|
|
ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
التعليم والتبرج
التعليم والتبرج د. إبراهيم إبراهيم هلال مما هو مجمَع عليه أساسًا في الفطر الإنسانية وبين عقلاء بني آدم أن العلمَ وسيلةُ تربية، ووسيلة أخلاق وتهذيب وتدين، وعلى هذا الأساس جاء الإسلام، فمع شيوع العِلم والتعليم بين أبناء الأمَّة الإسلامية ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، جاء أمرُ الله سبحانه وتعالى بالخُلق والتخلُّق، فنجد أول ما بدأ به القرآن الكريم أن خاطب رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم وخاطب أمته بقوله: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5]. فهذا أول شيء نزل من القرآن الكريم إلى الأمة المسلمة، دعوة إلى العِلم والتعلم، وأن يكون العِلم والتعلُّم باسم الله، وعلى طريق الله والإيمان، فلا عِلم دون دِين، ولا علم دون خُلق، والعلم دون هذين شر من الجهل، وعلى هذا الأساس جاء أمرُ الله سبحانه وتعالى لنساء النبي ونساء المؤمنين بالحجاب وعدم التبرُّج، وأن يكون عصر الإسلام والعلم غير عصر الجاهلية، وأن تكون المسلمةُ التي آمنت بالله ورسوله وتعلمت وتنورت وخرجت من الظلمات إلى النور، غيرها في عصر الجاهلية، وغير نساء الكافرين والكفر، فيقول تعالى موجهًا الخطاب لنساء النبي ونساء المسلمين: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب: 32، 33]، والإشارة في قوله تعالى: ﴿ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ﴾؛ أي نساء الجاهلية، والنساء الكافرات. ثم تأتي الآية بعد ذلك مبيِّنة العامل الذي يجب أن يخضع المرأة للحجاب والتصون، فتقول: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 34]، فمقتضى العِلم والتعلم - وخاصة إذا كان التعلم يجمع بين علم الدِّين والدنيا - أن تكون المتلقية لهذا العلم هي مِن أكمل خَلقِ الله خُلقًا ومظهرًا، وأن تظهر في ملابسها وفي زيِّها بمظهر المؤمنة العاقلة الحكيمة، قد لاح عليها الكمال والرزانة والعقل، بما تلبَسُ من زي يردُّ عنها عيون البغاة، ونظرات الفسّاق وضعفاء الإيمان، ذلك الزي الذي لا يُظهِر منها إلا وجهها وكفَّيها، أو ما هو أقل من ذلك. فقد تعارفت النفوس المؤمنة، والفِطَر السليمة، أن كمالَ المرأة في عدم ظهور شيء من جسمها ولا شعرها أو ملابسها مما هو مثارُ فتنة أو إثارة نحوها. المرأة الكاملة هي التي إذا ظهرت للناس ظهرت لهم كإنسان يُعِينهم على البرِّ والتقوى، ويحفظ عليهم حياءهم وأخلاقهم ورزانتهم وجدِّيتهم في الحياة، لا تلك التي تظهر لهم كشيطان قد حسرت شعرها، وأظهرته في خصلاته، أو شعيراته على هذا الشكل أو ذلك، وأصبح هذا الذي كان يجب أن يخفى - لأنه مما يستقبح كشفه - أصبح غرضًا للناظرين، وأصبح ابتذالاً وسفورًا يجعل العاقل يعفُّ عن النظر إليها، ويشمئز من هذه البذاءة المتوقحة التي فرضت نفسها على الناس. وقِسْ على ذلك أجزاءَ جسمها التي أبرزتها مع شعرها، وجعلتها قذى في عيون الناس. فمال الناس وما يستقبح كشفه، وما لهم وما خُلق للستر والصيانة ومداراته عن عيون الناس. إن هذا تهجُّم ذميم على العُرف، وعلى الطباع، وعلى التقاليد السليمة؛ فالأصل في الإنسان الستر والتحشم لا العُرْي والبذاءة. وأولى الناس أن يعرفن ذلك، هن المتعلمات والمثقفات اللاتي فُرِض فيهن أن يكُنَّ قد ارتقين مدارك وأفهامًا، وأصبحن أكثر إدراكًا لما يليق وما لا يليق. ولعله من الجوانب التي حجبت المرأة المسلمة المتعلمة في زمننا هذا على الطريقة العصرية: ذلك الجو التعليمي الذي أُحِطْنَ به، فللأسف نجد القائمين على العلم والتعليم، يجعلون من مقتضيات التعليم للفتاة أن تخرج إلى المدرسة أو الجامعة سافرة غير