تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - الصفحة 19 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         نكبتنا في سرقة كتبنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          كيف نجيد فن التعامل مع المراهق؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الطفل والأدب.. تنمــية الذائقة الجمالية الأدبية وتربيتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          ترجمة موجزة عن فضيلة العلامة الشيخ: محمد أمان بن علي الجامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          يجب احترام ولاة الأمر وتوقيرهــم وتحرم غيبتهم أو السخرية منهم أو تنــقّصهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 37 - عددالزوار : 1176 )           »          حوارات الآخرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          أساس الأسرة زوجان متحابان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          أين أنت من القرآن الكريم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          من شبهات وأباطيل اليهود-أن اليهود حولوا القدس وفلسطين من صحراء إلى جنان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #181  
قديم 01-07-2022, 11:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,010
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(167)
الحلقة (181)
صــ 526إلى صــ 5232



القول في تأويل قوله تعالى : ( لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ( 114 ) )

قال أبو جعفر : أما قوله عز وجل : ( لهم ) ، فإنه يعني : الذين أخبر عنهم أنهم منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه . أما قوله : ( لهم في الدنيا خزي ) ، فإنه يعني ب "الخزي" : العار والشر ، والذلة إما القتل والسباء ، وإما الذلة والصغار بأداء الجزية ، كما : -

1831 - حدثنا الحسن قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( لهم في الدنيا خزي ) ، قال : يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون .

1832 - حدثنا موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : ( لهم في الدنيا خزي ) ، أما خزيهم في الدنيا ، فإنهم إذا قام المهدي وفتحت القسطنطينية قتلهم ، فذلك الخزي ، وأما العذاب العظيم ، فإنه عذاب جهنم الذي لا يخفف عن أهله ، ولا يقضى عليهم فيها فيموتوا . وتأويل الآية : لهم في الدنيا الذلة والهوان والقتل والسبي - على منعهم مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعيهم [ ص: 526 ] في خرابها ، ولهم على معصيتهم وكفرهم بربهم وسعيهم في الأرض فسادا عذاب جهنم ، وهو العذاب العظيم .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( ولله المشرق والمغرب ) ، لله ملكهما وتدبيرهما ، كما يقال : "لفلان هذه الدار" ، يعني بها : أنها له ، ملكا . فذلك قوله : ( ولله المشرق والمغرب ) ، يعني أنهما له ، ملكا وخلقا .

و"المشرق" هو موضع شروق الشمس ، وهو موضع طلوعها ، كما يقال لموضع طلوعها منه : "مطلع" بكسر اللام ، وكما بينا في معنى"المساجد" آنفا .

فإن قال قائل : أوما كان لله إلا مشرق واحد ومغرب واحد ، حتى قيل : ( ولله المشرق والمغرب ) ؟ قيل : إن معنى ذلك غير الذي ذهبت إليه ، وإنما معنى ذلك : ولله المشرق الذي تشرق منه الشمس كل يوم ، والمغرب الذي تغرب فيه كل يوم . فتأويله إذ كان ذلك معناه : ولله ما بين قطري المشرق ، وما بين قطري المغرب ، إذ كان شروق الشمس كل يوم من موضع منه لا تعود لشروقها منه إلى الحول الذي بعده ، وكذلك غروبها كل يوم .

فإن قال : أوليس وإن كان تأويل ذلك ما ذكرت ، فلله كل ما دونه؟ الخلق خلقه! [ ص: 527 ] قيل : بلى!

فإن قال : فكيف خص المشارق والمغارب بالخبر عنها أنها له في هذا الموضع ، دون سائر الأشياء غيرها؟

قيل : قد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله خص الله ذكر ذلك بما خصه به في هذا الموضع . ونحن مبينو الذي هو أولى بتأويل الآية بعد ذكرنا أقوالهم في ذلك . فقال بعضهم : خص الله - جل ثناؤه - ذلك بالخبر ، من أجل أن اليهود كانت توجه في صلاتها وجوهها قبل بيت المقدس ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك مدة ، ثم حولوا إلى الكعبة ، فاستنكرت اليهود ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فقال الله تبارك وتعالى لهم : المشارق والمغارب كلها لي ، أصرف وجوه عبادي كيف أشاء منها ، فحيثما تولوا فثم وجه الله .

ذكر من قال ذلك :

1833 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي ، عن ابن عباس قال ، كان أول ما نسخ من القرآن القبلة ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة ، وكان أكثر أهلها اليهود ، أمره الله عز وجل أن يستقبل بيت المقدس ، ففرحت اليهود . فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم عليه السلام ، فكان يدعو وينظر إلى السماء ، فأنزل الله تبارك وتعالى : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء ) [ سورة البقرة : 144 ] إلى قوله : ( فولوا وجوهكم شطره ) [ سورة البقرة : 144 - 150 ] ، فارتاب من ذلك اليهود ، وقالوا : ( ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ) [ سورة البقرة : 142 ] ، فأنزل الله عز وجل : ( قل لله المشرق والمغرب ) ، وقال : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) . [ ص: 528 ]

1834 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي نحوه .

وقال آخرون : بل أنزل الله هذه الآية قبل أن يفرض على نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين به التوجه شطر المسجد الحرام . وإنما أنزلها عليه معلما نبيه عليه الصلاة والسلام بذلك وأصحابه أن لهم التوجه بوجوههم للصلاة حيث شاءوا من نواحي المشرق والمغرب ، لأنهم لا يوجهون وجوههم وجها من ذلك وناحية ، إلا كان - جل ثناؤه - في ذلك الوجه وتلك الناحية ، لأن له المشارق والمغارب ، وأنه لا يخلو منه مكان ، كما قال جل وعز : ( ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ) [ سورة المجادلة : 7 ] قالوا : ثم نسخ ذلك بالفرض الذي [ ص: 529 ] فرض عليهم في التوجه شطر المسجد الحرام .

ذكر من قال ذلك :

1835 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد عن قتادة : قوله جل وعز : ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، ثم نسخ ذلك بعد ذلك ، فقال الله : ( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام ) [ سورة البقرة : 149 - 150 ]

1836 - حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، قال : هي القبلة ، ثم نسختها القبلة إلى المسجد الحرام .

1837 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا همام قال : حدثنا يحيى قال ، سمعت قتادة في قول الله : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، قال : كانوا يصلون نحو بيت المقدس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة ، وبعد ما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ، ثم وجه بعد ذلك نحو الكعبة البيت الحرام . فنسخها الله في آية أخرى : ( فلنولينك قبلة ترضاها ) إلى ( وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) [ سورة البقرة : 144 ] ، قال : فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر القبلة .

1838 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال ، سمعته - يعني زيدا - يقول : قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ) قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هؤلاء قوم يهود يستقبلون بيتا من بيوت الله لو أنا استقبلناه! فاستقبله النبي صلى الله عليه وسلم ستة عشر شهرا ، فبلغه أن يهود تقول : والله ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم ! فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ورفع وجهه إلى السماء ، فقال الله عز وجل : [ ص: 530 ] ( قد نرى تقلب وجهك في السماء ) الآية [ سورة البقرة : 144 ] .

وقال آخرون : نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم ، إذنا من الله - عز وجل - له أن يصلي التطوع حيث توجه وجهه من شرق أو غرب ، في مسيره في سفره ، وفي حال المسايفة ، وفي شدة الخوف ، والتقاء الزحوف في الفرائض . وأعلمه أنه حيث وجه وجهه فهو هنالك ، بقوله : ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ) .

ذكر من قال ذلك :

1839 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا عبد الملك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته ، ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ، ويتأول هذه الآية : ( أينما تولوا فثم وجه الله ) .

1840 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا ابن فضيل ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر أنه قال : "إنما نزلت هذه الآية : ( أينما تولوا فثم وجه الله ) أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك في السفر تطوعا ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع من مكة يصلي على راحلته تطوعا يومئ برأسه نحو المدينة " . [ ص: 531 ]

وقال آخرون بل نزلت هذه الآية في قوم عميت عليهم القبلة فلم يعرفوا شطرها ، فصلوا على أنحاء مختلفة ، فقال الله عز وجل لهم : لي المشارق والمغارب ، فأنى وليتم وجوهكم فهنالك وجهي ، وهو قبلتكم - معلمهم بذلك أن صلاتهم ماضية .

ذكر من قال ذلك :

1841 - حدثنا أحمد قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا أبو الربيع السمان ، عن عاصم بن عبيد الله ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أبيه قال : "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة سوداء مظلمة ، فنزلنا منزلا فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجدا يصلي فيه ، فلما أصبحنا ، إذا نحن قد صلينا على غير القبلة ، فقلنا : يا رسول الله لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة ، فأنزل الله عز وجل : ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ) . [ ص: 532 ]

1842 - حدثني المثنى قال : حدثني الحجاج قال : حدثنا حماد قال ، قلت للنخعي : إني كنت استيقظت - أو قال أيقظت ، شك الطبري - فكان في السماء سحاب ، فصليت لغير القبلة . قال : مضت صلاتك ، يقول الله عز وجل : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) .

1843 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن أشعث السمان ، عن عاصم بن عبيد الله ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أبيه قال ، كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة في سفر ، فلم ندر أين القبلة فصلينا ، فصلى كل واحد منا على حياله ، ثم أصبحنا فذكرنا للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) .

وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية في سبب النجاشي ، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تنازعوا في أمره ، من أجل أنه مات قبل أن يصلي إلى القبلة ، فقال الله عز وجل : المشارق والمغارب كلها لي ، فمن وجه وجهه نحو شيء منها يريدني به ويبتغي به طاعتي ، وجدني هنالك ، يعني بذلك أن النجاشي وإن لم يكن صلى إلى القبلة ، فإنه قد كان يوجه إلى بعض وجوه المشارق والمغارب وجهه ، يبتغي بذلك رضا الله عز وجل في صلاته .

ذكر من قال ذلك :

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #182  
قديم 01-07-2022, 11:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,010
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(168)
الحلقة (182)
صــ 533إلى صــ 539




1844 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا هشام بن معاذ قال : حدثني أبي ، عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه . قالوا : نصلي على رجل ليس بمسلم ! قال فنزلت ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله ) [ سورة [ ص: 533 ] آل عمران : 199 ] ، قال : قتادة ، فقالوا : إنه كان لا يصلي إلى القبلة ، فأنزل الله عز وجل : ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ) .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك : أن الله تعالى ذكره إنما خص الخبر عن المشرق والمغرب في هذه الآية بأنهما له ملكا ، وإن كان لا شيء إلا وهو له ملك - إعلاما منه عباده المؤمنين أن له ملكهما وملك ما بينهما من الخلق ، وأن على جميعهم إذ كان له ملكهم طاعته فيما أمرهم ونهاهم ، وفيما فرض عليهم من الفرائض ، والتوجه نحو الوجه الذي وجهوا إليه ، إذ كان من حكم المماليك طاعة مالكهم؛ فأخرج الخبر عن المشرق والمغرب ، والمراد به من بينهما من الخلق ، على النحو الذي قد بينت من الاكتفاء بالخبر عن سبب الشيء من ذكره والخبر عنه ، كما قيل : ( وأشربوا في قلوبهم العجل ) ، وما أشبه ذلك .

ومعنى الآية إذا : ولله ملك الخلق الذي بين المشرق والمغرب يتعبدهم بما شاء ، ويحكم فيهم ما يريد ، عليهم طاعته ، فولوا وجوهكم - أيها المؤمنون - نحو وجهي ، فإنكم أينما تولوا وجوهكم فهنالك وجهي .

فأما القول في هذه الآية : ناسخة أم منسوخة ، أم لا هي ناسخة ولا منسوخة؟ فالصواب فيه من القول أن يقال : إنها جاءت مجيء العموم ، والمراد الخاص ، وذلك أن قوله : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، محتمل : أينما تولوا - في حال سيركم في أسفاركم ، في صلاتكم التطوع ، وفي حال مسايفتكم عدوكم ، في تطوعكم ومكتوبتكم ، فثم وجه الله ، كما قال ابن عمر والنخعي ، ومن قال ذلك ممن ذكرنا عنه آنفا . [ ص: 534 ]

ومحتمل : فأينما تولوا - من أرض الله فتكونوا بها - فثم قبلة الله التي توجهون وجوهكم إليها؛ لأن الكعبة ممكن لكم التوجه إليها منها . كما قال : -

1845 - أبو كريب قال حدثنا وكيع ، عن أبي سنان ، عن الضحاك ، والنضر بن عربي ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، قال : قبلة الله ، فأينما كنت من شرق أو غرب فاستقبلها .

1846 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال ، أخبرني إبراهيم ، عن ابن أبي بكر ، عن مجاهد قال ، حيثما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها قال ، الكعبة .

ومحتمل : فأينما تولوا وجوهكم في دعائكم فهنالك وجهي أستجيب لكم دعاءكم ، كما : -

1847 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، قال مجاهد : لما نزلت : ( ادعوني أستجب لكم ) [ سورة غافر : 60 ] ، قالوا : إلى أين؟ فنزلت : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) .

فإذ كان قوله عز وجل : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، محتملا ما ذكرنا من الأوجه ، لم يكن لأحد أن يزعم أنها ناسخة أو منسوخة إلا بحجة يجب التسليم لها .

؛ لأن الناسخ لا يكون إلا بمنسوخ ، ولم تقم حجة يجب التسليم لها بأن قوله : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، معني به : فأينما توجهوا وجوهكم في صلاتكم فثم قبلتكم ، ولا أنها نزلت بعد صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحو بيت المقدس ، أمرا من الله عز وجل لهم بها أن يتوجهوا نحو الكعبة ، فيجوز أن يقال : هي ناسخة الصلاة نحو بيت المقدس ، إذ كان من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة التابعين ، من ينكر أن تكون نزلت في ذلك المعنى ، ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بأنها نزلت فيه ، وكان الاختلاف في أمرها موجودا على ما وصفت . [ ص: 535 ]

ولا هي - إذ لم تكن ناسخة لما وصفنا - قامت حجتها بأنها منسوخة ، إذ كانت محتملة ما وصفنا : بأن تكون جاءت بعموم ، ومعناها : في حال دون حال - إن كان عني بها التوجه في الصلاة ، وفي كل حال إن كان عني بها الدعاء ، وغير ذلك من المعاني التي ذكرنا .

وقد دللنا في كتابنا : "كتاب البيان عن أصول الأحكام" ، على أن لا ناسخ من آي القرآن وأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما نفى حكما ثابتا ، وألزم العباد فرضه ، غير محتمل بظاهره وباطنه غير ذلك . فأما إذا ما احتمل غير ذلك من أن يكون بمعنى الاستثناء أو الخصوص والعموم ، أو المجمل ، أو المفسر ، فمن الناسخ والمنسوخ بمعزل ، بما أغنى عن تكريره في هذا الموضع ، ولا منسوخ إلا المنفي الذي كان قد ثبت حكمه وفرضه .

ولم يصح واحد من هذين المعنيين لقوله : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، بحجة يجب التسليم لها ، فيقال فيه : هو ناسخ أو منسوخ .

وأما قوله : ( فأينما ) ، فإن معناه : حيثما .

وأما قوله : ( تولوا ) فإن الذي هو أولى بتأويله أن يكون : تولون نحوه وإليه ، كما يقول القائل : "وليته وجهي ووليته إليه" ، بمعنى : قابلته وواجهته . وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية ، لإجماع الحجة على أن ذلك تأويله ، وشذوذ من تأوله بمعنى : تولون عنه فتستدبرونه ، فالذي تتوجهون إليه وجه الله ، بمعنى قبلة الله .

وأما قوله : ( فثم ) فإنه بمعنى : هنالك . [ ص: 536 ]

واختلف في تأويل قوله : ( فثم وجه الله ) فقال بعضهم : تأويل ذلك : فثم قبلة الله ، يعني بذلك وجهه الذي وجههم إليه .

ذكر من قال ذلك :

1848 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن النضر بن عربي ، عن مجاهد : ( فثم وجه الله ) قال : قبلة الله .

1849 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، أخبرني إبراهيم ، عن مجاهد قال ، حيثما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها .

وقال آخرون : معنى قول الله عز وجل : ( فثم وجه الله ) ، فثم الله تبارك وتعالى .

وقال آخرون : معنى قوله : ( فثم وجه الله ) ، فثم تدركون بالتوجه إليه رضا الله الذي له الوجه الكريم .

وقال آخرون : عنى ب "الوجه" ذا الوجه . وقال قائلو هذه المقالة : وجه الله صفة له .

فإن قال قائل : وما هذه الآية من التي قبلها؟

قيل : هي لها مواصلة ، وإنما معنى ذلك : ومن أظلم من النصارى الذين منعوا عباد الله مساجده أن يذكر فيها اسمه ، وسعوا في خرابها ، ولله المشرق والمغرب ، فأينما توجهوا وجوهكم فاذكروه ، فإن وجهه هنالك ، يسعكم فضله وأرضه وبلاده ، ويعلم ما تعملون ، ولا يمنعكم تخريب من خرب مسجد بيت المقدس ، ومنعهم من منعوا من ذكر الله فيه - أن تذكروا الله حيث كنتم من أرض الله ، تبتغون به وجهه .
[ ص: 537 ] القول في تأويل قوله : ( إن الله واسع عليم ( 115 ) )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( واسع ) يسع خلقه كلهم بالكفاية والإفضال والجود والتدبير .

وأما قوله : ( عليم ) ، فإنه يعني أنه عليم بأفعالهم لا يغيب عنه منها شيء ولا يعزب عن علمه ، بل هو بجميعها عليم .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض ( 116 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وقالوا اتخذ الله ولدا ) ، الذين منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ، ( وقالوا ) : معطوف على قوله : ( وسعى في خرابها ) .

وتأويل الآية : ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها ، وقالوا اتخذ الله ولدا ، وهم النصارى الذين زعموا أن عيسى ابن الله؟ فقال الله - جل ثناؤه - مكذبا قيلهم ما قالوا من ذلك ومنتفيا مما نحلوه وأضافوا إليه بكذبهم وفريتهم : ( سبحانه ) ، يعني بها : تنزيها وتبريئا من أن يكون له ولد ، وعلوا وارتفاعا عن ذلك ، وقد دللنا فيما مضى على معنى قول القائل : "سبحان الله" ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

ثم أخبر - جل ثناؤه - أن له ما في السماوات والأرض ملكا وخلقا ، ومعنى ذلك : [ ص: 538 ] وكيف يكون المسيح لله ولدا ، وهو لا يخلو إما أن يكون في بعض هذه الأماكن ، إما في السماوات ، وإما في الأرض ، ولله ملك ما فيهما . ولو كان المسيح ابنا كما زعمتم ، لم يكن كسائر ما في السماوات والأرض من خلقه وعبيده ، في ظهور آيات الصنعة فيه .
القول في تأويل قوله تعالى : ( كل له قانتون ( 116 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : مطيعون .

ذكر من قال ذلك :

1850 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( كل له قانتون ) ، مطيعون .

1851 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : ( كل له قانتون ) ، قال : مطيعون . قال : طاعة الكافر في سجود ظله .

1852 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بمثله ، إلا أنه زاد : بسجود ظله وهو كاره .

1853 - حدثنا موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( كل له قانتون ) ، يقول : كل له مطيعون يوم القيامة .

1854 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثني يحيى بن سعيد ، عمن ذكره ، عن عكرمة : ( كل له قانتون ) ، قال : الطاعة .

1855 - حدثت عن المنجاب بن الحارث قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( قانتون ) ، مطيعون . [ ص: 539 ]

وقال آخرون : معنى ذلك كل له مقرون بالعبودية .

ذكر من قال ذلك :

1856 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة : ( كل له قانتون ) ، كل مقر له بالعبودية .

وقال آخرون بما : -

1857 - حدثني به المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : ( كل له قانتون ) ، قال : كل له قائم يوم القيامة .

ول " القنوت " في كلام العرب معان : أحدها الطاعة ، والآخر القيام ، والثالث الكف عن الكلام والإمساك عنه .

وأولى معاني "القنوت" في قوله : ( كل له قانتون ) ، الطاعة والإقرار لله عز وجل بالعبودية ، بشهادة أجسامهم بما فيها من آثار الصنعة ، والدلالة على وحدانية الله عز وجل ، وأن الله تعالى ذكره بارئها وخالقها . وذلك أن الله - جل ثناؤه - أكذب الذين زعموا أن لله ولدا بقوله : ( بل له ما في السماوات والأرض ) ، ملكا وخلقا ، ثم أخبر عن جميع ما في السماوات والأرض أنها مقرة بدلالتها على ربها وخالقها ، وأن الله تعالى بارئها وصانعها . وإن جحد ذلك بعضهم ، فألسنتهم مذعنة له بالطاعة ، بشهادتها له بآثار الصنعة التي فيها بذلك ، وأن المسيح أحدهم ، فأنى يكون لله ولدا وهذه صفته؟

وقد زعم بعض من قصرت معرفته عن توجيه الكلام وجهته ، أن قوله : ( كل له قانتون ) ، خاصة لأهل الطاعة وليست بعامة ، وغير جائز ادعاء خصوص في آية عام ظاهرها ، إلا بحجة يجب التسليم لها ، لما قد بينا في كتابنا : "كتاب البيان عن أصول الأحكام" .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #183  
قديم 01-07-2022, 11:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,010
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(169)
الحلقة (183)
صــ 540إلى صــ 546




وهذا خبر من الله - جل وعز - عن أن المسيح - الذي زعمت النصارى أنه ابن الله - [ ص: 540 ] مكذبهم هو والسماوات والأرض وما فيها ، إما باللسان ، وإما بالدلالة ، وذلك أن الله - جل ثناؤه - أخبر عن جميعهم ، بطاعتهم إياه ، وإقرارهم له بالعبودية ، عقيب قوله : ( وقالوا اتخذ الله ولدا ) ، فدل ذلك على صحة ما قلنا .
القول في تأويل قوله تعالى : ( بديع السماوات والأرض )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( بديع السماوات والأرض ) ، مبدعها .

وإنما هو "مفعل" صرف إلى "فعيل" كما صرف "المؤلم" إلى "أليم" ، و"المسمع" إلى "سميع" . ومعنى"المبدع" : المنشئ والمحدث ما لم يسبقه إلى إنشاء مثله وإحداثه أحد ، ولذلك سمي المبتدع في الدين "مبتدعا" ، لإحداثه فيه ما لم يسبقه إليه غيره . وكذلك كل محدث فعلا أو قولا لم يتقدمه فيه متقدم ، فإن العرب تسميه مبتدعا ، ومن ذلك قول أعشى بني ثعلبة ، في مدح هوذة بن علي الحنفي :


يرعي إلى قول سادات الرجال إذا أبدوا له الحزم ، أو ما شاءه ابتدعا

أي يحدث ما شاء ، ومنه قول رؤبة بن العجاج :


فأيها الغاشي القذاف الأتيعا إن كنت لله التقي الأطوعا
فليس وجه الحق أن تبدعا

يعني : أن تحدث في الدين ما لم يكن فيه . [ ص: 541 ]

فمعنى الكلام : سبحان الله أنى يكون له ولد وهو مالك ما في السماوات والأرض ، تشهد له جميعا بدلالتها عليه بالوحدانية ، وتقر له بالطاعة ، وهو بارئها وخالقها ، وموجدها من غير أصل ، ولا مثال احتذاها عليه؟

وهذا إعلام من الله - جل ثناؤه - عباده ، أن مما يشهد له بذلك : المسيح ، الذي أضافوا إلى الله - جل ثناؤه - بنوته ، وإخبار منه لهم أن الذي ابتدع السماوات والأرض من غير أصل وعلى غير مثال ، هو الذي ابتدع المسيح من غير والد بقدرته ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

1858 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( بديع السماوات والأرض ) ، يقول : ابتدع خلقها ، ولم يشركه في خلقها أحد .

