النشء المسلم في الغرب - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191049 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2649 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 656 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 929 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1089 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 851 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 835 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 918 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92797 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الجالية المسلمة - Muslim non-arabic

ملتقى الجالية المسلمة - Muslim non-arabic قسم يهتم بتوعية الجالية المسلمة وتثقيفهم علمياً ودعوياً مما يساعدهم في دعوة غير المسلمين الى الاسلام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-05-2021, 03:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي النشء المسلم في الغرب

النشء المسلم في الغرب (1)


جمال المعاند






الحديث عن إعداد النشء للحياة ذو شجون، حيث يتطلب تضافر جهود، وتداخُل عوامل.



ومن الغريب وصْف عامل بالضَّرر بمعزل عن بقيَّة العوامل، فالإنسان بما هيَّأت له القدرة الربَّانيَّة من الإمكانات الذاتيَّة لإعْمار الكون - يصعب تكوينُه تربويًّا والتحكُّم فيه وَفْق آليَّاتٍ مسبقةَ الصنع، إلا أنَّ مسألة التأثير أمرٌ فيه نظر.

ومن المعلوم أنَّ النظم التربوية قامت بدايةً على الاستقراء، ومن ثم تطوَّرت إلى الدراسات الإنسانيَّة التي تتَّسم أيضًا بالجانب النظري؛ لصعوبة إجراء التطبيقات المخبرية على الجنْس البشري، على الأخصِّ الوجدان والسلوك، هذه النظُم التربويَّة تنطلق من قِيم ومثُل هي نتاج خبرةٍ تراكُميَّة لأيِّ أُمَّة، تؤطّر بمناهج تضع صيغًا عمليَّة لتكوين المهارات.

وعند إجْراء نظرة فاحصة على خارطة العالَم التربويَّة يلْحظ أنَّ المشترك من القلَّة بمكان، من حيث المنهجُ والآليَّات، ونزعة حبِّ السيطرة عند بني البشر اتَّخذت طرقًا حديثة بعد تقدُّم الدراسات النفسيَّة والاجتماعيَّة، ومنطق الصراع الحديث يَميل إلى التحكُّم عن طريق البرمجة الذاتيَّة، ومن هُنا يستهدف النشء المسلم عمومًا.


وبعيدًا عن التَّوصيف النَّظري، والتَّعليق على شمَّاعة المؤامرة فحسْب، القضيَّة –نصفها بيسر- هي حراك بشري بثوْبٍ جديد، فالغرب بعد أحْقاب من البؤس انطلق للاستِعْمار ونهب ثروات الشُّعوب، فذاق طعم الرَّفاهيَّة، فهو يعمل على استِمْرارها، ولا يستهدفُنا كأمَّة لأننا مسلمون فحسب، بل ما يصيبُنا جزءٌ ممَّا يخطِّط له على مستوى العالم، وإنْ كنَّا في بؤرة الاستِهْداف، فبما حبانا المولى - سبحانه - من خيرات مادِّية، وقسوة مخطَّطاته التي تطالُنا الآن بسبب عقيدتِنا الإسلاميَّة، فهي أكبر عائقٍ أمامه.





ومراكز البحث الغربية استطاعت غزو العالم بجيش لم يفطن له، هو اللغة الحية بحجة التقدم التقني ومواكبة التطور، وهي حقيقة لا مناص من التسليم بها، فالضعف التقني ولّد حاجة إدخال اللغة الأجنبية إلى كل مناهج الأمم ومنها أمتنا.

فأطفالُنا كلُّهم - وبلا استثناء - أطفال اصطُلِح على تسمِيَتهم تربويًّا أطفال ثنائي اللغة بطيف متباين المستوى، وثنائيَّة اللغة – للإنْصاف - سلاح ذو حدَّين، فمن جهة مفيدة لمواكبة التطوُّر، وأخرى ضرر على مستقبل الأمَّة.

وبؤرة الضَّرر الأطفال المسلمون الذين نشؤوا في الغرب - وهم يقدَّرون الآن بالملايين - فهُم يمثِّلون شريحةً حقيقيّة بكل المقاييس للأطفال ثنائي اللغة، هذه الظَّاهرة لم ترصد بشكل علمي بَحثي دقيق، يقوِّم منافع ومضار تلك الشريحة.


فالاندِماج مطلب رسْمي وشعبي في الغرْب لتسهيل التواصُل والمساهمة في بناء المجتمع، يتم التَّركيز الفِعْلي والمدْروس على الأطفال، ولا يقتصر على النَّشء المسلم؛ بل كلّ طفل نشأ في الغرب، ويراد لهذا التوجُّه مدُّ شرايين الغَرْب بدِماء جديدة بعد تفكُّك الأسرة الغربيَّة وقلَّة الإنجاب.

وهجرة المسلمين إلى الغرب اتَّسمت تاريخيًّا بالطَّارئة، فلا تجِد في تراثنا ذكرًا لتربية النشْء في أرض غير إسلامية، كما أنَّ اختلاف الظروف المعاصرة عمَّا قبل يتطلَّب جهودًا كبيرة.

والمسلمون المقيمون في الغرب بدؤوا يتحسَّسون هذه المشكلة؛ لكن يُعْوِزهم العمل المؤسسي، وميزانيات معتَمَدة وتخطيط، والواقع هو اجتِهادات فردية أو جمعيَّة تحاول تلمس الأحلام، فإنشاء مدرسة في بيئة متمدِّنة يكلِّف الكثير، ومع ذلك تم بناء بعض المدارس، وفي فن الممكن جنحوا إلى ما يسمَّى مدارس نهاية الأسبوع، وهي النسبة العظمى من المدارس، تفتح أبوابَها ليوم واحد ولسويعات قليلة أسبوعيًّا، وعليها تعليم لغة القرآن، وتلْقين بعض السور القصار وقليلٍ من المعارف الإسلاميَّة.

ومع كل هذه الصعوبات تتبدَّى مصاعبُ أخرى؛ كبُعْد المدْرسة عن سكن الطلبة، وعمل الوالدين أثناء فتح المدارس أبوابها، وكذلك المناهج التي تلقَّن للتلاميذ.

ويمكن إجمال الملاحظات التي تعيق ذلك بما يلي:




أوَّلاً البيت:



الزَّواج من كتابيَّة أمر شائع، وبغضِّ النظر عن الحكم الشرعي، والذي بات - للأسف - يعامل معاملة القانون، يسمح أو لا يسمح، فلا يُؤخذ بعين الاعتبار علَّة الحكم ومقصد الشَّرع، مع أنَّ الآية الخامسة من سورة المائدة نصَّت على كلِمة التَّحصين، وهي تشرع للزَّواج من الكتابيَّة، فلا يحمل إلا على نوع من التَّحصين في زمانِنا.

فالأم هي التي يقضِي الطفل معها معظم وقته، قبل سنِّ الحضانة، ولجهل كثير من الآباء ببعض القواعد التَّربوية لا يقيِّمون الموقف تقييمًا صحيحًا، وعلماء التربية يعدُّون مرحلة ما قبل الحضانة حاسمة لتكوين الوجْدان والمشاعر، وهب أنَّ هذه الأم أسلمت فهي حديثة عهْد بتعاليم الدين الحنيف، ولم تتمثَّل العقيدة السَّمحة والأحكام والأخْلاق، بما يؤهِّلها لتكونَ قدْوة يتعلَّم منها الطفل بالتَّقليد والمحاكاة.

أمَّا الأطْفال الذين ولِدوا لأبويْن مسلمين أصْلاً ومقيمَين في الغرْب، فإنَّ معضلة التحدُّث بالعامِّية هي من أخطر ما يواجهون، وربَّما يقول قائل: إنَّ جميع بلدانِنا العربيَّة تتحدَّث العامِّية!

والجواب: ثمَّة وسائلُ مسانِدةٌ ترفد الفصحى في بلدانِنا (كالمدرسة - المساحة الزمنيَّة الأكبر - بعض وسائل الإعلام - المسجد) تخفِّف مـن وطأة الضَّرر.

وعادة ما تغلب لغة البلد حتَّى داخل المسجد في الغرب، والعامِّية معضلة حتَّى في العالم العربي، ففي دراساتٍ تربويَّة تَمَّ حصْر أضرار العامِّيَّة بالتَّالي:




1- العامية تشوِّه مخارجَ وصفاتِ الحروف.



2- التشكيل أو الحركات ليستْ ذات بال في العاميَّة، بيْنما نجِد تبدُّل حركة واحدة في الفصحى تقلب المعنى.


3- النحْت الصرفي عاميًّا لا يخضع لضوابط علمية.


4- ويمكن القول: إنَّ عاميَّة أي بلد عربي تَحوي كلِماتٍ دخيلةً، إمَّا من بلدٍ مُجاور، أو من بقايا لغة الاستِعْمار.

والسؤال الذي يفرِض نفسَه: لماذا التَّركيز على الفُصحى؟ وما علاقة ذلك بالنَّشء المسلم؟
اعتاد النَّاس اعتبار اللغة وسيلة للتخاطُب والتواصل، وهي نظرة سطحيَّة لمنافع اللُّغة، إنَّ أيَّ لغة هي وعاء للثَّقافة فلا يتحدَّث متحدِّث إلا عن تصوُّر ذهني، وأقرَّ علماء النفس: "أنَّه لا يمكن إغفال البناء النَّفسي وعملية التفكير في الجانب اللغوي، الذي يلعب الدور الرَّئيس في عمـلية التَّمثيل الذهني"، وهذا ما جعل علماء النفس ومنذ ثلاثين عامًا يفردون علمًا مستقلاًّ دُعِي: "علم النفس الإدراكي"، فاللغة كلِمات تعبِّر عن تصوُّرات تنبع من آراء، قد تتولد مـن أفكار ومنها الأفكار العَقَدِيَّة.

وإذا كنَّا نحن الكبار ومن سبق لهم التكوين في البلاد العربية نواجه صعوبات، فما بالُك بأطفال ذاكرتُهم في طور التَّنشِئة وخزن المعلومات؟! فإضعاف اللغة عند النشْء المسلم المقيم في الغرْب - داخل البيت - ينشئُ طفلاً جاهلاً بلغة القُرآن؛ مما يتعسَّر عليه مستقبلاً فَهْمُه وتدبر معانيه، ويكون بِهذا الفهم وسيلة تخريب في معتقدات أمَّته، أو يبتعد سلوكُه عن تعاليم الدين الحنيف.


ثانيًا المناهج:




وهي بلا ريبٍ مُحاولات رياديَّة يشكر القائمون عليْها، بيْد أنَّ شأنَها شأن أي أمر ريادي، فإنَّ عوائق الإنشاء والتكوين تدفعُ اتِّجاه الإنجاز على حساب الجودة، ويسجل لها بداية محاولاتها لسدِّ الثغرات مع فقرها للإمكانات، ويمكن إجمال الملاحظات التكميليَّة على النحو التالي:

- أغلب واضعي المناهج من المتخصِّصين في البلدان العربية، وهو أمر جيّد، غير أنَّ المؤلف يضع ما يراه مناسبًا حسب اطِّلاعه، وعلى حد علمي: لا تنظَّم زيارات ميدانيَّة للمؤلفين، ممَّا يكسبها الطابع النظري.
- ضعف أو انعدام التواصُل مع الكادر التدريسي.
- المفردات الموضوعة لا تنتمي في معظمها لبيئة الطفل الغربيَّة، فهي كلمات وحشيَّة بالنسبة له.


ثالثًا الكادر التعليمي:




إداريًّا تنوء به كواهل المراكز الإسلاميَّة، والتي يكون التَّعليم أحد مهامها، والملاحظ كونه ثانويًّا بالنسبة لبقية المهام.


- والمدرسون: في الغالب هم من المتطوِّعين، رمزيًّا أو مجَّانًا، وهم غير متفرِّغين ولا رقابة عليهم، وغير مؤهَّلين تربويًّا.


- الزمن: إنَّ عمليَّة التعليم تحتاج لسنوات، وإلى تكرار، فما يحصل عليه الطفل المسلم في الغرْب أسبوعيًّا، لا يعادل حصَّة نشاط أسبوعيَّة في البلاد العربية.


- إنَّ من مهارات تعلُّم اللغة الأربع مهارةَ السَّماع، فلا البيت ولا مدرسة نِهاية الأسبوع تُعطي الحد الأدنى المطلوب.

هذه نظرة أوَّليَّة حاولت تلمُّس المشكلة، وفي الجزء الثاني الاصطلاحات التربوية وتطبيقاتها تربويًّا في الغرب.














__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29-05-2021, 03:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: النشء المسلم في الغرب

النشء المسلم في الغرب (2)


جمال المعاند






مما لا مراءَ فيه أنَّ التربية عملية قصدية، والظُّروف المحيطة بالنشء المعاصر فرضت اهتمامًا يرتاب من الارتجال، ولا يطمئن للعفوية، ومن نافلة القول: أنَّ تبايُن البيئات يفرض الأخذ في الاعتبار عواملَ تُولَد في بيئة، أو تَبْرُز فيها، خلافًا لمكان آخر.

والبيئةُ الغربيَّة في عصرنا نشأت فيها أجيالٌ مُسلمة لم يفرد لهم إلاَّ القليل من الدِّراسات التي لا تبلُّ الصَّدى؛ لأسبابٍ، منها ضعفُ الاهتمام بالتربية، وكذلك تموُّه الحدود الفاصلة بين التربية والتعليم، كما أنَّ فضاءات الحرية المتوفرة في البيئة الغربية تُغري أيَّ إنسان بإمكانية تَنشئة أطفاله وفقًا لما يراه مناسبًا.


وهذه السلسلة من المقالات هي رَصدٌ تطبيقي يُعْنَى بالأسباب، ويقدِّم الاقتراحات ما أمكن، وفي المقال المرقم بالأول كان استهلالاً عامًّا مثل نظرة عامَّة للواقع في إلمامات تُحيط بالكلية، ولا تبحث في التفاصيل؛ حيث كان الهدف تأطيرَ المشكلة، ومن هذا المقال فما بعد إذا أَذِنَ المولى - تبارك اسمه - سيكون البحثُ في الآليَّات مع مُقارنات يَقتضيها المقام، وما لم يرد من آلية أو مُقاربة، فغلبة الظن أنَّه سهل السيطرة عليه.

ولو نظرنا إلى جُذور الإقامة في الغرب في مُحاولةٍ لاستشفاف الدَّوافع، نرى أنَّ التخلُّف في العلوم التطبيقيَّة كان السبب الأول؛ مما دفع بإرسال شريحة من أبناء المسلمين لتلقي العلم، بعضهم خشي من العودة لدوائر التخلُّف فأقام، وتبعتهم شريحة أخرى دفعهم الكسب المادي، وما تضمَنُه القوانين الغربية من أجور وحقوق مَحفوظة، وتسلُّط الظَّلَمة على زمام الأمور في عدة بلدان إسلامية زاد من مساحات التعسُّف، فلجأت شريحة ثالثة، وهؤلاء مَتْنُ الأقليَّات المسلمة في الغرب، وبالنَّظر نَجد رابطًا واحدًا يَجمع كل تلك الدوافع، هو الخوف بأشكال مُتعددة المآخذ، ومتى ما كان الخوف هاجسًا، فمجال العقل البحث عن الأحوط، وبناءً عليه؛ فإنَّ مناقشة وضع النشء المسلم في الغرب يَجب أن يُصَبَّ في خانة التصويب والتعديل، وليس في منحى إعادة الترتيب.


