إكراه المريض على الأكل والشرب
د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
روى الترمذي عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكرهوا مرضاكم على الطعام، فإن الله يطعمهم ويسقيهم»؛ رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. ورواه ابن ماجه والحاكم وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. ورواه الطبراني في الكبير والأوسط والبيهقي والبزار، والحديث قال عنه النووي في المجموع: ضعيف، ضعفه البخاري والبيهقي وغيرهما وضعفُه ظاهر، وادَّعى الترمذي أنه حسن. وفي المقابل صححه الحاكم وحسنه الترمذي وحسنه في الزوائد والألباني في السلسلة الصحيحة.
وأما معناه فقد جاء في شرح سنن ابن ماجه للسيوطي وغيره (1 / 246): "«لا تكرهوا مرضاكم...» إلخ؛ أي: إن لم يأكلوا برغبتهم، ولا تقولوا: إنه يضعف لعدم الأكل، «فإن الله تبارك وتعالى يطعمهم ويسقيهم»؛ أي: يرزقهم صبرًا وقوةً، فإن الصبر والقوة من الله حقيقة لا من الطعام والشراب، ولا من جهة الصحة، قال القاضي: أي يمدهم ويحفظ قواهم بما يفيد فائدة الطعام والشراب في حفظ الروح وتقويم البدن. قال الموفق: ما أغزر فوائد هذه الكلمة النبوية! وما أجدرها للأطباء! وذلك لأن المريض إذا عاف الطعام والشراب فذلك لاشتغال طبيعته بمقادمة المرض، فإعطاء الغذاء في هذه الحال يضر جدًّا، قوله: «فإن الله يطعمهم ويسقيهم»؛ أي: يشبعهم ويرويهم من غير تناول طعام وشراب. وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد في هدي خير العباد (4 / 83): "قال بعض فضلاء الأطباء: ما أغزر فوائد هذه الكلمة النبوية المشتملة على حكم إلهية! لا سيما للأطباء، ولمن يعالج المرضى، وذلك أن المريض إذا عاف الطعام أو الشراب فذلك لاشتغال الطبيعة بمجاهدة المرض، أو لسقوط شهوته أو نقصانها لضعف الحرارة الغريزية أو خمودها، وكيفما كان فلا يجوز حينئذٍ إعطاء الغذاء في هذه الحالة. واعلم أن الجوع إنما هو طلب الأعضاء للغذاء لتخلف الطبيعة به عليها عوض ما يتحلل منها، فتجذب الأعضاء القصوى من الأعضاء الدنيا حتى ينتهي الجذب إلى المعدة، فيحس الإنسان بالجوع، فيطلب الغذاء، وإذا وجد المرض اشتغلت الطبيعة بمادته وإنضاجها وإخراجها عن طلب الغذاء أو الشراب، فإذا أكره المريض على استعمال شيء من ذلك، تعطلت به الطبيعة عن فعلها، واشتغلت بهضمه وتدبيره عن إنضاج مادة المرض ودفعه، فيكون ذلك سببًا لضرر المريض". ويقول د. عادل الأزهري: «معظم الأمراض يصحبها عدم رغبة المريض في الطعام، وإطعام المريض قصدًا في هذه الحالة يعود عليه بالضرر؛ لعدم قيام جهازه الهضمي بعمله كما يجب؛ مما يتبعه عسر هضم مع سوء حالة المريض، وكل مريض له غذاء معين له، ويجب أن يكون سهل الهضم، قليل العناء، وإن من دلائل الشفاء عودة المريض إلى سابق رغبته في الطعام». ولقد أثبت الطب الحديث أن في الجسم مدخرات كبيرة يستفيد منها وقت الحرمان، فالمريض يكسب الطاقة من مصادر داخلية، وهذه المصادر هي: استقلاب الجليكوجين المدخر في الكبد والعضلات، واستحداث السكر، على أنه متى عاد المريض إلى رغبته في الطعام قبل المرض يعود الجسم فيدخر الغذاء على شكل شحوم وبروتينات، فيكتنز ما تحت الجلد بالشحوم، وتنمو العضلات.
وعلى ذلك فلا يسوغ إكراه المريض على الطعام والشراب إلا إذا وصل لحالة يخشى عليه فيها الهلاك إن لم يتناول طعامه، فيجوز حينئذٍ إعطاؤه من الأغذية ما يتناسب مع مرضه، وهذا أمر يقرره الأطباء المتخصصون. وأما إكراه المريض على أخذ الدواء فقد قال النووي في المجموع شرح المهذب (5 / 118): "ويستحب ألا يكره المريض على الدواء وغيره من الطعام"؛ لكن إن خيف على المريض الهلاك إن لم يتناول الدواء ففي الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (2 / 78): "قال في الروضة: ويكره إكراهه على تناول الدواء؛ ا هـ. الظاهر أن هذا إن لم يعلم أو يظن أن تركه يفضي إلى الهلاك كما قيل في أصل التداوي".