من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (4) (مكانته ومنزلته في رسالته) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13207 - عددالزوار : 350054 )           »          كتاب قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 1572 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 19 - عددالزوار : 4617 )           »          العودة إلى المدارس.. نصائح وتوجيهات للآباء والأمهات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 173 )           »          الدعاة وفقه إدارة العاطفة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 267 )           »          الدعاة بين التكتيكي والإستراتيجي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 276 )           »          كان من أبرز تلاميذ الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله- الشيخ عمر بن سعود العيد في ذمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 136 )           »          السنن الإلهية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11 - عددالزوار : 2621 )           »          انفعالات المراهق- عندما ننظر للمراهق على أنه إنسان.. عندها فقط نعرف ما يريد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 1359 )           »          وقفات مع دعاء الاستفتاح...مقدمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 230 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-08-2022, 10:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,367
الدولة : Egypt
افتراضي من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (4) (مكانته ومنزلته في رسالته)

من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (4) (مكانته ومنزلته في رسالته)
د. علي حسن الروبي

إذا كانت أخلاقُ محمد - صلى الله عليه وسلم - وسيرته من براهين صدقه، فكذلك المنزلة التي يتبوَّأها محمد - صلى الله عليه وسلم - في الإسلام هي من دلائل صدقه.

وقد تقدَّم في المقالات السابقة بيان أن الكاذب في ادعاء النبوة لا يخلو أن يكون ادعاؤه تقف وراءه إما أغراض مالية أو أغراض تتعلق بالمجد الشخصي الذي يريد الكذاب أن يبنيَه لنفسه، متخذًا دعوى النبوة كذبًا سُلمًا لذلك.

وأشرنا في تلكم المقالات كذلك إلى أن واقع النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يساعد خصومَه على رميه بتلك التهمة، (ادعاءً النبوة كذبًا لأجل مجدٍ شخصي أو غرضٍ مالي).

وفي هذه المقالة نبيِّن كيف أن نفس منزلة محمد - صلوات الله عليه - ومكانته في الكتاب الذي قال محمد - صلى الله عليه وسلم - للناس: إن الله تعالى قد أرسله به، وفيما ذكره محمد عن نفسه، لهي خيرُ شاهدٍ على صدق محمد - صلوات الله عليه - في دعوى النبوة وعلى براءته من الكذب فيها.

وآية ذلك أن مدعي النبوة كذبًا إنما يعينه جاهه الشخصي ومجده الخاص الذي من أجله اخترع كذبة النبوة، فلا أقل أن تكون منزلته ومكانته في دعوته المخترعة تلك قريبًا من مكانة الإله، وما دام ذلكم الشخص الكاذب قد نجح في إقناع الناس من حوله أنه رسولٌ من عند الله، وأنه يأتيه وحي الله، وأنه مؤيد بالمعجزات، فما الذي يحجزه - والافتراض أنه كاذب في كل ذلك - أن يرتقي في دعواه بأنه يدَّعي أنه هو الإله أو ابن الإله، أو أن فيه شيئًا من صفات الإله، أو أن الإله خوَّله في مصائر الناس، أو أوكل إليه تصريف شؤون الكون، أو غير ذلك من النعوت التي ترفع صاحبها عن مرتبة البشرية والإنسانية إلى رتبة الإلهية؟!

وإذا كان ذلكم الشخص المدعي للنبوة كذبًا قد نجح - مستخدمًا الخوارق من السحر والشعوذة ونحوهما - في إقناع الناس أن تلك الخوارق هي معجزات له من الله، وأنها براهين نبوته، فلمَ لم يجعل نفس تلك الخوارق من الشعوذات والسحر التي سماها معجزاتٍ دليلًا على إلهيته؟! فالأمر واحدٌ والباب مطردٌ، فتكليم الجمادات له أو تكثير الطعام القليل، أو نبع الماء من بين الأصابع أو الإخبار بما نفوس الآخرين وعما يكون في الغد، لهو صالحٌ كدليلٍ على الألوهية كما كان صالحًا كدليلٍ على النبوة، ولا فرق بينهما، إذا افترضنا أن فاعل ذلك كاذبٌ في الحالين، فإن من خُدعوا بتلك الشعوذات والسحر وصدقوا صاحبها على أنه نبي، لهم مستعدون كذلك للانخداع بكونه إلهًا أو فيه بعض صفات الإله.