فالإقامةُ في الغرب هدفٌ، بِغَضِّ النظر عن المبرِّرات، وما لا يفطن له القائمون على تربية النشء في الغرب هذه الحقيقة، فيتساوى عندهم المنهجُ، ومن ثَمَّ التعامُل، وما من دولة غربية إلاَّ وولد فيها جيل من المسلمين، وبعضُها حاملٌ بالجيل الرابع.

ولم تترك القوانين الغربية من خيارات لمن رغب في إنشاء أسرة إلاَّ منافذ ضيقة، فما من معضلة بعد الحصول على الإقامة أصعب من عقبة الزَّواج على المغترب.

وأمام قضية تكوين الأسرة أو المحضن الأول للطفل، نَجد الاحتمالات التالية:
الزَّواج من كتابية، ومن مُسلمة وافدة، ومُسلمة أو مسلم وُلِدَ في الغرب، وكلهم عُرضة لتأثيرات البيئة الغربية، وأخطرهم على الإطلاق الزواج من كتابية مُقيمة في بلدها.


أمَّا الخلفية الشرعية للمقيمين في الغرب، فتكاد تنحصر بين عوامَّ في المصطلح الشرعي هم السواد الأعظم - رغم الدرجات العلمية الحياتية - وثُلَّة من طلبة العلم، أمَّا علماء الشرع في الغرب فهم قلة.

ومما يشتركون فيه إلاَّ ما ندر حرصُهم على تسمية المولود اسمًا إسلاميًّا، ويرفض أغلبهم أكل الخنزير أو شرب الخمر، وربَّما أبدى بعضهم ملاحظات في حال رُؤية مخالفة مع معلوم من الدين بالضرورة، حتى وإن لم يكن ملتزمًا، وليس المجال هنا لبسط المخالفات الشرعية الحاصلة في البيوت، وإبانة الحكم الشَّرعي، إنَّ ما يعنينا هو قضية تنشئة الأطفال المسلمين.

وعلى كل مسلم مقيم في الغرب أنْ يدركَ خطورة البيئة الغربية على نفسه ومَن يَعول، وثَمَّة مرحلةٌ من العمر تكاد أنْ تكون مُهمَّشة في حياة الطفل المسلم على الأخص غربًا، ولا يعبأ لها، ألا وهي ما دون سن السابعة، واصطلح فقهاؤنا على تسميتها ما قبل سن التميِيز، والغريب أنَّ لها أحكامًا فَطِنَ لها السلف، وأثبتت الدراسات النفسية والتربوية الجادة أنَّ لها بصماتٍ من العسيرِ إزالتُها من شخصية الطفل مستقبلاً.


وأولى القضايا التي يعوزها مَزيد من الاهتمام: الاعتقاد، وليس ثَمَّة بيئة أخطر على عقيدة المسلم من البيئة الغربية، على الأخص إن كان الطفلُ طفلاً ذاكرته في طور التكوين، فهو مُلازم لأمِّه الكتابية أو حديثة العهد بالإسلام، فالساعات التي يقضيها معها أكثر مما يقضيها مع أبيه يوميًّا، ومن ألفاظها يتعلم النطق، وما تقوله أو تفعله يُعَدُّ في ذاكرته الأصلَ، وسيُفاجَأ مَن يُقيم في الغرب من معلومة هو يُدركها تمامًا، ولم يفكر بأَثَرِها عقديًّا، وهي:
أنَّ منطوقَ الإله أو معناه غيرُ متوفر في اللغات الأخرى، لقد بحثتُ في اللغات التي لي فيها بعض الإلمام، وهي (الإنكليزية، والإسبانية، والفرنسية)، وتحدثتُ مع مسلمين مُثقفين، وسألنا بعضًا من أهلها، وبعد جهد ومناقشات وترجمات، عثرنا على لفظين اثنين، هما الربُّ والسيد مسميات للذات الإلهية، وفي طيِّ الكلام حصرت المعاني التي أوردوها لشرحِ هاتين الكلمتين في [الخالق، والمالك، والرازق، والشافي، والرحيم، تَجوُّزًا بمعنى مُحقق الأماني]، وعند النَّصارى أوكل تَحقيق الأماني لابنه - تعالى الله عما يَأْفِكُون - وهنا تكمُن خطورةُ إضعاف توحيد الألوهية في ميزة المؤمن عن الكافر أو الحد الفاصل، كما لا يَخفى اختزال توحيد الأسماء والصفات، وفلسفة الذنب، أو مبدأ الخير والشر، وقيمته إسلاميًّا: الأمرُ والنهي، فلا حاجةَ أن نشرح للمسلم الواعي أنَّ أوامر الله - سبحانه - تصب في مصلحة الإنسان دنيويًّا وأخرويًّا، وأنَّ ما نهى عنه الشرع الحنيف رغم قلته ثبت علميًّا وعقليًّا أنه ضرر والأولى للعاقل اجتنابه، وفي المقابل فلسفة الخطأ عند الغربيين تُحمل على مَحمل واحد، هو القصور البشري، برغم إيمانهم بوجود الشياطين إلا أنَّ مساحة إغوائهم لبني آدم تُقزَّم لأضيق مجال، فالشيطان ليس عدوًّا واضحَ العداوة متربصًا في كل حين مثل ما عندنا - نحن المسلمين - ونُربَّى عليه.


