الأحكام الفقهية من القصص القرآنية - الصفحة 4 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836892 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379405 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191257 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2666 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 661 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 947 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1099 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 854 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 01-04-2021, 02:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (31)
- الأحكام الفقهية المستنبطة من قصة موسى مع قومه


د.وليد خالد الربيع







قال -سبحانه-: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (الأعراف:150).

قال ابن كثير: «يخبر -تعالى- أن موسى -عليه السلام- رجع إلى قومه من مناجاة ربه -تعالى- وهو غضبان أسف.قال أبو الدرداء «الأسف»: أشد الغضب {قال بئسما خلفتموني من بعدي} يقول: بئس ما صنعتم في عبادتكم العجل بعد أن ذهبت وتركتكم.وقوله: {وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه} ثم ظاهر السياق أنه إنما ألقى الألواح غضبا على قومه، وهذا قول جمهور العلماء سلفا وخلفا».

المستفاد من الآية

وهذه الآية الكريمة يستفاد منها مسائل فقهية عدة منها:

المسألة الأولى: تأثير الغضب في صحة التصرفات:

الغضب غريزة إنسانية، فهو تغيّر يحصل عند فوران دم القلب ليحصل عنه التشفي وطلب الانتقام، فالإنسان يغضب عندما يستثار، فتقوم الخصومات، وتندلع المضاربات، بل قد يصل الأمر إلى ارتكاب أبشع الجرائم بسبب سَوْرة الغضب وحدة الطبع.

والشرع المطهر يحثنا على الحلم وضبط النفس، وعدم الاسترسال مع الغضب وآثاره الخطيرة، لئلا يقع الإنسان فيما لا تحمد عقباه، ويندم؛ حيث لا ينفع الندم.

فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» متفق عليه. وقال النووي شارحا الحديث: «تعتقدون أن الصرعة: الممدوح القوي الفاضل هو القوي الذي لا يصرعه الرجال بل يصرعهم، وليس هو كذلك شرعا، بل هو من يملك نفسه عند الغضب، فهذا هو الفاضل الممدوح الذي قل من يقدر على التخلق بخلقه ومشاركته في فضيلته بخلاف الأول، وفيه كظم الغيظ، وإمساك النفس عند الغضب عن الانتصار والمخاصمة والمنازعة».

ولهذا تكررت الوصية منه - صلى الله عليه وسلم - بعدم الغضب، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - أوصني قال: «لا تغضب» فردد مرارا قال: «لا تغضب» أخرجه البخاري.

قال ابن حجر: «قال الخطابي معنى قوله: «لا تغضب» اجتنب أسباب الغضب ولا تتعرض لما يجلبه، وأما نفس الغضب فلا يتأتى النهي عنه لأنه أمر طبيعي لا يزول من الجبلة. وقيل: معناه لا تفعل ما يأمرك به الغضب».

والغضب لا يؤثر في أهلية المكلف ولا يسقط تبعة أفعاله، قال عامة الفقهاء: والغضبان مكلف حال غضبه بما يصدر منه من كفر وقتل نفس وأخذ مال بغير حق، وغير ذلك.

نذر اللجاج والغضب

ومن الأفعال التي تقع تحت تأثير الغضب نَذرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ: وَهُوَ الَّذِي يُخْرِجُهُ الناذر مَخْرَجَ الْيَمِينِ، لِيحَثِّ نفسه أو غيره عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ الْمَنْعِ مِنْهُ، غَيْرَ قَاصِدٍ بِهِ لِلنَّذرِ، وَلا الْقُرْبَةِ، كأن يقول: إن فعلت كذا فعليّ صوم أو حج أو صدقة.

فَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ فيخير بين ما التزمه أو كفارة اليمين، ودليل ذلك ما ثبت عن الصحابة الكرام: فعن عائشة أنها سئلت عن رجل جعل كل مال له في رتاج الكعبة، في شيء كان بينه وبين عمة له، قالت عائشة: «يكفره ما يكفر اليمين».

وعن ابن عباس قيل له: ما تقول في امرأة جعلت بردها عليها هدياً إن لبسته؟ فقال ابن عباس: في غضب أم في رضا؟ قالوا: في غضب قال: «إن الله -تعالى- لا يـُتـقرَّب إليه بالغضب، لتكفر عن يمينها». ومثله عن عمر وابن عمر وغيرهم، ووجه الدلالة أن الصحابة سموا نذر اللجاج والغضب (يميناً)؛ لما فيه من معنى اليمين، ثم أوجبوا فيه كفارة اليمين.

الطلاق

ومن الأفعال الكثيرة التي تقع تحت تأثير الغضب الطلاق، وقد ذكر ابن القيم للغضب ثلاثة أقسام:

- أحدها: ما يزيل العقل فلا يشعر صاحبه بما قال، وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع.

- الثاني: ما يكون في مبادئه؛ بحيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول وقصد، فهذا يقع طلاقه.

- الثالث: أن يستحكم ويشتد به فلا يزيل عقله بالكلية ولكن يحول بينه وبين نيته؛ بحيث يندم على ما فرط منه إذا زال، فهذا محل نظر، وقد اختلف الفقهاء في وقوع طلاق الغضبان في هذه الحالة على مذهبين:

المذهب الأول: يقع طلاق الغضبان

وقال به الجمهور؛ لأن المطلق مكلف لم يزل عقله بالغضب فقوله معتبر ويقع أثره، وحملوا حديث: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق» أخرجه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني على الإكراه، فقالوا: لا يقع طلاق المكره، ويقع طلاق الغضبان.

- قال ابن رجب: «وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَضْبَانَ مُكَلَّفٌ فِي حَالِ غَضَبِهِ بِالسُّكُوتِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُؤَاخَذًا بِالْكَلَامِ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ أَمَرَ مَنْ غَضِبَ أَنْ يَتَلَافَى غَضَبَهُ بِمَا يُسَكِّنُهُ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ، وَهَذَا هُوَ عَيْنُ التَّكْلِيفِ لَهُ بِقَطْعِ الْغَضَبِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فِي حَالِ غَضَبِهِ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُ؟».

ولأن طلاق الناس غالبا إنما يكون في حال الغضب، ولو جاز عدم وقوع طلاق الغضبان لكان لكل أحد أن يقول فيما جناه: كنت غضبان فلا يقع طلاق البتة.

المذهب الثاني: لا يقع طلاق الغضبان

وهو قول الإمام أحمد والشافعي والبخاري وابن تيمية وابن القيم والشيخ ابن باز وابن عثيمين وغيرهم، وقد انتصر له ابن القيم في رسالته (إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان) واستدل له بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة ومقتضى القياس الصحيح وأصول الشريعة. فمما استدل به:

1- قوله -تعالى-: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا...الآية}، قال ابن القيم: «أن موسى لم يكن ليلقي ألواحا كتبها الله -تعالى- وفيها كلامه من على رأسه إلى الأرض فيكسرها اختيارا لذلك، وإنما حمله على ذلك الغضب فعذره الله -سبحانه- ولم يعتب عليه بما فعله».

2- حديث عائشة مرفوعا: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق»، قال أبو داود: «والإغلاق أظنه الغضب» ونقل الخلال عن الإمام أحمد أن الإغلاق يعني الغضب، قال ابن القيم: وقد فسره الشافعي بالغضب.

3- وما ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان» ولولا أن الغضب يؤثر في قصده وعلمه لم ينهه عن الحكم حال الغضب.


قال الشيخ ابن عثيمين: «فالقول بعدم وقوع طلاق الغضبان نظرياً هو القول الراجح، لكن عملياً وتربوياً هل نقول بالفتوى به، أو نمنع الفتوى به إلا في حالات معينة نعرف فيها صدق الزوج؟ الثاني؛ لأننا لو أطلقنا القول بأن طلاق الغضبان لا يقع لَكَثُرَ من يقول: أنا غضبت وطلقت، وهو لا يفرق بين الدرجة الأولى والدرجة الثانية فيقع التلاعب، ولهذا فإطلاق الفتوى بعدم وقوع الطلاق من الغضبان يؤدي إلى أن يتتابع الناس في الطلاق».


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 10-04-2021, 06:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (32)
- الأحكام المستفادة من خلق الإنسان من نفس واحدة

د.وليد خالد الربيع







قال -تعالى-: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (سورة الأعراف: 189)، يذكر الله -تعالى- نعمته على عباده؛ حيث أنشأهم من نفس واحدة، والمقصود آدم -عليه السلام- وخلق زوجه حواء -عليها السلام- منه، ثم جاءت ذريتهما وفق ما سنه الله -تعالى- لتكاثر البشر عن طريق الاتصال بين الرجل والمرأة وما يتبع ذلك من حمل وولادة، وقد امتن الله -سبحانه- على عباده بهذا الأمر في مواضع كثيرة منها قوله -سبحانه-: {واللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} (سورة النحل: 72).

قوله -تعالى-: {حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا} قال الشيخ ابن سعدي: «وذلك في ابتداء الحمل، لا تحس به الأنثى، ولا يثقلها. {فَلَمَّا} استمرت به و{أَثْقَلَتْ} به حين كبر في بطنها، فحينئذ صار في قلوبهما الشفقة على الولد، وعلى خروجه حيا، صحيحا، سالما لا آفة فيه كذلك فـ {دعوا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا} ولدا {صَالِحًا} أي: صالح الخلقة تامها، لا نقص فيه {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}».

أثر الحمل في تصرفات الحامل

فمن المسائل الفقهية المستفادة من الآية مسألة: أثر الحمل في تصرفات الحامل: قال القرطبي: «دلت الآية على أن الحمل مرض من الأمراض. روى ابن القاسم ويحيى عن مالك قال: «أول الحمل يسر وسرور، وآخره مرض من الأمراض». وهذا الذي قاله مالك: «إنه مرض من الأمراض» يعطيه ظاهر قوله: {دعوا الله ربهما}، وهذه الحالة مشاهدة في الحمال، ولأجل عظم الأمر وشدة الخطب جعل موتها شهادة، كما ورد في الحديث».

