سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله - الصفحة 18 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الصراع مع اليهود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 33 )           »          الوقـف الإســلامي ودوره في الإصلاح والتغيير العهد الزنكي والأيوبي نموذجاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أفكار للتربية السليمة للطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          لزوم جماعة المسلمين يديم الأمن والاستقرار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          منهجُ السَّلَف الصالح منهجٌ مُستمرٌّ لا يتقيَّدُ بزمَانٍ ولا ينحصِرُ بمكانٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 38 - عددالزوار : 1191 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 72 - عددالزوار : 16908 )           »          حوارات الآخرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 15 )           »          الخواطر (الظن الكاذب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الإنفــاق العــام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #171  
قديم 14-01-2022, 04:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




الربع الأخير من سورة سبأ




الآية 24، والآية 25: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لمُشرِكي قومك: ﴿ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ ﴾ (بالمطر)، ﴿ وَالْأَرْضِ ﴾ (بالنباتوالمعادن والمياه)؟ ﴿ قُلِ اللَّهُ ﴾ هو الرزاق (وهم يعترفون بذلك)، ﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ ﴾ يعني: وقل لهم: (إنَّ أحد الفريقين منا ومنكم) ﴿ لَعَلَى هُدًى ﴾ متمكنمنه، ﴿ أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ منغمس فيه، (ومعلومٌ بالدليل والحُجَّة أن المُوَحِّدين هم الذين على الهدى، وأن المشركين في ضلالٍ واضح، وإنما شَكَّكهم تلطُّفًا بهم لَعَلَّهم يتفكرون فيَهتدوا)، و﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا ﴾ أي لا تُسألون عن ذنوبنا ﴿ وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (وهذا أيضًا تلطُّف بهم ليراجعوا أمْرهم، ولا يحملهم الكلام على العناد).

الآية 26: ﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ﴾ يوم القيامة، ﴿ ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ ﴾ أي يَقضي بيننا بالعدل، ﴿ وَهُوَ الْفَتَّاحُ ﴾ أي الحاكم بين خلقه، ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بأحوال خلقه وبما يَنبغي أن يُقْضَى به، فلذلك لن يكون جزاءه إلا عادلًا.

الآية 27: ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ: يعني أروني بالحُجَّة والدليل استحقاق مَن ألحقتموهم بالله تعالى، وجعلتموهم شركاء له فيالعبادة، هل خَلقوا شيئًا؟! ﴿ كَلَّا ﴾ ﴿ بَلْ ﴾ الذي يَستحق العبادة ﴿ هُوَ اللَّهُ ﴾ ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ في انتقامه ممن أشرك به، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في أفعاله وتدبيرأمور خلقه.

الآية 28: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ ﴾ أيها الرسول ﴿ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ﴾ يعني: أرسلناك للناس أجمعين، ﴿ بَشِيرًا ﴾ أي مُبَشِّرًا لهم بثواب الله إن أطاعوه ﴿ وَنَذِيرًا ﴾ لهم منعقابه إن عصوه ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ (إذ جَهلهم بمَعرفة ربهم الحق هو الذي جَعَلهم يَعبدونَ ما يَصنعون) (عِلمًا بأنهم لا يُعذَرونَ بهذا الجهل، لأنهم يشهدونَ بفِطرتهم أنه سبحانه هو الخالق الرازق، إذًا فعليهم أن يتفكروا بعقولهم ليعلموا أنه سبحانه المستحق وحده للعبادة، لأنَّ غيره لم يَخلق شيئًا ولم يُنعِم بشيء).

الآية 29، والآية 30: ﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ - مُستهزئين -: ﴿ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ ﴾ الذي تَعِدوننا أن يَجمعنا اللهفيه، ثم يقضي بيننا وبينكم بعذابنا ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ أنت ومَن اتَّبعك؟ ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ ﴾ (آتيكم لا مَحالة)، وهو يوم القيامة الذي﴿ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً ﴾ للتوبة، ﴿ وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ ﴾ ساعةً قبله للعذاب، (فاحذروا ذلكاليوم، وأَعِدُّوا له عُدَّته).

الآية 31، والآية 32، والآية 33: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: ﴿ لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ: يعني: لن نُصَدِّق بهذا القرآن ولا بالذي تَقَدَّمَه من التوراةوالإنجيل وغيرهما، ﴿ وَلَوْ تَرَى ﴾ - أيها الرسول - يوم القيامة لرأيتَ أمرًا عظيمًا ﴿ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ للحساب، ﴿ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ: أي: يتراجعون الكلام فيما بينهم (كلٌّ يُلْقيباللوم على الآخر)، فـ ﴿ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ﴾ وهم الأتْباع الضعفاء ﴿ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ﴾ - وهمالقادة والرؤساء المُضِلُّون -: ﴿ لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ﴾ يعني: لولا أنكم أضللتمونا عن الهدى، لكُنَّا مؤمنينبالله ورسوله، فـ ﴿ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ﴾: ﴿ أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ ﴾ أي: منعناكم ﴿ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ ﴾؟! ﴿ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ ﴾ إذ دخلتم في الكفر بإرادتكم واختياركم، ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ﴾: ﴿ بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ يعني: بل تدبيركم الشرَّ لنا في الليل والنهار، وخِداعكم لناهو الذي أوقعنا في الهلاك ﴿ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا ﴾ أي: نجعل له شركاءفي العبادة، ﴿ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ ﴾ يعني: أخفى كُلٌّ من الفريقين الحسرة ﴿ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ﴾ الذي أُعدَّلهم (إذ علموا ساعتها أنَّ حوارهم لبعضهم لا ينفعهم)، ﴿ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ ﴾ - وهي سلاسل من نار - تُوضَعُ ﴿ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ ﴿ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ من الشرك والمعاصي؟ (والسؤال للتقرير، وجوابه: نعم).

من الآية 34 إلى الآية 38: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ ﴾ أي نبي يدعو قومه الى توحيد الله ويخوفهم من عذابه ﴿ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا ﴾ وهم المُنغمسون في اللذات والشهوات: ﴿ إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ ﴾- أيها الرُسُل- ﴿ كَافِرُونَ ﴾ ﴿ وَقَالُوا ﴾ لرُسُلهم: ﴿ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا ﴾ منكم، واللهُ لم يُعطِنا هذه النعم إلا لرضاهعنا، ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ.


﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول للمُغتَرِّين بالأموال والأولاد: ﴿ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ ﴾ أي يُوَسِّع الرزق ﴿ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ من عباده، ﴿وَيَقْدِرُ﴾ أي: ويُضَيِّقه سبحانه على مَن يَشاءُ منهم (لا لمَحَبَّةٍ ولا لبُغض)، ولكنه يفعل ذلك اختبارًا لعباده ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ ﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى ﴾ يعني: ليست أموالكم ولا أولادكم هي التي تقربكم عندنا وترفع درجاتكم ﴿ إِلَّا مَنْ آمَنَ: يعني لكنَّ الذي يَتقرب إلينا هو مَن آمن بالله ورُسُله ﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ - بإخلاصٍ للهِ تعالى، وعلى النحو الذي شَرَعه - ﴿ فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ ﴾ أي: لهم ثوابٌ مُضاعَف ﴿ بِمَا عَمِلُوا ﴾ من الحسنات، فالحسنة بعشرأمثالها إلى ما يشاء الله من الزيادة، ﴿ وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ ﴾ يعني: في أعالي الجَنَّة ﴿ آمِنُونَ ﴾ من العذابوالموت والأحزان والأمراض، ومِن كل ما يُفسد سعادتهم ومُتعتهم، ﴿ وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آَيَاتِنَا ﴾ يعني: وأما الذين يجتهدون في إبعاد الناس عن الإيمان بآياتنا ﴿ مُعَاجِزِينَ ﴾ أي ظانِّين أنهم يُعجزوننا، وأننا لن نَقدر على أخْذهم بالعذاب: ﴿ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴾ أي: يُحضرهم الله ليقيموا فيعذاب جهنم، فلا يخرجون منها.


الآية 39: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول - مؤكدًا على هذه الحقيقة التي خَفِيَتْ على كثير من الناس: ﴿ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ﴾ أي: يُوَسِّع الرزق على مَن يشاءُ امتحانًا: (هل يشكر أو يكفر؟)، (فإنْ شَكَر: زدناه وأكرمناه، وإنْ كَفَر: سَلَبنا ما أعطيناه وعذبناه)،ويضيِّقه سبحانه على مَن يشاء اختبارًا: (هل يَصبر أو يَسخط؟) (فإنْ صَبَر: أعطيناه أجره بغير حساب، وإنْ سَخط: زدنا في بلائه وشقائه)، (فليست التوسعة دليلًا على حب الله للعبد ورضاه عنه، وليس التضييق دليلًا على كُره الله للعبد وغضبه عليه)، ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ ﴾ أيها المؤمنون ﴿ مِنْ شَيْءٍ ﴾ - في سبيل الله وطلبًا لرضاه - ﴿ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾ أي: يُعَوِّضه لكم في الدنيا بالبدل والبَرَكة، وفي الآخرةبالثواب والنعيم ﴿ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ أي: هو سبحانه خير مَن أعطى عباده.

الآية 40، والآية 41، والآية 42: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ﴾ أي: اذكر أيها الرسول يوم يَجمع الله المشركين مع الملائكة (الذين عَبَدهم المُشركون في الدنيا)،﴿ ثُمَّ يَقُولُ ﴾ اللهُ ﴿ لِلْمَلَائِكَةِ ﴾: ﴿ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ﴾؟ ﴿ قَالُوا ﴾ أي: قالت الملائكة: ﴿ سُبْحَانَكَ ﴾ أي نُنَزِّهك يا ربنا عن أن يكون لك شريك في العبادة، ونتبرأ إليك مما فَعَلَ هؤلاء، فـ ﴿ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ: يعني: أنت وليُّناالذي نطيعه ونعبده وحده، فلايجوزُ لنا أن نأمرهم بعبادتنا وترْك عبادتك، ﴿ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ﴾ أي: كان هؤلاء يعبدون الشياطين (إذ كانت الشياطين تأمرهم بعبادة غيرك فأطاعوهم)، وكانَ ﴿ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ﴾ أي: يُصَدِّقونَ مَا يقوله الشياطينويُطِيعونَ أمْرهم، (واعلم أنَّ هذا الاستفهام للملائكة غرضه التقرير والشهادة على المشركين، لأنَّ الله تعالى يعلم أن الملائكة لم تكن راضية عن عبادة المشركين لهم).

♦ وحينئذٍ يقول الله للمشركين: ﴿ فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ﴾ أي: لا يملك المعبودون للعابدين نفعًا ولا ضرًّا، ﴿وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أي:ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي: ﴿ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ .


الآية 43: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ﴾ أي: على كفار "مكة" ﴿ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ﴾ أي: واضحات، تشهد لهم بصِدق ما جاء به محمد مِن عند ربه: ﴿ قَالُوا ﴾ لبعضهم: ﴿ مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُكُمْ ﴾ أي: يمنعكم عن عبادة الآلهة التي كان يعبدها آباؤكم، ﴿ وَقَالُوا ﴾: ﴿ مَا هَذَا ﴾ أي: القرآن الذيتقرأه علينا يا محمد ﴿ إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى ﴾ أي: كذب مُختلَق جئتَ به من عند نفسك، ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ﴾: ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ يعني: ما هذا إلا سحرٌ واضح (وهم يَعلمون أنهم كاذبونَ في ذلك، فلقد اعترف لهم أحد رؤسائهم - وهو الوليدُ بن المُغِيرة - أنَّ ما يَقوله السَحَرةُ شيء، وأنَّ هذا القرآن شيءٌ آخر، وأنه ليس بكلامِ بَشَر (وذلك عندما سمع القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أجْبَره المُشركون بعد ذلك أن يقولَ للناس إنه سِحر)، واعلم أنهم عندما يقولون عن القرآن: إنه سِحر، فإنهم في حقيقة الأمر يَعترفون بهزيمتهم في أنهم لا يستطيعون أن يأتوا بمثله، فيَضطروا إلى اللجوء إلى هذا القول الباطل.

الآية 44: ﴿ وَمَا آَتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا ﴾ يعني: ما أنزلنا على الكفار مِن كُتُبٍ يقرؤونها، فتشهد لهم بصحة الشِرك الذي كانوا عليه هم وآبائهم، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ ﴾ يُخَوِّفهم مِن ترْك عبادة الأصنام (إذًا فمِن أين أتوا بهذه العقائد الباطلة؟!).

الآية 45: ﴿ وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ كعادٍ وثمود ﴿ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ ﴾ يعني: وما بلغ أهل "مكة" عُشرَ ما آتيناالأمم السابقة من القوة، وكثرة المال، وطول العمر وغير ذلك من النعم، ﴿ فَكَذَّبُوا رُسُلِي ﴾ فأهلكتهم، ﴿ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ: يعني: فانظر أيها الرسول كيف كان إنكاري على كُفرهم وتكذيبهم؟ (والاستفهام للتقرير) أي: كان إنكاري عليهم عظيمًا بالعذاب والهلاك، (وفي الآية تصبير للرسول صلى الله عليه وسلم على ما يَلقاهُ من التكذيب والعِناد مِن قومه، وفيها تهديدٌ ووعيدٌ لهم أن يُهلكهم الله كما أهلك المُكَذِّبين قبلهم).