ومَن كان من الغربيِّين مُتدينًا، فعليه تخفيف الأحمال عن ضميره بالاعتراف لرجل دين يَملك توكيلاً عن الربِّ بالمسامحة، بصك غفران يدفع مقابله مبلغًا ماليًّا، أو يتطوع بعمل أو نحوه، فيتولد من هذا الأمر أولاً أن ثَمَّة واسطة بين العبد والرب، وهذه النظرة ترفع المادة أيضًا إلى مستوى القداسة، فهي حلٌّ حتى لِمَا يعتلج في الضمير، فيغدو هدفًا أساسيًّا في الحياة كما هو ملاحظ، وليس ثمة تشريع يضبط إيقاعَ الحياة، إنَّما هي اعتقادات ومَواعظ وتوجيهات أخلاقية لا تحفل من الوسائل إلاَّ العُرف.

وإلحاقًا بهذه النقطة قد يَحدث موت أحد معارف الأسرة، فيسأل الصغير عنه، فيجاب: إنَّه في السماء مهما كان فعله، وربَّما رآه هذا الطفل يقترف ذنبًا، أو على الأقل سمع ذمَّه على شيء قبل وفاته، فالصعود إلى السماء يعني القُرب من الرب، والكل صاعد بغضِّ النظر عما فعله في حياته، وأثر ذلك تربويًّا على الطفل أنَّ الأعمال الصالحة هي نافلة وميزة للشخص الطيب، وليست مصيرًا يُحدد حياته الأخروية، هذا لمن يؤمن بالآخرة.

ونقطة تربوية قلما يُفطَن لها، تلعب الأم الدَّورَ الرئيس فيها، فهي أول معلم لطفلها، فإذا كانت من غير الناطقين بلغة القرآن، فتلك مُصيبة، وقد أشبعنا هذه النقطة شرحًا في المقالة الأولى، وهنا نعرج على الآليات، فاللغة العربية هي اللغة الوحيدة بين لغاتِ العالم التي تَمتلك مخارج وصفاتٍ لحروفها، وتم البحث والاستقصاء عن اللغات سابقة الذِّكر (الإسبانية، والفرنسية، والإنكليزية)، وبعد مراجعة المختصين، لم يتبنَّ أحدٌ ولا أشار إلى مرجع يشير إلى أنَّ ثَمَّة مخارج أو صفاتٍ، وفسحة الجدال حول نغمة الحرف، والتي يُمكن حصرها في باب الصِّفات، وما من قاموس أو معجم إلا يورد ضبطَ النطق، بعلمٍ اصطلح على تسميته عالميًّا (phonetic)، يضبط الكلمة كما سُمِعَت من أهلها، وبناءً على ذلك فمن الصُّعوبة تعلُّم الطفل المسلم الذي لم تُؤسّس عنده العربية أحكامَ التلاوة، وهي فرض عين على كل مسلم، فكل مسلم غربي أو مَن نشأ في الغرب، عليه "خرط القتاد" - كما يقال - لتعلم التلاوة.


وعند السنة الثانية من عمر الطِّفل تبدأ مَداركه بالاتِّساع، وتبرز مهارة السَّماع لديه، ولا شيء أهم من القصص يَجذبه كُلَّه، على الأخص إن رافقها تَمثيل.

والسؤال الذي يغيب عن ذهن كثير من الآباء:
ماذا يمكن لكتابية أو حديثة عهد بالإسلام أنْ تُزْجِي الوقتَ مع صغيرها؟
والجواب: إنَّها ستسرد له ما تعلمت أو سمعت به منذ أنْ كانت صغيرة، والسَّرْد القصصي يعتمد على التشويق بغضِّ النظرِ عن الفكرة، وإذا كُنَّا نعيبُ على العَلْمَانيِّين من أدباء العربية التنكُّب لثوابت الأمة، فماذا ننتظر ممن نشأ لا يعلم شيئًا، أو يلم بجزء ضئيل من الثوابت؟! ولقد استقصيت عن هذه النقطة بعضَ الدعاة الذين تزوَّجوا من مسلمة حديثة العهد، فلم أقفْ على وقفة لهم عند هذه النقطة، ولا يقف الأمر عند هذه الخطورة، فرِوَاية قصة بلغة أخرى هي إحدى الوسائل ليس لتثبيتها فحسب، بل لإعطاء مهارة التصوُّر الذهني فيها.

وقد يقول قائل: إنَّ قصص الأطفال عمومًا تحاكي مُثُلاً تَعارَف عليها بنو البشر، مثل: الأمانة، والصدق... لكنها نظرة قاصرة للأدب، فما من قصة أو رواية إلاَّ ويُمكن اختزالها بجُمَل مَعدودات، وما تبقَّى يُقصَد منه إثراء القاموس اللُّغوي، وتعلُّم - شِئْنَا أم أَبَيْنَا - طُرُقًا في التفكير من مثل: الوصف، والتحليل، والذي يعتمد على أسس القاصِّ ومبادئه.

والكل يدرك أنَّ الأطفال - لأنَّ ذاكرتهم لا تزال خَامًا - يَختلفون، فمِن مُحب للوصف إلى مُعجَب بالسرد، وصولاً لمن التقطَ الفكرة.


