النقد الإسلامي والمناهج النقدية الغربية المعاصرة.. أية علاقة؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أسئلة بيانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 26 - عددالزوار : 637 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 269 )           »          معنى حديث «من ستر مسلماً ستره الله..» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          صلاة التراويح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          حمل المأموم للمصحف في صلاة التراويح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          ركعتا تحية المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          حكم صيام من دخل بعض الماء إلى جوفه دون قصد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          دروس رمضانية محمد بن سند الزهراني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 368 )           »          قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 837018 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-06-2021, 04:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي النقد الإسلامي والمناهج النقدية الغربية المعاصرة.. أية علاقة؟

النقد الإسلامي والمناهج النقدية الغربية المعاصرة.. أية علاقة؟


د. محمد الواسطي







البحثُ في هذا الموضُوع يقتَضِي تحديدَ بعضِ المَفاهِيم قبلَ الدُّخول في التَّفاصِيل، وأهمُّ هذه المَفاهِيم: مفهوم النَّقد، ومفهوم النَّقد الإسلامي، وبعدَ هذا التَّحدِيد الضَّروري يُمكِن الدُّخول إلى صَمِيم الموضوع، وهو: مَوقِف النقد الإسلامي من المناهج الغربيَّة الحديثة والمُعاصِرة؛ بحيث يتمُّ تناوُل العلاقة بينهما، أهي علاقة تواصُل وتَكامُل، أم علاقة انفِصام وتصادُم، أم علاقة تواصُل أحيانًا وانفِصام أخرى؟


إنَّ النَّقد الأدبي كلامٌ عن كلام، كلامٌ عن الإبداع شعرِه ونثرِه؛ إذ هو فحْص النُّصوص، وإمعان النَّظَر فيها، وقراءتها قراءةً دقيقة مِن أجْل تَمييز جيِّدها من رَدِيئها، وصَحِيحها مِنْ زائِفِها؛ لأنَّه في النِّهاية يَرمِي إلى تقدير العمل الأدبي تقديرًا موضوعيًّا صحيحًا.

والنَّقد الأدبيُّ - كما هو معلومٌ - قسمان كبيران: نظري وتطبيقي.

فالنظري هو الذي ينصبُّ على دراسة مكوِّنات الخِطاب الأدبي شعرِه ونثرِه؛ بحيث يَتناوَل عناصره، ويَبحَث في تَأصِيله، ويُوضِّح ماهيَّته، ويُبيِّن قواعِدَه، ويُوضِّح مَقاييسه ومَعاييره التي يتمُّ في ضَوئِها تحديدُ قِيمَة العمل الأدبي.

أمَّا التطبيقي فهو الذي يَتناوَل الأثَر الأدبي لدى مُبدِعٍ أو مجموعةٍ من المُبدِعين تناوُلاً موضوعيًّا، يتمُّ فيه الاعتِمادُ على خطَّةٍ مدروسةٍ ومنهج معيَّن واضِح له أسُسُه ومفاهيمُه.

وبإضافة "النقد" إلى "الإسلام" يَتولَّد لدينا معنى خاصٌّ يرتَبِط ارتِباطًا قويًّا بالإسلام؛ حيث يُصبِح النقدُ الأدبي - سواء أكان نظريًّا أم تطبيقيًّا - يستمدُّ أصولَه وأسُسَه، وقواعِده ومَعاييره، من رُوح ديننا الحنيف وتعاليمه ومُثُله العُليَا.

وبكلمةٍ أخرى: فإنَّ إضافة "النقد" إلى "الإسلام" يجعَلُه نقدًا خاصًّا متميِّزًا عن غيره؛ حيث يُمكِن أنْ نُطلِق عليه في ظِلِّ هذا التميُّز وهذه الخصوصيَّة اسم "النقد الملتزم"، تبَعًا للأدب الإسلامي الذي هو في الحقيقة أدبٌ ملتزمٌ يستمدُّ التزامَه مِنْ إضافة الأدَب إلى الإسلام أيضًا.

ومِن هنا تتجلَّى العلاقة بين النقْد الإسلامي والأدب الإسلامي؛ فهما معًا يجمَعُهما الالْتِزام[1]؛ بمعنى: أنَّ الأديب يُوجِب على نفسه تصوُّرًا لا يُفارِقه، وهو "تصوُّر الإسلام للكون والحياة والإنسان"[2]، وكذلك يَفعَل الناقد الذي يأخُذ على عاتِقِه تَقوِيمَ الأثَر الأدبي، فهو الآخَر ينبَغِي أنْ ينظُر إلى الإبداع الأدبي في ضوء ذلك التصوُّر نفسه.

وبعد هذا نصل إلى صَمِيم الموضوع، وهو مَوقِف النقد الإسلامي من المناهِج النقديَّة المُعاصِرة عند الغرب، وسأتَناوَل هذا الموقف على مستويَيْن اثنَيْن هما: مستوى النقد النظري، ثم مستوى النقد التطبيقي الذي ينصبُّ على النص الأدبي.

مستوى النقد النظري:
إنَّ النقد الإسلامي يستَنِد لا مَحالَة إلى الخلفيَّة الدينيَّة الإسلاميَّة التي تقوم على التوحيد، وحسن علاقة الإنسان بخالقه، وعلاقته بأخيه الإنسان، فهو ليس في عمقه ذئبًا لا يُضمِر إلاَّ الشر للآخَر، وإنما هو كائنٌ يُولَد على الفطرة؛ أي: على الخير والحبِّ للناس جميعًا.

أمَّا في النقد الغربي الحديث فلا نجد مَناهِج فيها أعْلَمُ لها خلفيَّة دينيَّة أخلاقيَّة، وإنما نجد خلفيَّات فلسفيَّة وأيديولوجيَّة، وجماليَّة ولسانيَّة، وهي التي أنتَجَتْ أشهَرَ المناهج النقديَّة؛ كالمنهج النفساني الذي أنجبَتْه فلسفة التحليل النفسي، والمنهج الواقعي الذي أنتجَتْه الفلسفة الماركسيَّة، والمنهج البنيوي الذي جاء وَلِيد الفلسفة الجماليَّة والفلسفة الماديَّة والنظريَّات اللسانيَّة، كذلك المنهج الأسلوبي؛ إذ هو صِنوُ المنهج البنيوي، فهما معًا فرعان من شجرة اللسانيَّات الحديثة.

إنَّ مُعظَم الفلسفات والأيديولوجيَّات المذكورة تَنظُر إلى الإنسان في الحياة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة نظرةً تقوم على الصِّراع الطبقي والتدافُع الدموي؛ ولهذا فإنَّ موقف النقد الإسلامي منها ومن المناهج التي نشَأَت عنها، لن يكون إلاَّ موقف تحفُّظ واحتِراز.

ويَزداد هذا المَوقِف تصادُمًا وتنافُرًا بين النقد الإسلامي والمناهج العربيَّة الحديثة والمُعاصِرة في "العلمانيَّة"، وهي الفكر الذي يَذهَب إلى أنَّ الأخلاق لا بُدَّ أنْ تكون لصالح البشر في هذه الحياة، مع استِبعاد كلِّ الاعتِبارات الأخرى المستَمَدَّة من الدِّين، بما في ذلك الإيمان بالله والإيمان بالحياة الأخرى وما إلى ذلك؛ ففي منظور هذا الفكر هناك منهجٌ علمي واحد لجميع الظواهر، في ضوئه يَتِمُّ تفسير كلِّ شيءٍ، فالإنسان - كلُّ إنسان - يُمكِن تفسيرُه بما هو غير إنساني؛ أي: من خِلال القوانين الماديَّة والطبيعيَّة العامَّة التي تَجرِي على جميع الأشياء، وجميع المظاهِر.

فالاقتصادُ والسياسة والفلسفة كلُّ ذلك نشاطٌ فكريٌّ لا يُمكِن الحكم عليه بمعايير دينيَّة أو أخلاقيَّة أو إنسانيَّة خارجة عنه - وكذلك سائِرُ الفنون ومنها الأدب - يجبُ صبغُه بصبغةٍ علمانيَّة ماديَّة غير مقدَّسة، بحيث يُصبِح مستقلاًّ ليستْ به مرجعيَّة دينيَّة أو أخلاقيَّة أو روحيَّة[3].


ومن الطبيعي أنْ يكون موقفُ النَّقد الإسلامي وقبله الأدب الإسلامي موقفًا رافضًا مُعارِضًا للفكر العلماني؛ لأنَّه فكرٌ يُناقِض الإسلام الذي هو دين الإيمان بالله وبالحياة الأخرى، وبالقِيَم الأخلاقيَّة والفضائل العُليَا، ولا يقوم بالنَّظرة الماديَّة الأحاديَّة إلى العالم والحياة، فالإنسان - من الوجهة الإسلاميَّة - مادَّة وروح معًا، إنَّه "قبضةٌ من طين الأرض، ونفخةٌ من روح الله، غير مُنفَصلٍ بأحد عنصرَيْه عن عنصره الآخَر، وبهذه الطبيعة المزدَوَجة يُحقِّق رسالته على الأرض"[4].

مستوى النقد التطبيقي:
أمَّا من الوجهة التطبيقيَّة، فإنَّ الأمرَ يكتَسِي الصعوبةَ نفسَها؛ وذلك لأنَّ بعضَ المناهج يقول أصحابُها بعزْل النصِّ، وبعض المناهِج يقول أصحابها بعدَم عزلِه، وهذه مُعضِلة هذه المناهج على صَعِيد التَّطبِيق.

وهذا الاختِلاف راجعٌ - في الواقع - إلى الموقف من ثنائيَّة: الداخل - الخارج، فقد انقَسَم البنيويُّون بخصوص هذه الثنائيَّة إلى طائفتَيْن:
1 - طائفةٌ ذهبَتْ إلى أنَّ العلاقة بين طرفَيْها إنما هي علاقة انفِصام، وهذا ما نجدُه في المنهج الأسلوبي، والمنهج البنيوي عند الشكلانيِّين الرُّوس.

فالنقدُ الأدبيُّ في هذا المنهج عليه أنْ يُواجِه الآثار الأدبيَّة نفسها لا ظروفها الخارجيَّة التي أدَّت إلى إنتاجها، وهذا معنى قول جاكبسون: "إنَّ هدَف علم الأدب ليس الأدب في عمومه، وإنما أدبيَّته؛ أي: تلك العناصر المحدَّدة التي تَجعَل منه عملاً أدبيًّا"[5].

ومن هنا يَرفُض أصحابُ هذا المنهج العلومَ المُجاوِرة للأدب؛ مثل: علم النفس، وعلم الاجتماع، والتاريخ الثقافي، على اعتِبار أنَّ هذه العلوم تُشكِّل عَوائِق في مُواجَهة الأثَر الأدبي وتحليله.

وقد جاء هذا الاتِّجاه من تَأثِير الفكر العلماني المادي الذي قال بعلمَنَة الأدب - كما رأَيْنا - بحيث يُصبِح مُستَقلاًّ عن أيَّة مرجعيَّة؛ كالظُّروف الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والسياسيَّة، ومنه أيضًا جاءَ الكلام عن "الفن للفن"، و"الأدب للأدب"، و"أدبيَّة الأدب"، فالمهمُّ في العمل الأدبي هو جَمال الشكل؛ أي: جمال اللغة والأسلوب، وليس جمال المضمون.

ولا شَكَّ أنَّ الفلسفة الجماليَّة عند كانط كان لها تأثيرٌ كبيرٌ في مَفاهِيم المنهج الأسلوبي والمنهج البنيوي الشكلاني؛ إذ هي فلسفةٌ شكليَّةٌ، تَظهَر خطورَتُها في إيلاء الشكل كل الأهميَّة، وتجريده من كلِّ غاية، وفي هذا - كما قرَّر أحدُ النقَّاد - ما فيه من خَطَرٍ على الفنِّ نفسه؛ حيث الجمال المَحْضُ عند كانط لا يتمثَّل في سوى الشكل المَحْضِ الذي يختَفِي منه كلُّ مضمون كالنَّقش والموسيقا[6].

2- وذهبت طائفةٌ أخرى إلى أنَّ العلاقة بين الداخل والخارج إنما هي علاقة تواصُل، وهذا ما نجدُه في المنهج البنيوي الماركسي الذي لا يشغل أصحابه أنفسهم بالبحث في جمال الشكل في العمل الأدبي، وإنما يسعَوْن إلى البحث في المضمون ويعطونه الأولويَّة، وليس مطلق مضمون، فهم يحبُّون أنْ يكون الأثَر الأدبي مُصوِّرًا للصِّراع الطبقي، مُلتزمًا بقضايا الطبقة "البروليتارية"، داعيًا إلى التكتُّل فيما بينها مِن أجْل أنْ تستردَّ حقوقها من الطبقة "البرجوازيَّة"، ويصبح العالم كلُّه اشتراكيًّا شيوعيًّا.

