تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 37 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836877 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379389 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191233 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2666 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 661 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 945 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1098 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 854 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #361  
قديم 07-12-2020, 11:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى الآيات
والآن مع الشرح الكامل الوافي لهذه الآيات لنزداد إن شاء الله يقيناً بما علمنا.قال: [ معنى الآيات: صح] أي: ثبت في الصحيح [أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد دعا على أفراد من المشركين بالعذاب] ما في ذلك شك [وقال يوم أحد لما شج رأسه وكسرت رباعيته: ( كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم؟ ) فأنزل الله تعالى عليه قوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران:128]] لا أمر تعذيب ولا أمر هداية [أي: فاصبر حتى يتوب الله تعالى عليهم، أو يعذبهم بظلمهم فإنهم ظالمون.قوله: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [آل عمران:129] ملكاً وخلقاً، يتصرف كيف يشاء، ويحكم ما يريد، فإن عذب فبعدله، وإن رحم فبفضله، وهو الغفور لمن تاب، الرحيم بمن أناب. هذا ما تضمنته الآيتان الأوليان. وأما الآية الثالثة فإن الله تعالى نادى عباده المؤمنين ] ومن قال نادى هؤلاء المنافقين فكلامه باطل، بل نادى المؤمنين الصادقين في إيمانهم فقال: يا أيها الذين آمنوا [ بعد أن خرجوا من الجاهلية ودخلوا في الإسلام، بأن يتركوا أكل الربا وكل تعامل به ]، فقد كانوا يأكلونه والله العظيم! بل كانوا يتعاملون به كذا سنة بعد دخولهم في الإسلام، إذ ما حرم الربا إلا في المدينة بعد كذا سنة، وذلك لما تهيئوا للامتثال والطاعة، ولقوة إيمانهم بالله تعالى، ناداهم فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا [آل عمران:130]، قال: [ فناداهم بأن يتركوا أكل الربا، وكل تعامل به -ولو ما يؤكل- فقال عز من قائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:130]، أي: بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130]، إذ كان الرجل يكون عليه دين ويحل أجله، ولم يجد ما يسدد به، فيأتي إلى دائنه ويقول: أخر ديني وزد علي، وهكذا للمرة الثانية والثالثة حتى يصبح الدين بعدما كان عشراً عشرين أو ثلاثين، وهذا معنى قوله تعالى: أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130].ثم أمرهم بتقواه عز وجل، وواعدهم بالفلاح -إن هم اتقوه- فقال عز وجل: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:130]، أي: كي تفلحوا ]، والفلاح: أن تزحزح بعيداً عن عالم الشقاء وتدخل الجنة دار السلام، هذا هو الفلاح، لا ربح تجارة ولا وظيفة ولا شاة أو بعير، وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:130]؛ لأن تقوى الله معناها: فعل المأمور، والمأمور لما يفعله العبد بشروطه فإنه يزكي نفسه ويطيبها ويطهرها، وإذا اجتنب المنهي يبقى ذلك الطهر كما هو، بل ينمو ويزيد؛ لأن من اغتسل ثم صب على رأسه بولاً ووسخاً هل انتفع بذلك؟! لا، إذاً لا بد أن يحافظ على ذلك الطهر، وفي هذا حكم صادر عن الله عز وجل على الإنس والجن، ونصه: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]، أي: نفسه، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:10] أي: نفسه، والتزكية تكون بفعل الطاعات، والتدسية تكون بفعل المحرمات، فالماء والصابون يطهران الأنجاس، والبول والعذرة يوسخان الأبدان، وهذه سنة الله عز وجل، والعجب كيف يجهل المؤمنون هذا؟! لا عجب؛ لأنهم ما سمعوا هذا الكلام أبداً، فالقرآن يقرءونه على الموتى! أما الأحياء فلا.قال: [ قوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:130] أي: كي تفلحوا بالنجاة من العذاب، والحصول على الثواب وهو الجنة ] دار السلام، جعلنا الله من أهلها.قال: [ وفي الآية الرابعة أمرهم تعالى باتقاء النار التي أعدها للكافرين، فهي مهيأة محضرة لهم، واتقاؤها يكون بطاعته تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال عز وجل: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131] ] فمن هم الكافرون؟ أبو جهل؟ قال: [ أي: المكذبين الله ورسوله، فلذا لم يعملوا بطاعتهما؛ لأن التكذيب مانع من الطاعة ] أي: هذه النار للكافرين؛ لأنهم كذبوا فلم يعملوا بما يزكي أنفسهم، ولم يتخلوا عما يدسيها، فبُعثوا وأنفسهم خبيثة كأرواح الشياطين، وبالتالي كيف يدخلون دار السلام؟! مستحيل! قال: [ وفي الآية الأخيرة أمرهم تعالى بطاعته وطاعة رسوله، ووعدهم على ذلك بالرحمة في الدنيا والآخرة ]، وقد بينا كيف نحصل على رحمة الله فقلنا: أن يعيش المسلمون على قلب رجل واحد، متعاونين متحابين متناصحين، أطهاراً أصفياء أنقياء، لا خبث ولا ظلم ولا شر، لا فساد ولا خلف للوعد، لا كذب ولا حسد ولا بغضاء، كأنهم أسرة واحدة، فأية رحمة أعظم من هذه؟! وإذا كانوا هكذا انتفى شيء اسمه عذاب بينهم أبداً، ووجدت الرحمة في الدنيا، وعزوا وسادوا وقادوا البشرية أيضاً، ثم في الآخرة بدخول الجنة دار السلام.قال: [ وكأنه يشير إلى الذين عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد، وهم الرماة الذين تخلوا عن مراكزهم الدفاعية، فتسبب عن ذلك هزيمة المؤمنين أسوأ هزيمة، فقال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132] ]، والرماة الذين أمرهم ونصبهم القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم بالبقاء على الجبل كانوا خمسين رامياً، وقد أوصاهم ألا يبرحوا أماكنهم، لنا أو عليهم، وبعد لما شاهدوا الانتصار وفر المشركون، فتركوا أموالهم، والنساء مشمرات على خلاخلهن، هبطوا يجمعون المال، فرأى خالد خلو الساحة أو المركز القوي فاحتله برجاله، وصبوا على المسلمين الحِمم، فكانت الهزيمة النكراء بسبب معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعصية الرسول أثرت في أصحاب الرسول، أما نحن فلا! فنعصي كثيراً ومتى ما أردنا، وبالتالي فمن أولى بالهزيمة نحن أم هم؟ نحن والله، ولهذا نحن مهزومون اليوم، فأذل الخلق اليوم المسلمون، بل والله أذل من اليهود! أبعد هذا نطلب بياناً؟! ما السبب؟ إنها معصية الله ورسوله، وهل هناك غير هذا؟ والله ما هو إلا هذا، فلو تابوا وأطاعوا الله والرسول، خلال أربعة وعشرين ساعة وهم أعز العالم، والدنيا تضطرب لكلمة: الله أكبر!قال: [ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132]، أي: كي يرحمكم، فيتوب عليكم ويغفر لكم، ويدخلكم دار السلام والنعيم المقيم ].الآن استقر معنى الآيات الخمس في نفوسنا إن شاء الله، وهذا خير من خمسين كيلو غراماً من الذهب! ووالله إن الذي وعي هذه الآيات وفهمها وعمل بها لخير له من خمسين قنطاراً من الذهب! أو من بنوك أمريكا وأوروبا.
هداية الآيات
الآن مع هداية الآيات الخمس، إذ لكل آية هداية ورب الكعبة، وكل آية تهدي إلى دار السلام والبعد عن دار الشقاء والبوار، وكل آية تدل دلالة قطعية على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فهل يعقل أن يوجد كلام بدون متكلم؟! ثم هذه الآية من تكلم بها؟ من أنزلها؟ من أوحى بها؟ من قالها؟ الله، إذاً الله موجود، وبالتالي كيف يُنكر أو يكذب به؟! إن هذه الآية من الله على من نزلت؟ على العجائز في القرية؟! على التجار؟! على من؟ اختار الله من البشرية كلها رجلاً واحداً، وهيأه ليوحيَ إليه بها، فمستحيل أن يكون محمداً غير رسول الله! وكيف يوحي إليه وينزل عليه كلامه ولا يكون رسولاًً؟! من ينفي هذا مجنون أو لا عقل له، إذاً كل آية تحمل هذا الهدى. قال: [ من هداية الآيات:أولاً: استقلال الرب تبارك وتعالى بالأمر كله، فليس لأحد من خلقه تصرف في شيء إلا ما أذن فيه للعبد ]، وأخذنا هذه الهداية من قول الله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128].فإن قال قائل: يا شيخ! ها نحن عندنا أمور نتصرف فيها فكيف ذلك؟ أقول: قد أذن الله لنا فيها، ولو ما أذن لنا فيها فلا يجوز، فالآن أنت تركب سيارة تسرقها؟ يجوز ذلك؟! حرام، أو تشرب شراباً محرماً، هل يجوز لك ذلك؟ لا؛ لأنه ما أذن، ولذلك نأكل أو نشرب أو ننكح أو نلبس في المأذون فيه، أما غير المأذون فيه فحرام وأهله عصاة مجرمون. [ استقلال الرب تبارك وتعالى بالأمر كله، فليس لأحد من خلقه -حتى ولو كان جبريل أو محمد رسول الأولين والآخرين- تصرف في شيء إلا ما أذن فيه للعبد ] بالتصرف، وهذا أخذناه من قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128].[ ثانياً: الظلم ]، والظلم يا عبد الله! يا أمة الله! وضع الشيء في غير موضعه، فلو أن أحدكم نام في وسط الحلقة فقد ظلم؛ لأن هذا المكان ليس محلاً للنوم، وأفظع من هذا أن يتبول في المسجد، فكذلك الذي يركع ويسجد لغير الله؛ لأن الركوع والسجود لا يستحقهما إلا الخالق الرازق، فإذا سجد لـعبد القادر وانحنى أمام إدريس فهذا ظلم، ولهذا فإن الشرك أفظع أنواع الظلم؛ لأن ظلمي لك بسبك أو شتمك أو أخذ ريالك أو الاعتداء عليك هو ظلم بيني وبينك بني الإنسان، لكن كونك تظلم الله الذي بيده كل شيء، وتأخذ حقه وتعطيه لغيره، فهذا من أبشع وأفظع أنواع الظلم، ومثاله لو أنك تختصم مع عامي عند الباب أو فقير كنَّاس فتظلمه، فهل ظلمك إياه كظلمك لأمير المدينة لو تسبه أو تشتمه؟! لا أبداً، فهذا أفظع وأبشع، فكيف بالذي يظلم الله ويأخذ حقه الذي فرضه على خلقه ويعطيه لعبيده؟! أعوذ بالله! ولهذا قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]. [ الظلم مستوجب للعذاب -أي: مهيئ له- ما لم يتدارك الرب العبد بتوبة فيتوب ويغفر له ويعفو عنه ]، وهذه قاعدة، أي: أن الظلم من الإنسان مستوجب لعذابه، إلا إذا تداركه الله فتاب عليه وغفر له، أما إذا تركه الله على ظلمه فلا توبة ولا مغفرة، بل والله لا بد من العذاب. [ ثالثاً: حرمة أكل الربا -مطلقاً- مضاعفاً كان أو غير مضاعف ]، أمَا قال الرسول الكريم: ( لدرهم واحد أشد من ثلاثين زنية )؟ إذ ليس عندنا شيء اسمه: ربا خفيف لأنه قليل، لا، فالكثير والقليل سواء.[ رابعاً: بيان ربا الجاهلية، إذ هو هذا الذي نهى الله تعالى عنه بقوله: لا تَأْكُلُوا الرِّبَا [آل عمران:130].خامساً: وجوب التقوى لمن أراد الفلاح في الدنيا والآخرة.سادساً: وجوب اتقاء النار ولو بشق تمرة ]، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا النار ولو بشق تمرة ).[ سابعاً: وجوب طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم للحصول على الرحمة الإلهية، وهي العفو والمغفرة ودخول الجنة ].معاشر المستمعين! فهيا نتخلص من الربا، فنزور إخواننا وأعمامنا وأخوالنا وأقاربنا ونقول لهم: هيا بنا نخرج من هذه الفتنة، نتعهد ألا يرانا الله غداً أو بعده أمام بنك، ومن عنده نقود يسحبها، وتمشي هذه الروح والناس يبكون نساء ورجالاً، وفي اليوم الأول والثالث والرابع يترك العمال العمل في البنك، وإذا برؤساء البنوك قد داخوا وأصابهم الإعياء، وفي خلال أربعين يوماً يغلقونها، فننتهي من شرها، فهل تستطيعون ذلك؟ أنتم تستطيعون يا أهل النور! لكن نسبتكم إلى أهل الظلام كم؟ ولا واحد إلى ألف، إذاً لا ينفع، وهذا ما يسمى بالإضراب العام، وهو ينفع إذا أضربت الأمة كلها، وهذا هو الهجران الذي أوجبه الله ورسوله، فإذا أخونا أو عمى فسق وأبى أن يتوب قلنا: لن نتكلم معه ولن نتعامل معه، وفي خلال أربعين يوماً يتوب ويبكي.ولو تأملنا في الثلاثة الذين تخلفوا عن المعركة، فقد أعلن الرسول هجرانهم خمسين يوماً، فكانوا يمشون بالأسواق ولا يكلمهم أحد، بل إن نساءهم لا تتكلم معهم، وإنما الواحد منهم تضع له زوجته الخبز وتسكت، وبقي هذا الحال حتى ضاقت بهم الأرض بما رحبت، فهذا هو الهجران الحقيقي، أما أن أقاطعه وأنت تصاحبه، ولا أتعامل معه وأنت تتعامل معه في كل شيء، فهل ينفع هذا؟ ونحن والحمد لله قاطعنا البنوك، فهل انتهت؟ لا؛ لأن المقاطعين لها قليل، لكن إذا الأمة كلها عرفت الطريق إلى الله، فإن هذه البنوك والله لتتحولن إلى مصارف خير وهدى ورحمة، ووالله لتدر وتغل أضعاف ما كانت تدر، وأنا أقسم بالله وإني على علم.فإن قيل: يا شيخ! هذا محال وصعب، لا يمكن، إذاً ما الذي يمكن؟ الذي يمكن أن نسلم قلوبنا ووجوهنا لله، وأن يأخذ علماؤنا وحكامنا فيجمعوننا في بيوت الله من المغرب إلى العشاء كاجتماعنا هذا، في كل قرانا ومدننا، النساء وراء، والرجال أمام، ونتلقى الكتاب والحكمة يوماً بعد يوم، والنور يعلو، والمعاني ترتفع، والتقوى تعم، وفجأة خلال سنة ونحن أولياء الله! بل لو رفعنا أكفنا إلى الله ما ردها، ويومها لن يبقى معنىً للشح ولا البخل ولا التكالب على الدنيا ولا التلصص، وأفاض الله رحماته علينا، فهذا هو الطريق الذي نبكي حتى يتحقق أو نموت! ووالله لا طريق إلا هذا، أي: أن نسلم قلوبنا ووجوهنا لله، فنفزع إلى ربنا، ونطرح بين يديه، ونبكي كل ليلة، ونتلقى هداه ورحمته في قرانا ومدننا، وما هي إلا أيام وقد أغدق الله علينا نعمه وأفاض رحماته، وطريق غير هذا مستحيل أن يتم به شيء.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #362  
قديم 07-12-2020, 11:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (53)
الحلقة (194)

تفسير سورة آل عمران (58)



يدعو الله عز وجل عباده المؤمنين بالمسارعة إلى مغفرته وجنته، وهذا لا يكون إلا بالمسارعة إلى التوبة والاستغفار والندم والبعد عن المعاصي، والعمل بما يوجب للعبد دخول الجنة من الأعمال الصالحة؛ كالإنفاق في سبيل الله في السراء والضراء، والتخلق بالأخلاق الحسنة من كظم الغيظ والعفو والإحسان.
تفسير قوله تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي-صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده )، اللهم حقق لنا رجاءنا، فإنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وها نحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الخمس، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:133-136].هيا نكرر تلاوة الآيات مرة أخرى، والمستمعون والمستمعات يتأملون ويتدبرون لاستخراج المعاني التي تحملها هذه الآيات النورانية: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:133-136]، اللهم اجعلنا منهم، آمين، إذ إن لله نفحات، فإذا سمعت الداعي يدعو فقل: آمين لتشاركه في الأجر وفي الجزاء. ‏
أمر الله تعالى لعباده بالمسارعة إلى التوبة النصوح لمغفرة ذنوبهم
معاشر المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَسَارِعُوا [آل عمران:133]، أمر موجه إلى عباده المؤمنين الذين ناداهم في الآيات الماضية، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:130-132]، ثم قال: وَسَارِعُوا [آل عمران:133]، فنحن مأمورون بأن نستجيب، فهيا نبادر قبل فوات الوقت، وقرئت في السبع: (سارعوا) بدون واو العطف، وقرئت بالواو: (وسارعوا)، والكل واحد.والمسارعة: المبادرة في عجلة دون توانٍ ولا انتظار ولا تأمل، والمسارعة تكون: إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133]، والمسارعة إلى المغفرة: هي المبادرة إلى التوبة، وكأنما قال: عجلوا فتوبوا إلى ربكم، فأمرنا ألا نأكل الربا، وأمرنا بطاعته وطاعة رسوله، ووعدنا بالرحمة والفلاح، إذاً فعجلوا إلى الهدف. وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133]، والمسارعة إلى المغفرة هي المسارعة إلى التوبة والاستغفار والندم والإقلاع والعزم ألا نعود لهذا الذنب، فهذه هي التي أُمرنا بالمسارعة إليها، أي: إلى المغفرة، فهيا نسارع إلى مغفرة ذنوبنا، وذلك بالإعلان عن التوبة، وبالاستغفار والندم والإقلاع والبعد عن المعصية، سواء كانت من كبائر الذنوب أو صغائرها.ثم أيضاً إلى أين؟ قال تعالى: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ [آل عمران:133]، ونسارع أيضاً إلى جنة عرضها السموات والأرض.إذاً: تقرر عندنا وعلمنا وفهمنا واقتنعنا وأصبحنا موقنين بأن الجنة دار السلام لا يدخلها إلا الطيبون الأطهار الأصفياء فقط، ولا يدخل الجنة من عليه أوضار الذنوب وأوساخ الآثام، فإن أردت يا عبد الله! الجنة دار السلام ادخل الحمام، فتطهر وتنظف واغتسل وتطيب ثم تفضل، أما أن تدخل الجنة بالعفن وبالرائحة الكريهة والله ما كان.فالذي يأكل أموال الناس يجب أن يسارع إلى التوبة ليُغفر ذنبه، بل لا يبيت الليلة إلا وقد بادر إلى التوبة؛ لأن الجنة دار السلام لا يدخلها إلا الأطهار الأصفياء، ومن هنا دعانا ربنا تعالى رحمة بنا وشفقة علينا أن نتطهر من ذنوبنا، وبعد ذلك تفضلوا إلى الجنة التي أعدت وأحضرت -من زمان- للمتقين.وإن سأل سائل فقال: ما هي التوبة؟ فالجواب: التوبة تعني: الرجوع إلى الحق والاعتراف به، والاستغفار، والندم، والعزم ألا يعود أبداً إلى ذلك الذنب، فإن كان الذنب هو أخذ أموال الناس أو سفك دمائهم أو نهش أعراضهم؛ فلا توبة تصح حتى يتحلل منهم، فإن كان قادراً على سداد المال رده، وإن كان عاجزاً عن ذلك طلب منهم العفو والرجاء والانتظار، وإن كان عِرضاًً طلب العفو والمسامحة، وإن كان دماً أراقه كذلك قدَّم نفسه ليراق دمه أو يعفى عنه، وهذه حقيقة لا بد منها، أما إذا كان الذنب بينك وبين الله -كما ذكرنا- كأن تركت واجباً، فالتوبة تعني: الندم والاستغفار وفعل الواجب، وإن كان الذنب ارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب، أو معصية من معاصي الله والرسول، فالتوبة تعني: الندم والاستغفار والعزم على ألا يعود إلى ذلك الذنب. وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133]، فأولاً: التطهير، ثم بعد ذلك دخول الفردوس، أما وأنت ملوث فلا. وَجَنَّةٍ [آل عمران:133]، أي: وإلى جنة، عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ [آل عمران:133]، قال العلماء وعلى رأسهم الحبر عبد الله بن عباس: لو أخذنا السموات رقعة إلى جنب الأخرى وألصقناها بها، وفعلنا بالأرضين كذلك، فإن عرض الجنة أكثر من هذا! أما الطول فلا يعلمه إلا الله، إذ العرض في الغالب مبني على الطول، فإذا كان العرض-مثلاً-ذراعاً فالطول لا شك أنه ستة أذرع، أما لو قال: (وجنة طولها كذا)، فقد يكون الشخص طويلاً ورقيقاً كالحبل، أو سلكاً رقيقاً من المدينة إلى أمريكا، فأي عرض له؟! ما له عرض، لكن إذا ذكرت العرض، فإن الطول ضروري وهو فوق ما تتصور! كما قد عرفنا وقلنا دائماً حتى نتصور قعر عالم الشقاء: هيا نغمض أعيننا ونضع رؤؤسنا بين ركبنا ولنفكر ولنقل: نازل، نازل، نازل، إلى أين؟! كلَّ العقل واندهش، فهل فهمتم هذه أم لا؟ إن عالم الشقاء المعبر عنه بالنار-دار البوار-أعلمَ تعالى أنه أسفل: قال تعالى: رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ [التين:5]، فهذا السفل فكر فيه، أما الجنة دار السلام فهي فوق السماء السابعة، وسقفها هو عرش الرحمن، وسيأتي يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم:48]، يوم يطوي السماء كطي السجل للكتب، عند ذلك فقد انتهت السموات وانتهت الأرضون، وبقي العالمان: عالم السعادة العلوي، وعالم الشقاء السفلي، وسعة هذا العالم لا يحده عقلك، فقل: آمنت بالله. وقد علمنا أيضاً: أن آخر من يدخل الجنة من أهل الذنوب الذين كانوا في النار أحقاباً يعطى مثل الدنيا مرتين، أي: مثل هذا الكوكب مرتين، وقلنا: إن هذه الكواكب لا تعد ولا يحصي عددها إلا الله، فلو وزعنا هذه الكواكب على أهل الجنة، فأخذ كل واحد كوكباً أو عشرة كواكب، فإنه سيبقي الكثير منها! فلا إله إلا الله! أين نحن؟ أتدرون أين نحن؟ نحن في رحم الدنيا، أتعرفون رحم المرأة الذي خرجتم منه أم لا؟ رحم المرأة عرضه أو طوله ستة سنتيمتر، فلو يمكنك أن تتصل بالجنين في الشهر التاسع -عندما يتخلق- وقلت له: ويحك يا هذا! إنك في رحم ضيق منتن، اخرج إلى سعة، فإنه سيضحك، وسيقول: هذا الذي يخاطبني مجنون! أين يوجد هذا العالم الذي تعنيه؟ فلا تستطيع أن تقنعه أبداً إلا إذا آمن كما آمنا نحن بالغيب، فهو لا يفهم أن وراء هذا الرحم شيء واسع جداً، وإن قلت له مرة أخرى -وهو محفوظ في تلك الدماء-: إنك في رحم ووسط بطن أمك في ذراع طول وعرض، ووراء هذا البطن غرفة أو حجرة، ووراء هذا البطن كذا وكذا، فإنه سيزداد كفراً وتكذيباً، وكذلك هذه هي الحياة كلها، فالآن حياتنا هذه والله لأقل من الرحم، والآن الملاحدة والكفار لا يؤمنون إلا بهذا فقط، أي: بالمشاهدات، أما وراء هذا العالم عوالم فلا، فهي خرافات، وبالتالي فالملاحدة لا يؤمنون بعالم السعادة وعالم الشقاء، لا يؤمنون بعرش الرحمن وكرسي السموات، وإنما لا يؤمنون إلا بهذا المحيط الذي يحيط بهم، فهم محصورون فيه، وهي أضيق من الرحم! إذاً: قال: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ [آل عمران:133]؛ لأنه يريد تعالى رحمة بعباده أن يعلمهم، أن يعرفهم؛ حتى يعرفوا ويفهموا ويعلموا.
المتقون هم أهل الجنة وورثتها بحق
قال تعالى: أُعِدَّتْ [آل عمران:133]، أي: هيئت وأحضرت، والإعداد شيء خاص، كإعداد الضيافة للضيف. أُعِدَّتْ [آل عمران:133]، لمن؟ لبني هاشم؟! لبني إسرائيل؟! لبني تميم؟! كل ذلك لا، إنما أعدت للمتقين، فلا يدخل الفاجر، والأمر واضح. إذاً: فعلموا البشرية أن الجنة دار السلام تورث، لكن لا بالنسب ولا بالمصاهرة ولا بالولاء لغير الله تعالى -الإرث أسبابه ثلاثة: إما نسب، وإما صهر، وإما ولاء- وإنما ورثتها معروفون، قال تعالى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63]، وعرف هذا إبراهيم عليه السلام، وسمعناه في ضراعته وبكائه يقول: ربـ وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85]، فالجنة تورث وسبب إرثها التقوى، فاتق الله يا عبد الله، وحافظ على تقواك حتى تلقى مولاك، فأنت من الورثة للجنة، فإن فجرت يا عبد الله فقد خرجت عن طريق الله، وحرمت من هذا الإرث أحببت أم كرهت. أُعِدَّتْ [آل عمران:133]، لمن؟ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، لو قال: لأهل البيت، لبني هاشم، لبني فلان أو علان لتململ البشر، إذ المتقي ليس بيض الوجوه أو سمرها أو حمرها أو سودها، أو قصار الأبدان أو طولها، أو أغنياء الناس أو فقرائهم، اترك هذا كله ولا تلتفت إليه، وإنما فقط: هل هو تقي أو فاجر؟ والسر في أن التقوى هي التي تورث الجنة: أن التقوى تزكي النفس وتطهرها، والله قد أصدر حكمه فقال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]، أي: طيبها وطهرها، وكيفية ذلك أن التقوى حقيقتها خوف من الله تعالى يحمل الخائف على أن يمتثل أوامر الله، فيفعل ما يفعل ويعتقد ما يعتقد ويقول ما يقول، فهذه هي التي تزكي النفس، أيضاً خاف من الله فترك معاصيه، فلم يقارف الذنوب التي تلطخ النفس وتعفنها، وإن زلت قدمه يوماً تاب وصقلها وصفاها وحافظ على ذلك، وعند ذلك أصبح الوارث بحق.وبالتالي فالمتقي عبد خاف من عذاب الله وغضبه وسخطه فأطاعه، وفعل ما أمره أن يفعله، وقال ما أمر أن يقوله، واعتقد ما أراد أن يعتقده، وذلك الاعتقاد والقول والفعل هي والله بمثابة الماء والصابون لتزكية النفس وتطهيرها، فإذا أضاف إلى ذلك اجتناب ما حرم الله من اعتقاد وقول وعمل، فقد احتفظ إذاً بالطهارة والزكاة، أما إذا صلى وسرق، صام وزنا، فهو يوجد له زكاة ثم يلطخها، فلو مات قبل التوبة هلك، إذ إن فعل المأمورات عبارة عن أدوات تزكية وتطهير، واجتناب المنهيات والبعد عنها معناه المحافظة على تلك الزكاة والطهر والصفاء حتى لا يلوث ويفسد.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #363  
قديم 07-12-2020, 11:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (الذين ينفقون في السراء والضراء...)
قال تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134]، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ [آل عمران:134]، والسَّرَّاءِ -بالسين والراء مهموز-: حالة السرور، أي: ما يدخل السرور والفرح على النفس، وَالضَّرَّاءِ: ما يدخل الضرر على النفس، ولكل منها صور، فمن السراء: الغنى، ومن الضراء: الفقر، ومن السراء: العافية، ومن الضراء: البلوى، حتى قال بعضهم: السراء: الفرح أو العرس، والضراء: الحبس، وعلى كلٍ كلُ ما يدخل السرور على النفس البشرية فهو سراء، وكل ما يدخل الضر أو الأذى على النفس فهو ضراء، لكن قوله عز وجل: يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ [آل عمران:134]، أي: في حال الغنى وفي حال الفقر، وهذه الطبقة ممتازة، فهم ينفقون على كل حال، سواء كان المال متوفراً أو كان غير متوفر، فإذا دعا الداعي ووجبت النفقة ينفق بقدر الحاجة والمستطاع، وهذه يا معاشر المستمعين! نعوت وصفات الوارثين للجنة من المتقين، إذ إن قوله: (للمتقين) مجملة، فتأملوا هذه الصفات:أولاً: يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ [آل عمران:134]، أي: الإنفاق في حال السراء والضراء، وهذه أمكم والله تصدقت يوماً بحبة عنب، هذا العنب الذي ترمونه في المزابل، إذ إنه كان قوتها يوم ذاك، فأخذت الحبة وقالت لخادمها: أعطها لهذا السائل.إذاً: فذو الألف ينفق من ألفه بحسبها، وذوا الريال ينفق بحسب رياله، وهذا شأن المتقين الخائفين، فهم ينفقون في السراء والضراء.ثانياً: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران:134]، والكظم: الحبس، يقال: كظم يكظم، إذا حبس الماء في القربة أو أغلقها، والغيظ: ما يغيظك ويؤلمك، فالمؤمن المتقي الوارث إذا ناله من أخيه شيء آلمه، كأن سبه أو شتمه أو عيره أو أهانه أو تكبر عليه أو لطمه، فإنه لقوة إيمانه وصلته بربه يكظم ذلك الغيظ ولا يظهر منه شيئاً، فيبقيه كله في قلبه، فلا يرد السب بأخرى، ولا الشتم بشتم، ولا يظهر بوجه متغير، بل ما يظهر ذلك الغيظ أبداً، وإنما يكظمه ويحبسه كأنما ربط الماء في القربة أو حبسها بالخيط أو بالعصام، فهل نجرب ذلك؟ امش واركض برجلك أحد إخوانك، وتأمل في وجهه ستجد أنه تغير، بل قد يقول لك: مالك، هل أنت أعمى؟! آه! إن هذه النعوت الكمالية لن نصل إليها إلا بالتربية الحقيقة، فكظم الغيظ ألا يُظهر كلمة تؤذي أو تسيء إلى من آذه، بل وألا ظهر ذلك حتى على وجهه.ثالثاً: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران:134]، وأما العفو شيء آخر، فإذا آذاه بأن ضربه أو أخذ ماله، فإنه يعفو عنه ولا يؤاخذه، ولفظ: (الناس) يشمل حتى الكفار؛ لأنه ما قال: (والعافين عن المؤمنين)، فهو لكماله ولقوة صلته بربه، ولشعوره بأنه وارث دار السلام، إذا آذاه مؤمن أو غيره فإنه يعفو عنه ويصفح ويتجاوز.وقد يقول قائل: إن شباب أو أبناء حينا يستهزئون بلحانا ويسخرون منا، وآباؤهم وإخوانهم واقفون كالجبال، ولا يتألمون لذلك، بل ولا يؤدبون أبنائهم وإخوانهم؛ لأنه ليس في قلوبهم روح الإيمان، فأقول: وهذا من العفو إن عفيتم عنهم. ثم قال تعالى: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] فلأنهم محسنون أحبهم الله، وفوق ذلك هذه صفة أخرى، فيا أهل الإحسان! اعلموا أن الله يحب المحسنين فأبشروا، و(الإحسان) لفظ عام يتناول الإحسان إلى إخوانك فلا إساءة، ويتناول تجويد وإتقان العمل الذي تقوم به، فإن كنت خياطاً للثياب أحسن الخياطة، وإن كنت طاهياً للطعام أحسن طهي الطعام، وإن كنت نجاراً أحسن نجارتك، فكيف إذا كنت تعبد الله وتسيء إلى هذه العبادة وتفقدها نورها وما تنتجه من الصلاح للنفس والطهر؟! فإذا توضأت فأحسن الوضوء، وإذا صليت فأحسن الصلاة، وإذا حجيت أو اعتمرت فكذلك، وحسبنا أن يعلمنا ربنا أنه يحب المحسنين، إذ ما ليس هناك جملة ترغبنا في الطاعة كهذه، فهل تريد أن يحبك الله؟ أحسن فإن الله يحب المحسنين، أحسن إلى الفقراء والمساكين والجيران والإخوان والأباعد والأقارب، أحسن صنعتك ومهنتك وعملك، أحسن قبل ذلك عبادتك حتى تولِّد لك الطاقة الكافية والنور الذي يزكي نفسك ويطهرها. وهذه التعاليم كان لها أثر في أصحاب رسول الله، فما اكتحلت عين الوجود بأمة أطهر ولا أكمل ولا أرحم ولا أصفى ولا أتقى من تلك الأمة، أعني: الصحابة وأولادهم وأولاد أولادهم، فهل كان ذلك نتيجة الفلسفات الكاذبة؟! الحضارة المادية؟! إنها نتيجة هذه التعاليم الإلهية، فقد آمنوا وعملوا.وحتى لا يقول قائل: وهذه ماذا تفعل الآن؟ من يعمل بها؟ ما تنتج شيئاً؟ لا، فما زلنا نقول: لو أن أهل البيت، لو أن أهل القرية، لو أن أهل المدينة يجتمعون بصدق كل ليلة لتعلم الحكمة والكتاب، والله لظهرت آثار هذه الأنوار القرآنية، ولتجلى ذلك في نسائهم وأطفالهم ورجالهم، ووالله ما سخروا من لحيتك، ولكنهم أموات غير أحياء وما يشعرون.
تفسير قوله تعالى: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم...)
قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135]، ما زال السياق يوضح الطريق أيها السالكون، قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [آل عمران:135]، والفاحشة: الخصلة القبيحة الشديدة القبح، إذ الفحش معناه: القبح الزائد، ولا بأس أن نفهم فهماً عاماً:فأول فاحشة هي: اللواط، إذ قال تعالى عن قوم لوط: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ [الأعراف:80]، أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ [العنكبوت:29].والفاحشة الثانية: الزنا، إذ قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32].ثم كل خصلة قبيحة فاحشة، فلو الآن يقوم أحدكم وينفعل، ويأخذ يسب الشيخ ويلعنه، فهذه فاحشة قبيحة، لو فعلها في الشارع فقبحها أقل، لكن بين المؤمنين في مجلس العلم فاحشة قبيحة، إذاً فكل خصلة قبيحة فاحشة، إلا أن أفحش الفواحش: جريمة اللواط وجريمة الزنا، وبعد ذلك الذي يسب أمه أو أباه من أقبح الفواحش، وهل تذكرون ما سمعتموه؟ وهو أن العرب في ديارهم هذه ما كانوا يسمعون بفاحشة اللواط، ولا يخطر ببالهم هذا، كما تشاهدون الحيوانات، هل الذكر ينزو على الذكر من الحيوانات؟ لا، ولذا كانت أول فاحشة لواط وقعت على عهد عمر أو أبي بكر في البحرين، وذلك أن أعجمياً فعل الفاحشة بأعجمي، ورفعت القضية إلى الوالي واحتاروا في تطبيق الحكم، فقال علي رضي الله عنه-هو من أعلم أصحاب رسول الله-: يُرمى من أعلى جبل ثم يتبع بالحجارة، أي: نعمل به كما عمل الله بقوم لوط، ثم بعد ذلك أفتى العلماء بقتله، سواء بالحجارة أو غيرها.والشاهد: أن الخليفة عبد الملك بن مروان قام خطيباً في الناس فقال: أقسم بالله على أنه لولا أن الله تعالى أخبرنا في كتابه عن قوم لوط، ما كان يخطر ببالنا أن الذكر ينزو على الذكر!لكن لما هبطت هذه الأمة هبط كل شيء، والحمد لله نسبة هذه الفاحشة في بلاد المسلمين أقل بكثير، وتوجد أندية للواط في باريس، في أوروبا، فإذا فعل عبد الله فاحشة-هذا الوارث للجنة-أو خصلة قبيحة، أو ظلم نفسه بأن ترك واجباً، فإنه على الفور يعلن استغفاره وتوبته، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [آل عمران:135]، فأولاً: ذَكَرُوا اللَّهَ [آل عمران:135] بقلوبهم، ولما يذكرون الله ربهم وهو مطلع عليهم، ويذكرون أمره ونهيه، يفزعون إلى الاستغفار فيستغفرون الله، وهذه هي التوبة، أي: أن يقلع العبد فوراً عن الذنب، وأن يعلن عن توبته بكلمة: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، ويواصل الاستغفار وكله عزم على ألا يعود أبداً إلى ذلك الذنب كما لا يعود اللبن في الضرع، فإذا حلبت من الشاة لبناً، فهل يمكنك أن ترجعه إلى الضرع؟! لا ينفع ولو بإبرة، فكذلك توبة العبد الصالح إذا زلت القدم وخرَّ على المعصية، ثم استفاق فذكر الله وتاب، لن يعود إلى ذلك الذنب ولو صُلب أو حُرِّق أو قُتِل، وتلكم هي التوبة النصوح.قال: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ [آل عمران:135]، الذي أمر ونهى، الذي رغب وحبب، الذي نهى وخوف وهدد، فهذا الذكر هو الذي يبعث: كيف أعصي ربي؟ ثم بعد ذكر الله يستغفر الله، قال تعالى: فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [آل عمران:135]، التي قارفوها، وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:135]، فهل هناك أحد يستطيع أن يطلع على نفسك ويزيل عنها الأثر؟ وهل يمكنك أن تلمس روحك أو تعطيها للطبيب ليلمسها أو ترى الظلم فيها وتمسحه منها؟ لا، إذاً فالذي يغفر الذنوب هو الله فقط، ولذا فليستغفر العبد ربه، وليطرح بين يديه، وليبكى بين يديه؛ حتى يعفو ويصفح ويزيل الأثر من النفس ويطهرها. وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا [آل عمران:135]، وهذه صفة كمال أيضاً، وهي عدم الإصرار على الذنب، ومن هذا حاله فإنه قريب سيصل إلى الجنة، فإن تعثر أو وقع فلا يحزن ولا يغتم، وإنما يواصل طريقه إلى الجنة، ومثله من أراد مكة أو غيرها من البلدان، فمشى إليها تسع ليال أو عشر، وقارب الوصول، ثم سقط ووقع، كأن انكسرت رجله، فلا شك أنه سيواصل الطريق حتى يصل إلى هدفه.إذاً: إذا زلت قدم العبد فقال قولاً سيئاً أو فعل جريمة فلا يصر، وإنما على الفور يعلن عن توبته بالاستغفار والندم ويواصل حتى يصل إلى دار السلام، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135]، أن الإصرار معوِّق، وهم يعلمون أن التوبة واجبة، وأنها تمحو الذنب وتزيل الأثر.
تفسير قوله تعالى: (أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار ...)
قال تعالى: أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:136]، فمن مدح هذا الخير؟ إنه الله، ونعم الأجر الجنة، أجر العاملين لا الكسالى والبطالين، العاملين من صيام بالنهار، وقيام بليل، ورباط في الثغور، وجهاد وصراع في بلاد الكفار المجرمين. أُوْلَئِكَ [آل عمران:136] أي: السامون الأعلون، جزاؤهم -أولاً- مَغْفِرَةٌ من ربهم؛ لأنه لن تدخل الجنة إلا إذا طِبت وطهُرت، ولم يبق عليك ذنب أبداً.ثانياً من الجزاء لهم: وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [آل عمران:136]، كم الجنات؟ أقل ما يعطى أحدكم معاشر المؤمنين! مثل الدنيا عشر مرات، والجنة سميت جنة لأن من دخل تحت أشجارها غطته وجنته، وهذه الجنة قد وصفها خالقها، ووصفها الرائد الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، إذ أسري به من مكة إلى بيت المقدس، وعرج به والله إلى الجنة دار السلام، ومن كذب فقد كفر، والله يقول: وَلَقَدْ رَآهُ [النجم:13]، أي: جبريل، نَزْلَةً أُخْرَى [النجم:13]، أي: مرة أخرى، أين؟ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:14-18]، أي: الجنة، كما أنه رأى حوراء لـعمر بن الخطاب ، وخاف من غضب عمر فلم يلتفت إليها وغض بصره، وذكر ذلك لـعمر ، فقال: أعليك أغار يا رسول الله؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( علمت غيرتك يا عمر )، فاللهم اجعلنا منهم، اللهم آمين.وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #364  
قديم 07-12-2020, 11:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (54)
الحلقة (195)

تفسير سورة آل عمران (59)


إن العبد المؤمن منتهى ما يؤمله وجل ما تهفو إليه نفسه أن يدخل في رحمة الله عز وجل في الدنيا والآخرة، وأن يستحق جنته ورضوانه، وقد دل الله عز وجل عباده المؤمنين على الطريق الموصلة إلى ذلك، ألا وهي تقوى الله عز وجل، والتي تحصل بفعل ما أمر الله به والتزامه، وترك ما نهى الله عنه، والمسارعة إلى التوبة عند الوقوع في شيء منها.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات في أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذالكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فاللهم يا ولينا حقق رجاءنا إنه لا ولي لنا سواك.وها نحن مع سورة آل عمران، ومع الآيات الخمس التي تدارسنها بالأمس، نعيد تلاوتها تذكيراً للناسين، ثم نأخذ في شرحها مرة أخرى كما هو في كتاب التفسير، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:133-136].
شرح الكلمات
قال المؤلف غفر الله لنا وله: [ شرح الكلمات:قوله: وَسَارِعُوا [آل عمران:133]، المسارعة إلى الشيء: المبادرة إليه بدون توانٍ ولا تراخ. إِلَى مَغْفِرَةٍ [آل عمران:133]، المغفرة: ستر الذنوب وعدم المؤاخذة بها] أي: تغطيتها [والمراد هنا: المسارعة إلى التوبة بترك الذنوب وكثرة الاستغفار، وفي الحديث: ( ما من رجل -أو امرأة- يذنب ذنباً ثم يتوضأ ثم يصلي ويستغفر الله إلا غفر له ) ]. فقوله: (ما من رجل)، والمرأة كالرجل، وإنما الشارع الحكيم لا يعرض بذكر النساء بين الفحول، وإلا فالحكم واحد. [ وقوله: وَجَنَّةٍ [آل عمران:133]، الجنة دار النعيم فوق السموات -السبع- والمسارعة إليها تكون بالإكثار من الصالحات ]، وهي اعتقادات وأقوال وأفعال.[ قوله: أُعِدَّتْ [آل عمران:133]: هيئت وأحضرت، فهي موجودة الآن مهيأة ]، وحسبنا زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لها منذ ألف وأربعمائة سنة، حيث وطئ الجنة بقدميه الشريفتين، ورأى حورها وقصورها وأنهارها، فرأى نهره الكوثر عليه الصلاة والسلام، ووصفه بأن ريحه أذكى من المسك الأذفر، وماءه أبرد من مائنا المثلج، وأبيض من اللبن، وأحلى من العسل، كما رأى أو شاهد في الجنة حوراء لـعمر فغض بصره وذكر غيرة عمر، فاعتذر عمر وقال: أعنك أغار يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!ثم إنه بمجرد ما تخرج الروح يُعرج بها إلى الملكوت الأعلى، إلى الجنة، ويدون اسمها في كتاب عليين، ثم تعود للفتنة والامتحان في القبر، وتنجح وتعود إلى دار السلام، فتأوي إلى قناديل معلقة في العرش، ثم إذا جاء البعث الآخر، وخلق الله الأجسام، تُرسل تلك الأرواح فتدخل كل روح في جسمها، ولا يمكن أن يشتبه عليها أبداً. [ قوله: لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]: المتقون هم الذين اتقوا الله تعالى فلم يعصوه بترك واجب ولا بفعل محرم، وإن حدث منهم ذنب تابوا منه فوراً.وقوله: فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ [آل عمران:134]، السراء: الحال المسرة، وهي اليسر والغنى، والضراء: الحال المضرة وهي الفقر ]، والمرض والبلاء.[ وقوله: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران:134]، كظم الغيظ: حبسه، والغيظ: ألم نفسي يحدث إذا أوذي المرء في بدنه أو عرضه أو ماله، وحبس الغيظ: عدم إظهاره على الجوارح بسبٍ أو ضرب ونحوهما للتشفي والانتقام ]، وهذه الصفة ممتازة وأشرف الصفات، فاللهم اجعلنا منهم، فاصدقوه يجعلكم منهم.[ وقوله: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران:134]، العفو: عدم المؤاخذة للمسيء مع القدرة على ذلك]، أما إذا كنت عاجزاً عن مؤاخذته وما آخذته فلست من أهل هذه الصفة، كأن حكم له القاضي بكذا فتنازل عنه، وهو يقدر على أن يرد الكلمة بأبشع منها، أو الضربة بأخرى، لكن يقول: عفونا لله مع قدرتنا على ذلك.[ قوله: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134]، المحسنون: هم الذين يُبرون ولا يسيئون في قول أو عمل ]، أي: وصْفهم البرور ولا يسيئون في قول ولا عمل.[ قوله: فَاحِشَةً [آل عمران:135]، الفاحشة: الفعلة القبيحة الشديدة القبح؛ كالزنا وكبائر الذنوب.وقوله: أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [آل عمران:135] بترك واجب أو فعل محرم فدنسوها بذلك، فكان هذا ظلماً لها.وقوله: وَلَمْ يُصِرُّوا [آل عمران:135]، أي: يسارعون إلى التوبة؛ لأن الإِصرار هو الشد على الشيء والربط عليه، مأخوذ من الصر، والصرة معروفة. وقوله: وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135]، أي: أنهم مخالفون للشرع بتركهم ما أوجب، أو بفعلهم ما حرم ]، فهم يعلمون أنها مخالفة أو معصية وذنب.[ قوله: وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:136] الذي هو الجنة ] دار السلام. فهذه هي مفردات الآيات، وقد فهمنا هذا بالأمس، ولكن ما تكرر ازداد يقيناً عند صاحبه.
معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ معنى الآيات:
ترك المعاصي والذنوب سبب لحصول رحمة الله في الدنيا والآخرة
لما نادى الله تعالى المؤمنين ناهياً لهم عن أكل الربا، آمراً لهم بتقواه عز وجل، وباتقاء النار وذلك بترك الربا وترك سائر المعاصي الموجبة لعذاب الله تعالى، ودعاهم إلى طاعته وطاعة رسوله؛ كي يُرحموا في دنياهم وأخراهم ]، وهذا قد تقدم في الآيات السابقة وهي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:130-132]، ثم هنا ناداهم بقوله: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133] الآية.قال: [ أمرهم بالمسارعة إلى شيئين: الأول: مغفرة ذنوبهم، وذلك بالتوبة النصوح ]، والتوبة النصوح: هي التي لا يعود صاحبها إلى الذنب كما لا يعود اللبن إلى الضرع، فإذا حلبنا من شاتنا أو بقرتنا أو ناقتنا لبناً فهل في الإمكان أن نرده إلى ضرعها؟! مستحيل، فكذلك التوبة النصوح، فإذا تاب عبد الله أو أمة الله من كبيرة من كبائر الذنوب لن يعود إليها أبداً، والله هو الذي انتدبنا لهذا بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8] فوصف التوبة بالنصح. [ والثاني: دخول الجنة التي وصفها لهم، وقال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، أي: أحضرت وهيئت للمتقين، والمسارعة إلى الجنة هي المسارعة إلى موجبات دخولها، وهي الإيمان والعمل الصالح، إذ بهما تزكو الروح وتطيب فتكون أهلاً لدخول الجنة ].إذاً: ندبنا الله للمسارعة إلى شيئين: الأول: التوبة النصوح، والثاني: دخول الجنة؛ لأن من تاب بقيت نفسه طاهرة زكية مشرقة، فإذا لفظ ألفاظه الأخيرة خرجت نفسه والله إلى الجنة دار السلام، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]. ].مرة أخرى: قال ربنا عز وجل وهو يخاطبنا: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، الذين صفاتهم كذا وكذا، فهيا نسارع إلى مغفرة ذنوبنا بالتوبة النصوح، ومتى تبنا غُفرت ذنوبنا، ثم المسارعة إلى الجنة بالإيمان والعمل الصالح، إذ هما سلم الرقي إلى دار السلام، فمن آمن وعمل صالحاً زكت نفسه وطابت طهرت، وبالتالي من يردها أو يصدها عن دخول الجنة؟! [ هذا ما تضمنته الآية الأولى ].

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #365  
قديم 07-12-2020, 11:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

صفات المتقين الذين أعدت لهم الجنة دار السلام
قال: [ وأما الآيتان الثانية والثالثة فقد تضمنتا صفات المتقين الذين أعدت لهم الجنة دار السلام ]، أي: تضمنت الآيتان بعد الأولى صفات المتقين الوارثين لدار السلام، إذ الجنة لها ورثة هم المتقون، فلا يحل أن تقول: بنو فلان أو بنو فلان، أو أصحاب كذا أو كذا، بل كلمة واحدة ما ننساها وهي: إن ورثة الجنة هم المتقون، والمحرومون هم الفاجرون، إذ لا حق ولا نصيب لهم فيها أبداً؛ لأن الجنة موروثة وورثتها المتقون، وتذكرون إبراهيم لما سأل الله فقال: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85]، وقال تعالى في آية أخرى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63].إذاً: المتقون هم الوارثون للجنة، لا لأنهم بيض أو سود أو أغنياء أو فقراء أو عاصروا الأنبياء والمرسلين، وإنما هم قوم زكت نفوسهم بفعل المأمورات والمحافظة على زكاتها بترك المحرمات، فيأتي ملك الموت وأعوانه والروح مشرقة طيبة طاهرة، غير ملوثة بالشرك ولا بالكفر ولا بكبائر الذنوب، فتدخل هذه الروح الزكية الطاهرة الجنة دار السلام. قال: [ فقد تضمنتا صفات المتقين الذين أعدت لهم الجنة دار السلام، فقوله تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ [آل عمران:134]، هذا وصف لهم بكثرة الإنفاق في سبيل الله ]، لا في سبيل الوطن، ولا رياءً، ولا سمعة، ولا مباهاة، ولا مفاخرة، ولكن في سبيل الله، وسبيل الله كل ما يوصلك إلى رضا الله، إذ كل ما يصل بك إلى رضا الله ليرضى عنك فهو سبيل الله، وبالتالي فالإنفاق على الفقراء، على المساكين، على المحتاجين، على اللاجئين، للإعداد، للجهاد، كله في سبيل الله. قال: [ هذا وصف لهم بكثرة الإنفاق في سبيل الله، وفي كل أحايينهم من غنىً وفقر وعسر ويسر ]، ما هو في وقت معين فقط، بل في الصيف والشتاء والربيع والخريف، في الرخاء والشدة، في اليسر والعسر، في أي الأحوال فهذا شأنهم دائماً. [ وقوله: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران:134]، وصف لهم بالحلم والكرم النفسي ]، والحليم لا يرد السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، فإن شتمه أو سبه أحد فلا يرد السب بالسب، وإنما يقول: عفا الله عنك، سامحناك، جزاك الله خيراً. [ وقوله: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران:134]، وصف لهم بالصفح والتجاوز عن زلات الآخرين تكرماً، وفعلهم هذا إحسان ظاهر، ومن هنا بشروا بحب الله تعالى لهم، فقال تعالى: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] ]، ولفظ (الإحسان) عام، وإن كان هنا إحسان إلى إخوانهم بعدم الإساءة إليهم، والإحسان أيضاً هو إتقان العمل وتجويده والإتيان به على الوجه المطلوب، وذلك من شأنه أن يزكي النفس ويطهرها، فإذا زكت النفس وطهرت أحبها الله؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، والله يحب التوابين ويحب المتطهرين، أما الخبث فلا يحبه الله. [ كما هو تشجيع على الإحسان وملازمته في القول والعمل ]. فقوله: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134]، إعلان عن حب الله لهم، وفي هذا تشجيع للناس على أن يواصلوا الإحسان ولا يتخلوا عنه أبداً. [ وقوله: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ [آل عمران:135] ]، أي: ذكروا الله أنه حرم هذا، أو أبغض هذا، أو منع هذا، أو توعد بهذا، فذكروا أمر ونهيه، وعلى الفور -بالفاء- فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [آل عمران:135].قال: [ وصف لهم بملازمة ذكر الله وعدم الغفلة، ولذا إذا فعلوا فاحشة -ذنباً كبيراً- أو ظلموا أنفسهم بذنب دون الفاحش ذكروا وعيد الله تعالى، ونهيه عما فعلوا، فبادروا إلى التوبة -فقال في بيانها مذكراً للناسين- وهي الإقلاع عن الذنب، والندم عن الفعل، والعزم على عدم العودة إليه، واستغفار الله تعالى منه ]، إذاً: التوبة: الإقلاع، أتعرفون معنى قولنا: أقلعت السفينة؟ فكذلك أقلع عن الذنب، أي: انفصل عنه وتركه، كأن يكون في يده السيجارة فيرميها إلى الأرض، أو في يده خاتم ذهب فيرمي به كما فعل أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.وقوله: (والندم على الفعل)، وذلك أن العبد المقصر يقول يوم القيامة: آه! يا ليتني لم أمش في هذا الطريق، ولا جالست فلاناً، ولا فعلت كذا وكذا مع فلان.وقوله: (والعزم -الباطن- على عدم العودة إليه) كيف ما كانت الأحوال، فهذه هي التوبة، وأما الاستغفار ما ننساه، وأذكركم بأن هناك من عباد الله من أهل التوبة يستغفرون الله كلما ذكروا ذنباً قارفوه ولو من سبعين سنة، إذ قال تعالى في سورة ق مخاطباً أهل الجنة: هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:32-35]. فقوله تعالى: لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ [ق:32]، الأواب: الرجاع، كلما زلت قدمه رجع إلى ربه، فلا يبيت ولا يقضي ساعة ولا دقيقة على ذنب، والحفيظ الذي لا ينسى ذنبه أبداً، فيذكر أنه فعل ذنباً عام كذا، ما أن يذكره حتى يقول: أستغفر الله، وقد تذرف عيناه الدموع، لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ [ق:32-33]، قلبه دائماً يرجع إلى الله، فلا يغفل لحظة أبداً.وقوله: (واستغفار الله تعالى منه)، أي: يقولون: أستغفر الله، أستغفر الله، غفرانك اللهم، رب اغفر لي، كل هذه الصيغ متلونة، فمرة يقول: أستغفر الله، ومرة يقول: غفرانك، ومرة يقول: رب اغفر لي، وقد كان الصحابة يعدون لرسول الله في الجلسة الواحدة: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم، مائة مرة، فهذا عبد الله بن عمر -الذكي- يقول: ( كنا نجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدثنا ويعلمنا ويقص علينا، ولكن من اللحظة إلى اللحظة يقول: رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم، فنعد له هذا القول مائة مرة )، وأنتم على الأقل قولوه مائة مرة في أربع وعشرين ساعة، أو فيه صعوبة؟! قال: [ وقوله تعالى: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135] ]، أي: علموا أن من تاب تاب الله عليه، وهذه من عقائدنا وأخلاقنا وآدابنا، ونحن موقنون بذلك ولا نتردد فيه، فقوله: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135]، أي: من قبل أن من تاب تاب الله عليه، إذ كيف يصر إذاً؟! لو كانوا لا يعلمون أن من تاب تاب الله عليه، فإن العاصي سيقول: ما دمت أني هالك إذاً أبقى في ذنوبي ومعاصيَّ، لكن لعلمهم السابق أن من تاب تاب الله عليه، هذه الحال تجعلهم يتوبون ولا يترددون في ذلك أبداً، وهكذا روي عن مجاهد، ولا يتنافى مع ما فسرنا به الآية، وورد أيضاً: ( ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة )، إذاً: الاستغفار وهو كلمة: أستغفر الله وأتوب إليه، لو فرضنا أن شخصاً كلما استغفر وسكت أذنب ذنباً، ثم زاد فاستغفر ولو سبعين مرة، ما ضره ذلك، وهذا من باب الفرض، وإلا لا يعقل أن يوجد من يذنب في اليوم سبعين مرة ويتوب سبعين مرة! لكن إن فرضنا هذا.والشاهد في قوله تعالى: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135]: أن من تاب تاب الله عليه، وهذا الذي جعلهم يتوبون ولا يصرون أبداً، أما لو كانوا لا يعلمون أن من يتوب يتوب الله عليه، عند ذلك يقولون: إذاً هلكنا، ولنواصل ذنوبنا، لكن علمهم بأن من تاب تاب الله عليه جعلهم لا يصرون على الذنب أبداً، وإنما يتركونه ويتخلون عنه بمجرد أن يذكروا. [ وقوله تعالى: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135]، وصف لهم بعدم الإصرار، أي: المواظبة على الذنب وعدم تركه وهم يعلمون أنه ذنب ناتج عن تركهم لواجب أو عن فعلهم لحرام.
بيان جزاء من آمن واتقى
وأما الآية الرابعة فقد تضمنت بيان جزائهم على إيمانهم وعلى تقواهم وعلى ما اتصفوا به من كمالات نفسية وطهارة روحية، ألا وهو مغفرة ذنوبهم كل ذنوبهم، وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، ومدح المنان -وهو الله؛ إذ من صفات الله وأسمائه المنان- ما جازاهم به من المغفرة والخلود في الجنة ذات النعيم المقيم، فقال: وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:136] ]، أي: ونعم ذلك الأجر مغفرة ذنوبهم وإدخالهم الجنة، لا الكسالى ولا البطالين الذين لا يعملون، فسبحان الله! قال: أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:136]، فانتبه واعمل يا عبد الله ويا أمة الله الليل والنهار، فالدار دار عمل، ولا تسألن الأجر والجزاء اليوم، فإنك إن عُمِّرت يا عبد الله أو يا أمة الله سبعين سنة، تعاني الفقر والمرض والآلام، وأنت تصوم وتقوم الليل وتذكر الله ليلاً ونهاراً، فإن جزاء صلاتك وصيامك وصبرك أمامك في الدار الآخرة، وفي المقابل تجد الرجل فاجراً ساخطاً فاسقاً، وهو صحيح البنية، قوي الذات، الأكل والطعام متوفر لديه، فأين جزاء كفره وظلمه؟ الجزاء هناك، وهل هناك آية تدل على هذا؟ نعم، يقول تعالى في خاتمة هذه السورة: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، هل هناك من يعترض أو يعقب أو يقول: إلا نفس فرعون، إلا نفس لينين زعيم الاشتراكية؟! الكل ماتوا، فهل هناك من ينقض هذا الحكم؟! كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]، ما معنى: توفون أجوركم؟ أي: مقابل أعمالكم، فيا أيتها النفس اعملي ولا تطالبي بالأجر اليوم؛ لأن هذه الدار دار عمل لا جزاء، فهل يستطيع العمال أن يشتغلوا ساعتين أو سبعة أيام من الشهر ثم يقولون: تركنا العمل، أعطنا أجر عملنا يا رب العمل؟! هل يعطيهم أجورهم أو يقول لهم: نهاية الشهر؟ نهاية الشهر، وكذلك إذا كانت معاومة، أي: أن استلام الأجر يكون في نهاية العام، وهذه طبيعة البشر، فكذلك البشرية كلها تعمل هنا والجزاء هناك في الدار الآخرة، وقد بين تعالى ذلك فقال: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185]. ولا ننسى أن العاملين للصالحات ينالهم حسن وبركة أعمالهم الصالحة، لكن والله ما هو الجزاء، وأن أهل الفجور والظلم والشر ينالهم شؤم معاصيهم، لكن والله ما هو الجزاء، إذ الدار هذه ليست دار جزاء أبداً، وإنما هي دار عمل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ).وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #366  
قديم 14-12-2020, 04:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (55)
الحلقة (196)

تفسير سورة آل عمران (6)


الدنيا يهبها الله لمن يحب ولمن لا يحب، وما هي إلا متاع زائل عما قليل يتركه العبد وينتقل إلى الحياة الأبدية في الآخرة، التي أعد الله فيها لعباده المؤمنين جنات تجري من تحتها الأنهار، وأعد لهم فيها أزواجاً مطهرة، وأحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبداً، فيتحقق لهم بذلك النعيم الذي ليس فوقه نعيم.
تفسير قوله تعالى: (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن يحقق الله تعالى لنا ذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا هذا الرجاء؛ إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الثلاث، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ [آل عمران:15-17].وهذه الآيات من سورة آل عمران، فهل تعرفون عن هذه السورة شيئاً؟الجواب: عرفنا أنها مدنية، ومرحباً بالمدنيات والمكيات، وعلمنا أن المكيات تعالج العقيدة، تؤهل العبد الصالح لأن يتحمل رسالة الله ويرقى بها إلى الملكوت الأعلى، والمدنيات تحمل الشرائع والأحكام والآداب والعبادات، وكلها أنوار الله.أيضاً: هذه السورة نزلت في وفد نجران الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجادلوه في شأن عيسى عليه السلام، وفيهم نزلت نيف وثمانون آية. أيضاً: من عجيب هذه السورة: أن آخرها نزل قبل أولها بكذا سنة.قال الله تعالى: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:15]. قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ [آل عمران:15] هنا أذكركم بكلمة عمر رضي الله عنه -وتعرفون والحمد لله من هو عمر بن الخطاب - لما نزلت الآية التي درسناها فيما مضى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14]، قال عمر : الآن يا رب. ما دمت زينتها لنا الآن. فنزل بعد ذلك كالجواب عليه قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ [آل عمران:15] أي: قل: يا رسولنا: هل أدلكم على خير من ذلكم وهو كذا.. وكذا.. وكذا! وكلمة (خير) بمعنى: أخير، وهو اسم تفضيل، وحذفت الهمزة لكثرته اختصاراً، والعرب إذا تكرر اللفظ في لسانهم يعدلون عن القوانين. وفي هذا إشارة لا بأس بها -وإن لم نقف عليها- وهي: أن هذه المزينات من الحرث والأنعام فيها خير متى استخدمت في طلب رضوان الله عز وجل ورضاه ورحمته؛ فإن استعملت ضد ذلك فكلها شر، ووالله لا خير فيها. فمثلاً: حب الشهوات من المشتهيات من الطعام والشراب، والنكاح، والإركاب، هذه إذا كان المحب لها يستعملها وينتفع بها وهو طالب رضا الله ففيها خير، ولكنها لا تساوي خير دار السلام! أيضاً: البنين.. الأولاد، إذا سأل العبد ربه الولد بنية أن يعبد الله عز وجل ويكون في عداد الصالحين، وتزوج لذلك وربى الولد ونماه على ذلك ففي هذا الولد قطعاً خير، ولكنه لا يعادل خير دار السلام، وإن هو أهمله وأضاعه وطلبه فقط ليشتد ساعده به فيطغى على الناس ويأكل أموالهم ويعتز عليهم، فوالله ما فيه خير أبداً.أيضاً: القناطير المقنطرة من الذهب أو الفضة وكثرة المال إذا أخذ عبد الله أو أمته يجمعه لله، وبسم الله، ومن أجل أن يتقرب به إلى الله، فيتصدق به على الفقراء والمساكين والمحاويج، ويبني به المساجد ويعبد به الطرق، ويقدمه للمجاهدين عتاداً حربياً، ففي هذه الحال فيه خير، ولكنه إذا اكتسبه من الحرام، وهو ينفقه في الحرام، وحمله على الكبر والتعالي على البشر، ومنع الحقوق منه، فوالله إنه لشر كله، وليس فيه خير أبداً.أيضاً: الخيل المسومة، إذا اشتراها عبد الله بنية الجهاد عليها والركوب عليها في الغزو والفتح، لنشر: (لا إله إلا الله) ودعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن العلف الذي يعلفه لها والله محسوب له بحبة الشعير، وإذا كان يمتلك الفرس للمباهاة والخيلاء والفخر بها ولا يغزو عليها ولا يجاهد، فوالله إنها لحمل حطب إلى جنهم، ولا خير فيها بالمرة.أيضاً: الأنعام من الإبل والبقر والغنم - الضأن والماعز- إن أنت اكتسبتها واقتنيتها من أجل أن تسد حاجتك، ومن أجل أن تقضي متطلبات حياتك من كساء أو منزل أو زواج أو كذا وربيتها ونميتها وأديت زكاتها، وتصدقت بشيء من الألبان والزبد، فهذا فيها خير، وإن اشتريتها للمباهاة والعلو والفخر والطغيان، ومنعت حق الله فيها لا زكاة ولا صدقة ولا.. ولا، فهي والله لا خير فيها.أيضاً: الحرث، وهو كل عمل ينتج، فنحن حارثون، والحرث: كل ما تكتسبه من طريق العمل؛ زراعة، صناعة، تربية مواشي، العمل وإن كان يتناول البر والشعير، والذرة وأنواع الحبوب، فهذه مزينة من قبل الخالق لها، زينها للفطرة البشرية، فما من إنسان عاقل إلا ويرغب في الحصول على هذه المذكورات الخمس: حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ [آل عمران:14]، ثم يأتي التعقيب فيقول تعالى: ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:14]، هذا الذي سمعتم يتمتع به في هذه الدار فقط، لا ينتقل منه إلى الدار الآخرة شيء، فهذه الدار محدودة الزمان، معدودة الوقت، نموت بآجالنا، لا نتقدم ولا نتأخر، ولكن مآلنا الفناء والزوال والرحيل منها إلى الدار الآخرة.هذه الشهوات مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:14] فافهموا هذا، فلا يحملنكم هذا المتاع على أن تنسوا الحياة الأبدية الخالدة، فإن كانت دار النعيم فلا تسأل عن أنواع النعيم؛ فإنك تعجز عن تقديره بل وتصوره، وإن كانت دار الشقاء.. دار البوار والهلاك.. النار عالم الشقاء، فلا تسأل عن ذلك الشقاء والبلاء والعذاب الأليم.هذه الآيات الكريمة، يقول تعالى في الختام وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14]، يعلمنا أن عنده حسن المرجع، فيأيها الراجعون! أيها العائدون! إن ربكم عنده حسن المرجع والمآب، فاطلبوه منه، واقرعوا باب الله، سلوه! ‏
معنى قوله تعالى: (للذين اتقوا)
قال تعالى: قُلْ أي: الآن قل يا رسولنا والمبلغ عنا أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ [آل عمران:15] الذي سمعتم، إي والله خير: (بخير من ذلكم) ولكن لبني هاشم؟ للأشراف؟ للأبطال؟ للسادات؟ لمن؟ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا [آل عمران:15]. أنبئكم بخير مما سمعتم، ولكنه: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا [آل عمران:15] كذا الشرط؟ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا [آل عمران:15] من هم الذين اتقوا؟ لا يحصرون في إقليم ولا في جيل، ولا في منطقة، بل كل رجل أو امرأة اتقى عذاب الله عز وجل وجعل بينه وبين عذاب الله وقاية كالحصون والأسوار العالية، وهذه الوقاية لن تكون بالجيوش الجرارة، ولا بالمليارات من الدولارات، ولا بالأنساب والأصحاب، والله لا تكون إلا بطاعة الله ورسوله فقط.إذا أمرك سيدك ومولاك فقل: سمعاً ربي وطاعة، وأقبل على العمل وحاول، فإن عجزت واطرحت، فقل: ربّ إنك لا تكلف نفساً إلا وسعها وقد عجزت عن القيام بهذا الواجب! فمثلاً: مريض يتألم، ما طاق الصوم يرفع حاجته إلى ربه ويضع بين يديه عذره، ويقول: ربّ لقد أحببت ولا أحب لي من الصيام، ولكن كما تراني قد عجزت فاغفر ربّ وارحم وتجاوز عما تعلم!وإذا نهاك سيدك عن عقيدة فاسدة.. عن النظر إلى باطل.. عن قول خاسر، عن عمل سيء فابتعد عنه ما استطعت، اهرب من المنطقة كلها، بل من الإقليم كله حتى تتمكن من طاعة ربك عز وجل! وأما طاعة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فهي من طاعة الله، إذ ما أمر رسول الله بغير ما يأمر الله به، ولا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير ما نهى الله عنه، وهؤلاء المتقون الذين اتقوا سخط الله وغضبه وبالتالي اتقوا عذابه، اتقوه بطاعته وطاعة رسوله. وهنا لطيفة! أذكر بها من لم يبلغهم هذا: والله إن طاعة الله وطاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لا تعدو كونها تؤهلك وتعدك للسعادة والكمال في الدنيا والآخرة، أما الله فهو غني غنىً مطلقاً إذ كان ولم يكن شيء غيره، فلا تفهم أن طاعة الله وطاعة الرسول ضريبة من الضرائب أمرت بها. والله ما في ذلك شيء، فما هي إلا سلم بدرج ترقى بها إلى سعادتك وكمالك، فمن عصى الله ورسوله هبط إلى أن يتمزق.. إلى أن يتلاشى.. إلى أن يصبح من أهل الخسران الأبدي! ومن باب الترغيب وتحريك الضمائر والنفوس تأتي هذه الأساليب القرآنية وإلا فطاعة الله وطاعة رسوله لن تسعد يا ابن آدم ولن تكمل إلا على هذه الطاعة أحببت أم كرهت. ماذا تقولون في طبيب أمامه مريض يقنن له لقمة الطعام بأوقات محددة وكمية لا تزيد ولا تنقص، فيمنعه من كذا وكذا وكذا، ويأمره بأن يفعل كذا وكذا، لأجل ماذا؟ لأجل برئه وشفائه.إذاً: هل هناك من يتهم الطبيب ويقول: لا، هذا يريد أن يضر به. قال: ما تأكل بقلاوة الليلة، ما تشرب العصير، والله له المثل الأعلى: فقط أحببت أن يفهم المؤمن الواعي والمؤمن البصير أن أوامر الله وأوامر رسوله ما هي إلا سلم للكمال والسعادة: أعرضت عن هذه الطاعة هبطت وتمزقت والله العظيم. قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ [آل عمران:15] الذي سمعتم من قوله: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ [آل عمران:14] الآية: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا [آل عمران:15]، اتقوا ماذا؟ اتقوا عذاب الله وسخطه. بماذا يتقونه؟ بالإيمان والعمل الصالح، بترك الشرك والمعاصي، والكلمة الجامعة: بطاعة الله وطاعة رسوله. هل يتقى الله بغير هذا؟ لا والله، فلا سور ولا قبيلة تدفع، ولا حيلة تنفع. اتقوا من؟ اتقوا ربهم. من هو ربهم؟ خالقهم. هل يوجد مخلوق بدون خالق؟ مستحيل! فالذي خلق وصور وأوجد في الأرحام وأخرج من ظلماتها إلى نور هذه الحياة، وأوجد اللبن في ثدي الأم بعد كان دماً قانئاً فأصبح لبناً أبيض مشرقاً وحفظ عليه سمعه وبصره وعقله وبدنه، هذا ربه، هذا سيده، هذا خالقه.
وعد الله للذين اتقوا بجنات تجري من تحتها الأنهار
هؤلاء الذين تقوا ربهم ما لهم؟ وما هو هذا الذي سينبئهم به الرسول وهو خير لهم مما ذكر من الشهوات؟ الجواب: لهم عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [آل عمران:15]، الجنات جمع جنة.. بستان، لكن ما كل بستان يقال فيه جنة، فالجنة والجنان إذا كانت أشجاره قد التفت وأصبحت ملتفة ببعضها البعض، أما شجرة هنا وأخرى هناك والشمس تحرق فليس بجنة هذا. وعدد الجنات لا يحصى، ونحن نعرف عنها واحدة.. الفردوس، فأين توجد هذه الجنات؟ في السماء.فإذا قال قائل: كيف لا تسقط، تبقى النخلة في السماء لا تسقط.. القصور لا تسقط؟ فالجواب: إذا خطر ببالك هذا فقل له: يا عدوي، ارفع رأسك إلى هذا الكوكب النهاري.. إلى الشمس، لِم لا تسقط؟ أحكمته يد أمك هناك؟ لم ما سقط وهو أكبر من الأرض بمليون ونصف المليون مرة؟ أو ما في شمس؟ الكواكب تعد حصى الأودية ولا تعدها فوقنا، فكيف ثبتت؟ بأمر من يقول للشيء كن فيكون.نحن أتباع نبي صلى الله عليه وسلم ارتاد الجنة ووطئها بقدميه الشريفتين، ورآها رأي العين، رأى أنهارها، قصورها، حورها، وتجاوزها، والذي يشك في هذا ميت لا قيمة له.لما قلنا: ما وصلوا القمر، لا الأمريكاني الكذاب، ولا الروسي الساحر، فهذا كذب، ماجت الدنيا وضاقت كيف تقول هذا؟ قلنا لهم: هل آمنوا برائد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم الذي ارتحل من مكة إلى فلسطين في لحظات، ومنها اخترق السبع الطباق إلى الجنة؟ لِم لا يؤمنون ونحن نجري وراءهم ونصفق: وصلوا القمر؟ أي قمر هذا؟ ما قيمته؟والحمد لله، ما مضى نصف قرن حتى كذبوا أنفسهم، فيخرج رائد أمريكي فيقول: والله أكاذيب، ما وصلنا القمر وأنى لنا ذلك، فخافوا وسكتوا، لأنه فضحهم منذ سنة أو سنتين فقط. وأما الجنة فارتادها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، واسمعوا الله الجبار يحلف: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ [النجم:1-5] جبريل عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً [النجم:6-13] مرة أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى [النجم:13-15].عجزت الإنس والجن على أن ينقضوا آية من هذا القرآن، فتاهوا في الأرض حيارى وما استطاعوا. وَلَقَدْ رَآهُ [النجم:13] أي: محمد رأى جبريل، أين؟ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:14-18] هذا كلام الرحمن الرحيم، هذا الذي حوله العدو إلى المقابر والمآتم يقرأ على الموتى.إذاً: أبواب الجنة ثمانية وأما الجنات والله لا يحصيها إلا الله، والدليل أن أقل واحد له جنتان: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]. إذاً: الجنات لا يحصي عددها إلا خالقها، لكن أبواب الجنة ثمانية، لما تدخل تجد قصورك أنت وجناتك، وهل تعرفون أن أهل الجنة ينظر أحدهم إلى قصر أخيه كالكوكب الغابر في السماء يتراءون منازلهم في العلو كما نتراءى الكواكب في السماء، قولوا: آمنا بالله.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #367  
قديم 14-12-2020, 04:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

أوصاف أنهار الجنة
قال: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [آل عمران:15]. كم عدد الأنهار؟ اسمعوا الآية المبينة، قال تعالى من سورة محمد صلى الله عليه وسلم والمعروفة أيضاً بـ(القتال): مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى [محمد:15] كم نهر؟ أربعة أنهار: أنهار كاملة من اللبن، وليس لبن أمي ولا غنمتي، بل لبن دار السلام. وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ [محمد:15] الآن الكيلو بمائة ريال، وهناك أنهار تجري من العسل، فأية نحلة أنتجت هذا؟ لا تسأل! لا يحتاج إلى نحل فهذا يتم بأمر (كن فيكون). وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ [محمد:15]، أظنكم تعرفون الخمر، ومواد تركيبها، هذه الخمر حرمها الله تعالى على هذه الأمة؛لأنها أمة الرسالة، أمة الهداية، أمة الريادة، فلم يسمح لهم أن يتجمعوا على كئوب وكئوس الخمر يشربونها؛ فتذهب عقولهم، ويقولون الباطل، وينطقون بالسوء والهجر والكفر! أئمة البشرية هم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فلهذا حرمها عليهم تحريماً باتاً، والمدمن لها المواظب عليها ليل نهاراً لن يشربها في دار السلام، والله لن يذوقها، مدمن الخمر لا يذوقها في الجنة أبداً.وإن قلت: علل يا شيخ؟ كيف ذلك؟ فأقول: ما أدمن عليها وواظب عليها أربعين أو خمسين عاماً إلا لأنه ما آمن، إيمانه ليس بسليم ولا صحيح، والله لو آمن ما استطاع أن يعاودها أكثر من ثلاث مرات. وإن شئت أن ترقى رقياً آخر فقل: إذا أدخله الله الجنة يصرف قلبه عن الخمر، فلا يسمع بها ولا يراها ولا يحبها، يصرفه عنها صرفاً كاملاً إذ لهم فيها ما تشتهيه أنفسهم، فلا يشتهيها ولا يشربها.
الوضوء مفتاح أبواب الجنة
عندنا جائزة: أبواب الجنة الآن موجودة والله، وهناك كلمات تشبه السحر إذا قلتها تنفتح أبواب الجنة لك الآن وأنت في الأرض، اسمعوا أبا القاسم يقرر هذه الحقيقة فيقول فداه أبي وأمي والعالم أجمع وصلى الله عليه وسلم، يقول: ( من توضأ فأحسن الوضوء ) كما شرعه الله في كتابه وبينه رسوله لأمته (ثم رفع طرفه إلى السماء) والطرف: العين، ومنه: أشارت بطرف العين.. ( وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين إلا فتفتحت له أبواب الجنة الثمانية ). كيف تتفتح؟ ليس هناك في فرق بيننا وبينها، آلياً، أبواب المطارات تفتح لك وأنت مازلت بعيداً.. أبواب السيارات في يده آلة يضغط عليها فينفتح باب السيارة.. هذا مثال يقرب المعنى إلينا . إذاً: بمجرد يا عبد الله! يا ولي الله، يا أمة الله المؤمنة تتوضئين وتحسنين الوضوء وترفعين رأسك إلى السماء وأنت المؤمنة وتشهدين شهادة الحق وتسألين الله الطهر والصفاء.. بمجر ذلك تتفتح أبواب الجنة، ولو كنت أمامها والله لدخلت، لكن بيننا وبينها قرون، وسيأتي ذلك اليوم إن شاء الله!
معنى قوله تعالى: (خالدين فيها)
قال: خَالِدِينَ فِيهَا [آل عمران:15]، فلا يخرجون منها أبداً، لا موت ولا تحول أبداً، فأهل الجنة لا يرغبون أن يتحولون عنها أبداً.عندنا لطيفة! نكررها للزائرين: الذين يقرءون سورة الكهف يوم الجمعة لهم جائزة، يقول تعالى في آخرها: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [الكهف:107-108]، أي: لا يطلبون التحول منها أبداً؛ وذلك لوافر نعيمها.وقلنا: الآن سمعنا الذي يسكن في القاهرة المعزية يقول: آه لو زرت باريس، والذي يسكن باريس يقول: آه لو زرت دمشق.. آه لو زرت موسكو وهكذا.. إلا المؤمنون المتقون المهاجرون في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [الكهف:108]، المؤمن الصادق الإيمان، العارف بربه إذا نزل المدينة ونبت فيها وترعرع والله لو يعرض عليه أن يحكم البلد الفلاني والتاج على رأسه لا يخرج من المدينة؛ لأن بها قطعة من الجنة. تعرفون أين هذه القطعة؟ إنها الروضة؛ لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة )، لهذا الجزء في المدينة المؤمنون الصادقون لا يبغون التحول عنها أبداً. يعرض على المؤمن من أهل المدينة: تعال نجعلك أميراً في الرياض، فيقول: لا.. لا. نسند إليك مهام جدة والمواني كلها. فيقول: لا.. لا، لا نخرج من المدينة إلا إذا كان لأمر صدر رغم أنوفنا، كأمر أمير المؤمنين الجهاد فيجاهد ويرجع.اسمعوا! هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يدعو الله وبنته أم المؤمنين حفصة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم تسمعه فيقول: (اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك وموتاً في بلد رسولك). فتقول: يا أبتاه! كيف هذا؟ الجهاد وراء نهر السند وبالأندلس، وأنت تطلب الموت في المدينة والشهادة؟ كيف تجمع بين الشرق والغرب يعني؟ فيقول لها: اسكتي، فضل الله واسع، ليس شأنك يا حفصة ! واستجاب الله لـعمر، واستشهد في محراب رسول الله، جاء مجوسي منتن عفن مبعوث من قبل الحزب الوطني الإيراني- ليدمر الإسلام وبخاصة عمر نقمة عليه، فهو الذي مزق تاج كسرى ووضعه على رأس سراقة بن مالك بن جعشم - أعطوه التعاليم: أن يقتل عمر وهو يصلي بالمؤمنين، فما إن ركع رضي الله عنه حتى طعنه أبو لؤلؤة المجوسي لعنة الله عليه.والعجيب: لما أغمي عليه رضي الله عنه والدماء تسيل أخذوه فسأل: من القاتل؟ قالوا: أبو لؤلؤة المجوسي. فقال: الله أكبر، الحمد لله، الحمد لله.تحقق طلبه، وجمع الله له بين متباعدات؛ إنه على كل شيء قدير، فكان موته رضي الله عنه شهادة في سبيل الله وموت في بلد رسوله. استجاب الله دعاءه.
المدينة حرام من عائر إلى ثور
عرفتم المدينة أم لا؟ إنها مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، واسمعوا! بياناً رسمياً هذه الليلة وفكروا وسترحلون منها، لا حق لكم في البقاء، اسمعوا! يقول صلى الله عليه وسلم: ( المدينة حرام من عائر إلى ثور )، عائر جبل كالحمار؛ لأن العير هو الحمار في لغة العرب. وثور: جبيل صغير رابض وراء أحد من الشمال، أحد في الحرم وجبل في مكة اسمه ثور أيضاً، والعرب يسمونه لأنه كهيئة الثور.
معنى الإحداث في المدينة
يقول صلى الله عليه وسلم: ( المدينة حرم من عائر إلى ثور، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرفاً ولا عدلاً ). من يتحمل هذه؟ نشرح لكم أم أنكم عالمون؟الذي يؤسس بنكاً ربوياً ويأخذ ويعطي هذا أحدث حدث شر وسوء في مدينة رسول الله! الذي يفتح أستوديو للتصوير في مدينة رسول الله أحدث حدث شر وسوء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يقول: ( لعن الله المصورين ). ويقول: ( إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة: المصورون )! الذي يفتح صالون حلاقة كأنه في لندن أو باريس فيحلق وجوه الرجال ويخنثهم، أحدث حدث شر وسوء في مدينة رسول الله! الذي يورد في الخفاء وبالهمسات الكوكائين والأفيون والحشيشة ويروجها في الخفاء والظلام في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث حدث شر وسوء في مدينة رسول الله! ولا يخرج من هذه اللعنة بل هو أول مستحق لها.والذي يورد السجائر على اختلافها وتنوعها ليشم رسول الله صلى الله عليه وسلم الرائحة الكريهة في مدينته، مدينة الملائكة والنور ويبيع ويوقع المسلمين الغافلين الجهلة في هذه الفتنة العظيمة أحدث حدث شر وسوء في مدينة رسول الله!والذي يأتي ببدعة أو خرافة ينشرها في الخفاء وفي البيوت من البدع التي تتنافى مع السنة والكتاب ويروجها في الخفاء كالطرق الصوفية وما إليها هذا أحدث حدث شر وسوء في مدينة رسول الله! أحدث أبشع حدث يفسد على المؤمنين قلوبهم ويدسي أرواحهم.الذي عند بداية العطلة السنوية يوزع مناشير أيها الأبناء تعالوا إلى المكتب أربعين يوماً في لندن تتخرجون علماء باللغة الإنجليزية فيجمع الشبيبة الغافلة ويرمي بها في أحضان الكفر والمسيحية ويتعلمون الرقص والخنا، وشرب الخمر والباطل ويأتي بهم كالمجانين يكرهوننا في زينا وفي لبسنا، هذا أحدث حدث شر وسوء في مدينة رسول الله! فأي حدث أعظم من هذا؟أشار إلي أحد الصالحين: أن الذي يستورد هذه الدشوش أو الصحون الهوائية وينصبه على بيته ليتفرج بكامل أحاسيسه ومشاعره الساعة والساعتين والأكثر فيشاهد مناظر العهر والباطل والخنا والشر والفساد ويسمع أصوات العواهر والمغنين في مدينة الرسول قد أحدث حدث شر وسوء في مدينة رسول الله! آه! لو كان الرسول حياً، يلعنه لعناً يتمزق فيه ويتشتت.إذاً: (من أحدث فيها حدثاً) ما كان موجوداً عندنا في كتابنا ولا في هدي رسولنا بل أحدثه (أو آوى محدثاً) ساعده وناصره وقواه على أن ينشر هذه البدعة أو ينشر هذا الباطل (فإن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً)، لا فرضاً ولا نفلاً، فالفرائض مردودة والنوافل مردودة.معشر المستمعين والمستمعات! إن شاء الله عرفنا الطريق، فلا نسمع في بيوتنا إلا كلام ربنا، نتملق إلى ربنا، وعندنا إذاعة ربانية لا نظير لها في دنيا البشر، إذاعة القرآن الكريم هذه الإذاعة افتح أبواب أبواقها طول النهار والليل، فلا تسمع امرأة تتكلم ولا تغني، ولا رجلاً يعزف، ولا باطلاً، لا تسمع إلا قال الله.. قال رسوله.. العلم.. الحكمة.. الآداب.. المعرفة.. السياسة السامية الرفيعة. أعرض عن هذه وآتي بإذاعة تغني فيها عاهرة في بيتي؟ أدياثة هذه أم ماذا؟سيقول قائل: يا شيخ لا تلمهم؛ لأنهم ما علموا. إي نعم، لو علموا ما علمتم ما فعلوا، لكن من صرفهم عن العلم؟ لِم لا يحضرون مجالس العلم وهي بالعشرات في الحرمين الشريفين؟ لِم لا يسألون أهل العلم؟ الجواب: لما أصيبوا بما أصيبوا به، ولكن نسأل الله أن يتوب عليهم. اللهم تب عليهم وارحمهم، واغفر لهم يا رب العالمين.
معنى قوله تعالى: (وأزواج مطهرة)
قال تعالى: وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ [آل عمران:15]. الأزواج: جمع زوجة. والزوجة تجمع على زوجات، وهي الزوج. فكيف يكون الرجل زوج المرأة زوج؟ لأن الزوج ضد الواحد، لما تكون أنت يا عبد الله وحدك فلست بزوج، فلما نأتيك بالفتاة إلى جنبك تصبحان زوج، ومن أجل التنزل مع العوام حتى لا يتضايقوا نزيد التاء؛ لأن التاء تؤنث الذكر، عرفتم: زوجة، لكن القرآن لغته راقية. وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ [آل عمران:15] من دم الحيض والنفاس، فنساء الجنة والله لا يلدن ولا يحضن فالحيض دم منتن عفن، فنساء الجنة مطهرات من البول والغائط.وأما الطعام الذي أكلته والماء الذي شربته فيتحول الطعام إلى جشاء والماء إلى عرق والله لأطيب من أطيب مسك في دنيا البشر.وهنا أقص عليكم قصة ألطف بها جوكم؛ لأنكم متألمون من طول الدرس: ركب مسيحي لبناني في سيارة أو قطار مع مسلم سني، فأخذ المسيحي يسخر من السني، فيقول: يقولون: أنتم تؤمنون بالجنة، ونحن نؤمن بها، ولكن الجنة أرواح فقط ليس فيها أبدان -هذا معتقد النصارى الهابطين- وتقولون: إن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون، فكيف تصبح بطونهم؟ مراحيض يعني؟ فألهم الله السني المؤمن وهو ليس بعالم -ولكن وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [الأنعام:83]- فقال له: يا هذا! الغلام عندما يبلغ السادس من الشهور يتغذى أو لا؟ فقال: من الشهر الرابع ونصفه وهو يتغذى وينمو على الغذاء. فقال له: وهل بطن أمه أصبح مرحاضاً؟ أين بول هذا الولد وأين غائطه؟ فألقمه حجر وأسكته. فالغلام بمجرد ما يخرج من بطن أمه يبول، فلم ما بال بالأمس في بطن أمه؟ قولوا: آمنا بالله.إذاً: مُطَهَّرَةٌ [آل عمران:15] من كل ما هو أذى، بول أو غائط أو مخاط.
رضوان الله على عباده أكبر من أي نعيم
قال الله: وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ [آل عمران:15] هذا أكبر! رضا الله أكبر من النعيم كله، وعندنا مثل حي: يا أبا جميل لو تنزل في دار أحد الصالحين، ويقول: ابق عندنا كل واشرب والبس، وهو دائماً غضبان عليك، لا يكلمك ولا ينظر إليك، يتقزز منك، أسألك بالله: ذاك الطعام والشراب يروق لك؟ هل ستشرب بسعادة؟ والله تخرج، تصبر شهرين أو ثلاثة وتقول: مادام يكرهني لا أنزل عنده أبداً.فلهذا نعيم الجنة كله لو فقد رضا الله ما كان شيئاً، ولهذا قال تعالى: وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التوبة:72]، نعم لأن يرضى علي سيدي ولو حرمني الطعام والشراب المهم أن يكون راضياً عني، أما إذا كان ساخطاً ما قيمة الأكل والشرب واللباس؟!
معنى قوله تعالى: (والله بصير بالعباد)
قال: وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:15]، بصير عليم خيبر بالعباد. لم هذه الجملة(وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ )؟ هذا النعيم المقيم لمحمد ورجاله، أم لأهل نجران من النصارى الصليبيين الذين يتبجحون ويقولون: هذا ابن الله ونحن.. ونحن، وغير ذلك من الهراء. إن الله بصير بالعباد، فينزل منازل الأبرار في دار السلام من هم متأهلون لها، ويطرد الآخرين ويرمي بهم في أتون الجحيم. ما هي بالسحر والتدجيل والباطل، تقولون هكذا جزافاً: نحن أولياء الله، فهذا لا ينفع؛ لأن الآيات في وفد نجران وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ الذين هم أهل لهذا النعيم المقيم والذين ليسوا له بأهل فمأواهم الجحيم، شرابهم الحميم، وطعامهم الزقوم.

تفسير قوله تعالى: (الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا...)

قال الله: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:16]. الَّذِينَ يستحقون هذا النعيم يَقُولُونَ رَبَّنَا أي: يا ربنا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:16]، هذه صفة الذين يقولون ربنا إننا آمنا بك وبلقائك وبرسولك وكتابك ووعدك ووعيدك، وبكل ما أخبرتنا به وأمرتنا بالإيمان به. ‏
التوسل إلى الله بالإيمان والعمل الصالح
إذاً: نتوسل إليك بإيماننا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:16] هذه أنفع الوسائل. إننا آمنا يا ربنا فاغفر لنا، توسلوا إلى الله ليغفر ذنوبهم بماذا؟ بجاه فلان أو سيدي فلان؟ آه، ماذا فعل الثالوث الأسود؟ حرموا هذه الأمة يا أبنائي قروناً إلا من شذ وندر؛ حرموهم من التوسل إلى ربهم وأعطوهم فقط وسيلتين منتنتين لا خير فيهما، ولا تنفعان لا في الدنيا والآخرة: اللهم إني أسألك بحق فلان وجاه فلان، تدخل قرية الصعيد بكاملها فلا تجد أحدهم يتوسل إلا بسيدي فلان، لا يوجد منهم من يفهم أنه يقوم في الليلة الباردة يغتسل ويصلي ويبكي ويسأل الله حاجته! لا يتوسل إلى الله وبطنه يؤلمه من الجوع لما يقف جائع عند الباب فيحرم نفسه ليواصل الجوع طول الليل ويطعم ذلك المسكين ويسأل الله بذلك. لا، فهم لا يتوسلون إلابـ: أعطني بحق فلان، وأعطني بجاه فلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.بم توسل هؤلاء المؤمنون من أهل الجنة؟ بإيمانهم بربهم، اللهم إنا آمنا بك وبرسولك فكفر سيئاتنا، أو أذهب هذا الهم والغم عنا، اشف مرضانا.
مجالس العلم هي طريق المعرفة والرقي
الناس اليوم لا يعرفون كيف يتوسلون؟ لماذا لا يعرفون كيف يتوسلون؟ لأنهم طردوا من ساحات النور الإلهي، أبعدوا عن مجالس العلم، والعلم يطلب ولا ينزل عليك وحياً، وإنما العلم بالتعلم. وهذا ابن عباس رضي الله عنه كان يحصل له إشكال في آية أو في حديث أو حادثة ورسول الله قد مات، وأبو بكر مات، فيأتي إلى باب الصحابي في المدينة ويجلس عند الباب، يستحي أن يقرع الباب، فيبقى ينتظر الساعتين والثلاث حتى يخرج الصحابي! ما الذي يحصل؟ المدينة غبار ليس فيها بلاط ولا إسمنت، والغبار يأتي عليه وعلى وجهه، وهو صابر حتى يخرج عمر أو علي أو عبد الرحمن فيقول: يا ابن عباس كيف هذا؟ يقول: أمرنا بالتأدب معكم. بهذا ورثنا العلم وعلمنا وأصبحنا علماء، أما نحن إن نسأل فنسأل بسخرية واستهزاء -جربنا العوام- أو لا نسأل. لماذا لا نسأل؟ كيف نعرف الله حتى نحبه؟ كيف نعرف الله حتى نخافه؟ الشيء الذي لا تعرفه تحبه؟ لا تحبه أبداً. إذاً: هيا نعود، يجب على المسلمين في قراهم، في جبالهم، في تلالهم، في سواحلهم، في أوديتهم، حيثما كانوا، عرباً أو عجماً أن يراجعوا الطريق الذي سلكه رسول الله وأصحابه وأحفادهم، فليس بصعب هذا ولا مستحيل، فلا نكلفك يا بني سوى أن تطرح قلبك لله ووجهك وأن تسلم وجهك لله: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [النساء:125]، فقط أهل القرية يتعاهدون على أنه لا يتخلف رجل ولا امرأة ولا طفل عن صلاة المغرب والعشاء في مسجدنا، ونوسع المسجد، إذا ضاق نوسعه، وبلغنا: أن ناساً أخذوا بهذه الدعوة وقالوا: ضاق المسجد علينا ونحن نوسع أعينونا، فأعانهم الصالحون، وقال: ما أصبحنا نرى بعد غروب الشمس رجل ولا امرأة في القرية، كلهم في بيت الرب يصلون المغرب ويجلسون هذه الجلسة ومكبرات الصوت متوفرة منة من الله عز وجل، نساءنا وراءنا ورجالنا أمامنا والستار بيننا، وأطفالنا بين أيدينا، ونتلقى الكتاب والحكمة، ليلة آية من كتاب الله، وأخرى حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويوماً بعد يوم وعاماً بعد عام فلا تمضي عدة أعوم إلا أهل القرية كلهم أولياء الله، انتفى بينهم الحسد والبخل والغش، والخداع والنفاق والباطل والشرك؛ انمحى بأنوار الكتاب والسنة. هل هذا فيه صعوبة؟! مستحيل هذا؟! اليهود والنصارى الذين نجري وراءهم ونهتم بهم ونقتدي بهم ولا حول ولا قوة إلا بالله إذا دقت عندهم الساعة السادسة أوقفوا دولاب العمل كله وذهبوا إلى المقاهي والملاهي، وإلى المراقص والمقاصف ودور السينما يروحون -كما يزعمون- على أنفسهم، ونحن أهل الإيمان، أهل السماء والأرض أين نذهب؟ في الأباطيل والتراهات والكلام السيئ.. وهكذا. كيف نتعلم؟ دلوني؟ والله لا طريقة إلى إنقاذنا إلا هذا أحببنا أم كرهنا، مع أنه لا يكلف شيئاً، والله إن أعمالنا النهارية الدنيوية لتقوى وتصبح أعظم، إذ يوجد عزم وصدق وربانية فلا غش ولا خداع ولا باطل، فنشتغل ثمان ساعات أكثر من أربعين ساعة عند اليهود والنصارى. ماذا أضعنا؟ كل ما في الأمر أنها ساعتان من غروب الشمس تغلق الدكاكين والمقاهي والعمل، نغلق كل شيء ونتطهر ونأتي بأزواجنا وأولادنا إلى بيت ربنا فنتعلم في صدق الكتاب والحكمة، ولا نزال نسمو ونرتفع حتى نصبح كالكواكب في السماء، ولا تسأل عما يفتح الله به علينا بعد ذلك.إذاً: صفات أهل الجنة: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا [آل عمران:16]، يعترفون بذنوبهم أولا، ويطلبون من سيدهم المغفرة، ويتوسلون إليه بإيمانهم وأن يقيهم عذاب النار، خائفين، أي نعم.ومنهم أيضاً: الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ [آل عمران:17] وهذا نأتي عليه في درس آخر إن شاء الله.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #368  
قديم 14-12-2020, 04:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (56)
الحلقة (197)

تفسير سورة آل عمران (60)


يحث الله عز وجل عباده على المسارعة إلى التوبة وعدم التسويف فيها، إذ المسارعة إلى التوبة دليل التقوى وحياة القلب، ولا يزال العبد بخير ما أحدث توبة بعد الذنب، وأقبل على الأعمال الصالحة من إنفاق في سبيل الله، ومعاملة لعباد الله بالإحسان، فإن ذلك يسد الخلل ويجبر التقصير، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
مراجعة لما سبق تفسيره من سورة آل عمران
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذالكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، وصح أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من أتى هذا المسجد -يشير إلى هذا المسجد النبوي- لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله )،وقال عليه الصلاة والسلام: ( إذا صلى -أحدنا- العبد الفريضة، وجلس في المسجد ينتظر الأخرى؛ فإن الملائكة تصلي عليه ما لم يحدث، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، حتى يفرغ من الصلاة ويخرج من المسجد )، فلو دفعنا أرواحنا لأن نظفر بهذا الخير ما اتسعت لذلك، ولو خرجنا مما نملك على أن نظفر بهذا الخير ما يكون ذلك كافياً، ولكن فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21].أعود فأقول: أسألكم بالله من نحن وما نحن حتى يذكرنا الله في الملكوت الأعلى؟! قطعاً يذكرنا بخير، ويباهي بنا ملائكته.وأخرى أيضاً: من نحن وما نحن حتى تصلي علينا ملائكة الله فتقول: اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم، طيلة ما نحن في بيت الله ننتظر الصلاة؟ إنه لا يسعنا ألا أن أقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، إذ ملايين البشر والله محرومون من هذا، ولا يُعطونَه ولا يظفرون به، ونحن هيأنا الله بفضل منه وإحسان، وأهلنا لهذا الخير، فهيا نحمد الله فنقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله.معاشر المستمعين والمستمعات! بالأمس ظننا الوقت قد انصرم وما ذكرنا ما في هذه الآيات من هدايات، فنعود إليها الآن إن شاء الله بعد أن نتلوا الآيات تذكيراً لكم بها، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:133-136].هذه الآيات الخمس لها هدايات؛ إذ كل آية تحمل هداية، وأُذكركم أن بالقرآن الكريم ستة آلاف ومائتين وأربعين آية، كل آية تدل دلالة قطعية على وجود الله عز وجل رباً وإلهاً، عليماً حكيماً، قوياً قديراً، وتدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإثبات رسالته، وبيان ذلك: هل يوجد كلامٌ بدون متكلم؟ مستحيل، وبالتالي فهذه الآية تكلم بها الله وأوحاها إلى من أوحاها إليه وأنزلها عليه، فهي تدل دالة دلالة قطعية على وجود الله، ووجود الله عز وجل -كما علمتم- لابد من علم أحاط بكل شيء، ولابد من قدرة لا يعجزها شيء، ولابد من رحمة لا يخلو منها شيء، ولابد من حكمة لا يخلو منها شيء في الكون، فالله عز وجل القوي، القدير، العليم، لحكيم، الرحيم، لا إله إلا هو ولا رب سواه.والنبي محمد صلى الله عليه وسلم أين هو؟ هناك قبره الشريف وإلى جنبه صاحبيه أبي بكر وعمر، وتلك الحجرة حجرة الصديقة عائشة رضي الله عنها، وهذا مسجده وتلك روضته، وقد عاش آباؤنا أباً عن أب إليه صلى الله عليه وسلم، فنحن موقنون بوجود رسولنا في بيته في حجرته أكثر من يقيننا بوجودنا الآن في مسجده، فهذا النبي العربي صلى الله عليه وسلم عاش أربعين سنة أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ثم بعد الأربعين سنة يتفوق بحيث والله الذي لا إله غيره ما وصل ولن يصل إلى مستواه العلمي كائناً من كان، وهذا القرآن الكريم تحدى الله به الإنس والجن على أن يأتوا بمثله فعجزوا، على أن يأتوا بسورة فقط فعجزوا، وما زال التحدي قائماً إلى يوم القيامة، واقرءوا قول الله تعالى من سورة البقرة المدنية: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:23-24]، قال العلماء: هذه الجملة: وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، لا يقدر على قولها إلا الله، ووجه ذلك: لو أن اليابان الصناع اخترعوا آلة صناعية من نوع الآلات المستعملة في هذه الحياة، فهل تستطيع اليابان أن تقول: نتحدى البشر لمدة سبعين سنة أن يوجدوا نظير هذه القطعة أو هذه الآلة؟ والله لا يقولون، كذلك روسيا البلشفية الحمراء الملحدة التي تفوقت على الصين واليابان، هل تستطيع أن توجد قطعة من قطع الآلات وتقول: نتحدى البشرية أن توجد مثلها؟ الجواب: لا.فلهذا قول الله تعالى: وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، لا يقول هذا إلا الله؛ لأنه بيده ملكوت كل شيء، فلا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن إلا بإذنه وعلمه وقدرته، فهو يعلم أنه لا يوجد أبداً ولن يوجد من يأتي بسورة من مثل هذا القرآن فضلاً عن الإتيان بمثله، ومن ثم طأطأت البشرية والجن رءوسهم، ولم يستطيعوا أن يأتوا بسورة من أميٍ مثل محمد صلى الله عليه وسلم تحمل الهداية والنور للبشرية إلى اليوم.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض ...) وما بعدها من كتاب
أيسر التفاسير
يتبع‏

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #369  
قديم 14-12-2020, 04:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

هداية الآيات
قال: [ من هداية الآيات:أولاً: وجوب تعجيل التوبة وعدم التسويف فيها لقوله تعالى: وَسَارِعُوا [آل عمران:133] ]، والمسارعة: المبادرة بدون توانٍ، وقد علمنا معشر المؤمنين والمؤمنات! ما أجمع عليه أهل هذه الملة وهو: أن التوبة تجب على الفور، ولا يحل لمؤمن أن يقارف ذنباً ويؤخر التوبة ساعة أو أسبوعاً أو يوماً أو أياماً أو أعواماً، بل إذا زلت القدم وسقط عبد الله في الذنب قال: أستغفر الله وأتوب إليه، ولينفض الغبار عنه وليواصل سيره وطريقه إلى ربه، ولا يقول: سأتوب بعد كذا أو يوم كذا أو عندما يوجد كذا، فإن هذا حرام بالإجماع، إذ لا يحل تأخير التوبة أبداً، نعم قد تعترض العبد أو الأمة وهو في طريقه إلى الله شيء من العقبات أو الهواجس أو الوساوس فيقع، فيلزمه أن يعجل بالتوبة على الفور، وليواصل سيره إلى دار السلام، أما أن يؤخر التوبة فإنه لا يدري هل يعيش ساعة أو لا يعيشها؟ من يضمن له أن يعيش كذا عاماً أو يوماً أو ساعة؟والقرآن الكريم هداية الله تعالى، فنذكر ما قد علمتم وفهمتم وزادكم الله علماً، فيا أهل القرآن! إذ قال تعالى من سورة النساء: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ [النساء:17]، هذه الصيغة تفهمون منها أن الله أوجب على نفسه هذا الحق، ولا يوجب على الله أحد، ولكن هو يتفضل ويوجب على نفسه ليطمئننا أن هذا حق لنا على الله، إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ [النساء:17]، لمن؟ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ [النساء:17]، والسوء يا أهل العلم! كل ما يسيء إلى النفس بالظلمة أو النتن والعفن، كل ما يؤثر على النفس فيفقدها النور والصفاء. إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ [النساء:17]، وليس معنى (بِجَهَالَةٍ): فقط الذي يعرف أن الله حرم هذا أو أوجب هذا معرفة يقينية ثم يسخر أو يستهزئ أو يرفع كتفيه أو يخرج لسانه ساخراً، فإن مثل هذا لا يتوب الله عليه؛ لأنه أذنب متحدياً لله خارجاً عن طاعته، إذ الذي يتوب ويقبل الله توبته من يعمل السوء بجهالة، أي: نوع من الجهالة، كأن لا يعرف الحكم، أو أن يقول: إن شاء الله سيتوب الله عليّ، أو يقول: لو كان هذا يُغضب الله قلمَ فعله الشيخ الفلاني؟! فلابد من نوع من الظلمة حتى يقوى ويقدر على فعل هذه المعصية، لا أنه كإبليس يتحدى الله ويتكبر عن عبادته، وهذه لطيفة دل عليها قوله: يَعْمَلُونَ السُّوءَ [النساء:17].وأما الثانية: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ [النساء:17]، والقرب هنا نسبي، فنحن لا ندري نسبة هذه القرب، وقد أجمعت الأمة على أن التوبة تكون على الفور، فإذا زلت القدم فقلت كلمة السوء، أو نظرت النظرة المحرمة، أو ألقيت بلقمة محرمة في فيك، فعلى الفور الفظها وألقها بعيداً عنك، إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:17]. وَسَارِعُوا [آل عمران:133]، فعجلوا قبل فوات الوقت، وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133]، وتكون بالتوبة النصوح، وإلى جنة: عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ [آل عمران:133]، وذلك بزكاة النفس وطهارتها.إذاً: [ وجوب تعجيل التوبة وعدم التسويف فيها ]، فكم إنسان يقول: سأتوب حتى أتزوج! حتى أتوظف! حتى يجيء والدي! حتى نحصد! وفجأة يأتيه الموت فيموت، ولذا فالدين النصيحة، فيا عبد الله! اسأل الله أن يحفظك أن لا تقع في ذنب، وإذا قُدِّر ووقعتَ فعجل بالتوبة، والتوبة ليست أثقالاً ولا أحمالاً لا تطاق، إنما التوبة أولاً: اللهج الصادق بقول العبد: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر لله، مع ندم يَمَضُّ في قلبك ويؤلمك، والبعد عن هذه السيئة، اللهم إلا إذا كان الذنب يتعلق بأخيك، كأن قذفته، أو أكلت ماله، أو نهشت عرضه، فعند ذلك لابد وأن تطلب منه العفو والصفح والمسامحة، أو تعطيه وتمكنه من نفسك ليقتص.فإن قال قائل: كيف أمكنه من نفسي؟! فأقول: تذكرون حادثة بلال رضي الله عنه عندما عيَّره أبو ذر الغفاري بأمه وقال له: يا ابن السوداء -وهو في الحقيقة ابن امرأة سوداء- فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ( تعير أخاك وتقول له: يا ابن السوداء، إنك امرؤ فيك جاهلية )، فماذا فعل أبو ذر الغفاري؟ جاء فطرح رأسه على الأرض وقال: لا أرفع هذا العنق من الأرض حتى تطأه برجلك يا بلال! فهذا هو جزائي، ولذا فمن الجائز أن تأتي إلى أخيك وتقول: أنا أخذت مالك، أو فعلت كذا وكذا في حقك، وأنا الآن بين يديك، فخذ حقك، أما إذا كان الذنب بترك واجب أو بفعل محرم مما حرم الله، فالتوبة هنا هي الاستغفار والندم والإقلاع الفوري والعزم ألا عودة إلى هذا الذنب بحال من الأحوال.إذاً: هداية وَسَارِعُوا دلت على وجوب التوبة على الفور. [ ثانياً: سعة الجنة، وأنها مخلوقة الآن لقوله تعالى: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133] ]، فالذي دلنا على أن الجنة موجودة الآن ولم توجد بعد هو الله؛ لأن الذي خلقنا هو خالقها وموجدها، وقد أخبرنا فقال: (أُعِدَّتْ)، أي: هيئت وأحضرت للمتقين، فهي محضرة معدة موجودة والله العظيم. [ ثالثاً: المتقون هم أهل الجنة وورثتها بحق ]، ودل على هذا الحكم قوله تعالى: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، فمن أعدها؟ الله، وهل يستطيع غير الله أن يعدها؟ لو تجتمع البشرية كلها على أن توجد فقط كوكب القمر أو كوكب الشمس لا تستطيع.إذاً: تلك الجنة التي وصفها خالقها بما لا مزيد عليه في كتابه، وقبل وفاة رسوله صلى الله عليه وسلم رفعه إليها، ومشى فيها، فشاهد أنوارها وقصورها وأنهارها، ومشى بقدميه على تربتها، وكان أول رائد عرفته البشرية، ولم يبق في ذلك مجال للريب أو الشك، أو يقال: إن الجنة مجرد خيالات.إن هذه الجنة موروثة وورثتها هم المتقون، إذ قال تعالى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63]، والسبب والعلة والحكمة في ذلك: أن المتقين طهروا أرواحهم وزكوها بالعمل الصالح والبعد عن العمل الفاسد، فأرواحهم زكية طاهرة، وهذه الأرواح الطاهرة هي التي يرفعها الله إليه ويدخلها دار السلام في جواره، أما الأرواح الخبيثة العفنة المنتنة من أوضار الشرك والذنوب والآثام فليست متأهلة للجنة دار السلام.وبعد أن عرفنا ذلك فهيا نتق الله عز وجل، فلا نخرج عن طاعته وطاعة رسوله، وإن زلت القدم وأعمانا العدو -إبليس- وغرر بنا فعلى الفور -وهم يعلمون أن من تاب تاب الله عليه- نستغفر الله، ونعزم على عدم العودة إلى ذلك الذنب، فيبقى ذلك الطهر وذلك الصفاء كما هو؛ لأن المتقي اتقى عذاب الله بفعل طاعته بما أمر وترك ما نهى، إذ المأمور به يزكي النفس والمنهي عنه لا يلوثها، بل يبقيها على طهارتها وصفائها. وهذا بيت من الشعر نستطيع أن ننظر إلى حقيقته من خلال هذه الآيات: ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبسفيا عبد الله! ترجو النجاة من ماذا؟ من الماء أو لا؟ إن السفينة لا تجري على الرمل والتراب، إنما تجري على الماء، وبالتالي كيف ترجو النجاة يا عبد الله! ولم تسلك مسالكها؟! إن مسالك النجاة هي التقوى، الإيمان والعمل الصالح والبعد عن الشرك والكفر والمعاصي، وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ [آل عمران:133]، فهل أنت تريد هذا أو لا؟ هل سلكت مسالك الجنة فمحوت ذنوبك واستغفرت الله منها وعملت الصالحات؟ [ رابعاً: فضل استمرار الإنفاق في سبيل الله ولو بالقليل ]، إذ الاستمرار والمداومة على النفقة في سبيل الله ولو بالقليل كحبة عنب أو شق تمرة، خيرٌ من العمل الكثير المنقطع، إذ قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا النار ولو بشق تمرة )، والآن من يشق التمرة نصفين فيأخذ نصفها والنصف الآخر لغيره؟! هل هذا موجود؟ لقد كان أحدهم يتغذى والله بشق تمرة يوماً كاملاً، وتبقى النواة في فمه يمصها ويتلَّهى بها اليوم واليومين، فهيا نحمد الله تعالى على نعمه الكثيرة علينا، فإن رأيت أخاك في حاجة إلى شق تمرة فأعطه، وتكون بذلك قد اتقيت عذاب الله بشق تمرة، ومعنى هذا: اتقوا النار يا عباد الله! بالحسنات، كبيرة كانت أو صغيرة، قليلة أو كثيرة، المهم أن تقي نفسك من عذابه، فإذا ما وجدت إلا نصف تمرة شققتها بينك وبين أخيك وأعطيته نصفها.قال: [ فضل استمرار الإنفاق في سبيل ولو بالقليل ]، ودل على ذلك قول الله عز وجل: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ [آل عمران:134]، أي: في حال اليسر وفي حال العسر وفي حال الحبس، إذ إنهم دائماً ينفقون، سواء القليل بالقليل والكثير بالكثير، وهذه المواصلة هي التي رفعتهم إلى هذا العنان من الكمال، والآية ترغبنا في النفقة طول الحياة، وليست من رمضان إلى رمضان، لكن في حدود الطاقة، فالذي عنده حفنة يعطي منها، والذي عنده تمرة واحدة يقسمها أيضاً بينه وبين أخيه ولا يقول: هذا الشيء قليل، وعند ذلك أمة هكذا لا يوجد فيها فقر أو احتياج، بل في هذه الظروف بالذات لو أقبلت أمة الإسلام في كل ديارها على الله في صدق لتجلى الكمال في ديارها بصورة لم تحلم به البشرية، لكن مع الأسف سحرونا وأبعدونا عن الله ونحن تائهون في المتاهات. [ خامساً: فضيلة خُلة ] والخُلَّة -بضم الخاء-: الصفة، والخَلَّة -بفتح الحاء-: الضعف والحاجة [فضيلة خُلَّة كظم الغيظ بترك المبادرة إلى التشفي والانتقام ]، إذ قال تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران:134]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ليس الشديد بالصُّرَعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) . فقوله: ( ليس الشديد بالصُّرَعة )، أتعرفون الصُّرَعة؟ ذاك الملاكم الذي ما لاكمه أحد إلا صرعه، فهذا هو الصرعة، وقد صارع النبي صلى الله عليه وسلم ركانة فغلبه. إذاً: ليس الشديد والقوي بالصرعة الذي يصرع الناس، ولكن القوي الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، فإذا غضب لم ينطق بسوء، ولم يظهر منه أو عنه شيء اسمه: سوء، وهذا أمر عظيم، فبدل أن يسب أو يشتم أو يتناول شيئاً بيده ليضرب به، فإنه يكظم غيظه، ولا يظهر ذلك عنه أبداً، وكأنك مدحته وأثنيت عليه، وقد قلنا لكم:جربوا هذا فيما بينكم حتى تكتسبوا هذه الصفة، فإذا أغضبك أخاك بكلمة أو بيده أو بأية حركة، فهل أنت ممن يصبر فيكظم غيظه ويحبسه ولا يظهر عنك شيء لا باللسان فينطق ولا بيدك بأن تأخذ وتضرب؟وللأسف الشديد أن المتزوجين قد تأتي الزوجة بأدنى حركة فيطلقها زوجها، فإن سئل: لمَ طلقتها؟ قال: أغضبتني! أو قال: يا أم فلان! عجِّلي بالإفطار، فردت عليه فقالت: انتظر قليلاً، فقال: كيف ننتظر قليلاً؟ أنتِ طالق، أو يقول لها: أما تستحين؟ أنتِ حيوان، أنتِ كذا وكذا، وهي تغضب أيضاً، فلا هو يكظم غيظها ولا هي تكظم غيظه، وبالتالي الطلاق والفراق، وأنا أقول لهم والحمد لله -وهذا من فضل الله علينا-: قد عاشرنا المرأة ستين أو ثمانية وخمسين سنة والله ما قلنا كلمة سوء ولا قالت هي كلمة سوء، ومن ثَمَّ لا غضب ولا سخط ولا طلاق ولا شيء من هذا. ثم كيف أعيش معكم في القرية أو في المدينة العام والأعوام لا أوذي مؤمناً في الطريق لا بسب ولا شتم ولا أذى، وأوذي أختي في بيتي وهي محبوسة من أجلي؟! فسروا لي هذه الظاهرة، فأنا لا أعرف كيف تُفسر؟! أنت يا عبد الله! تعيش مع أناس طول العام في الشارع في العمل أو في أي مكان، فهل قد آذيت مؤمناً؟ لا تسمح لنفسك بذلك، إذاً فلمَ تؤذي هذه المحبوسة في بيتك بكلمة سوء؟! أعود فأقول: إننا ما ربينا في حجور الصالحين، ما تعلمنا ولا هذبنا أنفسنا، فهذا هو السر، وإلا فالذين يتربون في هذه الحلقة الآن والله تجلت عنهم هذه الكمالات وظهرت فيهم، والذين حبسوا أنفسهم ليتعلموا هذا العلم، والذي ما يعلم هذا ولا يحضره أنى له أن يعرف؟ إذاً لا بد من العلم. وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران:134]، فهل تعرف كيف تكظم القربة إذا فاض الماء حتى ما يخرج منها؟ كذلك لما تصون نفسك ويريد اللسان أن ينطق، والعين أن تحمر، والوجه أن يتبدل، فتملك ذلك وتقول: أستغفر الله، أو الحمد لله، أو سامحني يا رب. [ سادساً: فضل العفو عن الناس مطلقاً، مؤمنهم وكافرهم، بارهم وفاجرهم ]، العفو عن الناس أو البشر، كبارهم كصغارهم، وأشرافهم كضعافهم، مؤمنوهم ككافريهم، فمن أراد أن يظفر بهذا الكمال ويفوز بهذا الوصف فيقوى على أن يعفو عمن ظلمه، وهو قادر على أن يضربه ويأخذ حقه، ولكن يريد أن يعلو فلا يبال بمن آذاه، ويعفو ويصفح ويتجاوز عنه، وكأنني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوزع الصدقات، وإذا بأحد الأجلاف الغلاظ -غفر الله لنا وله- يأخذ أو يُلبِّب رسول الله بردائه ويقول: ( اعدل فينا يا رسول الله! )، ومع ذلك يتبسَّم النبي صلى الله عليه وسلم ويتركه ولا يؤاخذه، وأنا أسألكم بالله! لو وقع هذا معكم فكيف سيكون حالكم؟ وقال عليه الصلاة والسلام: ( رحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا وصبر، ويقول له: ويحك إن لم أعدل أنا فمن يعدل؟ )، وهو كذلك، فهل عرفتم العفو كيف يكون؟ فالرسول صلى الله عليه وسلم كان قادراً على أن يضربه أو يؤذيه، بل لو قال فقط لرجاله: اضربوه، لضربوه ضرباً شديداً، ولكنه العفو النبوي والكمال المحمدي، ولذا فاعفوا على الأقل على أولادكم وعلى نسائكم وعلى إخوانكم إن لم تعفوا على الظالمين والكافرين، مع أن العفو يشمل حتى الكافر، لأنها صفة جلال وكمال يريد صاحبها أن يسمو ويعلو ويرتفع.قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من سره أن يشرُف له في البنيان، وتُرفع له الدرجات، فليعف عمن ظلمه )، أي: لا يؤاخذه، فلا يرد السب بسبة، ولا الشتم بشتمة، ولا اللطم بأخرى، وإنما ليعف عمن ظلمه، قال: ( ويعطي من حرمه )، أي: من حرمه من شيء فلا يقابل ذلك بأن يحرمه، بل يعطيه، فلو أن أحدنا جاء إلى آخر فقال: أعطنا بعض التمر، فرد عليه فقال: لا أعطيك شيئاً، ثم في اليوم الثاني جاء يطلبه تمراً والتمر بين يديه، فهل يقول له: لا؛ لأنك حرمتني وما أعطيتني يوم أمس؟ الجواب: لا، بل يعطي من حرمه، وذاك الذي حرمني هو الذي أعطيه، وأتغلب على الطبيعة وعلو فوق الفطرة، وأبحث عمن يحرمني فأعطيه؛ لأني أُريد أن يشرُف ويعلو بنائي، وترتفع درجاتي يوم القيامة، قال: ( ويصل من قطعه )، أي: ذاك الذي قطعني وما أصبح يسلم عليّ ولا يزورني ولا يجلس إلى جنبي أنا أصله، فأجلس إليه وأسلم عليه وأزوره، ولا أقطعه مقابل مقاطعته لي؛ لأني أريد أن أتفوق عليه.ومرة أخرى يا أهل المعرفة! يقول صلى الله عليه وسلم: ( من سره أن يشرُف له في البنيان، وتُرفع له الدرجات، فليعف عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه )، وإن شاء الله سنجرب كل هذه، فإذا ظلمني ظالم أعفو عنه وأتركه لله، مع قدرتي على أن أنال منه، وإذا حرمني شخص من شيء طلبته منه فلا أحرمه من شيء طلبه مني، وإن قطعني من قطعني من إخواني أو جيراني فأنا أصلهم، وذلك من أجل أن أتفوق، وأن يشرُف بنياني، وأن تُرفع وتُعلا درجاتي.ويقول أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم: ( ثلاث أقسم عليهن )، أي: ثلاث خصال أو ثلاث مسائل أقسم عليهن، وهي: ( ما نقص مال من صدقة )، فلو عندك كوم من المال فتصدقت منه بحفنة أو أقل أو أكثر فالرسول يحلف أن مالك ما نقص أبداً.والثانية: ( وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً )، أي: ما من عبد يؤذى فيعفو وهو قادر على أن ينتقم ما زاده الله بذلك إلا عزاً وإكراماً.والثالثة: ( ومن تواضع لله رفعه الله )، أي: من تواضع لأجل الله رفعه، ولم يهبطه إلى الأرض مع الهابطين. [ سابعاً: فضيلة الاستغفار وترك الإصرار على المعصية للآية ]: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].قال: [ ولحديث: ( ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة ) ]، وأخصر من هذا: ( لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار )، أي: لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة من صغائر الذنوب مع الإصرار، فإذا أصر العبد على الصغيرة فإنها تتحول إلى كبيرة وينتقل إليها، وإذا استغفر من الكبيرة وتاب منها فلا تعتبر كبيرة أبداً، فلهذا معاشر المؤمنين والمؤمنات! ليكن منهجنا في الحياة أننا نستغفر الله من كل ذنب، وكلنا عزم على ألا نعود إلى الذنب ولو تكرر منا لعجز البشر ولضعفنا، إذ الاستغفار وعدم الإصرار هو الطريق إلى النجاة.وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #370  
قديم 14-12-2020, 04:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (57)
الحلقة (198)

تفسير سورة آل عمران (61)


لما حدث ما حدث من انكسار المؤمنين في أحد بسبب عدم الصبر، وعدم طاعة القائد، أنزل الله آيات بينات يذكر المؤمنين فيها بالسنن المتحققة في الأمم التي سبقتهم، وإرسال الرسل لهم، وتكذيبهم إياهم، وتحقيق سننه فيهم بإهلاك الظالمين المكذبين، ونصر المؤمنين الموحدين، ثم يعزي سبحانه وتعالى عباده المؤمنين ويبشرهم بالعلو على أعدائهم بعدما أصابهم في أحد من البلاء والقرح.
تفسير قوله تعالى: (قد خلت من قبلكم سنن...)
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل يومنا هذا من ليلتنا هذه ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذالكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده )، حقق اللهم لنا رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وها نحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، وقد انتهت بنا الدراسة إلى هذه الآيات الخمس، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران:137-141].بعد ذلك الاعتراف العظيم الجليل عاد السياق إلى غزوة أحد، فتأملوا الآيات مرة أخرى، يقول تعالى: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران:137-141]، وهذا تدبير الله عز وجل.
معنى قوله تعالى: (قد خلت من قبلكم سنن)
قوله جلت قدرته: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ [آل عمران:137]، هذا إخبار بالواقع، وذلك أنه قد مضت قبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمم تجلت فيهم سنن الله تعالى، فأهلك الله المكذبين والمشركين والمؤذين لأوليائه وصالح عباده، فإن شاءوا وقفوا على تلك المعالم، فعاد في الجنوب، وثمود في الشمال، وفرعون وقوم لوط في الغرب، فهكذا يعظهم ربهم فيقول لهم: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ [آل عمران:137].إذاً: فنجَّى الله المؤمنين وأهلك الكافرين، وأنتم -أيها المؤمنون- هذا صنيعه معكم، فينجيكم ويهلك أعداءكم الكافرين، وقد تم هذا كاملاً غير منقوص.
معنى قوله تعالى: (فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين)
ثم قال لهم تعالى: فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [آل عمران:137]، ومن سورة اليقطين يقول تعالى: وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الصافات:133-138]، فتجار هذه الديار يذهبون إلى الشام ومصر فيمرون بقوم لوط وديارهم سدوم وعمُّورة، فيرونها قد أصبحت بحراً ميتاً أو بحيرة منتة. فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [آل عمران:137]، أي: المكذبين لله ورسله، المكذبين بشرع الله وسننه وقضائه وقدره.
تفسير قوله تعالى: (هذا بيان للناس وهدىً وموعظة للمتقين)
هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:138]، أي: هذا الذي سمعتموه ويتلوه الله علينا من الآيات بيان للناس، وبالتالي فمن أراد أن يتبين الحق من الباطل، والخير من الشر، والفضيلة من الرذيلة، والسعادة من الشقاء، والكمال من النقصان، فالآيات القرآنية موضحة ومبينة ومفصلة لذلك، وفي نفس الوقت هي هدىً وموعظة للمتقين، أما الفجَّار فلا يجدون فيها هداية ولا موعظة، وذلك لأن قلوبهم منتكسة، فلا يعون ولا يفهمون، ولكن المتقون أولوا القلوب الحية والنفوس الزكية، وأولوا البصائر والنهى، ما من آية في الكون -حتى طلوع الشمس أو غروبها- إلا ويجدون فيها ما يدلهم على علم الله تعالى وقدرته، ووجوب عبادته وطاعته.
تفسير قوله تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)
وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139]، أي: يقول الله تعالى لهؤلاء الذين شهدوا معركة أحد: وَلا تَهِنُوا [آل عمران:139]، أي: لا تضعفوا ولا تكسلوا، ولا تقفوا عن أداء رسالتكم وهي نشر دعوة الله والجهاد بها. ثم يقول الله تعالى لهم: وَلا تَحْزَنُوا [آل عمران:139]، أي: ولا تحزنوا على ما فاتكم أو ما أصابكم، واذكروا ذلك الانتصار الذي تم في أول النهار، وإذا بالمشركين -وهم ملوك- يفرون هاربين تاركين أمتعتهم وأسلحتهم، ثم لما زلت القدم وخرج الرماة عن منهج القيادة الذي وضعته، ابتلاهم ربهم في آخر النهار، فأصيبوا بنكبة وبكرب وحزن ما عرفوه في تاريخهم.وها هو ذا الرحمن الرحيم يلاطفهم ويهون من شدة كربهم وحزنهم فيقول لهم: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ [آل عمران:139]، حقاً والله لهمُ الأعلون، أما الهابطون والأسفلون فهم الكافرون والمشركون، وإن حصلت تلك الهزيمة المرة فتلك لا تهبط بهم أبداً، إذ إنهم هم المؤمنون، ولهذا قيده بقوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139]، فالمؤمنون دائماً والله هم الأعلون، فلا يهونون ولا ينزلون ولا يذلون، لكن إذا خرجوا عن سنن الله في الكون وعموا عنها وما أبصروها، وعدلوا عن التمسك بها، فإنه ينزل بهم ما ينزل بغيرهم؛ لأن الله لا يحابي أحداً، إذ إن الله تعالى وضع سنناً في هذا الكون، فمن سلكها في إيمان ويقين فاز ونجا ونجح، ومن تنكبها وبعد عنها أو تعامى عنها ولم ينظر إليها لا بد وأن يصاب بالهون والدون والذل والصغار والحقار. وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ [آل عمران:139]، أي: أعلى كل الخلق، فلو أن مؤمناً واحداً من المؤمنين الصادقين وضع في كفة ميزان، ووضعت البشرية كلها من أهل الكفر والشرك في كفة أخرى، والله لرجحت كفة المؤمن، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن الله عز وجل لا يرضى بأن يؤذى مؤمناً من المؤمنين وأن يَسْلَم كل الكافرين، بل يرضى بأن يؤذى كل الخلق من الكافرين دون ذلك المؤمن، والسر أن هذا المؤمن عرف ربه وعبده وأحبه وخافه ورهبه، بل كل حياته له، بينما أولئك الكفرة الضلال المشركون كفروا بخالقهم، وجهلوه وما تعرفوا عليه، وما سألوا عنه، وما سألوا عن محابه، ما أطاعوه، وبالتالي كيف تكون لهم منزلة عند الله تعالى؟! إن منزلتهم عند الله أحط من منزلة القردة والخنازير والكلاب والحيات، فهل عرف البشر هذا؟! المؤمنون عرفوا؛ لأن المؤمن الحق يرضى أن يقتل أو يقطع أو يصلب ولا يرضى أن يكفر بالله عز وجل، فهذا خباب بن الأرت لما وضعوه على المشنقة خارج الحرم ليقتلوه، جاءه أبو سفيان ممثل قريش يعرض عليه المساومة، فقال له: هل ترضى الآن أن تذكر آلهتنا بخير وتذكر محمداً بسوء ونطلقك فتعود إلى أهلك؟ والمشركون مجتمعون نساء ورجالاً ينتظرون هذا الحفل لقتل هذا الرجل، فقال حالفاً بالله: والله لا أرضى أن يُشاك محمد بشوكة وأعود أنا إلى أهلي!ولكي تعرفوا هبوط البشر عندما يكفرون بالله ولقائه، وأنهم أحط من القردة والخنازير، اقرءوا آية من سورة البينة من قصار المفصل نسمعها في أغلب الأوقات: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، شر بمعنى: أشر، والبريئة: الخليقة كلها.فقول ربنا لأصحاب رسولنا صلى الله عليه وسلم: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ [آل عمران:139]، أي: والحال أنكم أنتم الأَعْلَوْنَ [آل عمران:139]، وهذا القيد قول نوراني، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139]، أي: هذا الكمال الذي ظفرتم به وحصلتم عليه إنما هو لإيمانكم بالله عز وجل، أما الكافر فوسخ لا قيمة له عند الله، ومن شك في ذلك فليرجع إلى أخبار الله التي تقضي وتحكم بأن الكافر يعيش مليارات السنين في عالم الشقاء فلا تمسح له دمعة أبداً، وليست سنة ولا ألفاً ولا عشرة، بل مليارات السنين بلا نهاية أبداً، وسر ذلك: أن الله خلقهم ورزقهم، وخلق كل شيء من أجلهم، ولم يطلب منهم أكثر من الاعتراف به عز وجل، ثم طاعته فيما يهيؤهم لكمالهم وسعادتهم، وينجيهم من خسرانهم وشقائهم، فيرفضون ذلك ويأخذون في الافتراء والكذب والتضليل، لا لشيء، وإنما فقط حتى لا يؤمنوا بالله عز وجل.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 7 ( الأعضاء 0 والزوار 7)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 234.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 228.55 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (2.58%)]