الآية 46: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول - لهؤلاء المُكَذِبين المُعانِدين: ﴿ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ ﴾ يعني: إنما أنصحكم بنصيحةٍ واحدة وهي ﴿ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ ﴾ أي: لأجل الله تعالى (بنيَّة الوصول إلى الحق) - غير مُتَّبعينَ للهوى أو التعصب لآرائكم - فتقوموا لله تعالى ﴿ مَثْنَى ﴾ أي: تكونوا اثنين اثنين (للتفكير بجد وصِدق)، ﴿ وَفُرَادَى ﴾ أي: يتفكر كل واحد بمفرده (لأن الجماعة من شأنها أن تختلف في الآراء)، ﴿ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ﴾ في حياة محمد صلى الله عليه وسلم ومَواقفه معكم، وبُعده عن كل كذب وشر وخيانة، وتتفكروا فيما دعاكم إليه من الهدى، فحينها ستعلمون يَقينا أنه ﴿ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾ أي: ما به صلى الله عليه وسلم من جُنون، ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ يعني: ما هو إلامُخوِّف لكم من عذاب جهنم قبل أن يصيبكم حَرُّها الشديد.

الآية 47: ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ﴾ يعني: ثواب إنفاقكم في سبيل الله - بعد أن تؤمنوا - عائدٌ عليكم في الآخرة، وأنا لم أطلب منكم أجرًا لنفسي على إنذاري لكم عذابَ ربي ﴿ إِنْ أَجْرِيَ ﴾ يعني: ما أجري الذي أنتظره ﴿ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ﴾ وحده ﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ أي: لا يَخفىعليه شيء، فهو المُطَّلِع على أعمالي وأعمالكم، وسيُجازي الجميع بما يستحقونه.

الآية 48: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لمَن أنكر التوحيد ورسالة الإسلام: ﴿ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ ﴾ (وهو أدلة القرآن) يَقذفها سبحانه على الباطل فيفضحه ويهلكه، وهو سبحانه ﴿ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ أي: الذي يعلم ما غاب عن حواس الناس في الأرض وفي السماء، ومِن ذلك عِلمه سبحانه بقلوب عباده، ولذلك يختار مِنهم مَن يشاء لرسالته (وفي هذا رَدٌّ على المشركين الذين اعترضوا على اختيار الله لرسوله محمد صلى الله عليهوسلم مِن بينهم).

الآية 49، والآية 50: ﴿ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ ﴾ (وهو هذا الشرع العظيم الواضح من عند الله تعالى)، وذهب الباطل خائبًا، ﴿ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ﴾ أي: لا يستطيع الباطل أن يُبدئ نفسه، ولا أن يُعِيد نفسه بعد أنْ هَلَك.

♦ ولمَّا أقام الله عليهم الحُجَّة ولم يؤمنوا، عُلِمَ أنهم مُعانِدون، ولم يَبقَ فائدة في جدالهم، بل اللائق في هذه الحال: (الإعراض عنهم)، ولهذا أمَرَ الله رسوله أن يُنهي هذا الجدال معهم قائلًا: ﴿ قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ ﴾ أي: عن الحق بعد وضوحه: ﴿ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي ﴾ يعني: إثم ضلالي على نفسي، ﴿ وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي ﴾ يعني: وإن استقمت على الحق، فبفضل وَحْي ربي الذييُوحيه إليَّ، ﴿ إِنَّهُ سَمِيعٌ ﴾ لِمَا أقوله لكم، ﴿ قَرِيبٌ ﴾ ممن دعاه وتاب إليه.

الآية 51: ﴿ وَلَوْ تَرَى ﴾ أيها الرسول ﴿ إِذْ فَزِعُوا ﴾ أي: حين يَفزع الكفار مِن رؤيتهم لعذاب ربهم، لرأيتَ أمرًافظيعًا، ﴿ فَلَا فَوْتَ ﴾ حينئذٍ (أي: لا نجاة لهم ولا مَهرب مِنَّا، بل هم في قبضتنا) ﴿ وَأُخِذُوا ﴾ إلى النار ﴿ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ﴾ أي: قريب من موقف الحشر والحساب.

الآية 52: ﴿ وَقَالُوا ﴾ - عندما رأوا العذاب في الآخرة -: ﴿ آمَنَّا بِهِ ﴾ أي: بعذاب الآخرة ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ يعني: وكيفلهم تناول الإيمان ووصولهم إليه، وهم في مكان بعيد عنه؟! فإنهم الآن في الآخرة والإيمان كان في الدنيا، وهم لا يستطيعون العودة.

الآية 53: ﴿ وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ ﴾ أي: كفروا بالحق في الدنيا (بعد أن عُرِضَ عليهم وهم قادرونَ على الإيمان به)، ولكنهم رفضوه ﴿ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾أي: كانوا يَرمونَ بالظن والتخمين من جهة بعيدة عنإصابة الحق (إذ لم يكن لهم دليل على ظنهم الباطل إلا التقليد الأعمى، فلا سبيلَ لإصابتهم الحق، كمالا سبيل للرامي إلى إصابة الهدف من مكان بعيد).

الآية 54: ﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ﴾ أي: مُنِعَ بين الكفار وبين ما يشتهونه من التوبة والعودة إلى الدنيا ليؤمنوا ﴿ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ ﴾ أي: كما فَعَلَالله بأمثالهم مِن كَفَرة الأمم السابقة، (إذ جاءهم العذاب فقالوا آمنا، ولكنْ لم ينفعهم إيمانهم حينئذٍ وأُلقوا في الجحيم) ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ ﴾ من أمْرالرُسُل والبعث، ﴿ مُرِيبٍ ﴾ أي: مُوقِع في الحيرة والقلق والتردد.