ومن هنا يذهَب أصحابُ هذا المنهج إلى أنَّ النصَّ "داخل لا فرار له من خارج حاضر فيه"[7].

وإقامة مثْل هذه العلاقة بين النص وظروفه، أو النظر بمثْل هذه الرؤية - إنما هو من تَأثِير الفكر الماركسي، الذي يُقرِّر منظوره طبقًا للماديَّة التاريخيَّة أنَّ للحياة الاجتماعيَّة "بنية دنيا" وهي النِّتاج المادي، "وبنية عُليَا" وهي النُّظُم الثقافيَّة والمذاهب الفكريَّة، والعلاقة بين البنيتين أنَّ الثانية وليدة الأولى؛ فالفكر والثقافة والأدب والنقد والدين أيضًا كلُّ هذا وليد الحياة الماديَّة، وهكذا فإنَّه ليس صحيحًا أنَّ وعْي البَشَر هو الذي يُحدِّد وجودَهم، وإنما الصحيح أنَّ وجودَهم المادي والاجتماعي هو الذي يُحدِّد وعيَهم.

وقد تطوَّر المنهَج البنيوي الماركسي؛ إذ أنجَبَ البنيويَّة التكوينيَّة أو التوليديَّة على حَدِّ قول "جولدمان" وهي في الواقع المدرسة الهيجليَّة الجديدة في النقد الماركسي، وموضوعها دراسة بنيَة النص دراسةً تَكشِف عن بنيَة الفكر والعالم؛ بمعنى: أنها تركِّز على الكيفيَّة التي تتولَّد بها أو تتكوَّن بها البنيَة الفكريَّة عمومًا - ومعها الأدب - من الأوضاع التاريخيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة.

ومن هنا فإنَّ هذا المنهج كسابِقِه لا يَفصِل بين الداخل والخارج، وإنما يلحُّ أكثر من ذي قبل على البحث في خلق الوجود المادي للمَضمُون الفكري في الأدب.

وإذا كان المنهَج البنيوي الشكلاني والمنهج البنيوي الماركسي بشقَّيْه يختَلِفان في علاقة النصِّ بالخارج المتمثِّل في المرجع الاجتماعي والسياسي - فإنهما يتَّفقان معًا على "عزل النصِّ عن صاحبه"، وقد كانَت الرَّغبة التي عبَّر بها "رولان بارت" في بتْر الأدب عن الفرد[8] شعارًا يَجمَع البنيويِّين على اختِلاف مَشارِبهم واتِّجاهاتهم.

وتَرفُض البنيويَّة - إلى جانب ما مَرَّ - ذات الناقد؛ إذ تُنكِر الذوق، وتُنكِر المعياريَّة وما يتَّصِل بذلك من أحكامٍ تقييميَّة، كما تَرفُض العَواطِف والانفِعالات في العمل الأدبي؛ لأنَّه كالآلة كما ذكَر الشاعر "وليام كارلوس وليامز" في قصيدته التي يقول فيها:
دعونا نُقدِّم تصريحَيْن جريئين: الآلة لا تَعرِف العواطف.

والقصيدة آلة صغيرة أو كبيرة، مصنوعة من الكلمات.

حينما أقول: إنَّ القصيدة لا تعرف العواطف، فإنَّني أقصد أنه كما في الآلة لا يوجد جزء زائد، لا يوجد شعر متميِّز دون شكل مستحدث؛ لأنَّ الأعمال الأدبية تُحقِّق معناها الدقيق عن طريق الشَّكل، وهي في ذلك تُشبِه الآلة إلى أقصى درجة[9].

ومن المؤكَّد أنَّ مَوقِف النَّقد الإسلامي من عَزْلِ النصِّ عن سِياقِه أو عدَم عزلِه لن يكونَ إلاَّ مُخالِفًا ومُبايِنًا؛ لأنَّ العمَل الأدبي الذي يقوله المُبدِع - شاعرًا كان أو كاتبًا - لا يقولُه باعتِبارِه فردًا مَعزُولاً عن غيره، وإنما باعتِباره فردًا يترَعرَع ويتكوَّن في وسطٍ اجتماعي، ويُبدِع بلغة الجماعة، فاللُّغة - كما يقول دي سوسير -: "ذات طابع اجتماعي"[10].

