المنتقى من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         السيول والأمطار دروس وعبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          مضى رمضان.. فلا تبطلوا أعمالكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فضل علم الحديث ورجاله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          سورة العصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الترهيب من قطيعة الرحم من السنة النبوية المباركة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          لمحات في عقيدة الإسماعيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          عقيدة الشيعة فيك لم تتغير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          شرح حديث: تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          كيف تعود عزة المسلمين إليهم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أدومه وإن قل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 19-01-2022, 06:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المنتقى من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي

الحلال والحرام, آداب السفر (11)


فهد بن عبد العزيز الشويرخ


كتاب الحلال والحرام
قال الله تعالى: ( كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً ) [المؤمنون:51] قيل إن المراد به: الحلال, وقال تعالى: {( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل )} [البقرة:188] والآيات الواردة في الحلال والحرام لا تحصى. الدين للإمام
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « رب أشعث أغبر مشرد في الأسفار, مطعمه حرام, وملبسه حرام, وغذي بالحرام, يرفع يديه, فيقول: يا رب, يا رب, فأنى يستجاب له »
وقال عليه الصلاة والسلام: « كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به »
وورد أن الصديق رضي الله عنه شرب لبناً من كسب عبده, ثم سأل عبده فقال: تكهنت لقوم فأعطوني, فأدخل أصبعه في فيه, وجعل يقيء.
وقالت عائشة رضي الله عنها: إنكم تغفلون عن أفضل العبادة, وهو الورع.
وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: ما أدرك من أدرك, إلا من كان يعقل ما يدخل جوفه.
وقال يحيى بن معاذ: الطاعة خزانه من خزائن الله, إلا أن مفاتحها الدعاء, وأسنانه لقم الحلال.
وقال سهل رحمه الله: من أكل الحرام عصت جوارحه, شاء أم أبى, علم أو لم يعلم, ومن كانت طعمته حلالاً أطاعته جوارحه, ووفقت للخيرات.
وعن علي رضي الله عنه قال: إن الدنيا حلالها حساب, وحرامها عذاب.
وروى أن بعض الصالحين قال: نحن لا نأكل إلا حلالاً, فلذلك تستقيم قلوبنا.
كتاب آداب السفر
السفر وسيلة إلى الخلاص عن مهروب, أو الوصول إلى مطلوب ومرغوب فيه...فإن كان مطلبه العلم والدين, أو الكفاية للاستعانة على الدين, كان من سالكي سبيل الآخرة.
والسفر نوع حركة ومخالطة, وفيه فوائد وله آفات.
أقسام السفر:
القسم الأول: السفر في طلب العلم, قال عليه الصلاة والسلام: ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة.)
ورحل جابر بن عبدالله رضي الله عنه, من المدينة إلى مصر, شهراً في حديث بلغه, وكان سعيد بن المسيب يسافر الأيام في طلب الحديث الواحد.
القسم الثاني: أن يسافر لأجل العبادة, إما لحج, أو جهاد.
القسم الثالث: أن يكون السفر للهرب من سبب مشوش للدين.
القسم الرابع: السفر هرباً مما يقدح في البدن, أو في المال.

فهذه أقسام الأسفار...ولتكن نيته الأخرة في جميع أسفاره...فلا يسافر إلا إذا كان زيادة دينه في سفره, ومهما وجد قلبه متغيراً إلى نقصان فيقف ولينصرف.
وينوي في دخول كل بلدة أن يرى شيوخها, ويجتهد في أن يستفيد من كل واحد منهم أدباً, أو كلمة لينتفع بها.
ويلازم في الطريق الذكر, وقراءة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 20-01-2022, 08:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المنتقى من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي

الأخوة والصحبة (1)


(12)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ


التحاب في الله تعالى, والأخوة في دينه من أفضل القربات, وألطف ما يستفاد من الطاعات, ولها شروط بها يلتحق المتصاحبون بالمتحابين في الله تعالى, وفيها حقوق بمراعاتها تصفو الأخوة عن شوائب الكدورات, ونزغات الشيطان.
فضيلة الألفة والأخوة:
أعلم أن الألفة ثمرة حسن الخلق, والتفرق ثمرة سوء الخلق, فحسن الخلق يوجب التآلف, والتوافق, وسوء الخلق يثمر التباغض, والتحاسد, والتدابر.
وقد ورد الثناء على الألفة, سيما إذا كانت الرابطة هي التقوى, والدين, وحب الله, من الآيات والأخبار والآثار ما فيه كفاية ومقنع. قال الله تعالى مظهراً عظيم منته على الخلق بنعمة الألفة: { لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم } [الأنفال:63] وقال: { فأصبحتم بنعمته إخواناً } [آل عمران:103] أي بالألفة, وقال صلى الله عليه وسلم: « إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي, اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي » وقال علي رضي الله عنه: عليكم بالإخوان, فإنهم عدة في الدنيا والآخرة, ألا تسمع إلى قول أهل النار: {(فما لنا من شافعين*ولا صديق حميم)} [الشعراء:100_101]
البغض في الله:
اعلم أن كل من يحب في الله, لا بد أن يبغض في الله, فإنك إن أحببت إنساناً لأنه مطيع لله, ومحبوب عند الله, فإن عصاه فلا بد أن تبغضه, لأنه عاص لله, وممقوت عند الله, ومن أحب بسبب, فبالضرورة يبغض لضده, وهذا متلازمان لا ينفصل أحدهما عن الآخر.
الصفات المشروطة فيمن تختار صحبته:
اعلم أنه لا يصلح للصحبة كل إنسان. قال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله, فلينظر أحدكم من يخالل ) ولا بد أن يتميز بخصال وصفات يرغب بسببها في صحبته.....فينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبته خمس خصال: أن يكون عاقلاً, حسن الخلق, غير فاسق, ولا مبتدع, ولا حريص على الدنيا.
أما العقل فهو رأس المال, وهو الأصل فلا خير في صحبة الأحمق, فإلى الوحشة والقطيعة ترجع عاقبتها وإن طالت, فالأحمق قد يضرك وهو يريد نفعك وإعانتك من حيث لا يدري.
وأما حسن الخلق, فلا بد منه, إذ ربّ عاقل يدرك الأشياء على ما هي عليه, ولكن إذا غلبه غضب, أو شهوة, أو بخل, أو جبن أطاع هواه, وخالف ما هو المعلوم عنده لعجزه عن قهر صفاته وتقويم أخلاقه, فلا خير في صحبته. قال بعض الأدباء: لا تصحب إلا من يكتم سرك ويستر عيبك ويكون معك في النوائب ويؤثرك بالرغائب
وأما الفاسق المصر على الفسق, فلا فائدة في صحبته, لأن من يخاف الله لا يصرّ على كبيرة, ومن لا يخاف الله لا تؤمن غائلته, ولا يوثق بصداقته, بل يتغير بتغير الأغراض. قال عمر رضي الله عنه: فلا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره, ولا تطلعه على سرك, واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى.
وأما المبتدع ففي صحبته خطر سراية البدعة, وتعدى شؤمها إليه, فالمبتدع مستحق للهجر والمقاطعة, فكيف تؤثر صحبته ؟ قال عمر رضي الله عنه في الحث على طلب التدين في الصديق: عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم, فإنهم زينة في الرخاء, وعدة في البلاء,...واحذر صديقك إلا الأمين من القوم, ولا أمين إلا من خشى الله.
وأما الحريص على الدنيا, فصحبته سم قاتل, لأن الطباع مجبولة على التشبه والاقتداء, بل الطبع يسرق من الطبع من حيث لا يدري صاحبه, فمجالسة الحريص على الدنيا تحرك الحرص, ومجالسة الزاهد تزهد في الدنيا, فلذلك تكره صحبة طلاب الدنيا, ويستحب صحبة الراغبين في الآخرة.
قال بعض العلماء: لا تصحب إلا أحد رجلين: رجل تتعلم منه شيئاً في أمر دينك فينفعك, أو رجل تُعلّمهُ شيئاً في أمرِ دينه فيقبلُ منك, والثالث فاهرب منه.
وقال بعضهم: الناس أربعة: فواحد حلو كله فلا يشبع منه, وآخر مرّ كله فلا يؤكل منه, وآخر فيه حموضة فخذ من هذا قبل أن يأخذ منك, وآخر فيه ملوحة فخذ منه وقت الحاجة فقط.
وقال جعفر الصادق رضي الله عنه: لا تصحب خمسة: الكذاب فإنك منه على غرور, وهو مثل السراب يقرب منك البعيد, ويبعد منك القريب, والأحمق فإنك لست منه على شيء, يريد أن ينفعك فيضرك, والبخيل فإنه يقطع بك أحوج ما تكون أحوج إليه, والجبان فإنه يسلمك ويفر عند الشدة, والفاسق فإنه يبيعك بأكلة أو أقل منها. فقيل: وما أقل منها ؟ قال: الطمع فيها ثم لا ينالها.

قال المأمون: الإخوان ثلاثة: أحدهم مثله مثل الغذاء لا يستغنى عنه, والآخر مثله مثل الدواء يحتاج إليه في وقت دون وقت, والثالث: مثل الداء, لا يحتاج إليه قط.

قال أبو ذر رضي الله عنه: الوحدة خير من جليس السوء, والجليس الصالح خير من الوحدة.
قال لقمان: يا بني جالس العلماء, وزاحمهم بركبتيك, فإن القلوب لتحيا بالحكمة, كما تحيا الأرض الميتة بوابل المطر.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 20-01-2022, 08:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المنتقى من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي

الأخوة والصحبة والمعاشرة(2)


(13)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ

حقوق الأخوة والصحبة:
الحق الأول: المواساة بالمال.
الحق الثاني: الإعانة بالنفس في قضاء الحاجات, ولها درجات فأدناها القيام بالحاجة عند السؤال والقدرة, لكن مع البشاشة والاستبشار, وإظهار الفرح وقبول المنة.
الحق الثالث: السكوت عن ذكر عيوبه في غيبته وحضرته, إلا إذا وجب عليه النطق في أمر بمعروف, أو نهي عن منكر, ولم يجد رخصة في السكوت, فإذ ذلك لا يبالي بكراهته, فإن ذلك إحسان إليه في التحقيق, وإن كان يظن أنها إساءة في الظاهر.
أما ذكر مساوئه وعيوبه ومساوئ أهله, فهو من الغيبة, وذلك حرام في حق كل مسلم, ويزجرك عنه أمران:
الأول: أن تطالع أحوال نفسك, فإن وجدت فيها شيئاً واحداً مذموماً, فهوّن على نفسك ما تراه من أخيك, وقدّر أنه عاجز عن قهر نفسه في تلك الخصلة الواحدة, كما أنك عاجز عما أنت مبتلى به.
الثاني: أن تعلم أنك لو طلبت منزهاً من كل عيب اعتزلت عن الخلق كافة, ولن تجد من تصحبه أصلاً, فما من أحد من الناس إلا وله محاسن ومساوئ, فإذا غلبت المحاسن المساوئ فهو الغاية والمنتهى. قال ابن المبارك: المؤمن يطلب المعاذير, والمنافق يطلب العثرات.
وكما يجب عليك السكوت بلسانك عن مساويه فيجب عليك ترك إساءة الظن به, وحدّه أن لا تحمل فعله على وجه فاسد, ما أمكن أن تحمله على وجه حسن, فأما ما انكشف بيقين ومشاهدة...فعليك أن تحمل ما تشاهد على سهو ونسيان ما أمكن.
وستر العيوب والتجاهل والتغافل عنها شيمة أهل الدين.
الحق الرابع: التعليم والنصيحة: فإذا كنت غنياً بالعلم فعليك مواساته من فضلك وإرشاده إلى كل ما ينفعه في الدين والدنيا, فإن علمته وأرشدته ولم يعمل بمقتضى العلم, فعليك النصيحة, ولكن ينبغي أن يكون ذلك في سر, لا يطلع عليه أحد, فما كان على الملأ فهو توبيخ وفضيحة, وما كان في السر فهو شفقة ونصيحة, إذا قال صلى الله عليه وسلم: « المؤمن مرآة المؤمن » أي: يرى منه ما لا يرى من نفسه, فيستفيد المر بأخيه معرفة عيوب نفسه, ولو انفرد لم يستفيد, كما يستفيد بالمرآة الوقوف على عيوب صورته الظاهرة. وقال الشافعي رحمه الله: من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه, ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه. وقيل لمسعر: أتحب من يخبرك بعيوبك ؟ قال: إن نصحني فيما بيني وبينه فنعم, وإن قرعني بين الملأ فلا.
فإن قلت: فإذا كان في النصح ذكر عيوب ففيه إيحاش القلب, فكيف يكون ذلك من حق الأخوة ؟ فاعلم أن تنبيه عين الشفقة, وهو استمالة القلوب, أعنى قلوب العقلاء, وأما الحمقى فلا يلتفت إليهم, فإن من نبهك على فعل مذموم تعاطيته, أو صفة مذمومة اتصفت بها لتزكى نفسك عنها, كان كمن نبهك على حية أو عقرب تحت ذيلك, وقد همت بإهلاكك, فإن كنت تكره ذلك فما أشد حمقك, فالصفات الذميمة عقارب, وحيات, وهي في الآخرة مهلكات, فإنها تلدغ القلوب والأرواح, وألمها أشدُّ مما يلدغ الظواهر والأجساد. ولذلك كان عمر رضي الله عنه يقول: رحم الله امرأً أهدى إلى أخيه عيوبه.
وهذا في عيب هو غافل عنه, فأما ما علمت أنه يعلمه من نفسه, فإنما هو مقهور عليه من طبعه, فلا ينبغي أن يكشف فيه ستره إن كان يخفيه, وإن كان يظهره فلا بد من التلطف في النصح بالتعريض وبالتصريح إلى حد لا يؤدي إلى الإيحاش.
الحق الخامس: الأخوة كما تقتضي السكوت عن المكاره تقتضي أيضاً النطق بالمحاب, وقد قال عليه الصلاة والسلام: « إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره » وإنما أمر بالأخبار لأن ذلك يوجب زيادة حب, فإنه إذا عرف أنك تحبه أحبك بالطبع, لا محاله, فإذا عرفت أنه أيضاً يحبك, زاد حبك لا محالة, فلا يزال الحب يتزايد من الجانبين ويتضاعف. ومن ذلك: أن يدعوه بأحب أسمائه إليه في غيبته وحضوره, قال عمر رضي الله عنه: ثلاث يصفين لك ود أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيته, وتوسع له في المجلس, وأن تدعوه بأحب أسمائه إليه. ومن ذلك: أن تثنى عليه بما تعرف من محاسن أحواله عند من يؤثر هو الثناء عنده, فإن ذلك من أعظم الأسباب في جلب المحبة....من غير إفراط أو كذب. ومن ذلك: أن تبلغه ثناء من أثنى عليه مع إظهار الفرح, فإن إخفاء ذلك محض الحسد. وأعظم من ذلك تأثيراً في المحبة: الذب عنه في غيبته مهما قصد بسوء....فحق الأخوة التشمير في الحماية والنصرة.
الحق السادس: العفو عن الزلات والهفوات, وهفوة الصديق لا تخلو إما أن تكون في دينه بارتكاب معصية, أو في حقك بتقصيره في الأخوة, أما ما يكون في الدين من ارتكاب معصية والإصرار عليها, فعليك بالتلطف في نصحه بما يقوم أوده, ويجمع شمله, ويعيد إلى الصلاح والورع حاله. حكي عن أخوين من السلف انقلب أحدهما عن الاستقامة فقيل لأخيه: ألا تقطعه وتهجره فقال: أجوج ما كان إليّ في هذا الوقت
أما زلته في حقه, بما يوجب إيحاشه, فلا خلاف أن الأولى العفو والاحتمال, ومهما اعتذر إليك أخوك كاذباً كان أو صادقاً, فاقبل عذره.
قال بعضهم: الصبر على مضض الأخ خير من معاتبته, والمعاتبة خير من القطيعة, والقطيعة خير من الوقيعة, وينبغي أن لا يبلغ في البغضة عند الوقيعة.
الحق السابع: الدعاء للأخ في حياته وبعد مماته بكل ما يحبه لنفسه, ولأهله, فتدعو له كما تدعو لنفسك لا تفرق بين نفسك وبينه, فإن دعاءك له دعاء لنفسك على التحقيق, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا دعا الرجل لأخيه في ظهر الغيب, قال الملك: ولك مثل.) وكان أبو الدرداء يقول: إني أدعو لسبعين من إخواني في سجودي وكان محمد بن يوسف الأصفهاني يقول: وأين مثل الأخ الصالح ؟ يدعو لك في ظلمة الليل, وأنت تحت أطباق الثرى.
الحق الثامن: الوفاء والإخلاص, ومعنى الوفاء: الثبات على الحب, وإدامته إلى الموت معه ,وبعد الموت مع أولاده وأصدقائه, فإن الحب إنما يراد للآخرة, قال عليه الصلاة والسلام في السبعة الذين يظلهم الله في ظله: « ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه » قال بعضهم: قليل وفاء بعد الوفاة خير من كثيره في حال الحياة.
ومن الوفاء: أن لا يتغير حاله في التواضع مع أخيه وإن ارتفع شأنه, واتسعت ولايته, وعظم جاهه, فالترفع على الإخوان بما يتجدد من الأحوال لؤم.
وأوصى بعض السلف ابنه فقال: يا بني, لا تصحب من الناس إلا من إذا افتقرت إليه قرب منك, وإن استغنيت عنه لم يطمع فيك, وإن علت مرتبته لم يرتفع عليك.
واعلم أنه ليس من الوفاء: موافقة الأخ فيما يخالف الحق, في أمر يتعلق بالدين, بل الوفاء له المخالفة.
ومن آثار الصدق والإخلاص وتمام الوفاء: أن تكون شديد الجزع من المفارقة, نفور الطبع عن أسبابها.
ومن الوفاء: أن لا يسمع بلاغات الناس على صديقه