1859 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( بديع السماوات والأرض ) ، يقول : ابتدعها فخلقها ، ولم يخلق قبلها شيء فيتمثل به .
[ ص: 542 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( 117 ) )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( وإذا قضى أمرا ) ، وإذا أحكم أمرا وحتمه .

وأصل كل "قضاء أمر" الإحكام ، والفراغ منه ، ومن ذلك قيل للحاكم بين الناس : "القاضي" بينهم ، لفصله القضاء بين الخصوم ، وقطعه الحكم بينهم وفراغه منه به . ومنه قيل للميت : "قد قضى" ، يراد به قد فرغ من الدنيا ، وفصل منها . ومنه قيل : "ما ينقضي عجبي من فلان" ، يراد : ما ينقطع . ومنه قيل : "تقضى النهار" ، إذا انصرم ، ومنه قول الله عز وجل : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) [ سورة الإسراء : 23 ] أي : فصل الحكم فيه بين عباده ، بأمره إياهم بذلك ، وكذلك قوله : ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ) [ سورة الإسراء : 4 ] ، أي أعلمناهم بذلك وأخبرناهم به ، ففرغنا إليهم منه . ومنه قول أبي ذؤيب :


وعليهما مسرودتان ، قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع
[ ص: 543 ]

ويروى :


وتعاورا مسرودتين قضاهما


ويعني بقوله : "قضاهما" ، أحكمهما . ومنه قول الآخر في مدح عمر بن الخطاب رضي الله عنه :


قضيت أمورا ثم غادرت بعدها بوائق في أكمامها لم تفتق


ويروى : "بوائج" . [ ص: 544 ]

وأما قوله : ( فإنما يقول له كن فيكون ) ، فإنه يعني بذلك : وإذا أحكم أمرا فحتمه ، فإنما يقول لذلك الأمر "كن" ، فيكون ذلك الأمر على ما أمره الله أن يكون وأراده .

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : وما معنى قوله : ( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) ؟ وفي أي حال يقول للأمر الذي يقضيه : "كن"؟ أفي حال عدمه ، وتلك حال لا يجوز فيها أمره ، إذ كان محالا أن يأمر إلا المأمور ، فإذا لم يكن المأمور استحال الأمر ، ; وكما محال الأمر من غير آمر ، فكذلك محال الأمر من آمر إلا لمأمور ، أم يقول له ذلك في حال وجوده ؟ وتلك حال لا يجوز أمره فيها بالحدوث ، لأنه حادث موجود ، ولا يقال للموجود : "كن موجودا" إلا بغير معنى الأمر بحدوث عينه؟

قيل : قد تنازع المتأولون في معنى ذلك ، ونحن مخبرون بما قالوا فيه ، والعلل التي اعتل بها كل فريق منهم لقوله في ذلك :

قال بعضهم : ذلك خبر من الله - جل ثناؤه - عن أمره المحتوم - على وجه القضاء لمن قضى عليه قضاء من خلقه الموجودين أنه إذا أمره بأمر نفذ فيه [ ص: 545 ] قضاؤه ، ومضى فيه أمره ، نظير أمره من أمر من بني إسرائيل بأن يكونوا قردة خاسئين ، وهم موجودون في حال أمره إياهم بذلك ، وحتم قضائه عليهم بما قضى فيهم ، وكالذي خسف به وبداره الأرض ، وما أشبه ذلك من أمره وقضائه فيمن كان موجودا من خلقه في حال أمره المحتوم عليه .

فوجه قائلو هذا القول قوله : ( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) ، إلى الخصوص دون العموم .

وقال آخرون : بل الآية عام ظاهرها ، فليس لأحد أن يحيلها إلى باطن بغير حجة يجب التسليم لها . وقال : إن الله عالم بكل ما هو كائن قبل كونه ، فلما كان ذلك كذلك ، كانت الأشياء التي لم تكن وهي كائنة لعلمه بها قبل كونها ، نظائر التي هي موجودة ، فجاز أن يقول لها : "كوني" ، ويأمرها بالخروج من حال العدم إلى حال الوجود ، لتصور جميعها له ، ولعلمه بها في حال العدم .

وقال آخرون : بل الآية وإن كان ظاهرها ظاهر عموم ، فتأويلها الخصوص؛ لأن الأمر غير جائز إلا لمأمور ، على ما وصفت قبل . قالوا : وإذ كان ذلك كذلك ، فالآية تأويلها : وإذا قضى أمرا من إحياء ميت ، أو إماتة حي ، ونحو ذلك ، فإنما يقول لحي : "كن ميتا ، أو لميت : كن حيا" ، وما أشبه ذلك من الأمر .

وقال آخرون : بل ذلك من الله عز وجل خبر عن جميع ما ينشئه ويكونه ، أنه إذا قضاه وخلقه وأنشأه ، كان ووجد - ولا قول هنالك عند قائلي هذه المقالة ، إلا وجود المخلوق وحدوث المقضي - . وقالوا : إنما قول الله عز وجل : ( السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) ، نظير قول القائل : "قال فلان برأسه" و"قال بيده" ، إذا حرك رأسه ، أو أومأ بيده ولم يقل شيئا ، وكما قال أبو النجم :


وقالت الأنساع للبطن الحق الحق قدما فآضت كالفنيق المحنق


ولا قول هنالك ، وإنما عنى أن الظهر قد لحق بالبطن . وكما قال عمرو بن حممة الدوسي :

فأصبحت مثل النسر طارت فراخه إذا رام تطيارا يقال له : قع

ولا قول هناك ، وإنما معناه : إذا رام طيرانا وقع ، وكما قال الآخر :


امتلأ الحوض وقال : قطني سلا رويدا ، قد ملأت بطني




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #184  
قديم 01-07-2022, 11:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,010
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(170)
الحلقة (184)
صــ 547إلى صــ 553




قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في قوله : ( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) [ ص: 547 ] ، أن يقال : هو عام في كل ما قضاه الله وبرأه؛ لأن ظاهر ذلك ظاهر عموم ، وغير جائزة إحالة الظاهر إلى الباطن من التأويل بغير برهان لما قد بينا في كتابنا : "كتاب البيان عن أصول الأحكام" . وإذ كان ذلك كذلك ، فأمر الله - جل وعز - لشيء إذا أراد تكوينه موجودا بقوله : ( كن ) في حال إرادته إياه مكونا ، لا يتقدم وجود الذي أراد إيجاده وتكوينه ، إرادته إياه ، ولا أمره بالكون والوجود ، ولا يتأخر عنه ، فغير جائز أن يكون الشيء مأمورا بالوجود مرادا كذلك إلا وهو موجود ، ولا أن يكون موجودا إلا وهو مأمور بالوجود مراد كذلك! ونظير قوله : ( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) قوله : ( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ) [ سورة الروم : 25 ] بأن خروج القوم من قبورهم لا يتقدم دعاء الله ، ولا يتأخر عنه .

ويسأل من زعم أن قوله : ( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) خاص في التأويل اعتلالا بأن أمر غير الموجود غير جائز ، عن دعوة أهل القبور قبل خروجهم من قبورهم ، أم بعده؟ أم هي في خاص من الخلق؟ فلن يقول في ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله .

ويسأل الذين زعموا أن معنى قوله جل ثناؤه : ( فإنما يقول له كن فيكون ) ، نظير قول القائل : "قال فلان برأسه أو بيده" ، إذا حركه وأومأ ، ونظير قول الشاعر : [ ص: 548 ]


تقول إذا درأت لها وضيني : : أهذا دينه أبدا وديني


وما أشبه ذلك - : فإنهم لا صواب اللغة أصابوا ، ولا كتاب الله ، وما دلت على صحته الأدلة اتبعوا - فيقال لقائلي ذلك : إن الله تعالى ذكره أخبر عن نفسه أنه إذا قضى أمرا قال له : "كن" ، أفتنكرون أن يكون قائلا ذلك؟ فإن أنكروه كذبوا بالقرآن ، وخرجوا من الملة .

وإن قالوا : بل نقر به ، ولكنا نزعم أن ذلك نظير قول القائل : "قال الحائط فمال" ولا قول هنالك ، وإنما ذلك خبر عن ميل الحائط .

قيل لهم : أفتجيزون للمخبر عن الحائط بالميل أن يقول : إنما قول الحائط إذا أراد أن يميل أن يقول هكذا فيميل؟

فإن أجازوا ذلك خرجوا من معروف كلام العرب ، وخالفوا منطقها وما يعرف في لسانها .

وإن قالوا : ذلك غير جائز .

قيل لهم : إن الله تعالى ذكره أخبرهم عن نفسه أن قوله للشيء إذا أراده أن يقول له كن فيكون ، فأعلم عباده قوله الذي يكون به الشيء ووصفه ووكده . وذلك عندكم غير جائز في العبارة عما لا كلام له ولا بيان في مثل قول القائل : "قال الحائط فمال" ، فكيف لم يعلموا بذلك فرق ما بين معنى قول الله : ( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) ، وقول القائل : "قال الحائط فمال"؟ [ ص: 549 ] وللبيان عن فساد هذه المقالة موضع غير هذا نأتي فيه على القول بما فيه الكفاية إن شاء الله .

وإذا كان الأمر في قوله جل ثناؤه : ( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) ، هو ما وصفنا من أن حال أمره الشيء بالوجود حال وجود المأمور بالوجود ، فبين بذلك أن الذي هو أولى بقوله : ( فيكون ) الرفع على العطف على قوله ( يقول ) لأن "القول" و"الكون" حالهما واحد ، وهو نظير قول القائل : "تاب فلان فاهتدى" ، و"اهتدى فلان فتاب" ، لأنه لا يكون تائبا إلا وهو مهتد ، ولا مهتديا إلا وهو تائب؛ فكذلك لا يمكن أن يكون الله آمرا شيئا بالوجود إلا وهو موجود ، ولا موجودا إلا وهو آمره بالوجود .

ولذلك استجاز من استجاز نصب "فيكون" من قرأ : ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) [ النحل : 40 ] ، بالمعنى الذي وصفنا على معنى : أن نقول فيكون .

وأما رفع من رفع ذلك ، فإنه رأى أن الخبر قد تم عند قوله : ( إذا أردناه أن نقول له كن ) . إذ كان معلوما أن الله إذا حتم قضاءه على شيء كان المحتوم عليه موجودا ، ثم ابتدأ بقوله : فيكون ، كما قال جل ثناؤه : ( لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء ) ، [ سورة الحج : 5 ] وكما قال ابن أحمر :


يعالج عاقرا أعيت عليه ليلقحها فينتجها حوارا
[ ص: 550 ]

يريد : فإذا هو ينتجها حوارا .

فمعنى الآية إذا : وقالوا اتخذ الله ولدا ، سبحانه أن يكون له ولد! بل هو مالك السماوات والأرض وما فيهما ، كل ذلك مقر له بالعبودية بدلالته على وحدانيته ، وأنى يكون له ولد ، وهو الذي ابتدع السماوات والأرض من غير أصل ، كالذي ابتدع المسيح من غير والد بمقدرته وسلطانه ، الذي لا يتعذر عليه به شيء أراده! بل إنما يقول له إذا قضاه فأراد تكوينه : "كن" ، فيكون موجودا كما أراده وشاءه . فكذلك كان ابتداعه المسيح وإنشاؤه ، إذ أراد خلقه من غير والد .
القول في تأويل قوله ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله ) ، فقال بعضهم : عنى بذلك النصارى .

ذكر من قال ذلك :

1860 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا [ ص: 551 ] عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله جل وعز : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ) ، قال : النصارى تقوله .

1861 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله - وزاد فيه ( وقال الذين لا يعلمون ) ، النصارى .

وقال آخرون : بل عنى الله بذلك اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ذكر من قال ذلك :

1862 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير . وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، قالا جميعا : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت رسولا من عند الله كما تقول ، فقل لله عز وجل فليكلمنا حتى نسمع كلامه! فأنزل الله عز وجل في ذلك من قوله : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ) ، الآية كلها .

وقال آخرون : بل عنى بذلك مشركي العرب .

ذكر من قال ذلك :

1863 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ) ، وهم كفار العرب .

1864 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله ) ، قال : هم كفار العرب .

1865 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن [ ص: 552 ] السدي : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله ) ، أما الذين لا يعلمون : فهم العرب .

وأولى هذه الأقوال بالصحة والصواب قول القائل : إن الله تعالى عنى بقوله : ( وقال الذين لا يعلمون ) ، النصارى دون غيرهم؛ لأن ذلك في سياق خبر الله عنهم ، وعن افترائهم عليه وادعائهم له ولدا ، فقال - جل ثناؤه - ، مخبرا عنهم فيما أخبر عنهم من ضلالتهم أنهم مع افترائهم على الله الكذب بقولهم : ( اتخذ الله ولدا ) ، تمنوا على الله الأباطيل ، فقالوا جهلا منهم بالله وبمنزلتهم عنده وهم بالله مشركون : ( لولا يكلمنا الله ) ، كما يكلم رسله وأنبياءه ، أو تأتينا آية كما أتتهم؟ ولا ينبغي لله أن يكلم إلا أولياءه ، ولا يؤتي آية معجزة على دعوى مدع إلا لمن كان محقا في دعواه وداعيا إلى الله وتوحيده ، فأما من كان كاذبا في دعواه وداعيا إلى الفرية عليه وادعاء البنين والبنات له ، فغير جائز أن يكلمه الله - جل ثناؤه - ، أو يؤتيه آية معجزة تكون مؤيدة كذبه وفريته عليه .

وأما الزاعم : أن الله عنى بقوله : ( وقال الذين لا يعلمون ) العرب ، فإنه قائل قولا لا خبر بصحته ، ولا برهان على حقيقته في ظاهر الكتاب . والقول إذا صار إلى ذلك كان واضحا خطأه؛ لأنه ادعى ما لا برهان على صحته ، وادعاء مثل ذلك لن يتعذر على أحد .

وأما معنى قوله : ( لولا يكلمنا الله ) ، فإنه بمعنى : هلا يكلمنا الله! كما قال الأشهب بن رميلة : [ ص: 553 ]


تعدون عقر النيب أفضل مجدكم بني ضوطرى ، لولا الكمي المقنعا


بمعنى : فهلا تعدون الكمي المقنع! كما :

1866 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( لولا يكلمنا الله ) قال : فهلا يكلمنا الله!




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #185  
قديم 01-07-2022, 11:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,010
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(171)
الحلقة (185)
صــ 554إلى صــ 560






قال أبو جعفر : فأما "الآية" فقد ثبت فيما قبل معنى الآية أنها العلامة . وإنما أخبر الله عنهم أنهم قالوا : هلا تأتينا آية على ما نريد ونسأل ، كما [ ص: 554 ] أتت الأنبياء والرسل! فقال عز وجل : ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم ) .
القول في تأويل قوله تعالى : ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله : ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم ) ، فقال بعضهم في ذلك بما : -

1867 - حدثني به محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم ) ، هم اليهود .

1868 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( قال الذين من قبلهم ) ، اليهود .

وقال آخرون : هم اليهود والنصارى ، لأن الذين لا يعلمون هم العرب .

ذكر من قال ذلك :

1869 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة : ( قال الذين من قبلهم ) ، يعني اليهود والنصارى وغيرهم .

1870 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال ، قالوا يعني - العرب - كما قالت اليهود والنصارى من قبلهم .

1871 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، [ ص: 555 ] عن أبيه ، عن الربيع : ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم ) ، يعني اليهود والنصارى .

قال أبو جعفر : قد دللنا على أن الذين عنى الله تعالى ذكره بقوله : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله ) ، هم النصارى ، والذين قالوا مثل قولهم هم اليهود سألت موسى صلى الله عليه وسلم أن يريهم ربهم جهرة ، وأن يسمعهم كلام ربهم ، كما قد بينا فيما مضى من كتابنا هذا - وسألوا من الآيات ما ليس لهم مسألته تحكما منهم على ربهم ، وكذلك تمنت النصارى على ربها تحكما منها عليه أن يسمعهم كلامه ويريهم ما أرادوا من الآيات . فأخبر الله - جل ثناؤه - عنهم أنهم قالوا من القول في ذلك ، مثل الذي قالته اليهود وتمنت على ربها مثل أمانيها ، وأن قولهم الذي قالوه من ذلك إنما يشابه قول اليهود من أجل تشابه قلوبهم في الضلالة والكفر بالله؛ فهم وإن اختلفت مذاهبهم في كذبهم على الله وافترائهم عليه ، فقلوبهم متشابهة في الكفر بربهم والفرية عليه ، وتحكمهم على أنبياء الله ورسله عليهم السلام . وبنحو ما قلنا في ذلك قال مجاهد .

1872 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( تشابهت قلوبهم ) قلوب النصارى واليهود .

وقال غيره : معنى ذلك تشابهت قلوب كفار العرب واليهود والنصارى وغيرهم .

ذكر من قال ذلك :

1873 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن [ ص: 556 ] قتادة : ( تشابهت قلوبهم ) ، يعني العرب واليهود والنصارى وغيرهم .

1874 - حدثني المثنى ، حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( تشابهت قلوبهم ) ، يعني العرب واليهود والنصارى وغيرهم .

قال أبو جعفر : وغير جائز في قوله : ( تشابهت ) التثقيل ، لأن التاء التي في أولها زائدة أدخلت في قوله : "تفاعل" ، وإن ثقلت صارت تاءين ، ولا يجوز إدخال تاءين زائدتين علامة لمعنى واحد ، وإنما يجوز ذلك في الاستقبال لاختلاف معنى دخولهما؛ لأن إحداهما تدخل علما للاستقبال ، والأخرى منها التي في "تفاعل" ، ثم تدغم إحداهما في الأخرى فتثقل ، فيقال : تشابه بعد اليوم قلوبنا .

فمعنى الآية : وقالت النصارى ، الجهال بالله وبعظمته : هلا يكلمنا الله ربنا ، كما كلم أنبياءه ورسله ، أو تجيئنا علامة من الله نعرف بها صدق ما نحن عليه على ما نسأل ونريد؟ قال الله جل ثناؤه : فكما قال هؤلاء الجهال من النصارى وتمنوا على ربهم ، قال من قبلهم من اليهود ، فسألوا ربهم أن يريهم الله نفسه جهرة ، ويؤتيهم آية ، واحتكموا عليه وعلى رسله ، وتمنوا الأماني ، فاشتبهت قلوب اليهود والنصارى في تمردهم على الله وقلة معرفتهم بعظمته وجرأتهم على أنبيائه ورسله ، كما اشتبهت أقوالهم التي قالوها .
[ ص: 557 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( قد بينا الآيات لقوم يوقنون ( 118 ) )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( قد بينا الآيات لقوم يوقنون ) ، قد بينا العلامات التي من أجلها غضب الله على اليهود ، وجعل منهم القردة والخنازير ، وأعد لهم العذاب المهين في معادهم ، والتي من أجلها أخزى الله النصارى في الدنيا ، وأعد لهم الخزي والعذاب الأليم في الآخرة ، والتي من أجلها جعل سكان الجنان الذين أسلموا وجوههم لله وهم محسنون في هذه السورة وغيرها ، فأعلموا الأسباب التي من أجلها استحق كل فريق منهم من الله ما فعل به من ذلك ، وخص الله بذلك القوم الذين يوقنون؛ لأنهم أهل التثبت في الأمور ، والطالبون معرفة حقائق الأشياء على يقين وصحة ، فأخبر الله - جل ثناؤه - أنه بين لمن كانت هذه الصفة صفته ما بين من ذلك ليزول شكه ، ويعلم حقيقة الأمر ، إذ كان ذلك خبرا من الله - جل ثناؤه - ، وخبر الله الخبر الذي لا يعذر سامعه بالشك فيه . وقد يحتمل غيره من الأخبار ما يحتمل من الأسباب العارضة فيه من السهو والغلط والكذب ، وذلك منفي عن خبر الله عز وجل .
القول في تأويل قوله تعالى : ( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا )

قال أبو جعفر : ومعنى قوله جل ثناؤه : ( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ) ، إنا أرسلناك يا محمد بالإسلام الذي لا أقبل من أحد غيره من الأديان ، وهو الحق ; مبشرا من اتبعك فأطاعك ، وقبل منك ما دعوته إليه من الحق - بالنصر في الدنيا ، والظفر بالثواب في الآخرة ، والنعيم المقيم فيها ، ومنذرا من عصاك فخالفك ، ورد [ ص: 558 ] عليك ما دعوته إليه من الحق - بالخزي في الدنيا ، والذل فيها ، والعذاب المهين في الآخرة .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ( 119 ) )

قال أبو جعفر : قرأت عامة القرأة : ( ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ) ، بضم "التاء" من "تسأل" ، ورفع "اللام" منها على الخبر ، بمعنى : يا محمد إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ، فبلغت ما أرسلت به ، وإنما عليك البلاغ والإنذار ، ولست مسئولا عمن كفر بما أتيته به من الحق ، وكان من أهل الجحيم .

وقرأ ذلك بعض أهل المدينة : ( ولا تسأل ) جزما . بمعنى النهي ، مفتوح "التاء" من "تسأل" ، وجزم "اللام" منها . ومعنى ذلك على قراءة هؤلاء : إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا لتبلغ ما أرسلت به ، لا لتسأل عن أصحاب الجحيم ، فلا تسأل عن حالهم . وتأول الذين قرءوا هذه القراءة ما : -

1875 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليت شعري ما فعل أبواي؟ فنزلت : ( ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ) .

1876 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليت شعري ما فعل أبواي؟ ليت شعري ما فعل أبواي؟ ليت شعري ما فعل أبواي؟" ثلاثا ، فنزلت : ( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ) ، فما ذكرهما حتى توفاه الله . [ ص: 559 ]

1877 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال ، أخبرني داود بن أبي عاصم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم : "ليت شعري أين أبواي؟" فنزلت : ( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ) .