وبالإضافة إلى هذا، فإنَّ موقف النقد الإسلامي يَزداد قطيعةً لفكرة "عزل النص"؛ إذ يتعلَّق الأمرُ بتَحلِيل النص القرآني وتفسيره؛ حيث لا يُمكِن بأيِّ حالٍ من الأحوال القولُ بعزل هذا النص عن سِياقه، وهو ما يُسمَّى بأسباب النُّزول التي تُعِين القارئ والمتلقِّي عمومًا على فهْم كتاب الله فهمًا صحيحًا".

وفيما يتَّصِل بـ"عزل النص عن صاحبه"، فإنَّ النقد الإسلامي يَرفُض القول به رفضًا قاطعًا أيضًا؛ لأنَّه - في الواقع - هروبٌ من الذَّات الفرديَّة بمعنى الكيان الواعي الشخصي الحافز، ومن هنا فإنَّه يُفضِي إلى علاقات غير إنسانيَّة، ويُؤدِّي إلى "قتل الإنسان"، إذا اعتَبَرنا عبارة "غارودي" ونقَلناها من الفلسفة إلى النقد[11].

إنَّ العمل الأدبي تعبيرٌ عن تجرِبة الأديب التي تُكوِّنها مختلف قُواه الواعِية وغير الواعِية، وهذا يَعنِي: أنَّ التكوينَ النفسي والاجتماعي والعقدي والبيئي سيتَسَرَّب إلى عمله، ومِن ثَمَّ فإنَّ إضاءة النقد لهذا العمل اعتِمادًا على المرجعيَّات المذكورة أمرٌ ضروري لفَهْم الأثر الأدبي.


وفوقَ هذا، فإنَّ النقد الإسلامي لا يُمكِن أبدًا أنْ يَقبَل فكرة "عزل النص عن صاحبه" عندما يتعلَّق الأمر بالنص القرآني، فمجرَّد التفكير في هذا يُؤدِّي إلى إفساد العقيدة واختِلافها؛ لأنَّ القرآن كلامُ الله المنزَّل على رسوله الكريم، والمُعجِز بنظمه وبَيانه في كلِّ زمان ومكان، لا يَأتِيه الباطل من بين يدَيْه ولا من خلفه؛ لأنَّه من لَدُنْ بديع السماوات والأرض، وخالق الإنسان والحياة.

وبخصوص المنهج البنيوي الذي يقول أصحابُه بعدم عزل النص، وضرورة رؤية الخارج في الداخِل، فإنَّ النَّقد الإسلامي يقف منه هو الآخَر موقف الانفِصام والتبايُن؛ لأنَّه يجعَل البنية "العُليَا" المتَمَثِّلة في الفكر والفن والأدب والدين وليدة البنية "الدنيا" المتَمَثِّلة في الوجود المادي، وينسى أو يَتناسَى أنَّ العلاقة بين الفكر والمادة علاقة جدليَّة؛ بحيث يَتبادَلان التأثير والتأثُّر، ويكمل كلٌّ منهما الآخَر في عمليَّة التطوُّر التاريخي، والرُّقي الحضاري.

وبالإضافة إلى هذا، فإنَّ الدِّين السماوي من وجهة نظَر النقد الإسلامي ليس وليد المادَّة التاريخيَّة - كما تقول البنيويَّة الماركسيَّة والعلمانيَّة - وإنما اقتضَتْه الحكمةُ الإلهيَّة في مختلف الأزمنة والأمكنة، بهدَف تصحيح العلاقة بين الإنسان وخالِقِه من جِهة، وبين الإنسان وأخيه الإنسان من جِهة أخرى.

وشيء آخر، وهو أنَّ وظيفة الأدب في النقد الإسلامي إنسانيَّة، تهتمُّ بالحريَّة والعدالة والمساواة والأخوَّة بين جميع البشر، ولا تنحَصِر - كما هو الأمر في المنهج البنيوي الماركسي - في الدِّفاع عن الطَّبَقة الكادِحة المُناضِلة، والتعبير عن حقوقها، وفضْح عُيُوب الطبقة البرجوازيَّة، فهذا من شأنه أنْ يُؤدِّي إلى الصِّراع والتناحُر بين الأيديولوجيتين، وإلى حربٍ باردة قد تُدمِّر الحضارة الإنسانيَّة، ولا تُبقِي على شيءٍ منها.

والنقد الإسلامي في مثل هذه الأمور يَرَى أنَّ الاحتِكام إلى العدل والمساواة بين الناس في الحقوق والواجبات مِن شأنه أنْ يُقَرِّب بين الطبقات الاجتماعيَّة ويَقُودها إلى ما فيه خير ومَصلَحة الجميع.

مرحلة تحليل النص:
هذا موقف النقد الإسلامي من مرحلة "عزل النص" أو "عدم عزله" في الجانب التطبيقي، فماذا عن مَوقِفه من مرحلة "تحليل النص"، التي تأتي مُباشَرةً بعد العزل؟

قبل الجواب عن هذا السؤال يجب أنْ نعرف أنَّ المناهج الحديثة التي تَناوَلت النصَّ من الداخل وهي المتفرِّعة من لسانيَّات دي سوسير كالسيميائيَّات والأسلوبيَّة والبنيويَّة تنطَلِق في عمليَّة التحليل من تحديد بنية النص الدلاليَّة، بحيث يضَع الناقدُ يدَه على البِنَى الدلاليَّة الكُبرَى والبِنَى الدلاليَّة الصُّغرى التي تنضَوِي تحتَها، وهو أمرٌ ليس بالسهل؛ إذ يَحتاج إلى قِراءات عديدة، بعضها مباشر، وبعضها تأويلي، وبعضها رمزي، فهذا هو المدخَلُ الضروري للتحليل كما في المنهج البنيوي خاصَّة، وهو يُوضِّح أنَّ البحث في هذه المناهج ينطَلِق من المضمون إلى الشَّكل وليس العكس.

وبعد أنْ يقبض الناقد على البِنَى الدلاليَّة يتتبَّعها في النصِّ الأدبي تتبُّعًا سياقيًّا، أو أفقيًّا وصفيًّا، بحيث يَقِفُ على العلاقات بين الوحدات اللغويَّة داخِل النَّسَق الأصغر وهو الجملة، ويَبحَث في الأنساق الصُّغرى في علاقتها بعضها ببعض، ويَفعَل الشيءَ نفسَه بالتضادِّ الثنائي بين الوحدات الدلاليَّة، بحيث يُناقِش العلاقة بين الثنائيَّات الأساسيَّة من جهة، والثنائيَّات الفرعيَّة من أخرى، ولا يَنسَى أنْ ينظُر في العلاقة بين الثنائيَّات والمُبدِع، وأنْ يتنبَّه للعلاقة بين عناصر السِّياق والعناصر الاستِدلاليَّة التي لا يقع الاختيارُ عليها.

وفوقَ هذا فإنَّ الناقد من وجهة نظَر البنيويَّة التكوينيَّة لا يغفل العلاقة بين نسَق النص الفردي والنَّسق الأكبر؛ إذ النصُّ لا يُمكِن أنْ يكون نسقًا مُستقلاًّ كما رأينا سابقًا، ولكنَّه يُمثِّل بنيةً نظيرة لأنساقٍ وبِنَى أخرى غير أدبيَّة يُمثِّل جميعُها الثقافة التي أنتَجَت النصَّ.

وإلى جانِب الكَشف عن العلاقات، فإنَّ الناقد يَكشِف كذلك عن عَناصِر البنية ومُستَوياتها المختلفة من: صوتيَّة، ومعجميَّة، ونحويَّة، وبلاغيَّة، ورمزيَّة؛ بحيث يَظهَر ما يَزخَر به النصُّ من تَنغِيمٍ وإيقاع، ويبرز خصائص كلماته وحيويَّتها، ويدرس طرُق تكوين الجُمَل، ويميط النِّقاب عمَّا فيه من تغييرٍ أو انحِراف عن الاستِعمال العاري الحرفي.

ويَكشِف الناقدُ في التحليل الداخِلي - إلى جانب ما سبَق - الخاصيَّة الجماليَّة في النص الأدبي، وتكون هذه الخاصيَّة ماثلةً في بنية تركيب الجُمَل والصُّوَر والرُّموز والمُفرَدات المُعجَميَّة، وفي الحروف والأصوات والتوازُنات والتقابُلات التي تشعُّ بدلالات النصِّ.

وبعد مرحلة التحليل تأتي مرحلة التركيب؛ وهو ضَمُّ وتجميع ما فرَّقَه التحليل، بحيث يُؤلِّف الناقد بين المتشابِهات، ممَّا يَسمَح بالوصول إلى القَوانِين الكبرى التي تَكمُن وراءَ إبداع النص الأدبي.

وقد ركَّز البنيويُّون على أهميَّة التحليل والتركيب في مُقارَبة النص الأدبي مُقارَبةً علميَّة؛ يقول ليفي شتراوس: "إنَّ البنيويَّة تريد أنْ تكون منهجًا علميًّا دقيقًا، يدرس العلاقات القائمة بين عناصر أجزاء كلِّ بنية، وذلك بتَحلِيل هذه الأخيرة والكشف عن ارتِباطاتها الموضوعيَّة، ثم إعادة ترتيبها في منظومةٍ كليَّة جديدة أسمى من بنيتها الأولى، تُتِيح لنا تبيُّن بنيتها الخفيَّة"[12].

وهذا ما عبَّر عنه "بارت"؛ إذ وصَف العلميَّة البنيويَّة بأنها: حلُّ الشيء لاكتِشاف أجزائه والوصول من خِلال تحديد الفروق القائمة بينها إلى مَعناه، ثم تركيبه أخرى حفاظًا على خَصائِصه التي تُوضِّح لنا أنَّ أيَّ تعديلٍ في الجزء يُؤدِّي إلى تعديلٍ في الكل[13].

وبهذا يتَّضِح الجوابُ عن السؤال السابق، وهو أنَّ موقف النقد الإسلامي من تحليل النص وتركيبه - كما سبق - لن يكون إلاَّ موقف القبول والتواصُل؛ لأنَّ تناوُل لغة النقد تناوُلاً علميًّا موضوعيًّا أمرٌ مطلوبٌ ولا بُدَّ منه في النقد التطبيقي؛ لما يُؤدِّي إليه من كشف الدلالة، وبَيان للأسرار الخفيَّة التي يَزخَر بها العمل الأدبي.

ومُجمَل القول:
إنَّ موقف النقد الإسلامي من المناهج الغربيَّة المُعاصِرة ليس واحدًا، وإنما هو موقفٌ يترجَّح بين الاتِّصال والانفِصال، أو القَبول والرَّفض، فأمَّا الاتِّصال فيَتَجلَّى في ضرورة انفِتاح النقد الإسلامي على تقنيات المناهج الغربيَّة وأدواتها في تحليل النصِّ الأدبي تحليلاً علميًّا موضوعيًّا يَقُوم على استِنطاق لغته والتعمُّق فيها من أجل الوصول إلى دلالتها الخفيَّة العميقة.


وأمَّا الانفِصام فيَظهَر بجَلاءٍ في رفْض النقد الإسلامي لفكرة "عزل النص" بجميع ألوانها، كما يَظهَر في التحفُّظ بخصوص الخلفيَّات المتمثِّلة في العلمانيَّة والفلسفة الماديَّة وسائر الأيديولوجيَّات التي لا تُلقِي للدين بالاً، ولا تكتَرِث بالأخلاق والقِيَم الإنسانيَّة النبيلة.


[1] انظر مفهوم الالتزام عامَّة في: "المعجم الفلسفي"؛ د. جميل صليبا، 1/118.

[2] "مفهوم الفن الإسلامي"؛ محمد قطب، 6.

[3] انظر مقالاً عن العلمانيَّة، "مجلة الغدير"، المجلد 4، العددان 25 - 26، ص64 إلى 74.

[4] "منهج الفن الإسلامي"؛ د/ محمد قطب، 34.

[5] "نظرية البنائية في النقد الأدبي"، 60، وانظر: "الأسلوبية والأسلوب" 172.

[6] "النقد الأدبي الحديث"؛ محمد غنيمي هلال 303، ط 4، دار النهضة العربية.

[7] "في معرفة النص"؛ د. يمنى العيد 39، دار الآفاق الجديدة، بيروت.

[8] "المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك"؛ د. عبدالعزيز حمودة 213، سلسلة عالم المعرفة 232.

[9] "المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك" 213.

[10] "في معرفه النص": د. يمنى العيد 38، دار الآفاق الجديدة، بيروت.

[11] "تأشيرات على البنيوية"، مقال بـ"مجلة المشكاة" 141، العدد 15، دجنبر 1992، وانظر: "البنيوية أو فلسفة موت الإنسان"؛ روجيه غارودي.

[12] "مجلة عالم الفكر" المجلد 30، سنة 2002، ص 47 - 48.

[13] "نظرية البنائية في النقد الأدبي"؛ د.صلاح فضل 54، دار الآفاق الجديدة، بيروت.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 71.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 69.80 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]