|
ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
الوعي باللحظة في القصة الومضة: بلاغة التشكيل والتأويل
الوعي باللحظة في القصة الومضة: بلاغة التشكيل والتأويل أ. د. أحمد يحيى علي محمد مفتتح: الأدب قالب تعبيريٌّ يجعل من الواقع وحضور الذات الإنسانية فيه مجالَ عملِه وبؤرةَ اهتمامه طوال الوقت، والحديثُ عن هذه الحال يقود إلى أقلامٍ ثلاثةٍ في عملية رصْدِ الواقع وإحالته إلى صيغة مكتوبة: • الأول: قلم المؤرِّخ الذي يعتمد في عمله على محاولة نقلٍ حَرْفيٍّ أمين لما جرى في عالم الفرد والجماعة، فالماضي بالنسبة إليه شُغْلُه الشاغِلُ، ولا شكَّ في أنَّ هذا القلمَ قد لا يكون مُبرَّأً تمامًا من نوازع الهوى والميل (مع أو ضد) في إنجاز هذه العملية. • الثاني: قلم الصحفي المحقِّق الذي يجعل من المضارع مناطَ اهتمامه نقلًا وتعليقًا، ولعلَّ قنواتٍ تواصُليةً مثل: نشرات الأخبار المسموعة والمرئية، والصحف والمجلات الورقية، والإصْدارات الإخبارية الإلكترونية - تبدو بمثابة أداة بارزة تكشفُ عن حضور هذا القلم. • الثالث: قلم الأديب الفنان الذي يرتكِزُ في عَلاقتِه بعالَمِه وحضوره فيه على رؤيةٍ جماليةٍ تُعيد إنتاج الواقع المعيش، وصياغته في ثوبٍ رمزيٍّ، يتغيَّا نظرًا يتجاوز المعنى المباشر الساذَج البريء - الذي بالقطع لا ينشده هذا القلم - وصولًا إلى ما وراءه؛ أي: المعنى الثاني وَفْق منطوق الجُرجاني (عبدالقاهر) شيخ البلاغيِّين المتوفَّى 471هـ[2]. إن العملية الأدبية بأشكالها المتنوعة تمثِّل مِرْآةً عاكسةً لهذا القالب التعبيريِّ، تُتيح للقارئ وقُوفًا مميَّزًا على سياق العالم، قد يُساعده في إيجاد بعض ملامحه التي كانت في الماضي، أو جانب ممَّا يحياه ويعيشه في لحظته الآنية، أو يُقدِّم له أفقًا ممتدًّا قد يرى من خلاله حُلْمًا فردوسيًّا يسعى إلى أن يكون حقيقةً ملموسةً في مستقبل أيامه. الفن والواقع: إشكالية صياغة الرؤية: وإذا ما نظرْنا إلى الفنِّ بوصفه لعبةً تقوم على الخيال الذي يفتح أُفُق الفكر على مساحات تتجاوز حدود الواقع وقوالبه المشفوعة بما يُسمَّى بالمنطق، نجد أن أشكاله تسمح لصانعه بصياغة ما يُريد من رؤى تعكس حالة الجوار بين فضائه وما يُسمَّى في حقل الفلسفة بالميتافيزيقا، التي لطالما شغلتْ بالَ الذات الإنسانية منذ وجودها فوق هذه الأرض، في محاولة لإيجاد تفسيرات لما عجز وعْيُه عن إيجاد مبرِّراتٍ مُقْنعةٍ له؛ فأضحتْ هذه الحيلة نواةً خرجتْ منها كلُّ أشكال الإبداع الإنساني عبر العصور؛ إذ يمكن القول: إن الأسطورة هي أمُّ كلِّ خيال وجد له طريقًا في أفعال الإنسانية على اختلاف القنوات الحاملة لها كي ترى النور. لقد تطوَّرت فكرة العجز هذه لتصير إشارةً إلى عدم رغبة الذات في الجهر بما تنشد التعبير عنه صراحةً؛ لذا فإنها تجد في الرمز - أو ما يُمكن تسميته بالتشفير - وسيلةً لإخفاء مواقفها الفكرية بعيدًا عن آلات الالتقاط والرصْد الموجودة في سياق عالمها المعيش. واللغة بوصفها إحدى الأدوات المتاحة أمام الإنسان عمومًا، فإن استخدامه لها يأتي وفْق مستوياتٍ ثلاثةٍ، اختيارُ واحد منها يخضع لاعتبارات المقام، والشريحة المستهدفة بالتواصُل، وبالشكل الذي يعتمده في صياغة الحال الذهنيِّ والنفسي الذي يتلبَّس به في ظرفٍ زمانيٍّ ومكانيٍّ محدَّدٍ ويُريد له الظهور بشكلٍ ملموسٍ أمام فضاء تداولي يتلقَّفُه، وتتجلَّى هذه المستويات الثلاثة في: • الجميل/ الفصيح: سمة النصوص الأدبية المؤسَّسة على البلاغة بوجهَيْها البيانيِّ والبديعي التي تُخاطب النُّخْبة. • الفصيح المباشر: سمة أشكال الخطاب المعرفيِّ الأخرى التي لا تهتمُّ بالخيال أو الإيقاع قدر اهتمامِها بالفكرة ذاتها. • العامي: الذي