لقمان الحكيم - ملتقى الشفاء الإسلامي ملتقى الشفاء الاسلامي
 
 
اخر عشرة مواضيع :         مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 123 - عددالزوار : 29034 )           »          شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13 - عددالزوار : 342 )           »          من شبهات اليهود وأباطيلهم-أن المسجد الأقصى والقدس لم يأخذا في الإسلام قط دوراً مركزيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الزوجة قد تظلم زوجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أخطــاء أبنـائنا كـنز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          وسائل إكساب الأطفال المفاهيم الخلقية والسلوكية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فتن التواصل الاجتماعي.. ونعمه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 39 - عددالزوار : 1206 )           »          لن يتحد صف المسلمين.. إلا إذا اتحدت كلمتهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          للإصلاح طريق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »         
[حجم الصفحة الأصلي: 58.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.52 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.93%)]

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-09-2022, 09:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,039
الدولة : Egypt
افتراضي لقمان الحكيم

لقمان الحكيم
د. محمد منير الجنباز

الحكمة والفصاحة والتدين والتقوى والخشية والخوف والرجاء - صفاتٌ أخَذ لقمان منها بحظ وافر، وذلك بتوفيق الله له؛ فقد أعطاه الله الحكمة فنوَّرت قلبه، فنطق منها دررًا ووصايا سجلت له بمداد من الذهب؛ لقيمتها الدينية والتربوية والخلقية، وعليه فكلماتنا أقل من أن تصل إلى شموخ حكمته بجلاء الصورة ورواء المعنى، ولقد كان للقمان حيز مشرقٌ في القُرْآن الكريم، عرفنا على جوانب مهمة من شخصية لقمان، ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء: 122].

قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [لقمان: 12]؛ فالحكمة مَنٌّ مِن الله على لقمان، وقد فسرت عند ورودها في القُرْآن في غير هذا المكان بالنبوة، ﴿ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [البقرة: 251]، وهي هنا تعني النبوة، وفي قوله تعالى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [البقرة: 269]، هي في هذه الآية عامة، تشمل الرسالة وغير الرسالة؛ إذ الغالب في معنى الحكمة أنها: العلم والإصابة في القول، وقيل: الفهم، وقيل: العقل والخشية والورع، وأصل الحكمة: ما يمنع من السفه، وحكمة لقمان من هذا النوع، وقد منَّ الله عليه بهذا الفضل العظيم؛ لذلك كان على لقمان أن يشكر الله على هذه النعمة، وأن ثواب الشكر راجع إليه، ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]؛ فالشكر على النعم يحفظها، بل يزيدها، وقد كان داود وسليمان عليهما السلام من عباد الله الشاكرين؛ فكانت النِّعم تزداد عليهما، ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، وقد رُوي عن بعض الصالحين الشاكرين أنه كان هو وأسرته لا يتركون كسرة خبز إلا أخذوها وأماطوا عنها الأذى وأكلوها وشكروا الله عليها، فأوحي إلى نبي ذلك الزمان يأمره أن كُلْ خبزًا يابسًا؛ وذلك لما له من كسرٍ كثيرة من الخبز تتناثر هنا وهناك، وكان هذا امتحانًا لذلك الرجل الصالح، فعمل لنفسه ولأولاده مزودة يضعونها عند أفواههم فإذا ما تناثر الخبز سقط كله فيها ثم جمع وأكل مع الشكر والحمد، فنجح هذا العبد الصالح في الامتحان، وزاده الله من فضله، لقد كان لقمان العبد الصالح الشاكر لله، وقد أرانا الله بعض حكمته في توجيه النصح لولده: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، تتجلَّى عند لقمان قيمة التربية الراشدة ودور البيت في تأسيسها، فبدأ بالأمر المهم في حياة الإنسان على الأرض وفي الآخرة أيضًا، وهو الإيمان بالله وحده، وعدم الشرك به؛ فإن أخطر أمر في حياة الإنسان هو العقيدة، فإذا صلَحت صلح سائر عمله، ونجا من النار، أو الخلودِ فيها؛ ففي الحديث الذي يرويه معاذ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: ((ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صِدْقًا من قلبه إلا حرَّمه الله على النار))؛ أخرجه البخاري، وفي الحديث الذي يرويه أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه نعليه وقال: ((اذهب بنعليَّ هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه، فبشِّرْه بالجنة))؛ أخرجه مسلم، لقد كانت نصيحة لقمان لابنه بعدم الشرك بالله، وأفهمه أن الشرك ظلم عظيم؛ لذلك كان مثال الولد الطائع المحب لوالده والمتلقي العلم عنه بحب وشغف، ومع ذلك فالأب الحكيم الخبير في التربية زاده من جرعات الإيمان ما جعله يتلقى ما يلقيه إليه والده بإصغاء وانتباه؛ حيث انتقل إليه من الإيمان بالله تعالى إيمانًا غيبيًّا إلى دلائل عظمة الله، التي تُشعر الإنسانَ المتفكر بوجوده ومعاينته في القلب كأنما يرى رأي عين، ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 16]، يركز لقمان ببلاغته وحكمته على صفات الخالق وقدرته التي لا تُحَدُّ بحدود، هي قدرة مطلقة، وبالرغم من سَعة هذا الكون وما فيه من عجيب الخَلْق فإن كل شيء بحساب، والله تعالى أحصاه جليله ودقيقه، حتى حبة الخردل المنتهية في الصغر بالنسبة للعين المجردة بلا واسطة من مكبر أو مجهر، علمًا بأن هناك دقائق أصغر منها، لكنها لا ترى بالعين المجردة، فإن الله لم يذكرها، وهي ما سُمِّي حديثًا بالذرة والإلكترونات والنيترونات، هذه الحبة من الخردل أو غيرها إن كانت ظاهرة أو مخبأة في جوف صخرة أو في السماء أو في أي مكان في الأرض فإن الله بها عليم، لا تفوته ولا تغيب عنه، وكما ذكر: إن الله يعلم دبيب النملة السوداء، في سراديب الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، وبعد غرس الإيمان بالله في قلب ابنه توجه إلى إقامة شعائر الدين، ومِن أهمها الصلاة: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17]، الصلاةُ عماد الدين، فمَن ضيعها، فهو لسواها أضيع، ومن ترك الصلاة فقد كفر، وأول ما يعرض من عمل المسلم الصلاة، فإذا صلحت صلح سائر عمله؛ لذلك فإن لقمان قد عزز الإيمان في قلب ابنه، ثم أتبعه بأداء الطاعة لله والبرهان على تحقق عبودية العبد لله، وذلك بإقام الصلاة، ثم تتحقق قوة العقيدة عند المسلم عندما ينقلب إلى داعية للحق، فيتعرف على الأحكام الشرعية، ثم يدعو إلى الله على بصيرة، فيأمر بالمعروف، مثل: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وفعل الخير والإصلاح بين الناس وقول الحق، والنهي عن المنكر، وهو فعل القبائح، على رأسها الكفر والفواحش، وأكل أموال الناس، والربا والظلم، والتعدي على الجار، ومِن المعلوم أن الثبات على المبدأ وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل ذلك يحتاج إلى الصبر، الصبر على الناس لكي يستجيبوا، والصبر على أذاهم؛ لأن ما من أحد دعا إلى الفضائل والالتزام بها إلا عُودي وأُوذي، والصبر من صفات أولي العزم، ولا يستطيعه أي إنسان، واستمر في نصح ابنه، فبعد أن اطمأن على إيمانه وأدائه للواجبات، أعطاه جرعات أخرى من سمات الرجل المؤمن الصالح وصفاته البارزة التي ينبغي أن يتحلى بها، ولكن للأسف يغفُلُ عنها كثير من الناس، ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ﴾ [لقمان: 18]، وهذه من صفات المتكبرين الجبارين الذين إذا ما نجحوا في عمل مهم بدا عليهم الكِبْر والتعالي، فشمخوا بأنوفهم، وأمالوا رقابهم؛ لكي يرتفع خدهم إلى الأعلى؛ دليل الكبر وادعاء العظمة، والعظمة والكبرياء لله؛ ففي الحديث القدسي الذي أخرجه أبو داود عن أبي هريرة: ((الكبرياء ردائي، والعظَمة إزاري، فمَن نازعني واحدًا منهما قذفتُه في النار))، وعند فتح مكةَ دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أحنى رأسه تواضعًا، حتى إن لحيته لتمس رحله، فكانت وصية لقمان لابنه بالتواضع والبعد عن الكبر وتصعير الخد، ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ﴾ [لقمان: 18]، وخَصْلة أخرى ذميمة لا تليق بالمؤمن؛ أن يمشي المرء بين الناس في خيلاء وتجبُّر، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18]، فهذه الصفات يُبغضها الله، وقد ورد في سورة الإسراء: ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾ [الإسراء: 37]، وفيها برهان حِسِّيٌ على أن المتكبر مهما مشى عجبًا وتيهًا فإن شموخه لن يوصله إلى قمم الجبال، كما لن يستطيع خرق الأرض ليبلغ آخرها؛ فهو في مكانه الذي هو فيه، وما زين له التعالي إلا خيالات الكبر، ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ﴾ [لقمان: 19]، القصد: يعني الاعتدال؛ فالمشيُ المحبب ليس بالخيلاء ولا بالتراخي الذي فيه تسحيب القدمين؛ دليل العجز والخَوَر، وتقليد المتماوتين الذين يظنون أنهم بفعلهم هذا يتقربون إلى الله، وقد كان عمر رضي الله عنه لا يعجبه هذا المشي من بعض الناس، فيخفقهم بالدرة؛ لكي يعدلوا من مِشيتهم؛ لأن هذه المِشية تعلم على الانكسار والذل، وتميت في القلب عزة المسلم؛ فالقصد في المشي يكون بالاعتدال مع السكينة والوقار، وقد وصف علي رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطويل ولا بالقصير، شثن الكفين والقدمين - لم يكونا غليظين - ضخم الرأس ضخم الكراديس - رؤوس العظام - طويل المسربة - الشعر ما بين الصدر إلى السرة - إذا مشى كأنما تكفأ تكفؤًا - تمايل إلى الأمام - كأنما ينحط من صبب - ينحدر انحدارًا - لم أرَ قبله ولا بعده"؛ رواه الترمذي.

﴿ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ﴾ [لقمان: 19]، وغضُّ الصوت خفضه باعتدال، وقوة الصوت ليست حسنة في كل الأوقات؛ فالجهر بأكثرَ من الحاجة يؤذي السامع، كما أن الخطيب يحتاج إلى رفع الصوت، والتوازن حسَب الحاجة مطلوب، ﴿ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 19] فلا ينبغي التشبه بها من حيث رفع الصوت بلا سبب، كما تفعل الحمير؛ إذ تفاجئ الناس بنهيقها المنكر، وصوتها النشاز، وقال قتادة: صوت الحمير: أوله زفير، وآخره شهيق، حقًّا إن لقمان لحكيم، ووصاياه لابنه تجعله ولدًا مهذبًا محبوبًا، يتحلى بالأدب الجم والذوق الرفيع، ولما زود ابنه بهذه النصائح البالغة الأهمية في حياة الإنسان المتفردة في الخلق والآداب، ذكَّره الله تعالى بحقوق الوالدين: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ ﴾ [لقمان: 14] الوصية من الله تعالى، وقد أعقبت هذه الوصية ما دار بين لقمان وابنه، وأخذ الابن بدعوة والده له؛ طاعة لله ولوالده، والوصية من الله تعالى للأولاد بالإحسان للوالدين، خص الأم بمزيد إحسان؛ لأنها العنصر الأضعف والأكثر تحملًا لتربية الطفل منذ النشأة والتكوين في رحمها إلى مرحلة الولادة والإرضاع؛ لذلك جاء هذا التذكير بهذا الجهد وهذا التحمل وهذه المشقة في عملية الإنجاب وتربية الأطفال، ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ ﴾ [لقمان: 14] فأصابها الضعف والتعب لهذا الحمل، وهي في الأصل ضعيفة، بخلاف الرجل الأقوى منها بنيةً واحتمالًا، والحمل مع ذلك محبب إليها، ثم يأتيها الوهن الثاني أثناء الولادة، وما أشقها على المرأة! ﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ [لقمان: 14] فبعد الولادة يأتي الإرضاع لتغذية الوليد، ويحتاج المولود إلى ثدي أمه؛ ليشتد عوده ويعتمد على الطعام إلى سنتين، عندها يُضحي المولود فطيمًا وقد فصل عن ثدي أمه، بخلاف المخلوقات الأخرى من الحيوان، فإن فترة الرضاع عندهم أقل منها عند الإنسان، ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28] يحتاج إلى عناية من الأبوين لفترة طويلة؛ ولذا كان للأبوين دورٌ كبير في تربية الأبناء، وجهد مُضنٍ يستحقون عليه من الأبناء البِرَّ والطاعة والشكر والرحمة بهما عند الكِبَر، ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]، جعل الله تعالى الشكرَ للوالدين مقترنًا بالشكر لله؛ دلالة على أن حقهما من أعظم الحقوق على الولد، وأكبرها وأشدها وجوبًا؛ فمصير الإنسان ونهايته سيؤول إلى الله، حيث الحساب والثواب والعقاب، فإن أحسن زاده الله ثوابًا على إحسانه، وإن أساء كان العقاب والخسران على ما ضيع من حقهما، ومع هذا الحق الكبير الذي أعطاه الله للأبوين في برهما وطاعتهما فإنه مقصورٌ على الطاعة فيما يرضي الله، ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾ [لقمان: 15]؛ لأن حقَّ الله مقدم، والإيمان أمر مصيري يتوقف عليه مصير الإنسان بين جنةٍ أبدية للمؤمن، أو نار أبدية للكافر، وبما أنه كذلك فكان الخيار فيه للفرد دون تدخُّل من الأبوين أو غيرهما في تقرير هذا الأمر، وعصيانهما فيه من غير إيذاء لهما لا يؤثِّر على برهما، وقيل: إن هذه الآية نزلت في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فعندما أسلم علِمت به أمه، فأرادته أن يرتد، فامتنع، فامتنعت أمه عن الطعام والشراب، وأقسمت ألا تذوق طعامًا وشرابًا إلا إذا رجع عن دينه أو تموت، فقال لها: تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني، إن شئتِ فكلي، وإن شئت فلا تأكلي.

﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15] في حالة بقاء الأبوين على الكفر يبقى برُّهما ومصاحبتهما بالمعروف في فترة الحياة الدنيا، وإذا ماتا على الكفر فقد انقطع ما بينه وبينهما، وبالتالي فلا يشملهما الحديث الشريف: ((إذا مات ابنُ آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))؛ فإن هذه الأعمال الخيرية لا تفيده؛ فأصل الإيمان معدوم، ولا ينفع معه العمل الصالح: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23].

﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ [لقمان: 15]: أمر من الله للمسلم بأن يسلك سبيل الصالحين، المنيبين إلى الله، الراجعين إليه قلبًا وعقيدة وطوع نفسه، مستسلمين لأحكامه، عاملين بما أمر به، تاركين ما نهى عنه، متمسكين بحبله المتين، وشرعه القويم؛ فالمرجع والمآل إلى الله: ﴿ يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴾ [الرحمن: 33]، وما على الإنسان إلا التفكير الجاد في هذا الكون وخالقه العظيم والانضواء تحت لواء الطاعة والتسليم والإيمان بوحدانية الله، وأنه لا شريك له، والعمل بمقتضى شرعه الحنيف ليكون من الفائزين، ﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15] وهذا وعد من الله حق بيوم المعاد والحساب، وقد أعطى نماذج من هذا المعاد في قصة أهل الكهف، وعودهم للحياة، وإحياء عيسى عليه السلام للموتى، وفي زمن موسى حين ضرب المقتول بلحم البقرة فقام ونطق باسم قاتله، وإحياء الأرض بعد موتها بالعشب والزرع، فقد عرَّفَنا على قدرته بما نشاهده من خلقه؛ ولذا فإن حياة الإنسان على هذه الأرض محدودة بزمن لا يتجاوزه، قدره الله، ووعد أمة محمد بقُربه، ولا شك في وعده.

ذكر أن لقمان كان حبشيًّا، وقيل: نوبيًّا، وعن ابن عباس: أنه كان عبدًا حبشيًّا نجَّارًا، وذكر أن لقمان عاصر داود، وكان داعية قبل نبوءة داود، وقيل قاضيًا، فلما نبئ داود توقف لقمان؛ لأن الأصل في هذا الأمر النبوة، وعلى هذا فلم يكن نبيًّا، كما ذكر بعضهم، وقد ورد في الحديث: ((خير السودان أربعة: لقمان وبلال والنجاشي ومهجع)).
الآيات من سورة لقمان 12 - 19.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.52 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.93%)]