من الشهيد من أمتي؟

يشير -رحمه الله- إلى حديث راشد بن حبيش أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على عبادة بن الصامت في مرضه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتعلمون من الشهيد من أمتي؟ وذكر منهم: «والنفساء يجرها ولدها بسرره إلى الجنة» والسرر: ما تقطعه القابلة من المولود، والحديث أخرجه الإمام أحمد بسند صحيح.

وقد اختلف الفقهاء في تأثير الحمل في تبرعات الحامل المالية، وقبل ذكر ذلك لابد من بيان أمرين:

- الأمر الأول: تأثير الحمل على الأهلية: والأهلية: صفة يقدرها الشارع في الشخص تجعله صالحا لأن تثبت له الحقوق، وتثبت عليه الواجبات، وتصح منه التصرفات، وهي نوعان:

النوع الأول: أهلية الوجوب

وهي صلاحية الشخص لثبوت الحقوق له وعليه شرعاَ. وتثبت بمجرد ثبوت الحياة، فلا علاقة لها بالسن ولا العقل أو الرشد، بل كل إنسان حي يتمتع بأهلية الوجوب.

النوع الثاني: أهلية الأداء

وهي صلاحية الشخص لصدور التصرفات منه على وجه يعتد به شرعا، وهذا يعني أن أهلية الأداء تجعل الشخص أهلا للمعاملة بين الناس، ومناطها العقل، فتثبت للبالغ العاقل أهلية أداء كاملة، وتثبت للصبي المميز أهلية أداء ناقصة، والحامل العاقلة لها أهلية كاملة؛ لأنها تتمتع بالحياة، ولم يعرض لها ما ينقص أهليتها أو يزيلها.

الأمر الثاني: تأثير مرض الموت في التبرعات

- مرض الموت: هو المرض الذي يقعد من أصيب به عن القيام بمصالحه، ويكون مخوفا أي: يغلب الموت منه، ويموت مريض مرض الموت به. فلو تعافى الإنسان منه أو ابتلي به ولم يمت فليس مرض موت.

وألحق الفقهاء بمرض الموت كل شخص أشرف على مخاطر جسيمة يغلب فيها الهلاك، كالمحكوم عليه بالإعدام، والمشرف على الغرق، والمرأة الحامل قريبة الولادة وغيرهم.

ومرض الموت يؤثر في صحة التبرعات، فعند عامة الفقهاء يجوز الحجر على مريض مرض الموت في تبرعاته لحق الورثة بما زاد عن ثلث ماله، والتبرعات تشمل الهبة والوصية والوقف والإبراء من الدين ونحوها.

ودليلهم حديث عمران بن حصين «أن رجلا أعتق ستة أعبد عند موته، ولم يكن له مال غيرهم، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له قولا شديدا، ثم دعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة» أخرجه مسلم فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - تبرعه بما زاد عن الثلث.

وقد اتفق الفقهاء على أن الحمل قبل مرور ستة أشهر لا يؤثر في الأهلية، ولا تبرعات الحامل؛ لعدم وجود خطر الموت عليها، وأما بعد مرور ستة أشهر على الحمل فاختلف الفقهاء في منع تبرع الحامل فيما زاد على الثلث على مذاهب:

المذهب الأول: عطيتها كعطية الصحيح

وقال به الْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ: عَطِيَّتُهَا كَعَطِيَّةِ الصَّحِيحِ أي: لا يحجر على الحامل مطلقا، وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ سَلَامَتُهَا، فلا تقيد تبرعاتها بغير موجب.

المذهب الثاني:الحمل لايؤثر في التبرعات

وقال به النَّخَعِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْعَنْبَرِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وهو قول الجمهور أن الحامل بعد ستة أشهر إذا لم يأتها الطلق -وهو وجع الولادة- فلا يؤثر الحمل في التبرعات، أما في حالة الطلق بعد ستة أشهر فتعد الحامل كمريض مرض الموت فيحجر عليها فيما زاد على الثلث.

ودليلهم: كما قال ابن قدامة: «أَنَّهَا إذَا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ، كَانَ مَخُوفًا؛ لِأَنَّهُ أَلَمٌ شَدِيدٌ يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ، فَأَشْبَهَتْ صَاحِبَ سَائِرِ الْأَمْرَاضِ الْمَخُوفَةِ. وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَا أَلَمَ بِهَا، وَاحْتِمَالُ وُجُودِهِ خِلَافُ الْعَادَةِ، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِاحْتِمَالِهِ الْبَعِيدِ مَعَ عَدَمِهِ، كَالصَّحِيحِ». ومرادهم بأن الحمل عادة والغالب فيه السلامة.

المذهب الثالث: تبرع الحامل من الثلث

وقال به سعيد بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَقَتَادَةُ وهو مذهب المالكية وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها الخرقي إلى أن تبرع الحامل بعد ستة أشهر ولو لم يضربها الطلق يكون من الثلث فقط ويحجر عليها فيما زاد على الثلث.

ودليلهم: أَنَّ سِتَّةَ الْأَشْهُرِ وَقْتٌ يُمْكِنُ الْوِلَادَةُ فِيهِ، وَهِيَ مِنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ. فتقام المظنة مقام السبب الفعلي.

قال القرطبي مستدلا بالآية المذكورة: وإذا ثبت هذا من ظاهر الآية فحال الحامل حال المريض في أفعاله، ولا خلاف بين علماء الأمصار أن فعل المريض فيما يهب ويحابي في ثلثه.

ونوقش هذا الاستدلال: بأن احتمال الموت وارد لكنه قليل، ومثل هذا الاحتمال القليل لا يسوغ الحجر على المرأة البالغة العاقلة الحرة الرشيدة، قَالَ الْمَازِرِيُّ وهو من فقهاء المالكية في تعقب دليل المالكية: «مُسْتَنَدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْعَوَائِدُ، وَالْهَلَاكُ مِنْ الْحَمْلِ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ، لَوْ بَحَثْتَ عَنْ مَدِينَةٍ مِنْ الْمَدَائِنِ لَوَجَدْتَ أُمَّهَاتِ أَهْلِهَا إمَّا أَحْيَاءً وَإِمَّا أَمْوَاتًا مِنْ غَيْرِ نِفَاسٍ، وَمَنْ كَانَ هَذَا حَالُهُ لَمْ تَخْرُجْ بِهِ الْمَرْأَةُ إلَى أَحْكَامِ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَهَذَا مُخْتَارُنَا»، وبهذا يظهر رجحان مذهب الجمهور، والله أعلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 10-04-2021, 06:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (33)
- الأحكام الفقهية من قصة موسى -عليه السلام- مع بني إسرائيل


د.وليد خالد الربيع






لا نزال مع المسائل الفقهية المستفادة من قوله -تعالى-: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (سورة الأعراف: 150)، ومعنى الآية كما قال الشيخ ابن سعدي: «أي: فلا تظن بي تقصيرا فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ بنهرك لي، ومسك إياي بسوء، فإن الأعداء حريصون على أن يجدوا عليَّ عثرة، أو يطلعوا لي على زلة، وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ فتعاملني معاملتهم».

قال ابن عاشور: «وَالتَّفْرِيعُ فِي قَوْلِهِ: {فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} تَفْرِيعٌ عَلَى تَبَيُّنِ عُذْرِهِ فِي إِقْرَارِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، فَطَلَبَ مِنْ أَخِيهِ الْكَفَّ عَنْ عِقَابِهِ الَّذِي يَشْمَتُ بِهِ الْأَعْدَاءُ لِأَجْلِهِ، وَيَجْعَلُهُ مَعَ عِدَادِ الظَّالِمِينَ فَطَلَبُ ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ طَلَبِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْعِقَابِ»، فهذا الجزء من الآية الكريمة يدل على منع الشماتة بالمسلم ابتداء وتسببا؛ بأن يفعل ما يلحق الشماتة بالمسلم.

وقبل بيان حكم الشماتة لابد من تعريفها:

قال القرطبي: «الشماتة: هي السرور بما يصيب أخاك من المصائب في الدين والدنيا».

قال ابن عاشور: «وَالشَّمَاتَةُ: سُرُورُ النَّفْسِ بِمَا يُصِيبُ غَيْرَهَا مِنَ الْأَضْرَارِ، وَإِنَّمَا تَحْصُلُ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْحَسَدِ».

حكم الشماتة

قال القرطبي: «وهي محرمة منهي عنها»، وقد دل على هذا الحكم أدلة صريحة، وأخرى تضمنت النهي عن الشماتة دلالة، ومن ذلك النهي عن إيذاء المؤمنين، والنهي عن السخرية منهم، والتحذير من مشابهة المنافقين في فرحهم بمصائب المسلمين وما يلحقهم من محن وابتلاءات.

فمن الأدلة على حرمة الشماتة قول الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا{(سورة الأحزاب: 58)، قال القرطبي: «أذية المؤمنين والمؤمنات بالأفعال والأقوال القبيحة، كالبهتان والتكذيب الفاحش المختلق. وقد قيل: إن من الأذية تعييره بحسب مذموم، أو حرفة مذمومة، أو شيء يثقل عليه إذا سمعه؛ لأن أذاه في الجملة حرام «.باختصار، ولا شك أن إظهار الفرح بما يصيب المسلم من المكروه والمصائب من الإيذاء والإساءة المحرمة التي تندرج تحت دلالة الآية الكريمة.


وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ} (سورة الحجرات: 11).

عبارات المفسرين في بيان السخرية

وقد تنوعت عبارات المفسرين في بيان السخرية المنهي عنها في الآية الكريمة، ومن ذلك قول ابن زيد أن السخرية المحرمة التي تتضمن معنى الشماتة فقال: «لا يسخر من ستر الله عليه ذنوبه ممن كشفه الله، فلعل إظهار ذنوبه في الدنيا خير له في الآخرة».

قال الطبري: «والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله عمّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السخرية، فلا يحلّ لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقره، ولا لذنب ركبه، ولا لغير ذلك»، وهذا كما لا يخفى يتناول الشماتة بالمسلم والفرح بمصابه وذنبه.

