تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 58 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3943 - عددالزوار : 386364 )           »          عرش الشيطان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          أسلحة الداعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 66 - عددالزوار : 16164 )           »          لماذا يرفضون تطبيق الشريعة؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          واحة الفرقان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 3118 )           »          الأيادي البيضاء .. حملة مشبوهة وحلقة جديدة من حلقات علمنة المرأة المسلمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          التوبـة سبيــل الفــلاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          طرق تساعد على تنمية ذكاء الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 98 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #571  
قديم 12-05-2021, 03:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى الآيات
قال الشارح غفر الله له ولكم، ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [ ما زال السياق في الحديث عن اليهود وبيان الجرائم التي كانت سبباً في لعنهم وذلهم، وغضب الله تعالى عليهم، وهذا تعداد تلك الجرائم الواردة في الآيات الثلاث الأولى في هذا السياق المبارك الكريم، وهي: أولاً: نقضهم العهود والمواثيق وخاصة عهدهم بالعمل بما في التوراة ]، وتذكرون لما أخذ موسى السبعين رجلاً ليتوب الله عليهم بعد جريمة عبادة العجل، لما انتهوا أخذ الله عليهم الميثاق أن يعملوا بالتوراة فرفضوا وقالوا: ما نستطيع، نحن ضعاف، فرفع الله الجبل فوقهم فقال: تقبلون أو نسقطه فوقكم؟ فقالوا: آمنا بالله، ونعاهده أن نعمل بها، وما إن عادوا حتى نقضوها، فهذه واحدة.قال: [ ثانياً: كفرهم بآيات الله المنزلة على عبد الله عيسى ورسوله والمنزلة على محمد صلى الله عليه وسلم، ثالثاً: قتلهم الأنبياء كزكريا ويحيى وغيرهم، وهم كثير في عهود متباينة، رابعاً: قولهم: قُلُوبُنَا غُلْفٌ [البقرة:88] حتى لا يقبلوا دعوة الإسلام، وما أراد الرسول إعلامهم به، وكذبهم الله تعالى في هذه الدعوى، وأخبر ألا أغطية على قلوبهم، ولكن طبع الله تعالى عليها بسبب ذنوبهم، فران عليها الران فغطاها فمنعها من قبول الحق اعتقاداً وقولاً، هذا ما تضمنته الآية الأولى، وهي قوله تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ [النساء:155]، والباء سببية ] كما بينا، أي: فبسبب نقضهم، قال: [ والميم صلة ]، وذلك لتقوية الكلام، قال: [ والأصل فبنقضهم، أي: بسبب نقضهم، وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:155]، أي: إيماناً قليلاً، كإيمانهم بموسى وهارون والتوراة والزبور مثلاً، خامساً: كفرهم بعيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، سادساً: قولهم على مريم بهتاناً عظيماً، حيث رموها بالفاحشة، وقالوا: عيسى ابن زنا لعنهم الله.
زعم اليهود قتلهم لعيسى عليه السلام وافتخارهم بذلك
سابعاً: قولهم متبجحين متفاخرين: أنهم قتلوا المسيح عيسى بن مريم عليه السلام وهو رسول الله، وأكذبهم الله تعالى في ذلك بقوله: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157]، أي: برحل آخر ظنوه أنه هو فصلبوه وقتلوه، وأما المسيح فقد رفعه الله تعالى إليه، وهو عنده في السماء كما قال تعالى في الآية: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:158] أي، غالباً على أمره، حكيما في فعله وتدبيره.وأما قوله تعالى: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ [النساء:157] ] أي: هل هو عيسى أو يهوذا؟ قال: [ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [النساء:157]، هذا إخبار من الله تعالى بحقيقة أخرى وهي أن الذين طوقوا منزل المسيح وهجموا عليه ليلقوا عليه القبض من أجل أن يقتلوه، هؤلاء اختلفوا في هل الرجل الذي ألقي عليه شبه عيسى هو عيسى أو غيره؟ ]، ما استطاع واحد أن يثبت شيئاً معيناً، قال: [ إنهم لم يجزموا أبداً بأن من ألقوا عليه القبض وأخرجوه فصلبوه وقتلوه هو المسيح عليه السلام ]، فهم دخلوا المنزل فرفع الله عيسى إليه من السقف، ومع هذا ألقوا الحديد الشبه وسحبوه، وما عندهم اليقين الجازم أنه عيسى، وإنما هم مختلفون في ذلك.قال: [ ولذا قال تعالى: وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [النساء:157] ]، أي: باليقين، [ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:158]. أما الآية الأخيرة في هذا السياق ] والآية الأخيرة هي قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [النساء:159].
إيمان اليهود والنصارى بعيسى عند معالجتهم لسكرات الموت وعدم انتفاعهم بذلك
قال: [ أما الآية الأخيرة في هذا السياق فإن الله تعالى أخبر أنه ما من يهودي ولا نصراني يحضره الموت ] أي: ساعة الموت، [ ويكون في انقطاع عن الدنيا إلا آمن بأن عيسى عبد الله ورسوله، وليس هو بابن زنى ولا ساحر كما يعتقد اليهود، ولا هو الله ولا ابن الله كما يعتقد النصارى ].وكذلك الكفار الذين لا يؤمنون بالله ولا بلقائه ماذا يشاهدون عند سكرات الموت؟ يعرفون أنهم قد هوت بهم الهاوية وزلت أقدامهم، وأنهم من أهل الشقاء والبلاء، قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام:93]، ففي هذه الآية المجرمون الظالمون تهددهم الملائكة بإخراج أرواحهم بالضرب وإن كنا لا نشاهد ذلك.قال: [ أما الآية الأخيرة في هذا السياق فإن الله تعالى أخبر أنه ما من يهودي ولا نصراني يحضره الموت ويكون في انقطاع عن الدنيا إلا آمن ]، وصدق يقيناً، [ بأن عيسى عبد الله ورسوله ]، أي: عبد من عباده الصالحين، ورسول من رسله المبعوثين لهداية الخلق وإصلاح فاسدهم، [ وليس هو ابن زنى كما يقول اليهود ]، واليهود إلى الآن وإن كانوا يخفون هذا أمام النصارى، يقولون: إن عيسى ابن زنا؛ لأن مريم زنت بـيوسف بن النجار، وهو عبد صالح، وهذا الكلام يروج له، ولولا أن الله عصمنا وأبعدنا عن اليهود فقد يقبله الغافلون منا، ويئولون الآيات ويحرفونها.قال: [ ولا ساحر ]، إذ قالوا: إن عيسى ساحر، فتلك الآيات والمعجزات العظام من إحياء الموتى، ويخلق من الطين صورة لطائر فيطير، وإنزال مائدة من الملكوت الأعلى لم تعرف الدنيا مثلها، وأكلها الآباء والأبناء منها، كل هذه قالوا عنها: إن عيسى ساحر. ومما يروى عنهم أن عيسى مر في الشارع وإذا بجنازة طفل صغير، وأمه تبكي عليه، فقالت لعيسى: يا روح الله! ادع الله أن يرد علي ولدي، فدعا الله فانتفض الولد في النعش وقال: حطوه، ومشى مع أمه، فماذا قال اليهود؟ قالوا: هذه مؤامرة تمت بين عيسى وهذه الأم، وطفلها ما مات، وإنما كفنته وادعت أنه قد ميت، ولما مرت بعيسى قالت له: ادع الله لي أن يرد علي ولدي، فدعا والولد ما مات، وهذا هو مكرهم وكيدهم.وقد عرفتم أن العلة هي أنهم يريدون أن يبنوا مجدهم ودولة ومملكة إسرائيل الكبرى، ولهذا هم لا يقبلون نظاماً ولا حزباً ولا جماعة خارجة منهم، ويدل على هذا أن اليهودي لا يزوج ابنته من غير اليهودي إلا لحيلة ومكرة سياسية؛ ليبقى هذا الشعب كما هو من عهد موسى، فهل بلغكم أن يهودية تزوجها مسيحي أو مسلم؟ لا والله، لكن اليهودي قد يتزوج غير اليهودية، ولا يدخلها في ملته إلا في حالات خاصة للكيد والمكر فقط، وللإبقاء على شعب الله المختار كما يزعمون، وأذكركم دائماً فأقول: كان المسيحي لا يستطيع أن يفتح عينيه في اليهودي، وذلك من شدة بغضه له، فهو ينظر إليه على أنه قاتل إلهه، فكيف ينظر إليه؟!إذاً: كيف أصبح اليهود الآن في قلب العالم الصليبي يديرون أمواله وحياته كاملة؟ بالسحر؟ نعم هم يفعلون السحر، بمبدأ البلشفة: لا إله والحياة مادة؟ إن هذا المبدأ الشيوعي هو الذي سخر لهم المسيحية بكاملها، فقد كفر أكثر المسيحيين بوجود الله وأصبحوا بلاشفة، فهذه روسيا العظمى أنكرت وجود المسيح، وتغلغلت الشيوعية حتى دخلت بلاد المسلمين، والذي صنع هذا والله هم اليهود، وذلك حتى يخففوا الضغط عنهم، إذ لو أن المسلمين أو العرب بالذات يكونون دولة في إسرائيل وتبقى إلى الآن والله ما كان، فأولاً: ضربوا القلوب ومزقوا أنوار الله فيها، وهم ما زالوا يحلمون في يوم ما أنهم سيسوسون العالم ويسودونه، فهل عرفتم السر أم لا؟ وإن فشلت الشيوعية فهناك مجالات أخرى، وهي نشر الفسق والفجور في العالم بأسره، وذلك حتى لا يبقى حياء ولا مروءة ولا كرامة، وإنما تهبط البشرية كالبهائم. قال: [ ولا هو الله ولا ابن الله كما يعتقد النصارى، ولكن هذا الإيمان لا ينفع صاحبه؛ لأنه حصل عند معاينة الموت ]، أي: لما يؤمن المسيحي بأن عيسى عبد الله ورسوله وهو يغرغر، أو يؤمن اليهودي بأن عيسى عبد الله ورسوله وليس بساحر ولا ابن زنا، لا ينفعهم ذلك الإيمان أبداً.قال: [ لقول الله تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء:18] ]، يقول تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ [النساء:17]، حقاً وصدقاً، لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ [النساء:17-18]، فهل يتوبون بعد الموت -أي: يوم القيامة- وتقبل توبتهم؟قال: [ هذا ما دلت عليه الآية الكريمة: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء:159] ]، لا قبل موت عيسى، وإن قال بهذا من قال؛ لأن أهل الكتاب موجودون من قرنين، فلا يؤمن إلا بعد وجود عيسى، وذلك أن عيسى ينزل في آخر الزمان فيكسر الصليب ويقتل الخنزير كما أخبرنا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فهل ينفع النصارى يومئذ إيمانهم به؟ والله ما ينفع، وهل ينفع اليهودي إيمانه به؟ والله ما ينفع. قال: [ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء:159] ]، أي: موت اليهودي الكتابي أو النصراني، [ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [النساء:159]، أي: يشهد على كفرهم به وبما جاءهم به، ووصاهم عليه من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ودين الحق الذي جاء به ].
هداية الآيات
هيا نستخرج درر هذه الآيات أو بما يسمى بهداياتها: [ أولاً: بيان جرائم اليهود ] وهل بينت هذه جرائم اليهود؟ كم جريمة؟ سبعة، أول جريمة يرحمكم الله نقضهم الميثاق ثاني جريمة كفرهم بآيات الله ثالثاً قتلهم الأنبياء بغير حق رابعاً قولهم: (قلوبنا غلف) كذبوا على الله ورسوله، كفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً. هذه الجرائم لولا أن الله بينها من يبينها لنا؟ هم يقولون عنها؟ هم يخفونها. [ بيان جرائم اليهود ] والجرائم جمع جريمة، من الجرم الذي هو القبح والظلم والشر والفساد. [ ثانياً: بطلان اعتقاد النصارى في أن عيسى صلب وقتل ] وإلا لا؟ [ بيان بطلان اعتقاد النصارى في أن عيسى صلب وقتل ] والله ما صلب ولا قتل أبداً، خالقه قال: رفعته إلي وتقول أنت: قتل أو صلب؟ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] . قال: [ بطلان اعتقاد النصارى في أن عيسى صلب وقتل، أما اليهود فإنهم وإن لم يقتلوا عيسى فهم مؤاخذون على قصدهم حيث صلبوا وقتلوا من ظنوه أنه عيسى ] اليهود ما نجوا لأن الله رفع عيسى ما قتلوه، هم في حكم من قتل لأنهم قتلوا الشبيه به، متعمدين ذلك قاصدين قتل عيسى، فلهذا دائماً نقول: اليهود جريمتهم أنهم قتلوا محمداً صلى الله عليه وسلم. الذي يطعمه السم ليموت ما قتلوه؟ أوضح من هذا هنا شرق المدينة على كذا كيلو متر في بني النظير جاءهم صلى الله عليه وسلم في أمسية يطلب منهم مساعدة مالية بحسب الاتفاقية التي بينه وبينهم ليسدد دية نفرين ماتا، فأفرشوا له الفراش تحت الجدار في الظل والمباني كانت كما تعرفون طابق واحد، وقالوا: أبشر يا محمد ودخلوا البيت وتآمروا قالوا: فرصة ذهبية نأتي بمطحنة راحة ونطلقها من فوقه على رأسه وتنتهي المشكلة إلى الأبد. والله لقد جاءوا بالمطحنة وقد طلعوا بها وقبل أن يلقوها عليه أوحي إليه باللاسلكي الإلهي قم فقام ومشى وراءه أصحابه ووصل إلى المدينة وأعلن نقضهم للميثاق والمعاهدة وأعلن الحرب عليهم، وما هي إلا ساعات حتى طوق بني النظير برجاله والحادثة في سورة الحشر مبينة ومفصلة يعتبرون قتلوه وإلا لا؟ قتلوه، لو كانوا هم من أنفسهم عفوا قالوا: اتركوه ما نقتل نبياً لا ما قتلوه، أما وقد عزموا ولكن الله عز وجل أنجى رسوله ونجاه فهم في عداد من قتل النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا لم يقتلوا محمداً قتلوا أنبياء قتلوا رسل عيسى وزكريا ويحيى. قال: [ فهم مؤاخذون على قصدهم ] وإلا لا؟ [ حيث صلبوا وقتلوا من ظنوه أنه عيسى عليه السلام.ثالثاً: تقرير رفع عيسى عليه السلام إلى السماء ونزوله في آخر أيام الدنيا ] أما قال تعالى: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:158] سينزل عيسى وبلغنا أنه يكمل ثلاثين سنة أو ثلاثة وثلاثين ليكون عمره كعمر الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم. وأخبرنا الرسول قال: كأني بابن مريم في فج الروحاء يلبي بحج أو عمرة أو بعمرة وحج، وعند المالكية قرأنا في كتب الفقه من يقول من الجائز أن عيسى يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: الروضة الشريفة أستغفر الله الحجرة الشريفة فيها ثلاثة قبور وبقي مكان قبر آخر رابع، لعل الله تعالى احتفظ به وأبقاه لعبده ورسوله عيسى عليه السلام، لا تقل هذا يا شيخ؟ قد يسمع الناس ويقولون: ندفن نحن، والله لو تجتمع الدنيا كلها على أن تدفن مع رسول الله أحد من المشركين ما قدروا، يصرفهم الجبار أو يرسل عليهم النار، من يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: [ تقرير رفع عيسى عليه السلام إلى السماء ونزلوه في آخر أيام الدنيا ] أي السماء الدنيا أو الثانية؟ السابعة حيث الجنة دار السلام. رابع أنوار الهداية قال: [الإيمان كالتوبة عند معاينة ملك الموت لا تنفع ولا تقبل أبداً ]. عرفتم؟ الكافر إذا آمن عند معاينة الموت يدخل في الإيمان؟ والله ما يقبل منه لأنه كشف الغطاء ورأى الآخرة كذلك المذنب سواء بزنا بربا بخمر بأية جريمة بقتل نفس إذا شاهد ملك الموت وقال: أتوب ما ينفع، ما تقبل توبته فلهذا أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نعجل بالتوبة وأخذها المسلمون سلف عن سلف إلى يوم القيامة أن التوبة يجب أن تكون على الفور لا يصح أن تقول: بعد عام بعد أن أتزوج أن أوظف بعد أن يأتي فلان، هذا انزعه من قلبك التوبة أجرمت قل: أستغفر الله وأتوب إليك لا تدري متى تسقط لا يصح تأخير التوبة أبداً. ثم الاستمرار في المعصية قد يكون في يوم من الأيام ران على قلب العبد وحينئذ إذا ذكرته بالله يضحك، قيل لشخص هلك وهو مولع بالباطل والأغاني وكذا هم يقولون عند موته على الفراش لا إله إلا الله وهو يغني مات على ألفاظ الغناء وهو يموت، لم؟ لأنه توغل ذلك الظلام فيه والران على قلبه ختم على قلبه ما يقبل أبداً لا إله إلا الله.والله تعالى أسأل أن يبصرنا بعيوبنا وأن يتوب علينا ويعود بنا إلى رضاه وساحة رضوانه، اللهم آمين.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #572  
قديم 12-05-2021, 03:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (77)
الحلقة (299)

تفسير سورة النساء (80)



بعد أن بين الله عز وجل الوراثة بالنسب وما يأخذه كل وارث، جاء هنا وذكر وراثة الزوجين أحدهما للآخر، وهما من فئة الوارثين بالمصاهرة، فإن ماتت الزوجة فلزوجها النصف مما ترك، أما إن خلفت أولاداً فينزل نصيبه إلى الربع، وأما الزوج إن مات فترث الزوجة الربع، وإن كان له أكثر من زوجة تشاركن في الربع، وهذا كله في حال لم يخلف أولاداً، فإن خلف أولاداً فللزوجات الثمن يشتركن فيه.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل.وأذكركم ونفسي بأننا مع آيات الوصية، والآية الأولى نعيد تلاوتها، فتأملوا معانيها، وتذكروا ما علمتم من أحكامها، ومن غلط فسوف يصحح غلطه، ومن جهل إن شاء الله يتعلم.تلاوة هذه الآية الكريمة بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:11].نبتدئها بالأسئلة ولنستمع إلى الإجابة.
معنى قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم)
قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11]، من الله الذي يوصينا؟ ربنا، خالقنا إلهنا، معبودنا الحق الذي لا معبود لنا سواه. يوصينا في أولادنا بأي شيء؟ وما هذه الوصية؟ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11]، هذه الكلمة مجملة، بين لنا: يوصينا في ماذا؟ قال: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، هذه جملة بيانية؛ لأن الأولى تقتضي سؤالاً. اسمعوا عباد الله: يوصيكم ربكم في أولادكم، فتتطلعون أو لا؟ بأي شيء؟ قال: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]. هلك زيد وترك بنين وبنات ذكوراً وإناثاً، فكيف نقسم التركة عليهم؟ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]. ترك ولداً وثلاث بنات، فالتركة تقسم من خمسة؛ للولد اثنان، ولكل بنت واحد، هذه خمسة.ترك عشرة آلاف، للولد ألفان، ولكل بنت ألف.. وهكذا: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11].والأنثى لها واحد، والذكر له مثل حظ الأنثيين. هذه الجملة واضحة.الجزء الأول: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، هلك هالك وترك أولاداً بنين وبنات، كيف نقسم التركة عليهم؟ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، أتعجز عن هذه الكلمة؟ مات إبراهيم بن سعد وترك أولاده بنين وبنات فكيف تقسم هذه التركة؟ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11].ترك بنتين وولداً: الولد له النصف، والبنتان لهما النصف.. وهكذا: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11].
معنى قوله تعالى: (فإن كن نساء فوق اثنتين)
ثم قال تعالى: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ [النساء:11]، ما ترك ذكوراً بل ترك بنات صغيرات أو كبيرات، (فإن كن) أي: المتروكات، (نساء فوق اثنتين) فلهن (ثلثا ما ترك). ترك إبراهيم ثلاث بنات.. أربع.. خمس.. ست.. سبع.. عشر بنات، ما حظهن؟ لهن ثلثا ما ترك. نقسم التركة على ثلاثة، ثلثان للبنات سواء كنّ اثنتين أو ثلاث أو عشر، والثلث الباقي للعصبة كالعم والأخ وابن الأخ .. العصبة الأولى رجل ذكر.الأولى: هلك هالك وترك أولاداً بنين وبنات. كيف تقسمون عليهم التركة؟ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، إذا أعطينا للولد ألفاً، نعطي البنت خمسمائة.. وهكذا.فإن ترك نساء فقط: اثنتين، ثلاث، أربع خمس بنات، كيف نقسم التركة عليهن؟ نعطي البنات الثلثين، والثلث للعصبة.وإن كنّ سبعين بنتاً، حظهن ثلثا التركة، دل على هذا قوله: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11].وإن كان الرجل ترك بنتاً واحدة، ما ترك ولداً ولا مجموعة من البنات، كيف نقسم هذه؟ ماذا نعطيها؟ نعطيها النصف، والنصف الباقي للعصبة، قال تعالى: وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء:11]، وإن كانت واحدة فقط فلها من التركة النصف.
معنى قوله تعالى: (ولأبويه لكل واحد منهما السدس...)
وإن كان له أبوان، أم وأب أيضاً: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11]، ما المراد بالأبوين؟ الأم والأب، هذا يسمى من باب التغليب، نغلب اسم على اسم، كالقمران، في الشمس والقمر.إذاً: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا [النساء:11] أي: الأم والأب السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ [النساء:11] قلّ أو كثر إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11] هذا القيد، أقول: متى يرث الأب والأم السدس فقط؟ إذا كان ولدهم الذي مات له ولد، إذا كان الهالك ترك أباه وأمه وترك أولاداً، واحد.. ثلاثة.. عشرة، ماذا يرث الأب والأم؟السدس: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ [النساء:11] فقط الأم والأب، كيف نقسم التركة؟ الأم الثلث والأب الثلثان الباقيان، على قاعدة: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]. فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء:11]، هذا الهالك الذي خلف أمه وأباه، وله إخوة ولم يكن له أبناء فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11]. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء:11] لا أخ واحد، اثنان، ثلاثة فأكثر، فما الحكم؟ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11]، نزلت من الثلث إلى السدس، من نزلها؟ هذا الولد حجبها، هذا يسمى حجب نقصان، كانت ترث الثلث الآن ورثت السدس فقط، والأب يأخذ كل شيء، لِم؟ لأن الأب ينفق على الأولاد ويزوجهم وما إلى ذلك، والأم ليس لها في ذلك شيء.اسمع الآيات: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء:11] الميت له إخوة فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] وباقي المال للأب، لماذا تحجب الأم من الثلث إلى السدس، ووجود الإخوة هؤلاء؟ الأب يقوم عليهم، ويتولى إنفاقهم وتزويجهم وما إلى ذلك، وهي لا علاقة لها بذلك، فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء:11] هذا الهالك، له إخوة فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11].الإخوة لا يرثون؛ لأن الأب موجود، كيف يرثون مع الأب؟ فالأب لا يرث معه الابن. يقول تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11] بماذا؟ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11] قاعدة عامة فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ [النساء:11]، ما فيهم ذكر، مات الرجل وترك بناته اثنتين فأكثر: فَلَهُنَّ [النساء:11] ماذا؟ ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11]، والثلث الباقي؟ للعصبة. وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً [النساء:11] ليس مجموعة بنات، وإنما واحدة ماذا لها؟ النصف. وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء:11]، وللأبوين، الأبوان موجودان؟ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ [النساء:11] بقيد: إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء:11] والثلثان الباقيان للأب. فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11]، حجبت، كانت تأخذ السدس، وجود هذا الأخ للميت حرمها، فتأخذ السدس فقط، هذا الأخ حرم هذه الأم. فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11]، قوله: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء:11]، هذا عدد أو انفراد، فإن كان له أخ فقط ما تحجب بالأخ، لابد وأن يكون له إخوة، اسمع الآية الكريمة: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11]، ما قال: فإن كان له أخ، لماذا؟ لأن الإخوة كما قدمنا الأب هو الذي يقوم عليهم، فله الحق أن يأخذ الثلث الباقي، وإن كان أخ فقط ما يؤثر فيها، تأخذ هي الثلث، ما ينفق أبوه على شيء، على واحد بدل مجموعة. فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11].ذكرنا سر تقديم الوصية على الدين؛ وذلك لأن الدين أهله واقفون بسيوفهم، لا يشك أحد في أن ينالوا نصيبهم، وأما الوصية لله، أهلها أموات غرباء مسجد .. فقدم تعالى ذكر الوصية على الدين؛ لأن الدين أصحابه موجودون ما يتنازلون.
مسائل في علم الفرائض
مسألة: رجل عنده أولاد مات ولده، هل إخوته يرثون أخاهم وأبوهم موجود؟لا. هو العاصب.أفتونا رحمكم الله: في مؤمن هلك، وترك بنين وبنات، كيف تقسمون التركة؟ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]. لا خلاف في هذا، نقسم التركة عليهم: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، إذا أعطينا للرجل ألفين، نعطي للبنت ألفاً.. وهكذا.هذا الرجل الذي هلك وترك بنين وبنات وقسمنا التركة، فرضنا ترك نساء ما ترك أولاداً، ترك بنتين فأكثر؟فلهما الثلثان، والدليل على الحكم الأول: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11].والدليل على الثاني؟ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11].وإن فرضنا: هلك هالك وترك بنتاً فقط؟البنت لها النصف.هلك هالك لكن يوجد له أب وأم ، ماذا نعطيهم في هذه الحالة؟لكل واحد منهما السدس، في الأول لما كانوا بنين وبنات، وفي الثاني لما كانوا بنات فقط، ولا في الثالث لما كانت واحدة، الأبوان لكل واحد منهما السدس.فإن فرضنا: أن له ولد: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11]، واحد، اثنين، عشرة كما قدمنا، ذكراً أو أنثى، ولد يحجب الأب والأم من الثلث إلى السدس، انتبهتم؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ [النساء:11] فقط، ما ترك بنتاً ولا ولد، المال يقسم بين الأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين، الأم الثلث والأب الثلثان.فإن فرضنا بأن كان له إخوة، اثنان ثلاثة فأكثر، الأم تنزل من الثلث إلى السدس، يقال حجبها الأولاد، الأب هو الوارث، يأخذ الباقي، والولد ليس له قيمة.إذاً: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا [النساء:11]، الأم يحجبها الإخوة من الثلث إلى السدس.كذلك: لو قسم الهالك التركة قبل موته؟ يجوز، لكن هل يدري متى يموت، قد تأتي أموال جديدة، قد تخرج الأموال، الأحسن ما يفعل هذا، إلا إذا خاف ضياع أموال ورثته في ظروف معينة.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #573  
قديم 12-05-2021, 03:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

ملخص لما جاء في تفسير الآيات
إذاً: نتلو هذه الآية تلاوة أخرى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ [النساء:11] فقط فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء:11] والثلثان الباقيان للأب، فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء:11] لا أخ واحد فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11]، حجبت من الثلث إلى السدس لوجود الإخوة، أخ واحد ما يحجبها، ماذا تقول؟كما تقدم، لا فرق بين الذكر والأنثى؟ الإخوة الإخوة، لا يرثون مع وجود الوالد، فقط الأم الرحيمة لما يتعدد الإخوة لا ترث إلا السدس، لو ما في إخوة له، أو أخ واحد لها الثلث. فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11]، وقوله: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ [النساء:11] إذا تساءلتم: لِم يعط الثلث ولا يعطي الخُمس؟ لا، هذا ما هو شأنكم، أليسوا آباء وأبناء؟ هل تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً؟ ما تدري، فلهذا سلموا لله تعالى هذه القسمة، وقولوا: آمنا بالله.وقوله: فَرِيضَةً [النساء:11]، ما هي سنة أو واجب أو مستحب، هذا فرض مفروض لا بد من تطبيقه.وقوله: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:11]، إذا فهمت معنى الصفتين؛ سلمت لله في هذا الحكم.أولاً: العلم الذي أحاط بكل شيء، يعلم الماضي والحاضر والمستقبل، يعلم ما تجيء به الأيام والليالي، فهو أحق بأن يقسم أو لا؟ أما أنت ما تعلم ما يجيء به الغد؟ فكيف تعطي هذا النصف أو الثلث؟ثانياً: الحكمة، من شأنه تعالى أنه لا يضع شيئاً إلا في موضعه، تلك الأكوان كلها، الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه، فإذا علمت أن الله عليم حكيم، تتأسف أو تقول: لِم؟ أو ما هذه القسمة؟ يجب أن تطأطئ رأسك، وتقول: آمنت بالله، آمنت بالله. ‏
أسباب الميراث
اعلموا: أن أسباب الميراث ثلاثة: النسب، والمصاهرة، والولاء.أسباب الميراث ثلاثة: النسب: ابن، أب، أخ، هذا النسب.والمصاهرة: زوجة، زوج.والولاء: انتهينا منه، ما عندنا جهاد ولا عبيد، وإن قالوا: يوجد في موريتانيا عبيد، جاهدوا من حتى أخذوهم؟الجهاد في الإسلام فريضة قائمة إلى يوم القيامة، لماذا؟ لأن المسلمين مأمورون بأن يدخلوا البشرية في رحمة الله، ما تنزل الملائكة تقود بريطانيا أو إيطاليا إلى الإسلام؛ لأن الدار دار امتحان، من يدعوهم إلى الإسلام؟ المسلمون الذين ذاقوا لذاذة الإسلام، وعاشوا في أنواره وعدله ورحمته، هذا الجهاد باقٍ ما بقيت الدنيا، وإن يقف في بعض الظروف يقف، لكن لابد وأن يعود ويتجدد، فالمجاهدون إذا هزموا العدو الذي رفض الإسلام ورفض الخضوع لحكمه وأبى إلا أن يقاتل .. إذا هزمناه ماذا نصنع بالنساء والأطفال؟ نصب عليهم البنزين ونحرقهم، كما يفعلون هم -لعنة الله عليهم- ماذا نصنع بهم.. نسجنهم.. نعذبهم؟حرام هذا عندنا، نقسمهم على المجاهدين، والمجاهد إذا أخذ اثنتين ثلاث أربع، يستطيع يهب لمن يشاء من إخوانه، وإن احتاج إلى أن يبيعها، كعاملة يبيعها، وإن شاء عتقها، وأصبح مولاها، هذه العتيقة إذا ماتت من يرثها؟ الذي عتقها، هذا هو الولاء: ( الولاء لمن أعتق ) عرفتم؟ مادام قد أعتقها وحررها، أصبح وليها أو لا؟ إن ماتت وتركت مالاً من يرثه؟ معتقها: ( الولاء لمن أعتق ).إذاً: هذه الآية الأولى في ميراث النسب أو المصاهرة.
تفسير قوله تعالى: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم ...)
يقول الله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12] هذه واضحة: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12] (أزواجكم) هنا بمعنى زوجاتكم أيها الفحول! وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12] أي: زوجاتكم، بشرط أو بدون شرط؟ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء:12] شرط (إن) أو لا؟ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء:12] افرض في ولد؟ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12] هذا الإرث بالنسب هذا؟ بالمصاهرة، تزوج رجل امرأة فماتت، ماتت كما ماتت فاطمة الزهراء ، ماتت من يرثها؟ الزوج يرث ماذا؟ ما نصيبه، ما حظه؟ النصف، اللهم إلا أن يكون لها ولد أو أولاد سبعون.. ينزل الزوج من النصف إلى الربع، يكفي الربع وأولادها ماذا يأخذون؟ لو ما كان لها أولاد نعم أحق الناس بمالها الزوج، أليس كذلك؟ أعطاه الله النصف، والنصف الباقي لأبيها.. للورثة.اسمع: وَلَكُمْ نِصْفُ [النساء:12] من أعطانا؟ الله، لكم، عطية الله: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ [النساء:12]، الرُّبْع والرُّبُع كله واحد مِمَّا تَرَكْنَ [النساء:12] أي: الزوجات، كما قدمنا، ولكم نصف ما ترك زوجاتكم مما تركن: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12] ما الذي يقدم في القسمة؟ الدين أولاً، ثم الوصية والباقي للورثة. لِم قدمت الوصية؟ لأن الوصية من يعطاها؟ جهة ربما غير موجودة؛ فللاهتمام بشأنها والخوف من ضياعها تذكر هي أولاً، والدين معلوم هو الأول، في القسمة الدين أولاً، إذاً: ما أبقى الدين شيء، لا بد من الدين ثم الوصية إن بقي شيء، بقي شيء بعد الوصية قسمت التركة، ما بقي شيء مع السلامة.أعيد هذا الجزء من الآية، اسمع ما يقول تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ [النساء:12]، ما قال (مما تركنا) مما ترك النساء، الزوجات: مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا [النساء:12]، (يوصين) هذا جمع النساء أو لا؟ لو واحدة قال: توصي أو يوصي، الرجال يوصون، والنساء يوصين، يوصون قوية أو لا؟ كالفحولة، والنساء يوصين، رقيقات الحواشي، ضعيفات البنية.ثم قال تعالى: وَلَهُنَّ [النساء:12] أي: الزوجات الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء:12] أيضاً أنتم، وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ [النساء:12].مات الرجل وما ترك ولداً ولا بنتاً، الزوجة ماذا تأخذ؟الربع، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء:12] أيها الرجال، ما قال: (مما تركن) كالأولى، مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12]، من بعد وصية توصون بها غيركم، أو دين تثبتونه وتقررونه.هنا إذا كان الهالك قد ترك زوجتين أو ثلاث أو أربع، وليس فوق الأربع زوجة قط، فهذا الربع أو الثمن كيف يقسم؟ يقسم إذا كانت واحدة لها الثمن، وإذا كانت زوجات اثنتين لهما الثمن، ثلاثة الثمن، أربع الثمن فقط.قال الحذاق من العلماء: لأن الأصل في النكاح زوجة واحدة، فأعطاها الله تعالى الربع، فإذا زاحمتها أخرى، ضرة من الضرات قسم الثمن بينهن، فالأصل أن الرجل يتزوج امرأة، كما تزوج آدم حواء، فهذا الزوج إذا مات تأخذ زوجته الربع والباقي للورثة، فإن كان له ولد، أو أكثر بنين أو بنات، تأخذ الثمن وحسبها ذلك ويكفيها، فإن زاحمتها ضرة أو ضرتان ما لهما إلا ذلك الجزء يقتسمونه؛ لأن الغالب أن الرجل يكتفي بالمرأة، فإذا تعذر وما اكتفى وأضاف، له أن يضيف اثنتين أو ثلاث، إذا إلى وصل الرابعة وقف السيل، انتهت طاقته وقدرته، مع الشرط الذي ما ينسى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:12] ذلك أمر واسع.إذاً: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12]، المراد بالأزواج هنا الزوجات أو الرجال؟ الرجال؛ لأن الأصل في الزوج ما يجعل الفرد زوجاً، انتبهتم؟ كل ما يجعل الفرد زوج هو زوج، آدم فرد أو لا؟ زوجه الله وجعله زوجاً بحواء، الرجل فرد زوجه الله بامرأة، أصبح هو زوج وهي زوج أيضاً.المرأة الفردة تزوجها أنت، يقال: زوجوا البنت أو لا؟ كيف زوجوها؟ أعطوها للرجل أصبحت زوجة. وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء:12] هذا القيد لا بد منه أو لا؟ لا ترث النصف إلا بقيد، ألا وهو: أن لا يكون للرجل ولد: فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ [النساء:12].إذاً: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ [النساء:12]، ماتت المرأة الزوجة، ورثها زوجها كذا؟ ماذا يرث كم؟ النصف، وإن كان لها ولد؟ ينزل من النصف إلى الربع، حجب نقصان .. بنت .. ولد .. عشرة كله واحد، لأن لفظ (ولد) اسم جنس.قال: فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ [النساء:12] بقيد أو لا؟ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12] وَلَهُنَّ [النساء:12] أي: الزوجات، عرفنا حق الزوج والزوجة؟ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء:12] أيها الرجال: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ [النساء:12] أو أكثر فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء:12].وهنا تأتي تلك الفريضة التي لا تنسى، وهي أن الزوجات إذا تعددن ليس لهن إلا ما ترثه الواحدة.هلك هالك وترك أولاداً، لها الثمن هذه الزوجة، فإن كانت لها ضرة أو ضرات يقتسمن الثمن فقط بلا خلاف بإجماع الأمة.واللطيفة قبلتموها أو لا؟ بعضكم يقبل والبعض لا؛ لأن الأصل أن الزوجة واحدة، كذا أو لا؟ فالتي تأتي بعدها تزاحمها أو لا؟ أخذت عليها ليلة في أربع ليالي، أخذت عليها كذا، وأخذت عليها أيضاً التركة، وهي ترضى لأنها ساعدتها، وقامت إلى جنبها وخدمت مع الزوج؛ فتفرح بأن تقتسم معها هذا الفرض الربع أو الثمن.وهكذا يورث الله الولاء والحب بين المؤمنين والمؤمنات، ولا تستطيع امرأة ولا رجل أن يولي رأسه، اسكت! هذه فريضة الله، ذي وصية الله، في من يعصي الله في وصيته؟ أيهما أبلغ الوصية أو الأمر؟ الوصية أعظم من الأمر، والله العظيم، نبين لك أو لا؟ يا راضي ! غداً إن شاء الله تعال الساعة الثامنة؟ هذا أمر أو لا؟ وإذا كتبتُ وصية أوصيك يا فلان بأن لا تتخلف على كذا، أيهما أشد؟الوصية؛ ولهذا قال: يُوصِيكُمُ اللَّهُ [النساء:11] ما قال: يأمركم، الوصية أبلغ من الأمر، هذا معروف، الذي يوصي ولده كالذي يقول: يا ولدي افعل كذا؟ الوصية أعظم.( لا وصية لوارث ) نعم، الوارث ما يوصى له، يكفيه حظه، كيف نوصي له؟ هذه الآية من سورة البقرة نسخت بهذا الحديث، هذا من عجيب أن السنة نسخت الآية.( لا وصية لوارث )؛ لأن الله قال من سورة البقرة: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ [البقرة:180]، هذه مجملة، لما جاءت: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11]، بينت ذلك، فنسخت تلك الآية، وجاء الحديث فوضحها: ( لا وصية لوارث ).قال: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء:12] من الزوج هذا أو من زوج آخر، لها ولد أو لا؟ جاءت به ربيب، من زوج مات أو طلقها، أصبحت أم ولد أو لا؟ فإذا ماتت الزوج يأخذ النصف؟ ما يصلح، وهذا الولد! مطلقاً ولد من هذا أو من غيره. وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء:12] إذا مات الزوج وما عنده ولد ماذا ترث المرأة؟الربع، وإن كان له ولد منها أو من نساء أخريات مطلقاً، كبار أو صغار، تنزل من الربع إلى الثمن لوجود من يأخذ هذا المال.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! نسمعكم الآن شرح الحكمين أو إرث المصاهرة. ‏
معنى الآيات
يقول المؤلف غفر الله لنا وله وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيات: كانت الآية قبل هذه في بيان الوراثة بالنسب ] الآية الأولى كانت في بيان الوراثة بالنسب أو لا؟ من نسبك؟ أنت تنسب لأبيك أو لا؟ هذي تنسب لأمها أو لا؟ هذا النسب، نسب الأم والأب والقبيلة [ كانت الآية قبل هذه في بيان الوراثة بالنسب، وجاءت هذه في بيان الوراثة بالمصاهرة ].ما معنى المصاهرة هذه؟ تعرفون الصَّهْر أو لا؟! بالنار! لا إله إلا الله، انصهر فيها وانصهرت فيه، أصبحا كجزءاً واحداً.قال: [ والوارثون بالمصاهرة هما: الزوج والزوجات ] فقط [ قال تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12] فمن ماتت وتركت مالاً ولم تترك ولداً ولا ولد ولدٍ ذكراً كان أو أنثى فإن لزوجها من تركتها النصف، وإن تركت ولداً أو ولد ولدٍ ذكراً كان أو أنثى فإن لزوجها من تركتها الربع لا غير؛ وذلك لقول الله تعالى: فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ [النساء:12] أي: الزوجات، وهذا من بعد سداد الدين إن كان على الهالكة دين، وبعد إخراج الوصية إن أوصت الهالكة بشيء؛ لقوله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا [النساء:12] أي: الزوجات أَوْ دَيْنٍ [النساء:12]، هذا ميراث الزوج.أما ميراث الزوجة من زوجها: فهو الربع إن لم يترك الزوج ولداً ولا ولد ولدٍ، ذكراً كان أو أنثى، فإن ترك ولداً أو ولد ولدٍ فللزوجة الثمن فقط، وهذا معنى قوله تعالى: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12].هذا وإن كان للزوج الهالك زوجتان أو أكثر فإنهن يشتركن في الربع بالتساوي إن لم يكن للهالك ولد، وإن كان له ولد فلهن الثمن يشتركن فيه بالتساوي ].والحمد لله رب العالمين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #574  
قديم 12-05-2021, 03:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (78)
الحلقة (300)

تفسير سورة النساء (81)


إن الله عز وجل اتخذ إبراهيم خليلاً، وما استحق إبراهيم عليه السلام لهذه الخلة إلا بعد أن تعرض لصنوف من الابتلاءات والمحن، والتي وقف إزاءها بكل إيمان وتسليم، فتعرض عليه الصلاة والسلام للإلقاء في النار، وتعرض هو وزوجه سارة للفتنة عند ملك مصر، وترك زوجه هاجر وابنه إسماعيل بواد غير ذي زرع بأمر من الله عز وجل، ثم آخر ذلك امتثل لأمر ربه طائعاً حين أمره بذبح ولده إسماعيل، فلما أن كاد ينفذ فيه أمر ربه فداه سبحانه بذبح عظيم، فاستحق بذلك إبراهيم أن يكون خليل الرحمن.
تفسير قوله تعالى: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات في أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا هذا الرجاء، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وما زلنا مع سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات الخمس، فهيا نتغنى بها عدة مرات ثم نأخذ في شرحها وبيان مراد ربنا تعالى منها، فإن كان عقيدة عقدناها في قلوبنا فلا تنحل عقدتها حتى نلقى ربنا، وإن كان مراد الله منها أمراً تهيئنا للنهوض به، وصممنا على القيام به؛ لأنه أمر مولانا وسيدنا ومالك أمرنا، إذ كيف لا نطيعه؟! وإن كان نهياً عن عقيدة فاسدة، عن خلق سيء، عن عمل باطل، فإننا من الآن وكلنا عزم وتصميم ألا نأتي ما حرم الله علينا، وإن كانت الآيات تحمل بشرى استبشرنا وحمدنا ربنا وطلبناه المزيد، وإن كانت تحمل تحذيراً من خطر أو وقوع في شر، حذرنا مستعينين بربنا سائلين أن يقينا كل مكروه، وتلاوة هذه الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا * رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء:163-166].
تقرير مبدأ الوحي الإلهي
معشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه الآيات ترد على اليهود الذين فضحهم الله بالأمس وأزح الستار عنهم في الآيات التي درسناها، إذ لما بلغهم ذلك خافوا واضطربوا وأعلنوا عن مكرهم وخداعهم، وقالوا: إن محمداً لا يوحى إليه، وما قاله من كلام إنما هو من تلقاء نفسه، وليس وحياً من الله وكلامه، والله ما أوحى إليه ولا يوحي إليه، وأشاعوا هذه بين أقوامهم للخروج من الورطة التي تورطوا فيها، فرد الله تعالى عليهم بقوله: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى [النساء:163] النبيين والمرسلين، فكيف تستطيعون يا يهود أن تنكروا الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أوحى إلى الأنبياء والمرسلين من قبله؟ ثم بأي حجة وبأي منطق أو حق تقولون ذلك؟
أول الرسل إلى الأرض هو نوح عليه السلام
إِنَّا [النساء:163]، أي: رب العزة والجلال والكمال، أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [النساء:163]، يا رسولنا! محمداً صلى الله عليه وسلم، كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [النساء:163]، ونوح -هذا الاسم- مشتق من النوح، من ناح ينوح نوحاً، إذا بكى وناح، ونوح عليه السلام هو أول المرسلين الذين حملوا رسالة التوحيد؛ ليدعو إلى عبادة الله وحده دون سواه، وهو أول رسول حارب الشرك، وقد عاش مع قومه أكثر من ألف سنة، أي: تسعمائة وخمسين سنة كان فيها داعياً إلى الله عز وجل، ولاقى من جهلة قومه ما لاقى وصبر، وأخيراً رفع كفيه إلى ربه ودعا على قومه، واستجاب الله عز وجل دعاءه فأغرقهم أجمعين، اللهم إلا نيفاً وثمانين رجلاً وطفلاً وامرأة، وغرقت البشرية كلها، وكانت في إبان عهدها الأول، وقصة نوح مكررة في القرآن الكريم، وحسبنا السورة المسماة باسمه وهي سورة نوح بين سورة الجن وسورة المعارج.
تعريف الوحي
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [النساء:163]، والوحي والإيحاء من وحى يحي وحياً، إذا ألقى إليه الكلمات بمعانيها دون حروفها، فهو كالإشارة والرموز، وأوحى إليه يوحي إيحاءً، إذا أبلغه مراده بطريقة الإيحاء، أي: السريع الخفي، فقد يكون الرجل بين إخوانه ويلقى إليه، ويفهم عن الله والحاضرون لا يعرفون شيئاً.والوحي: إعلام سريع قد يُعلم الله تعالى به غير الأنبياء والمرسلين، كما أوحى إلى أم موسى في شأن ولدها أن تضعه في تابوت وترمي به في اليم حتى لا يأخذه فرعون ورجاله، ومريم البتول أيضاً أُوحي إليها، فقد أعلمت بطريق خفي من قبل ربها تبارك وتعالى.
ابتلاء الله لإبراهيم بقذفه في النار
وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ [النساء:163]، ومعنى لفظ (إبراهيم) باللغة السريانية أو العبرية: الأب الرحيم، ، وإبراهيم سرياني من أرض بابل بالعراق، وهو خليل الرحمن عز وجل، ولم يسبق إلى الخلة إنسان قبل إبراهيم عليه السلام، ولم يظفر بها بعد إبراهيم إلا سيد المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إذ قال عليه الصلاة والسلام: ( لو كنت متخذاً غير ربي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن يكفي خلة الإسلام )، وقد ابتلي بما لم يبتل به غيره، فقد ألقي عليه السلام في النار، وذلك أنهم أججوا له النار أربعين يوماً، بل وكانت المرأة تنذر لآلهتها بحزمة من الحطب تلقيها في نار إبراهيم! وفعلاً وضع القيد في يديه ورجليه وألقي بمنجنيق؛ لأن النار كانت شديدة الالتهاب لم يقدر أهلها أن يقربوا منها، وقد عرض له جبريل يمتحنه في تلك الساعة الحرجة فقال له: ألك حاجة يا إبراهيم؟! فقال: أما إليك فلا، ولما عرف الله وأقبل عليه وتنكر لما سواه ولم يبال به، عرف أنه لا ينقذه من هذه النار إلا مولاه، فقال تعالى للنار: كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69]، فصدر أمر الله تعالى إلى النار وهي مخلوق من مخلوقاته، تعرف عن الله وتسمع وتطيع كسائر المخلوقات، قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69]، فلم تعد النار إلا على القيد الذي في يديه ورجليه، ثم خرج منها يتفصد عرقاً، وودع القوم وقال: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ [الصافات:99]، فكانت أول هجرة تقع على الأرض من عبد من عباد الله الصالحين، ولذلك كان أول من هاجر من ديار الكفر والشرك والظلم والشر والفساد إبراهيم الخليل بن آزر، وقال إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات:99-100]، فكان هذا من البلاء.
ابتلاء الله لإبراهيم في زوجه
ثم اتجه غرباً نحو ديار الشام وتجاوزها إلى الديار المصرية، وذلك مع زوجه سارة بنت عمه وابن أخيه لوط، وكأنه تركه في الديار الفلسطينية ولم يواصل معه السير متجهاً غرباً، وقد حدث أن بعض المجرمين أخبروا ملك مصر بأن غريباً من الرجال معه فتاة حسناء جميلة، وأنها لا تليق إلا به، فقال: أتوني بها، وجاء أولئك يطلبون امرأة إبراهيم عليهما السلام، فقال لها إبراهيم: يا سارة! إنه لا يوجد على هذه الأرض مؤمن إلا وأنت، فأنا أخوك وأنت أختي، فإذا سألك الطاغية عني فقولي: هو أخي، ولا تقولي: إنه زوجي؛ لأنها إذا قالت: إنه زوجي، سيقتله ليتخلص منه ثم يتزوج بامرأته، لكن كلمة: (أخ) لا يبالي بها، إذ الأخ يزوج أخته من شاء.ومن عجائب تدبير الله وآياته وكراماته لأوليائه وصالح عباده رجالاً أو نساءً، أنهم لما حسنوا ثيابها وأصلحوا حالها، ووضعوها على سرير الطاغية ليداعبها ويكلمها ويؤانسها، فكان كلما وضع يده على كتفها يصاب بالشلل الفوري، فتيبس يده ويصرخ، ويقول لها: ادع مولاك، ثلاث مرات، ثم في الأخير قال: أخرجوها عني، لقد أتيتموني بشيطانة، ولكن مع هذا فقد أعطاها خادمة وبغلة ومالاً، ثم جاءت إبراهيم فقالت: أهلك الله العدو وخيبه وأذله وأخزاه، وهذه الجارية لك فخذها، وكانت الجارية هي هاجر أم إسماعيل، إذ إن إبراهيم عليه السلام تسراها لنفسه، ثم شاء الله أن تحمل بإسماعيل، وسارة لها سنوات كثيرة وهي مع إبراهيم لم تلد أبداً، فلما أنجبت هاجر إسماعيل أخذت سارة الغيرة وآلمتها، كيف أن هذه الجارية تلد وأنا لا آلد؟! والآن قلب إبراهيم كله سيكون مع طفله وجاريته، فماذا يصنع إبراهيم؟ وهو ما يصنع إلا بتدبير الله له، فأمر هاجر أن تحمل ولدها وأن تخرج معه ليلاً، وكانت عليها السلام تعفي أثرها بدرعها، ومشى بها إبراهيم من أرض القدس حتى وصل بها الوادي الأمين مكة قبل أن تعرف مكة، وهنا قد يقول قائل: كيف وصل بها؟ من الجائز أن البراق الذي حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس قد حمل إبراهيم إلى مكة مع هاجر وطفلها.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #575  
قديم 12-05-2021, 03:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

ابتلاء الله لإبراهيم بأمره بترك زوجه وطفله في واد غير ذي زرع
وكانت هذه أيضاً عظيمة من العظائم، وبلوى من البلايا، أي: أن يترك امرأته وطفله في وادٍ ما به أنيس ولا شجر ولا ثمر ولا زرع، من يقوى على هذا؟ لكن صبر إبراهيم عليه السلام، وهذا مظهر من مظاهر التكلان على الرحمن، فيا عباد الله! هل نحن متوكلون، أم أننا ندعي التوكل، أم لا ندعيه ولا نحن فيه؟ لما تركها مع إسماعيل الطفل الرضيع، ومعها جراب فيه بعض الطعام، وما طعامه إلا الخبز الجاف وشن فيه ماء، وتركهما وقفل راجعاً إلى الشام إلى بيت القدس، فلما أدبر وتركها وراءه مع طفلها، نادته: أن يا إبراهيم! آلله أمرك بهذا؟ أي: بأن تتركني وطفلي في هذا الوادي وليس معنا أحد؟ ثلاث مرات، فقال: إي يا هاجر! أمرني ربي، قالت: إذاً فاذهب فإنه لا يضيعنا، فأين إيماننا؟ وأين معرفتنا بالله؟ وذهب إبراهيم وترك هاجر وإسماعيل.وتمضي الأيام ويعود إبراهيم يتعهد تركته، وفي يوم من الأيام مرت قافلة من قوافل العرب وهي قبيلة جرهم، واحتاجوا إلى الماء وهم في طريقهم إلى ديارهم، فشاهدوا طائراً يحوم في السماء، فقالوا: لابد أن يكون هناك ماء، وفعلاً فقد كانت هناك بئر زمزم الشفاء والدواء، فلما جاء طالب الماء لهم والمرتاد له وجد إسماعيل ووالدته حول زمزم، وكيف نبع ماء زمزم؟ أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بأن إسماعيل عطش لما نفد الماء الذي كان معهم، فأخذ يتلوى في الأرض من شدة العطش، وهاجر عليها السلام لا أقول: تبكي، ولكن أقول: قلبها يحترق على ابنها؛ لأنه ربما قد يموت عطشاً بين يديها، فنظرت فرأت أقرب جبل منها الصفا، فمشت إلى الصفاء مسرعة، فصعدت فوقه ونظرت يميناً وشمالاً علها ترى ماء أو من يحمل الماء أو من يرشدها إلى الماء، فما وجدت، فهبطت من الصفا فقابلها جبل المروة فمشت، ولما وصلت الوادي أسرعت حتى تجاوزت الوادي، وهذا هو الوادي الذي نسرع فيه نحن الساعين، وهي سنة سنها لنا نبينا عليه السلام إحياء لذكرى هاجر أم إسماعيل، ولكن يعفى المؤمنات من الإسراع في ذلك المكان، إذ يمشين على عادتهن فقط، أما الرجال فإنهم يسرعون إحياءً لذكرى هاجر أم إسماعيل، ثم صعدت على المروة مرة أخرى والتفتت يميناً وشمالاً، فما رأت شيئاً، واستمرت تجري وتسعى بين الجبلين سبع مرات، ولهذا فالسعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ثم وإذا بها تسمع هاتفاً يهتف فتقول: أسمعت أسمعت، فنظرت فإذا بجبريل عليه السلام واقفاً على رأس إسماعيل وإسماعيل يتلوى من شدة العطش، فلما وصلت هاجر مسرعة وهي تقول: أسمعت أسمعت، هل من غياث؟ فضرب جبريل الأرض بعقبه ففارت زمزم، وأخذت هاجر تجمع التراب وتحيطه بها حتى لا تسيح في الأرض، ولذا قال الحفيد الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في كما في صحيح البخاري: ( رحم الله أم إسماعيل لو تركته لكان عيناً معيناً تسيل الدهر كله، ولكن حصرته فأصبح بئراً )، وسمي زمزم من الزم، كما تزم أنت الحيوان أو الفرس، وزمزم آية من آيات الله في البلد الحرام، إذ قال تعال: فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [آل عمران:97]، فأي بئر في العالم تبقى آلاف السنين لا تنضب؟ وها أنتم تشربونه دائماً في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كانت بئراً من الآبار لجفت، ولما جاءت السيول في عهد الجاهلية وردمت البئر وغطته هيأ الله جد نبينا فحفر زمزم واستخرج ماءها مرة أخرى.وبقيت هاجر هناك وجاءت قبيلة جرهم -كما قدمنا- تطلب الماء، فنزلت إلى جنبها، وهنا لطيفة أخرى وهي: أن رجالات جرهم قالوا لها: هل تأذني لنا يا امرأة بالنزول هنا معك؟ والعجيب أنها أمة أو قبيلة برجالها وسلاحها وكثرة أفرادها تطلب الإذن من امرأة معها طفل يرضع! إذ لو كانوا أشراراً لقالوا: أبعدوها من هنا، فكيف تحللون هذه الظاهرة؟ إن تحليل هذه الظاهرة -واسمعوا وعوا- هي: أن البشرية كانت في أيامها الأولى أفضل وأكمل منها اليوم، فقد كان الكمال فيها من عهد آدم وشيث وإدريس ونوح، ثم أخذ ينقص شيئاً فشيئاً حتى وصلنا الآن إلى هذه الحال، بل وما زلنا لا يأتي يوم إلا والذي بعده شر منه، فانظر إلى ذلك الالتزام والاحترام، عجوز مع طفل في واد وقبيلة بكاملها تطلب الإذن منها أن تسمح لهم بالنزول عند الماء! فقالت: نعم، على شرط أن يكون الماء مائي ولا حق لكم فيه، فإن شئت أعطيتكم أو منعتكم، فقالوا: نعم.ولعل السامعين ما فهموا كلمتي هذه، أقول مرة أخرى: البشرية كانت في طهر وكمال، ثم أخذت تنقص شيئاً فشيئاً، إذ إن الذي خلق آدم هو الله تعالى، والذي وهبه أخلاقه وكمالاته البشرية هو الله تعالى، وتوارث أولاده هذه الصفات وهذه الكمالات، وبالتالي فالبشرية كانت في كمال من الأخلاق، والعرب المشركون كانت أخلاقهم أرفع من أخلاقنا نحن المؤمنين في مجالات كثيرة.
ابتلاء الله لإبراهيم بأمره بذبح ولده إسماعيل
وكان إبراهيم عليه السلام يتعهد تركته، فيأتي من أرض المقدس إلى مكة المكرمة، فجاء يوماً وإذا بإسماعيل الذي كان رضيعاً قد أصبح غلاماً زكياً طاهراً نقياً، وقد قارب أن يعمل مع أمه ولو يخرج لها الماء، فجاء إبراهيم وناجى إسماعيل وقال له: يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى [الصافات:102]، ورؤيا الأنبياء وحي، وهذا خاتمهم صلى الله عليه وسلم كانت الستة الأشهر الأولى من نبوته تأتيه في المنام، يقول صلى الله عليه وسلم: ( الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة )، ومعنى (جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة): أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عاش نبياً ورسولاً ثلاثاً وعشرين سنة، والسنة فيها اثنا عشر شهراً، أي أن فيها جزأين كل جزء مكون من ستة أشهر، عندها نضرب ثلاثاً وعشرين سنة في اثنين فينتج ستة وأربعون جزءاً، جزء واحد منها وهو ستة أشهر كانت مناماً.فلهذا الرؤيا الصالحة من العبد الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة. يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ [الصافات:102]، أي: الغلام الزكي الطاهر، يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات:102]، فأين أبناؤنا؟ وأين آباؤنا؟ هل آباؤنا يستشيروننا في قضية كهذه وبهذا اللفظ؟ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى [الصافات:102]، أي: أنه قد أوحي إليَّ أن أذبحك، وأنت انظر ما الذي تراه يا إسماعيل! فماذا قال الغلام الزكي؟ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ [الصافات:102]، أي: افعل ما يأمرك الله به، سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات:102]، وقال لـهاجر: طيبيه وطهريه وألبسيه أحسن ثيابه، ثم خرج به إلى منى حيث تراق الدماء.ومن عجيب هذه الحادثة أن إبليس اعترضه في العقبة عند الجمرة الأولى، وذلك ليصرفه عن تنفيذ أمر ربه، فطرده إبراهيم ورماه بسبع حصيات كما نفعل في حجنا، فهرب إبليس ومشى إسماعيل مع إبراهيم حتى وصلا مكان الجمرة الوسطى، فوقف له فقال له: ماذا يفعل ربك بهذا الصغير؟ مالك يا إبراهيم؟ أين يذهب بعقلك؟ ربك لا يحتاج إلى ذبح هذا الولد، فعرفه فلعنه ورماه بالحجارة، ثم مشى حتى وصل الجمرة الثالثة، وهناك تله للجبين، أي: صرعه على الأرض، والمدية في يده، فأي ابتلاء أعظم من أن يؤمر العبد بأن يذبح طفله؟! والله إن المدية لفي يديه، وأراد أن يضعها على حلق الغلام، بل قد وضعها لكنها كلَّت وأصبحت خشبة، والتفت إبراهيم وإذا بجبريل عليه السلام آخذ بكبش أملح وقال: اترك هذا واذبح هذا، قال تعالى: وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:107].
أمر الله لإبراهيم بأن يبني بيتاً في الوادي الأمين
ثم تمضي الأيام والأعوام ويؤمر إبراهيم بأن يبني لله بيتاً في ذلك الوادي الأمين، وانظر لو أن شركة من الشركات أمرت بذلك والله لعجزت، ويبني إبراهيم البيت مع إسماعيل، وكأنكم وهما يتقاولان ويبنيان البيت: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة:129]، ولما ارتفع البناء وعجز إبراهيم عن رفع الحجارة أكثر حتى يعلو البناء، طلب من إسماعيل أن يأتيه بحجر يصعد عليه، فجاءه بالحجر المعروف -المقام- من جبل أبي قبيس، وعلا فوقه، وكلما بنى جانباً أداره حتى انتهى ما بين الحجر والباب، ثم جاءت السيول فرجعت به إلى مكانه الآن من عهد إبراهيم، وهنا قال تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [البقرة:124]، وهذه الكلمات هي الأوامر القاسية الشديدة، وقد استعرضناها واحدة بعد أخرى، وهنا حق لإبراهيم أن يتوج بتاج العز والفخار، وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [البقرة:124]، فأنت إمام الناس بالامتحان والنجاح، فأي امتحان أعظم من هذا الامتحان؟ ذبح الولد، وقبله الهجرة، وقبله كذا وكذا، قال: قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [البقرة:124]، وهذه هي الرحمة الإبراهيمية إذ إنه هو الأب الرحيم، قال: ومن ذريتي يا رب اجعل فيهم الأئمة، وهذا ما يسمى بولاية العهد، فهو طلب ولاية العهد في ذريته، فقال الله تعالى له: لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة:124]، فأبناؤك الصالحون المستقيمون العادلون فنعم، أما الظالم فلا ينال عهدي، ولهذا من أراد أن يعهد إلى ولاية فينبغي أن يختار أعدل أولاده وأصلحهم وأرحمهم، وهذا قد علمناه الله عز وجل، ولا تختار فاجراً من فجار الأولاد وتقول: هذا يخلفني! بل اختار أصلحهم وأتقاهم وأبرهم وأعدلهم وأقدرهم على المهمة، بل وهذا في كل من يريد أن يولي غيره على مهمة من المهام حتى في بيتك.ثم أخبر الله عن إبراهيم الأب الرحيم أنه قال بعدما بنى البيت وسكن إسماعيل وأمه: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي [إبراهيم:37]، وقال: (من ذريتي)، لعله كان يتطلع إلى ذرية آخرين، وقد رزقه الله إسحاق من سارة ابنة عمه، ولعل في هذا الوقت كانت سارة قد ولدت، قال تعالى: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:71]. رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم:37]، وقال: (ليقيموا الصلاة)، أي: يا رب! ارزقهم من الثمرات من أجل أن يصلوا، ولذا فاعلموا يا معشر المسلمين! أن سر الحياة هو أن يُعبد الله فيها، بل علة هذا الوجود بكامله هو أن يُعبد الله فيه، ولذلك أنزل آدم وحواء إلى الأرض من أجل أن يُعبد الله فيها، وأعظم عبادة ولا تساويها أخرى هي إقام الصلاة؛ لأنها تجعل العبد متصلاً بربه ويقف بين يديه ويناجيه ويكلمه خمس مرات في الأربعة والعشرين الساعة، ولهذا فإن تارك الصلاة كافر ما آمن بالله ولا عرفه، والمقيم للصلاة هو العابد لله تعالى، وقد فهم هذا إبراهيم لما قال: رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ [إبراهيم:37]، أي: إن أقاموا الصلاة فاجعل لهم كذا وكذا، إذ هو قد فهم أننا ما خلقنا إلا للعبادة، وبين هذا تعالى في كتابه فقال عز من قائل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58].ثم قال إبراهيم في دعائه: رَبِّ إِنَّهُنَّ [إبراهيم:36]، أي: الأصنام، أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي [إبراهيم:36] أي: على ملتي وديني، فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي [إبراهيم:36] فاحرقه بالنار؟! ومن عصاني فجوعه؟! ومن عصاني فاطرده؟! لا، فماذا قال؟ فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [إبراهيم:36]، أي: اغفر له وارحمه. وهذا عيسى عليه السلام قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118]، وما قال: اغفر لهم، وإنما إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ [المائدة:118]، فمن يعترض عليك؟ هم عبيدك ولك أن تعذبهم، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118].وهنا يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكر موقف الرسولين الكريمين ويدعو لهذه الأمة بالمغفرة والرحمة، ويشفع لها في عرصات القيامة.هذا والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم بما ندرس ونسمع، وأن يغفر ذنوبنا، وأن يستر عيوبنا، وأن يفرج كروبنا، وأن يشفي أمراضنا، وأن يجمعنا دائماً على ذكره وحبه وحب أوليائه.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #576  
قديم 18-05-2021, 03:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (79)
الحلقة (301)

تفسير سورة النساء (82)


جاءت هذه الآيات تكذيباً لليهود الذين زعموا أنه لم يوح إلى أحد من البشر غير موسى عليه السلام، فذكر الله عدداً من الأنبياء والرسل، ثم أخبر نبيه عن وجود آخرين لم يقصهم عليه أرسلهم سبحانه إلى أقوامهم، وفوق ذلك أخبره أنه كلم موسى تكليماً، فأسمعه كلامه بدون واسطة، فكيف ينكر اليهود ذلك كله، وقد بعث الله الرسل مبشرين لمن آمن بالجنة، ومنذرين من أشرك وكفر بالنار.
تابع تفسير قوله تعالى: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا رجاءنا إنك ولينا وولي المؤمنين.وها نحن مع سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا * رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء:163-166].
تقرير الوحي الإلهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه الآيات الخمس الكريمة ترد على أهل الكتاب دعاواهم بأن الرسول النبي الخاتم محمداً صلى الله عليه وسلم ليس بنبي ولا رسول، وادعوا أنه ليس هناك من يشهد له بالنبوة ولا بالرسالة، أما الأنبياء الصادقون قبله فقد كانوا يتواجدون في الوقت الواحد أو في البلد الواحد فيشهد هذا لهذا، وهذا الذي يدعي النبوة ليس هناك من يشهد له بأنه نبي أو رسول، فجاءت هذه الآيات تبطل تلك الدعاوى وتجتثها من أصولها، وحسبنا أن يشهد الله عز وجل له، ثم أبعد شهادة الله تطلبون شهادة؟! ما قيمة شهادة العباد بالنسبة إلى شهادة رب العباد؟! فهيا بنا نتدارس هذه الآيات تدبراً وتأملاً.قوله: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [النساء:163]، هذا إخباره تعالى عن نفسه، إِنَّا ، أي: رب العزة والجلال والكمال، أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ، أي: هذا القرآن الكريم، وهذه الشرائع وهذه الأحكام وهذه الآداب، فهل كنت يا محمد تعلم شيئاً من ذلك؟ وهل كان أحد يعرف أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم -قبل أن نبأه الله بعد أن بلغ الأربعين من السنين من عمره- سيكون رسولاً؟ إذاً من أوحى إليه بهذا القرآن؟! إنه الله تعالى، وليس هذا ببدع ولا بغريب، إذ أوحينا إليك كما أوحينا إلى الرسل والأنبياء من قبلك، فأية غرابة في هذا الباب ما دام أن الله عز وجل يوحي إلى الأنبياء والمرسلين وأنتم تعترفون بذلك؟! فلمَ إذاً ينفى الوحي عن النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم؟!
نبذة مختصرة عن نبي الله نوح عليه السلام
كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ [النساء:163]، وقد علمنا ومن حقنا أن نعلم أن نوحاً كان أول رسول حمل الرسالة إلى البشرية وهي متورطة في الشرك والآثام، وأما ما قبل نوح وهما إدريس عليه السلام وشيث من ولد آدم، فما كانوا في أمم أشركت بالله عز وجل غيره وعبدت سواه، وكسلت وهبطت حتى ينقذها الله بنبوة ورسالة، أما نوح عليه السلام فحسبنا أنه أرسل إلى قوم يعبدون خمسة تماثيل، وهذه التماثيل الخمسة هم في الواقع عباد صالحون، وهم: ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، إذ قال تعالى حاكياً قولهم: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ [نوح:23]، أي: لا تتركن، آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23]، فهؤلاء قد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا عباداً صالحين، فلما ماتوا وضعوا على قبورهم تماثيل تمثلهم بحجة الرغبة في العبادة والطاعة والإقبال على الله تعالى، والتوسل والاقتداء بهؤلاء الصالحين، لكن مع مرور الزمان جاء جيل ظنهم أنهم آلهة وعبدوهم من دون الله تعالى، ولهذا حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من كل عمل من شأنه أن يتولد عنه الشرك والعياذ بالله.
نبذة مختصرة عن نبي الله إبراهيم وأبنائه عليهم السلام
وأما إبراهيم عليه السلام فهو أبو الأنبياء، وعامة أنبياء بني إسرائيل من ولد إبراهيم عليه السلام، ومعنى إبراهيم باللغة السريانية: الأب الرحيم، وقد كلفه الله بأوامر فنهض بها فاستوجب بذلك الإمامة، ولنقرأ قول الله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [البقرة:124]، ونذكر من هذا أنه كلفه بأن يذبح ولده إسماعيل قرباناً لله رب العالمين، فما تردد في ذلك أبداً، بل أطاع ربه ووضع طفله إسماعيل بين يديه ليذبحه تقرباً إلى ربه عز وجل.واليهود والنصارى لا يجحدون نبوته، إذ الكل يؤمن بإبراهيم نبياً ورسولاً، وإسماعيل هو ابن إبراهيم الخليل، وهو ابن هاجر التي أهداها ملك مصر إلى سارة زوج إبراهيم وابنة عمه، فتسراها إبراهيم فأنجبت له إسماعيل، ثم بعد فترة أنجبت له إسحاق، وإسحاق هو ابن سارة وقد ولد بعد إسماعيل، قال تعالى: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:71]، ويعقوب هو ابن إسحاق، وهذه تسمى بالبشرى المزدوجة، أي: بشره بولد يولد له ويكبر ويتزوج ويولد له ولد آخر، وهذا لا يقدره عليه إلا الله تعالى.
بيان من هم الأسباط عليهم السلام
وأما الأسباط فهم أحفاد يعقوب عليه السلام، والأسباط جمع: سبط، والحقيقة هو ابن الابن، وهؤلاء الأسباط كانوا اثني عشر رجلاً، وكانوا أنبياء، واليهود يعرفون هذا ويؤمنون به.
نبذة مختصرة عن نبي الله عيسى عليه السلام
وأما عيسى عليه السلام فهو روح الله وكلمته، وعبد الله ورسوله، وقد أراد الله عز وجل أن يخلق هذا المخلوق على خلاف سنته في تواجد بني آدم وتكاثرهم في الأرض، فأمر الله تعالى ملكه جبريل عليه السلام أن ينفخ في كُمِّ درع أم عيسى مريم عليها السلام، وبالفعل نفخ في كم الدرع فسرت النفخة -وهي روح- فدخلت في جوف مريم عليها السلام، وما هي إلا أن هزَّها الطلق وألجأها إلى مكان لتلد فيه تحت نخلة في قريتهم التي كانوا بها، فكان عيسى بكلمة التكوين، أي: كن، فكان، والذي عليه أكثر أهل العلم: أنه ما مكث في بطنها أكثر من ساعات، وتجلت حقيقة أنه عبد الله ورسوله في أنه وهو يرضع قالت لهم أمه: اسألوه، فأنطقه الله فقال: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [مريم:30-33]، ثم قال الله تعالى: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [مريم:34]، وقد أنزل الله عليه الإنجيل، والإنجيل بعد التوراة، إذ إن بني إسرائيل كانوا يعيشون على التوراة التي أوحاها الله إلى موسى الكريم منذ قرون، لكن الله نسخ بالإنجيل بعض الأحكام التي كانت في التوراة، وأقر أحكاماً أخرى، وأضاف أيضاً إلى ذلك أحكاماً أخرى، لكن لا منافاة بين التوراة والإنجيل.وقد ولد عيسى في بيت لحم، وأخذ الخصوم يحاربونه، بل أدى بهم الحال إلى أن عزموا على قتله، وبالفعل حاصروه في بيته ورفعه الله تعالى من روزنة البيت وألقى الشبه على رئيس الشرطة الذي دخل ليخرجه، فلما تباطأ دخلوا عليه فألقوا القبض على ذاك الشرطي أو المسئول وظنوه عيسى، فأخذوه وصلبوه وقتلوه، وهم مختلفون هل هو عيسى أو لا؟ أما عيسى فقد رفعه الله تعالى إليه، قال تعالى: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:158].وقد آمن بعيسى عليه السلام بعض الصلحاء والمعروفين بالحواريين، وأحداثهم في سورة المائدة وفي غيرها، والشاهد عندنا: أن عيسى رفع إلى الملكوت الأعلى، والحواريون نشروا دعوته التوحيدية الإسلامية في جنوب أوروبا، وانتشرت الدعوة الإسلامية التي جاء بها عيسى عليه السلام، فكاد اليهود ومكروا فبعثوا بولس، وأخذ يتقرب إلى الحاكم المسيحي، واستطاع أن يفسد الديانة المسيحية كما كانت على عهد عيسى، حتى قيل: لم يعبد النصارى ربهم عبادة حقيقية تزكي نفوسهم وتؤهلهم للجنة إلا سبعين سنة، ويدل لذلك أن الإنجيل الآن هو خمسة أناجيل، بل قد عبثوا بالإنجيل فقسموه إلى أكثر من خمسة وثلاثين إنجيلاً، ثم بمرور الأيام والفضيحة اجتمعوا وحولوا الخمسة والثلاثين إلى خمسة أناجيل.إذاً: الذي مكر بالمسيحيين هم اليهود، ولا زالوا إلى اليوم يمكرون بأي دين يظهر؛ لأنهم يريدون أن يكونوا هم أهل الدين فقط، كما قد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيسى سينزل من الملكوت الأعلى في آخر أيام هذه الحياة، وإنا لمنتظرون، وسوف ينزل فيحكم ويملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً وظلماً، ولكن العلامة المؤكدة له ولظهوره أن تتغير أحوال المسلمين، ويحكمهم إمام صالح اسمه محمد بن عبد الله المهدي، وينزل عيسى والمهدي يؤم ويحكم هذه الأمة، وإذا نزل عيسى فقد أغلق باب التوبة، فالمؤمن مؤمن، والكافر كافر، والبار بار، والفاجر فاجر؛ لأنها العلامة الكبرى من علامات قيام الساعة.
نبذة مختصرة عن نبي الله أيوب عليه السلام
وأما أيوب عليه السلام فقد ذكر تعالى قصته وأنه مرض ثمانية عشر سنة، ثم سأل ربه بتلك الدعوة: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83]، فاستجاب الله له وكشف ضره.
نبذة مختصرة عن نبي الله يونس عليه السلام
وأما يونس عليه السلام فقد قال فيه نبينا: ( لا تفضلوني على ابن متَّى )؛ لأن يونس باللغة السائدة إن صح التعبير فشل في الدعوة وما استطاع مقاومة المعاندين والمشركين من قومه، فما كان منه إلا أن تركهم وخرج من بلادهم، ولم يثبت كثبوت محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك خاف الرسول على أصحابه من أن يقولوا: إن يونس قد ضعف أو أن يونس كذا وكذا، فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا تفضلوني على يونس بن متَّى )، ولما ملَّ يونس وسئم من عناد قومه وانصرافهم عنه ومقاومتهم لدعوته ترك البلاد وخرج، فلما وصل إلى شاطئ البحر صادف السفينة تريد أن تقلع فركب معهم، والتدبير لله عز وجل، ولما أصبحوا في البحر قال ربان السفينة: إن الشحنة أو الحمولة ثقيلة، فخيروا أنفسكم، إما أن تسقطوا واحداً منكم وإما أن تغرقوا كلكم، فأقرعوا فيما بينهم فخرجت القرعة على يونس، قال تعالى مصوراً ذلك: فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ [الصافات:141]، فما كان منهم إلا أن ربطوه بحبل ورموه في البحر، فأمر الله سمكة من السمك العظيم أن تفتح فاها ليدخل يونس في بطنها، وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ [الصافات:139-142]، ثم أخذ يسبح: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فلما سمعت ملائكة العرش صوت يونس في قعر البحر وفي بطن الحوت شفعوا له عند الله تعالى، فأمر الله تعالى تلك السمكة أن تلفظه على شاطئ البحر، وكان قد نضج لحمه من حرارة بطن الحوت، إذ إن من يمكث كذا يوماً أو أسبوعاً في بطن الحوت فإن لحمه سيتهرى، وبعد أن ألقته السمكة على الشاطئ شاء الله أن ينبت عليه شجرة اليقطين، وذلك لتصبح كمستشفى خاصاً بنبي الله يونس، وتعرفون ورق الدباء؟ إذ إنه ورق ناعم والذباب لا يقع عليه، كما سخر الله له واحدة من الغزلان تأتي بنفسها وتدني بثديها ويرضع منها، فهذا غذاؤه وهذا دواؤه حتى تماثل للشفاء، ولنقرأ ذلك: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ [الصافات:145-146]، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب اليقطين، أي: يحب ثمره وهو الدباء، وكان يلتقطها من حافتي القصعة، وهي ناعمة حقيقة، ولا ألذ منها إذا أُحسن طبخها.ولما تماثل للشفاء عاد إلى قومه، فوجدهم ينتظرونه بفارغ الصبر، قال تعالى: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [الصافات:145-148]، فلم تؤمن أمة بكاملها إلا أمة يونس، إذ ما من أمة بعث الله فيها رسولاً أو نبأ نبياً إلا آمن البعض وكفر البعض إلا أمة يونس فقد آمنوا عن آخرهم، وكان عددهم مائة ألف وزيادة، فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [الصافات:148]، أي: إلى نهاية آجالهم وإلا استوجبوا العذاب، وقال العلماء: لما خرج يونس من بلادهم تجلت سحب سوداء في سماء تلك المدينة، فنصح بعض المصلحين في تلك الأمة أن العذاب قد قرب، وأن عليهم أن يتوبوا إلى الله تعالى، وأن يصرخوا بين يديه، فتقول الروايات: أبعدوا الأطفال عن أمهاتهم ليصرخوا وليبكوا، وحتى الحيوانات أبعدوا صغارها عن كبارها، وضجت البلاد كلها بالبكاء لله عز وجل، فتقشعت تلك السحب وآمنوا، وهذا تدبير من رب العزة والجلال، فعاد يونس فإذا بهم يستقبلونه بحفاوة ويقبلونه.
نبذة مختصرة عن نبي الله هارون عليه السلام
وأما هارون فهو أخو موسى عليه السلام، وقد ولد قبل موسى بسنة أو بسنتين في العام الذي كان لا يقتل فيه ذكور بني إسرائيل من قبل جنود فرعون، والسبب في ذلك: أن السحرة أو رجال السياسة قالوا لفرعون: إن دولتك أو سلطانك سيكون زوالها على يد هذه الفئة من بني إسرائيل؛ لأنهم أولاد الأنبياء، ولا بد وأن يكون لهم يوم يملكون، وقد حصلت أيضاً تجربة وهي أنه لما قدم موسى إلى فرعون وهو يحبو، فإذا به يحاول أن يقف فمسك بلحية فرعون وجذبها، فتطير فرعون وقال: إذاً هذا هو، وهم بذبحه، وهذا مبين في سورة القصص، فشفعت له آسية وقالت: جربه أو امتحنه، فامتحنوه فجاءوا بطبق فيه جمر وآخر فيه تمر، وقالوا: إن تناول التمر فهو واع وبصير وقد أراد إهانة فرعون بجذب لحيته، وإن تناول الجمر فهو صغير لا يفرق ولا يميز بين الحسن والقبيح، فأخذ الجمر وألقاها في فمه فكانت سبب لُكنة لسانه، ولما كبر موسى وحمل الرسالة عابه فرعون بهذه اللكنة، إذ لم يكن فصيحاً.وعلى كلٍ لما أصدر فرعون أمره بقتل ذكور بني إسرائيل قام رجال الدولة وقالوا: ستنتهي اليد العاملة إذا قضينا على بني إسرائيل كلهم، فمن الرأي أن عاماً نقتل وعاماً نعفي، ففي عام الإعفاء ولد هارون، وفي عام القتل ولد موسى، فأوحى الله تعالى إليها بما بينه في كتابه العزيز: أن ضعيه في التابوت وألقيه في اليم إلى آخر القصة.إذاً: هارون هو أخو موسى وشقيقه، وموسى هو الذي سأل ربه أن ينبئه ويرسله معه، وقد استجاب الله عز وجل له، وخلف موسى في بني إسرائيل أيام ذهابه إلى المناجاة، ومات في التيه في صحراء سينا قبل موسى، وقد اتهم اليهود موسى بقتل أخيه، وهذه من أخلاقهم إلى الآن.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #577  
قديم 18-05-2021, 03:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

نبذة مختصرة عن نبي الله سليمان عليه السلام
وأما سليمان عليه السلام فهو ابن داود عليه السلام، وهو أحد ثلاثة الذين ملّكهم الله المعمورة من أقصاها إلى أقصاها، وهم: ذو القرنين، وسليمان، وبختنصر، كما أنه أوتي من الكمالات ما لم يؤتها غيره، ومنها: أنه يفهم نطق الطير، قال: وعُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ [النمل:16]، فإذا صاح الطير فإنه يعرف ما يقول، وهذه من أعظم الكرامات والمعجزات، وعُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ [النمل:16].ومما يذكر عن فهمه للطير أنه سئل مرة عن صياح صرد وهو طائر معروف إلى الآن، فقال لهم: يقول: لدوا للموت وابنوا للخراب، وهي كلمة حق، أي: لدوا أيها الوالدين من الرجال والنساء للموت، إذ لو لم نلد ماذا سيأخذ الموت؟ والذين يبنون العمارات والمنازل إنما يبنونها لتكون خراباً وإن بلغت عنان السماء، بل والله لا بد وأن تئول إلى خراب، وكانت هذه موعظة عجيبة من هذا الطائر.
نبذة مختصرة عن نبي الله داود عليه السلام
وأما داود عليه السلام هو أبو سليمان عليه السلام، وقصته موجزة في سورة البقرة، وهو أنه كان في جيش يقوده طالوت لقتال جالوت، وذلك أن بني إسرائيل لما استعمروا وشردوا وطردوا كما هي حالهم في وقت مضى، سألوا الله عز وجل بواسطة نبي من أنبيائهم أن يملك عليهم رجلاً يجاهدون معه ويستردون ملكهم ويعودون إلى ديارهم، وهذا مبين بإجمال في سورة البقرة، قال تعالى: وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ [البقرة:248] الآية، ثم جاءهم الأمر من الله بأن فلاناً هو الذي سيقودكم، فحملهم الكبر وقالوا: كيف يحكمنا هذا ويقودنا ولم يؤت كذا وكذا من المال والجسم، فألزمهم الله بقبول ولايته، وذلك أنه أعطاهم آية يندهشون أمامها ويسلمون له، وهذه الآية هي أن الملائكة تأتيهم بالتابوت من أرض بابل بالعراق التي احتلها العدو، وبالفعل جاء التابوت وفيه آثار موسى وهارون، فما كان منهم إلا أن سلموا له، أي: سلموا بقيادة طالوت لهم، ومشى معهم ليحارب من احتل بلادهم، وامتحنهم في الطريق ليرى الصابر من العاجز الجزع الذي لا يقاوم ولا يقاتل، فقال لهم: سوف نمر بنهر فلا تشربوا منه، ومن أُلجئ واضطر إلى الشرب فلا يزيد على غرفة يغرفها بيده، وما إن وصلوا إلى النهر حتى أكبوا عليه كالبهائم، ولم ينج إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً على عدة أهل بدر، والباقون قال لهم: أنتم لا تصلحون للقتال، فعادوا منهزمين قرابة أربعين ألفاً، وقاتل طالوت بثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً وانتصر، وسبب الانتصار هو أن جالوت خرج من جيشه يطالب المبارزة، وكان جباراً من الجبابرة، فنادى طالوت: من يبارزه؟ من يبارزه؟ فما استطاع أحد أن يخرج إليه، فخرج إليه داود وكان شاباً صغيراً، فتقاتلا فنصره الله على جالوت، ومن ثم رفعه الله تعالى، وأصبح ولي عهد ثم أصبح هو الملك، وأوحى الله إليه ونبأه وأرسله.ومما أعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن داود أنه كان يأكل من عمل يده، وكان يصوم يوماً ويفطر يوم، ومع هذا كان لا يقعد عن الجهاد، وقد كان ينسج الدروع، قال تعالى: وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ [الأنبياء:80]، أي: لتحفظكم من عدوكم، وهنا يروى أن لقمان الحكيم عليه السلام مر بداود وهو عند منزله ينسج الدروع للقتال ويبيعها، فوقف لقمان وهم أن يسأله لماذا هذه؟ أو ماذا تصنع بها؟ فأدركته الحكمة فسكت، فلما فرغ داود من نسج الدرع أخذ يقيسه على جسمه، ثم قال: نعم لبوس الحرب أنتِ، فقال لقمان عليه السلام: الصمت حكمة وقليل فاعله، إذ لو ما صمت وسأل كان أهان نفسه وأذلها، وسأل عما لا يعنيه ولا حاجة له به، لكن لما صبر وصمت وآثر الصمت على النطق استفاد العلم بدون ما سأل.كما أن داود عليه السلام حكم فترة من الزمن، ولما توفي ولى ولده سليمان، وهناك أيضاً حادثة أشير إليها وهي أن سليمان كان أمام المحكمة وهو طفل يلعب مع الأولاد، فاختصمت امرأتان في طفل لهما، فلم خرجتا من مجلس القضاء سألهما سليمان: بم حكم أبي؟ قالوا: حكم بكذا وكذا، والقضية هي أن امرأتين نامتا في مكان ما، فجاء فاختطف ذئب أو حيوان فأخذ أحد الطفلين لهما، ولما استيقظت إحداهن وجدت أن طفلها غير موجود، فضمت إليها طفل جارتها، وقالت: هذا ولدي، فبكت الأولى وترافعا وتقاضيا عند الملك داود، فحكم بالطفل للكبرى اجتهاداً، إذ الصغيرة لا يمكن أن تصدق، ثم كيف تلد وهي لازالت صغيرة؟ بينما الكبرى معقول أن تكون هي أمه، فقال سليمان لأبيه: اذبح هذا الولد، فالتي ترضى بذبحه ليست بأمه، فلما قال: هاتوا الولد ليذبح، صاحت الأم وقالت: لا يذبح، إنه ليس بولدي، بينما الأخرى قدمته ليذبح، إذ لو كان طفلها وفلذة كبدها فإنها لا تعطيه ليذبح.وهناك حادثة أخرى وهي حادثة الزرع، وقد قال الله فيها كما في سورة الأنبياء: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [الأنبياء:79]، والشاهد عندنا هو أن سليمان تربى في حجر داود، وكان من أنبياء الله ورسله.

بيان المراد بالزبور في قوله تعالى: (وآتينا داود زبوراً)

وقوله تعالى: وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا [النساء:163]، والزبور هو الكتاب، وهو مأخوذ من الزبر الذي هو الكتب، والزبور مائة وخمسون سورة، وليس فيه حكم ولا حلال ولا حرام، وإنما هو حكم ومواعظ، والتوراة هي التي تطبق ويحكم بها وتنفذ أحكام الله فيها، أما الزبور فهو كتاب فقط فيه عظات وحكم فقط، وكان داود عليه السلام إذا قرأه بصوته الحسن يلتف حوله الإنس والجن والطير والحيوان.
تفسير قوله تعالى: (ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك ...)
وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]. وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ [النساء:164]، أي: ورسلاً أرسلناهم يا نبينا وقصصنا عليك قصصهم في القرآن الكريم. وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ [النساء:164]؛ لأنه لا فائدة من ذكر قصصهم، إذ لا يستفيد منها شيئاً، مع أن هناك أمماً في شرق أوروبا وفي الصين وفي اليابان وفي مناطق بعيدة ما أوحى الله تعالى على نبينا من شأنهم شيئاً، إذ ليس هناك فائدة في ذلك، لكن الجهات القريبة من الجزيرة هي التي ينتفع أهل القرآن بمعرفة قصصها، وإلا ما من أمة إلا وقد نبأ الله فيها وأرسل إليها رسولاً، بل ما خلت أمة من نذير قط، لكن الذي ذكر تعالى لنا هذه المنطقة حول الشرق الأوسط، أما الرسل الذين أرسلوا خارج الشرق الأقصى أو الغرب الأبعد فما ذكر تعالى عنهم شيئاً، ولكن نؤمن إيماناً يقينياً أنه ما من أمة إلا وقد خلا فيها نذير، ولهذا قال تعالى: وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ [النساء:164]؛ لأنه لا فائدة في قصصهم والتحدث عنهم؛ لأن العرب واليهود وغيرهم ما عرفوا هؤلاء ولا سمعوا عنهم، فما يستفيدون من قصصهم والحديث عنهم.ثم قال تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]، وهذه حجة أخرى، إذ إن اليهود يعترفون بأن موسى عليه السلام الكليم قد كلمه الله كفاحاً بلا واسطة في جبل الطور، وهذا الذي كلم موسى تكليماً لا يرسل نبياً آخر محمداً ويوحي إليه، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]، و(تكليماً) مصدر لتأكيد الكلام لا مجرد إيحاء وإعلام سريع، وإنما كان كلاماً حقيقة، ويدل لذلك أنه لما سمع موسى كلام ربه قال: رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف:143]، فلولا أنه سمع كلام الله حقيقة ما كانت تتطلع نفسه إلى رؤية الله عز وجل، أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ [الأعراف:143]، فعجز عن رؤية الجبل لما تهدم وتحطم.
تفسير قوله تعالى: (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ...)
رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:165]. رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [النساء:165]، أي: مبشرين أهل الإيمان وصالحي الأعمال، ومنذرين أهل الشرك والذنوب والآثام، وعلة ذلك: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165]، فلولا الرسل الذين يُرسلون لكان لأهل البلاد حجة يوم القيامة ولقالوا: يقولون: ما جاءنا من نذير، وبالتالي فكيف نعبدك؟ ما بلغنا أمرك ولا نهيك، فلمَ تؤاخذنا؟ إذاً فلقطع هذه الحجة ما خلت أمة إلا وأرسل الله فيها رسولاً أو بعث فيها رسولاً، رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165]، وحتى الأمم التي تُهلك وتدمر، ما دمر الله أمة ولا قرية ولا أهلك بلاداً إلا بعد إقامة الحجة عليها، أو قبل أن يرسل الرسول ويدعوهم ما أهلك الله أمة لا بالجوع ولا بالمرض ولا بغير ذلك. وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:165]، غالباً قاهراً لا يمانع فيما يريد أن يفعله، وحكيماً في كل أفعاله، إن أعطى لحكمة، وإن منع لأخرى، وإن أعز لحكمة، وإن أذل لحكمة، لا يصدر أبداً أمره إلا مع حكمة مسلَّمة لا ينازع فيها العقلاء.
تفسير قوله تعالى: (لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه ...)
لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء:166]. لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ [النساء:166]، يا بني إسرائيل! يا من أنكرتم على محمد نبوته ورسالته، وقلتم: من يشهد له؟! فمثلاً داود شهد لسليمان، ويحيى شهد لزكريا، ومحمد من يشهد له؟ لا أحد، إذاً تريدون من يشهد له؟ الله هو الذي شهد له، أبعد شهادة الله تطلبون شهادة؟! إن شهادة البشر كلهم لا تساوي شهادة الله؛ لأن الله عليم حكيم. لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ [النساء:166]، أنك أهْلٌ لهذه الوظيفة، وأنك متهيئ لحمل هذه الرسالة، وَالْمَلائِكَةُ [النساء:166]، أيضاً، يَشْهَدُونَ [النساء:166]، أبعد شهادة الملائكة تطلبون شهادة؟ إن جبريل هو الذي يأتي بالقرآن، فكيف لا تُقبل شاهدته؟! وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء:166].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
نسمع بعد هذه البيانات موجز لهذه الآيات فلنتأمل.
معنى الآيات
قال الشارح: [ روي أن اليهود عليهم لعائن الله لما سمعوا ما أنزل الله تعالى فيهم في الآية السابقة أنكروا أن يكون هذا وحياً، وقالوا: لم يوح الله تعالى إلى غير موسى ]، أي: لما نزلت الآيات الأولى وأبطلت حجتهم، فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا [النساء:160] إلى غير ذلك، ذكر أربعة أو خمسة عيوب من عيوبهم، فقالوا: ما نسلم أن هذا يوحى إليه، إذ ما أوحى الله إلا إلى موسى فقط.قال: [ فرد الله تعالى عليهم بقوله: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [النساء:163] ]، فأي حجة بقيت لهم؟ قال: [ فذكر عدداً من الأنبياء، ثم قال: ورسلاً، أي: وأرسلنا رسلاً قد قصصناهم عليك من قبل، أي: قص عليه أسماءهم وبعض ما جرى لهم مع أممهم، وهم يبلغون دعوة ربهم، وأرسل رسلاً لم يقصصهم عليه، وفوق ذلك أنه كلم موسى تكليماً، فأسمعه كلامه بلا واسطة، فكيف ينكر اليهود ذلك ويزعمون أنه ما أنزل الله على بشر من شيء، وقد أرسلهم تعالى رسلاً مبشرين من آمن وعمل صالحاً بالجنة، ومنذرين من كفر وأشرك وعمل سوءاً بالنار، وما فعل ذلك إلا لقطع حجة الناس يوم القيامة، حتى لا يقولوا: ربنا ما أرسلت إلينا رسولاً، هذا معنى قوله تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165]، أي: بعد إرسالهم، وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا ، غالباً لا يمانع في شيء أراده، حَكِيمًا [النساء:165]، في أفعاله وتدبيره.هذا بعض ما تضمنته الآيات الثلاث، أما الآية الرابعة، وهي قوله تعالى: لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء:166].فقد روي أن يهوداً جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم وأبلغهم أنه رسول الله صدقاً وحقاً، ودعاهم إلى الإيمان به وبما جاء به من الدين الحق، فقالوا: من يشهد لك بالرسالة إذ كانت الأنبياء توجد في وقت واحد فيشهد بعضهم لبعض، وأنت من يشهد لك؟ فأنزل الله تعالى قوله: لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ [النساء:166]، يريد بإنزال الكتاب إليك شهادة منه لك بالنبوة والرسالة ]، أي: كيف ينزل عليه الكتاب وما هو برسول ولا نبي؟ لا يعقل هذا أبداً.قال: [ وبكل ما تحتاج إليه البشرية في إكمالها وإسعادها، إذ حوى هذا الكتاب أعظم تشريع تعجز البشرية لو اجتمعت أن تأتي بمثله، أليس هذا كافياً في الشهادة لك بالنبوة والرسالة؟ بلى، والملائكة أيضاً يشهدون، وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء:166]، فلا تُطلب شهادة بعد شهادته تعالى لو كانوا يعقلون ].
هداية الآيات
قال: [ من هداية الآيات: أولاً: تقرير مبدأ الوحي الإلهي ]، أي: تقرير وجود وحي يوحيه الله تعالى إلى من يصطفي من الناس، فما من نبي إلا وأوحى الله إليه، ومعنى الإيحاء: الإعلام السريع الخفي يقع في قلب الرجل فيفهم عن الله تعالى ما طلب منه، إذ إن الله يعد الإنسان إعداد خاصاً بتطهير روحه وتزكية نفسه، ثم يلقي إليه بذلك الحكم أو المعنى فيجده في نفسه وهو موقن بأن هذا كلام الله تعالى، كما تسمع أخاك يكلمك فلا تشك أبداً في أنه كلمك، والله عز وجل قد كلم موسى وكلم نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم كفاحاً، أي: وجهاً لوجه، إلا أن نبينا في الملكوت الأعلى وموسى في الملكوت الأسفل، كما أنه كان سبحانه يبعث بالملك فيكلمه نيابة عن الله.والشاهد عندنا: تقرير مبدأ الوحي، والوحي قد انقطع، إذ آخر من يوحى إليهم الأنبياء وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.قال: [ ثانياً: أول الرسل نوح عليه السلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم.ثالثاً: إثبات صفة الكلام لله تعالى ]، إذ الله يتكلم، فقد كلم موسى، وكلم محمداً، وكلم من شاء أن يكلم من أنبيائه ورسله، وصفة الكلام صفة كمال لا صفة نقصان، لكن لا يخطر ببالك أن كلام الله ككلامك، إذ الله عز وجل سميع بصير، فهل يخطر ببال عاقل أن سمع الله كسمع المخلوق أو بصره كبصر المخلوق؟ مستحيل أبداً.ودائماً اجعلوا هذه الظلة على رءوسكم: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، فاذكر يد الله، وقدم الله، وكلام الله تعالى، وكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربنا، ولكن لا يخطر ببالك شيء اسمه يشبه كلام الله أو ذات الله أو صفات الله، إذ سبحانه وتعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11].قال: [ رابعاً: بيان الحكمة في إرسال الرسل، وهي قطع الحجة على الناس يوم القيامة ]، فلو سئلت: لم يرسل الله الرسل؟ لكان الجواب: من أجل ألا يحتج الناس يوم القيامة لما يأتي الحساب والجزاء فيقولون: ربنا ما أرسلت إلينا رسولاً، لم تعذبنا؟ فإرسال الرسل من أجل قطع الحجة على البشر يوم القيامة، وهذا الوجه الأول، والوجه الثاني: إرسال الرسل من أجل هداية الخلق وإصلاحهم وإكمالهم وإسعادهم، لا لمجرد العبادة فقط.قال: [ خامساً: شهادة الرب تبارك وتعالى والملائكة بنبوة خاتم الأنبياء ورسالته ] وتذكرون شهادة الله لنفسه: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18]، فهذه شهادة الله عز وجل لنفسه، وهو أعلم بنفسه وبخلقه وكائناته أنه لا إله إلا هو، لكن لو قيل لك: كيف عرفت أنه لا إله إلا الله؟ فأيسر جواب أن تقول: لأن الله قد شهد بذلك، وملائكته شهدوا بذلك، وأهل العلم شهدوا بذلك، فكيف لا أشهد أنا؟ هل أنا أعلم منهم؟مرة أخرى: هذه الجملة: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ [آل عمران:18]، أكبر حجة لك إذا سئلت: كيف شهدت أن لا إله إلا الله؟ فتقول: أنا شهدت ذلك بشهادة الله وبشهادة ملائكته وأنبيائه ورسله؛ لأن أهل العلم هم الأنبياء والرسل، فهل تقبل شهادة بعد شهادة الله تعالى؟قال: [ خامساً: شهادة الرب تبارك وتعالى والملائكة بنبوة خاتم الأنبياء ورسالته ]، إذاً فكيف يكفر به النصارى أو اليهود، والله يشهد له بأنه نبيه ورسوله فقال: لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ [النساء:166]؟!قال: [ سادساً: ما حواه القرآن من تشريع وما ضمه بين دفتيه من معارف وعلوم أكبر شهادة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة ]، أي: أن القرآن قد حوى العلوم والمعارف بكل فنونها وأصنافها، وأعظمها التاريخ البشري، فهل صاحبه لا يكون رسولاً؟! يأتيك ورقة من رجل مكتوب فيها كلمة فتصدق أن هذا قد بعثه فلان، فكيف إذاً بصاحب هذا الكتاب العظيم الجليل وتقول ما هو برسول؟! كيف يعقل هذا الكلام؟! ولكن الشهوات والأهواء والأطماع والعادات السيئة ودفع الشياطين لهم، جعلهم ينكرون الحق، وليس بعجيباً هذا ولا غريباً، والهداية بيد الله تعالى.فاللهم اهدنا، اللهم اهدنا، وخذ بأيدينا إلى رضاك يا رب العالمين.وصلى الله على سيدنا محمد.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #578  
قديم 18-05-2021, 03:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (80)
الحلقة (302)
تفسير سورة النساء (83)


إن الكافرين المعرضين عن منهج الله لا يكتفون بالإعراض عن الحق ورفضه، وإنما يسعون جاهدين للصد عن سبيل الله ومنع نور الهداية أن يصل إلى الناس، وليس هذا فحسب بل إنهم يظلمون الناس ممن أرادوا سلوك طريق الهداية، ويستعملون معهم كل الوسائل الممكنة لردعهم وصدهم عن السبيل، فمن كان هذا حاله فإنه في ضلال بعيد، ولن يغفر الله له ولن يهديه إلى طريق النجاة، وإنما سيهديه إلى طريق جهنم التي يستحقها كل من كفر بالله وأعرض عن سبيله.
تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالاً بعيداً)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع هذه الآيات من سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، فهيا بنا نتغنى بتلاوة هذه الآيات الأربع قبل تدريسها ودراستها، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:167-170].معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! إن صاحب هذه الأخبار هو الله جل جلاله وعظم سلطانه، الذي لو قدرناه حق قدره لما استطعنا أن نتكلم ولكنا نقع على الأرض، ولكن تدبير الله عز وجل، إذ يخبر تعالى ويؤكد خبره فيقول: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:167]، فأولاً: بالله، إذ إنهم جحدوا ألوهيته لعباده، وجحدوا أسماءه وصفاته، وجحدوا آياته، وجحدوا أقداره وشرائعه وقوانينه، وجحدوا لقاءه والوقوف بين يديه، فهؤلاء الكفار أضافوا إلى كفرهم أن صدوا الناس عن سبيل الله حتى لا يؤمنوا به ولا يعبدوه ولا يوحدوه. وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:167]، وسبيل الله أو الطريق الموصل إلى الله هو الطريق الموصل إلى رضاه على عباده ثم إنزالهم في جواره في دار السلام، وهذا الطريق واضح بين على جنباته الأعلام الهادية المرشدة، ولكن الذين كفروا عموا وصموا وجهلوا، فلهذا صدوا عن سبيل الله تعالى.لكن أين هذا الطريق الموصل إلى رضا الله وجواره؟ إنه الإسلام، إنه الدين الإسلامي دين الله الذي ارتضاه للخليقة جمعاء، فقال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، ولا دين سواه، إذ يوصل أصحابه إلى رضا الله وإلى جواره في دار السلام.وبالأمس كنا مع اليهود والنصارى، ووقفنا على كفرهم وعنادهم، وقد أبطل الله دعواهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا شاهد له من الأنبياء يشهد بأنه نبي، فقال تعالى: لكن أنا أشهد، فهل بقي سؤال بعد هذا؟ أتطلبون من يشهد له بالنبوة من الأنبياء والمرسلين، والله عز وجل يشهد؟ فأي شهادة تعادل شهادة الله تعالى؟!ولذا كان المفروض أن يطأطئوا رءوسهم وأن ينحنوا وأن يقولوا: آمنا بالله، شهدنا أن لا إله إلا الله وأنك يا محمد رسول الله، ولكن أصروا على الكفر والجحود والتكذيب والعناد، فأصدر الله أحكامه عليهم، فاسمع هذا الحكم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:167]، أي: عن الإسلام، وذلك بالإشاعات المغرضة والأباطيل الفاسدة والفتاوى المنكرة، إذ هذا موقف اليهود دائماً وأبداً. قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:167]، أي: لا يستطيعون معه الرجعة، إذ قد ضلوا وتاهوا تيهاناً لا يمكنهم العودة معه إلى بلادهم وديارهم.معاشر المستمعين والمستمعات! كثيراً ما نبين الضلال البعيد بالمعنى القريب، فأقول: نحن الآن بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم، فالشام وراءنا واليمن أمامنا، والغرب عن يميننا والشرق عن شمالنا، فلو أن شخصاً أراد أن يسافر إلى مكة فاتجه شاماً ومشى يوم وليلة، ثم قيل له: إلى أين ستذهب؟ فقال: إلى مكة، فقيل له: إن مكة وراءك، فارجع، فقال: الحمد لله لا زال معي بعض الزاد، وما زلت قادراً على أن أعود، فعاد والحمد الله، لكن إن مشى وتجاوز الشام ووصل إلى حدود أوروبا، فهل يبقى له زاد؟ ينفد ماءه وطعامه، ولا يقوى على أن يعود، بل ويهلك هناك وما وصل إلى غايته بعد، ولا فاز ولا ظفر ببغيته، فهذا هو الضلال البعيد. إذاً: في باب العمل الصالح والعمل الفاسد، شخص غرته الحياة الدنيا بزخارفها فاطرح في أحضانها يأكل الربا ويزني ويغني، وسنة كاملة وهو في هذه المحنة، ثم سمع نداء الله فوصل إلى قلبه أن: يا عبد الله! لم أعرضت عنا وانصرفت عنا؟ ما الذي غرك؟ ما الذي أصابك؟ ألست المؤمن ابن المؤمنيَن في ديار الإسلام والمسلمين؟ تب إلى الله، ثم على الفور اغتسل وصرخ بين يدي ربه: أستغفر الله، أستغفر الله وأتوب إليه، فهذا ضلاله قريب، ولهذا أمكن أن يعود، لكن إن قضى أربعين أو خمسين سنة في الزنا والجرائم والموبقات والآثام، وأصبحت من طباعه، فإذا لم يكذب ما يستريح، وإذا لم يفجر ما يسعد، فهذا ضلاله بعيد والعياذ بالله، ولا يستطيع أن يرجع. ومثال أقرب من هذا: أيام ابتليت هذه الأمة بالتدخين تقليداً للكافرين؛ لأنهم استعمروهم واستغلوهم وتفوقوا عليهم وعلموهم، وأصبحوا أئمتهم ومعلميهم، أقبل الناس على التدخين، فكم من شخص لما يسمع بتحريم التدخين، وأنه لا يحل لمؤمن أن يلوث فمه وهو يجري اسم الله الأعظم على فيه، فإنه عند باب المسجد يدوس العلبة بنعليه، ويتخلى عنه؛ لأنه ما تأصل فيه تأصلاً كبيراً، والذي عاش خمسين أو ستين سنة وهو يدخن، وعلبة السيجارة لا تفارقه عند نومه وعند يقظته، فهذا قل أن يرجع؛ لأن ضلالهم بعيد والعياذ بالله، فخذوا هذه الحقيقة، إذ إن هؤلاء كفروا وأضافوا إلى الكفر جريمة أخرى، فما أصبحوا أهلاً أبداً لأن يعودوا إلى الله فيستغفروه ويتوبوا إليه ويعبدوه، فكفروا وصدوا عن سبيل الله.وهنا لطيفة من لطائف العلم وهي: نحن لسنا بيهود ولا نصارى، لكن ذكر الصد عن سبيل الله يزيد في كفر الكافرين وبعد البعداء، ولهذا ينبغي أن نفهم أن الله لا يرضى عن عبد يصد آخر عن دين الله، بل إن هذا مما يغضب الله تعالى علينا ويسخطه، فلنحذر أن يرانا الله نصرف مؤمناً أو مؤمنة عن دعوة الله، وذلك بأن نزين له القبائح أو نحسن له الباطل أو نشجعه على فعل منكر مما هو معلوم لدى المستمعين، ولو كان المصدود ولدك أو امرأتك أو أخاك، إذ المفروض فينا أن ندعو إلى سبيل الله القريب أو البعيد، فكيف إذا رآنا الله نصرف عباده عن دينه وعبادته؟!وهنا أقول للذين يستوردون الحرام ويعرضونه على المسلمين ويبيعونه في أسواقهم: إن هؤلاء يصدون عن سبيل الله وهم لا يشعرون، فالذي يستورد صور الخلاعة والدعارة ومجلات الباطل والشر والفساد وكتب الإلحاد وما إلى ذلك ليبيعها فيكسب من ورائها مالاً قد صد عن سبيل الله، وكذلك الذي يستورد أنواع التدخين من الأفيون والكوكايين والحشيشة وغيرها من أجل المادة ليبيع ويستفيد فقد صد عن سبيل الله وهو لا يشعر، والذي يفتح دار بغاء أو دار غناء أو دار باطل ومنكر، ويصد شبيبة المسلمين عن دينهم بما يعرض أمامهم ويزين لهم فقد صد عن سبيل الله، والذي يبتدع بدعة من البدعة، ويصور له الشيطان خرافة من الخرافات ويدعي الولاية، وأنه يدعو إلى الرحمن وإلى عبادة الله وهو جاهل ما عرف الله ولا الطريق إليه، واستغل ذلك الموقف، وأخذ الناس يقبلون يده ورجله، وهو صارف لهم عن طريق الله، فقد صد عن سبيل الله، نسأل الله تعالى أن يعافينا مما ابتلى به غيرنا، وألا يرانا نصد عن سبيله لا إنساناً كافراً ولا مؤمناً. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:167]، فأنى لهم أن يتوبوا ويعودوا؟ وإذا لم يتوبوا ولم يعودوا إلى الله فكيف لهم أن يدخلوا دار السلام بعد فقدهم هذه الحياة؟! ما إن تؤخذ أرواحهم منهم وتسلب من أبدانهم حتى تلقى في عالم الشقاء، فمن ينقذها؟وهذا كله منطبق تمام الانطباق على اليهود والنصارى والمشركين من باب أولى، لكن اليهود والنصارى كفروا وصدوا وصرفوا الناس عن الإسلام، وإلى الآن النصارى وخاصة المسئولين منهم ورجال الدين يصدون عن سبيل الله، أما اليهود فلا تسأل.
تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا [النساء:168]. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا [النساء:168]، أي: كفروا وظلموا أنفسهم وغيرهم، والكفر والظلم لا ينجو صاحبهما، فلو كان كافراً فقط ما ظلم فمن السهولة أن يعود إلى الطريق ويمشي في طريق السعادة والكمال، لكن كفر وظلم.
تعريف الظلم وبيان خطره على العبد
معاشر المؤمنين والمؤمنات! هل تعرفون الظلم؟ القاعدة اللغوية الشرعية هي: أن وضع الشيء في غير موضعه هو الظلم، فإذا سئلت عن الظلم فقل: هو وضع الشيء في غير موضعه، فعلى سبيل المثال: الآن نحن في هذه الحلقة ندرس كتاب الله عز وجل، والملائكة والله تحفنا، والسكينة مشاهدة نراها، فلا ضجيج ولا صخب ولا بكاء ولا كلام؛ لأن السكينة نزلت علينا، والرحمة قد غشيتنا بدليل أنه لا يتأذى أحد منا الآن بأي أذى، لكن لو قام أحدنا وأدخل أصبعيه في أذنه وأخذ يغني في الحلقة، فهذا قد وضع الشيء في غير موضعه، وهو ظالم، وأوضح من هذا: أن يدفع الرجل من عن يمينه وعن شماله الجالسين لطلب الهدى وينام بينهم، فهذا قد ظلم، إذ ليس هذا محل النوم، أو يأتي إلى الشارع ممر المؤمنين والمؤمنات ويضع الحجارة أمامهم، فهذا قد ظلم، فكيف إذا نام في الشارع؟!ونتتبع ما جاء في الشريعة: الذين يرتكبون الذنوب كالكذب والسرقة والخيانة والغش والخداع وبغض المؤمنين وسبهم وشتمهم وأخذ أموالهم والاعتداء على أعراضهم، كل هذه الذنوب سبب في الظلمة والعفن والنتن الذي يوضع على النفس، إذ المفروض في النفس البشرية أن تبقى طاهرة نقية كأرواح الملائكة، وذلك في إشراق هذا النور، لكن إن هو ارتكب هذه الذنوب فإن هذه النفس البشرية تصاب بالظلمة والعفن والنتن، ويكون بهذا قد ظلم نفسه، إذ بدل أن يزيد في طهرها وصفائها ونورها وإشراقاتها -لأنها تنزل بجوار الله بعد ساعات أو أيام- فإنه يخبثها ويلوثها فتعفن وتنتن وتصبح مبغوضة لله وللملائكة، بل ولا يرضاها الله عز وجل أن تكون في جواره أبداً، فنفسك مظلومة أيها العاصي، فما حملك على أذيتها؟ وهل ترضى من يأتيك بالأوساخ ويلطخك بها ويلبسك لباس العفن والنتن؟ لا ترضى بذلك؛ لأن هذا ظلم، وهذه الأوساخ إنما ضعها في المزبلة ولا تحطها عليَّ، إذاً: ونفسك تصرخ فتقول: لم خبثتني ولوثتني يا ظالم؟معشر المستمعين! تأملوا يفتح الله عليكم، لما يولد المولود كأن هذه النفس هو هذا النور، إذ لا ذنب عليها أبداً، فلا يعرف خداعاً ولا غشاً ولا ظلماً ولا شراً ولا فساداً أبداً، وإنما كأرواح الملائكة، فإذا ترعرع وكبر وأصبح أهلاً لأن يتلقى ما يؤثر على نفسه من خير أو شر، ثم إذا بلغ وأصبح عاقلاً وارتكب الإثم نكت في قلبه أو على نفسه نكتة سوداء فيحجبها عن شيء كثير من الخير والنور، وكلما أذنب ذنباً زيد النكت على القلب، فإذا تكاثرت الذنوب وغشيت النفس وغطتها أصبح لا يعرف المعروف ولا يؤمن به، وأصبح سلوكه كله سلوك المبطلين الفاجرين المفسدين، فتأثرت نفسه، إذ إنه هو الذي ظلمها وصب عليها هذه الأوساخ.إذاً: ظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم، وما من ظالم لنفسه إلا وقد ظلم غيره، فالذي يدني الباطل من الناس ويغريهم عليه ويحرضهم عليه ويزينه لهم حتى يصرفهم عن الصلاة أو عن العبادة أو عن الطاعة أو عن توحيد الله، فقد ظلم غيره، إذ ما دام أنه قد ظلم نفسه فسوف يظلم غيره، ولا يوجد ظالم لنفسه إلا وقد ظلم غيره، ونحن في القرية نبني مسجداً لا نبني ملهى أو ملعباً، وذلك لأننا مسلمون، فإن بنينا ملعباً أو ملهى فقد ظلمنا أنفسنا وغيرنا.واسمعوا إلى هذا البيان النبوي: ( الظلم ظلمات يوم القيامة )، والذي يمشي يوم القيامة في الظلام هل يدخل الجنة؟ كيف يمشي؟ إليكم هذه الصورة أو هذه الشاشة قرآنية فتأملوها: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد:13]، فاذكروا هذا أيها المؤمنون ويا أيتها المؤمنات! إن هذه ساحة فصل القضاء، ساحة العدل والقضاء الرباني في عرصات القيامة، يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد:13]، كيف هذا؟ لأنهم لما جُمعوا في ساحة فصل القضاء، فالمنافق مع المؤمن، والموحد مع المشرك، وإذا بالمؤمنين تشرق وجوههم بالأنوار من آثار هذه العبادات المزكيات للنفوس البشرية، وما إن يراهم المنافقون الكافرون حتى يقولوا: انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد:13]؛ لأن وجه هذا المؤمن كأنه البدر، فيقول المنافق والظلمة تعلوه: انظر إليَّ، فماذا يقول لهم المؤمنون؟ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا [الحديد:13]، أي: يقال لهم: يا معاشر من يعيشون في الظلمة! يا من صرخوا من شدة الظلام وما عرفوا كيف يمشون على الصراط؟ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا [الحديد:13]، في أي ساحة؟ هم يظنون أنهم يرجعون وراءهم في الأرض التي هم عليها، والمراد: عودوا إلى الدنيا واقتبسوا النور منها، أما في هذا اليوم أو في هذه الحياة فلا يُطلب النور ولا يُقتبس أبداً، وإنما هذا في الدار الدنيا، فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ووحدوا الله وأخلصوا قلوبكم ووجوهكم له، ثم تكتسبون هذه الأنوار، إذ إنها ليست هنا في الدار الآخرة، وما إن رجعوا حتى يضرب بينهم وبين السعداء بسور، قال تعالى: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ [الحديد:13-14]، أي: ألم نكن معكم في المدينة النبوية في بلد كذا؟ قَالُوا بَلَى [الحديد:14]، أي: كنتم معنا، وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ [الحديد:14]، أي: فتنتم أنفسكم بالشهوات والأهواء، وغرتكم الحياة الدنيا [الحديد:14]، فما عبدتم الله عبادة تزكي النفس وتطهر الروح، وإن عبدتموه تملقاً وخوفاً فقط لا لوجه الله، فتلك العبادة لا تنتج الطاقة النورانية، بل هي عبادة باطلة.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #579  
قديم 18-05-2021, 03:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

