عقبة بن نافع الفهري - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}ا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 234 - عددالزوار : 27961 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4478 - عددالزوار : 983714 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4014 - عددالزوار : 502376 )           »          عيد أضحى مبارك ، كل عام وانتم بخير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 124 )           »          سفرة إفطار عيد الأضحى.. كبدة مشوية بخطوات سهلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 95 )           »          9 نصائح لمطبخ نظيف خلال عزومات عيد الأضحى.. التهوية أساسية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 92 )           »          فتياتنا وبناء الذات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 80 )           »          إضاءات سلفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          ابن أبي الدنيا وكتابه “العيال” (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 70 )           »          خطبة عيد الأضحى المبارك 1445هـ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-03-2020, 02:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,504
الدولة : Egypt
افتراضي عقبة بن نافع الفهري

عقبة بن نافع الفهري


شريف عبدالعزيز الزهيري









صحابي بالمولد، لأنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمت بصلة قرابة للصحابي الجليل "عمرو بن العاص" رضي الله عنه من ناحية الأم، وقيل إنهما ابنا خالة.



ولقد برز اسم "عقبة بن نافع" مبكرًا على ساحة أحداث حركة الفتح الإسلامي التي بدأت تتسع بقوة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث اشترك هو وأبوه "نافع" في الجيش الذي توجه لفتح مصر بقيادة "عمرو بن العاص" رضي الله عنه، ولقد توسم فيه "عمرو" أنه سيكون له شأن كبير ودور أكبر في حركة الفتح الإسلامي على الجبهة الغربية، لذلك أسند إليه مهمة صعبة وهي قيادة دورية استطلاعية لدراسة إمكانية فتح الشمال الأفريقي، ومعلوم عند العسكريين أن سلاح الاستطلاع هو أخطر وأهم سلاح في أي جيش، لأنه هو الذي يحدد طريقة الهجوم وأسلوب الاقتحام لأي موقع، وعادة لا يتولى قيادة هذا السلاح إلا نوعية خاصة ومنتقاة من الرجال الذين يجمعون بين الشجاعة والقوة والذكاء الشديد وحسن التصرف في المواقف الصعبة، وكلها خصال توفرت في "عقبة" وأدركها "عمرو" فيه، لذلك عندما عاد "عمرو" إلى مصر بعد فتح بلاد تونس، جعل "عقبة بن نافع" واليًا عليها، على الرغم من وجود العديد من القادة الأكفاء والصحابة الكبار، مما يدل على نجابة هذا البطل الشاب.



أرسل "عمرو بن العاص" والى مصر البطل الشاب "عقبة بن نافع" إلى بلاد النوبة لفتحها، فلاقى هناك مقاومة شرسة من النوبيين، ولكنه مهد السبيل أمام من جاء بعده لفتح البلاد، ثم أسند إليه "عمرو" مهمة في غاية الخطورة، وهي تأمين الحدود الغربية والجنوبية لمصر ضد هجمات الروم وحلفائهم البربر، فقاد "عقبة" كتيبة قتالية على أعلى مستوى قتالي للتصدي لأي هجوم مباغت على المسلمين وتعاقب عدة ولاة على مصر بعد "عمرو بن العاص"، منهم عبد الله بن أبي السرح، ومحمد بن أبي بكر، ومعاوية بن حديج، وغيرهم، كلهم.





مقدمة:

لقد أيد الله عز وجل دينه بنوعية خاصة من الرجال، اصطفاهم المولى جل وعلا، واختارهم من بين خلقه لنيل شرف هذه المهمة الجليلة، هؤلاء الرجال الأبطال تغلغل الإيمان في قلوبهم، وارتقت نفوسهم إلى أعلى عليين من أجل نصرة الدين، فلم يبق لهم همة ولا هدف ولا غاية في الحياة إلا لخدمة الإسلام ونشره بين الناس، إنهم رجال آثروا مرضات الله عز وجل بدعوة الناس للإسلام على متاع الحياة الدنيا، فودعوا الراحة والدعة والسكون، وهجروا الفراش والسلامة، وتركوا الديار والأهل والأحباب، وصارت ظهور الخيل مساكنهم، وآلات الجهاد عيالهم، وإخوان الجهاد رفقاءهم، فلا عجب إذًا أن تنتهي حياتهم في آخر بقاع الدنيا، فهذا يموت في بلاد الصين، وهذا في أدغال أفريقيا، وذاك في أحراش الهند، وكلهم راض بهذه الحياة وهذه النهاية، طالما توجت حياته بأسمى ما يريد: الشهادة في سبيل الله، وهذه قصة واحد من أئمة هؤلاء الأبطال.



عقبة بن نافع:

هو عقبة بن نافع بن عبد القيس الفهري، ولد قبل الهجرة بسنة، وكان أبوه قد أسلم قديمًا، لذلك فقد ولد عقبة ونشأ في بيئة إسلامية خالصة، وهو أقر "عقبة بن نافع" في منصبه كقائد لحامية "برقة".



عقبة قائد الفتح الشمالي:

ظل "عقبة" في منصبه الخطير كقائد للحامية الإسلامية بـ"برقة" خلال عهدي عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه، ونأى بنفسه عن أحداث الفتنة التي وقعت بين المسلمين، وجعل شغله الشاغل الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام بين قبائل البربر ورد عادية الروم، فلما استقرت الأمور وأصبح معاوية رضي الله عنه خليفة للمسلمين، أصبح "معاوية بن حديج" واليًا على مصر، وكان أول قرار أخذه هو إرسال "عقبة بن نافع" إلى الشمال الأفريقي لبداية حملة جهادية قوية وجديدة لمواصلة الفتح الإسلامي الذي توقفت حركته أثناء الفتنة وذلك سنة 49 هجرية.



كانت هناك عدة بلاد قد خلعت طاعة المسلمين بعد اشتعال الفتنة بين المسلمين، منها "ودان"، و"أفريقية"، و"جرمة"، و"قصور خاوار"، فانطلق الأسد العنيف "عقبة" ورجاله الأشداء على هذه القرى الغادر أهلها، وأدبهم أشد تأديب، فقطع أذن ملك "ودان"، وأصبع ملك "قصور كوار" حتى لا تسول لهم أنفسهم محاربة المسلمين مرة أخرى، مع العلم أن هذا الأمر لا يجوز شرعًا؛ لأنه مثلة، ولكن عقبة اجتهد في تأديبهم بما يردعهم عن المعاودة للخلاف.



بعد أن طهر "عقبة" المنطقة الممتدة من حدود مصر الغربية إلى بلاد أفريقية "تونس" من الأعداء والمخالفين، أقدم "عقبة" على التغلغل في الصحراء بقوات قليلة وخفيفة لشن حرب عصابات خاطفة في أرض الصحراء الواسعة ضد القوات الرومية النظامية الكبيرة التي لا تستطيع مجاراة المسلمين في حرب الصاعقة الصحراوية، واستطاع "عقبة" وجنوده أن يطهروا منطقة الشمال الأفريقي من الحاميات الرومية المختلفة ومن جيوب المقاومة البربرية المتناثرة.



تأسيس مدينة القيروان:

لم يكن "عقبة بن نافع" قائدًا عسكريًا محضًا فقط، بل كان صاحب عقلية مبدعة وفكر استراتيجي فذ، وهو يصح أن يطلق عليه خبير بشؤون المغرب والشمال الأفريقي، ومن خلال حملاته الجهادية المستمرة على الشمال الأفريقي، أدرك أهمية بناء مدينة إسلامية في هذه البقاع وذلك لعدة أسباب، من أهمها:

1– تثبيت أقدام المسلمين والدعوة الإسلامية هناك، وذلك أن "عقبة" قد لاحظ أمرًا هامًا أن أهل الشمال الأفريقي إذا جاءهم المسلمون يظهرون الإسلام، وإذا انصرفوا عنهم رجعوا مرة أخرى إلى الكفر، فكان بناء مدينة إسلامية خير علاج لهذه الظاهرة الناجمة عن غياب قاعدة إسلامية ثابتة للإسلام لنشر الهدى والنور وسط ظلمات البربر.

2– ضرورة تكوين قاعدة حربية ثابتة في مواجهة التهديدات الرومية المتوقعة بعد فتح الشمال الأفريقي.

3– أن تكون هذه المدينة دار عزة ومنعة للمسلمين الفاتحين، ذلك لأنهم تفرقوا في البلاد كحاميات على المدن المفتوحة، وهذا التفرق قد يورث الضعف والوهن مع مرور الوقت خاصة لو دهم عدو كبير العدد هذه البلاد.



لهذه الأسباب وغيرها قرر "عقبة بن نافع" بناء مدينة القيروان في القرن الشمالي لأفريقية، في مكان تتوافر فيه شروط الأمن الدعوي والحركي للمسلمين بحيث تكون دار عزة ومنعة وقاعدة حربية أمامية في القتال، ومنارة دعوية علمية لنشر الإسلام، وانطبقت كل الشروط المطلوب توافرها في منطقة أحراش مليئة بالوحوش والحيات، فقال له رجاله: "إنك أمرتنا بالبناء في شعاب وغياض لا ترام، ونحن نخاف من السباع والحيات وغير ذلك من دواب الأرض"، وكان في عسكره خمسة عشر رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم وقال: "إني داع فأمنوا"، وبالفعل دعا الله عز وجل طويلًا والصحابة والناس يؤمنون، ثم قال "عقبة" مخاطبًا سكان الوادي: "أيتها الحيات والسباع، نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتحلوا عنا فإنا نازلون، ومن وجدناه بعد ذلك قتلناه"، فحدثت بعدها كرامة هائلة حيث خرجت السباع من الأحراش تحمل أشبالها والذئب يحمل جروه، والحيات تحمل أولادها، في مشهد لا يرى مثله في التاريخ فنادى "عقبة" في الناس: "كفوا عنهم حتى يرتحلوا عنا".



وهكذا يصل الإيمان والثقة بالله عز وجل لهذا المستوى الفائق من اليقين بنصرة الله عز وجل وتأييده ومدده، فهذا هو البطل المجاهد يصل به الإيمان والكرامة لئن يتكلم مع الحيوانات البهائم التي لا تعقل ولا تفهم، فيطيعونه ويسمعون أوامره، وهكذا يصبح الكون كله ومن فيه مسخرًا لخدمة المجاهدين وغايتهم السامية.



استمر بناء مدينة القيروان قرابة الخمس سنوات، حتى أصبحت القيروان درة المغرب، وشيد "عقبة" بها جامعًا كبيرًا أصبح منارة العلم وقبلة طلاب العلم والشريعة من كل مكان، وملتقى للدعاة والعلماء والمجاهدين، وأصبح جامع القيروان أول جامعة إسلامية على مستوى العالم وذلك قبل الأزهر بعدة قرون.



المجاهد المخلص:

بعدما انتهى "عقبة بن نافع" من بناء القيروان ومسجدها الجامع، جاءه الأمر الخليفي بالتنحي عن ولاية أفريقية، وتولية رجل من جنود "عقبة" اسمه "أبو المهاجر دينار" وهو رجل مشهور بالكفاءة وحسن القيادة، فما كان رد فعل القائد المظفر الذي فتح معظم الشمال الأفريقي وحقق بطولات فائقة عندما جاءه خبر العزل؟ هل تمرد؟ هل امتنع؟ أو حتى تذمر؟ كلا والله، إنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فلا المناصب تبهرهم، ولا الدنيا تفتنهم، ولا الأحقاد تعرف إلى قلوبهم طريقًا، إنهم خالصون مخلصون، لا يريدون إلا وجه الله عز وجل، امتثل "عقبة" فورًا للأمر وانتظم في سلك الجندية.



استطاع "أبو المهاجر" القائد الجديد أن يحقق عدة مكاسب استراتيجية في الشمال الأفريقي على حساب التواجد الرومي بهذه المناطق، واستطاع أيضًا أن يستميل زعيم قبائل البربر "كسيلة بن لمزم" وكان "كسيلة" شديد التأثير على قومه، قوي الشخصية، محبوبًا في قومه، مطاعًا منهم، وكان نصرانيًا متمسكًا بدينه، وكان نجاح "أبي المهاجر" في إقناعه بالإسلام مكسبًا كبيرًا للإسلام والمسلمين، ولكن القائد المحنك "عقبة" صاحب النظرة الثاقبة الخبيرة بطبائع البربر، لم يطمئن لإسلام "كسيلة" خاصة وأنه قد أسلم بعد وقوعه في أسر المسلمين وبعدما ذاق حر سيوفهم، وقد صدق هذا الحدس فيما بعد كما سنعلم.



عودة الأسد:

لم يمض كثير من الوقت حتى عاد الأسد الضاري "عقبة بن نافع" إلى قيادة الجهاد ببلاد المغرب، وانتقل "أبو المهاجر" في صفوف الجنود مجاهدًا مخلصًا، وهكذا نرى خير الأمة ينتقل الواحد منهم من الرئاسة إلى عامة الجند بمنتهى اليسر والسهولة، بلا مشاكل أو اعتراض، وبلا أحقاد وأضغان، وذلك لأن الكل يبتغي مرضات الله، ولا يريد شيئًا من عرض الدنيا الزائل.



قرر "عقبة بن نافع" استئناف مسيرة الفتح الإسلامي من حيث انتهى "أبو المهاجر". وكانت مدينة "طنجة" هي آخر محطات الفتح أيام "أبي المهاجر"، وهنا أشار "أبو المهاجر" على "عقبة" ألا يدخل مدينة طنجة؛ لأن "كسيلة" زعيم البربر قد أسلم، ولكن عقبة كان يشك في نوايا وصحة إسلام كسيلة، فقرر الانطلاق لمواصلة الجهاد مرورًا بطنجة وما حولها، خاصة وأن للروم حاميات كثيرة في المغرب الأوسط.



الإعصار المدمر:

انطلق "عقبة" وجنوده من مدينة القيروان، لا يقف لهم أحد، ولا يدافعهم أي جيش، فالجميع يفرون من أمامهم، وكلما اجتمع العدو في مكان، انقض "عقبة" ورجاله عليهم كالصاعقة المحرقة ففتح مدينة "باغاية"، ثم نزل على مدينة "تلمسان"، وهي ممن أكبر المدن في المغرب الأوسط، وبها جيش ضخم من الروم وكفار البربر، وهناك دارت معركة شديدة استبسل فيها الروم والبربر في القتال وكان يومًا عصبيًا على المسلمين، حتى أنزل الله عز وجل نصره على المؤمنين، واضطر الأعداء للتراجع حتى منطقة "الزاب".



سأل "عقبة" عن أعظم مدينة في "الزاب" فقيل له "أربة" وهي دار ملكهم، وكان حولها ثلاثمائة وستون قرية عامرة، ففتحها كلها "عقبة"، والروم يفرون من أمامه كالفئران المذعورة، ورحل "عقبة" بعدها إلى مدينة "ثاهرت" فأرسلت الحامية الرومية استغاثة لقبائل البربر الوثنية فانضموا إليهم، فقام "عقبة" في جيشه خطيبًا بارعًا بعبارات فائقة تلخص رسالة المجاهد في سبيل الله فقال: "أيها الناس، إن أشرافكم وخياركم الذين رضي الله تعالى عنهم، وأنزل فيهم كتابه، بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان على قتال من كفر بالله إلى يوم القيامة، وهم أشرافكم والسابقون منكم إلى البيعة، باعوا أنفسهم من رب العالمين بجنته بيعة رابحة، وأنتم اليوم في دار غربة وإنما بايعتم رب العالمين، وقد نظر إليكم في مكانكم هذا، ولم تبلغوا هذه البلاد إلا طلبًا لرضاه وإعزازًا لدينه، فأبشروا فكلما كثر العدو كان أخزى لهم وأذل إن شاء الله تعالى، وربكم لا يسلمكم فالقوهم بقلوب صادقة، فإن الله عز وجل قد جعل بأسه على القوم المجرمين".

وبهذه الكلمات الموجزة استثار عقبة حمية رجاله، وأعطى درسًا بليغًا للأجيال من بعده عن حقيقة دعوة المجاهد.



التقى المسلمون بأعدائهم وقاتلوهم قتالًا شديدًا وكانت نتيجته معروفة بعدما وصلت معنويات المسلمين لقمم الجبال، وانتصر المسلمون كما هي عادتهم، وسار عقبة حتى نزل على "طنجة"، فلقيه أحد قادة الروم واسمه "جوليان" فخضع لـ"عقبة" ودفع له الجزية، فسأله "عقبة" عن مسألة فتح الأندلس، فقال له "جوليان": أتترك كفار البربر خلفك وترمي بنفسك في بحبوحة الهلاك مع الفرنج؟ فقال عقبة: وأين كفار البربر؟ فقال: في بلاد السوس، وهم أهل نجدة وبأس، فقال عقبة: وما دينهم؟ قال: ليس لهم دين، فهم على المجوسية، فتوجه إليهم عقبة كالإعصار الكاسح الذي يدمر كل شيء بإذن الله، واخترق هذه البلاد كلها هازمًا كل قبائل البربر حتى وصل بخيله إلى المحيط الأطلنطي فاخترق "عقبة" بفرسه ماء المحيط، ثم قال بقلب المؤمن الصادق الغيور الذي بذل واستفرغ كل جهده وحياته لخدمة الإسلام: "يا رب، لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهدًا في سبيلك، اللهم اشهد أني قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحد من دونك".

وبهذه النفوس الصادقة والقلوب المؤمنة والعزائم الفائقة انتشر الإسلام في ربوع الأرض.



استشهاد البطل:

حقق "عقبة" غايته من حركة الفتح الإسلامي بالشمال الأفريقي، فلقد أخضع قبائل البربر وأوقع بها بأسًا شديدًا حتى وصل إلى أقصى بلاد المغرب واقتحم المحيط بفرسه، وبعدها قرر "عقبة" العودة إلى القيروان، فلما وصل إلى طنجة أذن لمن معه من أصحابه أن يتفرقوا ويقدموا القيروان أفواجًا ثقة منه بما نال من عدوه، ومال "عقبة" مع ثلاثمائة من أصحابه إلى مدينة "تهوذة" فلما رآه الروم في قلة من أصحابه طمعوا فيه، وأغلقوا باب الصحن وشتموه وهو يدعوهم إلى الإسلام، وعندها أظهر "كسيلة" مكنون صدره الذي كان منطويًا على الكفر والغدر والحسد، واستغل قلة جند "عقبة" واتفق مع الروم على الغدر بـ"عقبة" وأرسل إلى إخوانه البربر الوثنيين وجمع جموعًا كثيرة للهجوم على "عقبة" ومن معه.



كان "أبو المهاجر" في ركب "عقبة" ولكن "عقبة" قد غضب منه في شيء فقيده، فلما رأى "أبو مهاجر" هجوم "كسيلة" ومن معه أنشد أبيات أبي محجن الثقفي المشهورة:



كفى حزنًا أن ترتدي الخيل بالقنا

وأترك مشدودًا عليَّ وثاقيا



إذا قمت عناني الحديد وأغلقن

مصارع دوني قد تصم المناديا






ففك "عقبة" وثاقه وقال له: "الحق بالقيروان، وقم بأمر المسلمين، وأنا أغتنم الشهادة"، فقال أبو المهاجر: "وأنا أيضًا أريد الشهادة"، وكسر "عقبة" والمسلمون أجفان سيوفهم واقتتلوا مع البربر حتى استشهد "عقبة" وكل من معه في أراض الزاب بتهوذة وذلك سنة 63 هجرية.



كان "عقبة بن نافع" رضي الله عنه مثالًا في العبادة والأخلاق والورع والشجاعة والحزم والعقلية العسكرية الاستراتيجية الفذة، والقدرة الفائقة على القيادة بورع وإيمان وتقوى وتوكل تام على الله عز وجل، فأحبه رجاله وأحبه أمراء المؤمنين، وكان مستجاب الدعوة، ميمون النقيبة، مظفر الراية، فلم يهزم في معركة قط، طبق في حروبه أحدث الأساليب العسكرية والجديدة في تكتيكات القتال؛ مثل: مبدأ المباغتة، وتحشيد القوات، وإقامة الحاميات، وتأمين خطوط المواصلات، واستخدام سلاح الاستطلاع.



ونستطيع أن نقول بمنتهى الحيادية أن البطل "عقبة بن نافع" قد حقق أعمالًا عسكرية باهرة بلغت حد الروعة والكمال، وأنجز في وقت قليل ما لا يصدقه عقل عند دراسته من الناحية العسكرية البحتة، وترك باستشهاده أثرًا كبيرًا في نفوس البربر وأصبح من يومها بقلب بـ"سيدي عقبة".



المصادر:

1– تاريخ الرسل والملوك.

2– الكامل في التاريخ.

3– البداية والنهاية.

4– سير أعلام النبلاء.


5– تاريخ الخلفاء.

6– أطلس تاريخ الإسلام.

7– قادة فتح بلاد المغرب العربي.

8– فتوح البلدان.



أبطال سقطوا من الذاكرة، دار الصفوة بالقاهرة، 1427 هـ، 2006م



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.91 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.48%)]