صفات المنافقين

وقال -سبحانه- في شأن المنافقين وعداوتهم للمؤمنين: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (سورة آل عمران: 120)، قال القرطبي: «والمعنى في الآية: أن من كانت من صفته شدة العداوة والحقد والفرح بنزول الشدائد على المؤمنين، لم يكن أهلا لأن يتخذ بطانة».

قال قتادة: «فإذا رأوا من أهل الإسلام ألفة وجماعة وظهورًا على عدوهم، غاظهم ذلك وساءهم، وإذا رأوا من أهل الإسلام فُرقة واختلافًا، أو أصيب طرف من أطراف المسلمين، سرَّهم ذلك وأعجبوا به وابتهجوا به».

والله -تعالى- يحكي أخلاق المنافقين وأحوالهم للعلم بها والحذر من الاتصاف بها، فالشماتة بالمسلم كما دلت هذه الآية من أخلاق المنافقين والمسلم يربأ بنفسه عنها.

النهي عن الشماتة

ومن الأدلة الصريحة في هذا الباب حديث واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تظهر الشّماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك» أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول: «حديث حسن بشواهده». وذكره المنذري في الترغيب ووافق الترمذي في تحسينه.

بيّـن في تحفة الأحوذي أن الحديث من باب العقوبة لمن تعالى على أخيه المسلم فقال: «والمعنى يرحمه رغما لأنفك (ويبتليك) حيث زكيت نفسك ورفعت منزلتك عليه، ونحوه قوله - صلى الله عليه وسلم - في قول من قال لصاحبه» والله لا يغفر الله لك أبدا: «فقال الله -تعالى- للمذنب: ادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: تستطيع أن تحظر عن عبدي رحمتي «الحديث».

الشماتة أمر سيء

ومما يدل أن الشماتة أمر سيء تعوذ النبي - صلى الله عليه وسلم - منها فقد روى الشيخان عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوذ من سوء القضاء، ومن درك الشقاء، ومن شماتة الأعداء، ومن جهد البلاء، وفي رواية للبخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تَعَوَّذُوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء»، فقوله: «وشماتة الأعداء»: أي: نعوذ بك من أن تلحقنا مصيبة في ديننا أو دنيانا يفرح بها أعداؤنا، قال ابن بطال مبينا أن الشماتة مؤذية: «وشماتة الأعداء ما ينكأ القلب ويبلغ من النفس أشد مبلغ».

مفهوم الأعداء

قال الشيخ ابن عثيمين: «الأعداء جمع عدو، وقد ذكر الفقهاء ضابطا للعدو فقالوا: من سره ما ساء في شخص، أو غمه فرحه فهو عدوه، كل إنسان يسره ما ساءك، أو يغمه فرحك فهو عدو لك، وشماتة الأعداء: أن الأعداء يفرحون بما أصابك، والعدو لا شك أنه يفرح في كل ما أصاب الإنسان من بلاء، ويحزن في كل ما أصابه من خير، فأنت تستعيذ بالله -عز وجل- من شماتة الأعداء».

قال ابن بطال: «وإنما تعوذ النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك تعليما لأمته فإن الله -تعالى- كان آمنه من جميع ذلك وبذلك جزم عياض».

وجاء في حديث أبي جري جابر بن سليم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصاه فقال: «وإن امرؤ شتمك وعيّـرك بما يعلم فيك فلا تعيّره بما تعلم فيه، فإنما وبال ذلك عليه». رواه أبو داود والترمذي، وقال في عون المعبود: «(فَلَا تُعَيِّرْهُ) مِنَ التَّعْيِيرِ وَهُوَ التَّوْبِيخُ وَالتَّعْيِيبُ عَلَى ذَنْبٍ سَبَقَ لِأَحَدٍ مِنْ قَدِيمِ الْعَهْدِ سَوَاءً عَلِمَ تَوْبَتَهُ مِنْهُ أَمْ لَا». وهذا مما يؤيد الحكم المذكور وهو حرمة الشماتة بالمسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 10-04-2021, 06:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (34)
- الأحكام الفقهية من قصة موسى -عليه السلام- مع قومه


د.وليد خالد الربيع






لا نزال مع المسائل الفقهية المستفادة من قوله -تعالى-: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (سورة الأعراف: 150)

المسألة الثانية: الاستطاعة شرط للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

قال القرطبي: «فدلت الآية على أن لمن خشي القتل على نفسه عند تغيير المنكر أن يسكت».

وبيان ذلك أن الله -تعالى- أخبر أن موسى -عليه السلام- لما رجع من مناجاة ربه، فوجد قومه قد تركوا أعظم واجب وهو توحيد الله -تعالى-، ووقعوا في أعظم ذنب وهو الشرك بالله بعبادتهم العجل، فغضب أشد الغضب، وأخذ برأس أخيه خشية أن يكون قد قصر في الإنكار عليهم، فلما أخبره بما صنع وما ردوا عليه كما أخبر -تعالى- في سورة طه: {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} (سورة طه: 92 - 94) وقال هاهنا: {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} قال ابن كثير: «أي: لا تسقني مساقهم، ولا تخلطني معهم. وإنما قال: (ابن أم) لتكون أرأف وأنجع عنده، وإلا فهو شقيقه لأبيه وأمه. فلما تحقق موسى -عليه السلام- من براءة ساحة هارون -عليه السلام- كما قال -تعالى-: {ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري} فعند ذلك قال موسى: {رب اغفر لي ولأخي}».

فهارون -عليه السلام- أنكر عليهم عبادة العجل لكنه لم يغير ذلك بيده لما خشيه من جرأتهم عليه وقتله، قال الشوكاني: «فَقَالَ هَارُونُ مُعْتَذِرًا مِنْهُ: {ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي} أَيْ: إِنِّي لَمْ أُطِقْ تَغْيِيرَ مَا فَعَلُوهُ لِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ: اسْتِضْعَافُهُمْ لِي، وَمُقَارَبَتُهُمْ لِقَتْلِي».

فهذه الآية تدل على قاعدة عامة في التكليف عموما وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خصوصا، وهي أنه (لا واجب بلا اقتدار، ولا محرم مع اضطرار).

شرط التكليف العلم والقدرة

فمن المعلوم أن شرط التكليف (العلم والقدرة)، قال شيخ الإسلام: «من استقرأ ما جاء به الكتاب والسنة تبين له أن التكليف مشروط بالقدرة على العلم والعمل، فمن كان عاجزا عن أحدهما سقط عنه ما يعجزه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها».

وبناء على هذه القاعدة يستفاد أن الواجبات تسقط عن المكلف في حال عجزه عن القيام بها، قال ابن تيمية: «فلم يوجب الله ما يعجز عنه العبد»، والعجز عن العلم أو العمل قد يكون عجزا تاما، كعجز المجنون عن العلم، أو عجز المسن عن الصيام، وفي هذه الحالة يقول ابن تيمية: «التكليف الشرعي مشروط بالممكن من العلم والقدرة، فلا تجب الشريعة على من لا يمكنه العلم كالمجنون والطفل، ولا تجب على من يعجز كالأعمى والأعرج والمريض في الجهاد، وكما لا تجب الطهارة بالماء والصلاة قائما والصوم وغير ذلك على من يعجز عنه».

وقد يكون عجزا نسبيا؛ بحيث يتمكن من العلم أو العمل، لكنه ليس تمكنا تاما، بل يلحقه في ذلك كلفة ومشقة، وفي هذه الحال يقول ابن تيمية: «قد تسقط الشريعة التكليف عمن لم تكمل فيه أداة العلم والقدرة تخفيفا وضبطا لمناط التكليف، وإن كان التكليف ممكنا، كما رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، وإن كان له فهم وتمييز، لكن ذاك لأنه لم يتم فهمه».

فالنصوص الشرعية بينت شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وضوابطه، ومن ذلك حديث أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».

قال ابن رجب: «فدلت هذه الأحاديث كلها على وجوب إنكار المنكر بحسب القدرة عليه، أما إنكاره بالقلب فلا بد منه، فمن لم ينكر بقلبه المنكر دل على ذهاب الإيمان من قلبه، وسمع ابن مسعود رجلا يقول: هلك من لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فقال ابن مسعود: «هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر». يشير إلى أن معرفة المعروف والمنكر بالقلب فرض لا يسقط عن أحد فمن لم يعرفه هلك.

الإنكار باللسان واليد بحسب القدرة

وأما الإنكار باللسان واليد فإنما يجب بحسب القدرة، وقال ابن مسعود: «يوشك من عاش منكم أن يرى منكرا لا يستطيع له، غير أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره». فيستفاد من هذا:

1- أن الإنكار القلبي فرض على كل مسلم في كل حال، وأما الإنكار باليد واللسان فبحسب القدرة، يقول شيخ الإسلام: «حب القلب وبغضه وإرادته وكراهته ينبغي أن تكون كاملة جازمة، لا توجب نقص ذلك إلا بنقص الإيمان، وأما فعل البدن فبحسب قدرته، ومتى كانت إرادة القلب وكراهته كاملة تامة، وفعل العبد معها بحسب قدرته فإنه يعطى ثواب الفاعل الكامل».

2- التغيير باليد مشروط له الاستطاعة الشرعية؛ وهي الولاية والسلطة: قال شيخ الإسلام: «وهذا واجب على كل مسلم قادر أي الأمر والنهي وهو فرض على الكفاية، ويصير فرض عين على القادر الذي لم يقم به غيره، والقدرة هو السلطان والولاية، فذوو السلطان أقدر من غيرهم، وعليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم، فإن مناط الوجوب هو القدرة، فيجب على كل إنسان بحسب قدرته قال -تعالى-: {فاتقوا الله ما استطعتم}».

ابن باز: الإنكار لمن استطاع

وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: «فالإنكار باليد في حق من استطاع ذلك كولاة الأمور والهيئة المختصة بذلك فيما جعل إليها، وأهل الحسبة فيما جعل إليهم، والأمير فيما جعل إليه، والقاضي فيما جعل إليه، والإنسان في بيته مع أولاده وأهل بيته فيما يستطيع، أما من لا يستطيع ذلك، أو إذا غيّر بيده يترتب على ذلك الفتنة والنزاع والمضاربات فإنه لا يغير بيده بل ينكر بلسانه ويكفيه ذلك لئلا يقع بإنكاره ما هو أنكر من المنكر الذي أنكره كما نص على ذلك أهل العلم».

وبيّن الشيخ ابن عثيمين تلك مراتب فقال: «المرتبة الأولى: التغيير باليد: فإذا كان لك سلطة يمكنك بها أن تغير هذا المنكر بيدك فافعل، وهذا يمكن أن يكون للإنسان إذا كان المنكر في بيته وكان هو القائم على البيت، فإنه في هذه الحال يمكن أن يغير بيده.

المرتبة الثانية: فإذا كان لا يستطيع تغيير المنكر بيده فإنه ينتقل إلى المرتبة الثانية، وهي تغيير المنكر باللسان، والتغيير باللسان على وجهين:

- الوجه الأول: أن يقول لصاحب المنكر: ارفع هذا المنكر ويتكلم معه ويزجره إذا اقتضت الحال ذلك، الوجه الثاني: إذا كان لا يستطيع هذا فليبلغ ولاة الأمر.


- المرتبة الثالثة: التغيير بالقلب: فإذا كان لا يستطيع تغيير المنكر بيده أو بلسانه فلينكر بقلبه وذلك أضعف الإيمان، والإنكار بالقلب أن تكره هذا المنكر وتكره وجوده».


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #35  
قديم 26-04-2021, 11:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (35)
- الأحكام المستفادة من قصة موسى -عليه السلام
- الأعذار المرخصة في التخلف عن صلاة الجماعة


د.وليد خالد الربيع




قال -تعالى-:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (سورة يونس:87)، قال الشيخ ابن سعدي -رحمه الله-: «{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ} حين اشتد الأمر على قومهما، من فرعون وقومه، وحرصوا على فتنتهم عن دينهم {أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} أي: مروهم أن يجعلوا لهم بيوتًا، يتمكنون بها من الاستخفاء فيها {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} أي: اجعلوها محلا، تصلون فيها؛ حيث عجزتم عن إقامة الصلاة في الكنائس، والبيع العامة {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} فإنها معونة على جميع الأمور، {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} بالنصر والتأييد، وإظهار دينهم، فإن مع العسر يسرًا»، ونقل الطبري عن ابن عباس أنه قال: «كانوا خائفين فأمروا أن يصلوا في بيوتهم».

ففي هذه الآية الكريمة رخص لبني إسرائيل الصلاة في بيوتهم لخوفهم من فرعون وقومه بدلا من بِيَعِهم وأماكن عبادتهم، فيمكن أن يستفاد منها مسألة فقهية وهي:

مسألة: الأعذار المرخصة في التخلف عن صلاة الجماعة

دلت النصوص الشرعية على أهمية صلاة الجماعة في المساجد وعظيم فضلها وكثرة أجرها، كقوله -تعالى-: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}، فقوله: «مع الراكعين» يدل على فعلها مع جماعة المصلين والمعية تفيد ذلك.

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة «متفق عليه، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح» متفق عليه. وغيرها من الأدلة التي تؤكد أهمية صلاة الجماعة.

ظروف طارئة

ولا يخلو المكلف من ظروف تطرأ عليه، قد تمنعه من حضور الجماعة، فرخص له في تركها مع حصول الفضيلة له، كمن فاتته الجماعة وهو معذور، فله أجرها وإن صلى منفردا، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من توضأ فأحسن الوضوء ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا». أخرجه أحمد وأبو داود.

فإذا كان هذا حال من حضر الصلاة متأخرا، وفاتته الجماعة وهو معذور، فكيف بمن حال دون شهوده الجماعة عذر قاهر؟! فمن رحمة الله -تعالى- أن وجود هذه الأعذار يسقط الإثم عن المتخلف مع حصول فضيلة الجماعة له، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا» أخرجه البخاري

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض، قيل للملك الموكل به: أن اكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه أو أكفته إليَّ» أخرجه أحمد.

قال ابن حجر: «وفي هذه الأحاديث تعقب على من زعم أن الأعذار المرخصة لترك الجماعة تسقط الكراهة والإثم ولا سيما من غير أن تكون محصلة للفضيلة، وبذلك جزم النووي في شرح المهذب».

الأعذار التي يسوغ معها التخلف عن الجماعة

وفيما يأتي جملة من أهم الأعذار التي يسوغ معها التخلف عن الجماعة، كما دلت عليها السنة المطهرة والقواعد الكلية للشريعة من رفع الحرج ودفع المشقة.

أولا: المرض الشديد الذي يشق معه حضور الجماعة

ودليل ذلك قوله -تعالى-: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «مروا أبا بكر يصلي بالناس» أخرجه الشيخان، قال الشافعي: «وأرخص له في ترك الجماعة بالمرض؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرض فترك أن يصلي بالناس أياما كثيرة»، وقال ابن قدامة: «ويعذر في تركها المريض في قول عامة أهل العلم».

ثانيا: الخوف

لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر» أخرجه أبو داود، ولا شك أن الخوف من أقوى الأعذار، قال ابن حزم: «لا خلاف في ذلك»، والخوف يشمل الخوف على نفسه، والخوف على ولده وأهله، والخوف على ماله.

ثالثا: البرد الشديد

لما روى ابن عمر أنه أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ثم قال: «ألا صلوا في الرحال» ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول: صلوا في الرحال» متفق عليه.

قال ابن قدامة: «يعذر في ترك الجماعة بالريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة».

رابعا: المطر والوحل

عن ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: «إذا قلت: أشهد أن محمدًا رسول الله، فلا تقل «حي على الصلاة» قل: «صلوا في بيوتكم»، فكأن الناس استنكروا ذاك، قال: «فعله من هو خير مني، إن الجمعة عزمة، وكرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين والدحض» متفق عليه أي: الزلل والزلق.

قال النووي: «هذا الحديث دليل على تخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من الأعذار، وأنها متأكدة إذا لم يكن عذر».

قال ابن بطال: أجمع العلماء على أن التخلف عن الجماعة في شدة المطر والظلمة والريح وما أشبه ذلك مباح».

خامسا: حضور طعام يشتهيه

قال الشافعي: «وإذا حضر عشاء الصائم أو المفطر أو طعامه وبه إليه حاجة أرخصت له في ترك إتيان الجماعة، وأن يبدأ بطعامه إذا كانت نفسه شديدة التوقان إليه، وإن لم تكن نفسه شديدة التوقان إليه ترك العشاء وإتيان الصلاة أحب إلي»، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء ولا يعجلن حتى يفرغ منه» أخرجه مسلم

قال النووي: «دليل على أنه يأكل حاجته من الأكل بكماله، وهذا هو الصواب، وأما ما تأوله بعض أصحابنا على أنه يأكل لقما يكسر بها شدة الجوع فليس بصحيح، وهذا الحديث صريح في إبطاله».

سادسا: مدافعة الأخبثين

قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان» أخرجه مسلم

قال النووي: «فيه كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله؛ لما فيه من اشتغال القلب، وذهاب كمال الخشوع، وكراهتها مع مدافعة الأخبثين؛ وهما البول والغائط، ويلحق بهذا ما كان في معناه مما يشغل القلب، ويذهب كمال الخشوع».

سابعا: أكل ما له رائحة كريهة

قال - صلى الله عليه وسلم -: «من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو ليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته» أخرجه مسلم.

قال النووي: «هذا تصريح بنهي من أكل الثوم ونحوه عن دخول كل مسجد، وهذا مذهب العلماء كافة، ثم إن هذا النهي إنما هو عن حضور المساجد لا عن أكل الثوم والبصل ونحوهما فهذه البقول حلال بالإجماع».

ثامنا: غلبة نوم

قال - صلى الله عليه وسلم -: «أما إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى». أخرجه مسلم، قال النووي: «فيه دليل لما أجمع عليه العلماء أن النائم ليس بمكلف».
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #36  
قديم 26-04-2021, 11:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (36)
- أحكام السلام وآدابه من قصة إبراهيم عليه السلام



د.وليد خالد الربيع



قال -تعالى-: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} (سورة هود: 69)، قال الشيخ ابن سعدي: «{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا} من الملائكة الكرام، رسولنا {إِبْرَاهِيمَ} الخليل {بِالْبُشْرَى} أي: بالبشارة بالولد، حين أرسلهم الله لإهلاك قوم لوط، وأمرهم أن يمروا على إبراهيم، فيبشروه بإسحاق، فلما دخلوا عليه {قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} أي: سلموا عليه، ورد عليهم السلام.

ففي هذا مشروعية السلام، وأنه لم يزل من ملة إبراهيم -عليه السلام-، وأن السلام قبل الكلام، وأنه ينبغي أن يكون الرد، أبلغ من الابتداء؛ لأن سلامهم بالجملة الفعلية، الدالة على التجدد، ورده بالجملة الاسمية، الدالة على الثبوت والاستمرار، وبينهما فرق كبير كما هو معلوم في علم العربية».

فمن المسائل الفقهية المستفادة من هذه الآية الكريمة مشروعية السلام وآدابه، وقد دل على هذه المسألة أدلة كثيرة منها قول الله -تعالى-: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} (سورة النساء:86)، والمراد بالتحية هنا السلام، وهذا ما عليه عامة المفسرين، قال الشيخ ابن سعدي: «التحية هي: اللفظ الصادر من أحد المتلاقيين على وجه الإكرام والدعاء، وما يقترن بذلك اللفظ من البشاشة ونحوها.

أعلى أنواع التحية

وأعلى أنواع التحية ما ورد به الشرع، من السلام ابتداء وردًّا، فأمر -تعالى- المؤمنين أنهم إذا حُيّوا بأي تحية كانت، أن يردوها بأحسن منها لفظا وبشاشة، أو مثلها في ذلك، ومفهوم ذلك النهي عن عدم الرد بالكلية أو ردها من دونها».

أحكام السلام

فمن أحكام السلام:

ابتداء السلام على المسلمين

- أولاً: ابتداء السلام على المسلمين مندوب وليس بواجب عند عامة الفقهاء، ونقل ابن عبد البر وغيره الإجماع على أن ابتداء السلام سنة وليس بواجب. ودليل ذلك:

- عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام» أخرجه أبو داود وهو صحيح، قال المناوي: «أي: من أخصهم برحمته وغفرانه والقرب منه في جنانه، وقيل: أقربهم من الله بالطاعة من بدأ أخاه بالسلام عند ملاقاته لأنه السابق إلى ذكر الله»، والحديث يدل على عدم وجوب البدء بالسلام؛ لأنه لو كان واجبا لما كان هناك ترغيب وندب إليه؛ إذ إن الترغيب إنما يختص بالمستحبات.

- وعن عبد الله بن سلام قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» أخرجه الترمذي وهو صحيح، ولا شك أن إطعام الطعام وصلاة القيام ليسا من الواجبات، فكذلك البدء بالسلام.

رد السلام واجب

- ثانيا: اتفق الفقهاء على أن رد السلام واجب كما نقل الإجماع على ذلك القرطبي وغيره، وذلك لقوله -تعالى-:{فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}، ونقل ابن كثير عن الحسن البصري أنه قال: «السلام تطوع والرد فريضة» ثم قال ابن كثير: «وهذا الذي قاله هو قول العلماء قاطبة، أن الرد واجب على من سلم عليه، فيأثم إن لم يفعل؛ لأنه خالف أمر الله في قوله: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}».

قال الحليمي: «إنما كان الرد واجبا؛ لأن السلام معناه الأمان، فإذا ابتدأ به المسلم أخاه فلم يجبه فإنه يتوهم منه الشر، فيجب عليه دفع ذلك التوهم عنه»، فإن كان المسلم واحدا فالرد في حقه فرض عين، وإن كانوا جماعة فالرد في حقهم فرض كفاية، والأفضل أن يردوا جميعا؛ لأنه الغاية في الفضيلة والإكرام للمسلم عليهم.

بعض آداب السلام

- ثالثا: بعض آداب السلام: دلت النصوص الشرعية على جملة من آداب السلام منها:

أكمل الألفاظ في إلقاء السلام

- أكمل الألفاظ في إلقاء السلام هي: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)؛ لما أخرجه البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة أن رجلا مر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في مجلس فقال: السلام عليكم، فقال: «عشر حسنات»، فمر رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال: «عشرون حسنة»، فمر رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال: «ثلاثون حسنة»، ومما يدل على منع الزيادة على (وبركاته) ما نقل عن بعض الصحابة من آثار ذكرها ابن حجر في فتح الباري، منها:

- عن محمد بن عمرو قال: كنت جالسا عند عبد الله بن عباس فدخل عليه رجل من أهل اليمن فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم زاد شيئا فقال ابن عباس: إن السلام انتهى إلى البركة، وجاء رجل إلى ابن عمر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال ابن عمر: حسبك إلى (وبركاته) انتهِ إلى (وبركاته).

لفظ إلقاء السلام

يجوز إلقاء السلام بلفظ (السلام عليكم) و(السلام عليكم ورحمة الله) كما دل عليه حديث أبي هريرة المتقدم، وهما أقل من اللفظ الأكمل.

أكمل صيغ

وأكمل صيغ الرد ما اشتمل على الرحمة والبركة؛ لما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خلق الله آدم على صورته ستون ذراعا فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، قال: فذهب فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله» متفق عليه.

قال النووي: وأما صفة الرد فالأفضل والأكمل أن يقول: «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته» فيأتي بالواو فلو حذفها جاز وكان تاركا للأفضل، ولو اقتصر على (وعليكم السلام) أو على (عليكم السلام) أجزاه، ولو اقتصر على (عليكم) لم يجزه بلا خلاف».

يسلم الراكب على الماشي

ومن آداب السلام ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير» وفي رواية للبخاري: «يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير»، قال ابن حجر: وقد تكلم بعض العلماء عن الحكمة فيمن شرع لهم الابتداء فقيل: تسليم الصغير لأجل حق الكبير؛ لأنه أمر بتوقيره والتواضع له، وتسليم القليل لأجل حق الكثير لأن حقهم أعظم، وتسليم المار لشبهه بالداخل على أهل المنزل، وتسليم الراكب لئلا يتكبر بركوبه فيرجع إلى التواضع.

التسليم على الصبيان

ومن آداب السلام التسليم على الصبيان: فعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على غلمان فسلم عليهم. متفق عليه، قال النووي: «فيه استحباب السلام على الصبيان المميزين، والندب إلى التواضع، وبذل السلام للناس كلهم، وبيان تواضعه - صلى الله عليه وسلم - وكمال شفقته على العالمين».

التسليم إذا أتى مجلسا

ومن آدابه التسليم إذا أتى مجلسا وإذا قام منه لما رواه أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، وإذا قام والقوم جلوس فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة» أخرجه أحمد وهو صحيح.

إعادة السلام

ومن الآداب إعادة السلام إذا حال بينهما شجر أو جدار؛ لما رواه أبوهريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار ثم لقيه فليسلم عليه» أخرجه أبو داود وهو صحيح.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #37  
قديم 26-04-2021, 11:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (37)
- أحكام الضيافة وآدابها من قصة إبراهيم -عليه السلام


د.وليد خالد الربيع







لا نزال مع قوله -تعالى-: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} (سورة هود: 69)، قال ابن سعدي: «{فَمَا لَبِثَ} إبراهيم لما دخلوا عليه {أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} أي: بادر لبيته، فاستحضر لأضيافه عجلا مشويا على الرضف سمينا، فقربه إليهم فقال: ألا تأكلون؟».

فمن المسائل المستفادة من هذه الآية الكريمة أحكام الضيافة وآدابها، قال ابن كثير: «وقد تضمنت هذه الآية آداب الضيافة من وجوه كثيرة».

الضيافة من مكارم الأخلاق

ولا شك أن الضيافة من مكارم الأخلاق، ومن آداب الإسلام، وأنها من سنن المرسلين، وصفات عباد الله الصالحين، قال سعيد بن المسيب: «إن أول من أضاف الأضياف هو إبراهيم الخليل -عليه السلام- كما قال -تعالى-: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} (سورة الذاريات:24).


الضيافة من أسباب الرفعة

والضيافة من أسباب الرفعة والصيت الحسن، قال أبو حاتم البستي: «كل من ساد في الجاهلية والإسلام حتى عرف بالسؤدد، وانقاد له قومه، ورحل إليه القريب والقاصي، لم يكن كمال سؤدده إلا بإطعام الطعام، وإكرام الضيف».

تعريف الضيافة وحكمها

الضيافة هي اسم لإكرام الضيف، والنازل بغيره لطلب الإكرام والإحسان إليه، وقد رغب الإسلام في الضيافة وعدها من أمارات صدق الإيمان؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» متفق عليه، وقد اتفق الفقهاء على أن الضيافة مشروعة، قال النووي: «أجمع المسلمون على الضيافة، وأنها ومن متأكدات الإسلام»، إلا أنهم اختلفوا في وجوبها على ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: الاستحباب

الضيافة مستحبة وليست واجبة، وهو مذهب الجمهور، لحديث أبي شريح الخزاعي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته» قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: «يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه» متفق عليه.

وجه الدلالة في قوله: «فليكرم ضيفه جائزته»، والجائزة هي العطية والصلة التي أصلها الندب، قال ابن بطال: «والجائزة تفضل وإحسان وليست بواجبة».

قال النووي: «معناه الاهتمام به في اليوم والليلة، وإتحافه بما يمكن من بر وإلطاف، وأما في اليوم الثاني والثالث فيطعمه ما تيسر، ولا يزيد على عادته، وأما ما كان بعد الثلاثة فهو صدقة ومعروف إن شاء فعل وإن شاء ترك».

المذهب الثاني: الوجوب

وجوب الضيافة مطلقا سواء في المدن أو في البادية، وقال به الليث وهو مذهب الحنابلة والظاهرية، لحديث المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليلة الضيف واجبة، فإن أصبح الضيف بفنائه فهو دين عليه، فإن شاء اقتضى، وإن شاء ترك» أخرجه ابن ماجه، قال الشوكاني عن الحديث أنه: «تصريح بوجوب الضيافة، ولم يأت ما يدل على تأويله».

ونوقش هذا الاستدلال بما قاله النووي: «وتأول الجمهور هذه الأحاديث وأشباهها على الاستحباب ومكارم الأخلاق وتأكد حق الضيف كحديث: «غسل الجمعة واجب على كل محتلم» أي: متأكد الاستحباب، وتأولها الخطابي وغيره على المضطر».

المذهب الثالث: الوجوب على أهل القرى

الضيافة واجبة على أهل القرى دون أهل الأمصار، وهو مذهب المالكية ورواية عن أحمد؛ لأن المسافر يجد في الأمصار المسكن والطعام وما يحتاج إليه، فلا مشقة تلحقه إن لم يضيفه أحد، أما في القرى والبوادي فلا يجد ما يحتاج إليه فهو كالمضطر إلى من يضيفه، فيجب عليهم أن يقوموا بضيافته بما تيسر.

وهو المذهب الأظهر الذي تجتمع به الأدلة، ودل عليه حديث عقبة بن عامر قال: قلنا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقروننا، فما ترى فيه؟ فقال لنا: «إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف» متفق عليه. وهو ظاهر الدلالة في النزول على أهل القرى.

آداب الضيافة

ذكر العلماء مجموعة من آداب الضيافة في حق المضيف ومن جانب الضيف:

آداب المضيف

قال أبو حاتم: «وعنصر قرى(إكرام) الضيف هو ترك استحقار القليل، وتقديم ما حضر للضيف؛ لأن من حقّـر منع، مع إكرام الضيف بما قدر عليه، وترك الادخار عنه، وسئل الأوزاعي: ما إكرام الضيف؟ قال: «طلاقة الوجه، وطيب الكلام».

قال أبو حاتم: «والخدمة بالنفس، فإنه لا يذل من خدم أضيافه».

قال ابن مفلح: «وَيُسْتَحَبُّ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ أَنْ يُبَاسِطَ الْإِخْوَانَ بِالْحَدِيثِ الطَّيِّبِ وَالْحِكَايَاتِ الَّتِي تَلِيقُ بِالْحَالِ إذَا كَانُوا مُنْقَبِضِينَ.

ومن آداب المضيف تَعْجِيلُ الطَّعَامِ فَذَلِكَ مِنْ إِكْرَامِ الضَّيْفِ، وَمَهْمَا حَضَرَ الْأَكْثَرُونَ وَغَابَ وَاحِدٌ أَوِ اثْنَانِ وَتَأَخَّرُوا عَنِ الْوَقْتِ الْمَوْعُودِ فَحَقُّ الْحَاضِرِينَ فِي التَّعْجِيلِ أَوْلَى مِنْ حَقِّ أُولَئِكَ فِي التَّأْخِيرِ.

قَال -تعالى-: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} (الذَّارِيَاتِ: 24) قال بعض المفسرين: أَنَّهُمْ أُكْرِمُوا بِتَعْجِيلِ الطَّعَامِ إِلَيْهِمْ، دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ -تعالى-: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}، قال القرطبي: «في هذه الآية من أدب الضيف أن يعجل قراه، فيقدم الموجود الميسر في الحال، ثم يتبعه بغيره إن كان له جَدَّةٌ (مكانة ومنزلة عند الناس)، ولا يتكلف ما يضر به».

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: «زُرْتَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ بَيْتَهُ قَامَ فَاعْتَنَقَنِي وَأَجْلَسَنِي فِي صَدْرِ مَجْلِسِهِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَلَيْسَ يُقَالُ صَاحِبُ الْبَيْتِ وَالْمَجْلِسِ أَحَقُّ بِصَدْرِ بَيْتِهِ أَوْ مَجْلِسِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ يَقْعُدُ، وَيُقْعِدُ مَنْ يُرِيدُ. قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: خُذْ يَا أَبَا عُبَيْدٍ إلَيْكَ فَائِدَةً. ثُمَّ قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَوْ كُنْتُ آتِيكَ عَلَى حَقِّ مَا تَسْتَحِقُّ لَأَتَيْتُكَ كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ: لَا تَقُلْ ذَلِكَ، فَإِنَّ لِي إخْوَانًا مَا أَلْقَاهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا مَرَّةً أَنَا أَوْثَقُ فِي مَوَدَّتِهِمْ مِمَّنْ أَلْقَى كُلَّ يَوْمٍ. قُلْتُ: هَذِهِ أُخْرَى يَا أَبَا عُبَيْدٍ. فَلَمَّا أَرَدْت الْقِيَامَ قَامَ مَعِي قُلْتُ: لَا تَفْعَلْ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: فَقَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: مِنْ تَمَامِ زِيَارَةِ الزَّائِرِ أَنْ تَمْشِيَ مَعَهُ إلَى بَابِ الدَّارِ وَتَأْخُذَ بِرِكَابِهِ».

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «إنَّ مِنْ السُّنَّةِ إذَا دَعَوْتَ أَحَدًا إلَى مَنْزِلِكَ أَنْ تَخْرُجَ مَعَهُ حَتَّى يَخْرُجَ «ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ في بهجة المجالس».

من آداب الضيف

قال ابْنُ الْجَوْزِيِّ: «وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَاضَعَ فِي مَجْلِسِهِ إذَا حَضَرَ، وَأَلَا يَتَصَدَّرَ، وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ صَاحِبُ الدَّارِ مَكَانًا لَمْ يَتَعَدَّهُ».

ويجمل القاسمي بعض الآداب في «موعظة المؤمنين» فيقول: «فَأَدَبُهُ أَنْ يَدْخُلَ الدَّارَ وَلَا يَتَصَدَّرَ فَيَأْخُذَ أَحْسَنَ الْأَمَاكِنِ بَلْ يَتَوَاضَعَ، وَلَا يُطَوِّلَ الِانْتِظَارَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُعَجِّلَ بِحَيْثُ يُفَاجِئُهُمْ قَبْلَ تَمَامِ الِاسْتِعْدَادِ، وَلَا يُضَيِّقَ الْمَكَانَ عَلَى الْحَاضِرِينَ بِالزَّحْمَةِ، بَلْ إِنْ أَشَارَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الْمَكَانِ بِمَوْضِعٍ لَا يُخَالِفُهُ الْبَتَّةَ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ رَتَّبَ فِي نَفْسِهِ مَوْضِعَ كُلِّ وَاحِدٍ فَمُخَالَفَتُهُ تُشَوِّشُ عَلَيْهِ، وَلَا يَجْلِسَ فِي مُقَابَلَةِ بَابِ الْحُجْرَةِ الَّذِي لِلنِّسَاءِ وَسِتْرِهِمْ، وَلَا يُكْثِرُ النَّظَرَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الطَّعَامُ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الشَّرَهِ، وَيَخُصَّ بِالتَّحِيَّةِ وَالسُّؤَالِ مَنْ يَقْرُبُ مِنْهُ إِذَا جَلَسَ».

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: «وَمِنْ آدَابِ الزَّائِرِ أَلَا يَقْتَرِحَ طَعَامًا بِعَيْنِهِ، وَإِنْ خُيِّرَ بَيْنَ طَعَامَيْنِ اخْتَارَ الْأَيْسَرَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مُضِيفَهُ يُسَرُّ بِاقْتِرَاحِهِ، وَلَا يُقَصِّرُ عَنْ تَحْصِيلِ ذَلِكَ». «وأَنْ يَنْصَرِفَ الضَّيْفُ طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِنْ جَرَى فِي حَقِّهِ تَقْصِيرٌ فَذَلِكَ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَالتَّوَاضُعِ. وأَلَا يَخْرُجَ إِلَّا بِرِضَاءِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ وَإِذْنِهِ، وَيُرَاعِيَ قَلْبَهُ فِي قَدْرِ الْإِقَامَةِ».


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #38  
قديم 19-05-2021, 04:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (38)
- أحكام الالتقاط من قصة يوسف -عليه السلام



د.وليد خالد الربيع


قال -تعالى-: {قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} (سورة يوسف: 10)، قال الشيخ ابن سعدي: «{قَالَ قَائِلٌ} من إخوة يوسف الذين أرادوا قتله أو تبعيده: {لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ}؛ فإن قتله أعظم إثما وأشنع، والمقصود يحصل بتبعيده عن أبيه من غير قتل، ولكن توصلوا إلى تبعيده بأن تلقوه {فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ}، وتتوعدوه على أنه لا يخبر بشأنكم، بل على أنه عبد مملوك آبق منكم، لأجل أن {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} الذين يريدون مكانا بعيدًا، فيحتفظون به، وهذا القائل أحسنهم رأيا في يوسف، وأبرهم وأتقاهم في هذه القضية؛ فإن بعض الشر أهون من بعض، والضرر الخفيف يدفع به الضرر الثقيل».

من المسائل المستفادة من الآية الكريمة أحكام الالتقاط، قال القرطبي معرفا الالتقاط بأنه: «تناول الشيء من الطريق؛ ومنه اللقيط واللقطة». وفيما يأتي طائفة موجزة من أحكام اللقيط.

أولا: تعريف اللقيط:

هو طفل مجهول الهوية نبذه أهله أو ضاع منهم.

ثانيا: حكم الالتقاط:

فرَّق الفقهاء بين حالين من أحوال اللقيط:

الحال الأولى

إذا خشي على اللقيط الهلاك

إذا خُشي على الطفل من الهلاك بأن كان في بحر يخاف عليه من الغرق أو كان في مفازة منقطعة أو أرض ذات سباع، فقد ذهب عامة الفقهاء إلى أن التقاطه وأخذه فرض عين إن لم يكن هناك أحد غير الملتقط؛ لأن ذلك مندرج تحت قاعدة حفظ النفوس المجمع عليها في سائر الملل، فأخذه فيه إحياء نفس من الهلاك؛ فكان واجبا كإطعامه إذا اضطر، وقد قال -تعالى-: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}.

الحال الثانية

إذا لم يخش عليه الهلاك

ذهب الجمهور إلى أن التقاط اللقيط فرض كفاية لقوله -تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}، ولا شك أن إنقاذ اللقيط وأخذه من البِرِّ والعمل الصالح، ولأن فيه إحياء نفس فكان واجبا، كإطعامه إذا اضطر، وإنجائه من الغرق.

ثالثا: هل يجوز تبني اللقيط؟

يتعاطف بعض الناس مع اللقيط، فيعزم على تبنيه رحمة به وقياما بشأنه، والتبني هو اتخاذ الشخص ولد غيره ابنا له؛ بأن يعطيه نسبه كولده الصلبي وما يتبع ذلك من أحكام، والتبني محرم، ولا يجوز لمسلم أن يتبنى لقيطا بأن يجعله ابنا له، وقد كان التبني معمولا به قبل الإسلام، فأبطله الله -تعالى- بقوله: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ} (الأحزاب الآية 4-5).

قال القرطبي: «رفع الله حكم التبني، ومنع من إطلاق لفظه، وأرشد بقوله إلى أن الأولى والأعدل أن ينسب الرجل إلى أبيه نسبا».

وقال النحاس: هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من التبني، وهو من نسخ السنة بالقرآن، فأمر أن يدعوا من دعوا إلى أبيه المعروف، فإن لم يكن له أب معروف نسبوه إلى ولائه، فإن لم يكن له ولاء معروف قالوا له: «يا أخي» يعني في الدين.

رابعا: دين اللقيط

إذا وجد اللقيط في بلاد المسلمين ميتا، فقد قال ابن المنذر: «أجمع عوام أهل العلم على أن الطفل إذا وجد في بلاد المسلمين ميتا في أي مكان وجد، أن غسله ودفنه في مقابر المسلمين يجب».

وإذا وجد اللقيط في بلاد المسلمين وكان الواجد مسلما، حكم بإسلام اللقيط باتفاق المسلمين وإن كان فيها أهل ذمة تغليبا للإسلام، ولظاهر الدار، ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.

قال ابن قدامة: «إذا بلغ اللقيط حدا يصح فيه إسلامه وردته فوصف الإسلام فهو مسلم».

خامسا: الإنفاق على اللقيط

الأصل أن تكون نفقة كل شخص في ماله، وعلى هذا فإذا وجد مع اللقيط مال كدراهم أو دنانير أو عروض كثياب ملفوفة عليه فيحكم أنه تحت يده وملكا له.

فإن لم يكن له مال خاص، كانت نفقته في مال عام، وهي الأموال الموقوفة على اللقطاء أو الموصى لهم بها، وهذا ما عليه عامة الفقهاء.

فإن لم يعرف له مال خاص، ولم يوجد مال عام ينفق منه على اللقيط، فذهب الجمهور إلى أن نفقته تكون في بيت مال المسلمين؛ لأثر عمر بن الخطاب في اللقيط الذي وجده سنين بن جميلة، فقال له عمر: «اذهب به فهو حر، وولاؤه لك، وعلينا نفقته». وفي رواية: من بيت المال.

وفي الطبقات الكبرى لابن سعد: وكان عمر إذا أتي باللقيط فرض له مائة درهم، وفرض له رزقا يأخذ وليه كل شهر ما يصلحه، ثم ينقله من سنة إلى سنة أي يغير عطاءه من سنة إلى سنة وكان عمر يوصي بهم خيرا، ويجعل رضاعهم ونفقتهم من بيت المال.

سادسا: الولاية على اللقيط

الولاية سلطة شرعية، تُجعل لمن تثبت له القدرة على إنشاء العقود والتصرفات وتنفيذها؛ بحيث تترتب آثارها الشرعية عليها بمجرد صدورها. وهي نوعان:

1- ولاية على النفس

وهي سلطة الإشراف على الشؤون المتعلقة بالقاصر، كالحضانة والتربية والتعليم والتطبيب والتزويج، وتقتضي تنفيذ القول على القاصر، فالولاية على اللقيط نفسه للسلطان لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «السلطان ولي من لا ولي له»؛ فله أن يزوجه ويتصرف في ماله بالبيع والشراء والإجارة بما يراه يحقق المصلحة، وأما الملتقط فليس له أن يفعل شيئا من ذلك لأنه لا ولاية له عليه، وإنما له على اللقيط ولاية الحفظ والتربية، وليس له عليه ولاية التزويج؛ لأن ذلك يعتمد الولاية من القرابة والملك والسلطنة ولا يثبت واحد منها للملتقط.

2- الولاية على المال

فهي سلطة المرء على مال غيره بالإشراف والحفظ والتصرف على الوجه المشروع بما يحقق مصلحة المولى عليه.

وذهب الجمهور إلى أنه لا ولاية للملتقط على مال اللقيط، فلا ينفق إلا بإذن القاضي، لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «السلطان ولي من لا ولي له «وهذا يشمل الولاية على النفس والمال.

سابعا: إرث اللقيط

إذا مات اللقيط وكان له وارث معروف كزوجة وأبناء ونحو ذلك فميراثه لورثته كسائر المسلمين، وأما إذا مات ولم يترك وارثا فقد ذهب عامة الفقهاء إلى أن ميراثه يكون لبيت مال المسلمين، قال ابن قدامة: «وإنما يرثه المسلمون؛ لأنهم خُولوا كل مال لا مالك له، ولأنهم يرثون مال من لا وارث له غير اللقيط، فكذلك اللقيط وهو قول أكثر أهل العلم «.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #39  
قديم 19-05-2021, 04:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (39)
- أحكام الالتقاط من قصة يوسف -عليه السلام



د.وليد خالد الربيع



لا نزال مع أحكام الالتقاط المستفادة من قوله -تعالى-: {قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} (سورة يوسف:10)، قال القرطبي معرفًا الالتقاط بأنه: «تناول الشيء من الطريق، ومنه اللقيط واللقطة».

وفيما يأتي طائفة موجزة من أحكام اللقطة:

أولا: تعريف اللقطة

التعريف الاصطلاحي للقطة بأنها: «المال الضائع من ربّه يلتقطه غيره» حيث اشتمل هذا التعريف على المال الضائع بأنواعه من بهائم وغيرها؛ لأنه يصدق عليها وصف المال الضائع دون الحاجة للتفريق بين اللقطة والضالة؛ لأن معناهما واحد.

ثانيا: مشروعية اللقطة

دل على مشروعية الالتقاط الكتاب والسنة والإجماع:

- أما الكتاب الكريم: فالأصل فيها الآيات الآمرة بالبر والإحسان؛ إذ في أخذها للحفظ والرد بر وإحسان.

- وأما السنة المطهرة فخبر الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن لقطة الذهب أو الورق، فقال: «اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها سنة، فإن لم تعرفها فاستنفقها ولتكن وديعة عندك، فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه وإلا فشأنك بها»، وسئل عن ضالة الإبل فقال: «ما لك ولها؟ دعها؛ فإن معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها»، وسئل عن الشاة فقال: «خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب»، قال الماوردي: وهذا الحديث هو الأصل في اللقطة.

وفي الصحيحين عن سويد بن غفلة أنه سأل أبي بن كعب رضي الله عنه عن سوط وجده فقال: «إني وجدت صرة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها مائة دينار، فذكرتها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: «عرفها حولا، فإن وجدت من يعرفها فادفعها إليه وإلا فاستمتع بها».

وأما الإجماع فقد اتفقوا على جواز الالتقاط في الجملة.

ثالثا: حكم الالتقاط

قسم الفقهاء اللقطة إلى قسمين (حيوان وغير حيوان):

1- حكم التقاط الحيوانات

الضوال هي الحيوانات الضائعة، ويختلف حكمها تبعا لنوعها؛ فما يقدر على الامتناع من صغار السباع فلا يلتقط لدلالة النصوص الصريحة الصحيحة إلا عند الحاجة الماسة لذلك، وأما ما لا يقدر على الامتناع فيجوز التقاطها مع تعريفها قبل التصرف فيها، وإن كانت مما فيؤكل فللملتقط أكلها ويضمن قيمتها لمالكها.

2- حكم التقاط غير الحيوانات

ذهب عامة الفقهاء إلى أن الالتقاط مباح تعرض له الأحكام التكليفية كما يأتي:

أولا: الوجوب

وذلك بشرطين وهما:

1- إذا خاف ضياع اللقطة أو غلب على ظنه ذلك.

2- أن يعلم عدم خيانة نفسه.

ثانياً: الاستحباب

يستحب الالتقاط في أحوال معينة مثل أن يخاف عليها الضيعة لو تركها، ويعلم من نفسه الأمانة، لأن أخذها لصاحبها إحياء لمال المسلم فكان مستحبا.

ثالثاً: الحرمة

يحرم على الملتقط أخذ اللقطة إن أخذها لنفسه لا لصاحبها، لأنه أخذ مال الغير بغير إذنه لنفسه فيكون بمعنى الغصب حكما من جهة الحرمة والضمان.

كما يحرم عليه أخذها إن علم خيانة نفسه؛ لأنه تسبب لضياع مال المسلم.

رابعا: اشتراط معرفة صفات اللقطة عند أخذها

قال الماوردي: «واجد اللقطة ـ وإن كان مخيرا في أخذها ـ فعليه بعد الأخذ القيام بها والتزام الشروط في حفظها على مالكها.

الشروط التي يؤمر بها آخذ اللقطة

والشروط التي يؤمر بها آخذ اللقطة سبعة أشياء جاء النص ببعضها والتنبيه على باقيها:

- أحدها: معرفة عفاصها: وهو ظرفها الذي هي فيه عند التقاطها.

- الثاني: معرفة وكائها: وهو الخيط المشدودة به، وبهذين الشرطين جاء النص، ولأنها تتميز بمعرفة هذين عن جميع أمواله فيأمن اختلاطها بها.

- الثالث: معرفة عددها تنبيها بالنص، لأن معرفة عددها أحوط من تميزها عن الظرف، لأن الظرف قد يشتبه.

- الرابع: معرفة وزنها ليصير به معلوما يمكن الحكم به أنه وجب غرمها.

- الخامس: أن يكتب بما وصفناه من أوصافها كتابا، وأنه التقطها من موضع كذا في وقت كذا، لأنه ربما كان ذكر المكان والزمان مما يذكره الطالب من أوصافها، قال ابن قدامة: «يستحب أن يكتب صفاتها ليكون أثبت لها مخافة أن ينساها إن اقتصر على حفظها بقلبه، فإن الإنسان عرضة النسيان».

- السادس: أن يشهد على نفسه بها شاهدين أو شاهدا وامرأتين ليكون وثيقة عليه خوفا من طمعه فيها، ولأنه ربما مات ولم يعلم وارثه بها أو غرماؤه.

- السابع: أن يُعَرّفها لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به لواجدها، والمراد به: هو المناداة عليها أو الإعلان عنها حيث وجدها وفي أماكن اجتماع الناس، وهذا ما عليه عامة الفقهاء، قال النووي: «التعريف أن ينشدها في الموضع الذي وجدها فيه وفي الأسواق وأبواب المساجد ومواضع اجتماع الناس، فيقول من ضاع منه شيء؟ من ضاع منه حيوان؟ من ضاع منه دراهم؟ ونحو ذلك، ويكرر ذلك بحسب العادة».

القليل اليسير لا يُعَرَّف

واستثنى الفقهاء القليل اليسير فلا يُعَرَّف، قال النووي: «أجمع المسلمون على وجوبه (التعريف) إذا كانت اللقطة ليست تافهة ولا في معنى التافهة»، وقال ابن قدامة: «لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في إباحة أخذ اليسير والانتفاع به»، بشرط ألا يكون عالمًا بصاحبه، فإن كان عالمًا بصاحبه وجب عليه إعلامه ولكن لا يجب عليه إيصاله له واستدلوا بما يلي:

1- رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - تمرة فقال - صلى الله عليه وسلم -: «لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها»، وجه الدلالة من الحديث: أن ما لا يتمول لقلة كحبة بر وزبيبة والمال القليل الذي لا يفسد، وشهادة العادة بأن صاحبه لا يتبعه، لا يعرّف ويستبد به واجده على ذلك حمل قوله - صلى الله عليه وسلم - في التمرة الملقاة، قال ابن حجر: «ولم يذكر تعريفا، فدل على أن مثل ذلك يملك بالأخذ ولا يحتاج إلى تعريف» .

2- وعن عائشة -رضي الله عنها-: «لا بأس بما دون الدرهم أن يستنفع به».

3- رأى عمر - رضي الله عنه - رجلا يعرّف زبيبة في الطرق فقال: إن من الورع ما يمقته الله.

4- عن ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها وجدت تمرة فأكلتها وقالت: «لا يحب الله الفساد».

انقضاء حول اللقطة

وإذا انقضى حول التعريف فللملتقط أن يتملك اللقطة باختياره، وإذا جاء من يدعيها بالبينة دفعت إليه إن كانت قائمة أو ضمنها له، وإن لم يقم البينة ووصفها بدقة دفعت إليه لظاهر النصوص.

دفع اللقطة للإمام

ويبرأ الملتقط إذا دفع اللقطة إلى الإمام العدل أو نائبه، ويضمن إذا أخذها بنية التملك، وإذا أخذها بنية الحفظ لصاحبها فتكون أمانة بيده مدة حول التعريف، وبعده يضمنها لصاحبها إن طالب بها.

إذا مات الملتقط

وإذا مات الملتقط قبل مضي الحول وكانت اللقطة قائمة قام وارثه مقامه في التعريف والتملك، وإذا هلكت يكون ضمانها من تركته، وإذا مات بعد مضي الحول فاللقطة في تركته مطلقا.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #40  
قديم 19-05-2021, 04:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (40)
- من المسائل المستفادة من قصة يوسف -عليه السلام
- مشروعية السباق


د.وليد خالد الربيع




قال -تعالى-: {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} (سورة يوسف:17)، قال الشيخ ابن سعدي: «فقالوا -متعذرين بعذر كاذب-: {يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} إما على الأقدام، أو بالرمي والنضال، {وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا} توفيرا له وراحة. {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} في حال غيبتنا عنه في استباقنا {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} أي: تعذرنا بهذا العذر، والظاهر أنك لا تصدقنا لما في قلبك من الحزن على يوسف، والرقة الشديدة عليه».

من المسائل المستفادة من هذه الآية الكريمة (مشروعية السباق)؛ حيث أخبر -سبحانه- عن إخوة يوسف -عليه السلام- أنهم استبقوا ولم ينكر ذلك أو يذمه فدل على أن ذلك جائز في الجملة، قال ابن العربي: «المسابقة شرعة في الشريعة، وخصلة بديعة، وعون على الحرب وقد فعلها - صلى الله عليه وسلم - بنفسه وبخيله».

أولا: تعريف السباق

السباق في اللغة مصدر الفعل سابق، وهذه المادة اللغوية (السين والباء والقاف) تدل على التقديم، يقال: سبق يسبق سبقا بإسكان الباء، وهو التقدم على الغير.

وفي الاصطلاح: منافسة بين اثنين أو أكثر لمعرفة المتقدم.

ثانيا: حكم السباق

السباق نوعان:

- النوع الأول: السباق بغير عوض

وهذا النوع إذا خلا من المخالفات الشرعية فإنه جائز شرعا، قال ابن قدامة: «المسابقة جائزة بالسنة والإجماع»، فقد وردت في السنة المطهرة أخبار عديدة تدل على مشروعية السباق في الجملة، فمن ذلك:

(1) عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، سابق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع، وبين التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق. متفق عليه.

(2) عن عائشةَ، -رضيَ اللَّهُ عنها-، أنَّها كانَت معَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في سفَرٍ قالت: فسابقتُهُ فسبقتُهُ على رجليَّ، فلمَّا حَملتُ اللَّحمَ سابقتُهُ فسبقَني فقالَ: هذِهِ بتلكَ السَّبقةِ. رواه أحمد وأبو داود.

(3) وصارع النبي - صلى الله عليه وسلم - ركانة فصرعه رواه أبو داود. وحسنه الألباني

(4) قال سلمة - رضي الله عنه - في حكاية أحداث غزوة ذات قرد: «وكان رجل من الأنصار لا يُسبق شداً، قال: فجعل يقول: ألا مُسابق إلى المدينة، هل من مسابق؟ فجعل يُعيد ذلك، قال: فلما سمعت كلامه قلتُ: أما تكرمُ كريماً ولا تهاب شريفاً، قال: لا، إلا أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: قلت : يا رسول الله بأبي أنت وأُمي ذرني فلأسابق الرجل، قال: إن شئت، قال: قلت: اذهب إليك وثنيتُ رجلي فطفرت فعدوت.. فسبقته إلى المدينة» رواه مسلم.

(5) مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوم يرفعون حجراً ليعلموا الشديد منهم فلم ينكر عليهم.

(6) عن سلمة بن الأكوع قال: خَرَجَ رَسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، علَى قَوْمٍ مِن أسْلَمَ يَتَنَاضَلُونَ بالسُّوقِ، فَقالَ: ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ فإنَّ أبَاكُمْ كانَ رَامِيًا، وأَنَا مع بَنِي فُلَانٍ لأحَدِ الفَرِيقَيْنِ، فأمْسَكُوا بأَيْدِيهِمْ، فَقالَ: ما لهمْ قالوا: وكيفَ نَرْمِي وأَنْتَ مع بَنِي فُلَانٍ؟ قالَ: ارْمُوا وأَنَا معكُمْ كُلِّكُمْ.أخرجه البخاري

(7) عن أنس قال: كانَ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ناقَةٌ تُسَمَّى العَضْباءَ، لا تُسْبَقُ، قالَ حُمَيْدٌ: أوْ لا تَكادُ تُسْبَقُ، فَجاءَ أعْرابِيٌّ علَى قَعُودٍ فَسَبَقَها، فَشَقَّ ذلكَ علَى المُسْلِمِينَ حتَّى عَرَفَهُ، فقالَ: حَقٌّ علَى اللَّهِ ألا يَرْتَفِعَ شيءٌ مِنَ الدُّنْيا إلَّا وضَعَهُ.

- النوع الثاني: السباق بعوض

إذا كانت الجائزة من غير المتسابقين فهو جائز شرعا، فإذا كانت من ولي الأمر فلا خلاف في جوازه، قال ابن قدامة: «سواء كان من ماله أو من بيت المال؛ لأن في ذلك مصلحة وحثا على تعلم الجهاد ونفعا للمسلمين». فعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، سبق بين الخيل وأعطى السابق. رواه أحمد. وصححه الألباني.

إن كانت الجائزة من شخص غير الإمام

وإن كانت الجائزة من شخص غير الإمام وليس واحدا من المتسابقين فجائز أيضا؛ لأنه عقد جعالة في أمر مباح. قال ابن قدامة: «أنه بذل ماله فيما فيه مصلحة وقربة، فجاز كما لو اشترى بماله خيلا وسلاحا».

إن كانت الجائزة من أحد المتسابقيْن

وإذا كانت الجائزة من أحد المتسابقين فقط؛ بحيث يأخذها الفائز، وإن فاز صاحب الجائزة أحرز ماله فجائز أيضا عند الجمهور، لانتفاء شبهة القمار هنا؛ حيث لا يبذل الآخر عوضا فلا غرم عليه إن خسر، وهو هنا عوض في جعالة من صاحب الجائزة على شرط، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمنون على شروطهم» أخرجه أبو داود.

إن كان العوض من المتسابقيْن

أما إن كان العوض من المتسابقين؛ فالأصل حرمة المسابقة بعوض يخرجه المتسابقان إلا ما استثنى الشرع؛ وذلك لأن إخراج العوض من المتسابقين؛ بحيث يأخذ الغالب كل شيء ولا يأخذ المغلوب شيئا هو في الحقيقة الميسر والقمار الذي حرمه الله -تعالى-، وهو: كل لعب يشترط فيه أن يأخذ الغالب من المغلوب شيئا، وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع.

الدليل من القرآن

أما الكتاب فقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (سورة المائدة:90)، فقرنه -تعالى- بالخمر والأنصاب وهي من المحرمات، كما وصفه بأنه رجس والرجس هو الشي المستخبث المكروه شرعا، وأمر باجتنابه، فكل ذلك مما يدل على تحريمه.

الدليل من السنة

وأما السنة فقوله - صلى الله عليه وسلم-: «من قال لصاحبه: تعال أقامرك، فليتصدق». أخرجه مسلم، قال ابن حجر: «القمار حرام بالاتفاق، فالدعاء إلى فعله حرام»، وقال النووي: «أمر بالصدقة تكفيرا لخطيئته في كلامه بهذه المعصية».

دليل الإجماع

أما الإجماع فقد قال ابن حزم: «أجمعت الأمة على أن الميسر الذي حرمه الله -تعالى- هو القمار»، ويستثنى من ذلك سباق الخيل والإبل والرمي بالسهام، قال القرطبي: «أجمع المسلمون على أن السبق لا يجوز على وجه الرهان إلا في الخف والحافر والنصل. قال الشافعي: ما عدا هذه الثلاثة فالسبق فيها قمار».

قال ابن قدامة: «واختصت هذه الثلاثة بتجويز العوض فيها؛ لأنها من آلات الحرب المأمور بتعلمها وإحكامها والتفوق فيها، وفي المسابقة بها مع العوض مبالغة في الاجتهاد في النهاية لها والإحكام لها».

ودليل الجواز في هذه الثلاثة حديث أبي هريرة مرفوعاً: «لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر» رواه الخمسة، ولم يذكر ابن ماجه(نصل)، والسبق بتحريك الباء هو العوض الذي يخرجه المتسابق، ويسمى القمرة والرهان والخطر. فدل على أن الأصل هو المنع ويستثنى من ذلك هذه الثلاثة والله أعلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 187.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 180.97 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (3.24%)]