أخشى الدخول في تجربة زواج ثانية

[ابوالوليد المسلم]

أخشى الدخول في تجربة زواج ثانية
أ. مروة يوسف عاشور


السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أنا امرأة مطلقة، ولدي طفل، منذ عدة شهور دخلتُ (الشات) وتعرفتُ على شابٍّ، وبدأ بيننا التعارف، وتبادُل الأفكار، ثم ازداد تعلُّقنا ببعض، وأصبحنا نفكِّر في الارتباط.هو يعرف أني مطلقة، ولدي طفل، غيرتُ أمورًا كثيرة لنجاح هذه العلاقة، وحاولتُ الحفاظ عليها؛ لأننا نتشاجر لأتفه الأسباب، حاوَلْنا الابتعاد مرارًا، لكن لم نستطعْ؛ فكلانا متمسِّك بالآخر، فلو كان بيننا لقاءٌ مباشرٌ أعتقد أنه ما كان لهذه الخلافات وُجود في حياتنا، فعادةً الخلافات التي بيننا سببها الغيرة، والبُعد، وأنَّ كلًّا منا متمسِّك برأيه، ولا يتنازل، حاولنا أن نتَّفق على تفادي كل ما يُمكن أن يولِّد الخلافات بيننا.أنا في صراعٍ داخليٍّ مع نفسي، بين أن أبقيه، وأن أخرجه من حياتي نهائيًّا، فلا أريد أن أكرر التجربة، لا أريد أن أستسلم وأستمر في علاقتي به، ثم بعدها ننفصل!لم أعُد قادرةً على التفكير أو إيجاد الحل؛ لهذا لجأتُ إليكم.أنتظر ردكم؛ لأنَّ كل هذا يؤثِّر على حياتي.


الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.- غيرتُ أمورًا كثيرة لنجاح هذه العلاقة.- حاولتُ الحِفاظ عليها.- كلانا متمسِّك بالآخر.- نتَّفق على تفادي كل ما يُمكن أن يُولِّد الخلافات.بعد أن توقفتُ برهةً أتأمَّل تلك العبارات, تمنيتُ أن لو أقرأها للزوجات اللائي يشكين أحوالهن مع أزواجهنَّ، ويستنكرن أن يُكررن المحاولات لإنجاح العلاقة مع الزوج, أو مد جسور المحبَّة، وترميم ما تصدَّع منها.عزيزتي, لن أستحيي أن أكررَ في كلِّ استشارة: أن هذا النوع من العلاقات غير جائز بأي وسيلة كانت؛ المباشر منه، والعنكبوتي, والهاتفي, وكافة وسائل التواصُل الشيطانيَّة بين الرِّجال والنساء, ولعلي لا أستنكر غياب تلك القواعد عنكِ لحياتكِ في بلدٍ أوربي، لكن ما يطمئن حقًّا أنَّ عُمر تلك العلاقة لم يزِد على أربعة أشهر، وهذا لا يجعل الفكاك من قيودها والخلاص من أغلالها مستحيلًا, بيد أننا قد نتصوَّر بعض الأمور صعبة، أو مستحيلة التحقُّق، إن كانت لنا رغبةٌ داخلية في ذلك, فهل أنا مُحقة؟بعد تجربة الطَّلاق الأليمة والعمل في مكان ربما غير مُناسبٍ لكِ, والحاجة الفطرية لمن يبثكِ عاطفة أو يُبادلكِ مشاعر حرمتِها في وقت عاينتِ فيه أحداثًا مؤلمة، ثم اللقاء مع من يخبركِ بتمسكه بكِ رغم الخلافات, لم يكن الأمر سهلًا!فكيف تتركين من يُعلن أنه مُصرٌّ على عدم التخلِّي عنكِ رغم كل ما يحدث, وهو ما فقدتِه بالفعل في علاقتكِ السابقة مع زوجكِ, فالمرأةُ بعد الطلاق تبحث - إن هي فكَّرتِ في الارتباط مجددًا - عن رجل لا يتركها، وإن لم تكن له مزايا الزوج الأول, تبحث عن الثقة، وهي دليل الحب الرئيس وبرهانه الحقيقي عندها, وهل يتخلى المُحب عن حبيبه لأجل خلافات مهما كثُرتْ؟بعد أن قصَّت عائشةُ - رضي الله عنها - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر النسوة اللائي لم يكتمْن من أخبار أزواجهن شيئًا، وبعد أن وصفتْ حال أم زرع مع زوجها، وما عاشتْه في بيته مِن نعيمٍ, وحُسن معاملة, وشديد بِر, وجميل أدبٍ, وأكثر مما قد تتمنَّاه كل فتاة في زوجها, أنهتْ هذا الوصف البليغ والحديث البديع بقولها على لسان أم زرع: "فطلَّقَني، ونكحها"!حدثتني بعضُ النساء ببالغ عجبها من أم زرع، وأنكرن عليها أن تذكره بخيرٍ؛ فقد هدم أبو زرع كل ما فعل مِن خيرٍ, واقتلع جُل ما زرع من شجر البر والإحسان, وحطَّم كل ما قدم من معروف، وقضى عليه بتلك الفعلة التي تفقد المرأة بها معنى الأمان، ويتشرب قلبها حق الحرمان، وتبقى تبحث عنه فقط، وتتحسَّسه دون غيره مِن خِلال الخير والصلاح.وهذا ما حدث لكِ مع هذا الرجل، وما استشعرتِه في هذه العلاقة غير المتوافقة، وهنا خطأ كبير قد تقع فيه المرأةُ, وكل من مرَّ بتجربة غير موفقة في حياته بوجه عامٍّ؛ فالرجل الذي عانى الحرمان الغذائي في طفولته نجده أحيانًا يسعى لتأمينه لأولاده، ويُبالغ حتى يصيبهم بالتخمة! وقد يقصر في تعليمهم أو لا يبالي بتربيتهم, والمرأة التي ابتليت بالتفريق بين البنات والبنين في صغرها نراها تُبالغ في تدليل بناتها على حساب أولادها ولو كانوا بها بارين، ولها مطيعين, ومن كان يشتهي طعامًا من أمه فلا تُعيره اهتمامًا، ولا تلبِّي له حاجته، يُصر على أن تطهيه زوجه حتى يصيبَها بالملل, وهكذا الإنسان تتكون لديه ثغرةٌ نفسيَّة كبيرة، أو صغيرة، بحجم ما عانى في حياته، فيظل يرتق غشاءها الذي تهتك ما استطاع، ولو كان في حكمه جائرًا، وعن العدل مائلًا.لا أرى لكِ حلًّا إلا بالنظَر في أمركِ وأمره من وجهة نظر شرعيةٍ, إن كان ما يولد هذه الخلافات البُعد والغيرة, فلن يحدث ذلك، أو على الأقل ستقلُّ الخلافات بتجنُّب البعد, ولن تتجنبي البعد هذا إلا بالرباط الشرعي الذي حدَّده اللهُ لكل رجل وامرأة يجدان في قلبيهما الميلَ الفطري والانجذاب الطبيعي الذي يرشدهما إلى الاتجاه الذي عليهما أن يسيرا فيه.لكن قبل ذلك عليكِ أن تفكِّري فيه مِن أكثر من جانب: هل هو بالفعل مناسِب لكِ؟ هل دينه يبشِّر بخير؟ هل حالته الاجتماعيَّة ووضْعه المادي وظروفه المعيشية تُنبئ بنجاح الزواج؟ ثم قبل ذلك كله: هل هو حقًّا راغب في الزواج؟ أو يريد استمرار العلاقة على ما هي عليه كغالب علاقات الإنترنت؟ وهل ما تعرفينه عنه حقيقي؟ أو مجرد أكاذيب عنكبوتية وهمية لا أساس لها على أرض الواقع؟إحدى الفتيات أخبرتْني أنها تعرفتْ على دكتور جامعي غير متزوج, مِن خلال بعض المواقع، وبعد أن تطورت العلاقة تبيَّن أنه سائق أجرة، ولديه سبعة أبناء، وكان يرغب فقط في استشعار الأهمية والوجاهة الاجتماعيَّة، ولو بطرقٍ وهمية!
ما زلتِ - بفضل الله - صغيرة، ولا داعي لخوض تجارب جديدة غير مدروسة، تزيد على عمركِ عددًا من السنين، وعلى نفسكِ قدرًا من الأحزان, يكفيكِ وطفلكِ ما فات، وعليكِ أن تحسني الاختيار, وأولى خطوات حسن الاختيار يُبنى على أساس الدين والخلق قبل كل شيء، وألا تهتمي بأمر على حساب غيره من الأمور, فمجرد وعد بعدم التخلي عنكِ لا يكفي, ومجرد اشتياق ولهفة عبر الأسلاك لا تنفع, وإنما يتقدم كما الرجال، وتتم الرُّؤية الشرعيَّة، وبعدها ينظر كلٌّ منكما في شخصية الآخر ليقرِّر على أساسها هل يصلح هذا الشخص للزواج أو لا؟أما التواصُل المُحرَّم، فلن يثمر ما ترغبين فيه من نتائج، ولن يسد لديك ثغرة نفسيَّة أو يحل مشكلة اجتماعيَّة.

وفقكِ الله، وأصلح حالكِ، ويسَّر أمركِ، وهداكِ لما فيه الخير والرشاد
والله الموفق، وهو الهادي إلى سواء السبيل