فإذا أضفنا إلى ذلك البيئة التي نشأ فيها محمد - صلى الله عليه وسلم - وحال العرب الذين وجَّه إليهم دعوته؛ حيث كانوا أقوامًا وثنيين يعبدون الأصنام والأحجار، ويجعلون تلك الأصنام بمثابة الشفعاء المُقربين عند الله الذين تؤدي عبادتهم والتقرب إليهم إلى الوصول إلى مرضاة الله الخالق للكون، فإن بيئةً كهذه ما أيسر أن تُصدق في إنسانٍ صاحب خوارق أن له طبيعةً إلهية أو أن له حظوةً عند الإله خوله بسببها في تصريف شؤون الكون، وأنه صار يملك الضر والنفع، على نحو ما كان يعتقد أولئك العرب في الأوثان والأصنام، وأنها تضر وتنفع لما حباها به الإله وأوكَله لها من تصريف الأمور.

ففي تلك البيئة المذكورة لا تكون مهمة رجلٍ معه خوارق يدعي أنها براهين على شِركته في الألوهية واستحقاقه للعبادة، بأصعب ولا أعسر من مهمة رجلٍ معه تلك الخوارق، ويدعي أنها معجزات وبراهين على صدقه نبوته.

ولا يعترضن معترضٌ بأن تصديق الناس بادعاء الألوهية أبعد من تصديقهم بادعاء النبوة، فليس المقصود ولا المطلوب هو ادعاء الربوبية أو الألوهية العامة التي تنفر من تصديقها الطبائع، بل يكفي في ذلك ادعاء بعض صفاتها أو الصلة مع الإله الأعظم، على ما كانت تقرِّره العرب لآلهتها المتخذة أو تدَّعيه النصارى في عيسى ابن مريم عليه السلام، كما يكفي فيه أيضًا ادعاء أمورٍ أو المطالبةُ بحقوقٍ يحصل بها التأليه العملي، وإن لم يُصرح بالتأليه النظري، كما هو الأمر في حال الكهان والأحبار والرهبان الذين يغفرون الذنوب، ويُعطون الصكوك بها ويُقطِعون أفنان الجنة، ويحرمون ويحلون كما يشاؤون.

هكذا يملي المنطق (البراجماتي) النفعي فيما ينبغي أن يفعل الكذاب المدعي في بيئة تساعده على تصديقه فيما يدعي، وأن عليه أن يستثمر تلك البيئة في رفع نفسه إلى أقصى درجة يستطيع خداع الناس بوصوله إليها وحيازته لها، وأن يستغل كل فرصةٍ ويستثمر كل حدثٍ لتأكيد تلك المنزلة، وأن يفتح كل سبيلٍ أمام الأتباع لإيصاله إلى أبعد نقطة في تعظيم شأنه ورفع قدره، لا سيما في ذلكم الوقت الذي يتتابع الناس على التصديق به ويزداد مؤيده وينحسر مُكذبوه ومُعادوه.

بينما إذا نظرنا إلى حال محمد - صلى الله عليه وسلم - والمكانة والمنزلة التي يتبوأها في الدعوة التي دعا الناس، سواء ما جاء من ذلك في القرآن الكريم، أو في أحاديثه النبي صلى الله عليه وسلم، نجد كل ما يعارض ذلك ويُباعد منه، بل ويقطع كل الطرق أمام حصوله، فأما القرآن فآياته متضافرة على التنصيص على بشرية محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه ذو طبيعة بشرية لا إلهية ولا ملائكية ولا جنية، وأنه ليس إلهًا ولا ابنًا للإله، ولا متحدًا بالإله، ولا شريكًا للإله في الألوهية والربوبية، ﴿ قُلْ إِنمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَي أَنمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [الكهف: 110].

وأنه لا يملك لغيره نفعًا ولا ضرًّا ﴿ قُلْ إِني لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرا وَلَا رَشَدًا * قُلْ إِني لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلا بَلَاغًا مِنَ اللهِ وَرِسَالَاتِهِ ﴾ [الجن: 21 - 23].

ولا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرا إِلا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسنِيَ السوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 188].

وأنه لا يعلم من الغيب إلا ما أخبره به الله عن طريق الوحي ﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِني مَلَكٌ إِنْ أَتبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَي ﴾ [الأنعام: 50].

وأن وظيفته ومهمته في الحياة ليست هي محاسبة الناس وإدخالهم الجنة أو النار، بل وظيفته هي وظيفة مَن سبقوه من المرسلين، إبلاغ رسالة الله تعالى إلى خلقه فحسب ﴿ وَمَا مُحَمدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرسُلُ ﴾ [آل عمران: 144].

وأنه ليس إلا نذير من عند الله للناس ﴿ إِنْ أَنْتَ إِلا نَذِيرٌ ﴾ [فاطر: 23]، ﴿ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الشعراء: 115، 116]، ﴿ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ [سبأ: 46].

وأنه لو فُرض أنه لم يكن هو الرسول المبعوث إلى أهل مكة، لكان غيره سيقوم بمهمته ﴿ قُلْ لَوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [يونس: 16]، (ففي بعض القراءات «ولأدْرَاكم» بلام داخلة على «أدْرَاكم»، قال العلماء: والمعنى: ولأعْلَمكم به من غير وساطتي: إما بواسطة ملكٍ، أو رسولٍ غيري من البشر، ولكنه خَصنِي بهذه الفضيلةِ).

وأنه عرضةٌ للموت أو القتل كسائر البشر، وأن من يربط إيمانه بالله تعالى بحياة محمد فقط، فقد خسرت صفقته، ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144].

وبالجملة فتتبع ذلك في القرآن تصريحًا ومنطوقًا، أو إيماءً ومفهومًا يتعذر، وما المذكور آنفًا إلا أمثلة من المنطوق الصريح، فكيف إذا أضيف إلى ذلك قضية العتاب القرآني لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهي خيرُ دليل وأصدق على ما نحن بصدده هنا، فإن الكذاب الدعي إذا ألف كلامًا من جهة نفسه، وادعى أنه وحي إليه من عند الله، فمن الجنون أن يجعل في ذلك الكتاب الذي اخترعه وافتراه ما فيه ملامة وعتاب له، وما يسميه خصومه اليوم بـ( التوبيخ)، فهل هناك كذاب انتهازي له حظ من العقل والفطنة يسجل على نفسه إعراضه عن واحدٍ من أتباعه الفقراء لانشغاله بدعوة بعض السادة القرشيين؟! ﴿ عَبَسَ وَتَوَلى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلهُ يَزكى * أَوْ يَذكرُ فَتَنْفَعَهُ الذكْرَى * أَما مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدى * وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزكى * وَأَما مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهى * كَلا إِنهَا تَذْكِرَةٌ ﴾ [عبس: 1 - 11].

وهل هناك كذاب انتهازي عاقل يسجل على نفسه هذه الخواطر القلبية - ﴿ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى الناسَ وَاللهُ أَحَق أَنْ تَخْشَاهُ ﴾ [الأحزاب: 37] - التي اتخذ منها خصومه شبهات أثاروها حوله وحول رسالته.

وهل هناك كذاب انتهازي عاقل يأخذ قرارًا بقبول فداء الأسرى في بدر وعدم قتلهم، ثم هو هو يختلق قرآنًا يلوم فيه نفسه، ومن وافقه على أخذ الفداء، وأنه كاد أن يلحقهم عذاب عظيم بسبب هذا القرار ﴿ مَا كَانَ لِنَبِي أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [الأنفال: 67، 68].

وهل يجوز في حكم العقل أن يكون هناك كذاب انتهازي عاقل يقتل أعداؤه عمه، ويمثلون بجثته، فيقسم على الانتقام منهم، ثم في فورة الغضب هذه يختلق قرآنًا من عند نفسه يقول فيه زاجرًا لنفسه ولأتباعه: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصابِرِينَ ﴾ [النحل: 126]؟!

وهل يقبل العقل فرضية أن كذابًا مدعيًا يعتدي عليه أعداؤه في معركة كان النصر حليفهم فيها، فيصيبونه في رأسه وأسنانه، فيقول أمام أصحابه متأثرًا بما أصابه: إنه لا يمكن أن يفلح أولئك الأعداء بعدما فعلوا بنبيهم هذا الذي فعلوه، ثم هذا الكذاب نفسه يخترع كلامًا فينزله على نفسه تعليقًا على كلمته تلك، ويجيء في الكلام المخترع ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذبَهُمْ فَإِنهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [آل عمران: 128]؟!

هل يساعد المنطق على تسويغ شيء من تلك الأشياء؟! وهل يمكن أن يكون فاعل تلك المواقف والمعلق عليها بتلك التعليقات شخص واحد له غرض واحد، ويسعى لهدف واحد، ويفكر بعقل واحد؟!

وأما ما جاء على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فهو تأكيد لِما قرَّره القرآن في شأنه في جميع ذلك، وأنه لم يخرج عن البشرية، وليس به شيء من خصائص الألوهية والربوبية، وأنه دوره منحصر في تبليغ رسالة الله تعالى كحال مَن سبقه من الرسل والأنبياء، وأنه لا يملك مفاتيح الجنة والنار، ولا يملك خزائن السماوات والأرض، وليس له من علم الغيب إلا ما أطلعه عليه من ذلك، وأن تلك الخوارق والمعجزات التي تقع على يديه ليست من قِبل نفسه، وإنما أمده الله بها برهانًا على صدقه فيما يدعيه من أنه رسول الله ونبيه، وأنه يأتيه الوحي من عند الله تعالى بالقرآن وغيره.

فها هو في أول دعوته يؤكد لعشيرته وأقاربه أنه لا يملك من أمر الجنة والنار شيئًا، وأن على كل واحد منهم أن يعمل صالحًا إن كان طامعًا في النجاة من النار، ولا يعول على قرابته من محمد وصلته به، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه ﴿ وأنذر عشيرتك الأقربين ﴾ [الشعراء: 214]: "يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد المطلب، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أغني عنك من الله شيئًا، يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئًا".

وها هو يؤكد أن علمه بشؤون الدنيا وأمورها - مما لم ينزل عليه بشأنه وحي - هو علم بشري لا إلهي، فنراه يبدي رأيه لأصحابه ذات مرة في عدم فائدة تلقيح النخيل، فلما تركوا التلقيح ولم تتنج النخل نفس إنتاجها مع التلقيح، قعد لهم قاعدة عامة في فيما يتعلق بأمور الدنيا ( أنتم أعلم بشؤون دنياكم)، ونراه يحذِّر الناس عند المخاصمة والاحتكام إليه أن يأخذوا من الآخرين حقًّا ليس من حقهم معتمدين على قضائه بذلك، فهو - كما يخبر عن نفسه - يقضي بحسب الظاهر أمامه، وبحسب ما يدلي به كل طرف من الأدلة، وليس له اطلاع على الغيب وعلى ما هو الحق في نفس الأمر.

كما نراه - صلوات الله وسلامه - يقطع كل الطرق أمام تعظيمه والغلو في شأنه والمبالغة في تفخيمه وتمجيده، يستعمل في ذلك الطرق العملية والنظرية.

فأما العملية، فإنه كان يمنع أصحابه من القيام له عند قدومه عليهم أو الوقوف حوله وهو جالس، ويمنعهم من تحيته بالسجود له على نحو ما كانت تفعل الأمم المجاورة مع ملوكها، وكان يجلس بينهم كواحدٍ منهم، بحيث يحتاج الغريب إذا دخل مجلسه أن يسألهم (أيكم محمد)؟!

ولَما مات ولده الرضيع واتفق حدوث كسوف الشمس مع تلك الوفاة، وقال بعض الناس: إن كسوف الشمس إنما بمثابة الحداد منها على موت ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نجد محمدًا صلوات الله عليه بادر إلى استغلال هذه الحادثة لتفخيم شأنه وربط الظواهر الكونية به أو بنسله، بل إنه لم يلتزم الصمت والسكوت تجاه هذا الربط الخاطئ الذي ظنَّه الناس، فطفق يبين لهم عدم العلاقة بين الكسوف وموت ولده، قائلًا: "إن الشمسَ والقمرَ لا ينكسِفَانِ لموتِ أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتانِ مِنْ آياتِ الله عز وجلَ يُخوفُ بهما عباده".

كما نراه يأمر مَن قال له مخاطبًا: "ما شاء الله وشئتَ"، يأمره بأن يقول: "ما شاء الله وحده"، مستنكرًا هذا اللفظ بقوله: "أجعلتني لله ندًّا".

ونراه يقف في وجه مادحيه وقفة صلبة، فعن عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: (انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيناه فسلمنا عليه، فقلنا: يا محمد، أنت سيدنا وابن سيدنا، فقال: "السيد الله تبارك وتعالى"، فقلنا: وخيرنا وابن خيرنا، وأنت ولينا وأعظمنا طَوْلًا، وأنت أفضلنا علينا فضلًا، وأنت الجفنة الغراء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس، قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله - عز وجل".

وأقول أنا: والله ما كان لكذاب مدعٍ قط أن تطاوعه نفسه على هذا التواضع الذي لا مبرر له، إلا كمال أخلاق صاحبه، وسمو مذهبه.

وأما النظرية فنراه ينهى أصحابه أن يبالغوا في مدحه وإطرائه، فيقعوا في المحذور الذي وقعت فيه النصارى في حق عيسى ابن مريم، فمحفوظ عنه أنه قال لهم: (لا تُطْرونِي كما أَطْرَت النصارى عيسى بنَ مريم وقولوا: عبد الله ورسوله).

ونراه يدعو ربه قائلًا: "اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد".

ولعمر الحق، إن هذا لصنيع رسول صادق لا مدع كاذب، فهو حريص ألا تمارس في حقه مظاهر الغلو والإطراء، فضلًا عن التعبد والتأله، إنْ في حياته وإنْ في مماته.

ولقد ذكر محمد صلى الله عليه وسلم للناس أنواعًا شتى من الأذكار والأدعية التي أخبر أن اللهج بها من موجبات الإثابة ودخول الجنة، أو من عوامل تفريج الكربات الدنيوية، مثل "سبحان الله – الحمد لله - الله أكبر- لا حول ولا قوة إلا بالله"، اللهم إني أسألك باسم الأعظم، اللهم إني أسألك بأنك أنت الله، اللهم إني أسألك لك الحمد"...إلخ، وليس في أي منها التوجه إلى محمد بالدعاء والنداء والسؤال والطلب والثناء والمدحة، بل جميعها متوجهة إلى الله تعالى بالثناء والمِدحة والحمد، حتى إن صيغة الصلاة عليه التي أخبر بفضل قولها وإثابة قائلها صيغتها هكذا "اللهم صل على محمد، كما صليت على إبراهيم"، وهذا طلب يطلبه المسلم من الله تعالى بأن يُثني على محمد أو يرحمه، وهو كما نبه بعض العلماء مشعر باحتياج محمد إلى ربه بأن يصلي عليه.

ولعل القارئ يقارن - على سبيل المثال - حال ومنزلة ومكانة محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن وفي أحاديثه النبوية بالمكانة والمنزلة التي يدَّعيها غلاةُ الشيعة في أئمة أهل البيت، وكيف أنهم يجعلون للأئمة ما هو من خصائص الربوبية، وكيف يصرفون لهم من التعبد والتأله ما لا ينبغي إلا لله.

أو ليقارنْ تلك الحالة والمكانة في القرآن والسنة بحال ومكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند طائفة من غلاة الصوفية، وكيف اخترعوا نظرية "الحقيقة المحمدية"؛ ليجعلوا النبي صلى الله عليه وسلم نورًا صادرًا عن الإله، ثم صدرت عنه الكائنات والموجودات!

بل ليقارن المنزلة والمكانة المحمدية في القرآن والسنة بالمنزلة والمكانة التي يجعلها أولئك الغلاة للأولياء من الأقطاب والأوتاد والأغواث الذين يزعمون أن الله تعالى فوض إليهم تصريف الكون، وأنهم يجيبون المضطر ويغيثون في الشدائد...إلخ.

فهذا صنيع أقوام غلوا وبالغوا فيمن يُعظمون لشدة حبهم لهم أو لاعتقادهم باستحقاقهم تلك المنزلة مع جهلهم بحقائق دين الإسلام الذي يمنع من مثل تلك الإطراءات والمبالغات التي يكتنفها الغلو المذموم، فجوهر دين الإسلام تعبيد البشر لله سبحانه وحده، وقطع الطريق أمام كل محاولات لصرف العبادة لغيره كائنًا من كان.

أقول: إذا كان الغلو وصل بأصحابه إلى تلك الدرجات في شأن مَن يعظمونهم مع عدم قصدهم للكذب والافتراء، فكيف سيكون الأمر مع رجلٍ غير صادق في دعوى النبوة، رجلٍ تولى كِبر فرية عظيمة من أعظم الفرى إن لم تكن أعظمها، هل كان سيحول أمام ذلك الرجل حائل ليخترع نصوصًا تؤدي إلى تمجيده وتألهيه وتعظيمه والمبالغة في قدره، وينسبها إلى الله كما ينسب غيرها من النصوص التي يقول إنها وحي من الله إليه؟

ما الوازع الأخلاقي الذي سيحول دون أن يصنع كذاب أَشر هذا الصنيع؟! وهل بقيت به أخلاق بعد فريته الكبرى؟!

وقد قدمنا في صدر المقالة أن البُعد (البراجماتي)، والنظر في العواقب ما كانا ليمنعان ذلك الكاذب من ادعاء الألوهية، أو بعض صفات الإله، وأن البيئة كان مساعدة على تلك الدعوى، وأن غاية ردة الفعل تجاه دعوى الألوهية، أو ادعاء بعض خصائص الإله، ما كانت لتزيد عن ردة الفعل تجاه ادعاء النبوة كذبًا.

وقد نظرنا في الحالة المحمدية، فلم نجد السعي إلى ذلك مطلقًا، ولو على سبيل المحاولة، أو على سبيل قياس ردة فعل الناس تجاه دعوى الألوهية، بل إننا لا نجد إلا كل ما يقطع السبيل على الآخرين في اعتقاد ذلك في محمد صلى الله عليه وسلم، ونهيهم عن كل قولٍ أو فعلٍ يمكن أن يصبح وسيلة تمهد الطريق لرفعه عن الحالة البشرية التي يتشارك فيها مع جميع البشر، وأن امتيازه عن الناس ما هو إلا بالوظيفة الرسالية، لكنه لم يكن في ذلك بِدعًا، فقد سبقه غيره من الرسل ونالوا هذا التشريف وقاموا بتلك الوظيفة.

ولا يعكر على صفو ذلك التقرير ولا يشغب عليه ما جاء في بعض آي القرآن الكريم والحديث النبوي من مدح وثناء على محمد صلى الله عليه وسلم، وبيان بعض الآداب معه، نحو: ﴿ وَإِنكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، ونحو: ﴿ النبِي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 6]، ومثل: ﴿ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِن ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 53].

وكقوله تعالى: ﴿ يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبِي وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [الحجرات: 2].

وكذلك الأوامر المتكاثرة في القرآن بوجوب طاعة محمد صلى الله عليه وسلم طاعة مطلقة ﴿ وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرسُولَ لَعَلكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران: 132]، وأن طاعته هي من طاعة الله ومعصيته معصية لله، ﴿ مَنْ يُطِعِ الرسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ﴾ [النساء: 80]، ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَل ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].

فنقول: أما المدح والثناء وبيان المنزلة والحظوة عند الله، فهو لا يخرج من كونه ثناءً على شخصٍ بشرٍ اصطفاه الله وحباه، لكنه لم يرتق مع هذا الاصطفاء إلى درجة الإله أو المشاركة في خصائص الألوهية؛ فالثناءات القرآنية على محمد صلوات الله عليه مقترنة بوصفه بالعبودية، وأن المكانة الرفيعة التي أنالها الله إياها تفضلًا منه عليه ولتكميل محمد صلوات الله عليه مقام العبودية لله، وتحققه بصفات العبودية المثلى من كمال الخوف من الله، وكمال رجائه وكمال محبته له، وكمال التذلل له، وكمال التوكل عليه والاستعانة والاستغاثة به، واللجوء إليه وتقديم العبادات المستحقة له على وجهها الأكمل والأوفى... إلى آخر ما هنالك، فهو عبدٌ كامل العبودية لله، وليس إلهًا ولا نصف إله، ولا فيه شيء من خصائص الإله.

وكذلك ما اختصه به من أحكام لا تجري على غيره من الناس، فهي في مقابل ما اختصه به من تكاليف وأعباء لا يقوم بها غيره، ولا يُطالب بها أحدٌ سواه.

وأما الأمر بطاعته طاعة مطلقة، فهو أمرٌ لا بد منه ما دام نبيًّا مرسلًا من عند الله، إذْ لو كان الناس في مندوحة من طاعته وعصيانه، لكانوا في مندوحة من تصديقه في شأن النبوة، ولما كان لإرساله معنى ولا منه فائدة، فهو مبلغ عن الله أوامره ونواهيه، فلو كان للناس في طاعته مندوحة، لكان لهم في طاعة الله تعالى مندوحة، وكل ذلك لغو خارج عن أحكام العقل.

وأما ما جاء في السنة النبوية، فيمكن للخصوم أن يحتجوا من ذلك بأمرين: الأول: نصوص نبوية ذكر فيها محمد صلى الله عليه وسلم من مكانته ومنزلته وفضله عند الله ورفعته في فوق الناس أجمعين، مثل قوله: «أَنَا سَيدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَولُ مَنْ تَنْشَق الْأَرْضُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَولُ شَافِعٍ، وَأَولُ مُشَفعٍ، وَلَا فَخْرَ، وَلِوَاءُ الْحَمْدِ بِيَدِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا فَخْرَ».

والأمر الآخر: هو ما كان يفعله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم معه من تبجيل وتعظيم يفوق الوصف، ومن تبرك بآثاره وصل إلى التبرك بعرقه وشعره وبقايا وضوئه، ونصوص ذلك متناثرة في كتب الحديث.

فنقول: أما الإخبار بمنزلته وبما أعطاه الله من رفعة وتشريف، فهو كمثل ما جاء من ثناءٍ عليه وتفضيلٍ له في القرآن، وقد قدمنا أنه لا ضير في ذلك ما دام لم يرفع محمدًا صلى الله عليه وسلم فوق درجة البشرية ولم ينقله إلى تقديس الألوهية، ولم يأمر الناس بأي يقدموا له أي لون من ألوان التعبد والتأله، بل جعل كل ألوان التعبد مقتصرًا توجيهها إلى الله تعالى فحسب، بل كان محمد صلى الله عليه وسلم يقوم بأدوار التعبد المختلفة ويمارسها مشاقها ومكارهها كأي واحدٍ من الناس.

وقد أشرنا أيضًا إلى أن تفاني محمد صلى الله عليه وسلم في التعبد والخضوع لله وتكريس حياته كلها في عبادة الله وطاعته، هو سبب ما امتاز به محمد صلى الله عليه وسلم من منزلة ومكانة عند الله، وتفاضل الناس في المنزلة عند الله ليس بمنكور، كما أن تفاضلهم في التعبد والتبتل والقيام بالوظائف الإيمانية محسوس ومشاهد.

وأما الاحتجاج بما كان من أفعال الصحابة في التبرك بذات محمد صلى الله عليه وسلم، فهو وجيه من جهة أن لقائلٍ من خصوم محمدٍ صلى الله عليه وسلم اليوم أن يقول: هذا لونٌ من ألوان التعظيم والتقديس مُورِس معه، فيكون قد استفاد من اختلاق النبوة، وأنتم تزعمون أنه ما انتفع من النبوة بشيء دنيوي فلا وجه لأن يختلق دعوى النبوة.

لكننا نقول: إن وجاهة هذا القول إنما تكون إذا نظرنا لذلك التبرك والتقديس مجردًا عن بقية أحوال محمد صلى الله عليه وسلم، فإن المنقول عنه من تواضعه ورفضه للإطراء والغلو فيه، لا يستقيم مع القول بأنه كان ينتشي بذلك التبرك ويعده لونًا من ألوان الرئاسة والوجاهة، فإنه لو كان يراه كذلك لاستغله أيما استغلال، ولَوافق على الصور الأخرى من صور التقديس والرياسة، ولسعى في ترسيخها وحضَّ أصحابه عليها وأغراهم بها، ولجعل جميع ذلك ممهدًا لدعوى الألوهية.

ولقد كان واقعه صلى الله عليه وسلم على ضد ذلك تمامًا كما بينَّاه، فهو حريصٌ بأقواله وأفعاله على ترسيخ اختصاص الله تعالى بالألوهية والربوبية، ونفى ذلك عما سواه، وصرف جميع أنواع العبادات إلى الله وحده وعدم إشراك أحد معه في ذلك.

ومع التبرك والتقديس المشار إليه، لم نجد محمدًا صلى الله عليه وسلم يأمر أولئك المتبركين بآثاره وذاته أن يصلوا له ركعة واحدة، أو يسجدوا له سجدة ولو على سبيل التعظيم، أو يصوموا له يومًا، أو ينذروا له نذرًا، أو يطلبوا منه أن يمدَّهم بالمال والأولاد والعافية، أو يُقطعهم منازل في الجنة، بل أمر وشدد في أمره أن يكون جميع ذلك مصروفًا إلى الله تعالى؛ لأنه الرب المختص بذلك، وأما هو فبشرٌ مثلهم، وغايةُ ما يَملكه لهم أن يدعو الله لهم، فيحصل بدعائه مقصودهم إنْ استجاب الله دعاءه فيهم، ورأيناه كما تقدم يقطع السبل ويسد الذرائع التي يمكن أن تُفضي يومًا إلى اعتقاد ألوهيته، أو صرف العبادة إليه، فلم يبقَ أمامنا مناصٌ في أن ننظر إلى ذلك التبرك المذكور وقَبول محمد به، إلا على أنه داخل في شواهد نبوته والخوارق التي وقعت على يديه تصديقًا لنبوته، من نحو تكثير الطعام القليل، ونبع الماء من بين أصابعه، وتكليم الجمادات له، وغير ذلك من خوارق العادات التي استأنس بها أهل عصره في التصديق برسالته، فكانت بركة جسده وتبرك أصحابه بآثاره من هذا الجنس، فهو من شواهد نبوته لا من شواهد ألوهيته، ولو كان كاذبًا - حاشاه - لاستغل تلك الخوارق وذلك التبرك الممارس معه في ادعاء الألوهية، ولجعلهما من شواهدها وأماراتها.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 69.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.64 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.41%)]