما للأمومة من مَكان... فحين يُذَكِّر اللهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم بفضله عليه يقول: [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ] {آل عمران:7}، ويقول سبحانه وتعالى:[وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا] {الأنعام:92}.
إننا نحس أنَّ في كلمتي أمِّ الكتاب، وأمِّ القرى، تكريماً حسياً لأشياء ومَوَاطن... نحسُّه من خلال كلمة الأمِّ الوامضة المشعَّة.
وما أجمل أن يعبر القرآن بكلمة (أم) بدلاً من الاسم الوضعي للمرأة... أيِ امرأة: [وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ] {القصص:7}. [وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ] {القصص:10}.
إنَّ القرآن هادف حين يُعبِّر هذا التعبير لما لهذه الكلمة من مَعَانٍ وظلال.
كيف يُولد الإنسان؟ إنه يخرج إلى الدنيا عارياً، حتى ما يُواري سوأتَه، عَاجزاً حتى عن أن يَستوي قَاعداً أو قَائماً، جَاهلاً حتى باستخدام حواسِّه وجوارحه..!
وصدق الله عزَّ وجل إذ يُصوِّر هذه الحقيقة الواهية المهينة للإنسان فيقول للتدليل على قدرة الله القادر: [وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] {النحل:78}. [خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ] {الزُّمر:6}.[اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ العَلِيمُ القَدِيرُ] {الرُّوم:54}.
ولربطِ الأمَّة بقائدها رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلق القرآن هذه الكلمة الرائعة البليغة: [النَّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الكِتَابِ مَسْطُورًا] {الأحزاب:6}.
وفي القرآن الكريم مجالاتٌ أخرى تتألَّق فيها مَعَاني الأبوَّة والأمومة...
وإننا نلمح من وراء الموقف القرآني في لحظات الطلاق، بالتحكيم، والوعظ، والهَجْر، والضرب قبلَ الفراق، ثم بالمراجعة بعد الفراق... محاولة هادفة وجادة للإبقاء على الأمومة التي قد تتعرَّض بعد الطلاق لأمور تنحرف بها هنا وهنالك: [وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا] {النساء:35}.

ولابدَّ لنا من أن نقف لحظاتٍ أمام ذلك الموقف القرآني في سورة المجادلة... فهذه خويلة بنت ثعلب أتتْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو له زوجها أوس بن الصامت، حين قال لها: أنت عليَّ كظهر أمي، وكان الرجل في الجاهلية إذا قال مثل هذا لزوجته حرمت عليه، ثم دعاها: فأبت، وقالت: والذي نفس خويلة بيده لا تصل إلي وقد قلتَ ما قلت، حتى يحكم الله ورسوله. ثم أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: يا رسول الله إنَّ أوساً تزوجني وأنا شابَّة مرغوب فيَّ، فلما كبر سني، ونثرت بطني، وانقطع وَلدي، جعلني عليه كأمه وتركني إلى غيرِ أحد، فإن كنتَ تجد لي رخصة يا رسول الله فحدثني بها.
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أمرت في شأنِك بشيء حتى الآن، وما أراكِ إلا قد حرمتِ عليه). وأخذت تجادل النبي صلى الله عليه وسلم وتكرِّر له القول، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لها: (ما أمرت في شأنك بشيء حتى الآن). هنالك تلجأ المرأة إلى أمومتها عساها أن تَطرق بها باب السماء فينفتح... فتقول: يا رسول الله... إنَّ لي منه صبيةً صِغَاراً... إن ضممتُهم إليه ضاعوا... وإن ضممتُهم إليَّ جاعوا، وجعلت تَرفع يديها إلى السماء، وتقول: اللهم إني أشكو إليك، اللهم ... فأنزل على لسان نبيك... وما برحت حتى نزلت الآيات: [قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ(1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ القَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ(2)]. {المجادلة}.(أحمد في المسند (24195) ، وغيره) .
اللهم ربنا اغفر لنا، ولوالدينا، وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.

من مصادري في هذه الخطبة – فيما أذكر – مقال للدكتور محمد أحمد العزب ، نشر في مجلة البحوث الإسلامية بالرياض.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.65 كيلو بايت... تم توفير 1.63 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]