يجعل من اللهجة أو لغة الاستخدام اليوميِّ الدارجة على الألْسُن وسيلةً ومطيَّةً حاملةً لما يُريد، وفي فنون الأدب ما يُسمَّى بالزَّجَل، وفي ثنايا فنون مثل القصة والرواية والمسرحية منطوقات عامية تبثُّها ألسنةُ بعض الشخصيات؛ لغاياتٍ معينة يقصِدُها الكاتب عبر الراوي المعنيِّ بعملية الحكْي[3]. وفي ضوء هذه المستويات الثلاثة تؤدي الممارسة اللُّغوية عملَها في إنجاز علاقات تفاعلية ذات صِبْغة تأثيرية، عبر قدرتها التوصيلية الفائقة، في إطار مراعاتها لشرائح المستقبلين، وما يلائم قدراتهم على الإدراك، وما يُحقِّق للمرسل ما يصبو إليه، وكأن في صفحة كلام هذا المرسل يمكن تبيان ملامح الفئة المتلقية واحتياجاتها، والوقوف على أُفُق توقُّعاتها، عبر هذه البلاغة التي يحظى بها مستخدمُ اللغة ومرسلُها وفهمه لطبيعة المقام[4]. بلاغة الخطاب: القصة الومضة وفضاء التشكيل: وقد مرَّ فنُّ القصة بمراحلَ عديدة منذ ظهوره في ثوبه الذي عُرِف به في عصرنا الحديث، وترتبط هذه المراحل بالمرجع الخارجيِّ وما فيه من ملابسات كان لها أثرُها في قلم الفنان، وفي استخدامه للوعاء الفنيِّ الذي يُسكِن فيه ما يُريد، ونستطيع أن نرصد مسارًا أفقيًّا للقصة القصيرة يبدأ بمسمَّاها التقليدي هذا؛ أي: القصة القصيرة، ثم القصة القصيرة جدًّا، ثم القصة الومضة، ويخضع هذان الشكلان الأخيران في حجمهما - ومن ثَم في الكيف الذي يبدوان عليه - لطبيعة الفضاء الحامل لهما؛ أي: هذه القناة الاتصالية الموصِّلة لهما إلى المتلقي[5]. فإذا ما نظرنا إلى القصة الومضة، فإننا نجدُها انعكاسًا لهذه السرعة الهائلة في تطوُّر أشكال الاتِّصال، التي جعلتْ بالفعل من العالم قريةً صغيرةً أو أقلَّ؛ فأضحى التدفُّقُ المعرفيُّ وانسيابُ المعلومات مسألةً بديهيةً، وأضحتْ القدرة على البوح والتعبير سلوكًا اعتياديًّا، يُسجِّل من خلاله الفرد ما يُريد، في عملية أشبهَ بمذكِّرة رقمية للتدوين عبر شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، وأضحتْ وسائل الاتِّصال مثل (فيس بوك) و(تويتر) تجسيدًا عمليًّا لهذه المرحلة في تاريخ البشرية، وفي عَلاقات التفاعُل المنعقدة بين أفرادها وجماعاتها. والقصة الومضة بوصفها شكلًا متقدِّمًا من أشكال القصة القصيرة، فإنها تحمل سماتِها الفنية على مستوى الصياغة الجمالية؛ فاللغة المكثَّفة التي تتميَّز بالوجازة الشديدة - فهي في البناء بضع جُمَلٍ - في صيغتها الظاهرة تبدو بنيةً مشبعةً بالمعاني التي تُخاطب في المتلقي عقلَه ووجدانَه، ورصيدَ تجاربه وقناعاته، وقدرته على بلورة افتراضات دلالية يضعها بإزاء هذا الطائر النصِّيِّ صغير الحجم الذي يتراءى أمام حاستَيْه السمعية والبصرية. وهي مثل القصة القصيرة في ثوبها التقليديِّ؛ تنطلق من حدث في لحظةِ ذروةٍ، ومِنْ ثمَّ فالمسكوت عنه فيها أكثر من المعايَن؛ فلا يدري المتلقِّي ماذا كان قبل هذه البداية التي استهلَّت بها الومضةُ مسيرَها، ولا يدري ما المصير أو النهاية التي ستكون؛ فختامها قَلِقٌ يُرسخ لحالةٍ من عدم الشبع أو حالة من الظمأ الباحث عن ريٍّ بإغلاقٍ أو بختام تستقرُّ وتأوي إليه حركةُ الدراما[6]. ويمكن الوقوف بالتحليل والتأويل من خلال هذا النموذج لمدوِّنةٍ سوريةٍ اسمُها عاتكةُ الطيب بعنوان "غربة"، وتحته نجد: "رسموا لها أجنحةً، لوَّنوا باب القفص"[7]. يتبع
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 05-12-2022 الساعة 10:56 AM. |
#2
|
||||
|
||||
رد: الوعي باللحظة في القصة الومضة: بلاغة التشكيل والتأويل
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 05-12-2022 الساعة 10:57 AM. |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |