كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله - الصفحة 18 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4412 - عددالزوار : 850058 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3942 - عددالزوار : 386243 )           »          الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 65 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 56 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #171  
قديم 26-09-2022, 01:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (171)
صــــــــــ 187 الى صـــــــــــ193





[ ص: 187 ] مسألة إعطاء الجزية بعدما يؤسرون .

( قال الشافعي ) وإذا أسر الإمام قوما من أهل الكتاب وحوى نساءهم وذراريهم وأولادهم فسألوه تخليتهم وذراريهم ونساءهم على إعطاء الجزية لم يكن ذلك له في نسائهم ، ولا أولادهم ، ولا ما غلب من ذراريهم وأموالهم ، وإذا سألوه إعطاء الجزية في هذا الوقت لم يقبل ذلك منهم ; لأنهم صاروا غنيمة ، أو فيئا وكان له القتل والمن والفداء كما كان ذلك له في أحرار رجالهم البالغين خاصة ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد من وفادى وقتل أسرى الرجال وأذن الله عز وجل بالمن والفداء فيهم فقال : { فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء } .

( قال الشافعي ) ولو كان أسر أكثر الرجال وحوى أكثر النساء والذراري والأموال وبقيت منهم بقية لم يصل إلى أسرهم بامتناع في موضع ، أو هرب كان له وعليه أن يعطي الممتنعين أحد الجزية والأمان على أموالهم ونسائهم إن لم يكن أحرز من ذلك شيئا فإن أعطاهم ذلك مطلقا فكان قد أحرز من ذلك شيئا لم يكن له الوفاء به وكان عليه أن يقسم ما أحرز لهم وخيرهم بين أن يعطوا الجزية عن أنفسهم وما لم يحرز لهم أو ينبذ إليهم .
ولو جاء الإمام رسل بعض أهل الحرب فأجابهم إلى أمان من جاءوا عنده من بلد كذا وكذا على أخذ الجزية وخالف الرسل من غزا من المسلمين فافتتحوها وحووا بلادهم نظر فإن كان الأمان كان لهم قبل الفتح وقبل أن يحووا البلاد خلى سبيلهم وكانت لهم الذمة على ما أعطوا ، ولو أعطوا ذمة منتقصة خلى سبيلهم ونبذ إليهم ، وإن كان سباؤهم والغلبة على بلادهم كان قبل إعطاء الإمام إياهم ما أعطاهم مضى عليهم السباء وبطل ما أعطى الإمام ; لأنه أعطى الأمان من كان رقيقا وما له غنيمة ، أو فيئا كما لو أعطى قوما حووا أن يرد إليهم أموالهم لم يكن ذلك له .
مسألة إعطاء الجزية على سكنى بلد ودخوله .

( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { إنما المشركون نجس } الآية قال فسمعت بعض أهل العلم يقول المسجد الحرام الحرم .

( قال الشافعي ) وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا ينبغي لمسلم أن يؤدي الخراج ، ولا لمشرك أن يدخل الحرم } قال : وسمعت عددا من أهل العلم بالمغازي يروون أنه كان في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم { لا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم بعد عامهم هذا } فإن سأل أحد ممن تؤخذ منه الجزية أن يعطيها ويجري عليه الحكم على أن يترك يدخل الحرم بحال فليس للإمام أن يقبل منه على ذلك شيئا ، ولا أن يدع مشركا يطأ الحرم بحال من الحالات طبيبا كان أو صانعا بنيانا ، أو غيره لتحريم الله عز وجل دخول المشركين المسجد الحرام وبعده تحريم رسوله ذلك وإن سأل من تؤخذ منه الجزية أن يعطيها ويجري عليه الحكم على أن يسكن الحجاز لم يكن ذلك له والحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخالفيها كلها ; لأن تركهم بسكنى الحجاز منسوخ ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم استثنى على أهل خيبر حين عاملهم فقال : { أقركم ما أقركم الله } ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجلائهم من الحجاز ، ولا يجوز صلح ذمي على أن يسكن الحجاز بحال .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وأحب إلي أن لا يدخل الحجاز مشرك بحال لما وصفت من أمر النبي صلى الله عليه وسلم .
قال : ولا يبين لي أن يحرم أن يمر ذمي بالحجاز مارا لا يقيم ببلد منها أكثر من ثلاث ليال وذلك مقام مسافر ; لأنه قد يحتمل أمر النبي [ ص: 188 ] صلى الله عليه وسلم بإجلائهم عنها أن لا يسكنوها ويحتمل لو ثبت عنه { لا يبقين دينان بأرض العرب } لا يبقين دينان مقيمان ، ولولا أن عمر ولى الخراج أهل الذمة لما ثبت عنده من أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم محتمل ما رأى عمر من أن أجل من قدم من أهل الذمة تاجرا ثلاث لا يقيم فيها بعد ذلك لرأيت أن لا يصالحوا بدخولها بكل حال .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولا يتخذ ذمي شيئا من الحجاز دارا ، ولا يصالح على دخولها إلا مجتازا إن صولح أخبرنا يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإذا أذن لهم أن يدخلوا الحجاز فذهب لهم بها مال ، أو عرض بها شغل قيل لهم : وكلوا بها من شئتم من المسلمين وأخرجوا ، ولا يقيمون بها أكثر من ثلاث ، وأما مكة فلا يدخل الحرم أحد منهم بحال أبدا كان لهم بها مال ، أو لم يكن ، وإن غفل عن رجل منهم فدخلها فمرض أخرج مريضا ، أو مات أخرج ميتا ، ولم يدفن بها وإن مات منهم ميت بغير مكة دفن حيث يموت ، أو مرض فكان لا يطيق أن يحمل إلا بتلف عليه ، أو زيادة في مرضه ترك حتى يطيق الحمل ثم يحمل قال ، وإن صالح الإمام أحدا من أهل الذمة على شيء يأخذه في السنة منهم مما قلت لا يجوز الصلح عليه على أن يدفعوا إليه شيئا فيقبض ما حل عليهم فلا يرد منه شيئا ; لأنه قد وفى له بما كان بينه وبينه ، وإن علم بعد مضي نصف السنة نبذه إليهم مكانه وأعلم أن صلحهم لا يجوز وقال : إن رضيتم صلحا يجوز جددته لكم ، وإن لم ترضوه أخذت منكم ما وجب عليكم ، وهو نصف ما صالحتكم عليه في السنة ; لأنه قد تم لكم ونبذت إليكم ، وإن كانوا صالحوا على أن سلفوه شيئا لسنتين رد عليهم ما صالحوه عليه إلا قدر ما استحق بمقامهم ونبذ إليهم ، ولم أعلم أحدا أجلى أحدا من أهل الذمة من اليمن وقد كانت بها ذمة وليست بحجاز فلا يجليهم أحد من اليمن ، ولا بأس أن يصالحهم على مقامهم باليمن .

فأما سائر البلدان ما خلا الحجاز فلا بأس أن يصالحوا على المقام بها ، فإذا وقع لذمي حق بالحجاز وكل به ، ولم أحب أن يدخلها بحال ، ولا يدخلها لمنفعة لأهلها ، ولا غير ذلك من أسباب الدخول كتجارة يعطي منها شيئا ، ولا كراء يكريه مسلم ، ولا غيره فإن أمر بإجلائه من موضع ، فقد يمنع من الموضع الذي أجلي منه ، وهذا إذا فعل فليس في النفس منه شيء ، وإذا كان هذا هكذا فلا يتبين أن يمنعوا ركوب بحر الحجاز ويمنعون المقام في سواحله ، وكذلك إن كانت في بحر الحجاز جزائر وجبال تسكن منعوا سكناها ; لأنها من أرض الحجاز ، وإذا دخل الحجاز منهم رجل في هذه الحالة فإن كان تقدم إليه أدب وأخرج ، وإن لم يكن تقدم إليه لم يؤدب وأخرج ، وإن عاد أدب ، وإن مات منهم ميت في هذه الحال بمكة أخرج منها وأخرج من الحرم فدفن في الحل ، ولا يدفن في الحرم بحال ; لأن الله عز وجل قضى أن لا يقرب مشرك المسجد الحرام ، ولو أنتن أخرج من الحرم ولو دفن بها نبش ما لم ينقطع ، وإن مات بالحجاز دفن بها ، وإن مرض في الحرم أخرج فإن مرض بالحجاز يمهل بالإخراج حتى يكون محتملا للسفر فإن احتمله أخرج قال : وقد وصفت مقدمهم بالتجارات بالحجاز فيما يؤخذ منهم وأسأل الله التوفيق وأحب إلي أن لا يتركوا بالحجاز بحال لتجارة ولا غيرها .
[ ص: 189 ] كم الجزية ؟ .

( قال الشافعي ) قال : الله تبارك وتعالى { حتى يعطوا الجزية عن يد } وكان معقولا أن الجزية شيء يؤخذ في أوقات وكانت الجزية محتملة للقليل والكثير .

( قال الشافعي ) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد { فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم جزية أهل اليمن دينارا في كل سنة ، أو قيمته من المعافري } وهي الثياب ، وكذلك روي أنه أخذ من أهل أيلة ومن نصارى مكة دينارا عن كل إنسان ، قال : وأخذ الجزية من أهل نجران فيها كسوة ، ولا أدري ما غاية ما أخذ منهم ، وقد سمعت بعض أهل العلم من المسلمين ومن أهل الذمة من أهل نجران يذكر أن قيمة ما أخذ من كل واحد أكثر من دينار وأخذها من أكيدر ، ومن مجوس البحرين لا أدري كم غاية ما أخذ منهم ، ولم أعلم أحدا قط حكى عنه أنه أخذ من أحد أقل من دينار أخبرنا إبراهيم بن محمد قال : أخبرني إسماعيل بن أبي حكيم عن عمر بن عبد العزيز أن { النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن إن على كل إنسان منكم دينارا ، أو قيمته من المعافري } يعني أهل الذمة منهم أخبرني مطرف بن مازن وهشام بن يوسف بإسناد لا أحفظه غير أنه حسن أن { النبي صلى الله عليه وسلم فرض على أهل الذمة من أهل اليمن دينارا كل سنة } قلت لمطرف بن مازن فإنه يقال وعلى النساء أيضا فقال : ليس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من النساء ثابتا عندنا .

( قال الشافعي ) وسألت محمد بن خالد وعبد الله بن عمرو بن مسلم وعدة من علماء أهل اليمن فكل حكى عن عدد مضوا قبلهم كلهم ثقة أن صلح النبي صلى الله عليه وسلم لهم كان لأهل ذمة اليمن على دينار كل سنة ، ولا يثبتون أن النساء كن فيمن تؤخذ منه الجزية وقال : عامتهم ، ولم يأخذ من زروعهم ، وقد كانت لهم الزروع ، ولا من مواشيهم شيئا علمناه وقال لي : قد جاءنا بعض الولاة فخمس زروعهم ، أو أرادوها فأنكر ذلك عليه وكل من وصفت أخبرني أن عامة ذمة أهل اليمن من حمير .

( قال الشافعي ) سألت عددا كثيرا من ذمة أهل اليمن مفترقين في بلدان اليمن فكلهم أثبت لي - لا يختلف قولهم - أن معاذا أخذ منهم دينارا على كل بالغ وسموا البالغ الحالم قالوا كان في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم مع معاذ { إن على كل حالم دينارا } أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث أن { النبي صلى الله عليه وسلم ضرب على نصراني بمكة يقال له موهب دينارا كل سنة وأن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب على نصارى أيلة ثلاثمائة دينار كل سنة وأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثا ، ولا يغشوا مسلما } أخبرنا إبراهيم عن إسحاق بن عبد الله أنهم كانوا يومئذ ثلاثمائة فضرب النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلاثمائة دينار كل سنة .
( قال الشافعي ) : فإذا دعا من يجوز أن تؤخذ منه الجزية إلى الجزية على ما يجوز وبذل دينارا عن نفسه كل سنة لم يجز للإمام إلا قبوله منه ، وإن زاده على دينار ما بلغت الزيادة ، قلت أو كثرت جاز للإمام أخذها منه ; لأن اشتراط النبي صلى الله عليه وسلم على نصارى أيلة في كل سنة دينارا على كل واحد والضيافة زيادة على الدينار وسواء معسر البالغين من أهل الذمة وموسرهم بالغا ما بلغ يسره ; لأنا نعلم أنه إذا صالح أهل اليمن وهم عدد كثير على دينار على المحتلم في كل سنة أن منهم المعسر فلم يضع عنه وأن فيهم الموسر فلم يزد عليه فمن عرض دينارا موسرا كان أو معسرا قبل منه ، وإن عرض أقل منه لم يقبل منه ; لأن من صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نعلمه صالح على أقل من دينار قال : فالدينار أقل ما يقبل من أهل الذمة وعليه إن بذلوه قبوله منه عن كل واحد منهم ، وإن لم يزد ضيافة ، ولا شيئا يعطيه من ماله .
فإن صالح السلطان أحدا ممن يجوز أخذ الجزية منه ، وهو يقوى عليه على الأبدي على [ ص: 190 ] أقل من دينار ، أو على أن يضع عمن أعسر من أهل دينه الجزية ، أو على أن ينفق عليهم من بيت المال فالصلح فاسد وليس له أن يأخذ من أحد منهم إلا ما صالحه عليه إن مضت مدة بعد الصلح توجب عليه بشرطه شيئا وعليه أن ينبذ إليهم حتى يصالحوه صلحا جائزا ، وإن صالحوه صلحا جائزا على دينار ، أو أكثر فأعسر واحد منهم بجزيته فالسلطان غريم من الغرماء ليس بأحق بماله من غرمائه ، ولا غرمائه منه .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإن فلسه لأهل دينه قبل أن يحول الحول عليه ضرب مع غرمائه بحصة جزيته لما مضى عليه من الحول ، وإن قضاه الجزية دون غرمائه كان له ما لم يستعد عليه غرماؤه ، أو بعضهم ، فإذا استعدى عليه بعضهم فليس له أن يأخذ جزيته دونهم ; لأن عليه حين استعدى عليه أن يقف ماله إذا أقر به ، أو ثبت عليه ببينة فإن لم يستعد عليه كان له أخذ جزيته منه دونهم ; لأنه لم يثبت عليه حق عنده حين أخذ جزيته .
وإن صالح أحدا من أهل الذمة على ما يجوز له فغاب الذمي فله أخذ حقه من ماله ، وإن كان غائبا إذا علم حياته ، وإن لم يعلم حياته سأل وكيله ومن يقوم بماله عن حياته فإن قالوا : مات ، وقف ماله وأخذ ما استحق فيه إلى يوم يقولون مات فإن قالوا : حي ، وقف ماله إلا أن يعطوه متطوعين الجزية ، ولا يكون له أخذها من ماله ، وهو لا يعلم حياته إلا أن يعطوه إياها متطوعين ، أو يكون بعلم ورثته كلهم وأن لا وارث له غيرهم وأن يكونوا بالغين يجوز أمرهم في مالهم فيجيز عليهم إقرارهم على أنفسهم ; لأنه إن مات فهو مالهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، وإن أخذ الجزية من ماله لسنتين ثم ثبت عنده أنه مات قبلهما .

رد حصة ما لم يستحق وكان عليه أن يحاص الغرماء فإن كان ما يصيبه إذا حاصصهم في الجزية عليه أقل مما أخذ رده عليهم ، وإن كان ورثته بالغين جائزي الأمر فقالوا مات أمس وشهد شهود أنه مات عام أول فسأل الورثة الوالي أن يرد عليهم جزيته سنة لم يكن على الوالي أن يردها عليهم ; لأنهم يكذبون الشهود بسقوط الجزية عنه بالموت ، ولو جاءنا وارثان فصدق أحدهما الشهود وكذبهم الآخر فكانا كرجلين شهد لهما رجلان بحقين فصدقهما أحدهما ، ولم يصدقهما الآخر فتجوز شهادتهما للذي صدقهما وترد للذي كذبهما وكان على الإمام أن يرد نصف الدينار على الوارث الذي صدق الشهود ، ولا يرد على الذي كذب الشهود .
( قال الشافعي ) وإن أخذنا الجزية من أحد من أهلها فافتقر كان الإمام غريما من الغرماء ، ولم يكن له أن ينفق من مال الله عز وجل على فقير من أهل الذمة ; لأن مال الله عز وجل ثلاثة أصناف :

الصدقات فهي لأهلها الذين سمى الله عز وجل في سورة براءة ، والفيء فلأهله الذين سمى الله عز وجل في سورة الحشر ، والغنيمة فلأهلها الذين حضروها ، وأهل الخمس المسلمين في الأنفال وكل هؤلاء مسلم فحرام على الإمام والله تعالى أعلم أن يأخذ من حق أحد من المسلمين فيعطيه مسلما غيره فكيف بذمي لم يجعل الله تبارك وتعالى فيما تطول به على المسلمين نصيبا ؟ ألا ترى أن الذمي منهم يموت فلا يكون له وارث فيكون ماله للمسلمين دون أهل الذمة ; لأن الله عز وجل أنعم على المسلمين بتخويلهم ما لم يكونوا يتخولونه قبل تخويلهم وبأموال المشركين فيئا وغنيمة .
( قال الشافعي ) ويروون أن { النبي صلى الله عليه وسلم جعل على نصارى أيلة جزية دينار على كل إنسان } وضيافة من مر بهم من المسلمين وتلك زيادة على الدينار .

( قال الشافعي ) فإن بذل أهل الذمة أكثر من دينار بالغا ما بلغ كان الازدياد أحب إلي ، ولم يحرم على الإمام مما زادوه شيء ، وقد صالح عمر أهل الشام على أربعة دنانير وضيافة أخبرنا مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب ضرب الجزية على أهل المذهب أربعة دنانير ومع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام .

( قال الشافعي ) وقد روي أن عمر ضرب على أهل الورق ثمانية وأربعين وعلى أهل اليسر وعلى أهل الأوساط أربعة وعشرين [ ص: 191 ] وعلى من دونهم اثني عشر درهما ، وهذا في الدرهم أشبه بمذهب عمر بأنه عدل الدراهم في الدية اثني عشر درهما بدينار أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضر أن عمر بن الخطاب فرض على أهل السواد ضيافة يوم وليلة فمن حبسه مرض ، أو مطر أنفق من ماله .

( قال الشافعي ) وحديث أسلم ضيافة ثلاثة أيام أشبه ; لأن { رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الضيافة ثلاثا } ، وقد يكون جعلها على قوم ثلاثا وعلى قوم يوما وليلة ، ولم يجعل على آخرين ضيافة كما يختلف صلحه لهم فلا يرد بعض الحديث بعضا .
بلاد العنوة .

( قال الشافعي ) وإذا ظهر الإمام على بلاد أهل الحرب ونفى عنها أهلها ، أو ظهر على بلاد وقهر أهلها ، ولم يكن بين بلاد الحرب التي ظهر عليها وبين بلاد الإسلام مشرك ، أو كان بينه وبينهم مشركون لا يمنعون أهل الحرب الذين ظهروا على بلادهم وكان قاهرا لمن بقي محصورا ومناظرا له ، وإن لم يكن محصورا فسأله أولئك من العدو وأن يدع لهم أموالهم على شيء يأخذ منهم فيها ، أو منها قل أو كثر لم يكن ذلك له ; لأنها قد صارت بلاد المسلمين وملكا لهم ، ولم يجز له إلا قسمها بين أظهرهم كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فإنه ظهر عليها ، وهو في عدد المشركون من أهلها أكثر منهم وقربها مشركون من العرب غير يهود ، وقد أرادوا منعهم منه فلما بان له أنه قاهر قسم أموالهم كما يقسم ما أحرز في بلاد المسلمين وخمسها وسألوه وهم متحصنون منه لهم شوكة ثابتة أن يؤمنهم ، ولا يسبي ذراريهم فأعطاهم ذلك ; لأنه لم يظهر على الحصون ومن فيها فيملكها المسلمون ، ولم يعطهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ظهر عليه من الأموال إذ رأى أن لا قوة بهم على أن يبرزوا عن الحصون لمنع الأموال ، وكذلك لم يعطهم ذلك في حصن ظهر فيه بصفية بنت حيي وأختها وصارت في يديه ; لأنه ظهر عليه كما ظهر على الأموال ، ولم يكن لهم قوة على منعه إياه .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وهكذا كل ما ظهر عليه من قليل أموال المشركين ، أو كثيره أرض ، أو دار ، أو غيره لا يختلف ; لأنه غنيمة وحكم الله عز وجل في الغنيمة أن تخمس ، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأربعة الأخماس لمن أوجف عليها بالخيل والركاب .
وإن ظهر المسلمون على طرف من أطراف المشركين حتى يكون بهم قوة على منعه من المشركين ، وإن لم ينالوا المشركين فهو بلد عنوة يجب عليه قسمه وقسم أربعة أخماسه بين من أوجف عليه بخيل وركاب إن كان فيه عمارة ، أو كانت لأرضه قيمة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وكل ما وصفت أنه يجب قسمه فإن تركه الإمام ، ولم يقسمه فوقفه المسلمون أو تركه لأهله رد حكم الإمام فيه ; لأنه مخالف للكتاب ثم السنة معا ، فإن قيل : فأين ذكر ذلك في الكتاب ؟ قيل : قال الله عز وجل { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } الآية . { وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأربعة الأخماس على من أوجف عليه بالخيل والركاب من كل ما أوجف عليه من أرض ، أو عمارة ، أو مال } ، وإن تركها لأهلها أتبع أهلها بجميع ما كان في أيديهم من غلتها فاستخرج من أيديهم وجعل أجر مثلهم فيما قاموا عليه فيها وكان لأهلها أن يتبعوا الإمام بكل ما فات فيها ; لأنها أموالهم أفاتها .
قال : فإن ظهر الإمام على بلاد عنوة فخمسها ثم سأل أهل الأربعة الأخماس ترك حقوقهم منها فأعطوه ذلك طيبة به أنفسهم فله قبوله إن أعطوه إياه يضعه حيث يرى فإن [ ص: 192 ] تركوه كالوقف على المسلمين فلا بأس أن يقبله من أهله وغير أهله بما يجوز للرجل أن يقبل به أرضه وأحسب عمر بن الخطاب إن كان صنع هذا في شيء من بلاد العنوة إنما استطاب أنفس أهلها عنها فصنع ما وصفت فيها كما استطاب النبي صلى الله عليه وسلم أنفس من صار في يديه سبي هوازن بحنين فمن طاب نفسا رده ومن لم يطب نفسا لم يكرهه على أخذ ما في يديه .
بلاد أهل الصلح .

( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإذا غزا الإمام قوما فلم يظهر عليهم حتى عرضوا عليه الصلح على شيء من أرضهم ، أو شيء يؤدونه عن أرضهم فيه ما هو أكثر من الجزية ، أو مثل الجزية فإن كانوا ممن يؤخذ منهم الجزية وأعطوه ذلك على أن يجري عليهم الحكم فعليه أن يقبله منهم وليس له قبوله منهم إلا على أن يجري عليهم الحكم ، وإذا قبله كتب بينه وبينهم كتابا بالشرط بينهم واضحا يعمل به من جاء بعده وهذه الأرض مملوكة لأهلها الذين صالحوا عليها على ما صالحوا على أن يؤدوا عنها شيئا فهي مملوكة لهم على ذلك ، وإن هم صالحوه على أن للمسلمين من رقبة الأرض شيئا ، فإن المسلمين شركاؤهم في رقاب أرضهم بما صالحوهم عليه ، وإن صالحوا على أن الأرض لهم وعليهم أن يؤدوا كذا من الحنطة ، أو يؤدوا من كل ما زرعوا في الأرض كذا من الحنطة لم يجز حتى يستبين فيه ما وصفت فيمن صالح على صدقة ماله .

وإذا صالحوهم على أن الأرض كلها للمشركين فلا بأس أن يصالحهم على ذلك ويجعلوا عليهم خراجا معلوما إما شيء مسمى يضمنونه في أموالهم كالجزية وإما شيء مسمى يؤدى عن كل زرع من الأرض كذا من الحنطة ، أو غيرها إذا كان ذلك إذا جمع مثل الجزية ، أو أكثر ، ولا خير في أن يصالحوهم على أن الأرض كلها للمشركين وأنهم إن زرعوا شيئا من الأرض للمسلمين من كل جريب ، أو فدان زرعوه مكيلة معلومة ، أو جزء معلوم ; لأنهم قد يزرعون فلا ينبت ، أو يقل أو يكثر ، أو لا يزرعون ، ولا يكونون حينئذ صالحوه على جزية معلومة ، ولا أمر يحيط العلم أنه يأتي كأقل الجزية ، أو يجاوز ذلك وأهل الصلح أحرار إن لم يظهر عليهم ولهم بلادهم إلا ما أعطوه منها وعلى الإمام أن يخمس ما صالحوا عليه فيدفع خمسه إلى أهله وأربعة أخماسه إلى أهل الفيء فإن لم يفعل ضمن في ماله ما استهلك عليهم منه كما وصفت في بلاد العنوة وعلى الإمام أن يمنع أهل العنوة والصلح ; لأنهم أهل جزية كما وصفته يمنع أهل الجزية .
الفرق بين نكاح من تؤخذ منه الجزية وتؤكل ذبائحهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى حكم الله عز وجل في المشركين حكمان : فحكم أن يقاتل أهل الأوثان حتى يسلموا وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ، أو يسلموا قال : وأحل الله عز وجل نساء أهل الكتاب وطعامهم فقيل طعامهم ذبائحهم فاحتمل إحلال الله نكاح نساء أهل الكتاب وطعامهم كل أهل الكتاب وكل من دان دينهم واحتمل أن يكون أراد بذلك بعض أهل الكتاب دون بعض فكانت دلالة ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ما لا أعلم فيه مخالفا أنه أراد أهل التوراة والإنجيل من بني إسرائيل دون المجوس فكان في ذلك دلالة على أن بني إسرائيل المرادون بإحلال النساء والذبائح [ ص: 193 ] والله تعالى أعلم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولم أعلم مخالفا في أن لا تنكح نساء المجوس ، ولا تؤكل ذبائحهم فلما دل الإجماع على أن حكم أهل الكتاب حكمان وأن منهم من تنكح نساؤه وتؤكل ذبيحته ومنهم من لا تنكح نساؤه ، ولا تؤكل ذبيحته وذكر الله عز وجل نعمته على بني إسرائيل في غير موضع من كتابه وما آتاهم دون غيرهم من أهل دهرهم كان من دان دين بني إسرائيل قبل الإسلام من غير بني إسرائيل في غير معنى من بني إسرائيل أن ينكح ; لأنه لا يقع عليهم أهل الكتاب بأن آباءهم كانوا غير أهل الكتاب ومن غير نسب بني إسرائيل فلم يكونوا أهل كتاب إلا بمعنى لا أهل كتاب مطلق فلم يجز والله تعالى أعلم أن ينكح نساء أحد من العرب والعجم غير بني إسرائيل دان دين اليهود والنصارى بحال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن دينار عن سعد الجاري ، أو عبد الله بن سعيد مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب قال : ما نصارى العرب بأهل كتاب وما تحل لنا ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى يسلموا ، أو أضرب أعناقهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فمن كان من بني إسرائيل يدين دين اليهود والنصارى نكح نساؤه وأكلت ذبيحته ومن نكح نساؤه فسبي منهم أحد وطئ بالملك ومن دان دين بني إسرائيل من غيرهم لم تنكح نساؤه ، ولم تؤكل ذبيحته ، ولم توطأ أمته ، وإذا لم تنكح نساؤهم ، ولم توطأ منهم أمة بملك اليمين لم تنكح منهم امرأة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن كان الصابئون والسامرة من بني إسرائيل ودانوا دين اليهود والنصارى فلأصل التوراة ولأصل الإنجيل نكحت نساؤهم وأحلت ذبائحهم ، وإن خالفوهم في فرع من دينهم ; لأنهم فروع قد يختلفون بينهم ، وإن خالفوهم في أصل التوراة لم تؤكل ذبائحهم ولم تنكح نساؤهم .

( قال الشافعي ) وكل من كان من بني إسرائيل تؤكل ذبائحهم وتنكح نساؤهم بدينه اليهودية والنصرانية حل ذلك منه حيثما كان محاربا ، أو مهادنا ، أو معطيا للجزية لا فرق بين ذلك غير أني أكره للرجل النكاح ببلاد الحرب خوف الفتنة والسباء عليه وعلى ولده من غير أن يكون محرما والله تعالى أعلم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ومن ارتد من نساء اليهود إلى النصرانية أو من نساء النصارى إلى اليهودية أو رجالهم لم يقروا على الجزية ولم ينكح من ارتد عن أصل دين آبائه وكذلك إذا ارتدوا إلى مجوسية أو غيرها من الشرك لأنه إنما أخذ منهم على الإقرار على دينهم فإذا بدلوه بغير الإسلام حالت حالهم عما أخذ إذن بأخذ الجزية منهم عليه وأبيح من طعامهم ونسائهم .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #172  
قديم 26-09-2022, 01:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (172)
صــــــــــ 194 الى صـــــــــــ200






تبديل أهل الجزية دينهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أصل ما نبني عليه أن الجزية لا تقبل من أحد دان دين كتابي إلا أن يكون آباؤه ، أو هو دان ذلك الدين قبل نزول القرآن وتقبل من كل من يثبت على دينه ودين آبائه قبل نزول القرآن ما ثبتوا على الأديان التي أخذت الجزية منهم عليها فإن بدل يهودي دينه بنصرانية ، أو مجوسية أو نصراني دينه بمجوسية ، أو بدل مجوسي دينه بنصرانية أو انتقل أحد منهم من دينه إلى غير دينه من الكفر مما وصفت أو التعطيل ، أو غيره لم يقتل ; لأنه إنما يقتل من بدل دين الحق ، وهو الإسلام ، وقيل : إن رجعت إلى دينك أخذنا منك الجزية ، وإن أسلمت طرحنا عنك فيما يستقبل ونأخذ منك حصة [ ص: 194 ] الجزية التي لزمتك إلى أن أسلمت ، أو بدلت ، وإذا بدلت بغير الإسلام نبذنا إليك ونفيناك عن بلاد الإسلام ; لأن بلاد الإسلام لا تكون دار مقام لأحد إلا مسلم ، أو معاهد ، ولا يجوز أن نأخذ منك الجزية على غير الدين الذي أخذت منك أولا عليه ، ولو أجزنا هذا أجزنا أن يتنصر وثني اليوم ، أو يتهود أو يتمجس فنأخذ منه الجزية فيترك قتال الذين كفروا حتى يسلموا ، وإنما أذن الله عز وجل بأخذ الجزية منهم على ما دانوا به قبل محمد صلى الله عليه وسلم وذلك خلاف ما أحدثوا من الدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان له مالبالحجاز قيل : وكل به ولم يترك يقيم إلا ثلاثا ، وإن كان له بغير الحجاز لم يترك يقيم في بلاد الإسلام إلا بقدر ما يجمع ماله ، فإن أبطأ فأكثر ما يؤجل إلى الخروج من بلاد الإسلام أربعة أشهر ; لأنه أكثر مدة جعلها الله تعالى لغير الذميين من المشركين وأكثر مدة جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم قال : الله تبارك وتعالى { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين } قرأ الربيع إلى { غير معجزي الله } فأجلهم النبي صلى الله عليه وسلم ما أجلهم الله من أربعة أشهر .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإذا لحق بدار الحرب فعلينا أن نؤدي إليه ماله وليس لنا أن نغنمه بردته عن شرك إلى شرك لما سبق من الأمان له
فإن كانت له زوجة وولد كبار وصغار لم يبدلوا أديانهم أقرت الزوجة والولد الكبار والصغار في بلاد الإسلام ، وأخذ من ولده الرجال الجزية
وإن ماتت زوجته ، أو أم ولده ، ولم تبدل دينها وهي على دين يؤخذ من أهله الجزية أقر ولدها الصغار ;
وإن كانت بدلت دينها وهي حية معه أو بدلته ثم ماتت ، أو كانت وثنية له ولد صغار منها .

ففيهم قولان : أحدهما أن يخرجوا ; لأنه لا ذمة لأبيهم ، ولا أمهم يقرون بها في بلاد الإسلام . والثاني لا يخرجون لما سبق لهم من الذمة ، وإن بدلوا هم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا قلت في زوجته وولده الصغير وجاريته وعبده ومكاتبه ومدبره : أقره في بلاد الإسلام فأراد إخراجهم وكرهوه .

فليس ذلك له وآمره فيمن يجوز له بيعه من رقيقه أن يوكل به ، أو يبيعه وأوقف مالا إن وجدت له وأشهد عليه أنه ملكه للنفقة على أولاده الصغار وزوجته ومن تلزمه النفقة عليه ، وإن لم أجد له شيئا فلا ينشأ له وقف ونفيته بكل حال عن بلاد الإسلام إن لم يسلم ، أو يرجع إلى دينه الذي أخذت عليه منه الجزية .
وإذا مات قبل إخراجه .

ورثت ماله من كان يرثه قبل أن يبدل دينه ; لأن الكفر كله ملة واحدة ويورث الوثني الكتابي والمجوسي وبعض الكتابيين بعضا ، وإن اختلفوا كما الإسلام ملة .
جماع الوفاء بالنذر والعهد ونقضه .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى جماع الوفاء بالنذر وبالعهد كان بيمين ، أو غيرها في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } ، وفي قوله تعالى { يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا } ، وقد ذكر الله عز وجل الوفاء بالعقود بالأيمان في غير آية من كتابه ، منها قوله عز وجل { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } قرأ الربيع الآية وقوله { يوفون بعهد الله ، ولا ينقضون الميثاق } مع ما ذكر به الوفاء بالعهد .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وهذا من سعة لسان العرب الذي [ ص: 195 ] خوطبت به وظاهره عام على كل عقد ويشبه والله تعالى أعلم أن يكون أراد الله عز وجل أن يوفي بكل عقد نذر إذا كانت في العقد لله طاعة ، ولم يكن فيما أمر بالوفاء منها معصية .

فإن قال : قائل ما دل على ما وصفت والأمر فيه كله مطلق ؟ ومن أين كان لأحد أن ينقض عهدا بكل حال ؟ قيل : الكتاب ثم السنة { صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا بالحديبية على أن يرد من جاء منهم فأنزل الله تبارك وتعالى في امرأة جاءته منهم مسلمة { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن } } ففرض الله عز وجل عليهم أن لا ترد النساء ، وقد أعطوهم رد من جاء منهم وهن منهم فحبسهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله عز وجل { وعاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما من المشركين فأنزل الله عز وجل عليه { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين } } الآية . وأنزل { كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا } الآية . فإن قال : قائل كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل الحديبية ومن صالح من المشركين ؟ قيل : كان صلحه لهم طاعة لله ، إما عن أمر الله عز وجل بما صنع نصا ، وإما أن يكون الله تبارك وتعالى جعل له أن يعقد لمن رأى بما رأى ثم أنزل قضاءه عليه فصاروا إلى قضاء الله جل ثناؤه ونسخ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله بفعله بأمر الله وكل كان لله طاعة في وقته .

فإن قال قائل : وهل لأحد أن يعقد عقدا منسوخا ثم يفسخه ؟ قيل له أن يبتدئ عقدا منسوخا ، وإن كان ابتدأه فعليه أن ينقضه كما ليس له أن يصلي إلى بيت المقدس ثم يصلي إلى الكعبة ; لأن قبلة بيت المقدس قد نسخت .

ومن صلى إلى بيت المقدس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نسخها فهو مطيع لله عز وجل كالطاعة له حين صلى إلى الكعبة . وذلك أن قبلة بيت المقدس كانت طاعة لله قبل أن تنسخ ومعصية بعدما نسخت ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم تناهت فرائض الله عز وجل فلا يزاد فيها ، ولا ينقص منها فمن عمل منها بمنسوخ بعد علمه به فهو عاص وعليه أن يرجع عن المعصية ، وهذا فرق بين نبي الله وبين من بعده من الولاة في الناسخ والمنسوخ ، وفي كل ما وصفت دلالة على أن ليس للإمام أن يعقد عقدا غير مباح له وعلى أن عليه إذا عقده أن يفسخه ثم تكون طاعة الله في نقضه ، فإن قيل : فما يشبه هذا ؟ قيل له : هذا مثل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه } { وأسر المشركون امرأة من الأنصار وأخذوا ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فانطلقت الأنصارية على ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فنذرت إن نجاها الله عز وجل عليها أن تنحرها فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : لا نذر في معصية ، ولا فيما لا يملك ابن آدم } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى يعني والله تعالى أعلم لا نذر يوفى به فلما دلت السنة على إبطال النذر فيما يخالف المباح من طاعة الله عز وجل دل على إبطاله العقود في خلاف ما يباح من طاعة الله جل وعز ، ألا ترى أن نحر الناقة لم يكن معصية لو كانت لها فلما كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنذرت نحرها كان نحرها معصية بغير إذن مالكها فبطل عنها عقد النذر ، وقال الله تبارك وتعالى في الأيمان { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين } وقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه } فأعلم أن طاعة الله عز وجل أن لا يفي باليمين إذا رأى غيرها خيرا منها وأن يكفر بما فرض الله عز وجل من الكفارة وكل هذا يدل على أنه إنما يوفى بكل عقد نذر وعهد لمسلم ، أو مشرك كان مباحا لا معصية لله عز وجل فيه فأما ما فيه لله معصية فطاعة الله تبارك وتعالى في نقضه إذا مضى ، ولا ينبغي للإمام أن يعقده .
[ ص: 196 ] جماع نقض العهد بلا خيانة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين } .

( قال الشافعي ) نزلت في أهل هدنة بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عنهم شيء استدل به على خيانتهم .

( قال الشافعي ) فإذا جاءت دلالة على أن لم يوف أهل هدنة بجميع ما هادنهم عليه فله أن ينبذ إليهم ، ومن قلت له أن ينبذ إليه فعليه أن يلحقه بمأمنه ثم له أن يحاربه كما يحارب من لا هدنة له .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن قال الإمام : أخاف خيانة قوم ، ولا دلالة له على خيانتهم من خبر ، ولا عيان فليس له - والله تعالى أعلم - نقض مدتهم إذا كانت صحيحة ; لأن معقولا أن الخوف من خيانتهم الذي يجوز به النبذ إليهم لا يكون إلا بدلالة على الخوف ، ألا ترى أنه لو لم يكن بما يخطر على القلوب قبل العقد لهم ومعه وبعده من أن يخطر عليها أن يخونوا ، فإن قال قائل فما يشبهه ؟ قيل : قول الله عز وجل { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع } فكان معلوما أن الرجل إذا عقد على المرأة النكاح ، ولم يرها ، فقد يخطر على باله أن تنشز منه بدلالة ومعقولا عنده أنه إذا أمره بالعظة والهجر والضرب لم يؤمر به إلا عند دلالة النشوز وما يجوز به من بعلها ما أتيح له فيها .
نقض العهد .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا وادع الإمام قوما مدة ، أو أخذ الجزية من قوم فكان الذي عقد الموادعة والجزية عليهم رجلا ، أو رجالا منهم لم تلزمهم حتى نعلم أن من بقي منهم قد أقر بذلك ورضيه ، وإذا كان ذلك فليس لأحد من المسلمين أن يتناول لهم مالا ودما ، فإن فعل حكم عليه بما استهلك ما كانوا مستقيمين ، وإذا نقض الذين عقدوا الصلح عليهم ، أو نقضت منهم جماعة بين أظهرهم فلم يخالفوا الناقض بقول ، أو فعل ظاهر قبل أن يأتوا الإمام ، أو يعتزلوا بلادهم ويرسلوا إلى الإمام إنا على صلحنا ، أو يكون الذين نقضوا خرجوا إلى قتال المسلمين ، أو أهل ذمة للمسلمين فيعينون المقاتلين ، أو يعينون على من قاتلهم منهم فللإمام أن يغزوهم ، فإذا فعل فلم يخرج منهم إلى الإمام خارج مما فعله جماعتهم فللإمام قتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم كانوا في وسط دار الإسلام ، أو في بلاد العدو .

وهكذا { فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة عقد عليهم صاحبهم الصلح بالمهادنة فنقض ، ولم يفارقوه فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقر دارهم وهي معه بطرف المدينة فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وغنم أموالهم } وليس كلهم اشترك في المعونة على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولكن كلهم لزم حصنه فلم يفارق الغادرين منهم إلا نفر فحقن ذلك دماءهم وأحرز عليهم ، وكذلك إن نقض رجل منهم فقاتل للإمام قتال جماعتهم كما كان يقاتلهم قبل الهدنة روي أنه قد { أعان على خزاعة وهم في عقد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من قريش فشهدوا قتالهم فغزا النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 197 ] قريشا عام الفتح بغدر النفر الثلاثة وترك الباقون معونة خزاعة } ، فإن خرج منهم خارج بعد مسير الإمام والمسلمين إليهم إلى المسلمين مسلما أحرز له الإسلام ماله ونفسه وصغار ذريته ، وإن خرج منهم خارج فقال : أنا على الهدنة التي كانت وكانوا أهل هدنة لا أهل جزية وذكر أنه لم يكن ممن غدر ، ولا أعان قبل قوله إذا لم يعلم الإمام غير ما قال فإن علم الإمام غير ما قال نبذ إليه ورده إلى مأمنه ثم قاتله وسبى ذريته وغنم ماله إن لم يسلم ، أو يعط الجزية إن كان من أهلها ، فإن لم يعلم غير قوله وظهر منه ما يدل على خيانته وختره ، أو خوف ذلك منه نبذ إليه الإمام وألحقه بمأمنه ثم قاتله لقول الله عز وجل { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى نزلت والله تعالى أعلم في قوم أهل مهادنة لا أهل جزية ، وسواء ما وصفت فيمن تؤخذ منه الجزية ، أو لا تؤخذ إلا أن من لا تؤخذ منه الجزية إذا عرض الجزية لم يكن للإمام أخذها منه على الأبد وأخذها منه إلى مدة ، قال : وإن أهل الجزية ليخالفون غير أهل الجزية في أن يخاف الإمام غدر أهل الجزية فلا يكون له أن ينبذ إليهم بالخوف والدلالة كما ينبذ إلى غير أهل الجزية حتى ينكشفوا بالغدر ، أو الامتناع من الجزية أو الحكم .
وإذا كان أهل الهدنة ممن يجوز أن تؤخذ منهم الجزية فخيف خيانتهم نبذ إليهم ، فإن قالوا : نعطي الجزية على أن يجري علينا الحكم لم يكن للإمام إلا قبولها منهم
وللإمام أن يغزو دار من غدر من ذي هدنة ، أو جزية يغير عليهم ليلا ونهارا ويسبيهم إذا ظهر الغدر والامتناع منهم ، فإن تميزوا ، أو يخالفهم قوم فأظهروا الوفاء وأظهر قوم الامتناع كان له غزوهم ، ولم يكن له الإغارة على جماعتهم ، وإذا قاربهم دعا أهل الوفاء إلى الخروج فإن خرجوا وفى لهم وقاتل من بقي منهم فإن لم يقدروا على الخروج كان له قتل الجماعة ويتوقى أهل الوفاء فإن قتل منهم أحدا لم يكن فيه عقل ، ولا قود ; لأنه بين المشركين ، وإذا ظهر عليهم ترك أهل الوفاء فلا يغنم لهم مالا ، ولا يسفك لهم دما ، وإذا اختلطوا فظهر عليهم فادعى كل أنه لم يغدر ، وقد كانت منهم طائفة اعتزلت أمسك عن كل من شك فيه فلم يقتله ، ولم يسب ذريته ، ولم يغنم ماله وقتل وسبى ذرية من علم أنه غدر ، وغنم ماله .
ما أحدث الذين نقضوا العهد .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا وادع الإمام قوما فأغاروا على قوم موادعين ، أو أهل ذمة ، أو مسلمين فقتلوا ، أو أخذوا أموالهم قبل أن يظهروا نقض الصلح فللإمام غزوهم وقتلهم وسباؤهم ، وإذا ظهر عليهم ألزمهم بمن قتلوا وجرحوا وأخذوا ماله الحكم كما يلزم أهل الذمة من عقل وقود وضمان قال : وإن نقضوا العهد وآذنوا الإمام بحرب ، أو أظهروا نقض العهد ، وإن لم يأذنوا الإمام بحرب إلا أنهم قد أظهروا الامتناع في ناحيتهم ثم أغاروا ، أو أغير عليهم فقتلوا ، أو جرحوا وأخذوا المال حوربوا وسبوا وقتلوا ، فإن ظهر عليهم ففيها قولان : أحدهما لا يكون عليهم قود في دم ، ولا جرح وأخذ منهم ما وجد عندهم من مال بعينه ، ولم يضمنوا ما هلك من المال ومن قال : هذا قال : إنما فرقت بين هذا ، وقد حكم الله عز [ ص: 198 ] وجل بين المؤمنين بالقود وزعمت أنك تحكم بين المعاهدين به ويجري على المعاهدين ما يجري على المؤمنين . قلت استدلالا بالسنة في أهل الحرب وقياسا عليهم ثم ما لم أعلم فيه مخالفا .

فإن قال فأين ؟ قلت : قتل وحشي حمزة بن عبد المطلب يوم أحد ووحشي مشرك ، وقتل غير واحد من قريش غير واحد من المسلمين ثم أسلم بعض من قتل فلم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على قاتل منهم قودا وأحسب ذلك لقول الله عز وجل { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } يقال نزلت في المحاربين من المشركين فكان المحاربون من المشركين خارجين من هذا الحكم وما وصفت من دلالة السنة ثم أسلم طليحة وغيره ثم ارتدوا وقتل طليحة وأخوه ثابت بن أفرم وعكاشة بن محصن بعدما أظهر طليحة وأخوه الشرك فصارا من أهل الحرب والامتناع .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى { ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم يهوديين موادعين زنيا بأن جاءوه ونزل عليه { فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } } فلم يجز إلا أن يحكم على كل ذمي وموادع في مال مسلم ومعاهد أصابه بما أصاب ما لم يصر إلى إظهار المحاربة ، فإذا صار إليها لم يحكم عليه بما أصاب بعد إظهارها والامتناع كما لم يحكم على من صار إلى الإسلام ثم رجع عنه بما فعل في المحاربة والامتناع مثل طليحة وأصحابه ، فإذا أصابوا وهم في دار الإسلام غير ممتنعين شيئا فيه حق لمسلم أخذ منه ، وإن امتنعوا بعده لم يزدهم الامتناع خيرا وكانوا في غير حكم الممتنعين ثم ينالون بعد الامتناع دما ومالا أولئك إنما نالوه بعد الشرك والمحاربة وهؤلاء نالوه قبل المحاربة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أن مسلما قتل ثم ارتد وحارب ثم ظهر عليه وتاب كان عليه القود ، وكذلك ما أصاب من مال مسلم ، أو معاهد شيئا ، وكذلك ما أصاب المعاهد والموادع لمسلم ، أو غيره ممن يلزم أن يؤخذ له ، ويخالف المعاهد المسلم فيما أصاب من حدود الله عز وجل فلا تقام على المعاهدين حتى يأتوا طائعين ، أو يكون فيه سبب حق لغيرهم فيطلبه ، وهكذا حكمهما معاهدين قيل : يمتنعان ، أو ينقضان .

والقول الثاني : أن الرجل إذا أسلم ، أو القوم إذا أسلموا ثم ارتدوا وحاربوا أو امتنعوا وقتلوا ثم ظهر عليهم أقيد منهم في الدماء والجراح وضمنوا الأموال تابوا أو لم يتوبوا ، ومن قال : هذا قال ليسوا كالمحاربين من الكفار ; لأن الكفار إذا أسلموا غفر لهم ما قد سلف وهؤلاء إذا ارتدوا حبطت أعمالهم فلا تطرح عنهم الردة شيئا كان يلزمهم لو فعلوه مسلمين بحال من دم ، ولا قود ، ولا مال ، ولا حد ، ولا غيره ومن قال : هذا قال : لعله لم يكن في الردة قاتل يعرف بعينه ، أو كان فلم يثبت ذلك عليه ، أو لم يطلبه ولاة الدم .

( قال الربيع ) : وهذا عندي أشبههما بقوله عندي في موضع آخر وقال : في ذلك إن لم تزده الردة شرا لم تزده خيرا ; لأن الحدود عليهم قائمة فيما نالوه بعد الردة .
ما أحدث أهل الذمة الموادعون مما لا يكون نقضا .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أخذت الجزية من قوم فقطع قوم منهم الطريق ، أو قاتلوا رجلا مسلما فضربوه ، أو ظلموا مسلما ، أو معاهدا ، أو زنى منهم زان أو أظهر فسادا في مسلم ، أو معاهد حد فيما فيه الحد وعوقب عقوبة منكلة فيما فيه العقوبة ، ولم يقتل إلا بأن يجب عليه القتل ، ولم يكن هذا نقضا للعهد يحل دمه ، ولا يكون النقض للعهد إلا بمنع الجزية ، أو الحكم بعد الإقرار والامتناع بذلك ، ولو قال : [ ص: 199 ] أؤدي الجزية ، ولا أقر بحكم نبذ إليه ، ولم يقاتل على ذلك مكانه وقيل : قد تقدم لك أمان بأدائك للجزية وإقرارك بها ، وقد أجلناك في أن تخرج من بلاد الإسلام ، ثم إذا خرج فبلغ مأمنه قتل إن قدر عليه ، وإن كان عينا للمشركين على المسلمين يدل على عوراتهم عوقب عقوبة منكلة ، ولم يقتل ولم ينقض عهده ، وإن صنع بعض ما وصفت من هذا ، أو ما في معناه موادع إلى مدة نبذ إليه ، فإذا بلغ مأمنه قوتل إلا أن يسلم ، أو يكون ممن تقبل منه الجزية فيعطيها لقول الله عز وجل { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء } الآية .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وأمر في الذين لم يخونوا أن يتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم في قوله { إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ، ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم } الآية .
المهادنة .

( قال الشافعي ) فرض الله عز وجل قتال غير أهل الكتاب حتى يسلموا وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية وقال : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } فهذا فرض الله على المسلمين قتال الفريقين من المشركين وأن يهادنوهم ، وقد كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتال كثير من أهل الأوثان بلا مهادنة إذا انتاطت دورهم عنهم مثل بني تميم وربيعة وأسد ، وطيء حتى كانوا هم الذين أسلموا وهادن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا ووادع حين قدم المدينة يهودا على غير ما خرج أخذه منهم .

( قال الشافعي ) وقتال الصنفين من المشركين فرض إذا قوي عليهم وتركه واسع إذا كان بالمسلمين عنهم أو عن بعضهم ضعف ، أو في تركهم للمسلمين نظر للمهادنة وغير المهادنة ، فإذا قوتلوا ، فقد وصفنا السيرة فيهم في موضعها .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، وإذا ضعف المسلمون عن قتال المشركين ، أو طائفة منهم لبعد دارهم ، أو كثرة عددهم أو خلة بالمسلمين ، أو بمن يليهم منهم جاز لهم الكف عنهم ومهادنتهم على غير شيء يأخذونه من المشركين ، وإن أعطاهم المشركون شيئا قل أو كثر كان لهم أخذه ، ولا يجوز أن يأخذوه منهم إلا إلى مدة يرون أن المسلمين يقوون عليها إذا لم يكن فيه وفاء بالجزية ، أو كان فيه وفاء ، ولم يعطوا أن يجري عليهم الحكم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولا خير في أن يعطيهم المسلمون شيئا بحال على أن يكفوا عنهم ; لأن القتل للمسلمين شهادة وأن الإسلام أعز من أن يعطي مشرك على أن يكف عن أهله ; لأن أهله قاتلين ومقتولين ظاهرون على الحق إلا في حال واحدة وأخرى أكثر منها وذلك أن يلتحم قوم من المسلمين فيخافون أن يصطلحوا لكثرة العدو وقلتهم وخلة فيهم فلا بأس أن يعطوا في تلك الحال شيئا من أموالهم على أن يتخلصوا من المشركين ; لأنه من معاني الضرورات يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها ، أو يؤسر مسلم فلا يخلى إلا بفدية فلا بأس أن يفدى ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلا من أصحابه أسره العدو برجلين ، أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلا برجلين } .
المهادنة على النظر للمسلمين .

( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : { قامت الحرب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 200 ] وقريش ثم أغارت سراياه على أهل نجد حتى توقى الناس لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفا للحرب دونه من سراياه وإعداد من يعد له من عدوه بنجد فمنعت منه قريش أهل تهامة ومنع أهل نجد منه أهل نجد المشرق ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة الحديبية في ألف وأربعمائة فسمعت به قريش فجمعت له وجدت على منعه ولهم جموع أكثر ممن خرج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتداعوا الصلح فهادنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مدة ، ولم يهادنهم على الأبد } ; لأن قتالهم حتى يسلموا فرض إذا قوي عليهم وكانت الهدنة بينه وبينهم عشر سنين ونزل عليه في سفره في أمرهم { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } قال ابن شهاب فما كان في الإسلام فتح أعظم منه كانت الحرب قد أحرجت الناس فلما أمنوا لم يتكلم بالإسلام أحد يعقل إلا قبله فلقد أسلم في سنين من تلك الهدنة أكثر ممن أسلم قبل ذلك ثم نقض بعض قريش ، ولم ينكر عليه غيره إنكارا يعتد به عليه ، ولم يعتزل داره فغزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح مخفيا لوجهه ليصيب منهم غرة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وكانت هدنة قريش نظرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين للأمرين اللذين وصفت من كثرة جمع عدوهم وجدهم على قتاله ، وإن أرادوا الدخول عليهم وفراغه لقتال غيرهم وأمن الناس حتى دخلوا في الإسلام قال : فأحب للإمام إذا نزلت بالمسلمين نازلة وأرجو أن لا ينزلها الله عز وجل بهم إن شاء الله تعالى مهادنة يكون النظر لهم فيها ، ولا يهادن إلا إلى مدة ، ولا يجاوز بالمدة مدة أهل الحديبية كانت النازلة ما كانت فإن كانت بالمسلمين قوة قاتلوا المشركين بعد انقضاء المدة فإن لم يقو الإمام فلا بأس أن يجدد مدة مثلها أو دونها ، ولا يجاوزها من قبل أن القوة للمسلمين والضعف لعدوهم قد يحدث في أقل منها ، وإن هادنهم إلى أكثر منها فمنتقضة ; لأن أصل الفرض قتال المشركين حين يؤمنوا ، أو يعطوا الجزية ، فإن الله عز وجل أذن بالهدنة فقال : { إلى الذين عاهدتم من المشركين } وقال تبارك وتعالى { إلا الذين عاهدتم } فلما لم يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدة أكثر من مدة الحديبية لم يجز أن يهادن إلا على النظر للمسلمين ، ولا تجاوز .

( قال ) وليس للإمام أن يهادن القوم من المشركين على النظر إلى غير مدة هدنة مطلقة ، فإن الهدنة المطلقة على الأبد وهي لا تجوز لما وصفت ، ولكن يهادنهم على أن الخيار إليه حتى إن شاء أن ينبذ إليهم فإن رأى نظرا للمسلمين أن ينبذ فعل ، فإن قال : قائل فهل لهذه المدة أصل ؟ قيل : نعم { افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال خيبر عنوة وكانت رجالها وذراريها إلا أهل حصن واحد صلحا فصالحوه على أن يقرهم ما أقرهم الله عز وجل ويعملون له وللمسلمين بالشطر من الثمر } .

فإن قيل : ففي هذا نظر للمسلمين ؟ قيل : نعم كانت خيبر وسط مشركين وكانت يهود أهلها مخالفين للمشركين وأقوياء على منعها منهم وكانت وبئة لا توطأ إلا من ضرورة فكفوهم المؤنة ، ولم يكن بالمسلمين كثرة فينزلها منهم من يمنعها فلما كثر المسلمون { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجلاء اليهود عن الحجاز } فثبت عند عمر ذلك فأجلاهم ، فإذا أراد الإمام أن يهادنهم إلى غير مدة هادنهم على أنه إذا بدا له نقض الهدنة فذلك إليه وعليه أن يلحقهم بما منهم . فإن قيل : فلم لا يقول ما أقركم الله عز وجل ؟ قيل : للفرق بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن أمر الله عز وجل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي ، ولا يأتي أحدا غيره بوحي .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومن جاء من المشركين يريد الإسلام فحق على الإمام أن يؤمنه حتى يتلو عليه كتاب الله عز وجل ويدعوه إلى الإسلام بالمعنى الذي يرجو أن يدخل الله عز وجل به عليه الإسلام لقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم { ، وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه } الآية .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #173  
قديم 26-09-2022, 01:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (173)
صــــــــــ 201 الى صـــــــــــ207





( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ومن قلت ينبذ إليه [ ص: 201 ] أبلغه مأمنه وإبلاغه مأمنه أن يمنعه من المسلمين والمعاهدين ما كان في بلاد الإسلام ، أو حيث يتصل ببلاد الإسلام وسواء قرب ذلك أم بعد .

( قال الشافعي ) ثم أبلغه مأمنه : يعني والله تعالى أعلم منك أو ممن يقتله على دينك ممن يطيعك لا أمانه من غيرك من عدوك وعدوه الذي لا يأمنه ، ولا يطيعك ، فإذا أبلغه الإمام أدنى بلاد المشركين شيئا ، فقد أبلغه مأمنه الذي كلف إذا أخرجه سالما من أهل الإسلام ومن يجري عليه حكم الإسلام من أهل عهدهم فإن قطع به بلادنا ، وهو أهل الجزية كلف المشي ورد إلا أن يقيم على إعطاء الجزية قبل منه ، وإن كان ممن لا يجوز فيه الجزية يكلف المشي ، أو حمل ، ولم يقر ببلاد الإسلام وألحق بمأمنه ، وإن كانت عشيرته التي يأمن فيها بعيدة فأراد أن يبلغ أبعد منها لم يكن ذلك على الإمام ، وإن كان له مأمنان فعلى الإمام إلحاقه بحيث كان يسكن منهما ، وإن كان له بلدا شرك كان يسكنهما معا ألحقه الإمام بأيهما شاء الإمام ، ومتى سأل أن يجيره حتى يسمع كلام الله ثم يبلغه مأمنه وغيره من المشركين كان ذلك فرضا على الإمام ، ولو لم يجاوز به موضعه الذي استأمنه منه رجوت أن يسعه .
مهادنة من يقوى على قتاله .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا سأل قوم من المشركين مهادنة فللإمام مهادنتهم على النظر للمسلمين رجاء أن يسلموا أو يعطوا الجزية بلا مؤنة وليس له مهادنتهم إذا لم يكن في ذلك نظر وليس له مهادنتهم على النظر على غير الجزية أكثر من أربعة أشهر لقول الله عز وجل { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين } إلى قوله { أن الله بريء من المشركين ورسوله } الآية وما بعدها .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى { لما قوي أهل الإسلام أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك { براءة من الله ورسوله } فأرسل بهذه الآيات مع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فقرأها على الناس في الموسم وكان فرضا أن لا يعطي لأحد مدة بعد هذه الآيات إلا أربعة أشهر } ; لأنها الغاية التي فرضها الله عز وجل قال : { وجعل النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية بعد فتح مكة بسنين أربعة أشهر } لم أعلمه زاد أحدا بعد أن قوي المسلمون على أربعة أشهر .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فقيل : كان الذين عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم قوما موادعين إلى غير مدة معلومة فجعلها الله عز وجل أربعة أشهر ثم جعلها رسوله كذلك وأمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في قوم عاهدهم إلى مدة قبل نزول الآية أن يتم إليهم عهدهم إلى مدتهم ما استقاموا له ومن خاف منه خيانة نبذ إليه فلم يجز أن يستأنف مدة بعد نزول الآية وبالمسلمين قوة إلى أكثر من أربعة أشهر لما وصفت من فرض الله عز وجل فيهم وما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ولا أعرف كم كانت مدة النبي صلى الله عليه وسلم ومدة من أمر أن يتم إليه عهده إلى مدته قال ويجعل الإمام المدة إلى أقل من أربعة أشهر إن رأى ذلك وليس بلازم له أن يهادن بحال إلا على النظر للمسلمين ويبين لمن هادن ويجوز له في النظر لمن رجا إسلامه ، وإن تكن له شوكة أن يعطيه مدة أربعة أشهر إذا خاف إن لم يفعل أن يلحق بالمشركين ، وإن ظهر على بلاده ، فقد صنع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بصفوان حين خرج هاربا إلى اليمن من الإسلام ثم [ ص: 202 ] أنعم الله عز وجل عليه بالإسلام من قبل أن تأتي مدته ومدته أشهر .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن جعل الإمام لمن قلت ليس له أن يجعل له مدة أكثر من أربعة أشهر فعليه أن ينبذ إليه لما وصفت من أن ذلك لا يجوز له ويوفيه المدة إلى أربعة أشهر لا يزيده عليها ، وليس له إذا كانت مدة أكثر من أربعة أشهر أن يقول لا أفي لك بأربعة أشهر ; لأن الفساد إنما هو فيما جاوز الأربعة الأشهر .
جماع الهدنة على أن يرد الإمام من جاء بلده مسلما ، أو مشركا .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ذكر عدد من أهل العلم بالمغازي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هادن قريشا عام الحديبية على أن يأمن بعضهم بعضا وأن من جاء قريشا من المسلمين مرتدا لم يردوه عليه ومن جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة منهم رده عليهم ، ولم يعطهم أن يرد عليهم من خرج منهم مسلما إلى غير المدينة في بلاد الإسلام والشرك ، وإن كان قادرا عليه } ، ولم يذكر أحد منهم أنه أعطاهم في مسلم غير أهل مكة شيئا من هذا الشرط وذكروا أنه أنزل عليه في مهادنتهم { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } فقال بعض المفسرين : قضينا لك قضاء مبينا فتم الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة على هذا حتى جاءته أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مسلمة مهاجرة فنسخ الله عز وجل الصلح في النساء وأنزل الله تبارك وتعالى { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن } الآية كلها وما بعدها .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ويجوز للإمام من هذا ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل في الرجال دون النساء ; لأن الله عز وجل نسخ رد النساء إن كن في الصلح ومنع أن يرددن بكل حال ، فإذا صالح الإمام على مثل ما صالح عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية صالح على أن لا يمنع الرجال دون النساء للرجال من أهل دار الحرب إذا جاء أحد من رجال أهل دار الحرب إلى منزل الإمام نفسه وجاء من يطلبه من أوليائه خلى بينه وبينهم بأن لا يمنعه من الذهاب به وأشار على من أسلم أن لا يأتي منزله وأن يذهب في الأرض ، فإن أرض الله عز وجل واسعة فيها مراغم كثيرة ، وقد { كان أبو بصير لحق بالعيص مسلما ولحقت به جماعة من المسلمين فطلبوهم من النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنما أعطيناكم أن لا نؤيهم ثم لا نمنعكم منهم إذا جئتم ونتركهم ينالون من المشركين ما شاءوا } .

( قال الشافعي ) رحمه الله وإذا صالح الإمام على أن يبعث إليهم بمن كان يقدر على بعثه منهم ممن لم يأته لم يجز الصلح ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث إليهم منهم بأحد ، ولم يأمر أبا بصير ، ولا أصحابه بإتيانهم ، وهو يقدر على ذلك ، وإنما معنى رددناه إليكم لم نمنعه كما نمنع غيره ، وإذا صالحهم على أن لا يمنعهم من نساء مسلمات جئنه لم يجز الصلح وعليه منعهم منهن ; لأنهن إن لم يكن دخلن في الصلح بالحديبية فليس له أن يصالح على هذا فيهن ، وإن كن دخلن فيه ، فقد حكم الله عز وجل أن لا ترجعوهن إلى الكفار ومنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جاءه من النساء وهكذا من جاءه من معتوه ، أو صبي هاربا منهم لم تكن له التخلية بينه وبينهم ; لأنهما يجامعان النساء في أن لا يمنعا معا ويزيدان على النساء أن لا يعرفا ثوابا في أن ينال منهما المشركون شيئا ، ولا يرد إليهم في صبي ، ولا في معتوه شيئا كما لا يرد إليهم في النساء غير المتزوجات شيئا ; لأن الرد إنما هو في المتزوجات .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومن جاءه من عبيدهم مسلما لم يرده إليهم وأعتقه [ ص: 203 ] بخروجه إليه ، وفي إعطائهم القيمة قولان أحدهما أن يعطوها ذكرا ، أو أنثى ; لأن رقيقهم ليس منهم ولهم حرمة الإسلام . فإن قال : قائل فكيف لا يكون منهم ؟ قيل : فإن الله عز وجل يقول { وأشهدوا ذوي عدل منكم } فلم يختلف المسلمون أنها على الأحرار دون المماليك ذوي العدل ، ولا يقال : لرقيق الرجل هم منك إنما يقال هم مالك ، وإنما يرد عليهم القيمة بأنهم إذا صولحوا أمنوا على أموالهم ولهم أمان فلما حكم الله عز وجل بأن يرد نفقة الزوجة ; لأنها فائتة حكم بأن يرد قيمة المملوك ; لأنه فائت . وما رددنا عليهم فيه من النفقة . قلنا أن نأخذ منهم إذا فات المسلمين إليهم مثله وما لم نعطهم فيه شيئا من الأحرار الرجال ، أو غير ذوات الأزواج لم نأخذ منهم شيئا إذا فات المسلمين إليهم مثله ; لأن الله عز وجل إنما حكم بأن يرد إليهم العوض في الموضع الذي حكم للمسلمين بأن يأخذوا منهم مثله .

والقول الثاني : لا يرد إليهم قيمة ، ولا يأخذ منهم فيمن فات إليهم من رقيق عينا ، ولا قيمة ; لأن رقيقهم ليسوا منهم ، ولا يجوز للإمام إذا لم يصالح القوم إلا على ما وصفت أن يمكنهم من مسلم كان أسيرا في أيديهم فانفلت منهم ، ولا يقضي لهم عليه بشيء ، ولو أقر عبدهم أنهم أرسلوه على أن يؤدي إليهم شيئا لم يجز له أن يأخذه لهم ، ولم يخرج المسلم بحسبه ; لأنه أعطاهموه على ضرورة هي أكثر الإكراه وكل ما أعطى المرء على الإكراه لم يلزمه .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أن أسيرا في بلاد الحرب أخذ منهم مالا على أن يعطيهم منه عوضا كان بالخيار بين أن يعطيهم مثل مالهم إن كان له مثل أو مثل قيمته إن لم يكن له مثل أو العوض الذي رضوا به ، وإن كان في يده رده إليهم بعينه إن لم يكن تغير ، وإن كان تغير رده ورد ما نقصه ; لأنه أخذه على أمان ، وإنما أبطلت عنه الشرط بالإكراه والضرورة فيما لم يأخذ به عرضا . وهكذا لو صالحنا قوما من المشركين على مثل ما وصفت فكان في أيديهم أسير من غيرهم فانفلت فأتانا لم يكن لنا رده عليهم من قبل أنه ليس منهم وأنهم قد يمسكون عن قتل وتعذيب من كان منهم إمساكا لا يمسكونه عن غيره .
أصل نقض الصلح فيما لا يجوز .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى حفظنا أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح أهل الحديبية الصلح الذي وصفت فخلى بين من قدم عليه من الرجال ووليه وقدمت عليهم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مسلمة مهاجرة فجاء أخواها يطلبانها فمنعها منهما } وأخبر أن الله عز وجل نقض الصلح في النساء وحكم فيهن غير حكمه في الرجال ، وإنما ذهبت إلى أن النساء كن في صلح الحديبية بأنه لو لم يدخل ردهن في الصلح لم يعط أزواجهن فيهن عوضا والله تعالى أعلم .

( قال الشافعي ) وذكر بعض أهل التفسير أن هذه الآية نزلت فيها { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } قرأ الربيع الآية ، ومن قال : إن النساء كن في الصلح قال بهذه الآية مع الآية التي في براءة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وبهذه الآية مع الآية في براءة قلنا إذا صالح الإمام على ما لا يجوز فالطاعة نقضه كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في النساء ، وقد أعطى المشركين فيما حفظنا فيهن ما أعطاهم في الرجال بأن لم يستثنين وأنهن منهم وبالآية في براءة
وبهذا قلنا : إذا ظفر المشركون برجل من المسلمين فأخذوا عليه عهودا وأيمانا بأن يأتيهم ، أو يبعث إليهم بكذا ، أو بعدد أسرى أو مال فحلال له أن لا يعطيهم قليلا ولا كثيرا ; لأنها أيمان مكره ، وكذلك لو أعطى الإمام عليه أن يرده عليهم إن جاءه . فإن قال : قائل ما دل على ذلك قيل [ ص: 204 ] له : { لم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بصير من وليه حين جاءاه فذهبا به فقتل أحدهما وهرب الآخر منه فلم ينكر ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم } بل قال : قولا يشبه التحسين له ، ولا حرج عليه في الأيمان ; لأنها أيمان مكره وحرام على الإمام أن يرده إليهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أراد هو الرجوع حبسه ، وكذلك حرام على الإمام أن يأخذ منه شيئا لهم مما صالحهم عليه ، وكذلك إن أعطاهم هذا في عبد له ، أو متاع غلبوا عليه لم يكن للإمام أن يأخذ منه الشيء يعطونه إياه فيأخذه الإمام برد السلف ، أو مثله ، أو قيمته إن لم يكن له مثل ، ولو أعطوه إياه بيعا فهو بالخيار بين أن يرده إليهم إن لم يكن تغير أو يعطيهم قيمته ، أو الثمن ; لأنه مكره حين اشتراه ، وهو أسير فلا يلزمه ما اشترى وللإمام أن يعطيهم منه ما وجب لهم عليه بما اشتراه .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وبهذا قلنا : لو أعطى الإمام قوما من المشركين الأمان على أسير في أيديهم من المسلمين ثم جاءوه لم يحل له إلا نزعه من أيديهم بلا عوض لما وصفت من خلاف حال الأسير وأموال المسلمين في أيدي المشركين ما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية من رد رجالهم الذين هم أبناؤهم وإخوانهم وعشائرهم الممنوعين منهم ومن غيرهم أن ينالوا بتلف فإن ذهب ذاهب إلى رد أبي جندل بن سهيل إلى أبيه وعياش بن أبي ربيعة إلى أهله بما أعطاهم قيل : له آباؤهم وأهلوهم أشفق الناس عليهم وأحرص على سلامتهم وأهلهم كانوا سيقونهم بأنفسهم مما يؤذيهم فضلا عن أن يكونوا متهمين على أن ينالوهم بتلف ، أو أمر لا يحملونه من عذاب ، وإنما نقموا منهم خلافهم دينهم ودين آبائهم فكانوا يتشددون عليهم ليتركوا دين الإسلام ، وقد وضع الله عز وجل عنهم المأثم في الإكراه فقال : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } ومن أسر مسلما من غير قبيلته وقرابته ، فقد يقتله بألوان القتل ويبلوه بالجوع والجهد ، وليس حالهم واحدة ، ويقال له أيضا : ألا ترى أن الله عز وجل نقض الصلح في النساء إذا كن إذا أريد بهن الفتنة ضعفن عند عرضها عليهن ، ولم يفهمن فهم الرجال أن التقية تسعهن في إظهار ما أراد المشركون من القول وكان فيهن أن يصيبهن أزواجهن وهن حرام فأسرى المسلمين في أكثر من هذا الحال إلا أن الرجال ليس ممن ينكح وربما كان في المشركين من يفعل فيما بلغنا ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
جماع الصلح في المؤمنات .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } قرأ الربيع الآية .

( قال الشافعي ) وكان بينا في الآية منع المؤمنات المهاجرات من أن يرددن إلى دار الكفر وقطع العصمة بالإسلام بينهن وبين أزواجهن ، ودلت السنة على أن قطع العصمة إذا انقضت عددهن ، ولم يسلم أزواجهن من المشركين وكان بينا فيها أن يرد على الأزواج نفقاتهم ومعقول فيها أن نفقاتهم التي ترد نفقات اللائي ملكوا عقدهن وهي المهور إذا كانوا قد أعطوهن إياها ، وبين أن الأزواج الذين يعطون النفقات ; لأنهم الممنوعون من نسائهم وأن نساءهم المأذون للمسلمين بأن ينكحوهن إذا آتوهن أجورهن ; لأنه لا إشكال عليهم في أن ينكحوا غير ذوات الأزواج إنما كان الإشكال في نكاح ذوات [ ص: 205 ] الأزواج حتى قطع الله عز وجل عصمة الأزواج بإسلام النساء وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك بمضي العدة قبل إسلام الأزواج فلا يؤتى أحد نفقته من امرأة فاتت إلا ذوات الأزواج ، وقد قال الله عز وجل للمسلمين { ، ولا تمسكوا بعصم الكوافر } فأبانهن من المسلمين وأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك بمضي العدة فكان الحكم في إسلام الزوج الحكم في إسلام المرأة لا يختلفان . قال : { واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا } يعني والله تعالى أعلم أن أزواج المشركات من المؤمنين إذا منعهم المشركون إتيان أزواجهم بالإسلام أوتوا ما دفع إليهن الأزواج من المهور كما يؤدي المسلمون ما دفع أزواج المسلمات من المهور وجعله الله عز وجل حكما بينهم ثم حكم لهم في مثل هذا المعنى حكما ثانيا ، فقال عز وعلا { ، وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم } والله تعالى أعلم يريد فلم تعفوا عنهم إذا لم يعفوا عنكم مهور نسائكم { فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا } كأنه يعني من مهورهن إذا فاتت امرأة مشرك أتتنا مسلمة قد أعطاها مائة في مهرها وفاتت امرأة مشركة إلى الكفار قد أعطاها مائة حسبت مائة المسلم بمائة المشرك فقيل : تلك العقوبة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ويكتب بذلك إلى أصحاب عهود المشركين حتى يعطي المشرك ما قاصصناه به من مهر امرأته للمسلم الذي فاتت امرأته إليهم ليس له غير ذلك ، ولو كان للمسلمة التي تحت مشرك أكثر من مائة رد الإمام الفضل عن المائة إلى الزوج المشرك ، ولو كان مهر المسلمة ذات الزوج المشرك مائتين ومهر امرأة المسلم الفائتة إلى الكفار مائة ففاتت امرأة مشركة أخرى قص من مهرها مائة وليس على الإمام أن يعطي ممن فاتته زوجته من المسلمين إلى المشركين إلا قصاصا من مشرك فاتت زوجته إلينا ، وإن فاتت زوجة المسلم مسلمة ، أو مرتدة فمنعوها فذلك له ، وإن فاتت على أي الحالين كان فردوها لم يؤخذ لزوجها منهم مهر وتقتل إن لم تسلم إذا ارتدت وتقر مع زوجها مسلمة .
تفريع أمر نساء المهادنين .