وبعد السنة الثالثة للطِّفل تبدأ مشاركاتُه في الأحاديث، ولا يَخلو حديث من مَثَل، والأمثال هي تجاربُ حياتية تُكثَّف عباراتُها لتغدو قانونًا يشار إليه من دون تفاصيل، والسُّؤال: حشد كمية من الأمثلة في عقل الصغير لا تنتمي لمبادئ الإسلام، ألاَ يؤثر على تفكيره، ومن بعدُ سلوكه؟!

وهنا قد يرد اعتراض أنَّ هناك أمثالاً عربية سيئة المعنى، ولا تتَّفق مع تعاليم الدين الحنيف، والجواب: إنَّ ما يطرح من هذا القبيل في بيئتنا العربية لا يعدم من مُصحح بآية كريمة أو حديث نبوي شريف، أو تفسير يَنْقض لعالِمٍ من علمائنا.

وفي المحضن الأسري للأطفال مشاركون آخرون، هم الحضانة والمدرسة والرائي - التلفاز - ومعارف الأسرة، وهو حديثنا في المقال اللاَّحق بإذن الله - تبارك اسمه.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29-05-2021, 03:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: النشء المسلم في الغرب

النشء المسلم في الغرب (2)


جمال المعاند








مما لا مراءَ فيه أنَّ التربية عملية قصدية، والظُّروف المحيطة بالنشء المعاصر فرضت اهتمامًا يرتاب من الارتجال، ولا يطمئن للعفوية، ومن نافلة القول: أنَّ تبايُن البيئات يفرض الأخذ في الاعتبار عواملَ تُولَد في بيئة، أو تَبْرُز فيها، خلافًا لمكان آخر.

والبيئةُ الغربيَّة في عصرنا نشأت فيها أجيالٌ مُسلمة لم يفرد لهم إلاَّ القليل من الدِّراسات التي لا تبلُّ الصَّدى؛ لأسبابٍ، منها ضعفُ الاهتمام بالتربية، وكذلك تموُّه الحدود الفاصلة بين التربية والتعليم، كما أنَّ فضاءات الحرية المتوفرة في البيئة الغربية تُغري أيَّ إنسان بإمكانية تَنشئة أطفاله وفقًا لما يراه مناسبًا.

وهذه السلسلة من المقالات هي رَصدٌ تطبيقي يُعْنَى بالأسباب، ويقدِّم الاقتراحات ما أمكن، وفي المقال المرقم بالأول كان استهلالاً عامًّا مثل نظرة عامَّة للواقع في إلمامات تُحيط بالكلية، ولا تبحث في التفاصيل؛ حيث كان الهدف تأطيرَ المشكلة، ومن هذا المقال فما بعد إذا أَذِنَ المولى - تبارك اسمه - سيكون البحثُ في الآليَّات مع مُقارنات يَقتضيها المقام، وما لم يرد من آلية أو مُقاربة، فغلبة الظن أنَّه سهل السيطرة عليه.

ولو نظرنا إلى جُذور الإقامة في الغرب في مُحاولةٍ لاستشفاف الدَّوافع، نرى أنَّ التخلُّف في العلوم التطبيقيَّة كان السبب الأول؛ مما دفع بإرسال شريحة من أبناء المسلمين لتلقي العلم، بعضهم خشي من العودة لدوائر التخلُّف فأقام، وتبعتهم شريحة أخرى دفعهم الكسب المادي، وما تضمَنُه القوانين الغربية من أجور وحقوق مَحفوظة، وتسلُّط الظَّلَمة على زمام الأمور في عدة بلدان إسلامية زاد من مساحات التعسُّف، فلجأت شريحة ثالثة، وهؤلاء مَتْنُ الأقليَّات المسلمة في الغرب، وبالنَّظر نَجد رابطًا واحدًا يَجمع كل تلك الدوافع، هو الخوف بأشكال مُتعددة المآخذ، ومتى ما كان الخوف هاجسًا، فمجال العقل البحث عن الأحوط، وبناءً عليه؛ فإنَّ مناقشة وضع النشء المسلم في الغرب يَجب أن يُصَبَّ في خانة التصويب والتعديل، وليس في منحى إعادة الترتيب.

فالإقامةُ في الغرب هدفٌ، بِغَضِّ النظر عن المبرِّرات، وما لا يفطن له القائمون على تربية النشء في الغرب هذه الحقيقة، فيتساوى عندهم المنهجُ، ومن ثَمَّ التعامُل، وما من دولة غربية إلاَّ وولد فيها جيل من المسلمين، وبعضُها حاملٌ بالجيل الرابع.

ولم تترك القوانين الغربية من خيارات لمن رغب في إنشاء أسرة إلاَّ منافذ ضيقة، فما من معضلة بعد الحصول على الإقامة أصعب من عقبة الزَّواج على المغترب.

وأمام قضية تكوين الأسرة أو المحضن الأول للطفل، نَجد الاحتمالات التالية:
الزَّواج من كتابية، ومن مُسلمة وافدة، ومُسلمة أو مسلم وُلِدَ في الغرب، وكلهم عُرضة لتأثيرات البيئة الغربية، وأخطرهم على الإطلاق الزواج من كتابية مُقيمة في بلدها.

أمَّا الخلفية الشرعية للمقيمين في الغرب، فتكاد تنحصر بين عوامَّ في المصطلح الشرعي هم السواد الأعظم - رغم الدرجات العلمية الحياتية - وثُلَّة من طلبة العلم، أمَّا علماء الشرع في الغرب فهم قلة.

ومما يشتركون فيه إلاَّ ما ندر حرصُهم على تسمية المولود اسمًا إسلاميًّا، ويرفض أغلبهم أكل الخنزير أو شرب الخمر، وربَّما أبدى بعضهم ملاحظات في حال رُؤية مخالفة مع معلوم من الدين بالضرورة، حتى وإن لم يكن ملتزمًا، وليس المجال هنا لبسط المخالفات الشرعية الحاصلة في البيوت، وإبانة الحكم الشَّرعي، إنَّ ما يعنينا هو قضية تنشئة الأطفال المسلمين.

وعلى كل مسلم مقيم في الغرب أنْ يدركَ خطورة البيئة الغربية على نفسه ومَن يَعول، وثَمَّة مرحلةٌ من العمر تكاد أنْ تكون مُهمَّشة في حياة الطفل المسلم على الأخص غربًا، ولا يعبأ لها، ألا وهي ما دون سن السابعة، واصطلح فقهاؤنا على تسميتها ما قبل سن التميِيز، والغريب أنَّ لها أحكامًا فَطِنَ لها السلف، وأثبتت الدراسات النفسية والتربوية الجادة أنَّ لها بصماتٍ من العسيرِ إزالتُها من شخصية الطفل مستقبلاً.

وأولى القضايا التي يعوزها مَزيد من الاهتمام: الاعتقاد، وليس ثَمَّة بيئة أخطر على عقيدة المسلم من البيئة الغربية، على الأخص إن كان الطفلُ طفلاً ذاكرته في طور التكوين، فهو مُلازم لأمِّه الكتابية أو حديثة العهد بالإسلام، فالساعات التي يقضيها معها أكثر مما يقضيها مع أبيه يوميًّا، ومن ألفاظها يتعلم النطق، وما تقوله أو تفعله يُعَدُّ في ذاكرته الأصلَ، وسيُفاجَأ مَن يُقيم في الغرب من معلومة هو يُدركها تمامًا، ولم يفكر بأَثَرِها عقديًّا، وهي:
أنَّ منطوقَ الإله أو معناه غيرُ متوفر في اللغات الأخرى، لقد بحثتُ في اللغات التي لي فيها بعض الإلمام، وهي (الإنكليزية، والإسبانية، والفرنسية)، وتحدثتُ مع مسلمين مُثقفين، وسألنا بعضًا من أهلها، وبعد جهد ومناقشات وترجمات، عثرنا على لفظين اثنين، هما الربُّ والسيد مسميات للذات الإلهية، وفي طيِّ الكلام حصرت المعاني التي أوردوها لشرحِ هاتين الكلمتين في [الخالق، والمالك، والرازق، والشافي، والرحيم، تَجوُّزًا بمعنى مُحقق الأماني]، وعند النَّصارى أوكل تَحقيق الأماني لابنه - تعالى الله عما يَأْفِكُون - وهنا تكمُن خطورةُ إضعاف توحيد الألوهية في ميزة المؤمن عن الكافر أو الحد الفاصل، كما لا يَخفى اختزال توحيد الأسماء والصفات، وفلسفة الذنب، أو مبدأ الخير والشر، وقيمته إسلاميًّا: الأمرُ والنهي، فلا حاجةَ أن نشرح للمسلم الواعي أنَّ أوامر الله - سبحانه - تصب في مصلحة الإنسان دنيويًّا وأخرويًّا، وأنَّ ما نهى عنه الشرع الحنيف رغم قلته ثبت علميًّا وعقليًّا أنه ضرر والأولى للعاقل اجتنابه، وفي المقابل فلسفة الخطأ عند الغربيين تُحمل على مَحمل واحد، هو القصور البشري، برغم إيمانهم بوجود الشياطين إلا أنَّ مساحة إغوائهم لبني آدم تُقزَّم لأضيق مجال، فالشيطان ليس عدوًّا واضحَ العداوة متربصًا في كل حين مثل ما عندنا - نحن المسلمين - ونُربَّى عليه.

ومَن كان من الغربيِّين مُتدينًا، فعليه تخفيف الأحمال عن ضميره بالاعتراف لرجل دين يَملك توكيلاً عن الربِّ بالمسامحة، بصك غفران يدفع مقابله مبلغًا ماليًّا، أو يتطوع بعمل أو نحوه، فيتولد من هذا الأمر أولاً أن ثَمَّة واسطة بين العبد والرب، وهذه النظرة ترفع المادة أيضًا إلى مستوى القداسة، فهي حلٌّ حتى لِمَا يعتلج في الضمير، فيغدو هدفًا أساسيًّا في الحياة كما هو ملاحظ، وليس ثمة تشريع يضبط إيقاعَ الحياة، إنَّما هي اعتقادات ومَواعظ وتوجيهات أخلاقية لا تحفل من الوسائل إلاَّ العُرف.

وإلحاقًا بهذه النقطة قد يَحدث موت أحد معارف الأسرة، فيسأل الصغير عنه، فيجاب: إنَّه في السماء مهما كان فعله، وربَّما رآه هذا الطفل يقترف ذنبًا، أو على الأقل سمع ذمَّه على شيء قبل وفاته، فالصعود إلى السماء يعني القُرب من الرب، والكل صاعد بغضِّ النظر عما فعله في حياته، وأثر ذلك تربويًّا على الطفل أنَّ الأعمال الصالحة هي نافلة وميزة للشخص الطيب، وليست مصيرًا يُحدد حياته الأخروية، هذا لمن يؤمن بالآخرة.

ونقطة تربوية قلما يُفطَن لها، تلعب الأم الدَّورَ الرئيس فيها، فهي أول معلم لطفلها، فإذا كانت من غير الناطقين بلغة القرآن، فتلك مُصيبة، وقد أشبعنا هذه النقطة شرحًا في المقالة الأولى، وهنا نعرج على الآليات، فاللغة العربية هي اللغة الوحيدة بين لغاتِ العالم التي تَمتلك مخارج وصفاتٍ لحروفها، وتم البحث والاستقصاء عن اللغات سابقة الذِّكر (الإسبانية، والفرنسية، والإنكليزية)، وبعد مراجعة المختصين، لم يتبنَّ أحدٌ ولا أشار إلى مرجع يشير إلى أنَّ ثَمَّة مخارج أو صفاتٍ، وفسحة الجدال حول نغمة الحرف، والتي يُمكن حصرها في باب الصِّفات، وما من قاموس أو معجم إلا يورد ضبطَ النطق، بعلمٍ اصطلح على تسميته عالميًّا (phonetic)، يضبط الكلمة كما سُمِعَت من أهلها، وبناءً على ذلك فمن الصُّعوبة تعلُّم الطفل المسلم الذي لم تُؤسّس عنده العربية أحكامَ التلاوة، وهي فرض عين على كل مسلم، فكل مسلم غربي أو مَن نشأ في الغرب، عليه "خرط القتاد" - كما يقال - لتعلم التلاوة.

وعند السنة الثانية من عمر الطِّفل تبدأ مَداركه بالاتِّساع، وتبرز مهارة السَّماع لديه، ولا شيء أهم من القصص يَجذبه كُلَّه، على الأخص إن رافقها تَمثيل.

والسؤال الذي يغيب عن ذهن كثير من الآباء:
ماذا يمكن لكتابية أو حديثة عهد بالإسلام أنْ تُزْجِي الوقتَ مع صغيرها؟
والجواب: إنَّها ستسرد له ما تعلمت أو سمعت به منذ أنْ كانت صغيرة، والسَّرْد القصصي يعتمد على التشويق بغضِّ النظرِ عن الفكرة، وإذا كُنَّا نعيبُ على العَلْمَانيِّين من أدباء العربية التنكُّب لثوابت الأمة، فماذا ننتظر ممن نشأ لا يعلم شيئًا، أو يلم بجزء ضئيل من الثوابت؟! ولقد استقصيت عن هذه النقطة بعضَ الدعاة الذين تزوَّجوا من مسلمة حديثة العهد، فلم أقفْ على وقفة لهم عند هذه النقطة، ولا يقف الأمر عند هذه الخطورة، فرِوَاية قصة بلغة أخرى هي إحدى الوسائل ليس لتثبيتها فحسب، بل لإعطاء مهارة التصوُّر الذهني فيها.

وقد يقول قائل: إنَّ قصص الأطفال عمومًا تحاكي مُثُلاً تَعارَف عليها بنو البشر، مثل: الأمانة، والصدق... لكنها نظرة قاصرة للأدب، فما من قصة أو رواية إلاَّ ويُمكن اختزالها بجُمَل مَعدودات، وما تبقَّى يُقصَد منه إثراء القاموس اللُّغوي، وتعلُّم - شِئْنَا أم أَبَيْنَا - طُرُقًا في التفكير من مثل: الوصف، والتحليل، والذي يعتمد على أسس القاصِّ ومبادئه.

والكل يدرك أنَّ الأطفال - لأنَّ ذاكرتهم لا تزال خَامًا - يَختلفون، فمِن مُحب للوصف إلى مُعجَب بالسرد، وصولاً لمن التقطَ الفكرة.

وبعد السنة الثالثة للطِّفل تبدأ مشاركاتُه في الأحاديث، ولا يَخلو حديث من مَثَل، والأمثال هي تجاربُ حياتية تُكثَّف عباراتُها لتغدو قانونًا يشار إليه من دون تفاصيل، والسُّؤال: حشد كمية من الأمثلة في عقل الصغير لا تنتمي لمبادئ الإسلام، ألاَ يؤثر على تفكيره، ومن بعدُ سلوكه؟!

وهنا قد يرد اعتراض أنَّ هناك أمثالاً عربية سيئة المعنى، ولا تتَّفق مع تعاليم الدين الحنيف، والجواب: إنَّ ما يطرح من هذا القبيل في بيئتنا العربية لا يعدم من مُصحح بآية كريمة أو حديث نبوي شريف، أو تفسير يَنْقض لعالِمٍ من علمائنا.

وفي المحضن الأسري للأطفال مشاركون آخرون، هم الحضانة والمدرسة والرائي - التلفاز - ومعارف الأسرة، وهو حديثنا في المقال اللاَّحق بإذن الله - تبارك اسمه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 92.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 90.01 كيلو بايت... تم توفير 2.80 كيلو بايت...بمعدل (3.02%)]