قال أبو جعفر : والصواب عندي من القراءة في ذلك قراءة من قرأ بالرفع ، على الخبر؛ لأن الله - جل ثناؤه - قص قصص أقوام من اليهود والنصارى ، وذكر ضلالتهم ، وكفرهم بالله ، وجراءتهم على أنبيائه ، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( إنا أرسلناك ) يا محمد ( بالحق بشيرا ) ، من آمن بك واتبعك ممن قصصت عليك أنباءه ومن لم أقصص عليك أنباءه ، ( ونذيرا ) من كفر بك وخالفك ، فبلغ رسالتي ، فليس عليك من أعمال من كفر بك - بعد إبلاغك إياه رسالتي تبعة ، ولا أنت مسئول عما فعل بعد ذلك . ولم يجر - لمسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه عن أصحاب الجحيم ذكر ، فيكون لقوله : ( ولا تسأل عن [ ص: 560 ] أصحاب الجحيم ) وجه يوجه إليه ، وإنما الكلام موجه معناه إلى ما دل عليه ظاهره المفهوم ، حتى تأتي دلالة بينة تقوم بها الحجة ، على أن المراد به غير ما دل عليه ظاهره ، فيكون حينئذ مسلما للحجة الثابتة بذلك! ولا خبر تقوم به الحجة على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن أن يسأل - في هذه الآية عن أصحاب الجحيم ، ولا دلالة تدل على أن ذلك كذلك في ظاهر التنزيل . والواجب أن يكون تأويل ذلك الخبر على ما مضى ذكره قبل هذه الآية ، وعمن ذكر بعدها من اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الكفر ، دون النهي عن المسألة عنهم .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #186  
قديم 01-07-2022, 11:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,010
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(172)
الحلقة (186)
صــ 554إلى صــ 567




فإن ظن ظان أن الخبر الذي روي عن محمد بن كعب صحيح ، فإن في استحالة الشك من الرسول عليه السلام - في أن أهل الشرك من أهل الجحيم ، وأن أبويه كانا منهم ، ما يدفع صحة ما قاله محمد بن كعب ، إن كان الخبر عنه صحيحا ، مع أن ابتداء الله الخبر بعد قوله : ( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ) ، ب "الواو" - بقوله : ( ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ) ، وتركه وصل ذلك بأوله ب "الفاء" ، وأن يكون : "إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا فلا تسأل عن أصحاب الجحيم" - أوضح الدلالة على أن الخبر بقوله : "ولا تسأل" ، أولى من النهي ، والرفع به أولى من الجزم . وقد ذكر أنها في قراءة أبي : ( وما تسأل ) ، وفي قراءة ابن مسعود : ( ولن تسأل ) ، وكلتا هاتين القراءتين تشهد بالرفع والخبر فيه ، دون النهي . [ ص: 561 ]

وقد كان بعض نحويي البصرة يوجه قوله : ( ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ) إلى الحال ، كأنه كان يرى أن معناه : إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا غير مسئول عن أصحاب الجحيم . وذلك إذا ضم "التاء" ، وقرأه على معنى الخبر ، وكان يجيز على ذلك قراءته : "ولا تسأل" ، بفتح "التاء" وضم "اللام" على وجه الخبر بمعنى : إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ، غير سائل عن أصحاب الجحيم . وقد بينا الصواب عندنا في ذلك .

وهذان القولان اللذان ذكرتهما عن البصري في ذلك ، يدفعهما ما روي عن ابن [ ص: 562 ] مسعود وأبي من القراءة؛ لأن إدخالهما ما أدخلا من ذلك من "ما" و"لن" يدل على انقطاع الكلام عن أوله وابتداء قوله : ( ولا تسأل ) ، وإذا كان ابتداء لم يكن حالا .

وأما ( أصحاب الجحيم ) ، ف "الجحيم" ، هي النار بعينها إذا شبت وقودها ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت :


إذا شبت جهنم ثم دارت وأعرض عن قوابسها الجحيم
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) ، وليست اليهود ، يا محمد ، ولا النصارى براضية عنك أبدا ، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم ، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق ، فإن الذي تدعوهم إليه من ذلك لهو السبيل إلى الاجتماع فيه معك على الألفة والدين القيم ، ولا سبيل لك إلى إرضائهم باتباع ملتهم؛ لأن اليهودية ضد النصرانية ، والنصرانية ضد اليهودية ، ولا تجتمع النصرانية واليهودية [ ص: 563 ] في شخص واحد في حال واحدة ، واليهود والنصارى لا تجتمع على الرضا بك ، إلا أن تكون يهوديا نصرانيا ، وذلك مما لا يكون منك أبدا ، لأنك شخص واحد ، ولن يجتمع فيك دينان متضادان في حال واحدة . وإذا لم يكن إلى اجتماعهما فيك في وقت واحد سبيل ، لم يكن لك إلى إرضاء الفريقين سبيل . وإذا لم يكن لك إلى ذلك سبيل ، فالزم هدى الله الذي لجمع الخلق إلى الألفة عليه سبيل .

وأما "الملة" فإنها الدين ، وجمعها الملل .

ثم قال - جل ثناؤه - لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد - لهؤلاء النصارى واليهود الذين قالوا : ( لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) - ( إن هدى الله هو الهدى ) ، يعني إن بيان الله هو البيان المقنع ، والقضاء الفاصل بيننا ، فهلموا إلى كتاب الله وبيانه - الذي بين فيه لعباده ما اختلفوا فيه ، وهو التوراة التي تقرون جميعا بأنها من عند الله ، يتضح لكم فيها المحق منا من المبطل ، وأينا أهل الجنة ، وأينا أهل النار ، وأينا على الصواب ، وأينا على الخطأ .

وإنما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم إلى هدى الله وبيانه؛ لأن فيه تكذيب اليهود والنصارى فيما قالوا من أن الجنة لن يدخلها إلا من كان هودا أو نصارى ، وبيان أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن المكذب به من أهل النار دون المصدق به .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولإن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير ( 120 ) )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( ولإن اتبعت ) ، يا محمد ، هوى هؤلاء اليهود والنصارى - فيما يرضيهم عنك - من تهود وتنصر ، فصرت من ذلك [ ص: 564 ] إلى إرضائهم ، ووافقت فيه محبتهم - من بعد الذي جاءك من العلم بضلالتهم وكفرهم بربهم ، ومن بعد الذي اقتصصت عليك من نبإهم في هذه السورة - ما لك من الله من ولي يعني بذلك : ليس لك يا محمد من ولي يلي أمرك ، وقيم يقوم به ولا نصير ، ينصرك من الله ، فيدفع عنك ما ينزل بك من عقوبته ، ويمنعك من ذلك ، إن أحل بك ذلك ربك ، وقد بينا معنى "الولي" و"النصير" فيما مضى قبل .

وقد قيل : إن الله تعالى ذكره أنزل هذه الآية على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن اليهود والنصارى دعته إلى أديانها ، وقال كل حزب منهم : إن الهدى هو ما نحن عليه دون ما عليه ، غيرنا من سائر الملل ، فوعظه الله أن يفعل ذلك ، وعلمه الحجة الفاصلة بينهم فيما ادعى كل فريق منهم .
القول في تأويل قوله تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في الذين عناهم الله - جل ثناؤه - بقوله : ( الذين آتيناهم الكتاب ) فقال بعضهم : هم المؤمنون برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به من أصحابه .

ذكر من قال ذلك :

1878 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة قوله : ( الذين آتيناهم الكتاب ) ، هؤلاء أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم ، آمنوا بكتاب الله وصدقوا به .

وقال آخرون : بل عنى الله بذلك علماء بني إسرائيل ، الذين آمنوا بالله وصدقوا رسله ، فأقروا بحكم التوراة ، فعملوا بما أمر الله فيها من اتباع محمد صلى [ ص: 565 ] الله عليه وسلم ، والإيمان به ، والتصديق بما جاء به من عند الله .

ذكر من قال ذلك :

1879 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون ) ، قال : من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم من يهود فأولئك هم الخاسرون .

وهذا القول أولى بالصواب من القول الذي قاله قتادة ؛ لأن الآيات قبلها مضت بأخبار أهل الكتابين ، وتبديل من بدل منهم كتاب الله ، وتأولهم إياه على غير تأويله ، وادعائهم على الله الأباطيل ، ولم يجر لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الآية التي قبلها ذكر ، فيكون قوله : ( الذين آتيناهم الكتاب ) ، موجها إلى الخبر عنهم ، ولا لهم بعدها ذكر في الآية التي تتلوها ، فيكون موجها ذلك إلى أنه خبر مبتدأ عن قصص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعد انقضاء قصص غيرهم ، ولا جاء بأن ذلك خبر عنهم أثر يجب التسليم له .

فإذ كان ذلك كذلك ، فالذي هو أولى بمعنى الآية أن يكون موجها إلى أنه خبر عمن قص الله - جل ثناؤه - [ قصصهم ] في الآية قبلها والآية بعدها ، وهم أهل الكتابين : التوراة والإنجيل . وإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية : الذين آتيناهم الكتاب الذي قد عرفته يا محمد - وهو التوراة - فقرأوه واتبعوا ما فيه ، فصدقوك وآمنوا بك ، وبما جئت به من عندي ، أولئك يتلونه حق تلاوته . [ ص: 566 ]

وإنما أدخلت الألف واللام في"الكتاب" لأنه معرفة ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عرفوا أي الكتب عنى به .
القول في تأويل قوله تعالى : ( يتلونه حق تلاوته )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله عز وجل : ( يتلونه حق تلاوته ) ، فقال بعضهم : معنى ذلك يتبعونه حق اتباعه .

ذكر من قال ذلك :

1880 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثني ابن أبي عدي ، وعبد الأعلى ، وحدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا ابن أبي عدي جميعا ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( يتلونه حق تلاوته ) ، يتبعونه حق اتباعه .

1881 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن عكرمة بمثله .

1880 - وحدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا داود بن أبي هند ، عن عكرمة بمثله .

1883 - حدثني الحسن بن عمرو العنقزي قال : حدثني أبي ، عن أسباط ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس في قول الله عز وجل : ( يتلونه حق تلاوته ) ، قال : يحلون حلاله ويحرمون حرامه ، ولا يحرفونه .

1884 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : قال أبو مالك : إن ابن عباس قال في : ( يتلونه حق تلاوته ) ، فذكر مثله ، إلا أنه قال : ولا يحرفونه عن مواضعه .

1885 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا المؤمل قال : حدثنا سفيان قال : [ ص: 567 ] حدثنا يزيد ، عن مرة ، عن عبد الله في قول الله عز وجل : ( يتلونه حق تلاوته ) : قال : يتبعونه حق اتباعه .

1886 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : قال عبد الله بن مسعود : والذي نفسي بيده ، إن حق تلاوته : أن يحل حلاله ويحرم حرامه ، ويقرأه كما أنزله الله ، ولا يحرف الكلم عن مواضعه ، ولا يتأول منه شيئا على غير تأويله .

1887 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ومنصور بن المعتمر ، عن ابن مسعود في قوله : ( يتلونه حق تلاوته ) ، أن يحل حلاله ويحرم حرامه ، ولا يحرفه عن مواضعه .

1888 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا [ أبو أحمد ] الزبيري قال : حدثنا عباد بن العوام عمن ذكره ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( يتلونه حق تلاوته ) يتبعونه حق اتباعه .

1889 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا عباد بن العوام ، عن الحجاج ، عن عطاء ، بمثله .

1890 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين في قوله : ( يتلونه حق تلاوته ) ، قال : يتبعونه حق اتباعه .

1891 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان - وحدثني المثنى قال : حدثني أبو نعيم قال : حدثنا سفيان وحدثني نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال : حدثنا يحيى بن إبراهيم ، عن سفيان - قالوا جميعا : عن منصور ، عن أبي رزين ، مثله .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #187  
قديم 01-07-2022, 11:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,010
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(173)
الحلقة (187)
صــ 568إلى صــ 574



1892 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن مجاهد : ( يتلونه حق تلاوته ) ، قال : عملا به . [ ص: 568 ]

1893 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الملك ، عن قيس بن سعد : ( يتلونه حق تلاوته ) ، قال : يتبعونه حق اتباعه ، ألم تر إلى قوله : ( والقمر إذا تلاها ) [ سورة الشمس : 2 ] ، يعني الشمس إذا تبعها القمر .

1894 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء وقيس بن سعد ، عن مجاهد في قوله : ( يتلونه حق تلاوته ) ، قال : يعملون به حق عمله .

1895 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد قال ، يتبعونه حق اتباعه .

1896 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

1897 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( يتلونه حق تلاوته ) ، يعملون به حق عمله .

1898 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن مجاهد في قوله : ( يتلونه حق تلاوته ) ، قال : يتبعونه حق اتباعه .

1899 - حدثني عمرو قال : حدثنا أبو قتيبة قال : حدثنا الحسن بن أبي جعفر ، عن أبي أيوب ، عن أبي الخليل ، عن مجاهد : ( يتلونه حق تلاوته ) ، قال : يتبعونه حق اتباعه . [ ص: 569 ]

1900 - حدثنا عمرو قال : حدثنا يحيى القطان ، عن عبد الملك ، عن عطاء قوله : ( يتلونه حق تلاوته ) قال : يتبعونه حق اتباعه ، يعملون به حق عمله .

1901 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثني أبي ، عن المبارك ، عن الحسن : ( يتلونه حق تلاوته ) قال : يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه ، ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه .

1902 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( يتلونه حق تلاوته ) ، قال : أحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، وعملوا بما فيه ، ذكر لنا أن ابن مسعود كان يقول : إن حق تلاوته : أن يحل حلاله ، ويحرم حرامه ، وأن يقرأه كما أنزله الله عز وجل ، ولا يحرفه عن مواضعه .

1903 - حدثنا عمرو قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا الحكم بن عطية ، سمعت قتادة يقول : ( يتلونه حق تلاوته ) قال : يتبعونه حق اتباعه . قال : اتباعه : يحلون حلاله ويحرمون حرامه ، ويقرأونه كما أنزل .

1904 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم عن داود ، عن عكرمة في قوله : ( يتلونه حق تلاوته ) ، قال : يتبعونه حق اتباعه ، أما سمعت قول الله عز وجل : ( والقمر إذا تلاها ) [ سورة الشمس : 2 ] ، قال : إذا تبعها .

وقال آخرون : ( يتلونه حق تلاوته ) ، يقرأونه حق قراءته .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في تأويل ذلك أنه بمعنى : يتبعونه حق اتباعه ، من قول القائل : ما زلت أتلو أثره ، إذا اتبع أثره ، لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن ذلك تأويله . [ ص: 570 ]

وإذ كان ذلك تأويله ، فمعنى الكلام : الذين آتيناهم الكتاب ، يا محمد من أهل التوراة الذين آمنوا بك وبما جئتهم به من الحق من عندي ، يتبعون كتابي الذي أنزلته على رسولي موسى صلوات الله عليه ، فيؤمنون به ويقرون بما فيه من نعتك وصفتك ، وأنك رسولي ، فرض عليهم طاعتي في الإيمان بك والتصديق بما جئتهم به من عندي ، ويعملون بما أحللت لهم ، ويجتنبون ما حرمت عليهم فيه ، ولا يحرفونه عن مواضعه ولا يبدلونه ولا يغيرونه - كما أنزلته عليهم - بتأويل ولا غيره .

أما قوله : ( حق تلاوته ) ، فمبالغة في صفة اتباعهم الكتاب ولزومهم العمل به ، كما يقال : "إن فلانا لعالم حق عالم" ، وكما يقال : "إن فلانا لفاضل كل فاضل"

وقد اختلف أهل العربية في إضافة "حق" إلى المعرفة ، فقال بعض نحويي الكوفة : غير جائزة إضافته إلى معرفة لأنه بمعنى "أي" ، وبمعنى قولك : "أفضل رجل فلان" ، و"أفعل" لا يضاف إلى واحد معرفة؛ لأنه مبعض ، ولا يكون الواحد المبعض معرفة؛ فأحالوا أن يقال : "مررت بالرجل حق الرجل" ، و"مررت بالرجل جد الرجل" ، كما أحالوا "مررت بالرجل أي الرجل" ، وأجازوا ذلك في "كل الرجل" و"عين الرجل" و"نفس الرجل" . وقالوا : إنما أجزنا ذلك لأن هذه الحروف كانت في الأصل توكيدا ، فلما صرن مدوحا ، تركن مدوحا على أصولهن في المعرفة .

وزعموا أن قوله : ( يتلونه حق تلاوته ) ، إنما جازت إضافته إلى التلاوة ، وهي مضافة إلى معرفة؛ لأن العرب تعتد ب "الهاء" - إذا عادت إلى نكرة - بالنكرة ، فيقولون : "مررت برجل واحد أمه ، ونسيج وحده ، وسيد قومه" ، قالوا : فكذلك قوله : ( حق تلاوته ) ، إنما جازت إضافة "حق" إلى "التلاوة" وهي مضافة إلى [ ص: 571 ] "الهاء" ، لاعتداد العرب ب "الهاء" التي في نظائرها في عداد النكرات . قالوا : ولو كان ذلك "حق التلاوة" ، لوجب أن يكون جائزا : "مررت بالرجل حق الرجل" .

فعلى هذا القول تأويل الكلام : الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوة .

وقال بعض نحويي البصرة : جائزة إضافة "حق" إلى النكرات مع النكرات ، ومع المعارف إلى المعارف ، وإنما ذلك نظير قول القائل : "مررت بالرجل غلام الرجل" ، و"برجل غلام رجل" .

فتأويل الآية على قول هؤلاء : الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته

وأولى ذلك بالصواب عندنا القول الأول؛ لأن معنى قوله : ( حق تلاوته ) ، أي تلاوة ، بمعنى مدح التلاوة التي تلوها وتفضيلها . "وأي" غير جائزة إضافتها إلى واحد معرفة عند جميعهم . وكذلك "حق" غير جائزة إضافتها إلى واحد معرفة .

وإنما أضيف في ( حق تلاوته ) إلى ما فيه "الهاء" لما وصفت علة التي تقدم بيانها .
القول في تأويل قوله تعالى : ( أولئك يؤمنون به )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( أولئك ) ، هؤلاء الذين أخبر عنهم أنهم يتلون ما آتاهم من الكتاب حق تلاوته ، وأما قوله : ( يؤمنون ) ، فإنه يعني : يصدقون به . و"الهاء" التي في قوله : "به" عائدة على "الهاء" التي في "تلاوته" ، وهما جميعا من ذكر الكتاب الذي قاله الله : ( الذين آتيناهم الكتاب ) .

فأخبر الله - جل ثناؤه - أن المؤمن بالتوراة ، هو المتبع ما فيها من حلالها وحرامها ، والعامل بما فيها من فرائض الله التي فرضها فيها على أهلها ، وأن أهلها الذين هم أهلها من كان ذلك صفته ، دون من كان محرفا لها مبدلا تأويلها ، مغيرا [ ص: 572 ] سننها تاركا ما فرض الله فيها عليه .

وإنما وصف - جل ثناؤه - من وصف بما وصف به من متبعي التوراة ، وأثنى عليهم بما أثنى به عليهم؛ لأن في اتباعها اتباع محمد نبي الله صلى الله عليه وسلم وتصديقه؛ لأن التوراة تأمر أهلها بذلك ، وتخبرهم عن الله تعالى ذكره بنبوته ، وفرض طاعته على جميع خلق الله من بني آدم ، وأن في التكذيب بمحمد التكذيب لها . فأخبر - جل ثناؤه - أن متبعي التوراة هم المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وهم العاملون بما فيها ، كما : -

1905 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( أولئك يؤمنون به ) ، قال : من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل ، وبالتوراة ، وإن الكافر بمحمد صلى الله عليه وسلم هو الكافر بها الخاسر ، كما قال جل ثناؤه : ( ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون ) .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون ( 121 ) )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( ومن يكفر به ) ، ومن يكفر بالكتاب الذي أخبر أنه يتلوه - من آتاه من المؤمنين - حق تلاوته . ويعني بقوله جل ثناؤه : ( يكفر ) ، يجحد ما فيه من فرائض الله ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وتصديقه ، ويبدله فيحرف تأويله ، أولئك هم الذين خسروا علمهم وعملهم ، فبخسوا أنفسهم حظوظها من رحمة الله ، واستبدلوا بها سخط الله وغضبه . وقال ابن زيد في قوله ، بما : -

1906 - حدثني به يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : [ ص: 573 ] ( ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون ) ، قال : من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم من يهود ، ( فأولئك هم الخاسرون ) .
القول في تأويل قوله تعالى : ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ( 122 ) )

قال أبو جعفر : وهذه الآية عظة من الله تعالى ذكره لليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتذكير منه لهم ما سلف من أياديه إليهم في صنعه بأوائلهم ، استعطافا منه لهم على دينه وتصديق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا بني إسرائيل اذكروا أيادي لديكم ، وصنائعي عندكم ، واستنقاذي إياكم من أيدي عدوكم فرعون وقومه ، وإنزالي عليكم المن والسلوى في تيهكم ، وتمكيني لكم في البلاد ، بعد أن كنتم مذللين مقهورين ، واختصاصي الرسل منكم ، وتفضيلي إياكم على عالم من كنتم بين ظهرانيه ، أيام أنتم في طاعتي - باتباع رسولي إليكم ، وتصديقه وتصديق ما جاءكم به من عندي ، ودعوا التمادي في الضلال والغي .

وقد ذكرنا فيما مضى النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل ، والمعاني التي ذكرهم - جل ثناؤه - من آلاءه عندهم ، والعالم الذي فضلوا عليه - فيما مضى قبل ، بالروايات والشواهد ، فكرهنا تطويل الكتاب بإعادته ، إذ كان المعنى في ذلك في هذا الموضع وهنالك واحدا .
[ ص: 574 ] القول في تأويل قوله ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون ( 123 ) )

قال أبو جعفر : وهذه الآية ترهيب من الله - جل ثناؤه - للذين سلفت عظته إياهم بما وعظهم به في الآية قبلها . يقول الله لهم : واتقوا - يا معشر بني إسرائيل المبدلين كتابي وتنزيلي ، المحرفين تأويله عن وجهه ، المكذبين برسولي محمد صلى الله عليه وسلم - عذاب يوم لا تقضي فيه نفس عن نفس شيئا ، ولا تغني عنها غناء ، أن تهلكوا على ما أنتم عليه من كفركم بي ، وتكذيبكم رسولي ، فتموتوا عليه ، فإنه يوم لا يقبل من نفس فيما لزمها فدية ، ولا يشفع فيما وجب عليها من حق لها شافع ، ولا هي ينصرها ناصر من الله إذا انتقم منها بمعصيتها إياه .

وقد مضى البيان عن كل معاني هذه الآية في نظيرتها قبل ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #188  
قديم 01-07-2022, 11:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,010
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(174)
الحلقة (188)
صــ 7إلى صــ 13



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الجزء الثالث

[ ص: 7 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ )

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : ( وَإِذِ ابْتَلَى ) ، وَإِذِ اخْتَبَرَ .



يقال منه : "ابتليت فلانا أبتليه ابتلاء" ، ومنه قول الله عز وجل : ( وابتلوا اليتامى ) [ سورة النساء : 6 ] ، يعني به : اختبروهم .

وكان اختبار الله تعالى ذكره إبراهيم ، اختبارا بفرائض فرضها عليه ، وأمر أمره به . وذلك هو "الكلمات" التي أوحاهن إليه ، وكلفه العمل بهن ، امتحانا منه له واختبارا .

ثم اختلف أهل التأويل في صفة "الكلمات" التي ابتلى الله بها إبراهيم نبيه وخليله صلوات الله عليه .



فقال بعضهم : هي شرائع الإسلام ، وهي ثلاثون سهما .

ذكر من قال ذلك :

1907 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال ، [ ص: 8 ] قال ابن عباس : لم يبتل أحد بهذا الدين فأقامه إلا إبراهيم ، ابتلاه الله بكلمات ، فأتمهن . قال : فكتب الله له البراءة فقال : ( وإبراهيم الذي وفى ) [ سورة النجم : 37 ] . قال : عشر منها في"الأحزاب" ، وعشر منها في "براءة" ، وعشر منها في "المؤمنون" و "سأل سائل" ، وقال : إن هذا الإسلام ثلاثون سهما .

1908 - حدثنا إسحاق بن شاهين قال : حدثنا خالد الطحان ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ما ابتلي أحد بهذا الدين فقام به كله غير إبراهيم ، ابتلي بالإسلام فأتمه ، فكتب الله له البراءة فقال : "وإبراهيم الذي وفى" ، فذكر عشرا في "براءة" [ 112 ] فقال : ( التائبون العابدون الحامدون ) إلى آخر الآية ، وعشرا في "الأحزاب" [ 35 ] ، ( إن المسلمين والمسلمات ) ، وعشرا في "سورة المؤمنون" [ 1 - 9 ] إلى قوله : ( والذين هم على صلواتهم يحافظون ) ، وعشرا في "سأل سائل" [ 22 - 34 ] ( والذين هم على صلاتهم يحافظون ) .

1909 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه قال : حدثنا علي بن الحسن قال : حدثنا خارجة بن مصعب ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الإسلام ثلاثون سهما ، وما ابتلي بهذا الدين أحد فأقامه إلا إبراهيم ، قال الله : ( وإبراهيم الذي وفى ) ، فكتب الله له براءة من النار .



[ ص: 9 ] وقال آخرون : هي خصال عشر من سنن الإسلام .

ذكر من قال ذلك :

1910 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال : ابتلاه الله بالطهارة : خمس في الرأس ، وخمس في الجسد . في الرأس : قص الشارب ، والمضمضة ، والاستنشاق ، والسواك ، وفرق الرأس . وفي الجسد : تقليم الأظفار ، وحلق العانة ، والختان ، ونتف الإبط ، وغسل أثر الغائط والبول بالماء .

1911 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الحكم بن أبان ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن ابن عباس ، بمثله - ولم يذكر أثر البول .

1912 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا سليمان قال : حدثنا أبو هلال قال : حدثنا قتادة في قوله : "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال : ابتلاه بالختان ، وحلق العانة ، وغسل القبل والدبر ، والسواك ، وقص الشارب ، وتقليم الأظافر ، ونتف الإبط . قال أبو هلال : ونسيت خصلة .

1913 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن مطر ، عن أبي الخلد قال : ابتلي إبراهيم بعشرة أشياء ، هن في الإنسان سنة : [ ص: 10 ] الاستنشاق ، وقص الشارب ، والسواك ، ونتف الإبط ، وقلم الأظفار ، وغسل البراجم ، والختان ، وحلق العانة ، وغسل الدبر والفرج .



وقال بعضهم : بل "الكلمات" التي ابتلي بهن عشر خلال ؛ بعضهن في تطهير الجسد ، وبعضهن في مناسك الحج .

ذكر من قال ذلك :

1914 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا محمد بن حرب قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن حنش ، عن ابن عباس في قوله : " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " قال : ستة في الإنسان ، وأربعة في المشاعر . فالتي في الإنسان : حلق العانة ، والختان ، ونتف الإبط ، وتقليم الأظفار ، وقص الشارب ، والغسل يوم الجمعة . وأربعة في المشاعر : الطواف ، والسعي بين الصفا والمروة ، ورمي الجمار ، والإفاضة .

وقال آخرون : بل ذلك : "إني جاعلك للناس إماما" ، في مناسك الحج .

ذكر من قال ذلك :

1915 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله : "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن" ، فمنهن : "إني جاعلك للناس إماما" ، وآيات النسك .

1916 - حدثنا أبو السائب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت إسماعيل [ ص: 11 ] بن أبي خالد ، عن أبي صالح مولى أم هانئ في قوله : "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال : منهن "إني جاعلك للناس إماما" ومنهن آيات النسك : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ) [ سورة البقرة : 127 ] .

1917 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن" قال الله لإبراهيم : إني مبتليك بأمر فما هو ؟ قال : تجعلني للناس إماما! قال : نعم . قال : ومن ذريتي . قال : لا ينال عهدي الظالمين . قال : تجعل البيت مثابة للناس . قال : نعم . [ قال ] : وأمنا . قال : نعم . [ قال ] : وتجعلنا مسلمين لك ، ومن ذريتنا أمة مسلمة لك . قال : نعم . [ قال ] : وترينا مناسكنا وتتوب علينا . قال : نعم . قال : وتجعل هذا البلد آمنا . قال : نعم . قال : وترزق أهله من الثمرات من آمن منهم . قال : نعم .

1918 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

1919 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، أخبره به عن عكرمة ، فعرضته على مجاهد فلم ينكره .

1920 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد بنحوه . قال ابن جريج : فاجتمع على هذا القول مجاهد وعكرمة جميعا .

1921 - حدثنا سفيان قال : حدثني أبي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن" قال : ابتلي بالآيات التي بعدها : "إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين" .

1922 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن [ ص: 12 ] الربيع في قوله : "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن" ، فالكلمات : "إني جاعلك للناس إماما" ، وقوله : "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس" ، وقوله : "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" وقوله : "وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل" الآية ، وقوله : "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت" الآية . قال : فذلك كله من الكلمات التي ابتلي بهنإبراهيم .

1923 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن" ، فمنهن : "إني جاعلك للناس إماما" ، ومنهن : "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت" ، ومنهن الآيات في شأن النسك ، والمقام الذي جعل لإبراهيم ، والرزق الذي رزق ساكنو البيت ، ومحمد صلى الله عليه وسلم في ذريتهما عليهما السلام .

وقال آخرون : بل ذلك مناسك الحج خاصة .

ذكر من قال ذلك :

1924 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا سلم بن قتيبة قال : حدثنا عمر بن نبهان ، عن قتادة ، عن ابن عباس في قوله : "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال : مناسك الحج .

1925 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : كان ابن عباس يقول في قوله : "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال : المناسك . [ ص: 13 ]

1926 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : قال ابن عباس : ابتلاه بالمناسك .

1927 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، قال : بلغنا عن ابن عباس أنه قال : إن الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم ، المناسك .

1928 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس : قوله : " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال : مناسك الحج .

1929 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس في قوله : " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال : منهن مناسك الحج .

وقال آخرون : هي أمور ، منهن الختان .

ذكر من قال ذلك :

1930 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا سلم بن قتيبة ، عن يونس بن أبي إسحاق ، عن الشعبي : "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال : منهن الختان .

1931 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، قال : سمعت الشعبي يقول ، فذكر مثله .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #189  
قديم 01-07-2022, 11:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,010
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(175)
الحلقة (189)
صــ 14إلى صــ 20




1932 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا يونس بن أبي إسحاق قال : سمعت الشعبي - وسأله أبو إسحاق عن قول الله : "وإذ ابتلى [ ص: 14 ] إبراهيم ربه بكلمات" - قال : منهن الختان ، يا أبا إسحاق .

وقال آخرون : بل ذلك الخلال الست : الكوكب ، والقمر ، والشمس ، والنار ، والهجرة ، والختان ، التي ابتلي بهن فصبر عليهن .

ذكر من قال ذلك :

1933 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، قال : قلت للحسن : "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن" . قال : ابتلاه بالكوكب ، فرضي عنه ؛ وابتلاه بالقمر ، فرضي عنه ؛ وابتلاه بالشمس ، فرضي عنه ؛ وابتلاه بالنار ، فرضي عنه ؛ وابتلاه بالهجرة ، وابتلاه بالختان .

1934 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : كان الحسن يقول : إي والله ، ابتلاه بأمر فصبر عليه : ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر ، فأحسن في ذلك ، وعرف أن ربه دائم لا يزول ، فوجه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما كان من المشركين ؛ ثم ابتلاه بالهجرة فخرج من بلاده وقومه حتى لحق بالشام مهاجرا إلى الله ؛ ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة ، فصبر على ذلك ؛ فابتلاه الله بذبح ابنه وبالختان ، فصبر على ذلك .

1935 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عمن سمع الحسن يقول في قوله : " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال : ابتلاه الله بذبح ولده ، وبالنار ، وبالكوكب ، والشمس ، والقمر .

1936 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا سلم بن قتيبة قال : حدثنا أبو هلال ، عن الحسن : " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات قال : ابتلاه بالكوكب ، وبالشمس والقمر ، فوجده صابرا .

وقال آخرون بما :

1937 - حدثنا به موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا [ ص: 15 ] أسباط ، عن السدي : الكلمات التي ابتلى بهن إبراهيم ربه : ( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ) [ سورة البقرة : 127 - 129 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله عز وجل أخبر عباده أنه اختبر إبراهيم خليله بكلمات أوحاهن إليه ، وأمره أن يعمل بهن فأتمهن ، كما أخبر الله جل ثناؤه عنه أنه فعل . وجائز أن تكون تلك الكلمات جميع ما ذكره من ذكرنا قوله في تأويل "الكلمات" ، وجائز أن تكون بعضه . لأن إبراهيم صلوات الله عليه قد كان امتحن فيما بلغنا بكل ذلك ، فعمل به ، وقام فيه بطاعة الله وأمره الواجب عليه فيه . وإذ كان ذلك كذلك ، فغير جائز لأحد أن يقول : عنى الله بالكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم شيئا من ذلك بعينه دون شيء ، ولا عنى به كل ذلك ، إلا بحجة يجب التسليم لها : من خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو إجماع من الحجة . ولم يصح في شيء من ذلك خبر عن الرسول بنقل الواحد ، ولا بنقل الجماعة التي يجب التسليم لما نقلته . غير أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نظير معنى ذلك خبران ، لو ثبتا ، أو أحدهما ، كان القول به في تأويل ذلك هو الصواب . أحدهما ، ما : -

1938 - حدثنا به أبو كريب قال : حدثنا رشدين بن سعد قال : حدثني زبان بن فائد ، عن سهل بن معاذ بن أنس ، عن أبيه ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله : ( الذي وفى ) ؟ [ سورة النجم : 37 ] لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى : ( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ) [ سورة الروم : 17 ] حتى يختم الآية . [ ص: 16 ]

والآخر منهما ما : -

1939 - حدثنا به أبو كريب قال : حدثنا الحسن بن عطية قال : حدثنا إسرائيل ، عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وإبراهيم الذي وفى" قال : أتدرون ما "وفى" ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : وفى عمل يومه ، أربع ركعات في النهار .

[ ص: 17 ] قال أبو جعفر : فلو كان خبر سهل بن معاذ عن أبيه صحيحا سنده ، كان بينا أن الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم فقام بهن ، هو قوله كلما أصبح وأمسى : " فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون " - أو كان خبر أبي أمامة عدولا نقلته ، كان معلوما أن الكلمات التي أوحين إلى إبراهيم فابتلي بالعمل بهن : أن يصلي كل يوم أربع ركعات . غير أنهما خبران في أسانيدهما نظر .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في معنى "الكلمات" التي أخبر الله أنه ابتلى بهن إبراهيم ، ما بينا آنفا .

ولو قال قائل في ذلك : إن الذي قاله مجاهد وأبو صالح والربيع بن أنس ، أولى بالصواب من القول الذي قاله غيرهم ، كان مذهبا . لأن قوله : " إني جاعلك للناس إماما ، وقوله : " وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين وسائر الآيات التي هي نظير ذلك ، كالبيان عن الكلمات التي ذكر الله أنه ابتلى بهن إبراهيم .
القول في تأويل قوله تعالى ( فأتمهن )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "فأتمهن" ، فأتم إبراهيم الكلمات . وإتمامه إياهن إكماله إياهن ، بالقيام لله بما أوجب عليه فيهن ، وهو الوفاء الذي [ ص: 18 ] قال الله جل ثناؤه : ( وإبراهيم الذي وفى ) [ سورة النجم : 37 ] ، يعني وفى بما عهد إليه بالكلمات ، بما أمره به من فرائضه ومحنته فيها ، كما : -

1940 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : "فأتمهن" ، أي فأداهن .

1941 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "فأتمهن" ، أي عمل بهن فأتمهن .