( أخبرنا الربيع ) قال : ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى إذا جاءت المرأة الحرة من نساء أهل الهدنة مسلمة مهاجرة من دار الحرب إلى موضع الإمام من دار الإسلام أو دار الحرب فمن طلبها من ولي سوى زوجها منع منها بلا عوض ، وإذا طلبها زوجها بنفسه أو طلبها غيره بوكالته منعها ، وفيها قولان أحدهما يعطى العوض والعوض ما قال الله عز وجل { فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومثل ما أنفقوا يحتمل والله تعالى أعلم ما دفعوا بالصداق لا النفقة غيره ، ولا الصداق كله إن كانوا لم يدفعوه .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإذا جاءت امرأة رجل قد نكحها بمائتين فأعطاها مائة ردت إليه مائة ، وإن نكحها بمائة فأعطاها خمسين ردت إليه خمسون ; لأنها لم تأخذ منه من الصداق إلا خمسين ، وإن نكحها بمائة ، ولم يعطها شيئا من الصداق لم ترد إليه شيئا ; لأنه لم ينفق بالصداق شيئا ، ولو أنفق من عرس وهدية وكرامة لم يعط من ذلك شيئا لأنه تطوع به ، ولا ينظر في ذلك إلى مهر مثلها إن كان زادها عليه ، أو نقصها منه ; لأن الله عز وجل أمر بأن يعطوا مثل ما أنفقوا ويعطي الزوج هذا الصداق من سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الفيء والغنيمة دون ما سواه من المال ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود [ ص: 206 ] فيكم } يعني والله تعالى أعلم في مصلحتكم وبأن الأنفال كانت تكون عنه ، وأن عمر روى أن { النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل فضل ماله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن ادعى الزوج صداقا وأنكره الإمام ، أو جهله ، فإن جاء الزوج بشاهدين من المسلمين أو شاهد حلف معه أعطاه ، وإن لم يجد شاهدا إلا مشركا لم يعطه بشهادة مشرك وينبغي للإمام أن يسأل المرأة فإن أخبرته شيئا وأنكر الزوج ، أو صدقته لم يقبله الإمام وكان على الإمام أن يسأل عن مهر مثلها في ناحيتها ويحلفه بأنه دفعه ثم يدفعه إليه وقل قوم إلا ومهورهم معروفة ممن معهم من المسلمين الأسرى والمستأمنين ، أو الحاضرين لهم ، أو المصالح عليهم لم يكن معهم مسلمون منها .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإن أعطاه المهر على واحد من هذه المعاني بلا بينة ثم أقام عنده شاهدا أنه أكثر مما أعطاه رجع عليه بالفضل الذي شهدت له به البينة ، ولو أعطاه بهذه المعاني ، أو ببينة ثم أقر عنده أنه أقل مما أعطاه رجع عليه بالفضل وحبسه فيه ولم يكن هذا نقضا لعهده ، وإن لم يقدم زوجها ، ولا رسوله بطلبها حتى مات فليس لورثته فيما أنفق من صداقها شيء ; لأنه لو كان حيا فلم يطلبه إياه ، وإنما جعل له ما أنفق إذا منع ردها إليه ، وهو لا يقال له ممنوع ردها إليه حتى يطلبها فيمنع ردها إليه .

وإن قدم في طلبها فلم يطلبها إلى الإمام حتى مات كان هكذا ، وكذلك لو لم يطلبها إلى الإمام حتى طلقها ثلاثا ، أو ملكها أن تطلق نفسها ثلاثا فطلقت نفسها ثلاثا ، أو تطليقة لم يبق له عليها من الطلاق غيرها لم يكن له عوض ; لأنه قد قطع حقه فيها حتى لو أسلم وهي في عدة لم تكن له زوجة فلا يرد إليه المهر من امرأة قد قطع حقه فيها بكل حال ، وكذلك لو خالعها قبل أن يرتفع إلى الإمام ; لأنه لو أسلم ثبت الخلع وكانت بائنا منه لا يعطى من نفقته شيء من امرأة قطع أن تكون زوجة له بحال ، ولو طلقها واحدة يملك الرجعة ثم طلب العوض لم نعطه حتى يراجعها فإن راجعها في العدة من يوم طلقها ثم طلبها أعطي العوض ; لأنه لم يقطع حقه في العوض لا يكون قطعه حقه في العوض إلا بأن يحدث طلاقا لو كانت ساعتها تلك أسلمت وأسلم لم يكن له عليها رجعة ، ولو كانت المرأة قدمت غير مسلمة كان هذا هكذا .

قال : ولو قدمت مسلمة وجاء زوجها فلم يطلبها حتى ماتت لم يكن له عوض ; لأنه إنما يعاوض بأن يمنعها وهي بحضرة الإمام ، ولو كانت المسألة بحالها فلم تمت ، ولكن غلبت على عقلها كان لزوجها العوض ، ولو قدم الزوج مسلما وهي في العدة كان أحق بها ، ولو قدم يطلبها مشركا ثم أسلم قبل أن تنقضي عدتها كانت زوجته ورجع عليه بالعوض فأخذ منه إن كان أخذه ، ولو طلب العوض فأعطيه ثم لم يسلم حتى تنقضي عدتها ثم أسلم فله العوض ; لأنها قد بانت منه بالإسلام في ملك النكاح ، ولو نكحها بعد لم نرجع عليه بالعوض ; لأنه إنما ملكها بعقد غيره ; وإن قدمت امرأة من بلاد الإسلام ، أو غيرها حيث ينفذ أمر الإمام ثم جاء زوجها يطلبها إلى الإمام لم يعط عوضا ; لأنها لم تقدم عليه وواجب على كل من كانت بين ظهرانيه من المسلمين أن يمنعها زوجها ومتى ما صارت إلى دار الإمام فمنعها منه فله العوض ومتى طلبها زوجها وهي في دار الإمام فجاء زوجها فلم يرفعها إلى الإمام حتى تنحت عن دار الإمام لم يكن له عوض ; لأنه يكون له العوض بأن تقيم في دار الإمام ، ومتى طلبها بعد مدتها ، أو مغيبها عن دار الإمام فلا عوض له .

ولو قدمت مسلمة ثم ارتدت استتيبت فإن تابت وإلا قتلت فإن قدم زوجها بعد القتل ، فقد فاتت ، ولا عوض ، وإن قدم قبل أن ترتد فارتدت وطلبها لم يعطها وأعطي العوض واستتيبت فإن تابت وإلا قتلت ، وإن قدم وهي مرتدة قبل أن تقتل فطلبها أعطي العوض وقتلت مكانها ، ومتى طلبها ، فقد استوجب العوض ; لأن على الإمام منعه منها ، وإن قدمت وطلبها الزوج ثم قتلها رجل فعليه القصاص [ ص: 207 ] أو العقل ولزوجها العوض ، وكذلك لو قدم ، وفيها الحياة لم تمت ، وإن كان يرى أنها في آخر رمق ; لأنه يمنعها في هذه الأحوال إلا أن تكون جنى عليها جناية فصارت في حال لا تعيش فيها إلا كما تعيش الذبيحة فهي في حال الميتة فلا يعطى فيها عوضا ، وإذا كان على الإمام منعه إياها في هذه الأحوال بأن تكون في حكم الحياة كان له العوض ، ولا يستوجب العوض بحال إلا أن يطلبها إلى الإمام ، أو وال يخلفه ببلده فإن طلبها إلى من دون الإمام من عامة ، أو خاصة الإمام ، أو وال ممن لم يوله الإمام هذا فهذا لا يكون له به العوض ، ومتى وصل إلى الإمام طلبه بها ، وإن لم يصل إليه فله العوض ، وإن ماتت قبل أن تصل إلى الإمام ثم طلبها إليه فلا عوض له ، وإن كانت القادمة مملوكة متزوجة رجلا حرا أو مملوكا أمر الإمام باختيار فراق الزوج إن كان مملوكا ، وإن كان حرا فطلبها ، أو مملوكا فلم تختر فراقه حتى قدم مسلما فهي على النكاح ، وإن قدم كافرا فطلبها فمن قال : تعتق ، ولا عوض لمولاها ; لأنها ليست منهم فلا عوض لمولاها ، ولا لزوجها كما لا يكون لزوج المرأة المأسورة فيهم من غيرهم عوض ، ومن قال تعتق ويرد الإمام على سيدها قيمتها فلزوجها العوض إذا كان حرا ، وإن كان مملوكا فلا عوض له إلا أن يجتمع طلبه وطلب السيد فيطلب هو امرأته بعقد النكاح والسيد المال مع طلبه ، فإن انفرد أحدهما دون الآخر فلا عوض له .

وإن كان هذا بيننا وبين أحد من أهل الكتاب فجاءتنا امرأة رجل منهم مشركة ، أو امرأة غير كتابي ، وهذا العقد بيننا وبينه فطلبها زوجها لم يكن لنا منعه منها إذا كان الزوج القادم أو محرما لها بوكالته إذا سألت ذلك ، وإن كان الزوج القادم فطلبها زوجها وأسلمت أعطيناه العوض ، وإن لم تسلم دفعناها إليه ، ولو خرجت امرأة رجل منهم معتوهة منعنا زوجها منها حتى يذهب عنها ، فإذا ذهب فإن قالت خرجت مسلمة وأنا أعقل ثم عرض لي ، فقد وجب له العوض ، وإن قالت خرجت معتوهة ثم ذهب هذا عني فأنا أسلم منعناها منه ، وإن طلبها يومئذ أعطيناه العوض ، وإن لم يطلبها فلا عوض له .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإن خرجت إلينا منهم زوجة رجل لم تبلغ ، وإن عقلت فوصفت الإسلام منعناها منه بصفة الإسلام ، ولا يعطى حتى تبلغ ، فإذا بلغت وثبتت على الإسلام أعطيناه العوض إذا طلبها بعد بلوغها وثبوتها على الإسلام فإن لم يطلبها بعد ذلك لم يكن له عوض من قبل أنه لا يكمل إسلامها حتى تقتل على الردة إلا بعد البلوغ ، ولو جاءتنا جارية لم تبلغ فوصفت الإسلام وجاء زوجها وطلبها فمنعناه منها فبلغت ، ولم تصف الإسلام بعد البلوغ فتكون من الذين أمرنا إذا علمنا إيمانهن أن لا ندفعهن إلى أزواجهن فمتى وصفت الإسلام بعد وصفها الإسلام والبلوغ لم يكن له عوض ، وكذلك إن بلغت معتوهة لم يكن له عوض .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #174  
قديم 26-09-2022, 01:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (174)
صــــــــــ 208 الى صـــــــــــ214







والقول الثاني : أن له العوض في كل حال منعناها منه بصفة الإسلام ، وإن كانت صبية ، وإذا جاء زوج المرأة يطلبها فلم يرتفع إلى الإمام حتى أسلم ، وقد خرجت امرأته من العدة لم يكن له عوض ، ولا على امرأته سبيل ; لأنه لا يمنع من امرأته إذا أسلم إلا بانقضاء عدتها ، ولو كانت في عدتها كانا على النكاح ، وإنما يعطي العوض من يمنع امرأته ، ولو قدم وهي في العدة ثم أسلم ثم طلبها إلى الإمام خلى بينه وبينها فإن لم يطلبها حتى ارتدت بعد إسلامه ثم طلب العوض لم يكن له ; لأنه لما أسلم صار ممن لا يمنع امرأته فلا يكون له عوض ; لأني أمنعها منه بالردة ، فإن لحق بدار الحرب مرتدا فسأل العوض لم يعطه لما وصفت ، ولو قدمت مسلمة ثم ارتدت ثم طلب منها [ ص: 208 ] الإسلام الأول ويمنع منها بالردة ، وإن رجعت إلى الإسلام وهي في العدة فهو أحق بها وإن رجعت بعد مضي العدة والعصمة منقطعة بينهما فلا عوض وكل ما وصفت فيه العوض في قول من رأى أن يعطي العوض ، وفيه قول ثان لا يعطى الزوج المشرك الذي جاءت زوجته مسلمة العوض ، ولو شرط الإمام برد النساء كان الشرط منتقضا ومن قال هذا قال : إن { شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الحديبية إذ دخل فيه أن يرد من جاءه منهم } وكان النساء منهم كان شرطا صحيحا فنسخه الله ثم رسوله لأهل الحديبية ورد عليهم فيما نسخ منه العوض ولما قضى الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا ترد النساء لم يكن لأحد ردهن ، ولا عليه عوض فيهن ; لأن شرط من شرط رد النساء بعد نسخ الله عز وجل ثم رسوله لها باطل ، ولا يعطى بالشرط الباطل شيء .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومن قال : هذا لم يرد مملوكا بحال ، ولا يعطيهم فيه عوضا وأشبههما أن لا يعطوا عوضا والآخر كما وصفت يعطون فيه العوض ، ومن قال : هذا لا نرد إلى أزواج المشركين عوضا لم يأخذ للمسلمين فيما فات من أزواجهم عوضا ، وليس لأحد أن يعقد هذا العقد إلا الخليفة ، أو رجل بأمر الخليفة ; لأنه يلي الأموال كلها فمن عقده غير خليفة فعقده مردود ، وإن جاءت فيه امرأة ، أو رجل لم يرد للمشركين ، ولم يعطوا عوضا ونبذ إليهم ، وإذا عقد الخليفة فمات ، أو عزل واستخلف غيره فعليه أن يفي لهم بما عقد لهم الخليفة قبله ، وكذلك على والي الأمر بعده إنفاذه إلى انقضاء المدة فإن انقضت المدة فمن قدم من رجل ، أو امرأة لم يرده ، ولم يعط عوضا وكانوا كأهل دار الحرب قدم علينا نساؤهم ورجالهم مسلمين فنقبلهم ، ولا نعطي أحدا عوضا من امرأته في قول من أعطى العوض .

فإن هادناهم على الترك سنة فقدمت علينا امرأة رجل منهم وكان الذين هادنونا من أهل الكتاب أو ممن دان دينهم قبل نزول الفرقان وأسلموا في دارهم أو أعطوا الجزية ثم جاءونا يطلبون رجالهم ونساءهم قيل : قد انقضت الهدنة وخير لكم دخولكم في الإسلام وهؤلاء رجالكم فإن أحبوا رجعوا ، وإن أحبوا أقاموا ، وإن أحبوا انصرفوا ، ولو نقضوا العهد بيننا وبينهم لم يعطوا عوضا من امرأة رجل منهم ، ولم يرد إليهم منهم مسلم وهكذا لو هادنا قوما هكذا وأتانا رجالهم فخلينا بين أوليائهم وبينهم ثم نقضوا العهد كان لنا إخراجهم من أيديهم وعلينا طلبهم حتى نخرجهم من أيديهم ; لأنهم تركوا العهد بيننا وبينهم وسقط الشر .

وهكذا لو هادنا من لا تؤخذ منه الجزية في كل ما وصفته إلا أنه ليس لنا أن نأخذ الجزية ، وإذا هادنا قوما رددنا إليهم ما فات إلينا من بهائم أموالهم وأمتعتهم ; لأنه ليس في البهائم حرمة يمنعن بها من أن نصيرها إلى مشرك ، وكذلك المتاع ، وإن صارت في يد بعضنا فعليه أن يصيرها إليهم ، ولو استمتع بها واستهلكها كان كالغصب يلزمه لهم ما يلزم الغاصب من كراء إن كان لها وقيمة ما هلك منها في أكثر ما كانت قيمته .
إذا أراد الإمام أن يكتب كتاب صلح على الجزية كتب : بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب كتبه عبد الله فلان أمير المؤمنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول سنة كذا وكذا لفلان بن فلان النصراني من بني فلان الساكن بلد كذا وأهل النصرانية من أهل بلد كذا إنك سألتني أن أؤمنك وأهل النصرانية من أهل بلد كذا وأعقد لك ولهم ما يعقد لأهل الذمة على ما أعطيتني وشرطت لك ولهم وعليك وعليهم فأجبتك إلى أن عقدت لك ولهم علي وعلى جميع المسلمين الأمان ما استقمت [ ص: 209 ] واستقاموا بجميع ما أخذنا عليكم وذلك أن يجري عليكم حكم الإسلام لا حكم خلافه بحال يلزمكموه ، ولا يكون لكم أن تمتنعوا منه في شيء رأيناه نلزمكم به وعلى أن أحدا منكم إن ذكر محمدا صلى الله عليه وسلم أو كتاب الله عز وجل أو دينه بما لا ينبغي أن يذكره به ، فقد برئت منه ذمة الله ثم ذمة أمير المؤمنين وجميع المسلمين ونقض ما أعطي عليه الأمان وحل لأمير المؤمنين ماله ودمه كما تحل أموال أهل الحرب دماؤهم .

وعلى أن أحدا من رجالكم إن أصاب مسلمة بزنا ، أو اسم نكاح أو قطع الطريق على مسلم ، أو فتن مسلما عن دينه ، أو أعان المحاربين على المسلمين بقتال ، أو دلالة على عورة المسلمين وإيواء لعيونهم ، فقد نقض عهده وأحل دمه وماله ، وإن نال مسلما بما دون هذا في ماله أو عرضه ، أو نال به من على مسلم منعه من كافر له عهد ، أو أمان لزمه فيه الحكم وعلى أن نتتبع أفعالكم في كل ما جرى بينكم وبين مسلم فما كان لا يحل لمسلم مما لكم فيه فعل رددناه وعاقبناكم عليه وذلك أن تبيعوا مسلما بيعا حراما عندنا من خمر ، أو خنزير ، أو دم ميتة أو غيره ونبطل البيع بينكم فيه ونأخذ ثمنه منكم إن أعطاكموه ، ولا نرده عليكم إن كان قائما ونهريقه إن كان خمرا ، أو دما ونحرقه إن كان ميتة ، وإن استهلكه لم نجعل عليه فيه شيئا ونعاقبكم عليه ، وعلى أن لا تسقوه ، أو تطعموه محرما أو تزوجوه بشهود منكم ، أو بنكاح فاسد عندنا وما بايعتم به كافرا منكم ، أو من غيركم لم نتبعكم فيه ، ولم نسألكم عنه ما تراضيتم به .

وإذا أراد البائع منكم ، أو المبتاع نقض البيع وأتانا طالبا له فإن كان منتقضا عندنا نقضناه ، وإن كان جائزا أجزناه إلا أنه إذا قبض المبيع وفات لم يرده ; لأنه بيع بين مشركين مضى ومن جاءنا منكم ، أو من غيركم من أهل الكفر يحاكمكم أجريناكم على حكم الإسلام ومن لم يأتنا لم نعرض لكم فيما بينكم وبينه ، وإذا قتلتم مسلما ، أو معاهدا منكم ، أو من غيركم خطأ فالدية على عواقلكم كما تكون على عواقل المسلمين وعواقلكم قراباتكم من قبل آبائكم ، وإن قتله منكم رجل لا قرابة له فالدية عليه في ماله ، وإذا قتله عمدا فعليه القصاص إلا أن تشاء ورثته دية فيأخذونها حالة ، ومن سرق منكم فرفعه المسروق إلى الحاكم قطعه إذا سرق ما يجب فيه القطع وغرم ، ومن قذف فكان للمقذوف حد حد له ، وإن لم يكن حد عزر حتى تكون أحكام الإسلام جارية عليكم بهذه المعاني فيما سمينا ، ولم نسم .

وعلى أن ليس لكم أن تظهروا في شيء من أمصار المسلمين الصليب ، ولا تعلنوا بالشرك ، ولا تبنوا كنيسة ، ولا موضع مجتمع لصلاتكم ، ولا تضربوا بناقوس ، ولا تظهروا قولكم بالشرك في عيسى ابن مريم ، ولا في غيره لأحد من المسلمين ، وتلبسوا الزنانير من فوق جميع الثياب الأردية وغيرها حتى لا تخفى الزنانير وتخالفوا بسروجكم وركوبكم وتباينوا بين قلانسكم وقلانسهم بعلم تجعلونه بقلانسكم وأن لا تأخذوا على المسلمين سروات الطرق ، ولا المجالس في الأسواق وأن يؤدي كل بالغ من أحرار رجالكم غير مغلوب على عقله جزية رأسه دينارا مثقالا جيدا في رأس كل سنة لا يكون له أن يغيب عن بلده حتى يؤديه ، أو يقيم به من يؤديه عنه لا شيء عليه من جزية رقبته إلى رأس السنة ومن افتقر منكم فجزيته عليه حتى تؤدى عنه وليس الفقر بدافع عنكم شيئا ، ولا ناقض لذمتكم عن ما به فمتى وجدنا عندكم شيئا أخذتم به ، ولا شيء عليكم في أموالكم سوى جزيتكم ما أقمتم في بلادكم واختلفتم ببلاد المسلمين غير تجار وليس لكم دخول مكة بحال ، وإن اختلفتم بتجارة على أن تؤدوا من جميع تجاراتكم العشر إلى المسلمين فلكم دخول جميع بلاد المسلمين إلا مكة والمقام بجميع بلاد المسلمين كما شئتم إلا الحجاز فليس لكم [ ص: 210 ] المقام ببلد منها إلا ثلاث ليال حتى تظعنوا منه ، وعلى أن من أنبت الشعر تحت ثيابه ، أو احتلم ، أو استكمل خمس عشرة سنة قبل ذلك فهذه الشروط لازمة له إن رضيها فإن لم يرضها فلا عقد له ، ولا جزية على أبنائكم الصغار ، ولا صبي غير بالغ ومغلوب على عقله ، ولا مملوك ، فإذا أفاق المغلوب على عقله وبلغ الصبي وعتق المملوك منكم فدان دينكم فعليه جزيتكم والشرط عليكم وعلى من رضيه ومن سخطه منكم نبذنا إليه ولكم أن نمنعكم وما يحل ملكه عندنا لكم ممن أرادكم من مسلم ، أو غيره بظلم بما نمنع به أنفسنا وأموالنا ونحكم لكم فيه على من جرى حكمنا عليه بما نحكم به في أموالنا وما يلزم المحكوم في أنفسكم فليس علينا أن نمنع لكم شيئا ملكتموه محرما من دم ، ولا ميتة ، ولا خمر ، ولا خنزير كما نمنع ما يحل ملكه ، ولا نعرض لكم فيه إلا أنا لا ندعكم تظهرونه في أمصار المسلمين فما ناله منه مسلم ، أو غيره لم نغرمه ثمنه ; لأنه محرم ، ولا ثمن لمحرم ونزجره عن العرض لكم فيه فإن عاد أدب بغير غرامة في شيء منه .

وعليكم الوفاء بجميع ما أخذنا عليكم وأن لا تغشوا مسلما ، ولا تظاهروا عدوهم عليهم بقول ، ولا فعل عهد الله وميثاقه وأعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه من الوفاء بالميثاق ولكم عهد الله وميثاقه وذمة فلان أمير المؤمنين وذمة المسلمين بالوفاء لكم ، وعلى من بلغ من أبنائكم ما عليكم بما أعطيناكم ما وفيتم بجميع ما شرطنا عليكم فإن غيرتم أو بدلتم فذمة الله ثم ذمة فلان أمير المؤمنين والمسلمين بريئة منكم ومن غاب عن كتابنا ممن أعطيناه ما فيه فرضيه إذا بلغه فهذه الشروط لازمة له ولنا فيه ومن لم يرض نبذنا إليه . شهد .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن شرط عليهم ضيافة ، فإذا فرغ من ذكر الجزية كتب في أثر قوله : ولا شيء عليكم في أموالكم غير الدينار في السنة والضيافة على ما سمينا فكل من مر به مسلم ، أو جماعة من المسلمين فعليه أن ينزله في فضل منازله فيما يمكنه من حر ، أو برد ليلة ويوما ، أو ثلاثا إن شرطوا ثلاثا ويطعمه من نفقة عامة أهله مثل الخبز والخل والجبن واللبن والحيتان واللحم والبقول المطبوخة ويعلفه دابة واحدة تبنا ، أو ما يقوم مقامه في مكانه فإن أقام أكثر من ذلك فليس عليه ضيافة ، ولا علف دابة وعلى الوسط أن ينزل كل من مر به رجلين وثلاثة لا يزيد عليهم ويصنع لهم ما وصفت وعلى الموسع أن ينزل كل من مر به ما بين ثلاثة إلى ستة لا يزيدون على ذلك ، ولا يصنعون بدوابهم إلا ما وصفت إلا أن يتطوعوا لهم بأكثر من ذلك فإن قلت المارة من المسلمين يفرقهم وعدلوا في تفريقهم .

فإن كثر الجيش حتى لا يحتملهم منازل أهل الغنى ، ولا يجدون منزلا أنزلهم أهل الحاجة في فضل منازلهم وليست عليهم ضيافة فإن لم يجدوا فضلا من منازل أهل الحاجة لم يكن لهم أن يخرجوهم وينزلوا منازلهم وإذا كثروا وقل من يضيفهم فأيهم سبق إلى النزول فهو أحق به ، وإن جاءوا معا أقرعوا فإن لم يفعلوا وغلب بعضهم بعضا ضيف الغالب ، ولا ضيافة على أحد أكثر مما وصفت ، فإذا نزلوا بقوم آخرين من أهل الذمة أحببت أن يدع الذين قروا القرى ويقري الذين لم يقروا ، فإذا ضاق عليهم الأمر فإن لم يقرهم أهل الذمة لم يأخذ منهم ثمنا للقرى ، فإذا مضى القرى لم يؤخذوا به إذا سألهم المسلمون ، ولا يأخذ المسلمون من ثمار أهل الذمة ، ولا أموالهم شيئا بغير إذنهم ، وإذا لم يشترطوا عليهم ضيافة فلا ضيافة عليهم وأيهم قال أو فعل شيئا مما وصفته نقضا للعهد وأسلم لم يقتل إذا كان ذلك قولا ، وكذلك إذا كان فعلا لم يقتل إلا أن يكون في دين المسلمين إن فعله قتل حدا أو قصاصا فيقتل بحد ، أو قصاص لا نقض عهد ، وإن فعل ما وصفنا وشرط أنه نقض لعهد الذمة فلم يسلم ، ولكنه قال : أتوب وأعطي الجزية كما كنت [ ص: 211 ] أعطيها ، أو على صلح أجدده عوقب ، ولم يقتل إلا أن يكون فعل فعلا يوجب القصاص بقتل ، أو قود فأما ما دون هذا من الفعل ، أو القول وكل قول فيعاقب عليه ، ولا يقتل .

( قال الشافعي ) رحمه الله فإن فعل ، أو قال ما وصفنا وشرط أنه يحل دمه فظفرنا به فامتنع من أن يقول أسلم ، أو أعطى جزية قتل وأخذ ماله فيئا .
الصلح على أموال أهل الذمة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال : الله عز وجل { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } قال : فكان معقولا في الآية أن تكون الجزية غير جائزة والله تعالى أعلم إلا معلوما ثم دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل معنى ما وصفت من أنها معلوم فأما ما لم يعلم أقله ، ولا أكثره ، ولا كيف أخذ من أخذه من الولاة له ، ولا من أخذت منه من أهل الجزية فليس في معنى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نوقف على حده .

ألا ترى إن قال : أهل الجزية نعطيكم في كل مائة سنة درهما وقال : الوالي بل آخذ منكم في كل شهر دينارا لم يقم على أحد هذا ، ولا يجوز فيها إلا أن يستن فيها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنأخذ بأقل ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكون لوال أن يقبل أقل منه ، ولا يرده ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها معلومة ، ألا ترى أنه أخذها دينارا وازداد فيها ضيافة فأخذ من كل إنسان من أهل اليمن دينارا ومن أهل أيلة مثله وأخذ من أهل نجران كسوة وأعلمني علماء من أهلها أنها تتجاوز قيمة دينار ، ولم يجز في الآية إلا أن تكون على كل بالغ لا على بعض البالغين دون بعض من أهل دين واحد فلا يجوز والله تعالى أعلم أن تؤخذ الجزية من قوم من أموالهم على معنى تضعيف الصدقة بلا ثني عليهم فيها وذلك أن ذلك لو جاز كان منهم من لا مال له تجب فيه الصدقة ، وإن كان له مال كثير من عروض ودور كغلة وغيرها فيكونون بين أظهرنا مقرين على دينهم بلا جزية ، ولم يبح هذا لنا ، ولا أن يكون أحد من رجالهم خليا من الجزية .

ويجوز أن يؤخذ من الجزية على ما صالحوا عليه من أموالهم تضعيف صدقة ، أو عشر أو ربع ، أو نصف ، أو نصف أموالهم أو أثلاثها ، أو ثني أن يقال : من كان له منكم مال أخذ منه ما شرط على نفسه وشرطوا له ما كان يؤخذ منه في السنة تكون قيمته دينارا أو أكثر ، فإذا لم يكن له ما يجب فيه ما شرط ، أو هو أقل من قيمة دينار فعليه دينار ، أو تمام دينار ، وإنما اخترت هذا أنها جزية معلومة الأقل وأن ليس منهم خلي منها قال : ولا يفسد هذا ; لأنه شرط يتراضيان به لا بيع بينهما فيفسد بما تفسد به البيوع كما لم يفسد أن يشترط عليهم الضيافة ، وقد تتابع عليهم فتلزمهم وتغب فلا تلزمهم بإغبابها شيء .

قال ولعل عمر أن يكون صالح من نصارى العرب على تضعيف الصدقة وأدخل هذا الشرط ، وإن لم يحك عنه ، وقد روي عنه أنه أبى أن يقر العرب إلا على الجزية فأنفوا منها ، وقالوا تأخذها منا على معنى الصدقة مضعفة كما يؤخذ من العرب المسلمين فأبى فلحقت منهم جماعة بالروم فكره ذلك وأجابهم إلى تضعيف الصدقة عليهم فصالحه من بقي في بلاد الإسلام عليها فلا بأس أن يصالحهم عليها على هذا المعنى الذي وصفت من الثني .
[ ص: 212 ] كتاب الجزية على شيء من أموالهم

( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) وإذا أراد الإمام أن يكتب لهم كتابا على الجزية بشرط معنى الصدقة كتب : بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب كتبه عبد الله فلان أمير المؤمنين لفلان بن فلان النصراني من بني فلان الفلاني من أهل بلد كذا وأهل النصرانية من أهل بلد كذا أنك سألتني لنفسك وأهل النصرانية من أهل بلد كذا أن أعقد لك ولهم علي وعلى المسلمين ما يعقد لأهل الذمة على ما شرطت عليك وعليهم ولك ولهم فأجبتك إلى ما سألت لكم ولمن رضي ما عقدت من أهل بلد كذا على ما شرطنا عليه في هذا الكتاب وذلك أن يجري عليكم حكم الإسلام لا حكم خلافه ولا يكون لأحد منكم الامتناع مما رأيناه لازما له فيه ولا مجاوزا به ثم يجري الكتاب على مثل الكتاب الأول لأهل الجزية التي هي ضريبة لا تزيد ولا تنقص فإذا انتهى إلى موضع الجزية كتب على أن من كان له منكم إبل أو بقر أو غنم أو كان ذا زرع أو عين مال أو تمر يرى فيه المسلمون على من كان له منهم فيه الصدقة أخذت جزيته منه الصدقة مضعفة وذلك أن تكون غنمه أربعين فتؤخذ منه فيها شاتان إلى عشرين ومائة فإذا بلغت إحدى وعشرين ومائة أخذت فيها أربع شياه إلى مائتين فإذا زادت شاة على مائتين أخذت فيها ست شياه إلى أن تبلغ ثلاثمائة وتسعة وتسعين فإذا بلغت أربعمائة أخذ فيها ثمان شياه ثم لا شيء في الزيادة حتى تكمل مائة ثم عليه في كل مائة منها شاتان ومن كان منكم ذا بقر فبلغت بقره ثلاثين فعليه فيها تبيعان ثم لا شيء عليه في زيادتها حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين فعليه فيها مسنتان ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ ستين فإذا بلغتها ففيها أربعة أتبعة ثم لا شيء في زيادتها إلى ثمانين فإذا بلغتها ففيها أربع مسنات ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ تسعين .

فإذا بلغتها ففيها ستة أتبعة ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ مائة فإذا بلغتها فعليه فيها مسنتان وأربعة أتبعة ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ مائة وعشرا فإذا بلغتها فعليه فيها أربع مسنات وتبيعان ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ مائة وعشرين فإذا بلغتها فعليه فيها ست مسنات ثم يجري الكتاب بصدقة البقر مضعفة ثم يكتب في صدقة الإبل فإن كانت له إبل فلا شيء فيها حتى تبلغ خمسا فإذا بلغتها فعليه فيها شاتان ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ عشرا فإذا بلغتها فعليه فيها أربع شياه ثم لا شيء في الزيادة حتى تبلغ خمس عشرة فإذا بلغتها فعليه فيها ست شياه ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ عشرين فإذا بلغتها فعليه فيها ثمان شياه ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ خمسا وعشرين فإذا بلغتها فعليه فيها ابنتا مخاض فإن لم يكن فيها ابنتا مخاض فابنا لبون ذكران .

وإن كانت له ابنة مخاض واحدة وابن لبون واحد أخذت بنت المخاض وابن اللبون ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ ستا وثلاثين فإذا بلغتها فعليه فيها ابنتا لبون ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ ستا وأربعين فإذا بلغتها فعليه فيها حقتان طروقتا الجمل ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ إحدى وستين فإذا بلغتها ففيها جذعتان ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ ستا وسبعين فإذا بلغتها ففيها أربع بنات لبون ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ إحدى وتسعين فإذا بلغتها ففيها أربع حقائق ثم ذلك فرضها حتى تنتهي إلى عشرين ومائة فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة طرح هذا وعدت فكان في كل أربعين منها ابنتا لبون وفي كل خمسين مباحا وإذا لم يوجد في مال من عليه [ ص: 213 ] الجزية من الإبل السن التي شرط عليه أن تؤخذ في ست وثلاثين فصاعدا فجاء بها قبلت منه وإن لم يأت بها فالخيار إلى الإمام بأن يأخذ السن التي دونها ويغرمه في كل بعير لزمه شاتين أو عشرين درهما أيهما شاء الإمام أخذه به وإن شاء الإمام أخذ السن التي فوقها ورد إليه في كل بعير شاتين أو عشرين درهما أيهما شاء الإمام فعل وأعطاه إياه ، وإذا اختار الإمام أن يأخذ السن العليا على أن يعطيه الإمام الفضل أعطاه الإمام أيهما كان أيسر نقدا على المسلمين ، وإذا اختار أن يأخذ السن الأدنى ويغرم له صاحب الإبل فالخيار إلى صاحب الإبل فإن شاء أعطاه شاتين وإن شاء أعطاه عشرين درهما .

ومن كان منهم ذا زرع يقتات من حنطة أو شعير أو ذرة أو دخن أو أرز أو قطنية لم يؤخذ منه فيه شيء حتى يبلغ زرعه خمسة أوسق يصف الوسق في كتابه بمكيال يعرفونه فإذا بلغها زرعه فإن كان مما يسقى بغرب ففيه العشر وإن كان مما يسقى بنهر أو سيح أو عين ماء أو نيل ففيه الخمس . ومن كان منهم ذا ذهب فلا جزية عليه فيها حتى تبلغ ذهبه عشرين مثقالا فإذا بلغتها فعليه فيها دينار نصف العشر وما زاد فبحساب ذلك . ومن كان ذا ورق فلا جزية عليه في ورقه حتى تبلغ مائتي درهم وزن سبعة فإذا بلغت مائتي درهم فعليه فيها نصف العشر ثم ما زاد فبحسابه ، وعلى أن من وجد منكم ركازا فعليه خمساه ، وعلى أن من كان بالغا منكم داخلا في الصلح فلم يكن له مال عند الحول يجب على مسلم لو كان له فيه زكاة أو كان له مال يجب فيه على مسلم لو كان له الزكاة فأخذنا منه ما شرطنا عليه فلم يبلغ قيمة ما أخذنا منه دينارا فعليه أن يؤدي إلينا دينارا إن لم نأخذ منه شيئا وتمام دينار إن نقص ما أخذنا منه عن قيمة دينار وعلى أن ما صالحتمونا عليه على كل من بلغ غير مغلوب على عقله من رجالكم وليس ذلك منكم على بالغ مغلوب على عقله ولا صبي ولا امرأة . قال : ثم يجري الكتاب كما أجريت الكتاب قبله حتى يأتي على آخره وإن شرطت عليهم في أموالهم قيمة أكثر من دينار كتبت أربعة دنانير كان أو أكثر وإذا شرطت عليهم ضيافة كتبتها على ما وصفت عليهم في الكتاب قبله وإن أجابوك إلى أكثر منها فاجعل ذلك عليهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا بأس فيهم وفيمن وقت عليهم الجزية أن يكتب على الفقير منهم كذا ولا يكون أقل من دينار ومن جاوز الفقر كذا لشيء أكثر منه ومن دخل في الغنى كذا لأكثر منه ويستوون إذا أخذت منهم الجزية هم وجميع من أخذت منه جزية مؤقتة فيما شرطت لهم وعليهم وما يجري من حكم الإسلام على كل ، وإذاشرط على قوم أن على فقيركم دينارا وعلى من جاوز الفقر ولم يلحق بغني مشهور دينارين وعلى من كان من أهل الغنى المشهور أربعة دنانير جاز ، وينبغي أن يبينه فيقول وإنما أنظر إلى الفقر والغنى يوم تحل الجزية لا يوم عقد الكتاب ، فإذا صالحهم على هذا فاختلف الإمام ومن تؤخذ منه الجزية فقال الإمام لأحدهم أنت غني مشهور الغنى وقال بل أنا فقير أو وسط فالقول قوله إلا أن يعلم غير ما قال ببينة تقوم عليه بأنه غني لأنه المأخوذ منه ، وإذا صالحهم على هذا فجاء الحول ورجل فقير فلم تؤخذ منه جزيته حتى يوسر يسرا مشهورا أخذت جزيته دينارا على الفقر لأن الفقر حاله يوم وجبت عليه الجزية ، وكذلك إن حال عليه الحول وهو مشهور الغنى فلم تؤخذ جزيته حتى افتقر أخذت جزيته أربعة دنانير على حاله يوم حال عليه الحول وإن لم توجد له إلا تلك الأربعة الدنانير فإن أعسر ببعضها أخذ منه ما وجد له منها واتبع بما بقي دينا عليه وأخذت جزيته ما كان فقيرا فيما استأنف دينارا لكل سنة على الفقر ولو كان في الحول مشهور الغنى حتى إذا كان قبل الحول بيوم افتقر أخذت جزيته في عامه ذلك جزية فقير ، وكذلك لو كان في حوله فقيرا فلما كان قبل الحول بيوم صار مشهورا بالغنى أخذت جزيته جزية غني .
[ ص: 214 ] الضيافة مع الجزية

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : لست أثبت من جعل عمر عليه الضيافة ثلاثا ولا من جعل عليه يوما وليلة ولا من جعل عليه الجزية ولم يسم عليه ضيافة بخبر عامة ولا خاصة يثبت ولا أحد الذين ولوا الصلح عليها بأعيانهم لأنهم قد ماتوا كلهم وأي قوم من أهل الذمة اليوم أقروا أو قامت على أسلافهم بينة بأن صلحهم كان على ضيافة معلومة وأنهم رضوها بأعيانهم ألزموها ولا يكون رضاهم الذي ألزموه إلا بأن يقولوا صالحنا على أن نعطي كذا ونضيف كذا وإن قالوا أضفنا تطوعا بلا صلح لم ألزمهموه وأحلفهم ما ضيفوا على إقرار بصلح وكذلك إن أعطوا كثيرا أحلفتهم ما أعطوه على إقرار بصلح فإذا حلفوا جعلتهم كقوم ابتدأت أمرهم الآن فإن أعطوا أقل الجزية وهو دينار قبلته وإن أبوا نبذت إليهم وحاربتهم وأيهم أقر بشيء في صلحه وأنكره منهم غيره ألزمته ما أقر به ولم أجعل إقراره لازما لغيره إلا بأن يقولوا صلحنا على أن نعطي كذا ونضيف كذا فأما إذا قالوا أضفنا تطوعا بلا صلح فلا ألزمهموه قال ويأخذهم الإمام بعلمه وإقرارهم وبالبينة إن قامت عليهم من المسلمين ولا نجيز شهادة بعضهم على بعض وكذلك نصنع في كل أمر غير مؤقت مما صالحوا عليه وفي كل مؤقت لم يعرفه أهل الذمة بالإقرار به وإذا أقر قوم منهم بشيء يجوز للوالي أخذه ألزمهموه ما حيوا وأقاموا في دار الإسلام وإذا صالحوا على شيء أكثر من دينار ثم أرادوا أن يمتنعوا إلا من أداء دينار ألزمهم ما صالحوا عليه كاملا فإن امتنعوا منه حاربهم فإن دعوا قبل أن يظهر على أموالهم وتسبى ذراريهم إلى أن يعطوا الإمام الجزية دينارا لم يكن للإمام أن يمتنع منهم وجعلهم كقوم ابتدأ محاربتهم فدعوه إلى الجزية أو قوم دعوه إلى الجزية بلا حرب فإذا أقر منهم قرن بشيء صالحوا عليه ألزمهموه فإن كان فيهم غائب لم يحضر لم يلزمه وإذا حضر ألزم ما أقر به مما يجوز الصلح عليه وإذا نشأ أبناؤهم فبلغوا الحلم أو استكملوا خمس عشرة سنة فلم يقروا بما أقر به آباؤهم قيل إن أديتم الجزية وإلا حاربناكم فإن عرضوا أقل الجزية وقد أعطى آباؤهم أكثر منها لم يكن لنا أن نقاتلهم إذا أعطوا أقل الجزية ولا يحرم علينا أن يعطونا أكثر مما يعطينا آباؤهم ولا يكون صلح الآباء صلحا على الأبناء إلا ما كانوا صغارا لا جزية عليهم أو نساء لا جزية عليهن أو معتوهين لا جزية عليهم فأما من لم يجز لنا إقراره في بلاد الإسلام إلا على أخذ الجزية منه فلا يكون صلح أبيه ولا غيره صلحا عنه إلا برضاه بعد البلوغ ومن كان سفيها بالغا محجورا عليه منهم ( من أهل الذمة ) صالح عن نفسه بأمر وليه فإن لم يفعل وليه وهو معا حورب فإن غاب وليه جعل له السلطان وليا يصالح عنه فإن أبى المحجور عليه الصلح حاربه وإن أبى وليه وقبل المحجور عليه جبر وليه أن يدفع الجزية عنه لأنها لازمة إذا أقر بها لأنها من معنى النظر له لئلا يقتل ويؤخذ ماله فيئا وإذا كان هذا هكذا وكان من صالحهم ممن مضى الأئمة بأعيانهم قد ماتوا فحق الإمام أن يبعث أمناء فيجمعون البالغين من أهل الذمة في كل بلد ثم يسألونهم عن صلحهم فما أقروا به مما هو أزيد من أقل الجزية قبله منهم إلا أن تقوم عليهم بينة بأكثر منه ما لم ينقضوا العهد فيلزمه منهم من قامت عليه بينة ويسأل عمن نشأ منهم فمن بلغ عرض عليه قبول ما صالحوا عليه فإن فعل قبله منه وإن امتنع إلا من أقل الجزية قبل منه بعد أن يجتهد بالكلام على استزادته ويقول هذا صلح أصحابك فلا تمتنع منه ويستظهر بالاستعانة بأصحابه عليه وإن أبى إلا أقل الجزية قبله منه فإن اتهم أن يكون أحد منهم بلغ ولم يقر عنده بأن قد استكمل خمس عشرة سنة أو قد احتلم ولم يقم بذلك عليه بينة مسلمون أقل من يقبل في ذلك شاهدان عدلان كشفه كما { كشف رسول



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #175  
قديم 26-09-2022, 01:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (175)
صــــــــــ 215 الى صـــــــــــ221





[ ص: 215 ] الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة فمن أنبت قتله } فإذا أنبت قال له إن أديت الجزية وإلا حاربناك فإن قال أنبت من أني تعالجت بشيء تعجل إنبات الشعر لم يقبل منه ذلك إلا أن يقوم شاهدان مسلمان على ميلاده فيكون لم يستكمل خمس عشرة فيدعه ، ولا يقبل لهم ولا عليهم شهادة غير مسلم عدل ويكتب أسماءهم وحلاهم في الديوان ويعرف عليهم ويحلف عرفاؤهم لا يبلغ منهم مولود إلا رفعه إلى واليه عليهم ولا يدخل عليهم أحد من غيرهم إلا رفعوا إليه فكلما دخل فيهم أحد من غيرهم ممن لم يكن له صلح وكان ممن تؤخذ منه الجزية فعل به كما وصفت فيمن فعل وكلما بلغ منهم بالغ فعل به ما وصفت .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإن دخل من له صلح ( من أهل الذمة ) ألزمته صلحه ومتى أخذ منه صلحه رفع عنه أن تؤخذ عنه في غير بلده فإن كان صالح على دينار وقد كان له صلح قبله على أكثر أخذ منه ما بقي من الفضل على الدينار لأنه صالح عليه وإن كان صلحه الأول على دينار ببلده ثم صالح ببلد غيره على دينار أو أكثر قيل له إن شئت رددنا عليك الفضل عما صالحت عليه أولا إلا أن يكون نقض العهد ثم أحدث صلحا فيكون صلحه الآخر كان أقل أو أكثر من الصلح الأول ومتى مات منهم ميت أخذت من ماله الجزية بقدر ما مر عليه من سنته كأنه مر عليه نصفها لم يؤدها يؤخذ نصف جزيته وإن عته رفع عنه الجزية ما كان معتوها فإذا أفاق أخذتها منه من يوم أفاق فإن جن فكان يجن ويفيق ولم ترفع الجزية لأن هذا ممن تجري عليه الأحكام في حال إفاقته وكذلك إن مرض فذهب عقله أياما ثم عاد إنما ترفع عنه الجزية إذا ذهب عقله فلم يعد وأيهم أسلم رفعت عنه الجزية فيما يستقبل وأخذت لما مضى وإن غاب فأسلم فقال أسلمت من وقت كذا فالقول قوله مع يمينه إلا أن تقوم بينة بخلاف ما قال .

( قال الربيع ) وفيه قول آخر أن عليه الجزية من حين غاب إلى أن قدم فأخبرنا أنه مسلم إلا أن تقوم له بينة بأن إسلامه قد تقدم قبل أن يقدم علينا بوقت فيؤخذ بالبينة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أسلم ثم تنصر لم يؤخذ الجزية وإن أخذت ردت وقيل إن أسلمت وإلا قتلت وكذلك المرأة إن أسلمت وإلا قتلت قال ويبين وزن الدينار والدنانير التي تؤخذ منهم وكذلك صفة كل ما يؤخذ منهم وإن صالح أحدهم وهو صحيح فمرت به نصف سنة ثم عته إلى آخر السنة ثم أفاق أو لم يفق أخذت منه جزية نصف السنة التي كان فيها صحيحا ومتى أفاق استقبل به من يوم أفاق سنة ثم أخذت جزيته منه لأنه كان صالح فلزمه الجزية ثم عته فسقطت عنه وإن طابت نفسه أن يؤديها ساعة أفاق قبلت منه وإن لم تطب لم يلزمها إلا بعد الحول وإذا عتق العبد البالغ من أهل الذمة أخذت منه الجزية أو نبذ إليه وسواء أعتقه مسلم أو كافر .
الضيافة في الصلح .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أقر أهل الذمة بضيافة في صلحهم ورضوا بها فعلى الإمام مسألتهم عنها وقبول ما قالوا أنهم يعرفونه منها إذا كانت زيادة على أقل الجزية ولا تقبل منهم ولا يجوز أن يصالحهم عليها بحال حتى تكون زيادة على أقل الجزية فإن أقروا بأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين يوما وليلة أو ثلاثا أو أكثر وقالوا ما حددنا في هذا حدا ألزموا أن يضيفوا من وسط ما يأكلون خبزا وعصيدة وإداما من زيت أو لبن أو سمن أو بقول مطبوخة أو حيتان أو لحم أو غيره أي هذا تيسر عليهم [ ص: 216 ] وإذا أقروا بعلف دواب ولم يحددوا شيئا علفوا التبن والحشيش مما تحشاه الدواب ولا يبين أن يلزموا حبا لدواب ولا ما جاوز أقل ما تعلفه الدواب إلا بإقرارهم ولا يجوز بأن يحمل على الرجل منهم في اليوم والليلة ضيافة إلا بقدر ما يحتمل أن احتمل واحدا أو اثنين أو ثلاثة ولا يجوز عندي أن يحمل عليه أكثر من ثلاثة وإن أيسر إلا بإقرارهم ويؤخذ بأن ينزل المسلمين الذين يضيفهم حيث يشاء من منازله التي ينزلها السفر التي تكن من مطر وبرد وحر وإن لم يقروا بهذا فعلى الإمام أن يبين إذا صالحهم كيف يضيف الموسر الذي بلغ يسره كذا ويصف ما يضيف من الطعام والعلف وعدد من يضيفه من المسلمين وعلى الوسط الذي يبلغ ماله عدد كذا من الأصناف وعلى من عنده فضل عن نفعه وأهل بيته عدد كذا واحدا أو أكثر منه ومنازلهم وما يقري كل واحد منهم ليكون ذلك معلوما إذا نزل بهم الجموع ومرت الجيوش فيؤخذون به ويجعل ذلك كله مدونا مشهودا عليه به ليأخذه من وليهم من ولاته بعده ويكتب في كتابهم أن كل من كان معسرا فرجع إلى ماله حتى يكون موسرا نقل إلى ضيافة المياسير .
الصلح على الاختلاف في بلاد المسلمين .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا أحب أن يدع الوالي أحدا من أهل الذمة في صلح إلا مكشوفا مشهودا عليه وأحب أن يسأل أهل الذمة عما صالحوا عليه مما يؤخذ منهم إذا اختلفوا في بلاد المسلمين فإن أنكرت منهم طائفة أن تكون صالحت على شيء يؤخذ منها سوى الجزية لم يلزمها ما أنكرت وعرض عليها إحدى خصلتين أن لا تأتي الحجاز بحال أو تأتي الحجاز على أنها متى أتت الحجاز أخذ منها ما صالحها عليه عمر وزيادة إن رضيت به وإنما قلنا لا تأتي الحجاز لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلاها من الحجاز وقلنا تأتيه على ما أخذ عمر أن ليس في إجلائها من الحجاز أمر يبين أن يحرم أن تأتي الحجاز منتابة وإن رضيت بإتيان الحجاز على شيء مثل ما أخذ عمر أو أكثر منه أذن لها أن تأتيه منتابة لا تقيم ببلد منه أكثر من ثلاث فإن لم ترض منعها منه وإن دخلته بلا إذن لم يؤخذ من مالها شيء وأخرجها منه وعاقبها إن علمت منعه إياها ولم يعاقبها إن لم تعلم منعه إياها وتقدم إليها فإن عادت عاقبها ويقدم إلى ولاته أن لا يجيزوا بلاد الحجاز إلا بالرضا والإقرار بأن يؤخذ منهم ما أخذ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وإن زادوه عليها شيئا لم يحرم عليه فكان أحب إلي وإن عرضوا عليه أقل منه لم أحب أن يقبله .

وإن قبله لخلة بالمسلمين رجوت أن يسعه ذلك لأنه إذا لم يحرم أن يأتوا الحجاز مجتازين لم يحل إتيانهم الحجاز كثير يؤخذ منهم ويحرمه قليل وإذا قالوا نأتيها بغير شيء لم يكن ذلك للوالي ولا لهم ويجتهد أن يجعل هذا عليهم في كل بلد انتابوه فإن منعوا منه في البلدان فلا يبين لي أن له أن يمنعهم بلدا غير الحجاز ولا يأخذ من أموالهم وإن اتجروا في بلد غير الحجاز شيئا ولا يحل أن يؤذن لهم في مكة بحال وإن أتوها على الحجاز أخذ منهم ذلك وإن جاءوها على غير شرط لم يكن له أن يأخذ منهم شيئا وعاقبهم إن علموا نهيه عن إتيان مكة ولم يعاقبهم إن لم يعلموا ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وينبغي أن يبتدئ صلحهم على البيان من جميع ما وصفت ثم يلزمهم ما صالحوا عليه فإن أغفلهم منعهم الحجاز كله فإن دخلوه بغير صلح لم يأخذ منهم شيئا ولا يبين لي أن يمنعهم غير الحجاز [ ص: 217 ] من البلدان قال ولا أحسب عمر بن الخطاب ولا عمر بن عبد العزيز أخذ ذلك منهم إلا عن رضا منهم بما أخذ منهم فأخذه منهم كما تؤخذ الجزية فإما أن يكون ألزمهموه بغير رضا منهم فلا أحسبه وكذلك أهل الحرب يمنعون الإتيان إلى بلاد المسلمين بتجارة بكل حال إلا بصلح فما صالحوا عليه جاز لمن أخذه وإن دخلوا بأمان وغير صلح مقرين به لم يؤخذ منهم شيء من أموالهم وردوا إلى مأمنهم إلا أن يقولوا إنما دخلنا على أن يؤخذ منا ، فيؤخذ منهم وإن دخلوا بغير أمان غنموا وإذا لم يكن لهم دعوى أمان ولا رسالة كانوا فيئا وقتل رجالهم إلا أن يسلموا أو يؤدوا الجزية قبل أن نظفر بهم إن كانوا ممن يجوز أن تؤخذ منهم الجزية وإن دخل رجل من أهل الذمة بلدا أو دخلها حربي بأمان فأدى عن ماله شيئا ثم دخل بعد لم يؤخذ ذلك منه إلا بأن يصالح عليه قبل الدخول أو يرضى به بعد الدخول فأما الرسل ومن ارتاد الإسلام فلا يمنعون الحجاز لأن الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } وإن أراد أحد من الرسل الإمام وهو بالحرم فعلى الإمام أن يخرج إليه ولا يدخله الحرم إلا أن يكون يغني الإمام فيه الرسالة والجواب فيكتفي بهما ، فلا يترك يدخل الحرم بحال .
ذكر ما أخذ عمر رضي الله تعالى عنه من أهل الذمة

. ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ويأخذ من القطنية العشر . أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه قال كنت عاملا مع عبد الله بن عتبة على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب فكان يأخذ من النبط العشر .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى لعل السائب حكى أمر عمر أن يأخذ من النبط العشر في القطنية كما حكى سالم عن أبيه عن عمر فلا يكونان مختلفين أو يكون السائب حكى العشر في وقت فيكون أخذ منهم مرة في الحنطة والزيت عشرا ومرة نصف العشر ولعله كله بصلح يحدثه في وقت برضاه ورضاهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : لست أحسب عمر أخذ ما أخذ من النبط إلا عن شرط بينه وبينهم كشرط الجزية وكذلك أحسب عمر بن عبد العزيز أمر بالأخذ منهم ولا يأخذ من أهل الذمة شيئا إلا عن صلح ولا يتركون يدخلون الحجاز إلا بصلح ويحدد الإمام فيما بينه وبينهم في تجاراتهم وجميع ما شرط عليهم أمرا يبين لهم وللعامة ليأخذهم به الولاة غيره ، ولا يترك أهل الحرب يدخلون بلاد المسلمين تجارا فإن دخلوا بغير أمان ولا رسالة غنموا وإن دخلوا بأمان وشرط أن يأخذ منهم عشرا أو أكثر أو أقل أخذ منهم فإن دخلوا بلا أمان ولا شرط ردوا إلى مأمنهم ولم يتركوا يمضون في بلاد الإسلام ولا يؤخذ منهم شيء وقد عقد لهم الأمان إلا عن طيب أنفسهم وإن عقد لهم الأمان على دمائهم لم يؤخذ من أموالهم شيء إن دخلوا بأموال إلا بشرط على أموالهم أو طيب أنفسهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وسواء كان أهل الحرب بين قوم يعشرون المسلمين إن دخلوا بلادهم أو يخمسونهم لا يعرضون لهم في أخذ شيء من أموالهم إلا عن طيب أنفسهم أو صلح يتقدم منهم أو يؤخذ غنيمة أو فيئا إن لم يكن لهم ما يأمنون به على أموالهم لأن الله عز وجل أذن بأخذ أموالهم غنيمة وفيئا وكذلك الجزية فيما أعطوها [ ص: 218 ] أيضا طائعين وحرم أموالهم بعقد الأمان لهم ولا يؤخذ إذا أمنوا إلا بطيب أنفسهم بالشرط فيما يختلفون به وغيره فيحل به أموالهم .
تحديد الإمام ما يأخذ من أهل الذمة في الأمصار .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وينبغي للإمام أن يحدد بينه وبين أهل الذمة جميع ما يعطيهم ويأخذ منهم ويرى أنه ينوبه وينوب الناس منهم فيسمي الجزية وأن يؤديها على ما وصفت ويسمي شهرا تؤخذ منهم فيه وعلى أن يجري عليهم حكم الإسلام إذا طلبهم به طالب أو أظهروا ظلما لأحد وعلى أن لا يذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بما هو أهله ولا يطعنوا في دين الإسلام ولا يعيبوا من حكمه شيئا فإن فعلوا فلا ذمة لهم ويأخذوا عليهم أن لا يسمعوا المسلمين شركهم وقولهم في عزير وعيسى عليهما السلام وإن وجدوهم فعلوا بعد التقدم في عزير وعيسى عليهما السلام إليهم عاقبهم على ذلك عقوبة لا يبلغ بها حدا لأنهم قد أذن بإقرارهم على دينهم مع علم ما يقولون ولا يشتموا المسلمين وعلى أن لا يغشوا مسلما وعلى أن لا يكونوا عينا لعدوهم ولا يضروا بأحد من المسلمين في حال وعلى أن نقرهم على دينهم وأن لا يكرهوا أحدا على دينهم إذا لم يرده من أبنائهم ولا رقيقهم ولا غيرهم وعلى أن لا يحدثوا في مصر من أمصار المسلمين كنيسة ولا مجتمعا لضلالاتهم ولا صوت ناقوس ولا حمل خمر ولا إدخال خنزير ولا يعذبوا بهيمة ولا يقتلوها بغير الذبح ولا يحدثوا بناء يطيلونه على بناء المسلمين وأن يفرقوا بين هيئاتهم في اللباس والمركب وبين هيئات المسلمين وأن يعقدوا الزنانير في أوساطهم فإنها من أبين فرق بينهم وبين هيئات المسلمين ولا يدخلوا مسجدا ولا يبايعوا مسلما بيعا يحرم عليهم في الإسلام وأن لا يزوجوا مسلما محجورا إلا بإذن وليه ولا يمنعوا من أن يزوجوه حرة إذا كان حرا ما كان بنفسه أو محجورا بإذن وليه بشهود المسلمين ولا يسقوا مسلما خمرا ولا يطعموه محرما من لحم الخنزير ولا غيره ولا يقاتلوا مسلما ولا غيره ولا يظهروا الصليب ولا الجماعة في أمصار المسلمين وإن كانوا في قرية يملكونها منفردين لم يمنعهم إحداث كنيسة ولا رفع بناء ولا يعرض لهم في خنازيرهم وخمرهم وأعيادهم وجماعاتهم وأخذ عليهم أن لا يسقوا مسلما أتاهم خمرا ولا يبايعوه محرما ولا يطعموه ولا يغشوا مسلما وما وصفت سوى ما أبيح لهم إذا ما انفردوا قال وإذا كانوا بمصر للمسلمين لهم فيه كنيسة أو بناء طائل كبناء المسلمين لم يكن للإمام هدمها ولا هدم بنائهم وترك كلا على ما وجده عليه ومنع من إحداث الكنيسة وقد قيل يمنع من البناء الذي يطاول به بناء المسلمين وقد قيل إذا ملك دارا لم يمنع مما لا يمنع المسلم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وأحب إلي أن يجعلوا بناءهم دون بناء المسلمين بشيء وكذلك إن أظهروا الخمر والخنزير والجماعات وهذا إذا كان المصر للمسلمين أحبوه أو فتحوه عنوة وشرطوا على أهل الذمة هذا فإن كانوا فتحوه على صلح بينهم وبين أهل الذمة من ترك إظهار الخنازير والخمر وإحداث الكنائس فيما ملكوا لم يكن له منعهم من ذلك وإظهار الشرك أكثر منه ولا يجوز للإمام أن يصالح أحدا من أهل الذمة على أن ينزله من بلاد المسلمين منزلا يظهر فيه جماعة ولا كنيسة ولا ناقوسا إنما يصالحهم على ذلك في بلادهم التي وجدوا فيها فنفتحها عنوة أو صلحا فأما بلاد لم تكن لهم فلا يجوز هذا له فيها فإن فعل ذلك أحد في بلاد بملكه منعه الإمام منه فيه ويجوز أن يدعهم أن ينزلوا بلدا لا يظهرون هذا فيه ويصلون في منازلهم بلا جماعات ترتفع أصواتهم ولا نواقيس ولا نكفهم إذا لم يكن ذلك ظاهرا عما [ ص: 219 ] كانوا عليه إذا لم يكن فيه فساد لمسلم ولا مظلمة لأحد فإن أحد منهم فعل شيئا مما نهاه عنه مثل الغش لمسلم أو بيعه حراما أو سقيه محرما أو الضرب لأحد أو الفساد عليه عاقبه في ذلك بقدر ذنبه ولا يبلغ به حدا وإن أظهروا ناقوسا أو اجتمعت لهم جماعات أو تهيئوا بهيئة نهاهم عنها تقدم إليهم في ذلك فإن عادوا عاقبهم وإن فعل هذا منهم فاعل أو باع مسلما بيعا حراما فقال ما علمت تقدم إليه الوالي وأحلفه وأقاله في ذلك فإن عاد عاقبه ومن أصاب منهم مظلمة لأحد فيها حد ( النصارى ) مثل قطع الطريق والفرية وغير ذلك أقيم عليه وإن غش أحد منهم المسلمين بأن يكتب إلى العدو لهم بعورة أو يحدثهم شيئا أرادوه بهم وما أشبه هذا عوقب وحبس ولم يكن هذا ولا قطع الطريق نقضا للعهد ما أدوا الجزية على أن يجري عليهم الحكم .
ما يعطيهم الإمام من المنع من العدو .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وينبغي للإمام أن يظهر لهم أنهم إن كانوا في بلاد الإسلام أو بين أظهر أهل الإسلام منفردين أو مجتمعين فعليه أن يمنعهم من أن يسبيهم العدو أو يقتلهم منعه ذلك من المسلمين .

وإن كانت دارهم وسط دار المسلمين وذلك أن يكون من المسلمين أحد بينهم وبين العدو فلم يكن في صلحهم أن يمنعهم فعليه منعهم لأن منعهم منع دار الإسلام دونهم وكذلك إن كان لا يوصل إلى موضع هم فيه منفردون إلا بأن توطأ من بلادهم شيء كان عليه منعهم وإن لم يشترط ذلك لهم وإن كانت بلادهم داخلة ببلاد الشرك ليس بينها وبين بلاد الإسلام شرك حرب فإذا أتاها العدو لم يطأ من بلاد الإسلام شيئا ومعهم مسلم فأكثر كان عليه منعهم .

وإن لم يشترط ذلك لهم لأن منع دارهم منه مسلم وكذلك إن لم يكن معهم مسلم وكان معهم مال لمسلم فإن كانت دارهم كما وصفت متصلة ببلاد الإسلام وبلاد الشرك إذا غشيها المشركون لم ينالوا من بلاد الإسلام شيئا وأخذ الإمام منهم الجزية فإن لم يشترط لهم منعهم فعليه منعهم حتى يبين في أصل صلحهم أنه لا يمنعهم فيرضون بذلك وأكره له إذا اتصلوا كما وصفت ببلاد الإسلام أن يشترط أن لا يمنعهم وأن يدع منعهم ولا يبين أن عليه منعهم .

فإن كان أصل صلحهم أنهم قالوا لا تمنعنا ونحن نصالح المشركين بما شئنا لم يحرم عليه أن يأخذ الجزية منهم على هذا وأحب إلي لو صالحهم على منعهم لئلا ينالوا أحدا يتصل ببلاد الإسلام فإن كانوا قوما من العدو دونهم عدو فسألوا أن يصالحوا على جزية ولا يمنعوا جاز للوالي أخذها منهم ولا يجوز له أخذها بحال من هؤلاء ولا غيرهم إلا على أن يجري عليهم حكم الإسلام لأن الله عز وجل لم يأذن بالكف عنهم إلا بأن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون والصغار أن يجري عليهم حكم الإسلام فمتى صالحهم على أن لا يجري عليهم حكم الإسلام فالصلح فاسد وله أخذ ما صالحوه عليه في المدة التي كف فيها عنهم وعليه أن ينبذ إليهم حتى تصالحوا على أن يجري عليهم الحكم أو يقاتلهم ولا يجوز أن يصالحهم على هذا إلا أن تكون بهم قوة .

ولا يجوز أن يقول آخذ منكم الجزية إذا استغنيتم وأدعها إذا افتقرتم ولا أن يصالحهم إلا على جزية معلومة لا يزاد فيها ولا ينقص ولا أن يقول متى افتقر منكم مفتقر أنفقت عليه من مال الله تعالى قال ومتى صالحهم على شيء مما زعمت أنه لا يجوز الصلح عليه وأخذ عليه منهم جزية أكثر من دينار في السنة رد الفضل على الدينار ودعاهم إلى أن يعطوا الجزية على ما يصلح .

فإن لم [ ص: 220 ] يفعلوا نبذ إليهم وقاتلهم ومتى أخذ منهم الجزية على أن يمنعهم فلم يمنعهم إما بغلبة عدو له حتى هرب عن بلادهم وأسلمهم وإما تحصن منه حتى نالهم العدو فإن كان تسلف منهم جزية سنة أصابهم فيها ما وصفت رد عليهم جزية ما بقي من السنة ونظر فإن كان ما مضى من السنة نصفها أخذ منه ما صالحهم عليه لأن الصلح كان تاما بينه وبينهم حتى أسلمهم فيومئذ انتقض صلحه وإن كان لم يتسلف منهم شيئا وإنما أخذ منهم جزية سنة قد مضت وأسلمهم في غيرها لم يرد عليهم شيئا ولا يسعه إسلامهم فإن غلب غلبة فعلى ما وصفت وإن أسلمهم غلبة فهو آثم في إسلامهم وعليه أن يمنع من آذاهم وإذا أخذ منهم الجزية أخذها بإجمال ولم يضرب منهم أحدا ولم يقل لهم قبيح والصغار أن يجري عليهم الحكم لا أن يضربوا ولا يؤذوا ويشترط عليهم أن لا يحيوا من بلاد الإسلام شيئا ولا يكون له أن يأذن لهم فيه بحال وإن أقطعه رجلا مسلما فغمره ثم باعهموه لم ينقض البيع وتركهم حياءه لأنهم ملكوه بأموالهم وليس له أن يمنعهم الصيد في بر ولا بحر لأن الصيد ليس بإحياء أموات وكذلك لا يمنعهم الحطب ولا الرعي في بلاد المسلمين لأنه لا يملك .
تفريع ما يمنع من أهل الذمة

( أخبرنا الربيع ) قال .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى إذا كان علينا أن نمنع أهل الذمة إذا كانوا معنا في الدار وأموالهم التي يحل لهم أن يتمولوها مما نمنع منه أنفسنا وأموالنا من عدوهم إن أرادهم أو ظلم ظالم لهم وأن نستنقذهم من عدوهم لو أصابهم وأموالهم التي تحل لهم لو قدرنا ، فإذا قدرنا استنقذناهم وما حل لهم ملكه ولم نأخذ لهم خمرا ولا خنزيرا فإن قال قائل كيف تستنقذهم وأموالهم التي يحل لهم ملكها ولا تستنقذ لهم الخمر والخنزير وأنت تقرهم على ملكها ؟ قلت إنما منعتهم بتحريم دمائهم فإن الله عز وجل جعل في دمائهم دية وكفارة ، وأما منعي ما يحل من أموالهم فبذمتهم وأما ما أقررتهم عليه فمباح لي بأن الله عز وجل أذن بقتالهم حتى يعطوا الجزية فكان في ذلك دليل على تحريم دمائهم بعد ما أعطوها وهم صاغرون ولم يكن في إقراري لهم عليها معونة عليها ، ألا ترى أنه لو امتنع عليهم عبد أو ولد من الشرك فأرادوا إكراههم ( أهل الذمة ) لم أقرهم على إكراهه بل منعتهم منه وكما لم أكن بإقرارهم على الشرك معينا لهم بإقرارهم عليه ولا يمنعهم من العدو معينا عليه فكذلك لم يكن إقرارهم على الخمر والخنزير عونا لهم عليه ولا أكون عونا لهم على أخذ الخمر والخنزير وإن أقررتهم على ملكه فإن قال فلم لم تحكم لهم بقيمته على من استهلكه قلت أمرني الله عز وجل أن أحكم بينهم بما أنزل الله ولم يكن فيما أنزل الله تبارك وتعالى ولا ما دل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم المنزل عليه المبين عن الله عز وجل ولا فيما بين المسلمين أن يكون للمحرم ثمن ، فمن حكم لهم بثمن محرم حكم بخلاف حكم الإسلام ولم يأذن الله تعالى لأحد أن يحكم بخلاف حكم الإسلام وأنا مسئول عما حكمت به ولست مسئولا عما عملوا مما حرم عليهم مما لم أكلف منعه منهم ، ومن سرق لهم من بلاد المسلمين أو أهل الذمة ما يجب فيه القطع قطعته وإذا سرقوا فجاءني المسروق قطعتهم وكذلك أحدهم إن قذفوا وحدانا لهم من قذفهم وأؤدب لهم من ظلمهم من المسلمين وآخذ لهم منه جميع ما يجب لهم مما يحل أخذه وأنهاه عن العرض له وإذا عرض لهم بما يوجب عليه في ماله أو بدنه شيئا ( أهل الذمة ) أخذته منه إذا عرض لهم بأذى لا يوجب ذلك عليه زجرته عنه فإن عاد حبسته أو عاقبته عليه وذلك مثل أن يهريق خمرهم أو يقتل خنازيرهم وما أشبه [ ص: 221 ] هذا فإن قال قائل فكيف لا تجيز شهادة بعضهم على بعض وفي ذلك إبطال الحكم عنهم ؟ قيل قال الله عز وجل { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } وقال { ممن ترضون من الشهداء } فلم يكونوا من رجالنا ولا ممن نرضى من الشهداء فلما وصف الشهود منا دل على أنه لا يجوز أن يقضى بشهادة شهود من غيرنا لم يجز أن نقبل شهادة غير مسلم وأما إبطال حقوقهم فلم نبطلها إلا إذا لم يأتنا ما يجوز فيه وكذلك يصنع بأهل البادية والشجر والبحر والصناعات لا يكون منهم من يعرف عدله وهم مسلمون فلا يجوز شهادة بعضهم على بعض وقد تجري بينهم المظالم والتداعي والتباعات كما تجري بين أهل الذمة ولسنا آثمين فيما جنى جانيهم ومن أجاز شهادة من لم يؤمر بإجازة شهادته أثم بذلك لأنه عمل نهي عن عمله فإن قال : فإن الله عز وجل يقول { شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت } قرأ الربيع إلى { فيقسمان بالله } فما معناه ؟ قيل والله تعالى أعلم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا أبو سعيد معاذ بن موسى الجعفري عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حبان قال بكير قال مقاتل أخذت هذا التفسير عن مجاهد والحسن والضحاك في قوله تبارك وتعالى { اثنان ذوا عدل منكم } الآية { أن رجلين نصرانيين من أهل دارين أحدهما تميمي والآخر يماني صحبهما مولى لقريش في تجارة فركبوا البحر ومع القرشي مال معلوم قد علمه أولياؤه من بين آنية وبز ورقة فمرض القرشي فجعل وصيته إلى الداريين فمات وقبض الداريان المال والوصية فدفعاه إلى أولياء الميت وجاء ببعض ماله وأنكر القوم قلة المال فقالوا للداريين إن صاحبنا قد خرج ومعه مال أكثر مما أتيتمانا به فهل باع شيئا أو اشترى شيئا فوضع فيه ؟ أو هل طال مرضه فأنفق على نفسه ؟ قالا : لا قالوا فإنكما خنتمانا فقبضوا المال ورفعوا أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت } إلى آخر الآية فلما نزلت أن يحبسا من بعد الصلاة أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقاما بعد الصلاة فحلفا بالله رب السموات ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به وأنا لا نشتري بإيماننا ثمنا قليلا من الدنيا { ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين } فلما حلفا خلى سبيلهما ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناء من آنية الميت فأخذوا الداريين فقالا اشتريناه منه في حياته وكذبا فكلفا البينة فلم يقدرا عليها فرفعوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل { فإن عثر } يقول فإن اطلع { على أنهما استحقا إثما } يعني الداريين أي كتما حقا { فآخران } من أولياء الميت { يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله } فيحلفان بالله إن مال صاحبنا كان كذا وكذا وإن الذي نطلب قبل الداريين لحق { وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين } هذا قول الشاهدين أولياء الميت { ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها } يعني الداريين والناس أن يعودوا لمثل ذلك } .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #176  
قديم 25-10-2022, 01:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (176)
صــــــــــ 222 الى صـــــــــــ228





( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : يعني من كان في مثل حال الداريين من الناس ولا أعلم الآية تحتمل معنى غير حمله على ما قال وإن كان لم يوضح بعضه لأن الرجلين اللذين كشاهدي الوصية كانا أميني الميت فيشبه أن يكون إذا كان شاهدان منكم أو من غيركم أمينين على ما شهدا عليه فطلب ورثة الميت أيمانهما أحلفا بأنهما أمينان لا في الشهود فإن قال فكيف تسمى في هذا الوضع شهادة ؟ قيل كما سميت أيمان المتلاعنين شهادة وإنما معنى شهادة بينكم أيمان بينكم إذا كان هذا المعنى والله تعالى أعلم فإن قال قائل فكيف لم تحتمل الشهادة ؟ قيل ولا نعلم المسلمين اختلفوا في أنه ليس على شاهد يمين قبلت شهادته أو ردت ولا يجوز أن يكون إجماعهما خلافا [ ص: 222 ] لكتاب الله عز وجل ويشبه قول الله تبارك وتعالى { فإن عثر على أنهما استحقا إثما } يوجد من مال الميت في أيديهما ولم يذكرا قبل وجوده أنه في أيديهما فلما وجد ادعيا ابتياعه فأحلف أولياء الميت على مال الميت فصار مالا من مال الميت بإقرارهما وادعيا لأنفسهما شراءه فلم تقبل دعواهما بلا بينة فأحلف وارثاه على ما ادعيا وإن كان أبو سعيد لم يبينه في حديثه هذا التبيين فقد جاء بمعناه ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وليس في هذا رد اليمين إنما كانت يمين الداريين على ادعاء الورثة من الخيانة ويمين ورثة الميت على ما ادعى الداريان مما وجد في أيديهما وأقرا أنه للميت وأنه صار لهما من قبله وإنما أجزنا رد اليمين من غير هذه الآية فإن قال قائل فإن الله عز وجل يقول { أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم } فذلك والله تعالى أعلم أن الأيمان كانت عليهم بدعوى الورثة أنهم اختانوا ثم صار الورثة حالفين بإقرارهم أن هذا كان للميت وادعائهم شراءه منه فجاز أن يقال أن ترد أيمان تثنى عليهم الأيمان بما يجب عليهم إن صارت لهم الأيمان كما يجب على من حلف لهم وذلك قول الله ، والله تعالى أعلم { يقومان مقامهما } يحلفان كما أحلفا وإذا كان هذا كما وصفت فليست هذه الآية بناسخة ولا منسوخة لأمر الله عز وجل بإشهاد ذوي عدل منكم ومن نرضى من الشهداء .
الحكم بين أهل الذمة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : لم أعلم مخالفا من أهل العلم بالسير { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بالمدينة وادع يهود كافة على غير جزية وأن قول الله عز وجل { فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } إنما نزلت في اليهود الموادعين الذين لم يعطوا جزية ولم يقروا بأن يجري عليهم الحكم وقال بعض نزلت في اليهوديين اللذين زنيا } ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : والذي قالوا يشبه ما قالوا لقول الله عز وجل { وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله } وقوله تبارك وتعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك } الآية يعني والله تعالى أعلم إن تولوا عن حكمك بغير رضاهم وهذا يشبه أن يكون ممن أتى حاكما غير مقهور على الحكم والذين حاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة منهم ورجل زنيا موادعون وكان في التوراة الرجم ورجوا أن لا يكون من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجم فجاءوا بها فرجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وإذا وادع الإمام قوما من أهل الشرك ، ولم يشترط أن يجري عليهم الحكم ثم جاءوه متحاكمين فهو بالخيار بين أن يحكم بينهم أو يدع الحكم ، فإن اختار أن يحكم بينهم حكم بينهم حكمه بين المسلمين لقول الله عز وجل { وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط } والقسط حكم الله عز وجل الذي أنزله عليه صلى الله عليه وسلم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وليس للإمام الخيار في أحد من المعاهدين الذين يجري عليهم الحكم إذا جاءوه في حد الله عز وجل وعليه أن يقيمه ولا يفارقون الموادعين إلا في هذا الموضع ، ثم على الإمام أن يحكم على الموادعين حكمه على المسلمين إذا جاءوه فإن امتنعوا بعد رضاهم بحكمه حاربهم ، وسواء في أن له الخيار في الموادعين إذا أصابوا حدا لله أو حدا فيما بينهم لأن المصاب منه الحد لم يسلم ولم يقر بأن يجرى عليه الحكم .
[ ص: 223 ] الحكم بين أهل الجزية .

( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فكان الصغار والله تعالى أعلم أن يجري عليهم حكم الإسلام وأذن الله بأخذ الجزية منهم على أن قد علم شركهم به واستحلالهم لمحارمه فلا يكشفوا عن شيء مما استحلوا بينهم ما لم يكن ضررا على مسلم أو معاهد أو مستأمن غيرهم وإن كان فيه ضرر على أحد من أنفسهم لم يطلبه لم يكشفوا عنه فإذا أبى بعضهم على بعض ما فيه له عليه حق فأتى طالب الحق إلى الإمام يطلب حقه فحق لازم للإمام والله تعالى أعلم أن يحكم له على من كان له عليه حق منهم وإن لم يأته المطلوب راضيا بحكمه وكذلك إن أظهر السخطة لحكمه لما وصفت من قول الله عز وجل { وهم صاغرون } ولا يجوز أن تكون دار الإسلام دار مقام لمن يمتنع من الحكم في حال ويقال نزلت { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } فكان ظاهر ما عرفنا أن يحكم بينهم والله تعالى أعلم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن جاءت امرأة رجل منهم تستعدي عليه بأنه طلقها أو آلى منها ( أهل الذمة ) حكمت عليه حكمي على المسلمين فألزمته الطلاق وفيئية الإيلاء فإن فاء وإلا أخذته بأن يطلق وإن قالت تظاهر مني أمرته أن لا يقربها حتى يكفر ولا يجزئه في كفارة الظهار إلا رقبة مؤمنة وكذلك لا يجزئه في القتل إلا رقبة مؤمنة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن قال قائل فكيف يكفر الكافر قيل كما يؤدي الواجب وإن كان لا يؤجر على أدائه من دية أو أرش جرح أو غيره وكما يحد وإن كان لا يكفر عنه بالحد لشركه فإن قال فيكفر عنه خطيئة الحد ؟ قيل فإن جاز أن يكفر خطيئة الحد جاز أن يكفر عنه خطيئة الظهار واليمين وإن قيل يؤدي ويؤخذ منه الواجب وإن لم يؤجر وإن لم يكفر عنه ؟ قيل وكذلك الظهار والأيمان والرقبة في القتل فإن جاءنا يريد أن يتزوج لم نزوجه إلا كما يزوج المسلم برضا من الزوجة ومهر وشهود عدول من المسلمين وإن جاءتنا امرأة قد نكحها تريد فساد نكاحها بأنه نكحها بغير شهود مسلمين أو غير ولي وما يرد به نكاح المسلم مما لا حق فيه لزوج غيره لم يرد نكاحه إذا كان اسمه عندهم نكاحا لأن النكاح ماض قبل حكمنا فإن قال قائل من أين قلت هذا ؟ قلت قال الله تبارك وتعالى في المشركين بعد إسلامهم { اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا } وقال { وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم } فلم يأمرهم برد ما بقي من الربا وأمرهم بأن لا يأخذوا ما لم يقبضوا منه ورجعوا منه إلى رءوس أموالهم وأنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاح المشرك بما كان قبل حكمه وإسلامهم وكان مقتضيا ورد ما جاوز أربعا من النساء لأنهن بواق فتجاوز عما مضى كله في حكم الله عز وجل وحكم رسوله وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذمة وأهل هدنة يعلم أنهم ينكحون نكاحهم ولم يأمرهم بأن ينكحوا غيره ولم نعلمه أفسد لهم نكاحا ولا منع أحدا منهم أسلم امرأته وامرأته بالعقد المتقدم في الشرك بل أقرهم على ذلك النكاح إذا كان ماضيا وهم مشركون وإن كانوا معاهدين ومهادنين وهكذا إن جاءنا رجلان منهم قد تبايعا خمرا ولم يتقابضاها أبطلنا البيع وإن تقابضاها لم نرده لأنه قد مضى ، وإن تبايعاها فقبض المشتري بعضا ولم يقبض بعضا لم يرد المقبوض ورد ما لم يقبض وهكذا بيوع الربا كلها ولو جاءتنا نصرانية قد نكحها مسلم بلا ولي أو شهود نصارى أفسدنا النكاح لأنه ليس للمسلم أن يتزوج أبدا غير تزويج الإسلام ، فننفذ له ولو جاءنا نصراني باع مسلما خمرا أو نصراني ابتاع من مسلم خمرا تقابضاها أو لم يتقابضاها أبطلناها بكل حال ورددنا المال إلى المشتري وأبطلنا ثمن الخمر عنه إن كان المسلم المشتري لها لم يملك خمرا . وإن كان البائع لها لم يكن [ ص: 224 ] له أن يملك ثمن خمر ، ولا آمر الذمي أن يرد الخمر على المسلم وأهريقها على الذمي إذا كان ملكها على المسلم لأنها ليست كماله وإن كان المسلم القابض للخمر يرد ثمن الخمر على المسلم وأهريقت الخمر لأني لا أقضي على مسلم أن يرد خمرا . ويجوز أن أهريقها لأن الذمي عصى بإخراجها إلى المسلم مع معصيته بملكها وأخرجها طائعا فأدبته بإهراقها لم أكن أهريقها ولم يأذن فيها إنما أهريقها بعد ما أذن فيها بالبيع وإن جاءتنا امرأة الذمي قد نكحته في بقية من عدتها من زوج غيره فرقنا بينه وبينها لحق الزوج الأول وليس هذا كفساد عقدة نجيزها له إذا كانت جائزة عنده لا ضرر فيها على غيره ولا تجوز في الإسلام بحال وإن طلق رجل امرأته ثلاثا ثم تزوجها وذلك جائز عنده فسخنا النكاح وجعلنا لها مهر مثلها إن أصابها ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره يصيبها فإذا نكحت زوجا غيره مسلما أو ذميا فأصابها حل له نكاحها .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وتبطل بينهم البيوع التي تبطل بين المسلمين كلها فإذا مضت واستهلكت لم نبطلها إنما نبطلها ما كانت قائمة وإن جاءنا عبد أحدهم قد أعتقه أعتقنا عليه وإن كاتبه كتابة جائزة عندما أجزناها له أو أم ولد يريد بيعها لم ندعه يبيعها في قول من لا يبيع أم الولد ويبيعها في قول من يبيع أم الولد فإذا أسلم عبد الذمي بيع عليه فإن أعتقه الذمي أو وهبه أو تصدق به وأقبضه فكل ذلك جائز لأنه مالكه وولاؤه للذمي لأنه الذي أعتقه ولا يرثه إن مات بالولاء لاختلاف الدينين ، فإن أسلم قبل أن يموت ثم مات ورثه بالولاء وهكذا أمته فإن أسلمت أم ولده عزل عنها وأخذ بنفقتها وكان له أن يؤاجرها فإذا مات فهي حرة وإن دبر عبدا له فأسلم العبد قبل موت السيد ففيها قولان ، أحدهما أن يباع عليه كما يباع عبده لو قال له أنت حر إذا دخلت الدار أو كان غد أو جاء شهر كذا والآخر لا يباع حتى يموت فيعتق إلا أن يشاء السيد بيعه فإذا شاء جاز بيعه وإن كاتب عبده فأسلم العبد قيل للمكاتب إن شئت فاترك الكتابة وتباع وإن شئت فأنت على الكتابة فإذا أديت عتقت ومتى عجزت أبعت وهكذا لو أسلم العبد ثم كاتبه سيده النصراني أو أسلم ثم دبر أو أسلمت أمته ثم وطئها فحبلت لأنه مالك لهم في هذه الحال ولا حد عليه ولا عليها ، وإذا جنى النصراني على النصراني عمدا فالمجني عليه بالخيار بين القود والعقل إن كان جنى جناية فيها القود فإذا اختار العقل فهو حال في مال الجاني ، وإن كانت الجناية خطأ فعلى عاقلة الجاني كما تكون على عواقل المسلمين ، فإن لم يكن للجاني عاقلة فالجناية في ماله دين يتبع بها ولا يعقل عنه النصارى ولا قرابة بينه وبينهم وهم لا يرثون ولا يعقل المسلمون عنه وهم لا يأخذون ما ترك إذا مات ميراثا إنما يأخذونه فيئا .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وولاة دماء النصارى كولاة دماء المسلمين إلا أنه لا يجوز بينهم شهادة إلا شهادة المسلمين ويجوز إقرارهم بينهم كما يجوز إقرار المسلمين بعضهم لبعض وكل حق بينهم يؤخذ لبعضهم من بعض كما يؤخذ للمسلمين بعضهم من بعض .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فإذا أهراق واحد منهم لصاحبه خمرا أو قتل له خنزيرا أو حرق له ميتة أو خنزيرا أو جلد ميتة لم يدبغ لم يضمن له في شيء من ذلك شيئا لأن هذا حرام ولا يجوز أن يكون للحرام ثمن ولو كانت الخمر في زق فخرقه أو جرة فكسرها ضمن ما نقص الجر أو أحلفه ولم يضمن الخمر لأنه يحل ملك الزق والجرة إلا أن يكون الزق من ميتة لم يدبغ أو جلد خنزير دبغ أو لم يدبغ فلا يكون له ثمن ولو كسر له صليبا من ذهب لم يكن عليه شيء ولو كسره من عود وكان العود إذا فرق لم يكن صليبا يصلح لغير الصليب فعليه ما نقص الكسر العود ، وكذلك لو كسر له تمثالا من ذهب أو خشب يعبده لم يكن عليه في الذهب شيء ولم يكن أيضا في الخشب شيء إلا أن يكون الخشب موصولا فإذا فرق صلح لغير تمثال فيكون عليه ما نقص كسر الخشب لا ما نقص قيمة الصنم [ ص: 225 ] ولو كسر له طنبورا أو مزمارا أو كبرا فإن كان في هذا شيء يصلح لغير الملاهي فعليه ما نقص الكسر وإن لم يكن يصلح إلا للملاهي فلا شيء عليه وهكذا لو كسرها نصراني لمسلم أو نصراني أو يهودي أو مستأمن أو كسرها مسلم لواحد من هؤلاء أبطلت ذلك كله قال ولو أن نصرانيا أفسد لنصراني ما أبطل عنه فغرم المفسد شيئا بحكم حاكمهم أو شيئا يرونه حقا يلزمه بعضهم بعضا أو شيئا تطوع له به وضمنه ولم يقبضه المضمون له حتى جاءنا الضامن أبطلناه عنه لأنه لم يقبض ولو لم يأتنا حتى يدفع إليه ثم سألنا إبطاله ففيها قولان أحدهما لا نبطله ونجعله كما مضى من بيوع الربا والآخر أن نبطله بكل حال لأنه آخذ منه على غير بيع إنما أخذ بسبب جناية لا قيمة لها . ولو كان الذي غرم له ما أبطل عنه في الحكم مسلما وقبضه منه ثم جاءني رددته على المسلم كما لو أربى على مسلم أو أربى عليه مسلم وتقابضا رددت ذلك بينهما وكذلك لو أهراق نصراني لمسلم خمرا أو أفسد له شيئا مما أبطله عنه وترافعا إلي وغرم له النصراني قيمته متطوعا أو بحكم ذمي أو بأمر رآه النصراني لازما له ودفعه إلى المسلم ثم جاءني أبطلته عنه ورددت النصراني به على المسلم لأنه ليس لمسلم قبض حرام وما مضى من قبضه الحرام وبقي سواء في أنه يرد عنه وأنه لا يقر على حرام جهله ولا عرفه بحال .

ويجوز للنصراني أن يقارض المسلم وأكره للمسلم أن يقارض النصراني أو يشاركه خوف الربا واستحلال البيوع الحرام وإن فعل لم أفسخ ذلك لأنه قد يعمل بالحلال ولا أكره للمسلم أن يستأجر النصراني وأكره أن يستأجر النصراني المسلم ولا أفسخ الإجارة إذا وقعت وأكره أن يبيع المسلم من النصراني عبدا مسلما أو أمة مسلمة وإن باعه لم يبن لي أن أفسخ البيع وجبرت النصراني على بيعه مكانه إلى أن يعتقه أو يتعذر السوق عليه في موضعه فألحقه بالسوق ويتأنى به اليوم واليومين والثلاثة ثم أجبره على بيعه قال وفيه قول آخر إن البيع مفسوخ ، وإن باع مسلم من نصراني مصحفا فالبيع مفسوخ ، وكذلك إن باع منه دفترا فيه أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما فرق بين هذا وبين العبد والأمة أن العبد والأمة قد يعتقان فيعتقان بعتق النصراني وهذا مال لا يخرج من ملك مالكه إلا إلى مالك غيره وإن باعه دفاتر فيها رأي كرهت ذلك له ولم أفسخ البيع ، وإن باعه دفاتر فيها شعر أو نحو لم أكره ذلك له ولم أفسخ البيع ، وكذلك إن باعه طبا أو عبارة رؤيا وما أشبههما في كتاب قال : ولو أن نصرانيا باع مسلما مصحفا أو أحاديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أو عبدا مسلما لم أفسخ له البيع ولم أكرهه إلا أني أكره أصل ملك النصراني فإذا أوصى المسلم للنصراني بمصحف أو دفتر فيه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطلت الوصية . ولو أوصى بها النصراني لمسلم لم أبطلها ولو أوصى المسلم للنصراني بعبد مسلم فمن قال أفسخ بيع العبد المسلم لو اشتراه النصراني أبطل الوصية ومن قال أجبره على بيعه أجاز الوصية ، وهكذا هبة المسلم للنصراني واليهودي والمجوسي في جميع ما ذكرت ، ولو أوصى مسلم لنصراني بعبد نصراني فمات المسلم ثم أسلم النصراني جازت الوصية في القولين معا لأنه قد ملكه بموت الموصي وهو نصراني ثم أسلم فيباع عليه ، ولو أسلم قبل موته النصراني كان كوصية له بعبد لا يختلفان ، فإذا أوصى النصراني بأكثر من ثلثه فجاءنا ورثته أبطلنا ما جاوز الثلث إن شاء الورثة كما نبطله إن شاء ورثة المسلم ولو أوصى بثلث ماله أو بشيء منه يبني به كنيسة لصلاة النصارى أو يستأجر به خدما للكنيسة أو يعمر به الكنيسة أو يستصبح به فيها أو يشتري به أرضا فتكون صدقة على الكنيسة وتعمر بها أو ما في هذا المعنى كانت الوصية باطلة ، [ ص: 226 ] وكذلك لو أوصى أن يشتري به خمرا أو خنازير فيتصدق بها أو أوصى بخنازير له أو خمر أبطلنا الوصية في هذا كله ، ولو أوصى أن تبنى كنيسة ينزلها مار الطريق أو وقفها على قوم يسكنونها أو جعل كراءها للنصارى أو للمساكينجازت الوصية وليس في بنيان الكنيسة معصية إلا أن تتخذ لمصلى النصارى الذين اجتماعهم فيها على الشرك وأكره للمسلم أن يعمل بناء أو نجارة أو غيره في كنائسهم التي لصلواتهم ، ولو أوصى أن يعطي الرهبان والشمامسة ثلثه جازت الوصية لأنه قد تجوز الصدقة على هؤلاء ، ولو أوصى أن يكتب بثلثه الإنجيل والتوراة لدرس لم تجز الوصية لأن الله عز وجل قد ذكر تبديلهم منها فقال { الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله } وقال { وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب } قرأ الربيع الآية ولو أوصى أن يكتب به كتب طب فتكون صدقة جازت له الوصية ولو أوصى أن تكتب به كتب سحر لم يجز . ولو أوصى أن يشتري بثلثه سلاحا للمسلمين جاز ولو أوصى أن يشتري به سلاحا للعدو من المشركين لم يجز ، ولو أوصى بثلثه لبعض أهل الحرب جاز لأنه لم يحرم أن يعطوا مالا وكذلك لو أوصى أن يفتدى منه أسير في أيدي المسلمين من أهل الحرب قال : ومن استعدى على ذمي أو مستأمن أعدى عليه وإن لم يرض ذلك المستعدى عليه إذا استعدى عليه في شيء فيه حق للمستعدي وإن جاءنا محتسب من المسلمين أو غيرهم يذكر أن الذميين يعملون فيما بينهم أعمالا من رباء لم نكشفهم عنها لأن ما أقررناهم عليه من الشرك أعظم ما لم يكن لها طالب يستحقها وكذلك لا يكشفون عما استحلوا من نكاح المحارم فإن جاءتنا محرم للرجل قد نكحته فسخنا النكاح فإن جاءتنا امرأة نكحها على أربع أجبرناه بأن يختار أربعا ويفارق سائرهن وإن لم تأتنا لم نكشفه عن ذلك فإن قال قائل فقد كتب عمر يفرق بين كل ذي محرم من المجوس فقد يحتمل أن يفرق إذا طلبت ذلك المرأة أو وليها أو طلبه الزوج ليسقط عنه مهرها وتركنا لهم على الشرك أعظم من تركنا لهم على نكاح ذات محرم وجمع أكثر من أربع ما لم يأتونا فإن جاءنا منهم مسروق بسارق قطعناه له وإن جاءنا منهم سارق قد استعبده مسروق بحكم له أبطلنا العبودية عنه وحكمنا عليه حكمنا على السارق قال : وللنصراني الشفعة على المسلم وللمسلم الشفعة عليه ولا يمنع النصراني أن يشتري من مسلم ماشية فيها صدقة ولا أرض زرع ولا نخلا وإن أبطل ذلك الصدقة فيها كما لا يمنع الرجل المسلم أن يبيع ذلك مفرقا من جماعة فتسقط فيه الصدقة قال : ولا يكون لذمي أن يحيي مواتا من بلاد المسلمين فإن أحياها لم تكن له بإحيائها وقيل له خذ عمارتها وإن كان ذلك فيها والأرض للمسلمين لأن إحياء الموات فضل من الله تعالى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لمن أحياه ولم يكن له قبل يحييه كالفيء وإنما جعل الله تعالى الفيء وملك ما لا مالك له لأهل دينه لا لغيرهم .
كتاب قتال أهل البغي وأهل الردة باب فيمن يجب قتاله من أهل البغي

( أخبرنا الربيع بن سليمان ) قال . ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فذكر الله عز وجل اقتتال الطائفتين والطائفتان الممتنعتان الجماعتان كل واحدة تمتنع أشد الامتناع أو [ ص: 227 ] أضعف إذا لزمها اسم الامتناع وسماهم الله تعالى المؤمنين وأمر بالإصلاح بينهم فحق على كل أحد دعاء المؤمنين إذا افترقوا وأرادوا القتال أن لا يقاتلوا حتى يدعوا إلى الصلح وبذلك قلت لا يبيت أهل البغي قبل دعائهم لأن على الإمام الدعاء كما أمر الله عز وجل قبل القتال وأمر الله عز وجل بقتال الفئة الباغية وهي مسماة باسم الإيمان حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت لم يكن لأحد قتالها لأن الله عز وجل إنما أذن في قتالها في مدة الامتناع بالبغي إلى أن تفيء .

( قال الشافعي ) والفيء الرجعة عن القتال بالهزيمة أو التوبة وغيرها وأي حال ترك بها القتال فقد فاء والفيء بالرجوع عن القتال الرجوع عن معصية الله تعالى ذكره إلى طاعته في الكف عما حرم الله عز وجل قال وقال أبو ذؤيب - يعير نفرا من قومه انهزموا عن رجل من أهله في وقعة فقتل :
لا ينسأ الله منا معشرا شهدوا يوم الأميلح لا غابوا ولا جرحوا عقوا بسهم فلم يشعر به أحد
ثم استفاءوا وقالوا حبذا الوضح
.

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وأمر الله تعالى إن فاءوا أن يصلح بينهما بالعدل ولم يذكر تباعة في دم ولا مال وإنما ذكر الله تعالى الصلح آخرا كما ذكر الإصلاح بينهم أولا قبل الإذن بقتالهم فأشبه هذا والله تعالى أعلم أن تكون التباعات في الجراح والدماء وما فات من الأموال ساقطة بينهم قال وقد يحتمل قول الله عز وجل { فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل } أن يصلح بينهم بالحكم إذا كانوا قد فعلوا ما فيه حكم فيعطي بعضهم من بعض ما وجب له لقول الله عز وجل { بالعدل } أخذ الحق لبعض الناس من بعض .

( قال الشافعي ) وإنما ذهبنا إلى أن القود ساقط والآية تحتمل المعنيين ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر بن راشد عن الزهري قال أدركت الفتنة الأولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت فيها دماء وأموال فلم يقتص فيها من دم ولا مال ولا قرح أصيب بوجه التأويل إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيدفع إلى صاحبه ( قال الشافعي ) وهذا كما قال الزهري عندنا قد كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول وأتلفت فيها أموال ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم فما علمته اقتص أحد من أحد ولا غرم له مالا أتلفه ولا علمت الناس اختلفوا في أن ما حووا في البغي من مال فوجد بعينه فصاحبه أحق به .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من قتل دون ماله فهو شهيد } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن للمرء أن يمنع ماله وإذا منعه بالقتال دونه فهو إحلال للقتال والقتال سبب الإتلاف لمن يقاتل في النفس وما دونها قال ولا يحتمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم { من قتل دون ماله فهو شهيد } إلا أن يقاتل دونه ولو ذهب رجل إلى أن يحمل هذا القول على أن يقتل ويؤخذ ماله كان اللفظ في الحديث من قتل وأخذ ماله أو قتل ليؤخذ ماله ولا يقال له ، قتل دون ماله ومن قتل بلا أن يقاتل فلا يشك أحد أنه شهيد .

( قال الشافعي ) وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربان ، منهم قوم أغروا بعد الإسلام مثل طليحة ومسيلمة والعنسي وأصحابهم ومنهم قوم تمسكوا بالإسلام ومنعوا الصدقات فإن قال قائل ما دل على ذلك والعامة تقول لهم أهل الردة ؟ ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فهو لسان عربي فالردة الارتداد عما كانوا عليه بالكفر والارتداد يمنع الحق قال ومن رجع عن شيء جاز أن يقال ارتد عن كذا وقول عمر لأبي بكر أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا [ ص: 228 ] إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله } في قول أبي بكر هذا من حقها لو منعوني عناقا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه معرفة منهما معا بأن ممن قاتلوا من هو على التمسك بالإيمان ولولا ذلك ما شك عمر في قتالهم ولقال أبو بكر قد تركوا لا إله إلا الله فصاروا مشركين وذلك بين في مخاطبتهم جيوش أبي بكر وأشعار من قال الشعر منهم ومخاطبتهم لأبي بكر بعد الإسار فقال شاعرهم :
ألا أصبحنا قبل نائرة الفجر لعل منايانا قريب وما ندري
أطعنا رسول الله ما كان وسطنا فيا عجبا ما بال ملك أبي بكر
فإن الذي يسألكمو فمنعتم لكالتمر أو أحلى إليهم من التمر
سنمنعهم ما كان فينا بقية كرام على العزاء في ساعة العسر
وقالوا لأبي بكر بعد الإسار ما كفرنا بعد إيماننا ولكن شححنا على أموالنا .

( قال الشافعي ) وقول أبي بكر لا تفرقوا بين ما جمع الله يعني فيما أرى والله تعالى أعلم أنه مجاهدهم على الصلاة وأن الزكاة مثلها ولعل مذهبه فيه أن الله عز وجل يقول { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } وأن الله تعالى فرض عليهم شهادة الحق والصلاة والزكاة وأنه متى منع فرضا قد لزمه لم يترك ومنعه حتى يؤديه أو يقتل .

( قال الشافعي ) فسار إليهم أبو بكر بنفسه حتى لقي أخا بني بدر الفزاري فقاتله معه عمر وعامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمضى أبو بكر خالد بن الوليد في قتال من ارتد ومن منع الزكاة معا فقاتلهم بعوام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ففي هذا الدليل على أن من منع ما فرض الله عز وجل عليه فلم يقدر الإمام على أخذه منه بامتناعه قاتله وإن أتى القتال على نفسه وفي هذا المعنى كل حق لرجل على رجل منعه قال فإذا امتنع رجل من تأدية حق وجب عليه والسلطان يقدر على أخذه منه أخذه ولم يقتله وذلك أن يقتل فيقتله أو يسرق فيقطعه أو يمنع أداء دين فيباع فيه ماله أو زكاة فتؤخذ منه فإن امتنع دون هذا أو شيء منه بجماعة وكان إذا قيل له أد هذا قال لا أؤديه ولا أبدؤكم بقتال إلا أن تقاتلوني قوتل عليه لأن هذا إنما يقاتل على ما منع من حق لزمه وهكذا من منع الصدقة ممن نسب إلى الردة فقاتلهم أبو بكر بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #177  
قديم 25-10-2022, 01:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (177)
صــــــــــ 229 الى صـــــــــــ235





( قال الشافعي ) ومانع الصدقة ممتنع بحق ناصب دونه فإذا لم يختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتاله فالباغي يقاتل الإمام العادل في مثل هذا المعنى في أنه لا يعطي الإمام العادل حقا إذا وجب عليه ويمتنع من حكمه ويزيد على مانع الصدقة أن يريد أن يحكم هو على الإمام العادل ويقاتله فيحل قتاله بإرادته قتاله الإمام قال وقد قاتل أهل الامتناع بالصدقة وقتلوا ثم قهروا فلم يقد منهم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلا هذين متأول أما أهل الامتناع فقالوا قد فرض الله علينا أن نؤديها إلى رسوله كأنهم ذهبوا إلى قول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم } وقالوا لا نعلمه يجب علينا أن نؤديها إلى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما أهل البغي فشهدوا على من بغوا عليه بالضلال ورأوا أن جهاده حق فلم يكن على واحد من الفريقين عند تقضي الحرب قصاص عندنا والله تعالى أعلم . ولو أن رجلا واحدا قتل على التأويل أو جماعة غير ممتنعين ثم كانت لهم بعد ذلك جماعة ممتنعون أو لم تكن كان عليهم القصاص في القتل والجراح وغير ذلك كما يكون على غير المتأولين فقال لي قائل فلم قلت في الطائفة الممتنعة الغاصبة المتأولة تقتل وتصيب المال أزيل عنها القصاص وغرم المال إذا تلف ولو أن رجلا تأول [ ص: 229 ] فقتل أو أتلف مالا اقتصصت منه وأغرمته المال ؟ فقلت له وجدت الله تبارك وتعالى يقول { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل } { وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحل دم مسلم أو قتل نفس بغير نفس } وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { من اعتبط مسلما بقتل فهو قود يده } ووجدت الله تعالى قال { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } فذكر الله عز وجل قتالهم ولم يذكر القصاص بينهما فأثبتنا القصاص بين المسلمين على ما حكم الله عز وجل في القصاص وأزلناه في المتأولين الممتغين ورأينا أن المعنى بالقصاص من المسلمين هو من يكن ممتنعا متأولا فأمضينا الحكمين على ما أمضيا عليه وقلت له : علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه ولي قتال المتأولين فلم يقصص من دم ولا مال أصيب في التأويل وقتله ابن ملجم متأولا فأمر بحبسه وقال لولده إن قتلتم فلا تمثلوا ورأى له القتل وقتله الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما وفي الناس بقية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نعلم أحدا أنكر قتله ولا عابه ولا خالفه في أن يقتل إذ لم يكن له جماعة يمتنع بمثلها ولم يقد علي وأبو بكر قبله ولي من قتلته الجماعة الممتنع بمثلها على التأويل كما وصفنا ولا على الكفر .

( قال الشافعي ) والآية تدل على أنه إنما أبيح قتالهم في حال وليس في ذلك إباحة أموالهم ولا شيء منها ، وأما قطاع الطريق ومن قتل على غير تأويل فسواء جماعة كانوا أو وحدانا يقتلون حدا وبالقصاص بحكم الله عز وجل في القتلة وفي المحاربين .
باب السيرة في أهل البغي .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : روي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما قال دخلت على مروان بن الحكم فقال ما رأيت أحدا أكرم غلبة من أبيك ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل فنادى مناديه لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح .

( قال الشافعي ) فذكرت هذا الحديث للدراوردي فقال ما أحفظه يريد يعجب بحفظه هكذا ذكره جعفر بهذا الإسناد . قال الدراوردي أخبرنا جعفر عن أبيه أن عليا رضي الله تعالى عنه كان لا يأخذ سلبا وأنه كان يباشر القتال بنفسه وأنه كان لا يذفف على جريح ولا يقتل مدبرا .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا رضي الله تعالى عنه قال في ابن ملجم بعد ما ضربه أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره إن عشت فأنا ولي دمي أعفو إن شئت وإن شئت استقدت وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا .
باب الحال التي لا يحل فيها دماء أهل البغي

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أن قوما أظهروا رأي الخوارج وتجنبوا جماعات الناس وكفروهم لم يحلل بذلك قتالهم لأنهم على حرمة الإيمان لم يصيروا إلى الحال التي أمر الله عز وجل بقتالهم فيها بلغنا أن عليا رضي الله تعالى عنه بينما هو يخطب إذ سمع تحكيما من ناحية المسجد لا حكم إلا الله عز وجل فقال علي رضي الله تعالى عنه كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاث لا نمنعكم مساجد [ ص: 230 ] الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا ولا نبدؤكم بقتال .

( قال الشافعي ) رحمه الله أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأزرقي الغساني عن أبيه أن عديا كتب لعمر بن عبد العزيز أن الخوارج عندنا يسبونك فكتب إليه عمر بن عبد العزيز إن سبوني فسبوهم أو اعفوا عنهم وإن أشهروا السلاح فأشهروا عليهم وإن ضربوا فاضربوهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وبهذا كله نقول ولا يحل للمسلمين بطعنهم دماؤهم ولا أن يمنعوا الفيء ما جرى عليهم حكم الإسلام وكانوا أسوتهم في جهاد عدوهم ولا يحال بينهم وبين المساجد والأسواق قال ولو شهدوا شهادة الحق وهم مظهرون لهذا قبل الاعتقاد أو بعده وكانت حالهم في العفاف والعقول حسنة البغي للقاضي أن يحصيهم بأن يسأل عنهم فإن كانوا يستحلون في مذاهبهم أن يشهدوا لمن يذهب مذهبهم بتصديقه على ما لم يسمعوا ولم يعاينوا أو يستحلوا أن ينالوا من أموال من خالفهم أو أبدانهم شيئا يجعلون الشهادة بالباطل ذريعة إليه لم تجز شهادتهم وإن كانوا لا يستحلون ذلك جازت شهادتهم وهكذا من بغى من أهل الأهواء ولا يفرق بينهم وبين غيرهم فيما يجب لهم وعليهم من أخذ الحق والحدود والأحكام ولو أصابوا في هذه الحال حدا لله عز وجل أو للناس دما أو غيره ثم اعتقدوا ونصبوا إماما وامتنعوا ثم سألوا أن يؤمنوا على أن يسقط عنهم ما أصابوا قبل أن يعتقدوا أو شيء منه لم يكن للإمام أن يسقط عنهم منه شيئا لله عز ذكره ولا للناس وكان عليه أخذهم به كما يكون عليه أخذ من أحدث حدا لله تبارك وتعالى أو للناس ثم هرب ولم يتأول ويمتنع .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أن قوما كانوا في مصر أو صحراء فسفكوا الدماء وأخذوا الأموال كان حكمهم كحكم قطاع الطريق وسواء المكابرة في المصر أو الصحراء ولو افترقا كانت المكابرة في المصر أعظمهما .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وكذلك لو أن قوما كابروا فقتلوا ولم يأخذوا مالا أقيم عليهم الحق في جميع ما أخذوا وكذلك لو امتنعوا فأصابوا دما وأموالا على غير التأويل ثم قدر عليهم أخذ منهم الحق في الدماء والأموال وكل ما أتوا من حد .

( قال الشافعي ) ولو أن قوما متأولين كثيرا كانوا أو قليلا اعتزلوا جماعة الناس فكان عليهم وال لأهل العدل يجري حكمه فقتلوه وغيره قبل أن ينصبوا إماما ويعتقدوا ويظهروا حكما مخالفا لحكمه كان عليهم في ذلك القصاص وهكذا كان شأن الذين اعتزلوا عليا رضي الله تعالى عنه ونقموا عليه الحكومة فقالوا لا نساكنك في بلد فاستعمل عليهم عاملا فسمعوا له ما شاء الله ثم قتلوه فأرسل إليهم أن ادفعوا إلينا قاتله نقتله به قالوا : كلنا قاتله قال فاستسلموا نحكم عليكم قالوا لا فسار إليهم فقاتلهم فأصاب أكثرهم قال وكل ما أصابوه في هذه الحال من حد لله تبارك وتعالى أو للناس أقيم عليهم متى قدر عليهم وليس عليهم في هذه الحال أن يبدءوا بقتال حتى يمتنعوا من الحكم وينتصبوا قال وهكذا لو خرج رجل أو رجلان أو نفر يسير قليلو العدد يعرف أن مثلهم لا يمتنع إذا أريد فأظهروا رأيهم ونابذوا إمامهم العادل وقالوا نمتنع من الحكم فأصابوا دما وأموالا وحدودا في هذه الحال متأولين ثم ظهر عليهم أقيمت عليهم الحدود وأخذت منهم الحقوق لله تعالى وللناس في كل شيء كما يؤخذ من غير المتأولين فإن كانت لأهل البغي جماعة تكثر ويمتنع مثلها بموضعها الذي هي به بعض الامتناع حتى يعرف أن مثلها لا ينال حتى تكثر نكايته واعتقدت ونصبوا إماما وأظهروا حكما وامتنعوا من حكم الإمام العادل فهذه الفئة الباغية التي تفارق حكم من ذكرنا قبلها فينبغي إذا فعلوا هذا أن نسألهم ما نقموا فإن ذكروا مظلمة بينة ردت فإن لم يذكروها بينة قيل لهم عودوا لما فارقتم من طاعة الإمام العادل وأن تكون كلمتكم وكلمة أهل دين الله على المشركين واحدة وأن لا تمتنعوا من الحكم فإن فعلوا قبل منهم وإن امتنعوا قيل إنا مؤذنوكم بحرب [ ص: 231 ] فإن لم يجيبوا قوتلوا ولا يقاتلون حتى يدعوا ويناظروا إلا أن يمتنعوا من المناظرة فيقاتلوا قال وإذا امتنعوا من الإجابة وحكم عليهم بحكم فلم يسلموا أو حلت عليهم صدقة فمنعوها وحالوا دونها وقالوا لا نبدؤكم بقتال قوتلوا حتى يقروا بالحكم ويعودوا لما امتنعوا إن شاء الله تعالى .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وما أصابوا في هذه الحال على وجهين : أحدهما ما أصابوا من دم ومال وفرج على التأويل ثم ظهر عليهم بعد لم يقم عليهم منه شيء إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيؤخذ ، والوجه الثاني ما أصابوا على غير وجه التأويل من حد لله تعالى أو للناس ثم ظهر عليهم رأيت أن يقام عليهم كما يقام على غيرهم ممن هرب من حد أو أصابه وهو في بلاد لا والي لها ثم جاء لها وال وهكذا غيرهم من أهل دار غلبوا الإمام عليها فصار لا يجري له بها حكم فمتى قدر عليهم أقيمت عليهم تلك الحدود ولم يسقط عنهم ما أصابوا بالامتناع ولا يمنع الامتناع حقا يقام إنما يمنعه التأويل والامتناع معا فإن قال قائل فأنت تسقط ما أصاب المشركون من أهل الحرب إذا أسلموا فكذلك أسقط عن حربي لو قتل مسلما منفردا ثم أسلم وأقتل الحربي بديئا من غير أن يقتل أحدا وليس هذا الحكم في المتأول في واحد من الوجهين .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإذا دعي أهل البغي فامتنعوا من الإجابة فقوتلوا فالسيرة فيهم مخالفة للسيرة في أهل الشرك وذلك بأن الله عز وجل حرم ثم رسوله دماء المسلمين إلا بما بين الله تبارك وتعالى ثم رسوله صلى الله عليه وسلم فإنما أبيح قتال أهل البغي ما كانوا يقاتلون وهم لا يكونون مقاتلين أبدا إلا مقبلين ممتنعين مريدين فمتى زايلوا هذه المعاني فقد خرجوا من الحال التي أبيح بها قتالهم وهم لا يخرجون منها أبدا إلا إلى أن تكون دماؤهم محرمة كهي قبل يحدثون وذلك بين عندي في كتاب الله عز وجل قال الله تبارك وتعالى { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولم يستثن الله تبارك وتعالى في الفيئة فسواء كان للذي فاء فئة أو لم تكن له فئة فمتى فاء والفيئة الرجوع حرم دمه ولا يقتل منهم مدبر أبدا ولا أسير ولا جريح بحال لأن هؤلاء قد صاروا في غير المعنى الذي حلت به دماؤهم وكذلك لا يستمتع من أموالهم بدابة تركب ولا متاع ولا سلاح يقاتل به في حربهم وإن كانت قائمة ولا بعد تقضيها ولا غير ذلك من أموالهم وما صار إليهم من دابة فحبسوها أو سلاح فعليهم رده عليهم وذلك لأن الأموال في القتال إنما تحل من أهل الشرك الذين يتخولون إذا قدر عليهم فأما من أسلم فحد في قطع الطريق والزنا والقتل فهو لا يؤخذ ماله فهو إذا قوتل في البغي كان أخف حالا لأنه إذا رجع عن القتال لم يقتل فلا يستمتع من ماله بشيء لأنه لا جناية على ماله بدلالة توجب في ماله شيئا قال ومتى ألقى أهل البغي السلاح لم يقاتلوا .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا قاتلت المرأة أو العبد مع أهل البغي والغلام المراهق فهم مثلهم يقاتلون مقبلين ويتركون مولين قال ويختلفون في الأسارى فلو أسر البالغ من الرجال الأحرار فحبس ليبايع رجوت أن يسع ولا يحبس مملوك ولا غير بالغ من الأحرار ولا امرأة لتبايع وإنما يبايع النساء على الإسلام فأما على الطاعة فهن لا جهاد عليهن وكيف يبايعن والبيعة على المسلمين المولودين في الإسلام إنما هي على الجهاد وأما إذا انقضت الحرب فلا أرى أن يحبس أسيرهم ولو قال أهل البغي أنظرونا ننظر في أمرنا لم أر بأسا أن ينظروا قال ولو قالوا أنظرونا مدة رأيت أن يجتهد الإمام فيه فإن كان يرجو فيئتهم أحببت الاستيناء بهم وإن لم يرج ذلك فإن عليه جهادهم وإن كان يخاف على الفئة العادلة الضعف عنهم [ ص: 232 ] رجوت تأخيرهم إلى أن يرجعوا أو تمكنه القوة عليهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو سألوا أن يتركوا بجعل يؤخذ منهم لم ينبغ أن يؤخذ من مسلم جعل على ترك حق قبله ولا يترك جهاده ليرجع إلى حق منعه أو عن باطل ركبه والأخذ منهم على هذا الوجه في معنى الصغار والذلة والصغار لا يجري على مسلم قال ولو سألوا أن يتركوا أبدا ممتنعين لم يكن ذلك للإمام إذا قوي على قتالهم وإذا تحصنوا فقد قيل يقاتلون بالمجانيق والنيران وغيرها ويبيتون إن شاء من يقاتلهم ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وأنا أحب إلي أن يتوقى ذلك فيهم ما لم يكن بالإمام ضرورة إليه والضرورة إليه أن يكون بإزاء قوم متحصنا فيغزونه أو يحرقون عليه أو يرمونه بمجانيق أو عرادات أو يحيطون به فيخاف الاصطلام على من معه فإذا كان هذا أو بعضه رجوت أن يسعه رميهم بالمنجنيق والنار دفعا عن نفسه أو معاقبة بمثل ما فعل به قال ولا يجوز لأهل العدل عندي أن يستعينوا على أهل البغي بأحد من المشركين ذمي ولا حربي ولو كان حكم المسلمين الظاهر ، ولا أجعل لمن خالف دين الله عز وجل الذريعة إلى قتل أهل دين الله قال ولا بأس إذا كان حكم الإسلام الظاهر أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين وذلك أنهم تحل دماؤهم مقبلين ومدبرين ونياما وكيفما قدر عليهم إذا بلغتهم الدعوة وأهل البغي إنما يحل قتالهم دفعا لهم عما أرادوا من قتال أو امتناع من الحكم فإذا فارقوا تلك الحال حرمت دماؤهم قال ولا أحب أن يقاتلهم أيضا بأحد يستحل قتلهم مدبرين وجرحى وأسرى من المسلمين فيسلط عليهم من يعلم أنه يعمل فيهم بخلاف الحق وهكذا من ولي شيئا ينبغي أن لا يولاه وهو يعلم أنه يعمل بخلاف الحق فيه ولو كان المسلمون الذين يستحلون من أهل البغي ما وصفت يضبطون بقوة الإمام وكثرة من معه حتى لا يتقدموا على خلافه وإن رأوه حقا لم أر بأسا أن يستعان بهم على أهل البغي على هذا المعنى إذا لم يوجد غيرهم يكفي كفايتهم وكانوا أجزأ في قتالهم من غيرهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو تفرق أهل البغي فنصب بعضهم لبعض فسألت الطائفتان أو إحداهما إمام أهل العدل معونتها على الطائفة المفارقة لها بلا رجوع إلى جماعة أهل العدل وكانت بالإمام ومن معه قوة على الامتناع منهم لو أجمعوا عليه لم أر أن يعين إحدى الطائفتين على الأخرى وذلك أن قتال إحداهما ليس بأوجب من قتال الأخرى وأن قتاله مع إحداهما كالأمان للتي تقاتل معه وإن كان الإمام يضعف فذلك أسهل في أن يجوز معاونة إحدى الطائفتين على الأخرى فإن انقضى حرب الإمام الأخرى لم يكن له جهاد التي أعان حتى يدعوها ويعذر إليها فإن امتنعت من الرجوع نبذ إليها ثم جاهدها .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أن رجلا من أهل العدل قتل رجلا من أهل العدل في شغل الحرب وعسكر أهل العدل فقال : أخطأت به ظننته من أهل البغي أحلف وضمن ديته ولو قال عمدته أقيد منه .

( قال الشافعي ) وكذلك لو صار إلى أهل العدل بعض أهل البغي تائبا مجاهدا أهل البغي أو تاركا للحرب وإن لم يجاهد أهل البغي فقتله بعض أهل العدل وقال قد عرفته بالبغي وكنت أراه إنما صار إلينا لينال من بعضنا غرة فقتلته أحلف على ذلك وضمن ديته وإن لم يدع هذه الشبهة أقيد منه لأنه إذا صار إلى أهل العدل فحكمه حكمهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو رجع نفر من أهل البغي عن رأيهم وأمنهم السلطان فقتل رجلا منهم رجل فادعى معرفتهم أنهم من أهل البغي وجهالته بأمان السلطان لهم ورجوعهم عن رأيهم درئ عنه القود وألزم الدية بعد ما يحلف على ما ادعى من ذلك وإن أتى ذلك عامدا أقيد بما نال من دم وجرح يستطاع فيه القصاص وكان عليه الأرش فيما لا يستطاع فيه القصاص من الجراح قال ولو أن تجارا في عسكر أهل البغي أو أهل مدينة غلب عليها أهل البغي أو أسرى من المسلمين كانوا في أيديهم [ ص: 233 ] وكل هؤلاء غير داخل مع أهل البغي برأي ولا معونة قتل بعضهم بعضا أو أتى حدا لله أو للناس عارفا بأنه محرم عليه ثم قدر على إقامته عليه أقيم عليه ذلك كله وكذلك لو كانوا في بلاد الحرب فأتوا ذلك عالمين بأنه محرم وغير مكرهين على إتيانه أقيم عليهم كل حد لله عز وجل وللناس وكذلك لو تلصصوا فكانوا بطرف ممتنعين لا يجري عليهم حكم أو لا يتلصصون ولا متأولين إلا أنهم لا تجري عليهم الأحكام وكانوا ممن قامت عليهم الحجة بالعلم مع الإسلام ثم قدر عليهم أقيمت عليهم الحقوق .
حكم أهل البغي في الأموال وغيرها .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ظهر أهل البغي على بلد من بلدان المسلمين فأقام إمامهم على أحد حدا لله أو للناس فأصاب في إقامته أو أخذ صدقات المسلمين فاستوفى ما عليهم أو زاده مع أخذه ما عليهم ما ليس عليهم ثم ظهر أهل العدل عليهم لم يعودوا على من حده إمام أهل البغي بحد ولا على من أخذوا صدقته بصدقة عامة ذلك فإن كانت وجبت عليهم صدقة فأخذوا بعضها استوفى إمام أهل العدل ما بقي منها وحسب لهم ما أخذ أهل البغي منها : قال : وكذلك من مر بهم فأخذوا ذلك منه . قال وإن أراد إمام أهل العدل أخذ الصدقة منهم فادعوا أن إمام أهل البغي أخذها منهم فهم أمناء على صدقاتهم وإن ارتاب بأحد منهم أحلفه فإذا حلف لم تعد عليه الصدقة وكذلك ما أخذوا من خراج الأرض وجزية الرقاب لم يعد على من أخذوه منه لأنهم مسلمون ظاهر حكمهم في الموضع الذي أخذوا ذلك فيه ما عليهم من خراج وجزية رقبة وحق لزم في مال أو غيره . قال : ولو استقضى إمام أهل البغي رجلا كان عليه أن يقوم بما يقوم به القاضي من أخذ الحق لبعض الناس من بعض في الحدود وغيرها إذا جعل ذلك إليه : ولو ظهر أهل العدل على أهل البغي لم يردد من قضاء قاضي أهل البغي إلا ما يرد من قضاء القضاة غيره .

وذلك خلاف الكتاب أو السنة أو إجماع الناس أو ما هو في معنى هذا أو عمد الحيف برد شهادة أهل العدل في الحين الذي يردها فيه أو إجازة شهادة غير العدل في الحين الذي يجيزها فيه ولو كتب قاضي أهل البغي إلى قاضي أهل العدل بحق ثبت عنده لرجل على آخر من غير أهل البغي فالأغلب من هذا خوف أن يكون يرد شهادة أهل العدل بخلاف رأيه ويقبل شهادة من لا عدل له بموافقته ومنهم من هو مخوف أن يكون يستحل بعض أخذ أموال الناس بما أمكنه فأحب إلي أن لا يقبل كتابه وكتابه ليس بحكم نفذ منه فلا يكون للقاضي رده إلا بجور تبين له ولو كانوا مأمونين على ما وصفنا براء من كل خصلة منه وكتب من بلاد نائية يهلك حق المشهود له إن رد كتابه فقبل القاضي كتابه كان لذلك وجه والله تعالى أعلم : وكان كتاب قاضيهم إذا كان كما وصفت في فوت الحق إن رد شبيها بحكمه .

قال ومن شهد من أهل البغي عند قاض من أهل العدل في الحال التي يكون فيها محاربا أو ممن يرى رأيهم في غير محاربة فإن كان يعرف باستحلال بعض ما وصفت من أن يشهد لمن وافقه بالتصديق له على ما لم يعاين ولم يسمع أو باستحلال لمال المشهود عليه أو دمه أو غير ذلك من الوجوه التي يطلب بها الذريعة إلى منفعة المشهود له أو نكاية المشهود عليه استحلالا لم تجز شهادته في شيء وإن قل ومن كان من هذا بريئا منهم ومن غيرهم عدلا جازت شهادته .

قال : ولو وقع لرجل في عسكر أهل البغي على رجل في عسكر أهل العدل حق في دم نفس أو جرح أو مال وجب على [ ص: 234 ] قاضي أهل العدل الأخذ له به لا يختلف هو وغيره فيما يؤخذ لبعضهم من بعض من الحق في المواريث وغيرها ، وكذلك حق على قاضي أهل البغي أن يأخذ من الباغي لغير الباغي من المسلمين وغيرهم حقه ، ولو امتنع قاضي أهل البغي من أخذ الحق منهم لمن خالفهم كان بذلك عندنا ظالما ولم يكن لقاضي أهل العدل أن يمنع أهل البغي حقوقهم قبل أهل العدل بمنع قاضيهم الحق منهم قال : وكذلك أيضا يأخذ من أهل العدل الحق لأهل الحرب والذمة وإن منع أهل الحرب الحق يقع عليهم وأحق الناس بالصبر للحق أهل السنة من أهل دين الله تعالى وليس منع رئيس المشركين حقا قبل من بحضرته لمسلم بالذي يحل لمسلم أن يمنع حربيا مستأمنا حقه لأنه ليس بالذي ظلمه .

فيحبس له مثل ما أخذ منه ولا يمنع رجلا حقا بظلم غيره وبهذا يأخذ الشافعي . قال : ولو ظهر أهل البغي على مصر فولوا قضاءه رجلا من أهل معروفا بخلاف رأي أهل البغي فكتب إلى قاض غيره نظر فإن كان القاضي عدلا وسمى شهودا شهدوا عنده يعرفهم القاضي المكتوب إليه بنفسه أو يعرفهم أهل العدالة بالعدل وخلاف أهل البغي قبل الكتاب فإن لم يعرفوا فكتابه كما وصفت من كتاب قاضي أهل البغي قال :

وإذا غزا أهل البغي المشركين مع أهل العدل والتقوا في بلادهم فاجتمعوا ثم قاتلوا معا فإن كان لكل واحد من الطائفتين إمام فأهل البغي كأهل العدل جماعتهم كجماعتهم وواحدهم مثل واحدهم في كل شيء ليس الخمس قال : فإن أمن أحدهم عبدا كان أو حرا أو امرأة منهم جاز الأمان وإن قتل أحد منهم في الإقبال كان له السلب . وإن كان أهل البغي في عسكر ردءا لأهل العدل فسرى أهل العدل فأصابوا غنائم أو كان أهل العدل ردءا فسرى أهل البغي فأصابوا غنائم شركت كل واحدة من الطائفتين صاحبتها لا يفترقون في حال إلا أنهم إذا دفعوا الخمس من الغنيمة كان إمام أهل العدل أولى به لأنه لقوم مفترقين في البلدان يؤديه إليهم لأن حكمه جار عليهم دون حكم إمام أهل البغي وأنه لا يستحل حبسه استحلال الباغي .

قال : ولو وادع أهل البغي قوما من المشركين لم يكن لأحد من المسلمين غزوهم فإن غزاهم فأصاب لهم شيئا رده عليهم ولو غزا أهل البغي قوما قد وادعهم إمام المسلمين فسباهم أهل البغي فإن ظهر المسلمون على أهل البغي استخرجوا ذلك من أيديهم وردوه على أهله المشركين قال : ولا يحل شراء أحد من ذلك السبي وإن اشترى فشراؤه مردود قال : ولو استعان أهل البغي بأهل الحرب على قتال أهل العدل .

وقد كان أهل العدل وادعوا أهل الحرب فإنه حلال لأهل العدل قتال أهل الحرب وسبيهم وليس كينونتهم مع أهل البغي بأمان إنما يكون لهم الأمان على الكف فأما على قتال أهل العدل فلو كان لهم أمان فقاتلوا أهل العدل كان نقضا له : وقد قيل : لو استعان أهل البغي بقوم من أهل الذمة على قتال المسلمين لم يكن هذا نقضا للعهد لأنهم مع طائفة من المسلمين وأرى إن كانوا مكرهين أو ذكروا جهالة فقالوا كنا نرى علينا إذا حملتنا طائفة من المسلمين على طائفة من المسلمين أخرى أنها إنما تحملنا على من يحل دمه في الإسلام مثل قطاع الطريق أو قالوا لم نعلم أن من حملونا على قتاله مسلما لم يكن هذا نقضا لعهدهم ويؤخذون بكل ما أصابوا من أهل العدل من دم ومال وذلك أنهم ليسوا بالمؤمنين الذين أمر الله بالإصلاح بينهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ونتقدم إليهم ونجدد عليهم شرطا بأنهم إن درجوا إلى مثل هذا استحل قتلهم وأسأل الله التوفيق قال : فإن أتى أحد من أهل البغي تائبا لم يقتص منه لأنه مسلم محرم الدم وإذا قاتل أهل الذمة مع أهل العدل أهل الحرب لم يعطوا سلبا ولا خمسا ولا سهما وإنما يرضخ لهم ولو رهن أهل البغي نفرا منهم عند أهل العدل ورهنهم أهل العدل رهنا .




وقالوا احبسوا رهننا حتى ندفع إليكم رهنكم وتوادعوا على [ ص: 235 ] ذلك إلى مدة جعلوها بينهم فعدا أهل البغي على رهن أهل العدل فقتلوهم لم يكن لأهل العدل أن يقتلوا رهن أهل البغي الذين عندهم ولا أن يحبسوهم إذا أثبتوا أن قد قتل أصحابهم لأن أصحابهم لا يدفعون إليهم أبدا ولا يقتل الرهن بجناية غيرهم وإن كان رهن أهل البغي بلا رهن من أهل العدل ووادعوهم إلى مدة فجاءت تلك المدة وقد غدر البغي لم يكن لهم حبس الرهن بغدر غيرهم . قال : ولو أن أهل العدل أمنوا رجلا من أهل البغي فقتله رجل جاهل كان فيه الدية . وإذا قتل العدلي الباغي عامدا والقاتل وارث المقتول أو قتل الباغي العدلي وهو وارثه لم أر أن يتوارثا والله تعالى أعلم ويرثهما معا ورثتهما غير القاتلين ، وإذا قتل أهل البغي في معركة وغيرها صلى عليهم لأن الصلاة سنة في المسلمين إلا من قتله المشركون في المعركة فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه . وأما أهل البغي إذا قتلوا في المعركة فإنهم يغسلون ويصلى عليهم ويصنع بهم ما يصنع بالموتى ولا يبعث برءوسهم إلى موضع ولا يصلبون ولا يمنعون الدفن ، وإذا قتل أهل العدل أهل البغي في المعركة ففيهم قولان : أحدهما أن يدفنوا بكلومهم ودمائهم والثياب التي قتلوا فيها إن شاءوا لأنهم شهداء ولا يصلى عليهم ويصنع بهم كما يصنع بمن قتله المشركون لأنهم مقتولون في المعركة وشهداء . والقول الثاني : أن يصلى عليهم لأن أصل الحكم في المسلمين الصلاة على الموتى إلا حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما تركها فيمن قتله المشركون في المعركة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : والصبيان والنساء من أهل البغي إذا قتلوا معهم فهم في الصلاة عليهم مثل الرجال البالغين . قال : وأكره للعدلي أن يعمد قتل ذي رحمه من أهل البغي ولو كف عن قتل أبيه أو ذي رحمه أو أخيه من أهل الشرك لم أكره ذلك له بل أحبه وذلك { أن النبي صلى الله عليه وسلم كف أبا حذيفة بن عتبة عن قتل أبيه وأبا بكر يوم أحد عن قتل أبيه } ، وإذا قتلت الجماعة الممتنعة من أهل القبلة غير المتأولة أو أخذت المال فحكمهم حكم قطاع الطريق ، وهذا مكتوب في كتاب قطع الطريق .

وإذا ارتد قوم عن الإسلام فاجتمعوا وقاتلوا فقتلوا وأخذوا المال فحكمهم حكم أهل الحرب من المشركين ، وإذا تابوا لم يتبعوا بدم ولا مال . فإن قال قائل : لم لا يتبعون ؟ قيل هؤلاء صاروا محاربين حلال الأموال والدماء وما أصاب المحاربون لم يقتص منهم وما أصيب لهم لم يرد عليهم وقد قتل طليحة عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم ثم أسلم هو فلم يضمن عقلا ولا قودا .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : والحد في المكابرة في المصر والصحراء سواء ولعل المحارب في المصر أعظم ذنبا .

( قال الربيع ) وللشافعي قول آخر : يقاد منهم إذا ارتدوا وحاربوا فقتلوا من قبل أن الشرك إن لم يزدهم شرا لم يزدهم خيرا بأن يمنع القود منهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أن أهل البغي ظهروا على مدينة فأراد قوم غيرهم من أهل البغي قتالهم لم أر أن يقاتلهم أهل المدينة معهم ، فإن قالوا نقاتلكم معا وسع أهل المدينة قتالهم دفعا لهم عن أنفسهم وعيالهم وأموالهم وكانوا في معنى من قتل دون نفسه وماله إن شاء الله تعالى . ولو سبى المشركون أهل البغي وكانت بالمسلمين قوة على قتال المشركين لم يسع المسلمين الكف عن قتال المشركين حتى يستنقذوا أهل البغي . ولو غزا المسلمون فمات عاملهم فغزوا معا أو متفرقين وكل واحد منهم رد لصاحبه شرك كل واحد منهم صاحبه في الغنيمة .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #178  
قديم 25-10-2022, 01:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (178)
صــــــــــ 236 الى صـــــــــــ242





( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال لي قائل : فما تقول فيمن أراد مال رجل أو دمه أو حرمته ؟ قلت له : فله دفعه عنه ، قال فإن لم يكن يدفع عنه إلا بقتال ؟ قلت فيقاتله ، قال وإن أتى القتال على نفسه ؟ قلت : نعم . إذا لم يقدر على دفعه إلا بذلك . قال : وما معنى يقدر على دفعه بغير ذلك ؟ قلت : أن يكون فارسا والعارض له راجل فيمعن على الفرس ، أو يكون متحصنا فيغلق [ ص: 236 ] الحصن الساعة فيمضي عنه . وإن أبى إلا حصره وقتاله قاتله أيضا ، قال : أفليس قد ذكر حماد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن عثمان بن عفان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير نفس } فقلت له حديث عثمان كما حدث به وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يحل دم مسلم إلا بإحدى ثلاث } كما قال وهذا كلام عربي ومعناه أنه إذا أتى واحدة من ثلاث حل دمه . كما قال : فكان رجل زنى ثم ترك الزنا وتاب منه أو هرب من الموضع الذي زنى فيه فقدر عليه قتل رجما ولو قتل مسلما عامدا ثم ترك القتل فتاب وهرب عليه قتل قودا وإذا كفر فتاب زال عنه اسم الكفر وهذان لا يفارقهما اسم الزنا والقتل ولو تابا وهربا فيقتلان بالاسم اللازم لهما ، والكافر بعد إيمانه لو هرب ولم يترك القول بالكفر بعد ما أظهره قتل إلا أنه إذا تاب من الكفر وعاد إلى الإسلام حقن دمه وذلك أنه يسقط عنه إذا رجع إلى الإسلام اسم الكفر فلا يقتل وقد عاد مسلما ومتى لزمه اسم الكفر فهو كالزاني والقاتل .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : والباغي خارج من أن يقال له حلال الدم مطلقا غير مستثنى فيه وإنما يقال إذا بغى وامتنع أو قاتل مع أهل الامتناع قوتل دفعا عن أن يقتل أو منازعة ليرجع أو يدفع حقا إن منعه فإن أتى لا قتال على نفسه فلا عقل فيه ولا قود فإنا أبحنا قتاله ، ولو ولى عن القتال أو اعتزل أو جرح أو أسر أو كان مريضا لا قتال به لم يقتل في شيء من هذه الحالات ولا يقال للباغي وحاله هكذا حلال الدم ولو حل دمه ما حقن بالتولية والإسار والجرح وعزله القتال ، ولا يحقن دم الكافر حتى يسلم وحاله ما وصفت قبله من حال من أراد دم رجل أو ماله .
الخلاف في قتال أهل البغي .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : حضرني بعض الناس الذي حكيت حجته بحديث عثمان فكلمني بما وصفت وحكيت له جملة ما ذكرت في قتال أهل البغي فقال هذا كما قلت وما علمت أحدا احتج في هذا بشبيه بما احتججت به ولقد خالفك أصحابنا منه في مواضع . قلت : وما هي ؟ قال : قالوا إذا كانت للفئة الباغية فئة ترجع إليها وانهزموا قتلوا منهزمين وذفف عليهم جرحى وقتلوا أسرى فإن كانت حربهم قائمة فأسر منهم أسير قتل أسيرهم وذفف على جرحاهم ، فأما إذا لم يكن لأهل البغي فئة وانهزم عسكرهم فلا يحل أن يقتل مدبرهم ولا أسيرهم ولا يذفف على جرحاهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقلت له إذا زعمت أن ما احتججنا به حجة فكيف رغبت عن الأمر الذي فيه الحجة أقلت بهذا خبرا أو قياسا ؟ قال : بل قلت به خبرا . قلت : وما الخبر ؟ قال إن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال يوم الجمل : لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح فكان ذلك عندنا على أنه ليس لأهل الجمل فئة يرجعون إليها .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقلت له أفرويت عن علي أنه قال لو كانت لهم فئة يرجعون إليها قتلنا مدبرهم وأسيرهم وجريحهم فتستدل باختلاف حكمه على اختلاف السيرة في الطائفتين عنده ؟ قال لا ولكنه عندي على هذا المعنى . قلت أفبدلالة ؟ فأوجدناها . فقال فكيف يجوز قتلهم مقبلين ولا يجوز مدبرين ؟ قلت بما قلنا من أن الله عز وجل إنما أذن بقتالهم إذا كانوا باغين . قال الله تبارك وتعالى { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } وإنما [ ص: 237 ] يقاتل من يقاتل ، فأما من لا يقاتل فإنما يقال اقتلوه لا فقاتلوه ولو كان فيما احتججت به من هذا حجة كانت عليك لأنك تقول لا تقتلون مدبرا ولا أسيرا ولا جريحا إذا انهزم عسكرهم ولم تكن لهم فئة قال قلته اتباعا لعلي بن أبي طالب قلت فقد خالفت علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مثل ما اتبعته فيه ، وقلت أرأيت إن احتج عليك أحد بمثل حجتك وقال نقتلهم بكل حال وإن انهزم عسكرهم لأن عليا قد يكون ترك قتلهم على وجه المن لا على وجه التحريم قال ليس ذلك له وإن احتمل ذلك الحديث لأنه ليس في الحديث دلالة عليه قلت ولا لك لأنه ليس في حديث علي رضي الله تعالى عنه ولا يحتمله دلالة على قتل من كانت له فئة موليا وأسيرا أو جريحا .

( قال ) وقلت وما ألفيته من هذا المعنى ما هو إلا واحد من معنيين ، إما ما قلنا بالاستدلال بحكم الله عز وجل وفعل من يقتدى به من السلف فإن أبا بكر قد أسر غير واحد ممن منع الصدقة فما ضربه ولا قتله ، وعلي رضي الله تعالى عنه قد أسر وقدر على من امتنع فما ضربه ولا قتله ، وإما أن يكون خروجهم إلى هذا يحل دماءهم فيقتلون في كل حال كانت لهم فئة أو لم تكن قال لا يقتلون في هذه الحال . قلت أجل ولا في الحال التي أبحت دماءهم فيها ، وقد كان معاوية بالشام فكان يحتمل أن تكون لهم فئة كانوا كثيرا وانصرف بعضهم قبل بعض فكانوا يحتملون أن تكون الفئة المنصرفة أولا فئة للفئة المنصرفة آخرا ، وقد كانت في المسلمين هزيمة يوم أحد وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة بالشعب فكان النبي صلى الله عليه وسلم فئة لمن انحاز إليه وهم في موضع واحد وقد يكون للقوم فئة فينهزمون ولا يريدونها ولا يريدون العودة للقتال ولا يكون لهم فئة فينهزمون يريدون الرجوع للقتال وقد وجدت القوم يريدون القتال ويشحذون السلاح فتزعم نحن وأنت أنه ليس لنا قتالهم ما لم ينصبوا إماما ويسيروا ونحن نخافهم على الإيقاع بنا فكيف أبحت قتالهم بإرادة غيرهم القتال أو بترك غيرهم الهزيمة وقد انهزموا هم وجرحوا وأسروا ولا تبيح قتالهم بإرادتهم القتال ؟ وقلت له لو لم يكن عليك في هذا حجة إلا فعل علي بن أبي طالب وقوله كنت محجوجا بفعل علي وقوله قال وما ذاك ؟ قلت أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي فاختة أن عليا رضي الله تعالى عنه أتي بأسير يوم صفين فقال لا تقتلني صبرا فقال علي " لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين " فخلى سبيله ثم قال أفيك خير أيبايع ؟ .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى والحرب يوم صفين قائمة ومعاوية يقاتل جادا في أيامه كلها منتصفا أو مستعليا وعلي يقول لأسير من أصحاب معاوية لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين وأنت تأمر بقتل مثله ؟ قال فلعله من عليه قلت هو يقول إني أخاف الله رب العالمين قال يقول إني أخاف الله فأطلب الأجر بالمن عليك قلت أفيجوز إذ قال لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح لمن لا فئة له مثل حجتك ؟ قال لا لأنه لا دلالة في الحديث عليه قلت ولا دلالة في حديث أبي فاختة على ما قلت وفيه الدلالة على خلافك لأنه لو قاله رجاء الأجر قال إني لأرجو الله . واسم الرجاء بمن ترك شيئا مباحا له أولى من اسم الخوف واسم الخوف بمن ترك شيئا خوف المأثم أولى وإن احتمل اللسان المعنيين قال فإن أصحابنا يقولون قولك لا نستمتع من أموال أهل البغي بشيء إلا في حال واحدة قلت وما تلك الحال ؟ قال إذا كانت الحرب قائمة استمتع بدوابهم وسلاحهم فإذا انقضت الحرب رد ذلك عليهم وعلى ورثتهم قلت أفرأيت إن عارضنا وإياك معارض يستحل مال من استحل دمه من أهل القبلة ؟ فقال الدم عند الله تعالى أعظم حرمة من المال فإذا حل الدم كان المال له تبعا هل الحجة عليه إلا أن يقال هذا في رجال أهل الحرب الذين خالفوا دين الله عز وجل هكذا وتحل أموالهم أيضا بما لا تحل به دماؤهم وذلك إن يسبى ذراريهم ونساؤهم فيسترقون [ ص: 238 ] وتؤخذ أموالهم والحكم في أهل القبلة مباين لهذا قد يحل دم الزاني منهم والقاتل ولا يحل من مالهما شيء وذلك لجنايتهما ولا جناية على أموالهما والباغي أخف حالا منهما لأنه يقال للزاني المحصن والقاتل هذا مباح الدم مطلقا لا استثناء فيه ولا يقال للباغي مباح الدم إنما يقال على الباغي أن يمنع من البغي فإن قدر على منعه منه بالكلام أو كان باغيا غير ممتنع مقاتل لم يحل قتاله وإن يقاتل فلم يخلص إلى دمه حتى يصير في غير معنى قتال بتولية أو أن يصير جريحا أو ملقيا للسلاح أو أسيرا لم يحل دمه فقال هذا الذي إذا كان هكذا حرم أو مثل حال الزاني والقاتل محرم المال قال ما الحجة عليه إلا هذا وما فوق هذا حجة ؟ فقلت هل الذي حمدت حجة عليك ؟ قال إني إنما آخذه لأنه أقوى لي وأوهن لهم ما كانوا يقاتلون فقلت فهل يعدو ما أخذت من أموالهم أن تأخذ مال قتيل قد صار ملكه لطفل أو كبير لم يقاتلك قط فتقوى بمال غائب عنك غير باغ على باغ يقاتلك غيره أو مال جريح أو أسير أو مول قد صاروا في غير معنى أهل البغي الذين يحل قتالهم وأموالهم أو مال رجل يقاتلك يحل لك دفعه وإن أتى الدفع على نفسه ولا جناية على ماله أو رأيت لو سبى أهل البغي قوما من المسلمين أنأخذ من أموالهم ما نستعين به على قتال أهل البغي لنستنقذهم فنعطيهم باستنقاذهم خيرا مما نستمتع به من أموالهم ؟ .

قال لا قلت وقليل الاستمتاع بأموال الناس محرم ؟ قال نعم قلت فما أحل لك الاستمتاع بأموال أهل البغي حتى تنقضي الحرب ثم استمتعت بالكراع والسلاح دون الطعام والثياب ، والمال غيرهما ؟ قال فما فيه قياس وما القياس فيه إلا ما قلت ولكني قلته خبرا قلت وما الخبر ؟ قال بلغنا أن عليا رضي الله تعالى عنه غنم ما في عسكر من قاتله فقلت له قد رويتم أن عليا عرف ورثة أهل النهروان حتى تغيب قدر أو مرجل أفسار على علي بسيرتين إحداهما غنم والأخرى لم يغنم فيها ؟ قال لا ولكن أحد الحديثين وهم قلت فأيهما الوهم ؟ قال ما تقول أنت ؟ قلت ما أعرف منهما واحدا ثابتا عنه فإن عرفت الثابت فقل بما يثبت عنه قال ماله أن يغنم أموالهم قلت ألأن أموالهم محبة ؟ قال نعم فقلت فقد خالفت الحديثين عنه وأنت لا تغنم وقد زعمت أنه غنم ولا تترك وقد زعمت أنه ترك قال إنما استمتع بها في حال قلت فالمحظور يستمتع به فيما سوى هذا ؟ قال لا قلت أفيجوز أن يكون شيئان محظوران فيستمتع بأحدهما ويحرم الاستمتاع بالآخر بلا خبر ؟ قال لا قلت فقد أجزته .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وقلت له أرأيت لو وجدت لهم دنانير أو دراهم تقويك عليهم أتأخذها ؟ قال لا قلت فقد تركت ما هو أشد لك عليهم تقوية من السلاح والكراع في بعض الحالات قال فإن صاحبنا يزعم أنه لا يصلي على قتلى أهل البغي فقلت له ولم ؟ وصاحبك يصلي على من قتله في حد والمقتول في حد يجب على صاحبك قتله ولا يحل له تركه والباغي يحرم على صاحبك قتله موليا وراجعا عن البغي فإذا ترك صاحبك الصلاة على أحدهما دون الآخر كان من لا يحل له إلا قتله أولى أن يترك الصلاة عليه ؟ قال كأنه ذهب إلى أن ذلك عقوبة ليتنكل غيره عن مثل ما صنع قلت أو يعاقبه صاحبك بما لا يسعه أن يعاقبه به ؟ فإذا كان ذلك جائزا فليصلبه أو ليحرقه فهو أشد في العقوبة من ترك الصلاة عليه أو يجز رأسه فيبعث به ؟ قال لا يفعل به من هذا شيئا قلت وهل يبالي من قاتلك على أنك كافر أن لا تصلي عليه وهو يرى صلاتك لا تقربه إلى الله تعالى ؟ وقلت صاحبك لو غنم مال الباغي كان أبلغ في تنكيل الناس حتى لا يصنعوا مثل ما صنع الباغي قال ما ينكل أحد بما ليس له أن ينكل به قلت فقد فعلت وقلت له أتمنع الباغي أن تجوز شهادته أو يناكح أو يوارث أو شيئا مما يجوز لأهل الإسلام ؟ قال لا قلت قال فكيف منعته الصلاة وحدها ؟ أبخبر ؟ لا قلت فإن قال لك قائل أصلي عليه وأمنعه أن يناكح أو يوارث قال ليس له أن [ ص: 239 ] يمنعه شيئا مما لا يمنعه المسلم إلا بخبر قلت فقد منعه الصلاة بلا خبر وقال إذا قتل العادل أخاه وأخوه باغ ورثه لأن له قتله وإذا قتله أخوه لم يرثه لأنه ليس له قتله فقلت له فقد زعم بعض أصحابنا أن من قتل أخاه عمدا لم يرث من ماله ولا من دينه إن أخذت منه شيئا ومن قتله خطأ ورث من ماله ولم يرث من ديته شيئا لأنه لا يتهم على أن يكون قتله ليرث ماله وروى هذا عمرو بن شعيب يرفعه فقلت حديث عمرو بن شعيب ضعيف لا تقوم به حجة وقلت إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم { ليس لقاتل شيء } هذا على من لزمه اسم القتل أيما كان تعمد القتل أو مرفوعا عنه الإثم بأن عمد غرضا فأصاب إنسانا فكيف لم يقل بهذا في القتيل من أهل البغي والعدل فيقول كل من يلزمه اسم قاتل فلا يرث كما احتججت علينا ؟ وأنت أيضا تسوي بينهما في القتل فتقول لا أقيد واحدا منهما من صاحبه وإن كان أحدهما ظالما لأن كلا متأول قال فإن صاحبنا قال نقاتل أهل البغي ولا يدعون لأنهم يعرفون ما يدعون إليه وقال حجتنا فيه أن من بلغته الدعوة من أهل الحرب جاز أن يقاتل ولا يدعى فقلت له لو قاس غيرك أهل البغي بأهل الحرب كنت شبيها بالخروج إلى الإسراف في تضعيفه كما رأيتك تفعل في أقل من هذا قال وما الفرق بينهم ؟ .

قلت أرأيت أهل البغي إذا أظهروا إرادة الخروج علينا والبراءة منا واعتزلوا جماعتنا أتقتلهم في هذه الحال ؟ قال لا فقلت ولا نأخذ لهم مالا ولا نسبي لهم ذرية ؟ قال لا قلت أفرأيت أهل الحرب إذا كانوا في ديارهم لا يهمون بنا ولا يعرضون بذكرنا أهل قوة على حربنا فتركوها أو ضعف عنها فلم يذكروها أيحل لنا أن نقاتلهم نياما كانوا أو مولين ومرضى ونأخذ ما قدرنا عليه من مال وسبي نسائهم وأطفالهم ورجالهم ؟ قال نعم قلت وما يحل منهم مقاتلين مقبلين ومدبرين مثل ما يحل منهم تاركين للحرب غافلين ؟ قال نعم قلت وأهل البغي مقبلين يقاتلون ويتركون مولين فلا يؤخذ لهم مال ؟ قال نعم قلت أفتراهم يشبهونهم ، قال إنهم ليفارقونهم في بعض الأمور قلت بل في أكثرها أو كلها قال فما معنى دعوتهم ؟ قلت قد يطلبون الأمر ببعض الخوف والإرعاد فيجتمعون ويعتقدون ويسألون عزل العامل ويذكرون جوره أو رد مظلمته أو ما أشبه هذا فيناظرون فإن كان ما طلبوا حقا أعطوه وإن كان باطلا أقيمت الحجة عليهم فيه فإن تفرقوا قبل هذا تفرقا لا يعودون له فذاك وإن أبوا إلا القتال قوتلوا وقد اجتمعوا في زمان عمر بن عبد العزيز فكلمهم فتفرقوا بلا حرب وقلت له وإذا كانوا عندنا وعندك إذا قاتلوا فأكثروا القتل ثم ولوا لم يقتلوا مولين لحرمة الإسلام مع عظم الجناية فكيف تبيتهم فتقتلهم قبل قتالهم ودعوتهم وقد يمكن فيهم الرجوع بلا سفك دم ولا مؤنة أكثر من الكلام ورد مظلمة إن كانت يجب على الإمام ردها إذا علمها قبل أن يسألها .
الأمان

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال بعض الناس يجوز أمان المرأة المسلمة ، والرجل المسلم لأهل الحرب فأما العبد المسلم فإن أمن أهل بغي أو حرب وكان يقاتل أجزنا أمانه كما نجيز أمان الحر وإن كان لا يقاتل لم نجز أمانه ، فقلت له لم فرقت بين العبد يقاتل ولا يقاتل ؟ فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم } فقلت له هذه الحجة عليك ، قال ومن أين ؟ قلت إن زعمت أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { يسعى بذمتهم [ ص: 240 ] أدناهم } على الأحرار دون المماليك فقد زعمت أن المملوك يؤمن وهو خارج من الحديث ، قال ما هو خارج من الحديث وإنه ليلزمه اسم الإيمان ، فقلت له فإن كان داخلا في الحديث فكيف زعمت أنه لا يجوز أمانه إذا لم يقاتل ؟ قال إنما يؤمن المقاتلين مقاتل ، قلت ورأيت ذلك استثناء في الحديث أو وجدت عليه دلالة منه ؟ قال كان العقل يدل على هذا قلت ليس كما تقول الحديث والعقل معا يدلان على أنه يجوز أمان المؤمن بالإيمان لا بالقتال ولو كان كما قلت كنت قد خالفت أصل مذهبك قال ومن أين ؟ قلت زعمت أن المرأة تؤمن ، فيجوز أمانها والزمن لا يقاتل يؤمن فيجوز أمانه وكان يلزمك في هذين على أصل ما ذهبت إليه أن لا يجوز أمانهما لأنهما لا يقاتلان قال فإني أترك هذا كله فأقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال تتكافأ دماؤهم فدية العبد أقل من دية الحر فليس بكفء بدمه لدمه ، فقلت له القول الذي صرت إليه أبعد من الصواب من القول الذي بان لك تناقض قولك فيه ، قال ومن أين ؟ قلت أتنظر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم تتكافأ دماؤهم " إلى القود أم إلى الدية ؟ قال إلى الدية ، قلت فدية المرأة نصف دية الرجل وأنت تجيز أمانها ، ودية بعض العبيد عندك أكثر من دية المرأة فلا تجيز أمانه ؟ .

وقد يكون العبد لا يقاتل أكثر دية من العبد يقاتل ولا تجيز أمانه ويكون العبد يقاتل عن مائة درهم فتجيز أمانه فقد تركت أصل مذهبك في إجازة أمان العبد المقاتل يساوي مائة درهم وفي المرأة ، قال : فإن قلت إنما عنى " تتكافأ دماؤهم " في القود ، قلت فقله قال فقد قلت فأنت تقيد بالعبد الذي لا يساوي عشرة دنانير الحر ديته ألف دينار كان العبد ممن يحسن قتالا أو لا يحسنه ، قال إني لأفعل وما هذا على القود قلت أجل ولا على الدية ولا على القتال ، ولو كان على شيء من ذلك كنت قد تركته كله ، قال فعلام هو ؟ قلت على اسم الإيمان قال وإذا أسر أهل البغي أهل العدل وكان أهل العدل فيهم تجار فقتل بعضهم بعضا أو استهلك بعضهم لبعض مالا لم يقتص لبعضهم من بعض ولم يلزم بعضهم لبعض في ذلك شيء لأن الحكم لا يجري عليهم ، وكذلك إن كانوا في دار حرب ، فقلت له أتعني أنهم في حال شبهة بجهالهم وتنحيهم عن أهل العلم وجهالة من هم بين ظهرانيه ممن أهل بغي أو مشركين ؟ قال لا ولو كانوا فقهاء يعرفون أن ما أتوا وما هو دونه محرم أسقطت ذلك عنهم في الحكم لأن الدار لا يجري عليها الحكم فقلت له إنما يحتمل قولك لا يجري عليها الحكم معنيين ، أحدهما أن تقول ليس على أهلها أن يعطوا أن يكون الحكم عليهم جاريا ، والمعنى الثاني أن يغلب أهلها عليها فيمنعوها من الحكم في الوقت الذي يصيب فيه هؤلاء الحدود فأيهما عنيت ؟ قال أما المعنى الأول فلا أقول به على أهلها أن يصيروا إلى جماعة المسلمين ويستسلموا للحكم وهم بمنعه ظالمون مسلمون كانوا أو مشركين ولكن إذا منعوا دارهم من أن يكون عليها طاعة يجري فيها الحكم كانوا قبل المنع مطيعين يجري عليهم الحكم أو لم يكونوا مطيعين قبله فأصاب المسلمون في هذه الدار حدودا بينهم أو لله لم تؤخذ منهم الحدود ولا الحقوق بالحكم وعليهم فيما بينهم وبين الله عز وجل تأديتها فقلت له نحن وأنت تزعم أن القول لا يجوز إلا أن يكون خبرا أو قياسا معقولا فأخبرنا في أي المعنيين قولك ؟ قال قولي قياس لا خبر قلنا فعلام قسته ؟ قال على أهل دار المحاربين يقتل بعضهم بعضا ثم يظهر عليهم فلا نقيد منهم ، قلت أتعني من المشركين ؟ قال : نعم . فقلت له أهل الدار من المشركين يخالفون التجار والأسارى فيهم في المعنى الذي ذهبت إليه خلافا بينا .

قال فأوجدنيه قلت أرأيت المشركين المحاربين لو سبى بعضهم بعضا ثم أسلموا أتدع السابي يتخول المسبي موقوفا له ؟ قال نعم : قلت فلو فعل ذلك الأسارى أو التجار ثم ظهرنا عليهم ، قال فلا يكون لهم أن يسترق بعضهم [ ص: 241 ] بعضا قلت أفرأيت أهل الحرب لو غزونا فقتلوا فينا ثم رجعوا إلى دارهم فأسلموا أو أسلموا قبل الرجوع أيكون على القاتل منهم قود ؟ قال : لا . قلت فلو فعل ذلك الأسارى أو التجار غير مكرهين ولا مشتبه عليهم ؟ قال : يقتلون قلت أفرأيت المسلمين أيسعهم أن يقصدوا قصد الأسارى والتجار من المسلمين ببلاد الحرب فيقتلونهم ؟ قال لا بل محرم عليهم ، قلت أفيسعهم ذلك في أهل الحرب ؟ قال : نعم قلت أرأيت الأسارى والتجار لو تركوا صلوات ثم خرجوا إلى دار الإسلام أيكون عليهم قضاؤها أو زكاة كان عليهم أداؤها ؟ قال : نعم قلت ولا يحل لهم في دار الحرب إلا ما يحل في دار الإسلام ؟ قال : نعم قلت فإن كانت الدار لا تغير مما أحل الله لهم وحرم عليهم شيئا فيكون أسقطت عنهم حق الله عز وجل وحق الآدميين الذي أوجبه الله عز وجل فيما أتوا في الدار التي لا تغير عندك شيئا .

ثم قلت ولا يحل لهم حبس حق قبلهم في دم ولا غيره ؟ وما كان لا يحل لهم حبسه كان على السلطان استخراجه منهم عندك في غير هذا الموضع ، فقال فإني أقيسهم على أهل البغي الذين أبطل ما أصابوا إذا كان الحكم لا يجري عليهم ، قلت ولو قستهم بأهل البغي كنت قد أخطأت القياس ، قال وأين ؟ قلت أنت تزعم أن أهل البغي ما لم ينصبوا إماما ويظهروا حكمهم يقاد منهم في كل ما أصابوا وتقام عليهم الحدود والأسارى والتجار لا إمام لهم ولا امتناع فلو قستهم بأهل البغي كان الذي تقيم عليه الحدود من أهل البغي أشبه بهم لأنه غير ممتنع بنفسه وهم غير ممتنعين بأنفسهم وأهل البغي عندك إذا قتل بعضهم بعضا بلا شبهة ثم ظهرت عليهم أقدتهم وأخذت لبعضهم من بعض ما ذهب لهم من مال ، فقال ولكن الدار ممنوعة من أن يجرى عليها الحكم بغيرهم فإنما منعتهم بأن الدار لا يجرى عليها الحكم ، فقلت له فأنت إن قستهم بأهل الحرب والبغي مخطئ وإنما كان ينبغي أن تبتدئ بالذي رجعت إليه ، قال فيدخل علي في الذي رجعت إليه شيء ؟ قلت نعم قال وما هو ؟ قلت أرأيت الجماعة من أهل القبلة يحاربون فيمتنعون في مدينة أو صحراء فيقطعون الطريق ويسفكون الدماء ويأخذون الأموال ويأتون الحدود ؟ قال يقام هذا كله عليهم قلت ولم وقد منعوا هم بأنفسهم دارهم ومواضعهم حتى صاروا لا تجري الأحكام عليهم ؟ وإن كنت إنما ذهبت إلى أنه أسقط الحكم عن المسلمين امتناع الدار فهؤلاء منعوا الدار بأنفسهم من أن يجرى عليها حكم وقد أجريت عليهم الحكم فلم أجريته على قوم في دار ممنوعة من القوم وأسقطته عن آخرين ؟ وإن كنت قلت يسقط عن أهل البغي فأولئك قوم متأولون مع المنعية مشبه عليهم يرون أن ما صنعوا مباح لهم والأسارى والتجار الذين أسقطت عنهم الحدود يرون ذلك محرما عليهم ؟ فإنما قلت هذا في المحاربين من أهل القبلة بأن الله تعالى حكم عليهم أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف قلت له أفيحتمل أن يكون الحكم عليهم إن كانوا غير ممتنعين ؟ قال نعم ويحتمل وكل شيء إلا وهو يحتمل ولكن ليس في الآية دلالة عليه والآية على ظاهرها حتى تأتي دلالة على باطن دون ظاهر .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قلت له ومن قال بباطن دون ظاهر بلا دلالة له في القرآن والسنة أو الإجماع مخالف للآية قال نعم فقلت له فأنت إذا تخالف آيات من كتاب الله عز وجل قال وأين ؟ قلت قال الله تبارك وتعالى { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } وقال الله تعالى { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } وقال عز ذكره { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } فزعمت في هذا وغيره أنك تطرحه عن الأسارى والتجار بأن يكونوا في دار ممتنعة ولم تجد دلالة على هذا في كتاب الله عز وجل ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إجماع فتزيل ذلك عنهم بلا دلالة وتخصهم بذلك دون غيرهم وقال بعض الناس لا ينبغي لقاضي أهل البغي أن [ ص: 242 ] يحكم في الدماء والحدود وحقوق الناس وإذا ظهر الإمام على البلد الذي فيه قاض لأهل البغي لم يرد من حكمه إلا ما يرد من حكم غيره من قضاة غير أهل البغي وإن حكم على غير أهل البغي فلا ينبغي للإمام أن يجيز كتابه خوف استحلاله أموال الناس بما لا يحل له .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا كان غير مأمون برأيه على استحلال ما لا يحل له من مال امرئ أو دمه لم يحل قبول كتابه ولا إنفاذ حكمه ، وحكمه أكثر من كتابه فكيف يجوز أن ينفذ حكمه وهو الأكثر ويرد كتابه وهو الأقل ؟ وقال من خالفنا إذا قتل العادل أباه ورثه وإذا قتل الباغي لم يرثه وخالفه بعض أصحابه فقال هما سواء يتوارثان لأنهما متأولان وخالفه آخر فقال لا يتوارثان لأنهما قاتلان .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : الذي هو أشبه بمعنى الحديث أنهما سواء لا يتوارثان ويرثهما غيرهما من ورثتهما .

( قال الشافعي ) قال من خالفنا يستعين الإمام على أهل البغي بالمشركين إذا كان حكم المسلمين ظاهرا .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقلت له إن الله عز وجل أعز بالإسلام أهله فخولهم من خالفهم بخلاف دينه فجعلهم صنفين صنفا مرقوقين بعد الحرية وصنفا مأخوذا من أموالهم ما فيه لأهل الإسلام المنفعة صغارا غير مأجورين عليه ومنعهم من أن ينالوا نكاح مسلمة وأباح نساء حرائر أهل الكتاب للمسلمين ثم زعمت أن لا يذبح النسك إذا كان تقربا إلى الله جل ذكره أحد من أهل الكتاب فكيف أجزت أن تجعل المشرك في منزلة ينال بها مسلما حتى يسفك بها دمه وأنت تمنعه من أن تسلطه على شاته التي يتقرب بها إلى ربه ؟ قال حكم الإسلام هو الظاهر قلت : والمشرك هو القاتل والمقتول قد مضى عنه الحكم وصيرت حتفه بيدي من خالف دين الله عز وجل ولعله يقتله بعداوة الإسلام وأهله في الحال التي لا تستحل أنت فيها قتله .

( قال الشافعي ) وقلت له أرأيت قاضيا إن استقضى تحت يده قاضيا هل يولي ذميا مأمونا أن يقضي في حزمة بقل وهو يسمع قضاءه فإن أخطأ الحق رده ؟ قال : لا قلت ولم ؟ وحكم القاضي الظاهر ؟ قال وإن . فإن عظيما أن ينفذ على مسلم شيء بقول ذمي قلت : إنه بأمر مسلم ، قال وإن كان كذلك فالذمي موضع حاكم فقلت له أفتجد الذمي في قتال أهل البغي قاتلا في الموضع الذي لا يصل الإمام إلى أن يأمره بقتل إن رآه ولا كف ؟ قال إن هذا كما وصفت ولكن أصحابنا احتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بالمشركين على المشركين قلت : ونحن نقول لك استعن بالمشركين على المشركين لأنه ليس في المشركين عز محرم أن نذله ولا حرمة حرمت إلا أن نستبقيها كما يكون في أهل دين الله عز وجل ولو جاز أن يستعان بهم على قتال أهل البغي في الحرب كان أن يمضوا حكما في حزمة بقل أجوز وقلت له : ما أبعد ما بين أقاويلك قال في أي شيء ؟ قلت أنت تزعم أن المسلم والذمي إذا تداعيا ولذا جعلت الولد للمسلم وحجتهما فيه واحدة لأن الإسلام أولى بالولد قبل أن يصف الولد الإسلام . وزعمت أن أحد الأبوين إذا أسلم كان الولد مع أيهما أسلم تعزيرا للإسلام فأنت في هذه المسألة تقول هذا وفي المسألة قبلها تسلط المشركين على قتل أهل الإسلام .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #179  
قديم 25-10-2022, 01:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (179)
صــــــــــ 243 الى صـــــــــــ249






كتاب السبق والنضال أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى قال : جماع ما يحل أن يأخذه الرجل من الرجل المسلم ثلاثة وجوه أحدها ما وجب على الناس في أموالهم مما ليس لهم دفعه من جناياتهم وجنايات من يعقلون عنه ، وما وجب عليهم بالزكاة والنذور والكفارات وما أشبه [ ص: 243 ] ذلك ، وما أوجبوا على أنفسهم مما أخذوا به العوض من البيوع والإجارات والهبات للثواب وما في معناه وما أعطوا متطوعين من أموالهم التماس واحد من وجهين أحدهما طلب ثواب الله تعالى ، والآخر طلب الاستحماد ممن أعطوه إياه وكلاهما معروف حسن ونحن نرجو عليه الثواب إن شاء الله تعالى ، ثم ما أعطى الناس من أموالهم من غير هذه الوجوه وما في معناها واحد من وجهين أحدهما حق والآخر باطل فما أعطوا من الباطل غير جائز لهم ولا لمن أعطوه وذلك قول الله عز وجل { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } فالحق من هذا الوجه الذي هو خارج من هذه الوجوه التي وصفت يدل على الحق في نفسه وعلى الباطل فيما خالفه ، وأصل ذكره في القرآن والسنة والآثار ، قال الله تبارك وتعالى فيما ندب إليه أهل دينه { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل } فزعم أهل العلم بالتفسير أن القوة هي الرمي ، وقال الله تبارك وتعالى { وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا سبق إلا في نصل أو حافر أو خف } .

( قال الشافعي ) وأخبرني ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن عباد بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا سبق إلا في حافر أو خف } قال : وأخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب قال : مضت السنة في النصل والإبل والخيل والدواب حلال : قال : وأخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي قد أضمرت } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقول النبي صلى الله عليه وسلم { لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل } يجمع معنيين أحدهما أن كل نصل رمي به من سهم أو نشابة أو ما ينكأ العدو نكايتهما وكل حافر من خيل وحمير وبغال وكل خف من إبل بخت أو عراب داخل في هذا المعنى الذي يحل فيه السبق . والمعنى الثاني أنه يحرم أن يكون السبق إلا في هذا : وهذا داخل في معنى ما ندب الله عز وجل إليه وحمد عليه أهل دينه من الإعداد لعدوه القوة ورباط الخيل والآية الأخرى { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } لأن هذه الركاب لما كان السبق عليها يرغب أهلها في اتخاذها لآمالهم إدراك السبق فيها والغنيمة عليها كانت من العطايا الجائزة بما وصفتها فالاستباق فيها حلال وفيما سواها محرم فلو أن رجلا سابق رجلا على أن يتسابقا على أقدامهما أو سابقه على أن يعدو إلى رأس جبل أو على أن يعدو فيسبق طائرا ، أو على أن يصيب ما في يديه ، أو على أن يمسك في يده شيئا فيقول له اركن فيركن فيصيبه ، أو على أن يقوم على قدميه ساعة أو أكثر منها ، أو على أن يصارع رجلا ، أو على أن يداحي رجلا بالحجارة فيغلبه كان هذا كله غير جائز من قبل أنه خارج من معاني الحق الذي حمد الله عليه وخصته السنة بما يحل فيه السبق وداخل في معنى ما حظرته السنة إذ نفت السنة أن يكون السبق إلا في خف أو نصل أو حافر وداخل في معنى أكل المال بالباطل لأنه ليس مما أخذ المعطي عليه عوضا ولا لزمه بأصل حق ولا أعطاه طلبا لثواب الله عز وجل ولا لمحمدة صاحبه بل صاحبه يأخذه غير حامد له وهو غير مستحق له فعلى هذا عطايا الناس وقياسها .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : والأسباق ثلاثة سبق يعطيه الوالي أو الرجل غير الوالي من مال متطوعا به وذلك مثل أن يسبق بين الخيل من غاية إلى غاية فيجعل للسابق شيئا معلوما وإن شاء جعل للمصلي والثالث والرابع والذي يليه بقدر ما أرى فما جعل لهم كان لهم على ما جعل لهم وكان مأجورا ، عليه أن يؤدي فيه وحلالا لمن أخذه . وهذا وجه ليست فيه علة . والثاني يجمع وجهين وذلك أن يكون الرجلان يريدان يستبقان بفرسيهما ولا يريد كل [ ص: 244 ] واحد منهما أن يسبق صاحبه ويريدان أن يخرجا سبقين من عندهما وهذا لا يجوز حتى يدخلا بينهما محللا ، والمحلل فارس أو أكثر من فارس ولا يجوز المحلل حتى يكون كفؤا للفارسين لا يأمنان أن يسبقهما فإذا كان بينهما محلل أو أكثر فلا بأس أن يخرج كل واحد منهما ما تراضيا عليه مائة مائة أو أكثر أو أقل ويتواضعانها على يدي من يثقان به أو يضمنانها ويجري بينهما المحلل فإن سبقهما المحلل كان ما أخرجا جميعا له وإن سبق أحدهما المحلل أحرز السابق ماله وأخذ مال صاحبه وإن أتيا مستويين لم يأخذ واحد منهما من صاحبه شيئا وأقل السبق أن يفوت أحدهما صاحبه بالهادي أو بعضه أو بالكتد أو بعضه .

( قال الربيع ) الهادي عنق الفرس والكتد كتف الفرس والمصلي هو الثاني والمحلل هو الذي يرمي معي ومعك ويكون كفؤا للفارسين فإن سبقنا المحلل أخذ منا جميعا وإن سبقناه لم نأخذ منه شيئا لأنه محلل وإن سبق أحدنا صاحبه وسبقه المحلل أخذ المحلل منه السبق ولم يأخذ مني لأني قد أخذت سبقي .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا كان هذا في الاثنين هكذا فسواء لو كانوا مائة أخرج كل واحد منهم مثل ما يخرج صاحبه وأدخلوا بينهم محللا إن سبق كان له جميع ذلك وإن سبق لم يكن عليه شيء وإنما قلنا هذا لأن أصل السنة في السبق أن يكون بين الخيل وما يجري فإن سبق غنم وإن سبق لم يغرم وهكذا هذا في الرمي والثالث أن يسبق أحد الفارسين صاحبه فيكون السبق منه دون صاحبه فإن سبقه صاحبه كان له السبق وإن سبق صاحبه لم يغرم صاحبه شيئا وأحرز هو ماله وسواء لو أدخل معه عشرة هكذا ولا يجوز أن يجري الرجل مع الرجل يخرج كل واحد منها سبقا ويدخلان بينهما محللا إلا والغاية التي يجريان منها والغاية التي ينتهيان إليها واحدة ولا يجوز أن ينفصل أحدهما عن الآخر بخطوة واحدة .
ما ذكر في النضال

( قال الشافعي ) رحمه الله : والنضال فيما بين الاثنين يسبق أحدهما الآخر والثالث بينهما المحلل كهو في الخيل لا يختلفان في الأصل فيجوز في كل واحد منهما ما جاز في الآخر ويرد فيهما ما يرد في الآخر ثم يتفرعان فإذا اختلفت عللهما اختلفا ، وإذا سبق أحد الرجلين الآخر على أن يجعلا بينهما قرعا معروفا خواسق أو حوابي فهو جائز إذا سميا الغرض الذي يرميانه ، وجائز أن يتشارطا ذلك محاطة أو مبادرة فإذا تشارطاه محاطة فكلما أصاب أحدهما بعدد وأصاب الآخر بمثله سقط كل واحد من العددين واستأنفا عددا كأنهما أصابا بعشرة أسهم عشرة سقطت العشرة بالعشرة ولا شيء لواحد منهما على صاحبه ولا يعتد كل واحد منهما على صاحبه إلا بالفضل من إصابته على إصابة صاحبه وهذا من حين يبتدئان السبق إلى أن يفرغا منه وسواء كان لأحدهما فضل عشرين سهما ثم أصاب معه صاحبه بسهم حط منهما سهم ثم كلما أصاب حطه حتى يخلص له فضل العدد الذي شرط فينضله
وإن وقف وقرع بينهما من عشرين خاسقا وله فضل تسعة عشر فأصاب بسهم وقفنا المفلوج وأمرنا الآخر بالرمي حتى [ ص: 245 ] ينفذ ما في أيديهما في رشقها فإن حطه المفلوج عليه بطل فلجه وإن أنفد ما في يديه وللآخر في ذلك الرشق عشرون لم يكلف أن يرمي معه وكان قد فلج عليه .
وإن تشارطا أن القرع بينهما حواب كان الحابي قرعة والخاسق قرعتين ويتقايسان إذا أخطآ في الوجه معا فإن كان أحدهما أقرب من صاحبه بسهم فأكثر عدد ذلك عليه ، وإن كان أقرب منه بسهم ثم الآخر أقرب بأسهم بطلت أسهمه الذي هو أقرب به لا يعد القرب لواحد ولا أكثر وثم واحد أقرب منه ، وكذلك لو كان أحدهما أقرب بسهم حسبناه له والآخر أقرب بخمسة أسهم بعد ذلك السهم لم نحسبها له إنما نحسب له الأقرب فأيهما كان أقرب بواحد حسبناه له وإن كان أقرب بأكثر وإن كان أقرب بواحد ثم الآخر بعده أقرب بواحد ثم الأول الذي هو أقربهما أقرب بخمسة أسهم لم يحسب له من الخمسة من قبل أن لمناضله سهما أقرب منها ، وإن كان أقرب بأسهم فأصاب صاحبه بطل القرب لأن المصيب أولى من القريب إنما يحسب القريب لقربه من المصيب ولكن إن أصاب أحدهما وأخلى الآخر حسب للمصيب صوابه ثم نظر في حوابيهما فإن كان الذي لم يصب أقرب بطل قربه بمصيب مناضله فإن كان المصيب أقرب حسب له من نبله ما كان أقرب مع مصيبه لأنا إذا حسبنا له ما قرب من نبله مع غير مصيبه كانت محسوبة مع مصيبه ، وقد رأيت من أهل الرمي من يزعم أنهم إنما يتقايسون في القرب إلى موضع العظم ، وموضع العظم وسط الشن والأرض ولست أرى هذا يستقيم في القياس فالقياس أن يتقاربوا إلى الشن من قبل أن الشن موضع الصواب وقد رأيت منهم من يقايس بين النبل في الوجه والعواضد يمينا وشمالا ما لم يجاوز الهدف فإذا جاوز الهدف أو الشن أو كان منصوبا ألغوها فلم يقايسوا بها ما كان عضدا أو كان في الوجه ولا يجوز هذا في القياس فالقياس أن يقاس به خارجا أو ساقطا أو عاضدا أو كان في الوجه وهذا في المبادرة مثله في المحاطة لا يختلفان ، والمبادرة أن يسميا قرعا ثم يحسب لكل واحد منهما صوابه إن تشارطوا الصواب وحوابيه إن تشارطوا الحوابي مع الصواب ثم أيهما سبق إلى ذلك العدد كان له الفضل
( قال الربيع : الحابي الذي يصيب الهدف ولا يصيب الشن ) فإذا تقايسا بالحوابي فاستوى حابياهما تباطلا في ذلك الوجه فلم يتعادا لأنا إنما نعاد من كل واحد منهما ما كان أقرب به وليس واحد منهما بأقرب من صاحبه ، وإذا سبق الرجل الرجل على أن يرمي معه أو سبق رجل بين رجلين فقد رأيت من الرماة من يقول صاحب السبق أولى أن يبدأ والمسبق يبدئ أيهما شاء ولا يجوز في القياس أن يتشارطا أيهما يبدأ فإن لم يفعلا اقترعا ، والقياس أن لا يرميا إلا عن شرط وإذا بدأ أحدهما من وجه بدأ الآخر من الوجه الذي يليه ويرمي البادئ بسهم ثم الآخر بسهم حتى ينفد نبلهما وإذا عرق أحدهما فخرج السهم من يده فلم يبلغ الغرض كان له أن يعود فيرمي به من قبل العارض فيه وكذلك لو زهق من قبل العارض فيه أعاده فرمى به وكذلك لو انقطع وتره فلم يبلغ أو انكسر قوسه فلم يبلغ كان له أن يعيده ، وكذلك لو أرسله فعرض دونه دابة أو إنسان فأصابهما كان له أن يعيده في هذه الحالات كلها ، وكذلك لو اضطربت به يداه أو عرض له في يديه ما لا يمضي معه السهم كان له أن يعود ، فأما إن جاز وأخطأ القصد فرمى فأصاب الناس أو أجاز من ورائهم فهذا سوء رمي منه ليس بعارض غلب عليه وليس له أن يعيده ، وإذا كان رميهما مبادرة فبدأ أحدهما فبلغ تسعة عشر من عشرين رمى صاحبه بالسهم الذي يراسله به ثم رمى البادئ فإن أصاب بسهمه ذلك فلج عليه ولم يرم الآخر بالسهم لأن أصل السبق مبادرة والمبادرة أن يفوت أحدهما الآخر وليست كالمحاطة .
وإذا تشارطا الخواسق فلا يحسب لرجل خاسق حتى يخرق الجلد ويكون متعلقا مثله ، وإن تشارطا المصيب فلو أصاب الشن ولم يخرقه حسب له لأنه مصيب ، وإذا [ ص: 246 ] تشارطا الخواسق والشن ملصق بهدف فأصاب ثم رجع ولم يثبت فزعم الرامي أنه خسق ثم رجع لغلظ لقيه من حصاة أو غيرها وزعم المصاب عليه أنه لم يخسق وأنه إنما قرع ثم رجع فالقول قوله مع يمينه إلا أن تقوم بينهما بينة فيؤخذ بها ، وكذلك إن كان الشن باليا فيه خروق فأصاب موضع الخروق فغاب في الهدف فهو مصيب ، وإن لم يغب في الهدف ولم يستمسك بشيء من الشن ثم اختلفا فيه فالقول قول المصاب عليه مع يمينه
فإن أصاب طرفا من الشن فخرمه ففيها قولان : أحدهما : أنه لا يحسب له خاسقا إذا كان شرطهما الخواسق إلا أن يكون بقي عليه من الشن طغية أو خيط أو جلد أو شيء من الشن يحيط بالسهم فيكون يسمى بذلك خاسقا لأن الخاسق ما كان ثابتا في الشن وقليل ثبوته وكثيره سواء ، ولا يعرف الناس إذا وجهوا بأن يقال هذا خاسق إلا أن الخاسق ما أحاط به المخسوق فيه ، ويقال للآخر خارم لا خاسق . والقول الآخر أن يكون الخاسق قد يقع بالاسم على ما أوهى الصحيح فخرقه فإذا خرق منه شيئا - قل أو كثر ببعض النصل - فهو خاسق لأن الخسق الثقب وهذا قد ثقب وإن خرم .
وإن كان السهم ثابتا في الهدف وعليه جلدة من الشن أو طغية ليست بمحيطة فقال الرامي خرق هذه الجلدة فانخرمت أو هذه الطغية فانخرمت ، وقال المخسوق عليه إنما وقع في الهدف متغلغلا تحت هذه الجلدة أو الطغية اللتين هما طائرتان عما سواهما من الشن فالقول قوله مع يمينه ولا يحسب هذا خاسقا بحال في واحد من القولين ، ولو كان في الشن خرق فأثبت السهم في الخرق ثم ثبت في الهدف كان خاسقا لأنه إذا ثبت في الهدف فالشن أضعف منه .
ولو كان الشن منصوبا فرمى فأصاب ثم مرق السهم فلم يثبت كان عندي خاسقا ، ومن الرماة من لا يعده إذا لم يثبت ، ولو اختلفا فيه فقال الرامي أصاب ومار فخرج وقال المرمى عليه لم يصب أو أصاب حرف الشن بالقدح ثم مضى كان القول قوله مع يمينه .
ولو أصاب الأرض ثم ازدلف فخرق الشن فقد اختلفت الرماة فمنهم من أنبته خاسقا وقال بالرمية أصاب وإن عرض له دونها شيء فقد مضى بالنزعة التي أرسل بها ، ومنهم من زعم أن هذا لا يحسب له لأنه استحدث بضربته الأرض شيئا أحماه فهو غير رمي الرامي ولو أصاب وهو مزدلف فلم يخسق وشرطهم الخواسق لم يحسب في واحد من القولين خاسقا ، ولو كان شرطهما المصيب حسب في قول من يحسب المزدلف وسقط في قول من يسقطه .

( قال الربيع ) المزدلف الذي يصيب الأرض ثم يرتفع من الأرض فيصيب الشن ، ولو كان شرطهم المصيب فأصاب السهم حين تفلت غير مزدلف الشن بقدحه دون نصله لم يحسب لأن الصواب إنما هو بالنصل دون القدح ، ولو أرسله مفارقا للشن فهبت ريح فصرفته فأصاب حسب له مصيبا ، وكذلك لو صرفته عن الشن وقد أرسله مصيبا ، وكذلك لو أسرعت به وهو يراه قاصرا فأصاب حسب مصيبا ، ولو أسرعت به وهو يراه مصيبا فأخطأ كان مخطئا ولا حكم للريح يبطل شيئا ولا يحقه ليست كالأرض ولا كالدابة يصيبها ثم يزدلف عنها فيصيب ، ولو كان دون الشن شيء ما كان دابة أو ثوبا أو شيئا غيره فأصابه فهتكه ثم مر بحموته حتى يصيب الشن حسب في هذه الحالة لأن إصابته وهتكه لم يحدث له قوة غير النزع إنما أحدث فيه ضعفا .
ولو رمى والشن منصوب فطرحت الريح الشن أو أزاله إنسان قبل يقع سهمه كان له أن يعود فيرمي بذلك السهم لأن الرمية زالت ، وكذلك لو زال الشن عن موضعه بريح أو إزالة إنسان بعد ما أرسل السهم فأصاب الشن حيث زال لم يحسب له ، ولكنه لو أزيل فتراضيا أن يرمياه حيث أزيل حسب لكل واحد منهما صوابه ، ولو أصاب الشن ثم سقط فانكسر سهمه أو خرج بعد ثبوته حسب له خاسقا لأنه قد ثبت وهذا كنزع الإنسان إياه بعد ما يصيب .
ولو تشارطا أن الصواب إنما هو في الشن [ ص: 247 ] خاصة فكان للشن وتر يعلق به أو جريد يقوم عليه فأثبت السهم في الوتر أو في الجريد لم يحسب ذلك له لأن هذا وإن كان مما يصلح به الشن فهو غير الشن ، ولو لم يتشارطا فأثبت في الجريد أو في الوتر كان فيهما قولان ، أحدهما أن اسم الشن والصواب لا يقع على المعلاق لأنه يزايل الشن فلا يضر به وإنما يتخذ ليربط به كما يتخذ الجدار ليسند إليه وقد يزايله فتكون مزايلته غير إخراب له ويحسب ما ثبت في الجريد إذا كان الجريد مخيطا عليه لأن إخراج الجريد لا يكون إلا بضرر على الشن ، ويحسب ما ثبت في عرى الشن المخروزة عليه والعلاقة مخالفة لهذا ، والقول الثاني أن يحسب أيضا ما يثبت في العلاقة من الخواسق لأنها تزول بزواله في حالها تلك قال ولا بأس أن يناضل أهل النشاب أهل العربية وأهل الحسبان لأن كلها نبل وكذلك القسي الدودانية والهندية وكل قوس يرمى عنها بسهم ذي نصل ، ولا يجوز أن يتناضل رجلان على أن في يد أحدهما من النبل أكثر مما في يد الآخر ولا على أنه إذا خسق أحدهما حسب خاسقه خاسقين وخاسق الآخر ولا على أن لأحدهما خاسقا ثابتا لم يرم به يحسب مع خواسقه ولا على أنه يطرح من خواسق أحدهما خاسق ولا على أن أحدهما يرمي من عرض والآخر من أقرب منه ولا يجوز أن يرميا إلا من عرض واحد وبعدد نبل واحد وأن يستبقا إلى عدد قرع لا يجوز أن يقول أحدهما أسابقك على أن آتي بواحد وعشرين خاسقا فأكون ناضلا إن لم تأت بعشرين ولا تكون ناضلا إن جئت بعشرين قبل أن آتي بواحد وعشرين حتى يكونا مستويين معا ولا يجوز أن يشترط أحدهما على الآخر أن لا يرمي إلا بنبل بأعيانها إن تغيرت لم يبدلها ولا إن أنفذ سهما أن لا يبدله ولا على أن يرمي بقوس بعينها لا يبدلها ولكن يكون ذلك إلى الرامي يبدل ما شاء من نبله وقوسه ما كان عدد النبل والغرض والقرع واحدا ، وإن انتضلا فانكسرت نبل أحدهما أو قوسه أبدل نبلا وقوسا ، وإن انقطع وتره أبدل وترا مكان وتره ، ومن الرماة من زعم أن المسبق إذا سمى قرعا يستبقان إليه أو يتحاطانه فكانا على السواء أو بينهما زيادة سهم كان للمسبق أن يزيد في عدد القرع ما شاء ، ومنهم من زعم أنه ليس له أن يزيد في عدد القرع ما لم يكونا سواء ومنهم من زعم أنهما إذا رميا على عدد قرع لم يكن للمسبق أن يزيد فيه بغير رضا المسبق ولا خير في أن يجعل خاسق في السواد بخاسقين في البياض إلا أن يتشارطا أن الخواسق لا تكون إلا في السواد ، فيكون بياض الشن كالهدف لا يحسب خاسقا وإنما يحسب حابيا ولا خير في أن يسميا قرعا معلوما فلا يبلغانه ويقول أحدهما للآخر إن أصبت بهذا السهم الذي في يدك فقد نضلت إلا أن يتناقضا السبق الأول ثم يجعل له جعلا معروفا على أن يصيب بسهم ولا بأس على الابتداء أن يقف عليه فيقول إن أصبت بسهم فلك كذا وإن أصبت بأسهم فلك كذا وكذا فإن أصاب بها فذلك له وإن لم يصب بها فلا شيء له لأن هذا سبق على غير نضال ، ولكن لو قال له ارم عشرة أرشاق فناضل الخطأ بالصواب فإن كان صوابك أكثر فلك سبق كذا لم يكن في هذا خير لأنه لا يصلح أن يناضل نفسه وإذا رمى بسهم فانكسر فأصاب النصل حسب خاسقا وإن سقط الشق الذي فيه النصل دون الشن وأصاب بالقدح الذي لا نصل فيه لم يحسب ولو انقطع باثنين فأصاب بهما معا حسب له الذي فيه النصل وألغي عنه الآخر .
ولو كان في الشن نبل فأصاب بسهمه فوق سهم من النبل ولم يمض سهمه إلى الشن لم يحسب له لأنه لم يصب الشن وأعيد عليه فرمى به لأنه قد عرض له دون الشن عارض كما تعرض له الدابة فيصيبها فيعاد عليه وإذا سبق الرجل الرجل على أن يرمي معه فرمى معه ثم أراد المسبق أن يجلس فلا يرمي معه وللمسبق فضل أو لا فضل له أو عليه فضل فسواء لأنه قد يكون عليه الفضل ثم ينضل ويكون له الفضل ثم ينضل ، والرماة يختلفون في ذلك فمنهم من يجعل [ ص: 248 ] له أن يجلس ما لم ينضل ، وينبغي أن يقول هو شيء إنما يستحقه بغير غاية تعرف وقد لا يستحقه ويكون منضولا وليس بإجارة فيكون له حصته مما عمل ، ومنهم من يقول ليس له أن يجلس به إلا من عذر وأحسب العذر عندهم أن يموت أو يمرض المرض الذي يضر بالرمي أو يصيبه بعض ذلك في إحدى يديه أو بصره وينبغي إذا قالوا له هذا أن يقولوا فمتى تراضيا على أصل الرمي الأول فلا يجوز في واحد من القولين أن يشترط المسبق أن المسبق إذا جلس به كان السبق له به لأن السبق على النضل والنضل غير الجلوس وهذان شرطان وكذلك لو سبقه ولم يشترط هذا عليه ثم شرط هذا بعد السبق سقط الشرط ولا خير في أن يقول له أرمي معك بلا عدد قرع يستبقان إليه أو يتحاطانه ، ولا خير في أن يسبقه على أنهما إذا تفالجا أعاد عليه وإن سبقه ونيتهما أن يعيد كل واحد منهما على صاحبه فالسبق غير فاسد وأكره لهما النية إنما أنظر في كل شيء إلى ظاهر العقد فإذا كان صحيحا أجزته في الحكم وإن كانت فيه نية لو شرطت أفسدت العقد لم أفسده بالنية لأن النية حديث نفس وقد وضع الله عن الناس حديث أنفسهم وكتب عليهم ما قالوا وما عملوا .
وإذا سبق أحد الرجلين الآخر على أن لا يرمي معه إلا بنبل معروف أو قوس معروفة فلا خير في ذلك حتى يكون السبق مطلقا من قبل أن القوس قد تنكسر وتعتل فيفسد عنها الرمي فإن تشارطا على هذا فالشرط يبطل السبق بينهما ولا بأس أن يرمي الناشب مع صاحب العربية وإن سابقه على أن يرمي معه بالعربية رمى بأي قوس شاء من العربية وإن أراد أن يرمي بغير العربية من الفارسية لم يكن له ذلك لأن معروفا أن الصواب عن الفارسية أكثر منه عن العربية وكذلك كل قوس اختلفت . وإنما فرقنا بين أن لا نجيز أن يشترط الرجل على الرجل أن لا يرمي إلا بقوس واحدة أو نبل وأجزنا ذلك في الفرس إن سابقه بفرس واحد لأن العمل في السبق في الرمي إنما هو للرامي والقوس والنبل أداة فلا يجوز أن يمنع الرمي بمثل القوس والنبل الذي شرط أن يرمي بها فيدخل عليه الضرر بمنع ما هو أرفق به من أداته التي تصلح رميه والفرس نفسه هو الجاري المسبق ولا يصلح أن يبدله صاحبه وإنما فارسه أداة فوقه ولكنه لو شرط عليه أن لا يجريه إلا إنسان بعينه لم يجز ذلك ولو أجزنا أن يراهن رجل رجلا بفرس بعينه فيأتي بغيره أجزنا أن يسبق رجل رجلا ثم يبدل مكانه رجلا يناضله ولكن لا يجوز أن يكون السبق إلا على رجل بعينه ولا يبدله بغيره وإذا كان عن فرس بعينه فلا يبدل غيره ولا يصلح أن يمنع الرجل أن يرمي بأي نبل أو قوس شاء إذا كانت من صنف القوس التي سابق عليها ولا أرى أن يمنع صاحب الفرس أن يحمل على فرسه من شاء لأن الفارس كالأداة للفرس والقوس والنبل كالأداة للرامي . ولا خير في أن يشترط المتناضلان أحدهما على صاحبه ولا كل واحد منهما على صاحبه أن لا يأكل لحما حتى يفرغ من السبق ولا أن يفترش فراشا .

وكذلك لا يصلح أن يقول المتسابقان بالفرس لا يعلف حتى يفرغ يوما ولا يومين لأن هذا شرط تحريم المباح والضرر على المشروط عليه وليس من النضال المباح .
وإذا نهى الرجل أن يحرم على نفسه ما أحل الله له لغير تقرب إلى الله تعالى بصوم كان أو يشرط ذلك عليه غيره أولى أن يكون منهيا عنه ولا خير في أن يشترط الرجل على الرجل أن يرمي معه بقرع معلوم على أن للمسبق أن يعطيه ما شاء الناضل أو ما شاء المنضول ولا خير في ذلك حتى يكون بشيء معلوم مما يحل في البيع والإجارات . ولو سبقه شيئا معلوما على أنه إن نضله دفعه إليه وكان له عليه أن لا يرمي أبدا أو إلى مدة من المدد لم يجز لأنه يشترط عليه أن يمتنع من المباح له . ولو سبقه دينارا على أنه إن نضله كان ذلك الدينار له وكان له عليه أن يعطيه صاع حنطة بعد شهر كان هذا سبقا جائزا إذا كان ذلك كله من مال المنضول ولكنه لو سبقه [ ص: 249 ] دينارا على أنه إن نضله أعطاه المنضول ديناره وأعطى الناضل المنضول مد حنطة أو درهما أو أكثر أو أقل لم يكن هذا جائزا من قبل أن العقد قد وقع منه على شيئين شيء يخرجه المنضول جائزا في السنة للناضل وشيء يخرجه الناضل فيفسد من قبل أنه لا يصلح أن يتراهنا على النضال لا محلل بينهما لأن التراهن من القمار ولا يصلح لأن شرطه أن يعطيه المد ليس ببيع ولا سبق فيفسد من كل وجه ولو كان علي لك دينار فسبقتني دينارا فنضلتك فإن كان دينارك حالا فلك أن تقاصني وإن كان إلى أجل فعليك أن تعطيني الدينار وعلي إذا حل الأجل أن أعطيك دينارك ولو سبقه دينارا فنضله إياه ثم أفلس كان أسوة الغرماء لأنه حل في ماله بحق أجازته السنة فهو كالبيوع والإجارات ولو سبق رجل رجلا دينارا إلا درهما أو دينارا إلا مدا من حنطة كان السبق غير جائز لأنه قد يستحق الدينار وحصة الدرهم من الدينار عشر ولعل حصته يوم سبقه نصف عشره وكذلك المد من الحنطة وغيره .
ولا يجوز أن أسبقك ولا أن أشتري منك ولا أن أستأجر منك إلى أجل بشيء إلا شيئا يستثنى منه لا من غيره ولا أن أسبقك بمد تمر إلا ربع حنطة ولا درهم إلا عشرة أفلس ولكن إن استثنيت شيئا من الشيء الذي سبقته فلا بأس إذا سبقتك دينارا إلا سدسا فإنما سبقتك خمسة أسداس دينار وإن سبقتك صاعا إلا مدا فإنما سبقتك ثلاثة أمداد فعلى هذا الباب كله وقياسه ، قال : ولا خير في أن أسبقك دينارا على أنك إن نضلتنيه أطعمت به أحدا بعينه ولا بغير عينه ولا تصدقت به على المساكين كما لا يجوز أن أبيعك شيئا بدينار على أن تفعل هذا فيه ولا يجوز إذا ملكتك شيئا إلا أن يكون ملكك فيه تاما تفعل فيه ما شئت دوني
وإذا اختلف المتناضلان من حيث يرسلان وهما يرميان في المائتين يعني ذراعا فإن كان أهل الرمي يعلمون أن من رمى في هدف يقدم أمام الهدف الذي يرمي من عنده ذراعا أو أكثر حمل على ذلك إلا أن يتشارطا في الأصل أن يرميا من موضع بعينه فيكون عليهما أن يرميا من موضع شرطهما
وإن تشارطا أن يرميا في شيئين موضوعين أو شيئين يريانهما أو يذكران سيرهما فأراد أحدهما أن يعلق ما تشارطا على أن يضعاه أو يضع ما تشارطا على أن يعلقاه أو يبدل الشن بشن أكبر أو أصغر منه فلا يجوز له ويحمل على أن يرمي على شرطه
وإذا سبقه ولم يسم الغرض فأكره السبق حتى يسبقه على غرض معلوم وإذا سبقه على غرض معلوم كرهت أن يرفعه أو يخفضه دونه وقد أجاز الرماة للمسبق أن يرفع المسبق ويخفضه فيرمي معه رشقا وأكثر في المائتين ورشقا وأكثر في الخمسين والمائتين ورشقا وأكثر في الثلاثمائة ومن أجاز هذا أجاز له أن يرمي به في الرقعة وفي أكثر من ثلاثمائة ومن أجاز هذا أجاز له أن يبدل الشن وجعل هذا كله إلى المسبق ما لم يكونا تشارطا شرطا ، ويدخل عليه إذا كانا رميا أول يوم بعشرة أن يكون للمسبق أن يزيد في عدد النبل وينقص منها إذا استويا في حال أبدا جعلوا ذلك إليه .
ولا بأس أن يتشارطا أن يرميا أرشاقا معلومة كل يوم من أول النهار أو آخره ولا يتفرقان حتى يفرغا منها إلا من عذر بمرض لأحدهما أو حائل يحول دون الرمي والمطر عذر لأنه قد يفسد النبل والقسي ويقطع الأوتار ولا يكون الحر عذرا لأن الحر كائن كالشمس ولا الريح الخفيفة وإن كانت قد تصرف النبل بعض الصرف ولكن إن كانت الريح عاصفا كان لأيهما شاء أن يمسك عن الرمي حتى تسكن أو تخف ، وإن غربت لهما الشمس قبل أن يفرغا من أرشاقهما التي تشارطا لم يكن عليهما أن يرميا في الليل .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #180  
قديم 25-10-2022, 01:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (180)
صــــــــــ 250 الى صـــــــــــ256





وإن انكسرت قوس أحدهما أو نبله أبدل مكان القوس والنبل والوتر متى قدر عليه فإن لم يقدر على بدل القوس ولا الوتر فهذا عذر ، وكذلك إن ذهبت نبله كلها فلم يقدر على بدلها فإن ذهب بعض نبله ولم يقدر على بدله قيل لصاحبه إن شئت فاتركه حتى يجد البدل وإن شئت فارم معه بعدد ما بقي [ ص: 250 ] في يديه من النبل وإن شئت فاردد عليه مما رمى به من نبله ما يعيد الرمي به حتى يكمل العدد وإذا رموا اثنين واثنين وأكثر من العدد فاعتل واحد من الحزبين علة ظاهرة قيل للحزب الذين يناضلونه : إن اصطلحتم على أن تجلسوا مكانه رجلا من كان فذلك وإن تشاححتم لم نخبركم على ذلك وإن رضي أحد الحزبين ولم يرض الآخر لم يجبر الذين لم يرضوا
وإذا اختلف المتناضلان في موضع شن معلق فأراد المسبق أن يستقبل به عين الشمس لم يكن ذلك له إلا أن يشاء المسبق كما لو أراد أن يرمي به في الليل أو المطر لم يجبر على ذلك المسبق وعين الشمس تمنع البصر من السهم كما تمنعه الظلمة .

( قال الربيع ) المسبق أبدا هو الذي يغرم
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو اختلفا في الإرسال فكان أحدهما يطول بالإرسال التماس أن تبرد يد الرامي أو ينسى صنيعه في السهم الذي رمى به فأصاب أو أخطأ فيلزم طريق الصواب ويستعتب من طريق الخطأ أو قال هو لم أنو هذا وهذا يدخل على الرامي لم يكن ذلك له وقيل له ارم كما يرمي الناس لا معجلا عن أن تثبت في مقامك وفي إرسالك ونزعك ولا مبطئا لغير هذا الإدخال الحبس على صاحبك وكذلك لو اختلفا في الذي يوطن له فكان يريد الحبس أو قال لا أريده والموطن يطيل الكلام قيل للمواطن وطن له بأقل ما يفهم به ولا تعجل عن أقل ما يفهم به ، ولو حضرهما من يحبسهما أو أحدهما أو يغلط فيكون ذلك مضرا بهما أو بأحدهما نهوا عن ذلك .

( قال الربيع ) الموطن الذي يكون عند الهدف فإذا رمى الرامي قال دون ذا قليل أرفع من ذا قليل
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا اختلف الراميان في الموقف فخرجت قرعة أحدهما على أن يبدأ فبدأ من عرض وقف حيث شاء من المقام ثم كان للآخر من العرض الآخر الذي بدأ منه أن يقف حيث شاء من المقام وإذا سبق الرجل الرجل سبقا معلوما فنضله المسبق كان السبق في ذمة المنضول حالا يأخذه به كما يأخذ بالدين فإن أراد الناضل أن يسلفه المنضول أو يشتري به الناضل ما شاء فلا بأس وهو متطوع بإطعامه إياه وما نضله فله أن يحرزه ويتموله ويمنعه منه ومن غيره وهو عندي كرجل كان له على رجل دينار فأسلفه الدينار ورده عليه أو أطعمه به فعليه دينار كما هو ولا يجوز عند أحد رأيته ممن يبصر الرمي أن يسبق الرجل الرجل على أن يرمي بعشر ويجعل القرع من تسع ومنهم من يذهب إلى أن لا يجوز أن يجعل القرع من عشر ولا يجيز إلا أن يكون القرع لا يؤتي به بحال إلا في أكثر من رشق فإذا كان لا يؤتي به إلا بأكثر من الرشق فسواء قل ذلك أو كثر فهو جائز .
فإذا أصاب الرجل بالسهم فخسق وثبت قليلا ثم سقط بأي وجه سقط به حسب لصاحبه ولو وقف رجل على أن يفلج فرمى بسهم فقال إن أصبت فقد فلجت وإن لم أصب فالفلج لكم وقال له صاحبه إن أصبت بهذا السهم فلك به الفلوج وإن لم يكن يبلغه به إذا أصابه وإن أخطأت به فقد أنضلتني نفسك فهذا كله باطل لا يجوز وهما على أصل رميهما لا يفلج واحد منهما على صاحبه إلا أن يبلغ الفلوج ولو طابت نفس المسبق أن يسلم له السبق من غير أن يبلغه كان هذا شيئا تطوع به من ماله كما وهب له .
وإذا كانوا في السبق اثنين واثنين وأكثر فبدأ رجلان فانقطع أوتارهما أو وتر أحدهما كان له أن يقف من بقي حتى يركب وترا وينفد نبله . وقد رأيت من يقول هذا إذا رجا أن يتفالجا ويقول إذا علم أنهما والحرب كله لا يتفالجون لو أصابوا بما في أيديهم لأنهم لم يقاربوا عدد الغاية التي بينهم يرمي من بقي ثم يتم هذان .
وإذا اقتسموا ثلاثة وثلاثة فلا يجوز أن يقترعوا وليقتسموا قسما معروفا ولا يجوز أن يقول أحد الرجلين أختار على أن أسبق ولا يختار على أن [ ص: 251 ] يسبق ولا أن يقترعا فأيهما خرجت قرعته سبقه صاحبه ولكن يجوز أن يقتسما قسما معروفا ويسبق أيها شاء متطوعا لا مخاطرة بالقرعة ولا بغيرها من أن يقول أرمي أنا وأنت هذا الوجه فأينا أفضل على صاحبه سبقه المفضول والسبق على من بذله دون حزبه إلا أن يدخل حزبه أنفسهم معه في ضمان السبق أو يأمروه أن يسبق عنهم فيلزم كل واحد منهم حصته على قدر عدد الرجال لا على قدر جودة الرمي .
وإذا قال الرجل للرجل إن أصبت بهذا السهم فلك سبق فهذا جائز وليس هذا من وجه النضال ، فإن قال إن أخطأت بهذا السهم فلك سبق لم يكن ذلك له . وإن حضر الغريب أهل الغرض فقسموه فقال من معه كنا نراه راميا ، ولسنا نراه راميا أو قال أهل الحرب الذين يرمي عليهم كنا نراه غير رام وهو الآن رام لم يكن لهم من إخراجه إلا ما لهم من إخراج من عرفوا رميه ممن قسموه وهم يعرفونه بالرمي فسقط أو بغير الرمي فوافق ، ولا يجوز أن يقول الرجل للرجل سبق فلانا دينارين على أني شريك في الدينارين إلا أن يتطوع بأن يهب له أحدهما أو كليهما بعد ما ينضل .
وكذلك لو تطارد ثلاثة فأخرج اثنان سبقين وأدخلا محللا لم يجز أن يجعل رجلا لا يرمي عليه نصف سبق أحدهما على أن له نصف الفضل إن أحرز على صاحبه وإذا سبق الرجل الرجل على أن له أن يبدأ عليه رشقين فأكثر لم يجز ذلك له ، وذلك أنا إذا أعطيناه ذلك أعطيناه فضل سهم أو أكثر ألا ترى أنهما لو رميا بعشر ثم ابتدأ الذي بدأ كان لو فلج بذلك السهم الحادي عشر كنا أعطيناه أن يرمي بسهم يكون في ذلك الوقت فضلا على مراسله عن غير مراسلة وإنما نجيز هذا له إذا تكافأ فكان أحدهما يبدأ في وجه والآخر في آخر .
وإذا سبق الرجل الرجل فجائز أن يعطيه السبق موضوعا على يديه أو رهنا به أو حميلا أو رهنا وحميلا أو يأمنه كل ذلك جائز وإذا رميا إلى خمسين مبادرة فأفضل أحدهما على صاحبه خمسا أو أقل أو أكثر فقال الذي أفضل عليه اطرح فضلك على أن أعطيك به شيئا لم يجز ولا يجوز إلا أن يتفاسخا هذا السبق برضاهما ويتسابقان سبقا آخر .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى في الصلاة في المضربة والأصابع إذا كان جلدهما ذكيا مما يؤكل لحمه أو مدبوغا من جلد ما لا يؤكل لحمه ما عدا جلد كلب أو خنزير فإن ذلك لا يظهر بالدباغ والله تعالى أعلم ، فإن صلى الرجل والضربة والأصابع عليه فصلاته مجزئة عنه غير أني أكرهه لمعنى واحد إني آمره أن يفضي ببطون كفيه إلى الأرض وإذا كانت عليه المضربة والأصابع منعتاه أن يقضي بجميع بطون كفيه لا معنى غير ذلك ، ولا بأس أن يصلي متنكبا القوس والقرن إلا أن يكون يتحركان عليه حركة تشغله فأكره ذلك له وإن صلى أجزأه ،ولا يجوز أن يسبق الرجل الرجل على أن يرمي معه ، ويختار المسبق ثلاثة ولا يسميهم للمسبق ولا المسبق ثلاثة ولا يسميهم للمسبق قال : ولا يجوز السبق حتى يعرف كل واحد من المتناضلين من يرمي معه وعليه بأن يكون حاضرا يراه أو غائبا يعرفه .
وإذا كان القوم المتناضلون ثلاثة وثلاثة أو أكثر كان لمن له الإرسال وحزبه ولمناضليهم أن يقدموا أيهم شاءوا كما شاءوا ويقدم الآخرون كذلك ، ولو عقدوا السبق على أن فلانا يكون مقدما وفلان معه وفلان ثان وفلان معه كان السبق مفسوخا ولا يجوز حتى يكون القوم يقدمون من رأوا تقديمه ، وإذا كان البدء لأحد المتناضلين فبدأ المبدأ عليه فأصاب أو أخطأ رد ذلك السهم خاصة ، وإن لم يعلما حتى يفرغا من رميهما رد عليه السهم الأول فرمى به فإن كان أصاب به بطل عنه وإن كان أخطأ به رمى به فإن أصاب به حسب له لأنه رمى به في البدء وليس له الرمي به فلا ينفعه مصيبا كان أو مخطئا إلا أن [ ص: 252 ] يتراضيا به .
كتاب الحكم في قتال المشركين ومسألة مال الحربي أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال : الحكم في قتال المشركين حكمان فمن غزا منهم أهل الأوثان ومن عبد ما استحسن من غير أهل الكتاب من كانوا فليس له أن يأخذ منهم الجزية ، ويقاتلهم إذا قوي عليهم حتى يقتلهم أو يسلموا وذلك لقول الله عز وجل { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } الآيتين ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومن كان من أهل الكتاب من المشركين المحاربين قوتلوا حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، فإذا أعطوها لم يكن للمسلمين قتلهم ولا إكراههم على غير دينهم لقول الله عز وجل { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } الآية وإذا قوتل أهل الأوثان وأهل الكتاب قتلوا وسبيت ذراريهم ومن لم يبلغ الحلم والمحيض منهم ونساؤهم البوالغ وغير البوالغ ثم كانوا جميعا فيئا يرفع منهم الخمس ويقسم الأربعة الأخماس على من أوجف عليهم بالخيل والركاب ، فإن أثخنوا فيهم وقهروا من قاتلوه منهم حتى تغلبوا على بلادهم قسمت الدور والأرضون قسم الدنانير والدراهم لا يختلف ذلك تخمس وتكون أربعة أخماسها لمن حضر ، وإذا أسر البالغون من الرجال فالإمام فيهم بالخيار بين أن يقتلهم إن لم يسلم أهل الأوثان أو يعط الجزية أهل الكتاب ، أو يمن عليهم أو يفاديهم بمال يأخذه منهم أو بأسرى من المسلمين يطلقون لهم أو يسترقهم فإن استرقهم أو أخذ منهم مالا فسبيله سبيل الغنيمة يخمس ويكون أربعة أخماسه لأهل الغنيمة ، فإن قال قائل : كيف حكمت في المال والولدان والنساء حكما واحدا وحكمت في الرجال أحكاما متفرقة ، قيل { ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريظة وخيبر فقسم عقارهما من الأرضين والنخل قسمة الأموال وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدان بني المصطلق وهوازن ونساءهم فقسمهم قسمة الأموال وأسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بدر فمنهم من من عليه بلا شيء أخذه منه ، ومنهم من أخذ منه فدية ومنهم من قتله ، وكان المقتولان بعد الإسار يوم بدر عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث ، وكان من الممنون عليهم بلا فدية أبو عزة الجمحي تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبناته وأخذ عليه عهدا أن لا يقاتله فأخفره وقاتله يوم أحد فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يفلت فما أسر من المشركين رجلا غيره فقال يا محمد امنن علي ودعني لبناتي وأعطيك عهدا أن لا أعود لقتالك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تمسح على عارضيك بمكة تقول قد خدعت محمدا مرتين فأمر به فضربت عنقه ، ثم أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال الحنفي بعد فمن عليه ثم عاد ثمامة بن أثال فأسلم وحسن إسلامه } أخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلا من المسلمين برجلين من المشركين } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولا يجوز لأحد من المسلمين أن يعمد قتل النساء والولدان لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلهم . أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن عمه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الذين بعث إلى ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان } .

( قال الشافعي ) لا يعمدون بقتل وللمسلمين أن يشنوا عليهم الغارة ليلا ونهارا فإن أصابوا من النساء [ ص: 253 ] والولدان أحدا لم يكن فيه عقل ولا قود ولا كفارة ، فإن قال قائل ما دل على هذا ؟ قيل أخبرنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن الصعب بن جثامة الليثي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وأبنائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم منهم } وربما قال سفيان في الحديث { هم من آبائهم } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فإن قال قول النبي صلى الله عليه وسلم { هم من آبائهم } قيل لا عقل ولا قود ولا كفارة ، فإن قال فلم لا يعمدون بالقتل ؟ قيل لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يعمدوا به فإن قال فلعل الحديثين مختلفان ؟ قيل : لا ولكن معناهما ما وصفت فإن قال ما دل على ما قلت ؟ قيل له إن شاء الله تعالى إذا لم ينه عن الإغارة ليلا فالعلم يحيط أن القتل قد يقع على الولدان وعلى النساء . فإن قال فهل أغار على قوم ببلد غارين ليلا أو نهارا ؟ قيل نعم أخبرنا عمر بن حبيب عن عبد الله بن عون أن نافعا مولى ابن عمر كتب إليه يخبره أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما . أخبره { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون في نعمهم بالمريسيع فقتل المقاتلة وسبى الذرية } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وفي { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بقتل ابن أبي الحقيق غارا دلالة على أن الغار يقتل وكذلك أمر بقتل كعب بن الأشرف فقتل غارا } فإن قال قائل فقد قال أنس { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بقوم ليلا لم يغر حتى يصبح } قيل له إذا كان موجودا في سنته أنه أمر بما وصفنا من قتل الغارين وأغار على الغارين ولم ينه في حديث الصعب عن البيات دل ذلك على أن حديث أنس غير مخالف لهذه الأحاديث ولكنه قد يترك الغارة ليلا لأن يعرف الرجل من يقاتل أو أن لا يقتل الناس بعضهم بعضا وهم يظنون أنهم من المشركين فلا يقتلون بين الحصن ولا في الآكام حيث لا يبصرون من قبلهم لا على معنى أنه حرم ذلك وفيما وصفنا من هذا كله ما يدل على أن الدعاء للمشركين إلى الإسلام أو إلى الجزية إنما هو واجب لمن تبلغه الدعوة فأما من بلغته الدعوة فللمسلمين قتله قبل أن يدعى وإن دعوه فذلك لهم من قبل أنهم إذا كان لهم ترك قتاله بمدة تطول فترك قتاله إلى أن يدعى أقرب فأما من لم تبلغه دعوة المسلمين فلا يجوز أن يقاتلوا حتى يدعوا إلى الإيمان إن كانوا من غير أهل الكتاب أو إلى الإيمان أو إعطاء الجزية إن كانوا من أهل الكتاب ولا أعلم أحدا لم تبلغه الدعوة اليوم إلا أن يكون من وراء عدونا الذين يقاتلونا أمة من المشركين فلعل أولئك أن لا تكون الدعوة بلغتهم وذلك مثل أن يكونوا خلف الروم أو الترك أو الخزر أمة لا نعرفهم فإن قتل أحد من المسلمين أحدا من المشركين لم تبلغه الدعوة وداه إن كان نصرانيا أو يهوديا دية نصراني أو يهودي وإن كان وثنيا أو مجوسيا دية المجوسي وإنما تركنا قتل النساء والولدان بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم ليسوا ممن يقاتل فإن قاتل النساء أو من لم يبلغ الحلم لم يتوق ضربهم بالسلاح وذلك أن ذلك إذا لم يتوق من المسلم إذا أراد دم المسلم كان ذلك من نساء المشركين ومن لم يبلغ الحلم منهم أولى أن لا يتوقى وكانوا قد زايلوا الحال التي نهى عن قتلهم فيها وإذا أسروا أو هربوا أو جرحوا وكانوا ممن لا يقاتل فلا يقتلون لأنهم قد زايلوا الحال التي أبيحت فيها دماؤهم وعادوا إلى أصل حكمهم بأنهم ممنوعين بأن يقصد قصدهم بالقتل ويترك قتل الرهبان وسواء رهبان الصوامع ورهبان الديارات والصحاري وكل من يحبس نفسه بالترهب تركنا قتله اتباعا لأبي بكر رضي الله تعالى عنه وذلك أنه إذا [ ص: 254 ] كان لنا أن ندع قتل الرجال المقاتلين بعد المقدرة وقتل الرجال في بعض الحالات لم نكن آثمين بترك الرهبان إن شاء الله تعالى وإنما قلنا هذا تبعا لا قياسا ولو أنا زعمنا أنا تركنا قتل الرهبان لأنهم في معنى من لا يقاتل تركنا قتل المرضى حين نغير عليهم والرهبان وأهل الجبن والأحرار والعبيد وأهل الصناعات الذين لا يقاتلون فإن قال قائل ما دل على أنه يقتل من لا قتال منه من المشركين ؟ قيل قتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين دريد بن الصمة وهو في شجار مطروح لا يستطيع أن يثبت جالسا وكان قد بلغ نحوا من خمسين ومائة سنة فلم يعب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله ولم أعلم أحدا من المسلمين عاب أن نقتل من رجال المشركين من عدا الرهبان ولو جاز أن يعاب قتل من عدا الرهبان بمعنى أنهم لا يقاتلون لم يقتل الأسير ولا الجريح المثبت وقد ذفف على الجرحى بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو جهل بن هشام ذفف عليه ابن مسعود وغيره وإذا لم يكن في ترك قتل الراهب حجة إلا ما وصفنا غنمنا كل مال له في صومعته وغير صومعته ولم ندع له منه شيئا لأنه لا خير في أن يترك ذلك له فيتبع ، وتسبى أولاد الرهبان ونساؤهم إن كانوا غير مترهبين . والأصل في ذلك أن الله عز وجل أباح أموال المشركين فإن قيل فلم لا تمنع ماله ؟ قيل كما لا أمنع مال المولود والمرأة وأمنع دماءهما وأحب لو ترهب النساء تركهن كما أترك الرجال فإن ترهب عبد من المشركين أو أمة سبيتهما من قبل أن السيد لو أسلم قضيت له أن يسترقهما ويمنعهما الترهب لأن المماليك لا يملكون من أنفسهم ما يملك الأحرار فإن قال قائل وما الفرق بين المماليك والأحرار . قيل لا يمنع حر من غزو ولا حج ولا تشاغل ببر عن صنعته بل يحمد على ذلك ويكون الحج والغزو لازمين له في بعض الحالات ولمالك العبد منعه من ذلك وليس يلزم العبد من هذا شيء .
الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : المجوس والصابئون والسامرة أهل كتاب فخالفنا بعض الناس فقال : أما الصابئون والسامرة فقد علمت أنهما صنفان من اليهود والنصارى وأما المجوس فلا أعلم أنهم أهل كتاب وفي الحديث ما يدل على أنهم غير أهل كتاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم { سنوا بهم سنة أهل الكتاب } وأن المسلمين لا ينكحون نساءهم ولا يأكلون ذبائحهم فإن زعم أنهم إذا أبيح أن تؤخذ منهم الجزية فكل مشرك عابد وثن أو غيره فحرام إذا أعطى الجزية أن لا تقبل منه وحالهم حال أهل الكتاب في أن تؤخذ منهم الجزية وتحقن دماؤهم بها إلا العرب خاصة فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وقال لي بعض من يذهب هذا المذهب ما حجتك في أن حكمت في المجوس حكم أهل الكتاب ولم تحكم بذلك في غير المجوس ؟ فقلت الحجة أن سفيان أخبرنا عن أبي سعيد عن نصر بن عاصم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سأل عن المجوس فقال : " كانوا أهل كتاب " فما قوله " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " قلت كلام عربي والكتابان المعروفان التوراة والإنجيل ولله كتب سواهما قال وما دل على ما قلت ؟ قلت قال الله عز وجل { أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى } فالتوراة كتاب موسى والإنجيل كتاب عيسى والصحف كتاب إبراهيم ما لم تعرفه العامة من العرب حتى [ ص: 255 ] أنزل الله وقال عز وجل { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } قال فما معنى قوله { سنوا بهم سنة أهل الكتاب } قلنا في أن تؤخذ منهم الجزية قال فما دل على أنه كلام خاص قلنا لو كان عاما أكلنا ذبائحهم ونكحنا نساءهم .

( قال الشافعي ) فقال ففي المشركين الذين تؤخذ منهم الجزية حكم واحد أو حكمان ؟ قيل بل حكمان قال وهل يشبه هذا شيء ؟ قلنا نعم حكم الله جل ثناؤه فيمن قتل من أهل الكتاب وغيرهم قال فإنا نزعم أن غير المجوس ممن لا تحل ذبيحته ولا نساؤه قياسا على المجوس قلنا فأين ذهبت عن قول الله عز وجل { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } إلى { فخلوا سبيلهم } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله } فإن زعمت أنها والحديث منسوخان بقول الله عز وجل { حتى يعطوا الجزية } وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { سنوا بهم سنة أهل الكتاب } قلنا فإذ زعمت ذلك دخل عليك أن تكون العرب ممن يعطون الجزية وإن لم يكونوا أهل كتاب قال فإن قلت لا يصلح أن تعطي العرب الجزية قلنا أو ليسوا داخلين في اسم الشرك ؟ قال بلى ولكن لم أعلم النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منهم جزية قلنا أفعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ جزية من غير كتابي أو مجوسي ؟ قال لا قلنا فكيف جعلت غير الكتابيين من المشركين قياسا على المجوس ؟ أرأيت لو قال لك قائل بل آخذها من العرب دون غيرهم ممن ليس من أهل الكتاب ما تقول له ؟ قال أفتزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من عربي ؟ قلنا نعم وأهل الإسلام يأخذوها حتى الساعة من العرب قد صالح النبي صلى الله عليه وسلم أكيدر الغساني في غزوة تبوك وصالح أهل نجران واليمن ومنهم عرب وعجم . وصالح عمر رضي الله تعالى عنه نصارى بني تغلب وبني نمير إذ كانوا كلهم يدينون دين أهل الكتاب وهم تؤخذ منهم الجزية إلى اليوم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو جاز أن يزعم أن إحدى الآيتين والحديثين ناسخ للآخر جاز أن يقال الأمر بأن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب في القرآن ومن المجوس في السنة منسوخ بأمر الله عز وجل أن نقاتل المشركين حتى يسلموا وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله } ولكن لا يجوز أن يقال واحد منهما ناسخ إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمضيان جميعا على وجوههما ما كان إلى إمضائهما سبيل بما وصفنا وذلك إمضاء حكم الله عز وجل وحكم رسوله معا وقولك خارج من ذلك في بعض الأمور دون بعض قال فقال لي أفعلي أي شيء الجزية ؟ قلنا على الأديان لا على الأنساب ولوددنا أن الذي قلت على ما قلت إلا أن يكون لله سخط وما رأينا الله عز وجل فرق بين عربي ولا عجمي في شرك ولا إيمان ولا المسلمون أنا لنقتل كلا بالشرك ونحقن دم كل بالإسلام ونحكم على كل بالحدود فيما أصابوا وغيرها
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا ظهر المسلمون على رجال من العدو فأسروهم فأسلموا بعد الإسار فهم مرقوقون لا تحل دماؤهم وأي حال أسلموا فيها قبل الإسار حقنوا دماءهم وأحرزوا أموالهم إلا ما حووا قبل أن يسلموا وكانوا أحرارا ولم يسب من ذراريهم أحد صغير فأما نساؤهم وأبناؤهم البالغون فحكمهم حكم أنفسهم في القتل والسبي لا حكم الأب والزوج وكذلك إن أسلموا وقد حصروا في مدينة أو بيت أو أحاطت بهم الخيل أو غرقوا في البحر فكانوا لا يمتنعون ممن أراد أخذهم أو وقعوا في نار أو بئر وخرجوا وكانوا غير ممتنعين كانوا بهذا كله محقوني الدماء ممنوعين من أن يسبوا ولكن لو سبوا فربطوا أو سجنوا غير مربوطين أو صاروا إلى الاستسلام فأمر بهم الحاكم قوما يحفظونهم فأسلموا حقنت دماؤهم وجرى السبي عليهم فإن قال ما فرق بين هذه الحال وبين المحاط بهم في صحراء أو بيت أو مدينة ؟ قيل قد يمتنع أولئك حتى يغلبوا من أحاط بهم أو [ ص: 256 ] يأتيهم المدد أو يتفرقون عنهم فيهربوا وليس من كان بهذه الحال ممن يقع عليه اسم السبي إنما يقع عليه اسم السبي إذا حوى غير ممتنع
ولو أسر جماعة من المسلمين فاستعان بهم المشركون على مشركين مثلهم ليقاتلوهم فقد قيل يقاتلونهم وقيل قاتل الزبير وأصحاب له ببلاد الحبشة مشركين عن مشركين ومن قال هذا القول قال وما يحرم من القتال معهم ودماء الذين يقاتلونهم وأموالهم مباحة بالشرك ولو قال قائل قتالهم حرام لمعان منها أن واجبا على من ظهر من المسلمين على المشركين فغنم فالخمس لأهل الخمس وهم متفرقون في البلدان وهذا لا يجد السبيل إلى أن يكون الخمس مما غنم لأهل الخمس ليؤديه إلى الإمام فيفرقه وواجب عليهم إن قاتلوا أهل الكتاب فأعطوا الجزية أن يحقنوا دماءهم وهذا إن أعطوا الجزية لم يقدر على أن يمنعهم حتى يحقنوا دماءهم كان مذهبا وإن لم يستكرهوهم على قتالهم كان أحب إلي أن لا يقاتلوا ولا نعلم خبر الزبير يثبت ولو ثبت كان النجاشي مسلما كان آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وإذا غزا المسلمون بلاد الحرب فسرت سرية كثيرة أو قليلة بإذن الإمام أو غير إذنه فسواء ولكني أستحب أن لا يخرجوا إلا بإذن الإمام لخصال منها أن الإمام يغني عن المسألة ويأتيه من الخبر ما لا تعرفه العامة فيقدم بالسرية حيث يرجو قوتها ويكفها حيث يخاف هلكتها وإن أجمع لأمر الناس أن يكون ذلك بأمر الإمام وإن ذلك أبعد من الضيعة لأنهم قد يسيرون بغير إذن الإمام ، فيرحل ولا يقيم عليهم فيتلفون إذا انفردوا في بلاد العدو ويسيرون ولا يعلم فيرى الإمام الغارة في ناحيتهم فلا يعينهم ولو علم مكانهم أعانهم وإما أن يكون ذلك يحرم عليهم فلا أعلمه يحرم ، وذلك { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الجنة فقال له رجل من الأنصار إن قتلت صابرا محتسبا ؟ قال فلك الجنة قال فانغمس في جماعة العدو فقتلوه وألقى رجل من الأنصار درعا كانت عليه حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ثم انغمس في العدو فقتلوه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رجلا من الأنصار تخلف عن أصحابه ببئر معونة فرأى الطير عكوفا على مقتلة أصحابه فقال لعمرو بن أمية سأتقدم إلى هؤلاء العدو فيقتلوني ولا أتخلف عن مشهد قتل فيه أصحابنا ففعل فقتل فرجع عمرو بن أمية فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا حسنا ويقال فقال لعمرو فهلا تقدمت فقاتلت حتى تقتل ؟ } فإذا حل الرجل المنفرد أن يتقدم على الجماعة ، الأغلب عنده وعند من رآه أنها ستقتله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رآه حيث لا يرى ولا يأمن كان هذا أكثر مما في انفراد الرجل والرجال بغير إذن الإمام .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار } الآية وقال { يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال } إلى قوله { والله مع الصابرين } أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وهذا كما قال ابن عباس ومستغن بالتنزيل عن التأويل لما كتب الله عز وجل من أن لا يفر العشرون من المائتين فكان هذا الواحد من العشرة ثم خفف الله عنهم فصير الأمر إلى أن لا تفر المائة من المائتين وذلك أن لا يفر الرجل من الرجلين .

( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن ابن عباس قال : من فر من ثلاثة فلم يفر ومن فر من اثنين فقد فر .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 435.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 428.92 كيلو بايت... تم توفير 6.10 كيلو بايت...بمعدل (1.40%)]