الشرك بالله من أفظع أنواع الظلم
ومن أفظع وأبشع أنواع الظلم الشرك بالله تعالى، وحرام على مؤمن أو مؤمنة يسمع هذا الكلام ويعرض عنه، ونبرأ إلى الله أن يكون بيننا هذا، ولكنها الغفلة وعدم المبالاة، وهذه هي الحقيقة أن الظلم أفظع أنواعه وشرها هو الشرك بالله عز وجل، فإن قيل: كيف ذلك يا شيخ؟! بين لنا.فأقول: لما يمر الشيخ الآن وتمشي وراءه وتسلبه قلمه تكون قد ظلمته، أو ما إن دخل إبراهيم المسجد حتى أخفيت نعله ومشيت، تكون أيضاً قد ظلمته، أو نظر إليك مؤمن فصفعته على خده فقد ظلمته، وبالتالي فالعبادات هي حق الله عز وجل، فهو مالكها وصاحبها، إذ ما خلق هذا العالم الأرضي وأعده وهيأه للحياة، وجاء بآدم وحواء وبارك في نسلهما وتكاثر النسل وكثرت البشرية من أجل والله أن يعبدوا الله، لا ليحرثوا لله ولا يزرعوا له، وإنما أعد هذه الحياة بكل ما فيها كنزل أو كفندق عظيم، ثم جاء بآدم وحواء وزوجه بها، وأنجب البنين والبنات، وانتشروا في الأرض، كل ذلك من أجل أن نعبد الله تعالى.إذاً: العبادة كلها حق لله تعالى، فمن أخذ منها شيئاً وأعطاه لغيره فقد ظلمه أعظم الظلم، واعتدى على الله، وليس كاعتداء على فلان، كأن أخذت شاته أو زنبيله، وإنما اعتداء عن حق الله الذي استوجبه بخلق الإنسان ورزقه، وخلق الحياة كلها من أجله.وهناك في تلك الروضة في مجلس أقدس من هذا وأبرك وإن كنا لنا بعض الشيء منه، سألهم النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت سورة الأنعام وفيها: وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ [الأنعام:80]، من هؤلاء الذين حاجوا إبراهيم؟ إنهم البابليون، وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ [الأنعام:80]، أي: كيف يعقل هذا؟ أتريدون أن تصرفوني عن ربي لنكفر به ونجحده كما فعلتم أنتم، وهو الذي هداني وعرفت الحق؟ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا [الأنعام:80]، إذ لو كان ما استثنى ومشى ثم عثر في حجرة لقالوا: لقد آذته الآلهة! وهذا قد حصل الآن في المدينة، وذلك أن أحد المهاجرين جاء مهاجراً فمرض، فقالوا: قد آذاه الرسول؛ لأنه ما يدعوه ولا يستغيث به، كما أنه يمنع الناس من دعائه والاستغاثة به! إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ [الأنعام:80-81]، إذاً، أَحَقُّ بِالأَمْنِ [الأنعام:81] أنا أم أنتم؟ أي: الذين أشركوا بربهم أو الذي وحد ربه وما أشرك معه غيره؟ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنعام:81]؟ والجواب من الله: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، الآن أيما عامل من أبنائنا فهم هذه هل يعرف؟ من أحق الناس بالأمن من النار؟ الذي آمن وما أشرك بربه، الذين آمنوا أولاً ولم يخلطوا إيمانهم بظلم؛ لأن اللبس هو الخلط، فالثوب تخلطه مع بدنك، أي: لبسته، آمَنُوا [الأنعام:82]، أولاً، وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82]، والظلم هنا والله إنه للشرك، لكن إن عبدوا الله ولم يشركوا في عبادته كائناً من كان أبداً، فهؤلاء لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، فكبرت عن الأصحاب وقالوا: يا رسول الله! من ينجو منا إذاً؟ أي: ما منا أحد إلا وقد لبس إيمانه بظلم، فهذا عق أباه، وهذا أكل مال فلان، فمن ينجو إذاً من ذلك؟ إذ إنه ما من أحد إلا ويقع في ذنب في يوم من الأيام، ففرج الحبيب عنهم بما أوتي من العلم والحكمة فقال: ( إن هذا الظلم ليس هو ظلمك لنفسك بغشيان ذنب أو ارتكاب محرم، وإنما هو الشرك بالله تعالى )، ثم قال لهم: ( ألم تسمعوا قول لقمان الحكيم إلى ولده وهو بين يديه يربيه ويعلمه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]؟ )، فهذا لقمان النوبي الحبشي الأسود الذي عايش داود عليه السلام، وهو القائل: الصمت حكمة وقليل فاعله، وضع طفله بين يديه ليربيه، ولا أدري هل أنتم تضعون أطفالكم بين أيديكم تربونهم؟ ولنخرج بعد صلاة التراويح فلننظر أين نجد أولادكم؟ وما زال لقمان يعظ ابنه حتى مات بين يدي، ولنذكر الآيات الكريمة التي حملت هذا النور الإلهي عن لقمان: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان:16-18]، فهذه هي العظات وهذه هي العبر التي قالها لقمان الحكيم لابنه، وما كان نبياً ولا رسولاً، وإنما أكرمه الله وأعلى قدره وسجل كلامه الذي كلم به ولده، وذلك حتى نعلم، ونحن بعد آلاف السنين كأننا نعيش مع لقمان، يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ [لقمان:16]، وهذه هي التي مزقت قلب الغلام.والشاهد عندنا هو قوله: لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ [لقمان:13]، لم يا أبتاه؟ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، ففرح أصحاب رسول الله وحمدوا الله وصلوا على نبيهم صلى الله عليه وسلم.
بعض مظاهر الشرك
ونستعرض معكم الآن ولا تكربوا ولا تحزنوا بعض مظاهر الشرك التي عشناها وعاشها آباؤنا وأجدادنا قروناً عديدة، فاسمعوا: الذي ينادي ميتاً قد مات من سنين عديدة ويقول: يا سيدي فلان! اشفع لي، أو ادع الله لي، أو أعطني كذا، أو كن في جواري، فهذا النداء وهذا الإقبال بالقلب والوجه واللسان على عبد من عباد الله الموتى والله لمن أعظم الشرك، وإنه لظلم عظيم، إذ إنه ترك خالقه الذي وهبه سمعه وبصره، والذي بيده حياته ومماته، علام الغيوب، مالك الملك، المحيي المميت، وينادي ميتاً من الأموات، فأي عقل هذا؟ لولا الشيطان زين هذا وحسنه والله ما يقدر عليه، إذ هو عاقل، فكيف تأتي إلى قبر أخيك أو أبيك في المقبرة وتقول: يا بني! قم وأعطني كذا وكذا؟ هل هناك عاقل يفعل هذا؟ لا شك أنهم سيضحكون منه، إذ كيف ينادي ميتاً من ألف سنة وبينه وبين بلاده ألف كيلو متراً؟! وكم وكم نودي عبد القادر الجيلاني؟! يا عبد القادر! يا سيدي! يا مولى بغداد! يا راعي الحمراء! يا راكب كذا! بل وفي المغرب يوجد من يناديه، وبين المغرب والعراق ألف كيلو، وألف سنة من يوم أن مات عبد القادر، فكيف تناديه؟! هل يسمعك؟ وهل يقدر على أن يعطي؟ آلله أذن لك وقال: ادع؟ إن الله يقول: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا برهان له فإنما حسابه عند ربه [المؤمنون:117]. وهكذا قبل أن توجد هذه الحكومة الربانية القرآنية المحسودة من الجن والإنس الذين يعملون ليل نهار على إبطالها وإحباطها، لا أعانهم الله ولا أقدرهم عليها، فتأتي إلى الروضة وتسمع نداءات أمتك: يا رسول الله! يا أبا فاطمة! أنا جئت من كذا وكذا، وترى البكاء والصراخ، فلا إله إلا الله! وبين يدي الله ما دعا بربع ما يدعو غير الله تعالى! ومن أراد أن يشاهد وينظر فليذهب إلى ضريح عبد القادر في العراق، أو إلى البدوي في مصر، أو إلى سيدي مبروك في الجزائر مثلاً، أو محيي الدين في الشام، وليشاهد وليسمع.
بيان سبب تفشي مظاهر الشرك في الأمة
وإن قيل: ما سبب هذا؟قلنا: إنه الجهل الذي صبه علينا العدو، أعني: اليهود والنصارى والمجوس، فهم الذين حرمونا من العلم وطلبه، وأدلل وأبرهن للأبناء والإخوان على الحقيقة هذه، وهي أن العدو هو الذي صرفنا عن العلم الذي به نحيا وبه نعرف الله والطريق إليه: أما سبق أن علمتم أن علماءنا منذ أكثر من ثمانمائة سنة يقولون: القرآن الكريم تفسيره خطأ إن أصاب، أي: صوابه خطأ وخطؤه كفر، وأهل المذهب المالكي يراجعون حاشية الحطاب على خليل يجدون هذه العبارة: تفسير القرآن صوابه خطأ وخطؤه كفر، إذاً: كيف نفسر كلام الله؟ يجلس الشيخ طوال أيام الشتاء يعلم الناس كيف يتوضئون وكيف يصلون فقط، أما تفسير كلام الله فلا، بل إذا قلت: قال الله فإنه يغلق أذنيه بأصبعيه حتى لا تنزل الصاعقة، إذ كيف يفسر كلام الله تعالى؟! والدليل الواضح: هل يجتمع المسلمون الآن في عصر النهضة والصحوة كما يقولون على تفسير كلام الله تعالى؟! لقد صرفونا عن القرآن لنموت، إذ القرآن روح ولا حياة بدون روح، وقد جاء هذا مبين في سورة النحل وفي سورة غافر وفي سورة الجاثية أو الدخان، فمن سورة الشورى قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52]، والروح الذي أوحاه الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم هو القرآن الكريم، وسمي روحاً لأن الحياة لا تقوم إلا به، إذ الروح فيها الحياة، سواء في النملة أو في طائر العقاب أو في البقر أو في الإنسان، فالروح هي الحياة، وكذلك القرآن روح متى فقده الآدمي مات، وأصبح في عداد الأموات، فلا يعي ولا يفهم ولا يأخذ ولا يعطي. وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52]، فالقرآن نور، فماذا صنع الأعداء؟ قالوا: خذوه من أيدي المسلمين وحرفوه، ولا ننسى حرب الصليبيين على القرآن وقد فشلوا، لكن قالوا: الانتصار على أن نأخذ القرآن من أيديهم ما نستطيع، إذ إنه محفوظ في صدورهم، نساؤهم كرجالهم، إذاً الطريقة هي أن نصرفهم عن دراسته وفهمه والعمل به، وقد نجحوا أعظم نجاح، فقد حولوا القرآن ليقرأ على الموتى.ومن اللطائف: أن حاكماً فرنسياً في مدينة من مدننا بالجزائر ما عنده بصيرة ولا علم، فد رأى الكتاتيب في المساجد يقرءون القرآن بالألواح، فقال للمسئولين تحته من العرب: ما فائدة هذه الكتاتيب؟ الحكومة تبني المدارس وتأتي بالمعلمين وتوزع الكتاب، فأمر بإغلاق الكتاتيب وإيقافها، فجاءه ذو حيلة وبصيرة بتدبير الله عز وجل فقال: يا مسيو! قد أزعجت الناس، والآن هم يقلقون ويضطربون كيف تمنع أولادهم من القرآن؟ فقال لهم: فأي فائدة من هذا؟ قال: إنهم يقرءونه على الموتى، فيأكلون به اللحم والرز، فقال: فقط من أجل هذا؟ قال: نعم، قال: إذاً اقرءوا، فأصبحتَ وللأسف إذا دخلت القرية أو المدينة من إندونيسيا إلى موريتانيا وسمعت القرآن في بيت تعلم أن هناك ميتاً، إذ لولا الميت ما يجتمعون على أن يقرءوا القرآن أبداً، فمن فعل هذا؟إنه الثالوث الأسود المكون من المجوسية واليهودية والصليبية أعداء الإسلام، إذ إنهم رأوا الأنوار الإلهية تغمر أرض الإسلام والمسلمين، وهم في ظلمة أسوأ الظلمات، فالقبح والشر والفساد يغشاهم ويغطيهم، فقالوا: كيف ينجو هؤلاء ونخفر نحن؟ هل نترك ديننا وندخل معهم؟ إذاً نهون ونزول، إذاً لا بد من حربه، وسعوا لإطفاء ذلك النور لولا الله عز وجل.
قيام دولة التوحيد على أرض الجزيرة العربية على يد الملك عبد العزيز
وعندنا مثال وانقلوه، ولكن للأسف ليس هناك من ينقل: عرفتم كيف استعمرنا الشرق والغرب؟ ما سبب استعمارهم لنا؟ والله إنه لجهلنا وظلمنا وفسقنا وإشراكنا بربنا، فعم ديارنا الظلام وغشاها وغطاها، وما أصبحنا أولياء الله فيها، فمن ثم سلط علينا أعداءنا وأعداؤه لتكون ذكرى للذاكرين، وحاشا لله أن يسلط على أوليائه أعداءه، والله يقول: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، لكن لما هبطنا وعبدنا غيره عبدنا كم واحداً؟ حفنة من التراب أو كوماً من التراب تجد المؤمنات عاكفات حولها! بل ليس هناك من يقسم بالله إلا من نذر، حتى إنه في بعض المحاكم أصبحوا لا يحلفون الظالمين بالله؛ لأنهم سيحلفون سبعين مرة ولا يبالون، وإنما احلف له بسيدي فلان، وفعلاً هبطنا فركبوا علينا، بل وزغردوا وهللوا وكبروا: انتهى الإسلام.وأراد الله عز وجل أن يقيم الحجة له على خلقه، إذ قد أصبح الإسلام مكروهاً ومبغوضاً عند اليهود والنصارى، فالإسلام الذي يذل أصحابه ويهينهم ويسلط عليهم أعداؤهم فيسوموهم الخسف والعذاب، يُقبل أبداً، وإنما قد انتهى أمره، وشاء الله عز وجل أن يقيم الحجة له، فجاء السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن من آل سعود مع مجموعة من طلبة العلم ودخلوا الرياض وأعلنوا عن دولة القرآن، وأخذت هذه الدولة في الانتشار حتى سادت هذه البلاد وعلت فوقها راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهدموا القباب والقبور، وطهروا الأرض من الشرك، إذ إن الشرك في تلك الأزمنة وخاصة في هذه الديار أكثر من أي ديار أخرى، وكأننا ما سمعنا بكتاب الله وقرآنه، فطهرت البلاد في فترة من الزمن قليلة وسادها أمن وطهر، وأقسم بالله ما عرفته أمة الإسلام إلا في القرون الثلاثة الأولى، إذ إن الإنسان كان يمشي ويحمل الذهب على رأسه لا يخاف إلا الله، بل والله لدكاكين الذهب مفتوحة الأبواب الليل والنهار، فكان أمن وطهر لا نظير لهما، وسبب تحقق ذلك أنه أقام دولته القرآنية على قواعد أربع وضعها الله لإقامة الدولة الإسلامية، وهي في قوله تعالى من سورة الحج: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41]، أي: حكموا وسادوا، ماذا فعلوا؟ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41]، فلا فلسفة ولا شيطنة ولا وطنية ولا قوانين.وهذه الدعائم الأربع هي: الأولى: إقام الصلاة، ولذلك لن تجد سعودياً وطنياً يمشي والصلاة قائمة أبداً، بل ولن تجد باباً مفتوحاً أبداً والصلاة قائمة، والثانية: أخذ الزكاة، والثالثة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفعلاً ظهرت دولة أشبه ما تكون بدولة الراشدين، وما إن شاهد ذلك العدو من الإنس والجن حتى أخذ يضرب ويحطم، لكن يأبى الله إلا أن تظهر حجته على البشر، وفعلاً فقد استقل المسلمون في الشرق والغرب، لكن لم تشأ أمة من تلك الأمم أن تقيم دولتها على هذه القواعد الأربع، والتي ما قامت عليها دولة إلا سادت وعزت وطابت وطهرت وأمنت، فمن صرف المسلمين عن هذا؟ أمس كنا تحت إيطاليا والآن استقللنا، فلم لا نذهب إلى عبد العزيز ونقول: كيف نقيم دولتنا؟ومرة أخرى وسوف تسمعون هذا يوم القيامة: كان الواجب والله على كل إقليم من إندونيسيا إلى موريتانيا إذا استقل عن فرنسا أو بريطانيا أو أي دولة أخرى، أن يأتي إلى السلطان عبد العزيز ويطلب منه قضاة وآمرين بمعروف وناهين عن المنكر، وذلك حتى يطبقوا شرع الله فيهم، لكن لما كاد العدو ماذا صنع؟ تستقل دويلات حول المملكة وتأبى أن تنضم إلى السعودية، حتى لا يؤمر فيها بمعروف ولا ينهى فيها عن منكر، وحتى لا تقام فيها صلاة ولا يحرم فيها ما حرم الله، والله ليس إلا هذا، سواء كان هذا من كيد الثالوث وتعليماته أو من جهلنا، ولو أن كل إقليم يستقل وانضم إلى دولة الإسلام، أي: دولة عبد العزيز، لعادت لنا الخلافة الراشدة، لكن للأسف كل دولة لما تستقل تعرض عن الله وذكره، فلا تأمر بصلاة ولا بجباية زكاة، بل واستعاضوا عن الزكاة المفروضة بالضرائب القاتلة الفادحة، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، فكيف نعز؟ وكيف نسود؟ وكيف نطهر حتى يرضى الله عنا ويدخلنا دار السلام؟فمن فعل هذا بنا؟ إنه العدو، أعني: اليهود والنصارى والمجوس، فهيا نخرج منهم ونبتعد عن ساحتهم، وكل مظاهر البذخ والباطل والشر نتركها، لكن للأسف ما أفقنا بعد، إذ ما زلنا نمشي وراءهم.وصلى الله على نبينا محمد.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #580  
قديم 18-05-2021, 03:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (81)
الحلقة (303)
تفسير سورة النساء (84)


الكفر بالله عز وجل مع الصد عن سبيله، وظلم المؤمنين به والسالكين لطريقه والمصدقين برسالاته هو الضلال البعيد، وقد توعد الله سبحانه وتعالى هؤلاء الكافرين الظالمين بحرمانهم من مغفرته سبحانه، وحرمانهم من طريق الهداية، إذ مآلهم النار، خالدين فيها وبئس القرار.
تابع تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالاً بعيداً ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا هذا الفوز الكبير، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وما زلنا مع سورة النساء المباركة الميمونة المدنية، وما زلنا أيضاً مع هذه الآيات الأربع التي تلونها بالأمس ورددناها وأخذنا في شرحها وبيان ما تحمله من الهدى والنور، والآن نكمل إن شاء الله دراستها، فهيا بنا نتغنى بها أولاً متأملين متدبرين متفكرين فيما تحمله من الهدايات الإلهية، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:167-170].
الكفر بالله تعالى مع الصد عن سبيله هو الضلال البعيد
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه أحكام الله تعالى وأخباره، فهو الذي أوحاها إلى رسوله ومصطفاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد حواها كتابه القرآن العظيم، فالخبر الأول المؤكد بأداة التوكيد: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:167]، ويقابل الكفر الإيمان. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:167]، أي: لم يؤمنوا، وإنما كفروا بالله خالقهم ومالك أمرهم، وجحدوه سبحانه وتعالى، وأبوا أن يعترفوا بألوهيته، وأبوا أن يعترفوا برسالاته التي يرسل بها رسله، وأبوا أن يؤمنوا بلقائه والوقوف بين يديه للحساب والجزاء بعد نهاية هذه الدنيا، بل وأضافوا إلى كفرهم -والكفر موت، بل أسوأ من الموت- صدهم عن سبيل الله غيرهم بعد أنفسهم. وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:167]، وسبيل الله هو دينه الإسلام، وهو الطريق الموصل إلى رضاه والنزول بجواره في دار الكرامة يوم القيامة، فهم قد صدوا أنفسهم أولاً، وما اكتفوا بذلك، وإنما أخذوا يصرفون الناس عن الدخول في الإسلام بالأكاذيب والأباطيل والادعاءات، وتقبيح الإسلام وتشويه ما فيه من النور والهدى، وهذا شأنهم، فهم أئمة الضلال ودعاة الباطل، فلا هم لهم إلا أن يترأسوا ويسودوا ويعيشوا في دنياهم، ولا يضرهم أن يهلك الناس عن آخرهم. كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:167]، أخبر تعالى عنهم بأنهم ضلوا الطريق الموصل إلى الرضوان الإلهي، الموصل إلى سعادة الدنيا والآخرة، الموصل إلى الطهارة والصفاء والحب والولاء، فهذا الطريق قد ضلوه والضلال بعيد، فأنى لهم أن يهتدوا ويعودوا، فنبرأ إلى الله تعالى من الجريمتين: جريمة الكفر، وجريمة الصد عن سبيل الله.وقد نبهت أبناءنا وإخواننا إلى أنه لا ينبغي لأحد منا أن يصد عن سبيل الله ولو بكلمة، فإياك يا عبد الله! وإياك يا أمة الله! أن يراك الله وأنت تصرف عن دينه ولو عن شعيرة من شعائره، ولو عن فضيلة من فضائله، ولو عن سنة من سننه، فإما أن تدعو إلى سبيل الله، وإما أن تكف لسانك ويدك ولا تدعو إلى غير سبيل الله، كما قد لفتنا النظر إلى أن الذين يوجدون أسباب الصد والصرف عن سبيل الله يعتبرون صادين وصارفين عن سبيل الله، فالذي يفتح مقهى يملؤها باللهو والباطل من أجل الدينار والدرهم، ويشاهد إخوانه لا يخرجون للصلاة ولا يجيبون نداء الله، وإنما هم يلعبون ويضحكون، وهو فرح بذلك مسرور؛ لأنه يحصل على مال، فقد صد عن سبيل الله، إذ كان المفروض إذا أذن المؤذن أو دقت ساعته أن يغلق باب مقهاه ويقول للجالسين: الآن أجيبوا ربكم، إنكم مدعوون إلى مولاكم، اذهبوا فأدوا واجبكم، ثم عودوا إن شئتم، والذين يستوردون أو يفتحون استديوهات للتصوير، فهؤلاء أيضاً صدوا عن سبيل الله، أما الذي يفتح بنكاً على مصراعيه في بلد إسلامي، فهو يدعو الناس إلى الوقوع في هذه الكبيرة العظيمة، وهو أيضاً قد صد عن سبيل الله، وكذلك الذي يفتح دكان حلاقه يحلق وجوه الفحول من أجل أن يأخذ الريال والدرهم، فقد صد عن سبيل الله تعالى، والذي يستورد ملابس الخلاعة والدعارة، وما عرف بلباس العواهر، فينشره بين المؤمنات في بلاد المسلمين فقد صد عن سبيل الله.
الواجب في حق من وقع في الذنب سرعة الرجوع والتوبة
قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:167]، كل ما أريد أن أقوله للمستمعين والمستمعات: نحذر في حياتنا أن يرانا الله نصرف مؤمناً أو مؤمنة عن طريق الله، لا بكلمة ولا بنظرة ولا بأية حركة، والمفروض أننا ندعو إلى سبيل الله لا أن نصد عنه، وقد بينت لكم أن الضلال إذا بعد فصاحبه لا يرجع، ومن هنا قال أهل العلم: التوبة عندنا معاشر المسلمين والمسلمات! تجب على الفور، ولا يحل التراخي فيها أبداً، فإياك أن تقول: أتوب يوم أن يحصل كذا، أو عندما يجيء كذا، أو عندما يحصل لي كذا، فهذا لا يصح أبداً، وإنما الواجب إذا زلت القدم، وسقط عبد الله في المعصية، أن يرفع صوته: أستغفر الله، وكله نية صادقة ألا يعود لهذه الرذيلة ولا ينغمس في هذه البؤرة من الإثم والذنوب، أما حتى أتزوج، أو حتى أوظف، أو حتى يعود كذا، فهذا باطل، فعلى الفور يا عبد الله تب إلى الله تعالى، فأنت ما تريد تلك السقطة ولا الزلة، لكن أوقعك فيها عدوك الشيطان وأعوانه، فإذا أفقت وعرفت أنك زللت وارتكبت إثماً يغضب ربك، فعلى الفور تمسح ذلك الأذى، واغسله بدموعك واستغفارك، فإن من واصل الذنب يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر، وعاماً بعد عام، فإنه يصبح ضلاله بعيداً، وحينئذٍ أنى له أن يعود، لا يستطيع.وتذكرون ما جاء في سورة المطففين، إذ قال تعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14]، ويقول الرسول الحكيم والمبين لكلام الله ولمراد الله منه: ( إذا أذنب العبد ذنباً )، صغيراً كان أو كبيراً، إذ النكرة دالة على العموم، ( إذا أذنب العبد )، أو الأمة، والرسول منهجه هو القرآن، إذ لا يذكر النساء من أجل أن الفحول لا يريدون أن تذكر نساؤهم في كل ميدان، ( إذا أذنب العبد ذنباً وقع على قلبه نكتة سوداء )، أي: مظلمة، ( فإن هو تاب )، بالاستغفار والعزم ألا يعود، ( صقل ذلك المكان )، ومسح، وأصبح كالزجاجة يقع فيها شيء فيحجبها ثم تمسحه فيُمسح، وتعود كما كانت والله العظيم، فإن هو لم يتب وأذنب ذنباً آخر وقعت إلى جنب الأولى نكتة أخرى، وإذا لم يتب وزاد الثالثة والرابعة والخامسة، فيغطى القلب كله بظلمة الذنوب والآثام، فيقول عليه السلام: ( فذلكم الران الذي قال الله تعالى فيه: بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] ).ولذلك فالتوبة هي الرجعة الصادقة إلى الله عز وجل، فإن كان ذنبي ترتب عن ذمي لمؤمن أو سبي له أو تعييري له، فآتيه وأطرح بين يديه، وأطلب منه أن يعفو عني أو يقتص مني، وإن كان مالاً أخذته منه بغش أو خداع أو بأي ضرب من ضروب الحصول على المال بغير الطريقة الشرعية، كالسرقة مثلاً، فنأتيه ونطرح بين يديه ونقول له: أتوب إلى الله، يا أخي! سامحني، والذي في ذمتي لك أسدده يوم أن يغنيني الله أو يعطيني الله تعالى من فضله. أما الذنوب المتعلقة بترك واجب من واجبات الله، أو غشيان محرم مما حرم الله، فالتوبة هي المبادرة الفورية على الندم والاستغفار والعزم الأكيد على ألا يعود إلى ذلك الذنب، والله تعالى يقول في التوبة النصوح: (يا أيها الذين آمنوا) لبيك اللهم لبيك، سبحان الله! ربنا نادانا، الحمد لله، من نحن حتى ينادينا رب العالمين؟! الذي يطوي السموات بيمينه يوم القيامة، والذي يقول للشيء: كن فيكون، والذي خلق هذا الكوكب النهاري، أعني: الشمس، وهو أكبر من أرضنا بمليون ونصف مليون مرة، هذا الواهب للحياة والموت ينادينا وما نفرح ولا نسر! يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ [التحريم:8]، فما معنى قوله: (توبوا) يا شيخ؟ ترجع إلى الحق والصواب بعد أن فارقته واعتزلته، وقال: توبة نصوحاً، ولم يقل: ناصحة، قال أهل العلم: التوبة النصوح هي التي لا يعاود صاحبها الذنب أبداً، كما لا يعود اللبن في الضرع، فمن حلب شاة أو بقرة أو بعيراً وأخذ اللبن في إنائه، فهل يمكن أن يعود اللبن في الضرع؟ مستحيل، حتى بالإبرة لا يستطيع، فالتوبة النصوح هي التي لا يعاود المذنب ذلك الذنب أبداً، فيجعل هذا من باب المستحيل أن نعود إلى الخنا والزنا والباطل والشر بعد أن تبت منه وأنقذني الله منه.
قبح الجمع بين الكفر بالله تعالى والظلم وبيان جزاء ذلك
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا [النساء:168]، وهذه أخرى، فهل بعد الكفر من ذنب؟ ما إن كفر هلك، وحرم رضا الله وجواره، لكن إذا أضاف الكفر ظلماً، فإن ضرره يعود على المجتمع البشري، فهو كالأول، ما اكتفى بكفره وإنما يحمل الناس على الكفر ويدعوهم إليه بصدهم وصرفهم عن رضا الله وطلب هداه، وهذا أيضاً في القبح كالأول، فهو قد كفر وظلم، ولا شك أن اليهود والنصارى متورطون في هذا، وعندنا أبناؤنا الذين أسلموا يعرفون عن القسس والرهبان كيف يصدون عن الإسلام بشتى الوسائل والحيل، فيبنون المستشفيات ويوزعون الأموال ويوزعون كذا من الطعام والشراب لأجل إدخال الناس في بؤرة الكفر، فاليهود كفروا وظلموا، إذ إنهم يصدون عن سبيل الله لا من أجل أن يتهود الناس، وإنما يريدون أن تبقى لهم عقيدتهم ودينهم خاص بهم، بخلاف النصارى فإنهم يريدون أن يتنصر الناس ويصبحون على دينهم.ثم يقول تعالى مبيناً الجزاء على كفرهم وظلمهم: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا [النساء:168]، اللهم إلا طريق جهنم فنعم، فإنه يهديهم إليه ويسوقهم، وهم سائرون فيه سالكونه حتى نهايتهم إلى جهنم. لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ [النساء:168]، أولاً، وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا [النساء:168]؛ لأن المغفرة يا معاشر الأبناء والإخوان! سببها التوبة والرجعة الصادقة إلى الله تعالى، وهؤلاء أضافوا إلى كفرهم ظلماً، فهم غير مستعدين والله للتوبة، فلهذا كيف يغفر لهم؟ من لم يتب لا يغفر الله له، بل لا بد من توبة صادقة، فلما كانوا على هذه الحال فالله لا يغفر لهم، ولا تقل: وإن تابوا، فإن باب الله مفتوح لعباده من الإنس والجن، فما من إنسي ولا جني يقارف ذنباً أو يرتكب كبيرة أو يكفر أو يشرك بالله، ثم يتوب إلى الله، فالله عز وجل يقبله، ولنذكر الحديث: ( إن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار )؛ لأن الله غني غنىً مطلق، وهو ليس في حاجة إلى عبادة زيد أو يهاب أو يخاف كفر زيد أو عمرو، لكن كما قدمنا أن الإنسان إذا توغل في الظلم والشر والكفر قد لا يرجع ولا يتوب، أما طريق جهنم وهو الكفر والشرك والذنوب والمعاصي فهذا مفتوح والشياطين تدعوا وتؤهل وتسهل لكل من أجابهم.
عقيدة أهل السنة والجماعة في مرتكب الكبيرة
خَالِدِينَ فِيهَا [النساء:169]، وهنا حقيقة علمية عقدية، وهي: اعلموا يرحمكم الله! أن أهل التوحيد والإيمان الذين ما كفروا ولا أشركوا، ولكن قارفوا ذنوباً وارتكبوا جرائم، ثم ماتوا قبل التوبة منها، فهؤلاء يوم القيامة إما أن يغفرها الله لهم فلا يدخلهم عالم الشقاء، وإما أن يدخلهم النار ويلبثون فيها دهراً ثم يخرجهم منها بإيمانهم وصالح أعمالهم التي عملوها؛ لأن الله يخبر عن نفسه فيقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40].مرة أخرى: يا معشر المستمعين والمستمعات! هذه عقيدة رسول الله وأصحابه، عقيدة سلف هذه الأمة، وليست اعتزالية ولا خارجية ولا جهمية ولا باطنية، وإنما هي العقيدة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأن هذه الأمة ستفترق كما افترقت الأمم، وقد أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقع ما أخبر به، فقد افترقت هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، وذلك بزيادة فرقة عن النصارى، ومن أراد الوقوف على أسماء هذه الفرق فعليه بتفسير القرطبي رحمه الله في سورة آل عمران عند قول الله تعالى: وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، فقد ذكرها طائفة بعد أخرى.والشاهد عندنا: لما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن افتراق هذه الأمة كالأمم السابقة، إذ الكل بشر والعدو واحد وهو إبليس عليه لعائن الله، قال عليه السلام: ( كلها في النار إلا واحدة ففي الجنة )، فألهم الله أحد أصحابه فقام وقال: ( من هي الفرقة الناجية يا رسول الله؟ )، فأجاب صلى الله عليه وسلم بجواب يجب أن نحفظه الآن، وحرام عليك يا بني ألا تحفظه وتخرج من الدرس ناسياً له، إذ لو حفظنا هذا الجواب ما ضل فينا ضال، والجواب هو: قال: ( هم الذين يكونون على ما أنا عليه اليوم وأصحابي )، إذاً الفرقة الناجية هم الذين يكونون على ما كان عليه رسول الله وأصحابه عقيدة وعبادة وقضاء وآداباً وأخلاقاً، بل قل ما شئت، تفكيراً وذوقاً وفهماً، فلهذا نعمل الليل والنهار على أن نكون مثل رسولنا وأصحابه في عقيدتنا وفي صلاتنا وفي عباداتنا وفي آدابنا وفي أخلاقنا، حتى يتوفانا ربنا ويلحقنا بهم، فلا بد من بذل جهد، ولا بد من معرفة.فعقيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هي: أن من مات كافراً أو مشركاً فهو مخلد في النار لا يخرج منها أبداً، ومن مات من المؤمنين مقارفاً للذنوب، ولكن له أعمال صالحة، ولكن مات على كبيرة الذنب، فهذا يوم القيامة هو بين أمرين: بين أن يغفر الله له، فمن يرد على الله حكمه؟ أو يدخله النار فيمكث فيها ما شاء الله أن يمكث، ثم ينقذهم الله منها ويخرجهم ويدخلهم الجنة دار السلام، لكن الخوارج يقولون: من مات على كبيرة من كبائر الذنوب لن ينجو من النار، وهذا مضادة للكتاب والسنة، فما الذي حملهم على هذا؟ سوء فهم، وقد أصروا عليه للحفاظ على تلك الكتلة أو تلك الجماعة من أجل أن تفوز بالسيادة والحكم بين الناس.إذاً: معشر المستمعين والمستمعات! من مات على الكفر أو الشرك بالله، فهذا خالد في دار الخلد لا يخرج من النار أبداً، أما إن كان مؤمناً موحداً غير مشرك ولا كافر ولكن قارف ذنوباً وله صالحات أيضاً، وشاء الله أن يموت على شرب الخمر أو على إتيانه الزنا أو على أكله الربا بدون توبة، فكيف تحكمون على هذا العبد؟ فوضوا أمره إلى الله تعالى، إن شاء غفر له، وإن شاء أدخله النار فطهره فيها ثم يخرجه، والله تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40].وأعود إلى ما أوصيتكم به: من هي الفرقة الناجية من فرق أمة الإسلام؟ هم الذين يعيشون في عقيدتهم على ما كان عليه رسول الله وأصحابه، فلا ننسى هذا، فنتعلم كيف كان الرسول يعتقد؟ وكيف كانت عقيدة أصحابه؟ وكيف كانوا يعبدون الله؟ حتى في التيمم كيف يتيممون؟ وهذا يتطلب منا طلب العلم، وملازمة أهل العلم ليل نهار حتى نتعلم كيف نعبد الله عبادة تزكي أنفسنا وتطهر أرواحنا؟ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا [النساء:168]، فلنحذر الكفر والظلم، وقد قلت لكم: الظلم أنواع، وهو يوم القيامة ظلمات كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ( الظلم ظلمات يوم القيامة )، والذين يجدون أنفسهم يوم القيامة في ظلمة لا يدخلون الجنة، وقد شاهدنا هذا لما انطفأ النور عنهم ووقفوا حيارى ينادون أهل الجنة: انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ [الحديد:13]، فرجعوا، وفجأة ضرب بينهم وبين أهل النور بسور له باب، باطنه فيه الرحمة بالجنة، والآخر بالعذاب، قال تعالى: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ [الحديد:13]، فالنساء موجودات أيضاً في هذه الآية، يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا [الحديد:13]، فهل عرفتم النكتة في: ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا [الحديد:13]؟ أي: عودوا إلى الدار التي يكتسب فيها النور، أما هذه الدار فلا كسب فيها، فهل يعودون إلى الحياة مرة ثانية ويؤمنون ويوحدون ويعبدون الله عز وجل؟ مستحيل، فقد انتهت الحياة الدنيا، وبالفعل يظنون أنهم يكذبون عليهم، فيرجعون وعلى الفور يحال بينهم وبين أهل النور، بِسُورٍ لَهُ بَابٌ [الحديد:13]، واحد، بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الحديد:13-15]، وهذا كلام الله الذي نقرؤه على الموتى ونحرم منه الأحياء!

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 306.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 300.76 كيلو بايت... تم توفير 6.10 كيلو بايت...بمعدل (1.99%)]