1942 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "فأتمهن" ، أي عمل بهن فأتمهن .
القول في تأويل قوله تعالى ( قال إني جاعلك للناس إماما )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "إني جاعلك للناس إماما" ، فقال الله : يا إبراهيم ، إني مصيرك للناس إماما ، يؤتم به ويقتدى به ، كما : -

1943 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "إني جاعلك للناس إماما" ، ليؤتم به ويقتدى به .

يقال منه : "أممت القوم فأنا أؤمهم أما وإمامة" ، إذا كنت إمامهم .

وإنما أراد جل ثناؤه بقوله لإبراهيم : "إني جاعلك للناس إماما" ، إني مصيرك تؤم من بعدك من أهل الإيمان بي وبرسلي ، تتقدمهم أنت ، ويتبعون هديك ، ويستنون بسنتك التي تعمل بها ، بأمري إياك ووحيي إليك .
[ ص: 19 ] القول في تأويل قوله تعالى ( قال ومن ذريتي )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : قال إبراهيم - لما رفع الله منزلته وكرمه ، فأعلمه ما هو صانع به ، من تصييره إماما في الخيرات لمن في عصره ، ولمن جاء بعده من ذريته وسائر الناس غيرهم ، يهتدى بهديه ويقتدى بأفعاله وأخلاقه - : يا رب ، ومن ذريتي فاجعل أئمة يقتدى بهم ، كالذي جعلتني إماما يؤتم بي ويقتدى بي . مسألة من إبراهيم ربه سأله إياها ، كما : -

1944 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : قال إبراهيم : "ومن ذريتي" ، يقول : فاجعل من ذريتي من يؤتم به ويقتدى به .

وقد زعم بعض الناس أن قول إبراهيم : "ومن ذريتي" ، مسألة منه ربه لعقبه أن يكونوا على عهده ودينه ، كما قال : ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) [ سورة إبراهيم : 35 ] ، فأخبر الله جل ثناؤه أن في عقبه الظالم المخالف له في دينه ، بقوله : "لا ينال عهدي الظالمين" .

والظاهر من التنزيل يدل على غير الذي قاله صاحب هذه المقالة . لأن قول إبراهيم صلوات الله عليه : "ومن ذريتي" ، في إثر قول الله جل ثناؤه : "إني جاعلك للناس إماما" . فمعلوم أن الذي سأله إبراهيم لذريته ، لو كان غير الذي أخبر ربه أنه أعطاه إياه ، لكان مبينا . ولكن المسألة لما كانت مما جرى ذكره ، اكتفى بالذكر الذي قد مضى ، من تكريره وإعادته ، فقال : "ومن ذريتي" ، بمعنى : ومن ذريتي فاجعل مثل الذي جعلتني به ، من الإمامة للناس .
[ ص: 20 ] القول في تأويل قوله تعالى ( قال لا ينال عهدي الظالمين ( 124 ) )

قال أبو جعفر : هذا خبر من الله جل ثناؤه عن أن الظالم لا يكون إماما يقتدي به أهل الخير . وهو من الله جل ثناؤه جواب لما يتوهم في مسألته إياه أن يجعل من ذريته أئمة مثله . فأخبر أنه فاعل ذلك ، إلا بمن كان من أهل الظلم منهم ، فإنه غير مصيره كذلك ، ولا جاعله في محل أوليائه عنده ، بالتكرمة بالإمامة . لأن الإمامة إنما هي لأوليائه وأهل طاعته ، دون أعدائه والكافرين به .

واختلف أهل التأويل في العهد الذي حرم الله جل ثناؤه الظالمين أن ينالوه .

فقال بعضهم : ذلك العهد هو النبوة .

ذكر من قال ذلك :

1945 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " قال لا ينال عهدي الظالمين " ، يقول : عهدي ، نبوتي .

فمعنى قائل هذا القول في تأويل الآية : لا ينال النبوة أهل الظلم والشرك .

وقال آخرون : معنى "العهد" : عهد الإمامة .

فتأويل الآية على قولهم : لا أجعل من كان من ذريتك بأسرهم ظالما ، إماما لعبادي يقتدى به .

ذكر من قال ذلك :




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #190  
قديم 01-07-2022, 11:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,010
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(176)
الحلقة (190)
صــ 21إلى صــ 27





1946 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " قال لا ينال عهدي الظالمين " قال : لا يكون إمام ظالما . [ ص: 21 ]

1947 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : قال الله : " لا ينال عهدي الظالمين " قال : لا يكون إمام ظالما .

1948 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن عكرمة بمثله .

1949 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : "قال لا ينال عهدي الظالمين" قال : لا يكون إمام ظالم يقتدى به .

1950 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .

1951 - حدثنا مشرف بن أبان الحطاب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد في قوله : "لا ينال عهدي الظالمين" قال : لا أجعل إماما ظالما يقتدى به .

1952 - حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال : حدثنا مسلم بن خالد الزنجي ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "لا ينال عهدي الظالمين" قال : لا أجعل إماما ظالما يقتدى به .

1953 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 22 ] ابن جريج ، عن مجاهد : "لا ينال عهدي الظالمين" : قال : لا يكون إماما ظالم .

قال ابن جريج : وأما عطاء فإنه قال : " إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي " ، فأبى أن يجعل من ذريته ظالما إماما . قلت لعطاء : ما عهده ؟ قال : أمره .

وقال آخرون : معنى ذلك : أنه لا عهد عليك لظالم أن تطيعه في ظلمه .

ذكر من قال ذلك :

1954 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "لا ينال عهدي الظالمين" ، يعني : لا عهد لظالم عليك في ظلمه ، أن تطيعه فيه .

1955 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ، عن إسرائيل ، عن مسلم الأعور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : " قال لا ينال عهدي الظالمين " قال : ليس للظالمين عهد ، وإن عاهدته فانقضه .

1956 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن سفيان ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : ليس لظالم عهد .

وقال آخرون : معنى "العهد" في هذا الموضع : الأمان .

فتأويل الكلام على معنى قولهم : قال الله : لا ينال أماني أعدائي ، وأهل الظلم لعبادي . أي : لا أؤمنهم من عذابي في الآخرة .

ذكر من قال ذلك :

1957 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " قال لا ينال عهدي الظالمين ، ذلكم عند الله يوم القيامة ، لا ينال عهده ظالم ، فأما في الدنيا ، فقد نالوا عهد الله ، فوارثوا به المسلمين وغازوهم وناكحوهم به . فلما كان يوم القيامة قصر الله عهده وكرامته على أوليائه . [ ص: 23 ]

1958 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " لا ينال عهدي الظالمين " قال : لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمون ، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم ، وأكل به وعاش .

1959 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن ، عن إسرائيل ، عن منصور ، عن إبراهيم : "قال لا ينال عهدي الظالمين" قال : لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمون . فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فأمن به ، وأكل وأبصر وعاش .

وقال آخرون : بل "العهد" الذي ذكره الله في هذا الموضع : دين الله .

ذكر من قال ذلك :

1960 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : قال الله لإبراهيم : "لا ينال عهدي الظالمين" فقال : فعهد الله الذي عهد إلى عباده ، دينه . يقول : لا ينال دينه الظالمين . ألا ترى أنه قال : ( وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ) [ سورة الصافات : 113 ] ، يقول : ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق .

1961 - حدثني يحيى بن جعفر قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " لا ينال عهدي الظالمين قال : لا ينال عهدي عدو لي يعصيني ، ولا أنحلها إلا وليا لي يطيعني .

قال أبو جعفر : وهذا الكلام ، وإن كان ظاهره ظاهر خبر عن أنه لا ينال من ولد إبراهيم صلوات الله عليه ، عهد الله - الذي هو النبوة والإمامة لأهل الخير ، [ ص: 24 ] بمعنى الاقتداء به في الدنيا ، والعهد الذي بالوفاء به ينجو في الآخرة ، من وفى لله به في الدنيا - من كان منهم ظالما متعديا جائرا عن قصد سبيل الحق . فهو إعلام من الله تعالى ذكره لإبراهيم : أن من ولده من يشرك به ، ويجور عن قصد السبيل ، ويظلم نفسه وعباده ، كالذي : -

1962 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن مجاهد في قوله : " لا ينال عهدي الظالمين " قال : إنه سيكون في ذريتك ظالمون

وأما نصب "الظالمين" ، فلأن العهد هو الذي لا ينال الظالمين .

وذكر أنه في قراءة ابن مسعود : "لا ينال عهدي الظالمون" ، بمعنى : أن الظالمين هم الذين لا ينالون عهد الله .

وإنما جاز الرفع في "الظالمين" والنصب ، وكذلك في "العهد" ، لأن كل ما نال المرء فقد ناله المرء ، كما يقال : "نالني خير فلان ، ونلت خيره" ، فيوجه الفعل مرة إلى الخير ومرة إلى نفسه .

وقد بينا معنى "الظلم" فيما مضى ، فكرهنا إعادته

القول في تأويل قوله تعالى ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس )

قال أبو جعفر : أما قوله : "وإذ جعلنا البيت مثابة" ، فإنه عطف ب"إذ" على قوله : "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" . وقوله : "وإذ ابتلى إبراهيم" معطوف على قوله : " يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي " ، واذكروا" إذ ابتلى إبراهيم ربه " ، " وإذ جعلنا البيت مثابة " .

و"البيت" الذي جعله الله مثابة للناس ، هو البيت الحرام .

وأما" المثابة " ، فإن أهل العربية مختلفون في معناها ، والسبب الذي من أجله أنثت .

فقال بعض نحويي البصرة : ألحقت الهاء في "المثابة" ، لما كثر من يثوب إليه ، كما يقال : "سيارة" لمن يكثر ذلك ، "ونسابة" .

وقال بعض نحويي الكوفة : بل "المثاب" و"المثابة" بمعنى واحد ، نظيره "المقام" و"المقامة" . و"المقام" ، ذكر - على قوله - لأنه يريد به الموضع الذي يقام فيه ، وأنثت "المقامة" ، لأنه أريد بها البقعة . وأنكر هؤلاء أن تكون"المثابة" ك"السيارة ، والنسابة" . وقالوا : إنما أدخلت الهاء في "السيارة والنسابة" تشبيها لها ب"الداعية" .

و"المثابة" "مفعلة" من "ثاب القوم إلى الموضع" ، إذا رجعوا إليه ، فهم يثوبون إليه مثابا ومثابة وثوابا . [ ص: 26 ]

فمعنى قوله : "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس" : وإذ جعلنا البيت مرجعا للناس ومعاذا ، يأتونه كل عام ويرجعون إليه ، فلا يقضون منه وطرا . ومن "المثاب" ، قول ورقة بن نوفل في صفة الحرم :


مثاب لأفناء القبائل كلها تخب إليه اليعملات الطلائح


ومنه قيل : "ثاب إليه عقله" ، إذا رجع إليه بعد عزوبه عنه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

1963 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا [ أبو عاصم قال : حدثنا ] عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "وإذ جعلنا البيت مثابة [ ص: 27 ] للناس" قال : لا يقضون منه وطرا .

1964 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

1965 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس " قال : يثوبون إليه ، لا يقضون منه وطرا .

1966 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس " قال : أما المثابة ، فهو الذي يثوبون إليه كل سنة ، لا يدعه الإنسان إذا أتاه مرة أن يعود إليه .

1967 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي ، قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس " قال : لا يقضون منه وطرا ، يأتونه ، ثم يرجعون إلى أهليهم ، ثم يعودون إليه .

1968 - حدثني عبد الكريم بن أبي عمير قال : حدثني الوليد بن مسلم قال : قال أبو عمرو : حدثني عبدة بن أبي لبابة في قوله : " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس " قال : لا ينصرف عنه منصرف وهو يرى أنه قد قضى منه وطرا .

1969 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الملك ، عن عطاء في قوله : " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس " قال : يثوبون إليه من كل مكان ، ولا يقضون منه وطرا .

1970 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عبد الملك ، عن عطاء مثله .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 317.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 311.78 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.91%)]