أهلي يعاملون زوجتي بقسوة

[ابوالوليد المسلم]

أهلي يعاملون زوجتي بقسوة

أ. عائشة الحكمي

السؤال
والديَّ يُعامِلون زوجتي بقسوةٍ، بالرغم مِن اختيارهما لها، ونظرًا لضيق البيت عليَّ وعليهما، اشتريتُ بيتًا بقرضٍ ربويٍّ، وأدفع القسط الشهري له!
سافرتُ خارج بلدي، وتركتُ زوجتي مع أهلي، ولكنهما يُضيّقان عليها، وإذا كلمتُها في الهاتف واشتكتْ لي أفعالهما، تشاجرَا معي ومعها، ويُسمعها أبي كلامًا شديدًا تظل تبكي منه طويلًا!
أفيدوني ماذا أفعل؟
جعل الله ردَّكم في ميزان حسناتكم.
الجواب
بسم الله الموفق للصواب
وهو المستعان
أيها الأخ الفاضل، أتدري ما السببُ الحقيقي وراء معاناتكَ مع والديك بعد الزواج؟! إنه هذا البيت الجديد الذي اشتريتموه بالرِّبا! فالربا يسحت البركة؛ كما أخبرنا تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾[البقرة: 276]، والرِّبا كما تعلم مُحرمٌ بإجماع الأمةِ؛ قال الإمام النوويُّ - رحمه الله - في "المجموع": "أجْمع المسلمون على تحريم الرِّبا، وعلى أنه من الكبائر، وقيل: إنه كان محرمًا في جميع الشرائع"، فإن أنتم خالفْتم الشرع، فلا عجب في أن تكونَ هذه أحوالكم، ألمْ يقُل الباري - جلَّ ذكْرُه -: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ [طه: 123، 124].
إذًا فالعلاجُ الأولُ لهذه المعاناة أن تَتَطَهَّروا من الكسْب الحرام، والمال الحرام؛ لأنه لا يجوز لكم شراء بيتٍ بالرِّبا، ولا عن طريق القروض البنكيَّة؛ كما يقول الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي - سدَّده الله لقول الصواب - في فتوى له: "..فلا يجوز شراء المنازِل عن طريق القروض البنكيَّة، التي هي عين ربا النَّسيئة، الذي حرَّمه اللهُ، وحرَّمه رسولُه - صلى الله عليه وسلم - وأجمع أهلُ العلم على تحريمه، وهو الربا الذي كانت العربُ تتعامل به قبل الإسلام، ثم جاء الإسلامُ وهدمه؛ قال الإمام الجَصَّاص في "أحكام القرآن": "معلوم أنَّ ربا الجاهليَّة إنما كان قرضًا مُؤجلًا بزيادةٍ مَشروطة، فكانت الزيادةُ بدلًا من الأجل؛ فأبطله اللهُ وحرَّمه"، ومهما بلغتْ حاجةُ المسلم، فإنه لا يجوز له أن يُقدِمَ على الرِّبا، إلا أنْ يصل إلى الضرورة التي تتوقَّف حياتُه على دفْعِها، ومن القواعد المقرَّرة عند أهل العلم: أنَّ المحَرَّم لا يُستباح إلا لضرورةٍ؛ لقوله تعالى: ﴿ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ﴾ [الأنعام: 119]، والسكنُ وإن كان ضروريًّا للإنسان؛ كالطعام، والشراب، ولكن لا يلزم أن يكونَ ملكًا؛ فهذه حاجةٌ، وليستْ ضرورة، فلا يُباح لأجْلِها الاقتراضُ؛ لأنه يمكنك الاستِغناء بالإيجار، أو يقوم البنك بشراء البيت مِن صاحبه، ثم يبيعك إياه بثمنٍ أعلى مِن الثمن الذي اشتراه به بالتقسيط؛ فهذا لا حرَج فيه، بشرط أن يكونَ البيعُ بسعرٍ مُحددٍ معلومٍ، غير قابلٍ للزيادة، وإن تأخر السداد"، انتهى كلامه.
فعَجِّل - بوركتَ - بالسكن في بيتٍ مستقلٍّ تستأجره بمالٍ حلالٍ؛ كي ترى فيه البركة والخير، وتستشعر فيه المودَّة والسعادة الزوجيَّة، ولتصبر زوجك الكريمة على الأذى، حتى يقضيَ الله أمرًا كان مفعولًا، وأن تُعرض هي عن الشكاية لك مِن والديك، وشغلك بمسائل يُمكنها أن تتجاوزها بالصبر والحِلْم والحكمة، واعمل على حِفْظ التوازُن في علاقتك بوالدَيك وزوجك، ولا تحرِّك في نفوسهم الغيرة؛ فتكون سببًا في إفساد العلاقات عن حُسن نية، وسُوء تصرُّف.

انظر - فضلًا - في استشارة: "جفاء أمي مع زوجتي"؛ ففيها من النصح ما يُغني عن التَّكْرار، وعسى الله أن يرزقكَ وزوجكَ ووالديك الحكمةَ، والرحمةَ، وحسنَ الصُّحبة، وأنتم جميعًا في أصلح حالٍ وأنعم بالٍ، آمين.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وهو العليم الخبير