متحشمة، وكانت غُصة في حلوقهم أن يدعو أحد إلى أن تلبَس الفتاة في المدرسة أو الجامعة زي الحجاب الإسلامي، وكثيرًا - قبل أن يأتي أمر وزارة التربية والتعليم بلبس البدلة التي تلبسها الآن - ما اعترضت ناظرات المدارس على مجيء فتاة متحشمة إلى المدرسة بغطاء رأس أو بارتداء بنطلون، وللأسف أيضًا وجدت من بعض رجال التعليم وبعض علماء الدين المسلمين في الوقت ذاته مَن يستغرب ذهاب فتاة إلى المدرسة متلفعة بخمارها، ويقول: (كيف يفرض على طالبة في المدارس أن تتلفع بالخمار أو بالطرحة، وكيف يستسيغ الناسُ منظرها كطالبة؟). كأن التعليم في عقل هذا الرجل وفي عُرفه وعُرف غيره ممن يقومون على أمر التعليم، خُلِق مواكبًا للرذيلة، وللتبرُّج والسُّفور، والتحلُّل والتبهرج. وكأن التعليم فتنة، وإظهار لزينة الطالبة المتعلمة، لا سعي إلى الخُلق والفضيلة والتصوُّن والعفاف والكمال. إن كثيرين وكثيرات لا يهضمون الآن زي الفتاة المسلمة في المدرسة أو الجامعة، وينطقون بهذا البذاء المتقدم، وهو أن التعليم خَلع المرأة من تسترها وتصونها، ومن ملابسها التي شرعت لها بحُكم الدِّين وحكم الذوق، ومنطق العُرف والفطرة. ألا فليعلم هؤلاء أن التعليم المثمر، هو الذي يلتزم أولاً بحدود الدِّين، فتظهر الطالبة بزيِّها الذي شرعه اللَّه، وتحاط بجو الخُلق والمحافظة والصيانة والفضيلة والإيمان ومراقبة اللَّه، ولا خير في علم لم يؤسَّس على الدِّين، وأن التعليم على طريقة هؤلاء إنما هو انتكاس إلى البدائية والجاهلية والتأخُّر، وتدمير للمرأة، وقضاء على الخُلق والدِّين، وزجٌّ بالمجتمع إلى حياة الفوضى والتحلُّل والفجور والجمود، وانسياق إلى دنيا اللهو والعبَث والمجون. ولا احتجاج علينا بما عليه الغرب، ونساء الغرب؛ فإن هذا التبرج والسفور عندهم لم يظهر في بيئتهم إلا بعد أن أخذت حضاراتُهم مدَّها، ونحن نعرفهم أن مجتمعهم ليس مجتمع الإنسان، وإنما هو مجتمع الحيوان اللاهي؛ فهم الذين لا يهمهم إلا أن يأكلوا ويتمتعوا كما تأكل الأنعام. ثم إن هذا التبرج وذلك السفور قد أخَذ يعمل عمله في بيئاتهم، وبدأت تباشير انحسار هذا المد الحضاري تظهر في بلادهم التي كانت أسبقَ إلى هذا التحلُّل والتبرج، كإنجلترا التي أصبحت الآن على غير ما كانت عليه في مطلع هذا القرن. وأصبحت دولة من الدرجة الثالثة بعد أن كانت تسمَّى بريطانيا العظمى، فمن المستحيل أن تدوم قوة مع تحلُّل وتبرج، ومن المستحيل أن ينفع علم مع سفور المرأة وابتذالها. ثم إن عقلاءَهم من الرجال والنساء، قد أدركوا خطورة هذا التبذل للمرأة، فقاموا ينادون بضرورة تصوُّنها وعفافها، ويحتجون على هذا التبذل والسفور، فهذه إحدى معارضات الحركة النسائية في إنجلترا تقول: (ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة، وفيها العفاف والطهارة)، وهي تظن أن المسلمين عاملون بما جاء في كتابهم وسنَّةِ رسولهم، أو تظنهم كلهم كذلك. لنعلم جميعًا أن الحق والباطل لا يجتمعان، والعلم حق والتعلم حق، ولكن السفور والتبرج زور وبهتان، وهذا يعصف بذاك. لقد دلنا اللَّه سبحانه على أن العلم لا يُنال إلا بالدِّين والتدين فقال: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 282]، وخصنا في شخص رسول صلى الله عليه وسلم اللَّهُ أن نطلب العِلم بالدين، فنلجأ إلى اللَّه في الاستزادة من العلم والتزود به: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]. هذه هي شخصية العالِم والمتعلم، ذَكَرًا كان أم أنثى، تمسُّك بالدِّين والخُلق والجدية في الحياة، لا ظهور بمظهر التبرُّج والخروج على الحشمة والعفاف. المصدر: مجلة التوحيد، عددصفر1399 هـ، صفحة 32.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |