|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() محبّطات الأعمال ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: (محبّطات الأعمال)، التي تحدَّث فيها عن الأسباب التي تؤدي إلى حبوط الأعمال؛ مثل: الرياء، وذنوب الخلَوات، والإعجاب بالنفس، وما إلى ذلك، مُحذِّرًا من هذه الأمراض المُهلِكة؛ لأن صاحبَها يظنّ نفسَه قد عملَ شيئًا، ثم يجِد كل ما عملَ هباءً منثورًا، وكان مما جاء في خطبته: فاجتهِدوا واعملوا وانصَبوا وأبشِروا وأمِّلُوا، وتعرَّضُوا لنفَحَات ربِّكم، واحذَروا الإعجابَ بالطاعة، والزهُوَّ بالنفس. فرحِمَ الله عبدًا فكَّر واعتبَر، واستبصَرَ فأبصَر، ونهَى النفسَ عن الهوى. أيها الإخوة الصائمون القائمون: ولمزيدٍ من المُحاسَبَة ورفع الهِمَّة، والأخذ بالعزائم؛ فهذه وقفةٌ مع آيةٍ من كتاب الله، وشهرُكم شهرُ القرآن. آيةٌ في كتاب الله تُلينُ القلوبَ القاسية.. وتُوقِظُ النفوسَ الغافِلة.. آيةٌ تستدعِي التأمُّل، وتدعُو إلى التفكُّر.. آيةٌ في كتاب الله شابَت منها رؤوسُ الأتقياء.. ووجِلَت لها قلوبُ الأولياء.. وذرَفَت لها دموعُ الخائِفِين.. واقشعرَّت منها جلودُ الوجِلِين. فلله درُّهم! ما أعظمَ تدبُّرهم للقرآن.. وأشدَّ تأثُّرهم بمواعِظِه.. ووقوفهم عند زواجِرِه. إنها قولُ الله - عزَّ شأنُه -: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} (الزمر: 47). لقد عظُمَ خوفُ السلَف منها: فهذا محمد بن المُنكَدر لما حضَرَته الوفاة جزِع، فدعَوا له أبا حازِم ليُخفِّفَ عنه من جزَعِه، فقال له ابنُ المُنكَدر: «إن الله يقول: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}، فأخافُ أن يبدُوَ لي من الله ما لم أكن أحتسِب. فجعل يبكِيَان». فقال أهلُ ابن المُنكَدر: دعوناكَ لتُخفِّف عنه، فزِدتَّه جزَعًا. وقيل لسُليمان التيميِّ: أنت أنت، ومن مثلُك؟! فقال: «مَهْ! لا تقولوا هذا، لا أدري ما يبدُو لي من الله، سمعتُ الله يقول: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}». وعن سُفيان أنه قرأَها، فقال: «ويلٌ لأهل الرياء، ويلٌ لأهل الرياء، هذه آيتُهم! هذه قصَّتُهم». وقال مُقاتل: «ظهر لهم حين بُعِثُوا ما لم يحتسِبُوا في الدنيا أنه نازِلٌ بهم في الآخرة». وقال السُّديُّ: «ظنُّوا أن أعمالَهم حسنات فبدَت لهم سيئات». وقال أهلُ العلم: «إن من الذين يبدُو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسِبُون: قومٌ عمِلُوا أعمالاً صالِحةً، ولكن كانت عليهم مظالِم، فظنُّوا أن أعمالَهم الصالِحة ستُنجِيهم، فجاء الحسابُ، فبدَا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسِبُون». وقال ابن عطيَّة: «كانت ظنونٌ في الدنيا مُتفرِّقةً مُتنوِّعة حسب ضلالاتهم وتخيُّلاتهم فيما يعتقِدون، فإذا عايَنوا العذابَ يوم القيامة، وقصَّرَت بهم حالاتُهم، ظهرَ لكل واحدٍ ما كان يظنُّ». واستذكِروا - رحمكم الله -، استذكِروا حديثَ المُفلِس الذي يأتي بحسناتٍ أمثالِ الجبال، ويأتي وقد ضربَ هذا، وشتمَ هذا، وأخذَ مالَ هذا. يقول بعضُ السلف: «كم من موقفِ خِزيٍ يوم القيامة لم يخطُر على بالِك قطُّ، {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} (ق: 22)». يا عبد الله! ما ظنُّك بعبدٍ عمِلَ أعمالاً ظنَّها صالِحة، ونسِيَ ما كان منه من معاصٍ، حسِبَه هيِّنًا، وبدَا له من الله ما لم يكن يحتسِب. معاشر الإخوة.. أيها الصائمون والصائمات: احذَروا ذنوبَ الخلَوات؛ فقد جاء في «سنن ابن ماجه» عن ثوبان - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «لأعلمنَّ أقوامًا من أمَّتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثالِ جِبال تِهامةَ بيضاء، فيجعلُها الله هباءً منثورًا»، قال ثوبان: يا رسول الله! صِفهم لنا وجلِّهم، لا نكون منهم ونحن لا نعلَم. قال: «أما إنهم إخوانُكم، قومٌ من جِلدَتكم، ويأخذون من الليل كما تأخُذون، ولكنَّهم أقوامٌ إذا خلَوا بمحارِم الله انتهَكُوها»؛ قال في «الزوائد»: «إسنادُه صحيح، ورجالُه ثقات». قال سالم مولى أبي حُذيفة - مُعلِّقًا على هذا الحديث -: «خشيتُ أن أكون منهم»، ثم قال: «لعلَّهم كانوا إذا عرَضَ لهم شيءٌ من الحرامِ أخذُوه، فأذهبَ الله أعمالَهم». احذَروا الغرورَ والأمانِي، ومدَّ الحِبال في المعاصِي! إياكم واستِصغارَ الذنوب! إياكم ومُحقَّرات الذنوب! {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (النور: 15). يقول أنسٌ - رضي الله عنه -: «إنكم تعمَلون أعمالاً هي في أعيُنِكم أدقُّ من الشعَر، كنَّا نعُدُّها على عهد رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من المُوبِقات»؛ رواه البخاري. معاشر الأحبَّة: تأمَّلوا - رحمكم الله -، تأمَّلوا فيما يُحبِطُ الأعمال، ويأكلُ الحسنات؛ من الحسد، والرياء، والسُّمعة، والغِيبَة، والنَّميمة، والكِبر، والظُّلم، والعُجب، وأكل الحرام، وتقطيعِ الأرحام، والإسرافِ في المآكل والمشارِب والولائِم والمطاعِم، وإدمان السهر على غير طاعة الله، والإغراق والانهِماك في وسائل الإعلام ومواقع التواصُل بما لا يُفيد، والتكلُّف في تصنيفِ الخلق؛ مما يُمرِئُ الأبدان، ويُهلِكُ القلوب، ويُفسِدُ العقول، ويُشقِي النفوس، ويُشغِلُ عن الطاعة، ويصرِفُ عن النافع، ويُبعِدُ عن الجادَّة، ويُضيِّعُ المسؤوليَّات. معاشر الصائمين والقائمين: إن من العقل والحِكمة والحَصَافَة وحُسن المُحاسَبَة: النظرَ الجادَّ في هذا الزمان ومُستجدَّاته. {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} (الزمر: 47). زمنٌ كثُرَت فيه المُشغِلات، وتنوَّعَت فيه الصوارِف، وتكاثَرَت فيه المُلهِيات؛ بل لقد التبَسَ الحقُّ بالباطل لدى بعض الفِئام، ولاسيَّما في ميادين الفِكر والثقافة. نعم، حفظكم الله: يموجُ العصرُ بألوانٍ من المُخالفات، وما تبُثُّه وسائلُ الإعلام والتواصُل بمقروئِها ومسموعِها ومُشاهَدها من أنواع المُحرَّمات؛ في العقائد والسلوك، وألوان الجرائم والإجرام، ممن زُيِّن له سوءُ عملِه فرآه حسنًا، وممن ضلَّ سعيُه في الحياة الدنيا وهم يحسَبُون أنهم يُحسِنون صُنعًا. إن من أعظم المظاهِر الصارِفة والصادَّة: الانبِهارَ بمظاهر المادَّة والعُمران، والانصِرافَ والزُّهدَ في حقائق الإيمان، وعلوم القرآن والسنَّة. والغلُوُّ المدنيُّ ينبوعُ الانحِرافِ الثقافيِّ والفِكريِّ، ومن أعرضَ عن وحيِ الله سوف يبقَى مُرتكِسًا في الظلمات، مهما أُوتِي من العلوم والمدنيَّات، {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ} (الأنعام: 39). ومن مظاهر الانحِراف والغلُوِّ: أن بعضَ المُعاصِرين لانبِهارِه بالمُكتشَفات والمُستجَدَّات ووسائل التحضُّر، حين يُنبَّه إلى مواطِن الضعفِ والنقصِ في صور الضلال والانحِراف، والانحِلال، والفُجور، والفواحِش، يتورَّمُ أنفُه، ويظهرُ عليه التبرُّم، ويبدُو عليه القلقُ. ويأبَى الله أن تكون الرذيلةُ سبيلاً للفضيلة، والإسفافُ طريقًا للعفاف. كيف وقد صرَّح القرآنُ الكريمُ بأن التمكين المادِّيَّ لا يُغنِي عن أهلِه شيئًا، إذا قارنَه جحودٌ بآيات الله، {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} (الأحقاف: 26). ويقول - عزَّ شأنُه -: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} (فصلت: 15). الأصلُ الأصيلُ - عباد الله - هو عمارةُ النفوس والقلوب بالله وتوحيده، وذِكره وشُكره، وحُسن عبادتِه. أما التمكينُ الأمكَن فهو مدلولٌ عليه لقوله - عزَّ شأنُه -: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (الحج: 41)، وقوله - جل وعلا -: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (النور: 37). وبعدُ، حفظكم الله: وأنتم في شهر الصيام والقيام.. فما تنفعُ زينةُ الحياة الدنيا وماديَّاتُها، إذا لم تُعمَر النفوسُ بالضراعة إلى الله، والإخبات إلى ذي الجلال والعِزَّة، ولم تتزكَّ بالعلم بالله وتوحيده، وحُسن مُعاملته، والتعلُّق به، والاعتماد عليه؟! ولم يقدُر اللهَ حقَّ قدرِه من هانَ عليه أمرُه فعصاه، ونهيُه فارتكَبَه، وكان هواهُ آثَرَ عنده من رِضاه. جعل لله الفضلَةَ من قلبِه وعلمِه وعملِه ومالِه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ(54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ(55) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ(56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ(57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (الزمر: 54- 58). أيها المسلمون: من أحسنَ الظنَّ بالله أحسنَ العمل. يقول ابن عونٍ - رحمه الله -: «لا تثِق بكثرة العمل؛ فإنك لا تدري أيُقبَلُ منك أم لا، ولا تأمَن ذنوبَك؛ فإنك لا تدري هل كُفِّرَت أم لا، عملُك مُغيَّبٌ عنك كلُّه لا تدري ما الله صانعٌ فيه». والعاجِزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنَّى على الله الأماني، يطلبُ المغفرةَ من غير توبة، ولا أخذٍ بأسباب الغُفران. يقول معروفٌ الكَرخيُّ: «رجاؤُك لرحمة من لا تُطيعُه من الخُذلان، ومع المعاصِي يضعُف الوازِع». ويقول بعضُ السلف: «رُبَّ مُستدرَجٍ بنعَمِ الله وهو لا يعلَم، ورُبَّ مغرورٍ بسِترِ الله وهو لا يعلَم، ورُبَّ مفتونٍ بثناءِ الناس وهو لا يعلَم. فيا لله! ما ظنُّ الظلمة إذا لقُوا ربَّهم، ومظالِمُ العباد تُطوِّقُ أعناقَهم». وليحذَر من يُريد الخلاصَ لنفسِه الانصِياعَ للهوى والملذَّات، والانكِبابَ على موائِد المُشتهِيات، لا يُبالِي مخرَجَها من مدخلِها، ولا طيِّبِها من خبيثِها. ألا فاتقوا الله - رحمكم الله -، وأطيعُوا الله وأطيعُوا الرسولَ واحذَروا، واستغلُّوا بقيَّة أيام شهرِكم، وجِدُّوا، وتحرَّوا ليلةَ القدر.. ليلةً يفتحُ الله فيها الباب، ويُقرِّبُ فيها الأحباب. ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر يُكتَب للعاملين فيها جزيلُ الثواب، وعظيمُ الأجر، وهذا حاصلٌ لمن علِمَ بها ومن لم يعلَم. فلا يُشترَطُ العلمُ لحصولِ الأجر، فاجتهِدوا - رحمكم الله -، فهذا أوانُ الطلب، واحذَروا الغفلةَ، والغفلةُ طريقُ العطَب. اعداد: المحرر الشرعي
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |