يا عبد الله كيف تكون من أحب عباد الله إلى الله؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-09-2022, 09:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي يا عبد الله كيف تكون من أحب عباد الله إلى الله؟

يا عبد الله كيف تكون من أحب عباد الله إلى الله؟
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:
فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار، أعاذني الله وإياكم من النار، ومن كل عمل يُقرِّب إلى النار، اللهم آمين.

في هذه الحياة الدنيا نجدُ الكثيرَ مِنَّا مَن يتقرَّب إلى مسؤولٍ أو رئيسٍ، أو وليِّ أمر؛ ملكٍ أو أمير، وإذا رضي به هذا المسؤولُ أو الملكُ، أو يحبُّه أو يقرِّبُه، يفرحُ الإنسان؛ لأنه سيقضي له حاجاتٍ دنيوية.

ولله المثل الأعلى، ألا نبحث جميعًا نحن المسلمين عمَّا يقرِّبُنا إلى الله، ونعمل أعمالًا تجعلُنا من أحبِّ خلقِ الله إلى الله؟! هذا حريٌّ بنا، وكلُّنا؛ كبيرُنا وصغيرُنا سنموت، وسنلقى الله، فكيف تكون من أحبِّ عباد الله إلى الله؟

أعمالٌ كثيرة؛ لكن في خطبتنا هذه سنذكر بعضًا منها، وقبل أن ندخل في الخطبة لا بُدَّ من بيانِ أمرٍ مهمٍّ، ألا وهو أنَّ أعمالَنا المطلوبةَ منَّا في ديننا، وفي كتاب ربِّنا وهدي نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم أمران:
أعمالٌ تجاه الله عز وجل، وأعمال تجاهَ خلق الله سبحانه وتعالى، أما التي تجاهَ الله فالتوحيد والإيمان والعبادة؛ من صلاة وصيام وحج، وما شابه ذلك، هذه لله سبحانه وتعالى.

وتجاه خلقِ الله الذين خلقهم الله؛ كالمعاملة الحسنة، والأخلاق والسلوك والآداب الحسنة.

هذان الشيئان تجاه الله وتجاه خلق الله، فمن قصَّر في أحدهما لم يربح الربح الذي جناه أولئك الذين أخذوا بالأمرين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم* بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36].

آية جمعت بين الأمرين: اعبدوا الله، أخلصوا في العبادة، ولا تشركوا به شيئًا، قولوا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ثم ذكر المعاملة مع الناس وأوَّلُهم الوالدان، الإحسان بالمعاملة الحسنة للوالدين، والأخلاق الحسنة للوالدين قبل جميع الناس، ثم ذكر ذي القربى، والأرحام أقاربك؛ من أعمام وعمَّات، وأخوال وخالات، وما شابه ذلك ممن تصلك بهم صلة رحم.

وبعدها ﴿ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ﴾ فالإحسان إلى اليتامى والمساكين بعد الأرحامِ، فمن لهم غير الله عز وجل؟ من لهم إن أنت تخليت عنهم؟ كيف نريد أن نتقرب إلى الله، وأن يحبَّنا الله، وأن نكون من أحبِّ عبادِ الله إلى الله، ونحن مُقصِّرون في حق اليتامى والمساكين؟ ﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾؛ أي: الجار القريب الذي له حقَّان: حقُّ الجوار، وحق القرابة، فله على جاره حق وإحسان راجع إلى العرف، ﴿ وَالْجَارِ الْجُنُبِ ﴾؛ أي: الذي ليس له قرابة، وهو الجار الذي له حقٌّ واحدٌ، هو جار ليس من العائلة، لا تربطنا به صلة دم، ليس رحمًا، جار اشترى أرضًا فسكن بجوارنا، وهو من قبيلة أخرى، ومن عائلة أخرى، أوصى به الله عز وجل، بعد عبادته وعدم الشرك به، ﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ﴾، من هو الصاحب بالجنب؟ لها معاني يجمعها أيُّ صاحب تصاحبه في سفر، أو تصاحبك على فراش واحد؛ الزوجة، الصاحب بالجنب، أو رفقة في عمل ونحو ذلك، وقيل: الصاحب مطلقًا، ولعله أولى.

﴿ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾، المسافر الذي مَرَّ ببلدنا، وأنت رأيته مستريحًا في أرضك، تحت شجرة عندك، لو دعوته، لو أعطيته من زكاة مالك، لو أحسنت إليه، لو حسَّنت خلقك معه، وهو غريب، غريب الله ذكره سبحانه وتعالى أن تحسن إليه، وهذا مما يُقرِّبُك إلى محبة الله سبحانه وتعالى.

﴿ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾؛ أي: من الآدميين؛ سواء كانوا عبيدًا عندك، اشتريهم بمالك كما كانوا يفعلون، أو هم عمَّال يشتغلون عندك، أنت ملكت أيمانهم، أنت مسؤول عنه وعن أُجْرته، مسؤول عنه عامل يعمل عندك، ويدخل فيهم البهائم، وهو ما اقتنيته من دوابَّ، أو طيور أو نحو ذلك، مسؤول عن طعامهم وشرابهم وتهيئة الجو المناسب لهم، الله سبحانه وتعالى لم يَنْسَ أحدًا؛ لأنَّ هؤلاء من خلق الله، فيجب علينا الإحسان إليهم، ﴿ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ نقوم لهؤلاء بكفايتهم، وعدمِ تحميلهم ما يشقُّ عليهم، وإعانتِهم على ما يتحمَّلون، وتأديبِهم لما فيه مصلحتهم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36].

ألا واعلموا أنَّ مِن أحبِّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ أن تنفع الناس، هذه الأحاديث التي سأذكرها تؤيد ما في هذه الآية، هل تريد أحبَّ الأعمال إلى الله؟ هل تريد أنت أن تكون مِن أحَبِّ عباد الله إلى الله؟

فلنستمع إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إلى اللهِ؟! وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إلى اللهِ؟! فَقَالَ: ((أَحَبُّ النَّاسِ إلى اللهِ، أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ))؛ وانظر نفسك أنت مع الناس؟ هل أنت أنفع الناس للناس؟ فأنت من أحبِّ عباد الله إلى الله، كيف تنفع غيرك؟

((يَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً))، إنسان واقعٌ في كربة، عنده مشاكل في بيته، مشاكل مع زوجته، مشاكل مع أبنائه، مشاكل مع جيرانه، وكان لك سلطة عليهم، ولك كلمة عندهم، فحللت له هذه المشاكل، فرَّجْتَ عنه هذه الكربة، أنت من أحب عباد الله إلى الله.

توقفت في الطريق مثلًا لأنَّ إنسانًا معه سيارة تعطلت؛ ساعدته ولو بالكلمة الطيبة، على قدر طاقتك واستطاعتك، كشفت عنه كربة، أنواع كشف الكربات كثيرة جدًّا.

والثانية: ((أَوْ يَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا))، علمت أن فلانًا عليه دين، فتذهب إلى صاحب الدين وتقول: الديون التي على فلان عندي، أو تساعده بمبلغ من المال، أو تدلُّه على دعاء يدعوه؛ يفرج الله عنه، ويسد عنه دينه، أنت ساعدت فتكون من أحب عباد الله إلى الله.
((أَوْ يَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا))، كان فقيرًا، وعلمت أنه ليس عنده طعام، ولا عند أولاده، فطردت الجوع بطعام تُقدِّمه له أنت، أو تدله على من يقدم له الطعام.

((وَلَأَنْ أَمْشِي مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ)) أخ يحتاج إلى شيء معين من حكومة، من بلدية، من مؤسسة، فتمشي معه لأنَّ لك وجهًا ومكانة عند هؤلاء الناس، فتأخذ أخاك إليهم، ثم تقضي له حاجته، كم ثوابها عند الله يا عباد الله؟ ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة، ((أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ))- مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ- ((شَهْرًا))؛ (طص) (861)، (كر) (18/ 1/2)، الصَّحِيحَة: (906)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (2623).

إنسان يعتكف شهرًا كم ثوابه؟ وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كم أجره؟ يساويه في الأجر من ذهب مع أخيه في حاجة له حتى يقضيها.

ومِن أحبِّ الأعمال إلى الله بعد الإيمان بالله؛ صلة الأرحام، كما ورد عَنْ رَجُلٍ مِنْ خَثْعَمَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهو فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقُلْتُ: أَنْتَ الَّذِي تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ؟! يريد أن يتأكد فـ (قَالَ) صلى الله عليه وسلم:
((نَعَمْ!))، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟! قَالَ: ((إِيمَانٌ بِاللهِ))، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ مَهْ؟ -يعني: ثم ماذا بعد ذلك؟- قَالَ: ((ثُمَّ صِلَةُ الرَّحِمِ))، هذه أحب الأعمال إلى الله، أن تؤمن بالله وتصل رحمك، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَبْغَضُ إِلَى اللهِ؟! قَالَ: ((الْإِشْرَاكُ بِاللهِ))، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ مَهْ؟!- ثم ماذا بعد الإشراك بالله ما أبغض الأعمال إلى الله؟- قَالَ: ((ثُمَّ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ))، قُلْتُ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ((ثُمَّ الْأَمْرُ بِالْمُنْكَرِ وَالنَّهْي عَنِ الْمَعْرُوفِ))، (يع) (6839)، صَحِيح الْجَامِع: (166)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (2522).

وإذا سألنا عن الصدق في الحديث، وأداء الأمانة، والإحسان إلى الجيران، وجدناها أيضًا أنها من أحبِّ الأعمال، وهذا ما ثبت عَن الصحابي عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي قُرَادٍ رضي الله عنه قَالَ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَتَمَسَّحُونَ بِوَضُوئِهِ، يعني هو يتوضأ، ويتساقط الماء، لا يجعلونه ينزل على الأرض، يأخذون هذا الوضوء ويتمسَّحون به؛ التماس البركة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُمُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا حَمَلَكُمْ عَلَى هَذَا؟!))، ما الدافع وما السبب الذي يجعلكم تأخذون الماء الذي أتوضأ به فتتسمحون به؟ ما حملكم على ذلك؟ قَالُوا: "حُبُّ اللهِ وَرَسُولِهِ"، من شدة حبِّهم لله ولرسول الله؛ يحبون الماء الذي يتساقط منه، فدلَّهم على شيء أفضل من ذلك، وشيء دائم، أين لنا الآن أن نأخذ من ماء رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نتوضَّأ به؟ دلنا على شيء، ودل الصحابة في ذلك الزمان إلى ما ينفعهم وينفع من يأتي بعدهم إلى آخر الزمان، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُحِبَّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ؛ فَلْيَصْدُقْ حَدِيثَهُ إِذَا حَدَّثَ، وَلْيُؤَدِّ أَمَانَتَهُ إِذَا ائْتُمِنَ، وَلْيُحْسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَهُ))، (طس) 6517، انظر الصَّحِيحَة: 2998، المشكاة: 4990.

فهذه الأعمال الطيبة أكثرُ ثوابًا من أن تأخذ ماءً متساقطًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أنه عظيم وبركة، أعظم منه فعلك أنت، ماذا تفعل في كلامك؟ ماذا تفعل في الأمانات التي يأتمنك عليها الناس؛ سواء كانت مالًا أو كلامًا، أو أسرارًا أو نحو ذلك.

الإحسان إلى الجيران ما أعظمه! أن تصبر على جارك أيضًا إذا آذاك! أيضًا من أحب الأعمال إلى الله حُسْن الخلق، حسِّن خُلُقَك، لا تكنْ لأتفه الأسباب عصبيًّا، بعض الناس وما أكثرهم يتَّصل قائلًا: "طلقتُ يا شيخ وأنا عصبي، وكنتُ في حالة عصبية"، ما الذي حملك على الطلاق؟ ما الذي ألجأك إلى ذلك؟ ليس هناك حُسْن خُلُق، لو كان مع زوجته، أو مع صديقه أو مع صاحبه، حسَنَ الأخلاق؛ لما وصل إلى التوتُّر، وما شابه ذلك، دينك يمنعك، ويجعلك حسنَ الأخلاق، تذكَّر الله، تذكَّر اليوم الآخر، تذكَّر ملكَ الموت أثناء العصبية، تذهب العصبية، ويأتي حسن الخلق إن شاء الله، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر حديثًا ومن ضمن هذا الحديث- قَالُوا: "فَأَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟!"- مَنْ هو أحبُّ الناسِ إلى الله؟- قَالَ: ((أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا))؛ (حب) 486، الصحيحة: (432)، "غاية المرام" (292).

وعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَى اللَّهِ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي)) مجلسًا يوم القيامة، مِن أقربِ الناس مجلسًا منه، وهو أحب عباد الله إلى الله ((أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا))، الذين يحسنون أخلاقهم يفوزون بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، بجانبه عند أصحابه، نسأل الله أن نكون منهم، ((وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَى اللَّهِ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ))؛ (حب) (482)، الصحيحة: (791).

الثرثار: هُوَ الْكَثِيرُ الْكَلَامِ تَكَلُّفًا؛ أي: كلام كثير دون فائدة، وأنا أقول أيضًا: الثرثار الذي يملأ الفسبكة، ويملأ التَوْتَرة بالكلام الفارغ، الذي لا فائدة فيه، هذا ثرثار؛ لكن ثرثار بإصبعه وليس بلسانه.