ومن الوفاء: أن لا يصادق عدو صديقه.
الحق التاسع: التخفيف وترك التكلف والتكليف, وذلك بأن لا يكلف أخاه ما يشق عليه, فلا يستمد منه من جاه ومال, ولا يكلفه التواضع له, والتفقد لأحواله, والقيام بحقوقه, بل لا يقصد بمحبته إلا الله تعالى. قال الفضيل: إنما تقاطع الناس بالتكلف, يزور أحدهم أخاه فيتكلف له, فيقطعه ذلك عنه. قيل لبعضهم: من تصحب ؟ قال: من يرفع عنك ثقل التكلف, وتسقط بينك وبينه مؤنة التحفظ. وكان جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما يقول: أثقل إخواني عليّ من يتكلف لي, وأتحفظ منه, وأخفهم عليّ من أكون معه كما أكون وحدي. وقد قيل: من سقطت كلفته دامت ألفته, ومن خفت مؤنته دامت مودته.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 20-01-2022, 08:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المنتقى من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي

الأخوة والصحبة (3)


(14)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ



حقوق المسلم:
منها: أن يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد, إذا اشتكى عضو منه تداعى سائره بالسهر الحمى»
ومنها: أن لا يؤذي أحداً من المسلمين بفعل ولا قول, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده »
ومنها: أن يتواضع لكل مسلم ولا يتكبر عليه, فإن الله لا يحب كل مختال فخور, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد»
ومنها: أن لا يسمع بلاغات الناس بعضهم على بعض, ولا يبلغ بعضهم ما يسمع من بعض, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قتات» وقال الخليل بن أحمد: من نمّ لك نمّ عليك, ومن أخبرك بخبر غيرك, أخبر غيرك بخبرك.
ومنها: أن لا يزيد في الهجر على ثلاثة أيام مهما غضب عليه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث, يلتقيان فيعرض هذا, ويعرض هذا, وخيرهما الذي يبدأ بالسلام »
ومنها أن لا يدخل على أحد منهم إلا بأذنه بل يستأذن ثلاثاً فإن لم يؤذن له انصرف
ومنها: أن يوقر المشايخ ويرحم الصبيان, قال صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يوقر كبيرنا, ولم يرحم صغيرنا » وأن يكون مع كافة الخلق مستبشراً طلق الوجه رفيقاً, قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: إن البرَّ شيء هين, وجه طليق, وكلام لين.
ومنها: أن لا يعد مسلماً بوعد إلا ويفي به, قال صلى الله عليه وسلم: « ثلاث في المنافق: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا ائتمن خان»
ومنها: أن يصلح ذات البين بين المسلمين مهما وجد إليه سبيلاً, قال صلى الله عليه وسلم: « ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة ؟ قالوا: بلى, قال: إصلاح ذات البين, وفساد ذات البين هي الحالقة»
ومنها: أن يستر عورات المسلمين قال صلى الله عليه وسلم: « من ستر على مسلم, ستره الله تعالى في الدنيا والآخرة »
ومنها: أن يبدأ كل مسلم منهم بالسلام قبل الكلام ويصافحه عند السلام.
ومنها: أن يصون عرض أخيه المسلم ونفسه وماله من ظلم غيره مهما قدر.
ومنها: تشميت العاطس.
ومنها: النصيحة لكل مسلم والجهد في إدخال السرور عليه.
ومنها: أن ينزل الناس منازلهم.
ومنها: أن يحسن إلى كل من قدر عليه منهم.
ومنها: أن يعود مرضاهم.
ومنها: أن يشيع جنائزهم.
ومنها: أن ينصف الناس من نفسه.
ومنها: أن يشفع لكل من له حاجة من المسلمين إلى من له عنده منزله ويسعى في قضاء حاجته بما يقدر عليه.
ومنها: أن لا تستصغر منهم أحداً فتهلك, لأنك لا تدري لعله خير منك, فإنه وإن كان فاسقاً فلعله يختم لك بمثل حاله, ويختم له بالصلاح.
ومنها: أن لا تنظر إليهم بعين التعظيم لهم في حال دنياهم, فالدنيا صغيرة عند الله, صغير ما فيها.
ومنها: أن لا تبذل لهم دينك من دنياهم, فتصغر في أعينهم, ثم تحرم دنياهم, فإن لم تحرم, كنت قد استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير.
ومنها: أن لا تعادهم بحيث تظهر العداوة, فيطول الأمر عليك في المعاداة, ويذهب دينك ودنياك فيهم, ويذهب دينهم فيك, إلا إذا رأيت منكراً في الدين, فتعادى أفعالهم القبيحة, وتنظر إليهم بعين الرحمة, لتعرضهم لمقت الله وعقوبته بعصيانهم.
ومنها: أن لا تسكن إليهم في مودتهم لك, وثنائهم عليك في وجهك, وحسن بشرهم لك, فإنك إن طلبت حقيقة ذلك لم تجد في المائة إلا واحداً, وربما لا تجده.
ومنها: أن لا تشك إليهم أحوالك فيكلك الله إليهم.
ومنها: أن لا تطمع أن يكونوا لك في الغيب والسر كما في العلانية, فذلك طمع كاذب وأنى تظفر به ؟
ومنها: أن لا تطمع فيما في أيديهم فتستعجل الذل, ولا تنال الغرض.
ومنها: أن لا تعلُ عليهم تكبراً لاستغنائك عنهم, فإن الله يلجئك إليهم عقوبة على التكبر.
ومنها: أنك إذا سألت أخاً منهم حاجة فقضاها, فهو أخ مستفاد, وإن لم يقض فلا تعاتبه, فيصير عدواً تطول عليك مقاسته.
ومنها: أنك مهما رأيت منهم كرامة وخيراً فاشكر الله الذي سخرهم لك, واستعذ بالله أن يكلك إليهم.
حقوق الجوار:
اعلم أن الجوار يقتضي حقاً وراء ما تقتضيه أخوة الإسلام, فيستحق الجار المسلم ما يستحقه كل مسلم وزيادة, قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»
وقال عليه الصلاة والسلام: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره»
وقال صلى الله عليه وسلم: « لا يؤمن عبد حتى يأمن جاره بوائقه »
واعلم أنه ليس حق الجوار كف الأذى فقط, بل احتمال الأذى, ولا يكفى احتمال الأذى بل لا بد من الرفق, وإسداء الخير والمعروف.
شكا بعضهم كثرة الفار في داره, فقيل له: لو اقتنيت هراً ؟ فقال: أخشى أن يسمع الفار صوت الهر, فيهرب إلى بيوت الجيران, فأكون قد أحببت لهم ما لا أحب لنفسي.
وجملة حق الجار: أن يبدأه بالسلام, ويعوده في المرض, ويعزيه في المصيبة, ويهنئه في الفرح ويظهر السرور معه ويصفح عن زلاته ولا يتطلع إلى عوراته, ويستر ما ينكشف له من عوراته, ويغض بصره عن حرمته, ويرشده إلى ما يجهله في أمور دينه ودنياه.
حقوق الوالدين والولد:
لا يخفى أنه إذا تأكد حق القرابة والرحم, فأخص الأرحام وأمسها الولادة, فيتضاعف حق تأكد الحق فيها. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « لن يجزي ولد والده حتى يجده مملوكاً فيشتريه ويعتقه»
وجاء رجل فقال: يا رسول الله, هل بقي علي من بر أبوي شيء أبرهما بعد وفاتهما ؟ قال: «نعم, الصلاة عليهما » _ أي الدعاء لهما _ والاستغفار لهما, وانفاذ عهدهما, وإكرام صديقهما, وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما )
وجاء رجل إلى عبدالله بن المبارك فشكا إليه بعض ولده, فقال: هل دعوت عليه ؟ قال: نعم, قال: أنت أفسدته.
ويستحب الرفق بالولد, رأى الأقرع بن حابس النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقبل ولده الحسن, فقال: إن لي عشرة من الولد, ما قبلت واحداً منهم ! فقال عليه الصلاة والسلام: «( من لا يرحم لا يرحم )»
حقوق الأقارب والرحم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «( يقول الله تعالى: أنا الرحمن, وهذه الرحم شققت لها اسماً من اسمي, فمن وصلها وصلته, ومن قطعها بتته ) وقال عليه الصلاة والسلام: ( من سره أن ينسأ له في أثره, ويوسع عليه رزقه, فليصل رحمه ) وقال صلى الله عليه وسلم: ( ليس الواصل بالمكافئ, ولكن الواصل إذا قطعت رحمه وصلها) وقال صلى الله عليه وسلم: ( الصدقة على المسكين صدقة, وعلى ذي الرحم اثنتان.)»
حقوق المملوك:

ملك اليمين يقتضي حقوقاً في المعاشرة لا بد من مراعاتها, فقد كان أخر ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد قال عليه الصلاة والسلام : « للمملوك طعامه, وكسوته بالمعروف, ولا يكلف من العمل ما لا يطيق » وكان عمر رضي الله عنه يذهب إلى العوالي في كل يوم سبت, فإذا وجد عبداً في عمل لا يطيقه, وضع عنه.
فجملة حق المملوك أن يشركه في طعمته وكسوته, ولا يكلفه فوق طاقته, ولا ينظر إليه بعين الكبر والازدراء, وأن يعفو عن زلته, وأن يتفكر عند غضبه عليه, معاصيه وجنايته في حق الله تعالى وتقصيره في طاعته, مع أن قدرة الله عليه فوق قدرته.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 08-02-2022, 09:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المنتقى من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي

آداب العزلة


(15)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ

للناس اختلاف كثير في العزلة والخلطة, وتفضيل إحداهما على الأخرى, ومع أن كل واحدة منهما لا تنفك عن غوائل تنفر عنها, وفوائد تدعو إليها, ومال أكثر العباد والزهاد إلى اختيار العزلة وتفصيلها على المخالطة, وقال أكثر التابعين باستحباب المخالطة, واستكثار المعارف الإخوان, والتألف والتحبب إلى المؤمنين, والاستعانة بهم في الدين تعاوناً على البر والتقوى, ومال إلى هذا: سعيد بن المسيب, والشعبي, وشريح, وابن المبارك, والشافعي, وأحمد بن حنبل, وجماعة.
فوائد العزلة:
الفائدة الأولى: التفرغ للعبادة.
الفائدة الثانية: التخلص بالعزلة عن المعاصي التي يتعرض الإنسان لها غالباً بالمخالطة, ويسلم منها في الخلوة, وهي: الغيبة والنميمة, والرياء, والسكوت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ومسارقة الطبع من الأخلاق الرديئة والأعمال الخبيثة التي يوجبها الحرص على الدنيا.
الفائدة الثالثة: الخلاص من الفتن والخصومات, وصيانة الدين والنفس عن الخوض فيها, والتعرض لأخطارها, وقلما تخلو البلاد عن تعصبات وفتن وخصومات, فالمعتزل عنهم في سلامة منها.
الفائدة الرابعة: الخلاص من شر الناس, فإنهم يؤذونك مرة بالغيبة, ومرة بسوء الظن, وتارة بالنميمة أو الكذب, فإذا اعتزلتهم استغنيت من التحفظ عن جميع ذلك.
الفائدة الخامسة: أن ينقطع الناس عنك, وينقطع طمعك عن الناس.
الفائدة السادسة: الخلاص من مشاهدة الثقلاء والحمقى ومقاساة حمقهم وأخلاقهم.
فوائد المخالطة:
الفائدة الأولى: التعليم والتعلم وهما أعظم العبادات في الدنيا, ولا يتصور ذلك إلا بالمخالطة.
الفائدة الثانية: النفع والانتفاع, أما الانتفاع بالناس فبالكسب والمعاملة, وذلك لا يتأتى إلا بالمخالطة, وأما النفع فهو أن ينفع الناس إما بماله, أو ببدنه فيقوم بحاجتهم على سبيل الحسبة. ففي النهوض بحوائج المسلمين ثواب وذلك لا ينال إلا بالمخالطة
الفائدة الثالثة: التأديب والتأدب, ونعنى به الارتياض بمقاساة الناس, والمجاهدة في تحمل أذاهم كسراً للنفس, وقهراً للشهوات, وهي من الفوائد التي تستفاد بالمخالطة, وهي أفضل من العزلة في حق من لم تتهذب أخلاقه, ولم تذعن لحدود الشرع شهواته.
الفائدة الرابعة: الاستئناس والإيناس, وهو غرض من يحضر الولائم والدعوات ومواضع العشرة والإنس. وقد يكون ذلك على وجه حرام...أو على وجه مباح
ويستحب ذلك إذا كان الغرض منه ترويح القلب لتهيج دواعي النشاط في العبادة.

الفائدة الخامسة: في نيل الثواب وإنالته, أما النيل فبحضور الجنائز وعيادة المريض وحضور العيدين, وأما إنالته فهو أن يفتح الباب لتعوده الناس, أو ليعزوه في المصائب, أو يهنوه على النعم, فإنهم ينالون بذلك ثواباً.
الفائدة السادسة: التواضع, من أفضل المقامات, ولا يقدر عليه في الوحدة, وقد يكون الكبر سبباً في اختيار العزلة.
الفائدة السابعة: التجارب, فإنها تستفاد من المخالطة للخلق ومجارى أحوالهم, والعقل الغريزي ليس كافياً في تفهم مصالح الدين والدنيا, وإنما تفيدها التجربة والممارسة, ولا خير في عزلة من لم تحنكه التجارب.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 08-02-2022, 09:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المنتقى من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر



(16)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لو طوى بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة, وعمت الفترة, وفشت الضلالة, وشاعت الجهالة, واستشرى الفساد, وخربت البلاد, وهلك العباد, فإنا لله وإنا إليه راجعون, إذ قد اندرس من هذا القطب عمله وعلمه, وانمحق بالكلية حقيقته ورسمه, فاستولت على القلوب مداهنة الخلق وانمحت عنها مراقبة الخالق, واسترسل الناس في اتباع الهوى والشهوات
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
يدل على ذلك بعد إجماع الأمة عليه, وإشارات العقول السليمة إليه: الآيات والأخبار والآثار.
أما الآيات: فيقول الله تعالى: { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } [آل عمران:104] وقال تعالى: { ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليلِ وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروفِ وينهون عن المنكرِ ويسارعون في الخيراتِ وأولئك من الصالحين } [آل عمران:113_114] فلم يشهد لهم بالصلاح بمجرد الإيمان بالله واليوم الآخر, حتى أضاف إليه الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وقال تعالى: { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة } [التوبة:71] فقد نعت المؤمنين بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر, فالذي هجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خارج عن هؤلاء المنعوتين في هذه الآية, وقال تعالى: {كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر } [آل عمران:110]

وأما الأخبار: فمنها: ما روى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه, أنه قال في خطبة خطبها: أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية وتؤولونها على خلاف تأويلها, { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } [المائدة:105] وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من قوم عملوا بالمعاصي, وفيهم من يقدر أن ينكر عليهم, فلم يفعل إلا يوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «( إياكم والجلوس في الطرقات ) قالوا: ما لنا بدّ, إنما هي مجالسنا نتحدث فيها, قال: ( فإذا أبيتم إلا ذلك, فأعطوا الطريق حقها) قالوا: وما حق الطريق ؟ قال: ( غض البصر, وكف الأذى, ورد السلام, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )»
وأما الآثار: فقد قال أبو الدرداء رضي الله عنه: لتأمرن بالمعروف, ولتنهن عن المنكر, أو ليسلطن الله عليكم سلطاناً ظالماً, لا يجل كبيركم, ولا يرحم صغيركم, ويدعو عليه خياركم فلا يستجاب لهم, وتستنصرون فلا تنصرون, وتستغفرون فلا يغفر لكم.
وسئل حذيفة رضي الله عنه عن ميت الأحياء, فقال: الذي لا ينكر المنكر بيده, ولا بلسانه, ولا بقلبه.
وقال بلال بن سعيد: إن المعصية إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها, فإذا أعلنت ولم تغير أضرت العامة.
وكان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يأتي العمال, ثم قعد عنهم, فقيل له: لو أتيتهم فلعلهم يجدون في أنفسهم, فقال: أرهب أن تكلمت أن يروا أن الذي بي غير الذي بي, وإن سكتُ رهبة أن آثم.
وهذا يدل على أن من عجز عن الأمر بالمعروف فعليه أن يبعد عن ذلك الموضع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 08-02-2022, 09:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المنتقى من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي

أخلاق النبوة


(17)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ

الحمد لله الذي خلق كل شيء فأحسن خلقه وترتيبه, وأدب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم فأحسن تأديبه, وزكى أوصافه وأخلاقه, ووفق للاقتداء به من أراد تهذيبه,
وحرم من التخلق بأخلاقه من أراد تخيبه.



جملة من محاسن أخلاقه صلى الله عليه وسلم :

كان صلى الله الله عليه وسلم أحلم الناس, وأشجع الناس, وأعدل الناس, وأعف الناس لم تمس يده قط يد امرأة لا يملك رقها, أو عصمة أمرها, أو تكون ذات محرم منه, وكان أسخى الناس لا يبيت عنده دينار ولا درهم, لا يُسأل عن شيء إلا أعطاه

وكان يخصف النعل, ويرقع الثوب, ويخدم في مهنة أهله, ويجب دعوة العبد والحر, ويقبل الهدايا ولو أنها جرعة لبن ويكافئ عليها, ولا يستكبر عن إجابة الأرملة والمسكين, يغضب لربه ولا يغضب لنفسه, وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع,

إن وجد تمراً أكله, وإن وجد خبر بر أو شعير أكله, لا يأكل متكئاً, ولا على خوان, لم يشبع من خبز ثلاثة أيام متوالية حتى لقى الله تعالى إيثاراً على نفسه, لا فقراً ولا بخلاً, يجيب الوليمة, ويعود المرضى, ويشهد الجنائز, أشدّ الناس تواضعاً, وأسكنهم في غير كبر, وأبلغهم في غير تطويل, وأحسنهم بشراً, لا يهوله شيء من أمور الدنيا, ويلبس ما وجد من المباح, يردف خلفه عبده أو غيره, يركب ما أمكنه, مرة فرساً ومرة بعيراً ومرة بغلة ومرة حماراً, يحب الطيب, ويكره الرائحة الرديئة, ويجالس الفقراء, ويؤاكل المساكين, ويكرم أهل الفضل, ويتألف أهل الشرف, يصل رحمه, ولا يجفو على أحد, يقبل معذرة من المعتذر إليه, يمزح ولا يقول إلا حقاً, يضحك من غير قهقهه, يرى اللعب المباح فلا ينكره, يسابق أهله, ترفع الأصوات عليه فيصبر. ـ

ما ضرب بيده أحد قط إلا أن يضرب بها في سبيل الله تعالى, وما انتقم من شيء صنع إليه قط إلا أن تنتهك حرمة الله, وما خير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم فيكون أبعد الناس من ذلك, وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر, وكان إذا لقى أحداً من أصحابه بدأه بالمصافحة, وكان لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله, وحيث انتهى به المجلس جلس, وكان أبعد الناس غضباً وأسرعهم رضا, وكان أرأف الناس بالناس, وخير الناس للناس, وأنفع الناس للناس, ولم تكن ترفع في مجلسه الأصوات, كان أفصح الناس منطقاً وأحلاهم كلاماً, وكان نزر الكلام وسمح المقالة, إذا نطق ليس بمهذار, وكان أوجز الناس كلاماً, وكان يتكلم بجوامع الكلام لا فضول ولا تقصير, وكان طويل السكوت لا يتكلم في غير حاجة, ولا يقول المنكر, ولا يقول في الرضا والغضب إلا الحق, ويكنى عما اضطر الكلام إليه مما يكره, وكان أكثر الناس تبسماً وضحكاً في وجوه أصحابه, وإن غضب _ وليس يغضب إلا لله _ لم يقم لغضبه شيء.


كان صلى الله عليه وسلم أحلم الناس, وأرغبهم في العفو, كان رفيق البشرة, لطيف الظاهر والباطن, يعرف في وجه غضبه ورضاه, وكان أجود الناس وأسخاهم, وكان في شهر رمضان كالريح المرسلة لا يمسك شيئاً, وكان أنجد الناس وأشجعهم, وكان أشد الناس تواضعاً في علو منصبه.

قد جمع الله تعالى له السيرة الفاضلة, والسياسة التامة, وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب, علمه الله تعالى جميع محاسن الأخلاق والطرق الحميدة, وأخبار الأولين والآخرين, وفقنا الله لطاعته في أمره, والتأسي به في فعله. آمين يا رب العالمين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 10-02-2022, 12:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المنتقى من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي

عجائب القلب

(18)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
اعلم أن مثال القلب مثال حصن, والشيطان عدو يريد أن يدخل الحصن, فيملكه ويستولي عليه, ولا يقدر على حفظ الحصن إلا بحراسة أبواب الحصن ومداخله, ولا يقدر على حراسة أبوابه من لا يدري أبوابه. ومن أبواب الشيطان:
الغضب, والحسد:
الغضب هو غول العقل, وإذا ضعف جند العقل هجم جند الشيطان, ومهما غضب لعب الشيطان به, كما يلعب الصبي بالكرة.
والحسد من أعظم مداخله.
الشبع على الطعام:
وإن كان حلالاً صافياً, فإن الشبع يقوي الشهوات, والشهوات أسلحة الشيطان. ويقال في كثرة الأكل ست خصال مذمومة:
أولها: أن يذهب خوف الله من قلبه.
الثاني: أن يذهب رحمة الخلق من قلبه, لأنه يظن أنهم كلهم شباع.
الثالث: أنه يثقل عن الطاعة.
الرابع: أنه إذا سمع كلام الحكمة لا يجد له رقة.
الخامس: إذا تكلم بالموعظة والحكمة لا يقع في قلوب الناس.
السادس: أنه يهيج الأمراض.
البخل وخوف الفقر:
فإن ذلك هو الذي يمنع الإنفاق والتصدق, ويدعو إلى الادخار والكنز.
الطمع في الناس:
إذا غلب الطمع على القلب لم يزل الشيطان يحبب إليه التصنع والتزين لمن طمع فيه بأنواع الرياء والتلبيس,...وأقل أحواله الثناء عليه بما ليس فيه, والمداهنة له بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
العجلة وترك التثبت في الأمور:
قال عز وجل: { وكان الإنسان عجولاً} [الإسراء:11] وهذا لأن الأعمال ينبغي أن تكون بعد التبصرة والمعرفة, والتبصرة تحتاج إلى تأمل وتمهل, والعجلة تمنع ذلك, وعند الاستعجال يروج الشيطان شره على الإنسان من حيث لا يدري.
سوء الظن بالمسلمين:
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم} [الحجرات:12] فمن يحكم بشرٍ على غيره بالظن, يحثه الشيطان أن يطول فيه اللسان بالغيبة, وينظر إليه بعين الاحتقار ويرى نفسه خيراً منه.
العلاج في سدِّ مداخل الشيطان:

فإن قلت: فما العلاج في دفع الشيطان ؟
فاعلم أن علاج القلب في ذلك: سد هذه المداخل بتطهير القلب من هذه الصفات المذمومة, لأن حقيقة الذكر لا تتمكن من القلب إلا بعد عمارة القلب بالتقوى, وتطهيره من الصفات المذمومة فإن أردت الخلاص من الشيطان فقدّم الاحتماء بالتقوى ثم أردفه بدواء الذكر يفرُّ الشيطان منك ولذلك قال وهب بن منبه اتق الله, ولا تسب الشيطان في العلانية وأنت صديقه في السرّ أي: أنت مطيع له وقيل: يا عجباً لمن يعصى المحسن بعد معرفته بإحسانه, ويطيع اللعين بعد معرقته بطغيانه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 10-02-2022, 12:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المنتقى من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي

رياضة النفس (1)


(19)

فهد بن عبد العزيز الشويرخ



الخلق الحسن صفة سيد المرسلين, وأفضل أعمال الصديقين, والأخلاق السيئة هي السموم القاتلة, والمهلكات الدامغة, والمخازى الفاضحة, والرذائل الواضحة, والخبائث المبعدة عن جوار رب العالمين, المنخرطة بصاحبها في سلك الشياطين.
والأخلاق الجميلة هي الأبواب المفتوحة من القلب إلى نعيم الجنان, وجوار الرحمن, والأخلاق الخبيثة أمراض القلوب وأسقام النفوس.
فضيلة حسن الخلق ومذمة سوء الخلق:
قال الله تعالى لنبيه مثنياً عليه ومظهراً نعمته لديه: ( { وإنك لعلى خلق عظيم )} [القلم:4] وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن. وقال عليه الصلاة والسلام: «( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )» وقال صلى الله عليه وسلم: «( أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة تقوى الله وحسن الخلق ) » وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أوصني, فقال : «( اتق الله حيثما كنت, وأتبع السيئة الحسنة تمحها, وخالق الناس بخلق حسن)» وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: «( اللهم حسنت خلقي, فحسن خُلقي) »
قال الحسن: من ساء خلقه عذب نفسه.
وقال أنس بن مالك: إن العبد ليبلغ بحسن خلقه أعلى درجة في الجنة وهو غير عابد, ويبلغ بسوء خلقه أسفل درك في جهنم وهو عابد.
وقال يحيى بن عاذ: في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق.
وصحب ابن المبارك رجلاً سيء الخلق في سفر, فكان يحتمل منه, ويداريه, فلما فارقه بكى, فقيل له في ذلك, فقال: بكيته رحمة له, فارقته وخلقه معه لم يفارقه.
بيان حقيقة حسن الخلق وسوء الخلق
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: حسن الخلق في ثلاث خصال: اجتناب المحارم, وطلب الحلال, والتوسعة على العيال.
وقال الحسن: حسن الخلق: بسط الوجه, وبذل الندى, وكف الأذى.
أمهات الأخلاق أصولها أربعة: الحكمة, والشجاعة, والعفة, والعدل.
ونعنى بالحكمة: حالة للنفس بها يدرك الصواب من الخطأ في جميع الأفعال الاختيارية
ونعنى بالعدل حالة للنفس وقوة بها تسوس الغضب والشهوة وتحملها على مقتضى الحكمة, وتضبطها في الاسترسال والانقباض على حسب مقتضاها.
ونعنى بالشجاعة كون قوة الغضب منقادة للعقل في إقدامها وإحجامها.
ونعنى بالعفة تأديب قوة الشهوة بتأديب العقل والشرع.
فمن اعتدال هذه الأصول الأربعة تصدر الأخلاق الجميلة كلها.
إذ من اعتدال قوة العقل يحصل حسن التدبير, وجودة الذهن, وثقابة الرأي
وأما خلق الشجاعة: فيصدر منه الكرم والنجدة والشهامة وكسر النفس والاحتمال والحلم والثبات وكظم الغيظ والوقار
وأما خلق العفة فيصدر منه السخاء والحياء والصبر والمسامحة والقناعة والورع واللطافة والمساعدة والظرف وقلة الطمع.
فأمهات محاسن الأخلاق هذه الفضائل الأربعة...والباقي فروعها.
ولم يبلغ كمال الاعتدال في هذه الأربع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم, والناس بعده متفاوتون في القرب والبعد منه....وكل من جمع كمال هذه الأخلاق استحق أن يكون بين الخلق ملكاً مطاعاً.
قبول الأخلاق للتغير بالرياضة:
اعلم أن بعض من غلبت عليه البطالة استثقل المجاهدة والرياضة, والاشتغال بتزكية النفس وتهذيب الأخلاق, فلم تسمح نفسه بأن يكون ذلك لقصوره, ونقصه, فزعم أن الأخلاق لا يتصور تغيرها فإن الطباع لا تتغير.
فنقول: لو كانت الأخلاق لا تقبل التغير, لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات ...وكيف ينكر هذا في حق الأدمي, وتغيير خلق البهيمة ممكن, إذ ينقل الباري من الاستحياش إلى الإنس, والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك والتخلية, والفرس من الجماح إلى السلامة والانقياد, وكل ذلك تغيير للأخلاق.
الأسباب التي ينال به حسن الخلق:
الأول: جود إلهي, وكمال فطري, بحيث يخلق الإنسان ويولد كامل العقل, حسن الخلق قد كفى سلطان الشهوة والغضب فيصير عالماً بغير تعليم مؤدباً من غير تأديب
الثاني: اكتساب هذه الأخلاق بالمجاهدة والرياضة, وأعنى حمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب
الثالث: مشاهدة أرباب الفعال الحميدة, ومصاحبتهم, وهم قرنا الخير, وإخوان الصلاح, إذ الطبع يسرق من الطبع الشر والخير جميعاً.
فمن تظاهرت في حقه الجهات الثلاث حتى صار ذا فضيلة طبعاً واعتياداً وتعلماً فهو في غاية الفضيلة.
ومن كان رذلاً بالطبع, واتفق له قرناء السوء, فتعلم منهم, وتيسرت له أسباب الشر, حتى اعتادها فهو غاية البعد من الله عز وجل, وبين الرتبتين من اختلفت فيه من هذه الجهات, ولكل درجة في القرب والبعد بحسب ما تقتضيه صورته وحالته.
الطريق إلى تهذيب الأخلاق:
النفس في علاجها بمحو الرذائل والأخلاق الرذيلة عنها, وجلب الفضائل والأخلاق الجميلة لها, مثال البدن في علاجه بمحو العلل عنه, وكسب الصحة له, وجلبها إليه, وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملاً وإنما يكمل ويقوى بالنشوء والتربية بالغذاء, فكذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال, وإنما تكمل بالتربية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم. وكما أن العلة المغيرة لاعتدال البدن الموجبة للمرض, لا تعالج إلا بضدها, فإن كانت من حرارة فبالبرودة. وإن كانت من برودة فبالحرارة, فكذلك الرذيلة التي هي مرض القلب, علاجها بضدها, فيعالج مرض الجهل بالتعلم, ومرض البخل بالتسخي, ومرض الكبر بالتواضع, ومرض الشره بالكف عن المشتهى تكلفاً.
وكما أنه لا بد من الاحتمال لمرارة الدواء, وشدة الصبر عن المشتهيات لعلاج الأبدان المريضة, فكذلك لا بد من احتمال مرارة المجاهدة, والصبر لمداوة مرض القلب بل أولى. فإن مرض البدن يخلص منه بالموت, ومرض القلب والعياذ بالله تعالى مرض يدوم بعد الموت.
الطرق الذي يعرف به الإنسان عيوب نفسه:
اعلم أن الله عز وجل إذا أراد بعبده خيراً بصره بعيوب نفسه, فمن كانت له بصيرة نافذة لم تخف عليه عيوبه, فإذا عرف العيوب أمكنه العلاج, فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه فله طرق:

الأول: أن يطلب صديقاً صدوقاً ديناً فما كره من أخلاقه وأفعاله وعيوبه ينبه عليه.
الثاني: أن يستفيد معرفة عيوبه من ألسنة أعدائه فإن عين السخط تبدى المساوي.
الثالث: أن يخالط الناس فكل ما رآه مذموماً فليتفقد نفسه ويطهرها من كل ما يذمه



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 10-02-2022, 12:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المنتقى من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي

رياضة النفس (2)


(20)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ



علامات حسن الخلق:
اعلم أن كل إنسان جاهل بعيوب نفسه, فإذا جاهد نفسه أدنى مجاهدة حتى ترك فواحش المعاصي ربما ظن بنفسه أنه هذب نفسه وحسن خلقه واستغنى عن المجاهدة, فلابد من إيضاح علامة حسن الخلق, فإن حسن الخلق هو الإيمان, وقد ذكر الله صفات المؤمنين في كتابه, وهي بجملتها حسن الخلق, فلنورد جملة من ذلك لتعلم آية حسن الخلق. قال الله تعالى: {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون} [ المؤمنون:1_2] إلى قوله { أولئك هم الوارثون} [المؤمنون:10] وقال عز وجل: {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين } [التوبة:112] وقال عز وجل: { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم} [الأنفال:2-3_4] وقال تعالى: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} [الفرقان: 63] إلى آخر السورة.
فمن أشكل عليه حاله, فليعرض نفسه على هذه الآيات, فوجود جميع الصفات علامة حسن الخلق, وفقد جميعها علامة سوء الخلق, ووجود بعضها دون بعض, يدل على البعض دون البعض, فليشتغل بتحصيل ما فقده, وحفظ ما وجده.
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن بصفات كثيرة, وأشار بجميعها إلى محاسن الأخلاق, فقال عليه الصلاة والسلام: ( « المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه» ) وقال: ( «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر, فليكرم ضيفه» )
وقال: ( «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر, فليكرم جاره» ) وقال: ( « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت » ) وذكر أن صفات المؤمنين هي حسن الخلق, فقال صلى الله عليه وسلم: ( «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً » ) وقال: ( «من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن» ) وجمع بعضهم علامات حسن الخلق فقال: هو أن يكون كثير الحياء, قليل الأذى, كثير الصلاح, صدوق اللسان, قليل الكلام, كثير العمل, قليل الزلل, قليل الفضول, براً, وصولاً, صبوراً, شكوراً, رضياً, حليماً, رفيقاً, عفيفاً شفيقاً, لا لعاناً, ولا ساباً, ولا نماماً, ولا مغتاباً, ولا عجولاً, ولا حقوداً, ولا بخيلاً, ولا حسوداً, بشاشاً, هشاشاً, يحب في الله, ويبغض في الله, ويرضى في الله, ويبغض في الله, فهذا هو حسن الخلق.
رياضة الصبيان وتأديبهم وتحسين أخلاقهم:
الصبي أمانة عند والديه, وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة, خالية من كل نقش وصورة, وهو قابل لكل ما نقش, ومائل إلى كل ما يمال به إليه, فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة, وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدب وإن عود الشر وأهمل شقي وهلك, وكان الوزر في رقبة القيم عليه, والوالي له.
ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فلأن يصونه عن نار الآخرة أولى, وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق, ويحفظه من قرناء السوء, ولا يعوده التنعم, ولا يجبب إليه الزينة والرفاهية, فيضيع عمره في طلبها إذا كبر فيهلك.
والصبي...إذا كان يستحى, ويترك بعض الأفعال, حتى يرى بعض الأفعال قبيحاً, فهذه بشارة تدل على اعتدال الأخلاق, وصفاء القلب, ومبشر بكمال العقل عند البلوغ.
وأول ما يغلب عليه من الصفات: شره الطعام فينبغي أن يؤدب فيه مثل أن لا يأخذ الطعام إلا بيمينه, وأن يقول: بسم الله عند أخذه, وأن يأكل مما يليه, وأن لا يبادر إلى الطعام قبل غيره, وأن لا يحدق النظر إلى من يأكل, وأن لا يسرع في الأكل.
ويحفظ الصبي عن الصبيان الذين عودوا التنعم والرفاهية, ولبس الثياب الفاخرة.
والصبي إذا أهمل في ابتداء نشوه خرج في الأغلب ردئ الأخلاق, كذاباً, حسوداً, سروقاً, نماماً, لحوحاً, ذا فضول, وضحك, وكيد, ومجانة, وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب, ثم يشغل في المكتب, فيتعلم القرآن, وأحاديث الأخبار, وحكايات الأبرار وأحوالهم لينغرس في نفسه حب الصالحين, ويُحفظ من الأشعار التي فيها ذكر العشق وأهله, ويُحفظ من مخالطة الأدباء الذين يزعمون أن ذلك من الظرف ورقة الطبع, فإن ذلك يغرس في قلوب الصبيان بذر الفساد.
ثم مهما ظهر من الصبي خلق جميل وفعل محمود فينبغي أن يكرم عليه, ويجازي عليه بما يفرح به, ويمدح بين أظهر الناس, فإن خالف في ذلك في بعض الأحوال مرة واحدة فينبغي أن يتغافل عنه, ولا يهتك ستره...ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه, فإن إظهار ذلك عليه ربما يفيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة, فعند ذلك إن عاد ثانياً فينبغي أن يعاتب سراً, ويعظم الأمر فيه, ويقال: إياك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا, ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين فإنه يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح, ويسقط وقع الكلام من قلبه, وليكن الأب حافظاً هيبة الكلام معه فلا يوبخه إلا أحياناً, والأم تخوفه بالأب, وتزجره عن القبائح.
ويمنع من أن يفتخر على أقرانه بشيء مما يملكه والداه, ويمنع أن يأخذ من الصبيان شيئاً بدا له, وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء.
وينبغي أن يؤذن له بعد الانصراف من الكتاب أن يلعب لعباً جميلاً يستريح إليه من تعب المكتب, بحيث لا يتعب في اللعب, فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه إلى التعلم دائماً يميت قلبه, ويبطل ذكاءه, وينغص عليه العيش, حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأساً.
وينبغي أن يعلم طاعة والديه, ومعلمه, ومؤدبه, ومن هو أكبر منه سناً من قريب وأجنبي, وأن يترك اللعب بين أيديهم.
ومهما بلغ سن التميز, فينبغي أن لا يسامح في ترك الطهارة والصلاة, ويؤمر بالصوم في بعض أيام رمضان, ويجنب لبس الديباج والحرير والذهب, ويعلم كل ما يحتاج إليه من حدود الشرع.
ويخوف من السرقة, وأكل الحرام, ومن الخيانة, والكذب, والفحش, وكل ما يغلب على الصبيان.
فإذا وقع نشوءه كذلك في الصبا فمهما قارب البلوغ أمكن أن يعرف أسرار هذه الأمور, فيذكر له أن الأطعمة أدوية, وإنما المقصود منها أن يقوى الإنسان بها على طاعة الله عز وجل, وأن الدنيا كلها لا بقاء لها, وأن الموت يقطع نعيمها, وأنها دار ممر لا دار مقر, وأن الآخرة دار مقر لا دار ممر, وأن الموت منتظر في كل ساعة, وأن الكيس العاقل من تزود من الدنيا للآخرة, حتى تعظم درجته عند الله تعالى, ويتسع نعيمه في الجنان, فإذا كان النشو صالحاً كان هذا الكلام عند البلوغ واقعاً مؤثراً ناجعاً, يثبت في قلبه كما يثبت النقش في الحجر.

وإن وقع النشوء بخلاف ذلك حتى ألف الصبي اللعب والفحش والوقاحة وشره الطعام واللباس, والتزين والتفاخر, نبا قلبه عن قبول الحق



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 154.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 148.08 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (3.93%)]