والمتفيهق: هو الْمُتَكَبِّر الذي يتكبَّر على عباد الله.

والْمُتَشَدِّقِ: الْمُسْتَهْزِئ بِالنَّاسِ، يَلْوِي شِدْقَهُ بِهِمْ وَعَلَيْهِمْ، ولا يرى إلا نفسه: مَنْ هو فلان؟ ومن هي فلانة؟ نسأل الله السلامة، وَالشِّدْقُ: المقصود به جَانِبُ الْفَمِ، وما أكثرهم! لذلك أحاسن الناس أخلاقًا أقربهم إلى الله، وأحبهم إلى الله، وأقربهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتوبوا إلى الله واستغفروه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الآخرة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
الجنة على ثلاثة منازل، نفس الجنة أي مكانها، هناك مكان يُقال له رَبَض الجنة، وهو على أطرف الجنة، ليس في أعلاها ولا في أوسطها؛ بل على أطراف الجنة، لأناس معينين سنذكرهم، وهناك مكان وسط الجنة، وأهله أعلى مكانة من أولئك، وهناك مكان أعلى الجنة، نسأل الله أن نكون من سُكَّانها من أعلى الجنة، وهذا يقيِّدُنا بحُسْن الأخلاق.

روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَنَا زَعِيمٌ))؛ أَيْ: ضَامِنٌ وَكَفِيل ((بِبَيْتٍ))؛ أي: قصر عظيم ((فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ))؛ أي: في أطرافها، وفي أسافلها؛ أَيْ: مَا حَوْلَهَا خَارِجًا عَنْهَا، تَشْبِيهًا بِالْأَبْنِيَةِ الَّتِي تَكُون حَوْلَ الْمُدُن، وَتَحْت الْقِلَاع، هذا لمن؟ قال ((لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ))؛ أَيْ: الْجِدَال، فالجدل ليس من الأخلاق الحسنة، ((وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا))؛ أي: ولو كان معه الحقُّ لا يجادل؛ إنما ألقِ ما عندك بحُسْن خُلُق وآداب، فإن رأيت الذي أمامك لا يريد أن يسمع، وأنت على الحق فاتركه، لا تجادله حتى أهل الكتاب، ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [العنكبوت: 46]. فكيف بالمسلم؟ الجدال لا يأتي بخير، لمن ترك المراء؛ أي: الجدال ولو كان محقًّا.

((وَبِبَيْتٍ))؛ أي: قصر عظيم، أعظم من ذاك البيت، وهو ((فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ؛ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا))، أيضًا من الأخلاق السيئة الكذب، تكذب على صاحبك ولو مزاحًا، وهذا ما نراه عبر الفيديوهات وغيرها، والكاميرات الخفية، وما شابه ذلك يكذبون، ويوقعون غيرهم في الخوف والهلع والفزع، فيضحكون ويقول: أنا كنت مازحًا، الكذب كثر في هذا الزمان، فنسأل الله السلامة، فمن ترك الكذب ولو كان مازحًا، هذا له بيت في وسط الجنة، يعني: أعلى من ربض الجنة.

((وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ))؛ (د) (4800)، (ت) (1993)، (جه) (51)، انظر صحيح الجامع: (1464)، الصَّحِيحَة: 273، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (139).

الذي يحسن خلقه، له قصر في أعلى الجنة، يمكن هو إنسان عصبي، دائمًا مستفَزٌّ؛ لكنه سمع الخطبة، الله أكبر! فتأثَّر فحسَّن خلقه، هذا في بيت في أعلى الجنة، بأمر الله سبحانه وتعالى؛ لأنه استجاب لله ولرسوله فحسَّن خُلُقه.

صلوا على رسول الله، المبعوث رحمة مهداة، للعالمين كافة، فقد صلى الله عليه في كتابه وملائكته فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]،اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.

اللهم حسِّن أخلاقَنا يا رب العالمين، يا رب اجعلنا كما تحب وترضى، لا كما نحب نحن يا رب العالمين.

اللهم اجعلنا عند حسن الظن يا رب العالمين، اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم من السيئات والخطايا والذنوب، فنحن خطَّاؤون مذنبون، فاغفر لنا يا أرحم الراحمين ويا رب العالمين.

اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دَينًا إلا قضيتَه، ولا مريضًا إلا شفيتَه، ولا مبتلًى إلا عافيته، ولا غائبًا إلَّا رددته إلى أهله سالمًا غانمًا يا أرحم العالمين.

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.90 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.88%)]