[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرُّف)، عِلمًا بأنَّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #172  
قديم 14-01-2022, 04:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




الربع الأول من سورة فاطر






الآية 1: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ أي: الثناء على اللهِ تعالى بصفاته التي كلُّها كمال، والشكر له على نِعَمِهِ الظاهرة والباطنة، فهو سبحانه ﴿ فَاطِرِ ﴾ أي: خالق ﴿ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾، ﴿ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا ﴾ أي: جَعَلَ منهم رُسُلًا يُرسلهم بالوحي إلىالأنبياء، (كجبريل عليه السلام ومَن معه مِن حَفَظة الوحي)، وجعلهم سبحانه ﴿ أُولِي أَجْنِحَةٍ ﴾ أي: أصحاب أجنحة تطير بها بأعدادٍ مختلفة: ﴿ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾، ﴿ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ﴾ إذْ بعضهم له أكثر مِن ذلك، (فقد ثبت في الصحيحين أنَّ جبريل عليه السلام له ستُّمائة جناح)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ لا يُعجزه شيء.



الآية 2: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ ﴾ كالرزق والمطر والصحَّة والعِلم وغير ذلك مِن النعم: ﴿ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ﴾ أي: فلا أحد يستطيعأن يُمسك هذه الرحمة ويَمنعها مِن النزول، ﴿ وَمَا يُمْسِكْ ﴾ يعني: وما يُمسك سبحانه مِن رحمةٍ عنده، ويمنعها مِن النزول بسبب معاصي البشر ﴿ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ أي: فلا أحد يستطيع أن يُرسل للعباد ما أمسكه سبحانه عنده، ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ الذيلا يَمنعه مانع مِمَّا أراد؛ (فلا مانعَ لِمَا أعطاه، ولا رادَّ لِمَا قضاه)، وهو ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ الذي يُرسل الرحمة ويُمسكها وَفْقحكمته، واعلم أنه مِن الخطأ الشنيع قول بعضهم لبعضٍ جَهلًا: (أنتَ لا تَرحَم، ولا تترك رحمة الله تنزل)!!



الآية 3: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ (في خَلقكم ورِزقكم)، فاذكروا تلك النعم حَمدًا باللسانِ، واعترافًا بالقلبِ، وبِصَرْفِها في طاعةِ ربِّكم، ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ﴾ أي: فلا خالقَلكم غير اللهِ تعالى ﴿ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ ﴾ (بالمطر) ﴿وَالْأَرْضِ﴾ (بالنبات والمعادن والمياه)، ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي: لا يستحق العبادة غيره ﴿ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ يعني: فكيف تُصْرَفون عن توحيده وعبادته مع اعترافكم بأنه وحْده الخالق الرازق؟!



الآية 4: ﴿ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ: يعني إنْ يُكَذِّبك قومك أيها الرسول، بعد أن أقمتَ عليهم الحُجَّة، فاصبر عليهم ولا تحزن ﴿ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ فصبروا على تكذيب أقوامهم وإيذائهم حتى جاءهم نَصْرُنا ﴿ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ يعني: وإلى اللهِ وحده يَرجع مَصير الخلائق يوم القيامة، وسوف يَجزي المُكَذِّبين بتكذيبهم، والصابرين بصبرهم.




الآية 5، والآية 6: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ ﴾ - بالبعث والثواب والعقاب - ﴿ حَقٌّ ﴾ لا شك فيه، ﴿ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ﴾ أي: فلا تَخدعكم ﴿ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾ بزينتها وشهواتها فتُنسيكم الآخرة، ﴿ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ يعني: ولايَخدعكم بالله خادعٌ من شياطين الجنِّ والإنس(إذ يغتنم الشيطان إمْهال الله لكم فيُجَرِّئكم على المعاصي، ويَدفعكم إلى تأخير التوبة، فانتبهوا يا عباد الله، فإن الموت قادم، وقد يأتي فجأة)، ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ ﴾ (فقد أخرج أبويكم من الجَنَّة، وتعَهَّدَ بإضلال ذُرِّيَّتهم) ﴿ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ ولا تطيعوه، ﴿ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ ﴾ أي: يدعو أتْباعه إلى الضلال ﴿ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ أي: ليصيروا من أصحاب النار الموقدة.




الآية 7: ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ بوحدانية الله تعالى، وبما جاءت به رُسُله ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ في الآخرة، ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ - بإخلاصٍ للهِ تعالى، وعلى النحو الذي شَرَعه - ﴿ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ﴾ لذنوبهم ﴿ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ وهو الجَنَّة.



الآية 8: ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ﴾ يعني: أفمَن حَسَّنَ له الشيطان أعماله السيِّئة من المعاصي والشرْك فرآها حسنًا، كمَن هَدَاهُ اللهُ تعالى فرأى الحَسَنَ حَسَنًاوالسيِّئَ سيئًا؟! لا يستويان أبدًا ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ﴾ بعدله وحكمته ﴿ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ بفضله ورحمته ﴿ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾ أي: فلا تُهْلكنفسك أيها الرسول حزنًا على كُفر هؤلاء الضالين، فما عليك إلا البلاغ وقد بلَّغتَهم، و﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ من قبائح الأعمال، وسيُجازيهم عليهاأسوأ الجزاء.



الآية 9: ﴿ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ ﴾ أي: أنشأها سبحانه ثم بَعَثها إلى السحاب ﴿ فَتُثِيرُ سَحَابًا ﴾ أي: تُحَرِّك سحابًا مُثقلًا بالماء، ﴿ فَسُقْنَاهُ أي: سُقنا السحاب (بما فيه من الماء) ﴿ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ قد جَفَّتْ أرضُهُ و أشجاره وزَرْعُه ﴿ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ أي: فأخرجنا النبات من الأرض بهذا الماء، بعد أن كانت يابسة لا حياةَ فيها، ﴿ كَذَلِكَ النُّشُورُ ﴾ يعني: وبمِثل ذلك الإحياء، يُحيي اللهالموتى يوم القيامة.



الآية 10: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ ﴾ - في الدنيا والآخرة -: ﴿ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ أي: هو سبحانه الذي يملكها وحده (فعَلى مَن أراد العزة أن يَطلبها مِن ربِّه بالإيمان والعمل الصالح)، إذ ﴿ إِلَيْهِ ﴾ وحده ﴿ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ: أي: يَصعد الذِّكْر والكلام الطيِّب إليه تعالى، ﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ أي: يَرفعه سبحانه إليه ويَقْبله، (وفي هذا حَثٌّ للمؤمنين على النُطق بالكلام الحَسَن، والإكثار من العمل الصالح)، ﴿ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ ﴾ أي: يَكسبونالسيِّئات ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾، ﴿وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ أي: عَمَلهم السيِّئ هو الذي يَفسَد ويَبطُل فلا يفيدهم بشيء، ولا يَضُرُّ اللهَ شيئًا.



الآية 11: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ﴾ أي: خَلَقَ أباكم آدممن تراب، ثم تناسلتْ ذرِّيَّته مِن نطفة (وهي ماء الرَجُل) ﴿ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا ﴾ أي: جعلكمرجالًا ونساءً، ﴿ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ﴾، ﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ ﴾ (بأن يُكتَب من أصحاب الأعمار الطويلة) ﴿ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ ﴾ (بأن يُكتَب من أصحاب الأعمار القصيرة) ﴿ إِلَّا ﴾ مُثبَتٌ ذلك كله ﴿ فِي كِتَابٍ ﴾ (وهو اللوح المحفوظ) الذي لا يُزاد فيما كُتِبَ فيه ولا يُنْقَص، ﴿ إِنَّ ذَلِكَ ﴾ أي: خَلْقكم وعِلْم أحوالكم وكتابتها ﴿ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ أي: سهلٌ عليه سبحانه لأنه على كل شيء قدير.



الآية 12: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ ﴾ أي: العذب والمالح (لا يتساويان في طعمهما)، فـ ﴿ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ ﴾ أي: حلوٌ شديد العذوبة ﴿ سَائِغٌ شَرَابُهُ ﴾ أي: سَهْلٌ مروره في الحلْق يُزيل العطش، ﴿ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾ أي: شديد الملوحة لا يُشرَب، ﴿ وَمِنْ كُلٍّ ﴾ أي: مِن كل البحرين ﴿ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا ﴾ أي: تأكلون سمكًا طريًّا شهيَّالطَّعم، ﴿ وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً ﴾ أي: زينةً (وهي اللؤلؤ والمَرْجان) ﴿ تَلْبَسُونَهَا ﴾ أي: تلبسها نساؤكم، ﴿ وَتَرَى الْفُلْكَ ﴾ أي: ترى السفن العظيمة - رغم ثِقَلها - ﴿ فِيهِ ﴾ أي: في البحر ﴿ مَوَاخِرَ ﴾ أي: تَشُقُّالماء ذهابًا ومَجيئًا، فتحملكم وتحمل أثقالكم ﴿ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ﴾ أي: لتطلبوا رِزقَ اللهِ بالتجارة والربح فيها (وذلك بنقل البضائع والسِلَع من بلدٍ إلى آخر)، ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ ربكم على هذه النعم العظيمة، فتوَحِّدوه وتطيعوا أمره.



الآية 13، والآية 14: ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ﴾ أي: يُدخِل ما يَنقص من ساعات الليل في ساعات النهار ﴿وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ أي: يُدخِل ما نَقصَ منساعات النهار في ساعات الليل، فيَطولُ هذا ويَقصُر ذاك، ﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾ أي: ذَلَّلَهما لمنافع العباد، ﴿ كُلٌّ ﴾ مِن الشمس والقمر ﴿ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ﴾أي: يَدورُ في فَلَكِهِ إلى يوم القيامة، ﴿ ذَلِكُمُ ﴾ أي: فاعل ذلك كله هو ﴿ اللَّهُ رَبُّكُمْ ﴾ المستحق وحده للعبادة؛ إذْ ﴿ لَهُ الْمُلْكُ ﴾ كله، ﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ﴾ من الآلهة الباطلة ﴿ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ﴾ أي: لا يملكون شيئًا (حتى القشرة الرقيقةالتي تكون على نواة التمرة) فكيف تعبدونهم؟! و﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ ﴾ ﴿ وَلَوْ سَمِعُوا ﴾ - على سبيل الفرض - ﴿ مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ﴾؛ لأنهم لا يملكون شيئًا، ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ﴾ أي: يتبرَّؤون من عبادتكم لهم، ﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ يعني: ولا أحد يُخبرك- أيها الرسول - أصدق مِن الله العليم الخبير.






[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السَّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسَر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرُّف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نصُّ الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #173  
قديم 14-01-2022, 04:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود






الربع الأخير من سورة فاطر


الآية 15، والآية 16، والآية 17: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ﴾ يعني: أنتم المحتاجون إلى الله في كل شيء، ولا تستغنون عنه طرفة عين، ﴿ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ ﴾ عن جميع خلْقه، ﴿ الْحَمِيدُ ﴾ الذي يَستحق الحمد والثناء في كل حال، لِكَثرة نِعَمِه على مخلوقاته، ﴿ إِنْ يَشَأْ ﴾ سبحانه ﴿ يُذْهِبْكُمْ ﴾ أي: يُهلككم أيها المُشركون ﴿ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ يُطيعونه ولا يُشركون به شيئًا ﴿ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ يعني: وما إهلاككم والإتيان بغيركم بصَعبٍ على اللهِ تعالى، بل هو سهلٌ عليه يسير، فإنه سبحانه يقول للشيء كُن فيكون.

الآية 18: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى أي: لا تَحمل نفسٌ ذنبَ نفسٍ أخرى، إلا إذا كانت سببًا في إضلالها، (ولم تَتُب عن ذلك الإضلال)، ﴿ وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا ﴾ يعني: وإنْ تَطلب نفسٌ مُثقَلَةٌ بالخطايا مَن يحملعنها ذنوبها: ﴿ لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ ﴾ أي: لا تجد مَن يَحمل عنها شيئًا مِن هذا الحِمل ﴿ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ يعني: ولو كان الذي سألتْه مِن أقربائها (كالأب والأخ ونحوهما).

ولمَّا لم يتأثَّر المُشركون بهذا الإنذار، قال الله لرسوله - ليُصَبِّرَه على تكذيبهم -: ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ﴾ يعني: إنما ينفع تحذيرك - أيها الرسول - الذين يخافون عذاب ربهموهُم لا يرونه في الدنيا ﴿ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَيعني: وأدَّوا الصلاة في أوقاتها - باطمئنانٍ وخشوع - كما أمَرَاللهُ ورسوله، ﴿ وَمَنْ تَزَكَّى ﴾ أي: تَطَهّر مِن الشِّرك والمعاصي والأخلاق السَّيِّئة، ﴿ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ ﴾؛ لأنَّ ثواب ذلك سيعود عليه وحده، ﴿ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ يوم القيامة، فيجازي كُلًا بما يستحق.

من الآية 19 إلى الآية 24: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ﴾ أي: لا يَتساوَى الكافر (الذي عَمِيَ عن آيات اللهِ تعالى رغم وضوحها) والبصير الذي أبْصَرَ آيات اللهِ فآمَنَ بها، ولم يَتكبر عن الانقياد للحق، ﴿ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ﴾ أي: لا تَتساوَى ظُلُمات الجهل والكفر والمعاصي (وما يَنتج عن ذلك من القلق والحيرة) مع نور العِلم والإيمان والاطمئنان بذِكْر الله وتوحيده، ﴿ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ﴾ (والحَرور هي الريح الحارة)، فكذلك لا يَتساوى ظلَّ الجَنَّة وَحَرُّ النار، ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ﴾ أي: لا يَتساوَى أحياءالقلوب بالإيمان، وأموات القلوب بالكفر، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ (سماعَ فَهْمٍوقَبول)، وهم الذين طلَبوا الهداية مِن ربهم، ولم يَتَّبعوا أهواءهم وشهواتهم، ﴿ وَمَا أَنْتَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾ (فكما أنك لا تُسمِع الموتى فيقبورهم، فكذلك لا تُسمِع هؤلاء الكفار لمَوت قلوبهم)، ﴿ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ ﴾ يعني: ما أنتَ إلا نذير لهم مِن غضبالله وعقابه، وليس عليك هدايتهم، ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ الواضح، لتكُون ﴿ بَشِيرًا ﴾ أي: مُبَشِّرًاللمؤمنين بالجَنَّة، ﴿ وَنَذِيرًا ﴾ للعصاة والمُكَذِبين من النار، ﴿ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ يعني: ما مِن أمَّةٍ سبقتْ إلا جاءها نذيرٌ يُحَذِّرها عاقبة كُفرها وضلالها.

الآية 25، والآية 26: ﴿ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ ﴾ يعني: إن يُكَذِّبك مُشرِكوا قومك أيها الرسول فاصبر على تكذيبهم وإيذائهم، ﴿ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ مِثل تكذيبهم، وذلك عندما ﴿ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ أي: بالمعجزات الواضحات الدَّالَّة على نُبُوَّتهم، ﴿ وَبِالزُّبُرِ ﴾ أي: جاؤوهم بالكتب السماوية، ﴿ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِأي: وهذه الكتب السماوية فيها نورٌ يَكشف الظُلُمات بِبَيَان الحُجَج، وكَشْف الحقائق، ﴿ ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ بأنواع العذاب، ﴿ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ أي: فانظر كيف كان إنكاري عليهم وعقوبتي لهم؟

واعلم أن الواو التي بين كلمة: ﴿ الزُّبُرِ ﴾، وبين كلمة: ﴿ الْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾: تُسَمَّى(عطف بيان)، يعني عطف توضيح، لِتُبَيِّن أنّ هذه الكتب هي كتب منيرة، وليس معناها أن(الزُّبُرِ) شيءٌ (وَالْكِتَابِ الْمُنِير)شيءٌ آخر، فكأنَّ المعنى: [ جاؤوا بالزُبُر التي هي كتب منيرة ]، وهذا مِثل قول أحدهم: (هذا هو اللقاء الثالث والأخير)، يعني: هذا هو اللقاء الثالث، وهو نفسه اللقاء الأخير.

الآية 27، والآية 28: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴾، (فسَقَينا به أشجارًا في الأرض)، ﴿ فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ﴾؛منها الأحمر، ومنها الأسود، والأصفر، وغيرذلك) ﴿ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ ﴾ أي: وخَلَقْنا مِن الجبال طُرُقًا بيضاء يسير فيها الناس (إذ الجُدَد جمع جُدَّة وهو الطريق) ﴿ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا ﴾ يعني: ومِن الجبال أيضًا خَلقْنا طُرقًا مختلفًا ألوانها (فمنها الأحمر، والأصفر والأبيض، والجبال نفسها كذلك) (عِلمًا بأنَّ اللون الواحد تختلف درجاته أيضًا)، ﴿ وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴾ أي: طُرق وجبالٌ شديدة السَّواد (إذ الغَربيب: هو الشيءُ شديد السواد، كلَون الغراب)، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ ﴾ (وهو كل ما يَدبُّ على الأرض) ﴿ وَالْأَنْعَامِ ﴾ (وهي الإبل والبقر والغنم)، (وقد خَصَّ سبحانه الأنعامَ بالذِّكر مِن بين سائر الدوابِّ لِكثرة منافعها للناس)، وقد خَلَق سبحانه مِن الناس والدوابِّ والأنعام ما هو ﴿ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ ﴾ أي: كاختلاف ألوان الثمار والجبال والطُّرق التي فيها.


ولمَّا كان هذا الكلام لا يُدركه إلا المتفكرونَ في خَلق الله، ولا يَعتبر به إلا العالمونَ بقُدرة الله، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ يعني: إنماالذين يخشون اللهَ تعالى ويتَّقون عقابَه: هم العلماءُ مِن عباده، وهم الذين يعلمون عظَمتَه وجلالهوقُدرته على كل شيء، (وأمَّا أهل مكة، فهم لا يتفكرون ولا يَهتدون، إذًا فلا غرابة في أنهم لم يخافوا اللهَ تعالى ولم يُوَحِّدوه)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ﴾ لا يَمنعه مانع مِمَّا أراد، قادرٌ على الانتقام ممَّن أَشرَك به وعصاه، ولكنه أيضًا ﴿ غَفُورٌ ﴾ لكل مَن تاب إليه وطلبَ رضاه، (ولو عَرف العُصاة والمُشركون هذا، ما أصَرُّوا على ضلالهم، ولَسارَعوا بالتوبة إلى ربهم).

الآية 29، والآية 30: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ﴾ أي: يقرؤون القرآن ويَعملون به ﴿ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ﴾ أي: داوَموا عليها في أوقاتها (بشُروطها وأركانها)، ﴿ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾ أي: أخرَجوا مِن أموالهم: (الزكاة المفروضةوالصدقات المُستحَبَّة) ﴿ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ﴾ أي: في الخَفاء والعَلَن، أولئك ﴿ يَرْجُونَ ﴾ بتلك الأعمال ﴿ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾أي: تجارة لن تَفسد (وهي رضا ربهم ورحمته والفوز بجَنَّتِه)، فهُم يَرجون أن تكون أعمالهم سببًا في حصولهم على رحمة ربهم ليُدخلهم بها جَنَّته، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ ﴾ أي يَرجون بأعمالهم رحمة ربهم.

وقد وَفَّقهم سبحانه لهذه الأعمال الصالحة ﴿ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ﴾أي: يُعطيهم ثوابهم كاملًا، ﴿ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ بمضاعفة حسناتهم، ﴿ إِنَّهُ غَفُورٌ ﴾ لسيِّئاتهم، ﴿ شَكُورٌ ﴾ لأعمالهم، إذ يُثِيبهم على القليل بالكثير، (وفي هذا دليلٌ على فضل تلاوة القرآن والعمل به، وإقام الصلاة وإخراج الصدقات).

الآية 31: ﴿ وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ﴾ - وهو القرآن الذي يُؤجَر المؤمنون بتلاوته - ﴿ هُوَ الْحَقُّ ﴾ مِن ربهم (إذ كُلُّ ما فيهحقٌّ وصِدق)، وقد نَزَلَ ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ أي: مُوافقًا للكتب السماوية السابقة (مُصدقًا لِمَا فيها مِن صِحَّة، ومبيِّنًا لِمَا فيها مِن تحريف)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ ﴾ بشؤونهم وما يحتاجونه، فلذلك أنزل إليهم هذا الكتاب العظيم، ﴿ بَصِيرٌ ﴾ بأعمالهم - هل يؤمنون بهذا الكتاب ويعملون به أو لا؟ -وسيجازيهم على ذلك.

الآية 32، والآية 33، والآية 34، والآية 35: ﴿ ثُمَّ ﴾ بعد هلاك الأمم المُكَذِّبة ﴿ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا يعني: أعطينا القرآن لمَن اخترناهم مِن أمَّة محمد: ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾ بالتقصير في العمل، وارتكاب بعض المعاصي، ﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ وهو المؤدِّي للواجبات،المُجتنِب للمُحَرَّمات، ﴿ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ﴾ أي: مُسارِع في الأعمالالصالحة، مُجتهد في فِعل فَرْضِها ونفْلها، مُجتنِب للكبائر والصغائر، وذلك ﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ وتوفيقه له، ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي: إعطاء الكتاب والعمل به ﴿ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ، وأعظم ثمرة تَنتج لمَن اتَّبع ذلك الفضل: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ ﴾ أي: جنات الخلود، التي ﴿ يَدْخُلُونَهَا ﴾، و﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ﴾ أي: يَتزيَّنون فيها بأساور من ذهب، وأساور من لؤلؤ (أو أساور مِن لؤلؤ مُرَصَّع بالذهب)، ﴿ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾ أي: لباسهم المعتاد في الجَنَّة - رجالًا ونساءً - هو الحرير، ﴿ وَقَالُوا ﴾ حين دخلواالجَنَّة: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾ أي: أذهَبَ عنا كل حزن وخوف وضِيق وهَمٍّ، وأعطانا الفرحة، وراحة الجسد والبال، والتلذُّذ بأصناف النعيم، ﴿ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ ﴾ حيث غفر لناالزَلَّات، ﴿ شَكُورٌ ﴾ حيث قَبِلَ مِنَّا الحسَنات وضاعَفَها، وهو ﴿ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ ﴾ أي: أنزلَنا دار الإقامة (وهي الجَنَّة)، فرَزَقنا الخلودَ فيها ﴿ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ ﴿ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴾ (والفرق بين النصب واللغوب: أن النصب هو التعب أثناء العمل، واللغوب هو الإعياء الناتج بعد العمل)، فهم لا يصيبهم في الجَنَّة شيءٌ مِن هذا لأنهم ليسوا مكلَّفين فيها بفِعل العبادات (جَعَلَنا الله مِن أهل الجَنَّة).

وقد كان أحد السلف يقول: (مَن طلب الراحة: ترَكَ الراحة)، يَعني مَن طلب الراحة في الآخرة: ترَكَ الراحة في الدنيا، واجتهد في الطاعة.

الآية 36، والآية 37: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ ﴾ ﴿ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ ﴾ بالموت ﴿ فَيَمُوتُوا ﴾ ويستريحوا، ﴿ وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا ﴾ ﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ﴾ يعني: وبمِثل ذلك الجزاء يَجزي اللهكلَّ مُصِرٍّ على الكفر، ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا ﴾ أي: يَصْرُخون مِن شدة العذاب في النار مستغيثين: ﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا ﴾، ورُدَّنا إلى الدنيا: ﴿ نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ، فيقول الله لهم: ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ﴾ يعني: ألم نُمْهلكم في الحياة وقتًا كافيًامِن العُمُر، يتَّعظ فيه مَن أراد الاتِّعاظ، ﴿ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لمتتذكروا، ولم تتعظوا، ﴿ فَذُوقُوا ﴾ عذاب جهنَّم ﴿ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾ يَنصُرهم وينقذهم مِن عذابربهم.

الآية 38: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ أي: مُطَّلع على كل غائبٍ في السماوات والأرض، (ومِن ذلك إصرار الكافر على كُفره ولو عاش طُوال الحياة)، ﴿ إِنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ أي: عليمٌ بكل ما تُخفِيهِ الصدور مِن النِيَّات والخواطر، (فاحذروا أن يَطَّلع عليكم وأنتم تُخفون في صدوركم ما لا يُرضيه، واعلموا أن القلب هو مَحلُّ نظَر الرَّبِّ).

الآية 39: ﴿ هُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي جَعَلَكُمْ ﴾ أيها الناس ﴿ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ أي: يَخْلُف بعضكم بعضًا في الأرض، ﴿ فَمَنْ كَفَرَ ﴾ أي: جَحَدَوحدانية الله: ﴿ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ﴾؛ لأنه لن يَضُرَّ بهذا الكفر إلا نفسه، ﴿ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ﴾ أي: كُرْهًا وغضبًا، ﴿ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا ﴾ أي: هلاكًا وخسارةً في الدنيا والآخرة (إذ يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة).

الآية 40، والآية 41: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول للمشركين: ﴿ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ ﴿ أَرُونِي ﴾ يعني: أخبروني ﴿ مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ ﴾ يعني: أيُّ جُزءٍ خلقوه منها حتى يستحقُّوا عبادتكم؟!، ﴿ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ﴾ يعني: أم أنَّلهم شِركًا مع الله في خَلْق السماوات؟!، ﴿ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ ﴾ يعني: أمأعطينا المشركين كتابًا فهم على حُجَّةٍ مِن صحَّة شِركهم؟! ﴿ بَلْ ﴾ أي: ليس الأمر كذلك، ولكنْ: ﴿ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا ﴾ أي: ما يَعِدُ الكافرون بعضُهم بعضًا إلاخداعًا إذ قالوا: (إنَّ آلهتنا تَشفع لنا عند ربنا وتُقَرِّبنا إليه)، وهذا باطلٌ لا دليلَ عليه.

ثم يُخبر تعالى عن عظيم قُدرته ولُطفه بعباده قائلًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾ أي: يُمسكهما حتى لا تزولا عن مكانهما، ويمنعهما من الاضطراب (إذ لو زالَتا واضطرَبَتا، سوف يتَدَمَّر العالم كله في لحظات)، ﴿ وَلَئِنْ زَالَتَا ﴾: ﴿ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ يعني: ما استطاع أحدٌ أن يُمسكهما مِن بعد إمساك الله لهما، لأنه لا يَقدر على ذلك إلا الله تعالى، ﴿ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا ﴾ في تأخير العقوبةعن الكافرين والعُصاة، رغم قُدرته على إهلاكهم، ﴿ غَفُورًا ﴾ لِمَن ندم على ذنبه واستغفر.

الآية 42، والآية 43: ﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾ أي: أقسم كفار قريش - بأغلظ الأيمان - أنهم ﴿ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ ﴾ أي: رسولٌ من عند الله: ﴿ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ﴾ أي: لَيَكونُنَّ أكثر استقامة واتِّباعًا للحق من اليهود والنصارى وغيرهم، ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ ﴾ وهو محمد صلى الله عليه وسلم - الذي يَعرفون أمانته وصِدْقه - ﴿ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا ﴾ أي: ما زادهم مَجيئه إلا بُعْدًا عن الحقونفورًا منه.

♦ وقد كان هذا النفور ﴿ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ ﴾ عن الانقياد للحق، ﴿ وَمَكْرَ السَّيِّئِ أي: خداع الناس بالباطل ليَصُدُّوهم عن الهدى والإيمان (بالأقوال الكاذبة والاتهامات الباطلة)، ﴿ وَلَا يَحِيقُ ﴾ أي: لا يُحيط ﴿ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ أي: العاملينَ به (فإنَّ عاقبة المكر السيِّئ تعُود على الماكرين بأسوأ العقاب وأشد العذاب) ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ ﴾ يعني: فهل ينتظر هؤلاء المستكبرونَ الماكرون إلا طريقة اللهِ في الأولين، وهي إهلاك الظالمين إذااستمَرُّواعلى تكذيبهم وعِنادهم؟!، ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾ يعني: لن يستطيع أحد أن يُغَيِّر طريقة الله في كَوْنه، ولا أنيُحَوِّل العذاب عن نفسه أو عن غيره.

الآية 44: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا ﴾ - أي هؤلاء المُكَذِبون بالعذاب - ألم يَمْشوا ﴿فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي: كيف كان مصير المُكَذِّبين مِن قبلكم (كعاد وثمود وقوم لوط)؟ وما نزل بهم من الهلاك، ﴿ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾ أي: وقد كان أولئك الكفرة أشدَّ قوة مِن كفار "مكة" ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾ (لا قوة الكفار ولا غيرها)، ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا ﴾ بأفعال الظالمين، ﴿ قَدِيرًا ﴾ على إهلاكهم.

الآية 45: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا ﴾ مِن الذنوب: ﴿ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ أي: لأَهلَكَهم جميعًا، وما تَرَكَ على الأرض مِن أحدٍ يَتحرَّك، ﴿ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ ﴾ سبحانه ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ يعني: إلى وقتٍ محدَّد (وهو نهاية آجالهم) ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ ﴾ أي: وقت عقابهم: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ﴾ لا يخفى عليه أحد منهم، ولا يغيبعن عِلمه شيء مِن أفعالهم، وسيجازيهم بما عملوا مِن خير أو شرٍّ.


[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السَّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسَر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرُّف)، عِلمًا بأنَّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدِّيًا لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمَّن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم مِن سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها اللهُ في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #174  
قديم 14-01-2022, 04:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




الربع الأول من سورة يس




الآية 1: ﴿ يس: سَبَقَ الكلام على الحروف المُقطَّعة في أولسورة البقرة، وتُقرأ هذا الحروف هكذا: (ياسين).

من الآية 2 إلى الآية 6: ﴿ وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ ﴾ (يُقسم الله تعالى بالقرآن، المشتمل على الحِكَم العظيمة والأحكام الجليلة)، قائلاً لنبيّه محمد: ﴿ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ (بوَحْيٍ من الله إلى عباده)﴿ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ يعني إنك على طريقٍ مستقيمٍ لا اعوجاجَ فيه (وهوالإسلام)، وقد كان هذا القرآن الحكيم ﴿ تَنْزِيلَ ﴾ اللهِ تعالى ﴿ الْعَزِيزِ ﴾ في انتقامه من أهل الكفر والمعاصي، ﴿ الرَّحِيمِ ﴾ بمن تابمن عباده، وقد أنزلناه عليك أيها الرسول ﴿ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ ﴾ أي لم يُنْذَرْ آباؤهم منذ فترة طويلة (وهم مُشرِكوالعرب) (إذ لم يأتهم رسولٌ مِن بعد إسماعيل عليه السلام)، ﴿ فَهُمْ غَافِلُونَ ﴾ أي لا يدرون عاقبة ما هم فيه من الشِرك والضلال، ولا يعرفون ما يُنَجّيهم من ذلك (وهو الإيمان والعمل الصالح)، (وكل أمّةٍينقطع عنها الإنذار تقع في الغفلة، وفي هذا دليل على أن الدعوة والتذكير بوعد الله ووعيده واجبٌ على العلماء والدُعاة، لإيقاظ المسلمين مِن غَفلتهم).

من الآية 7 إلى الآية 10: ﴿ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ: أي وَجَبَ العذاب على أكثر هؤلاء الكافرين (بعد أن عُرِض عليهم الحق فرفضوه)، وهم رؤساء الكُفر الجاحدينَ المُعانِدين (كأبي جهل وغيره)، ﴿ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ أي لايُصَدِّقون بالقرآن (رغم وضوح حُجَّته وقوة بَيانه)، ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا: أي جَعَلنا حال هؤلاء الكفار - الذين رفضوا الحق وأصرُّوا على الكفر - كمن جُعِلَ في أعناقهم قيود ﴿ فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ: أي جُمِعَت أيديهم مع أعناقهم تحتأذقانهم ﴿ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ﴾ أي اضطروا إلى رفع رؤوسهم - لا يستطيعون خفضها - فلِذا هم لا يَكسبون بأيديهم خيراً، ولا يَخضعون برؤوسهم للحق، (وهذا كله تمثيلٌ لحالهم في التكبر عن قبول الحق، وفي امتناعهم عن فِعل الخير)، (ولَعَلّ المقصود من الأغلال التي في أعناقهم: أنها مَوانع الهداية في الدنيا، كالتقليد الأعمى، والكِبر والعناد، واتِّباع الهوى، والانقياد وراء الشهوات).

﴿ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ﴾ (هذا تمثيلٌ آخر لحالهم، وهي أن الدنيا زُيِّنَت لهم بما فيها من شهوات ورئاسة ومَناصب، فأصبحوا لا يرون غيرها، (فهو سَدٌّ أمامهم مانعٌ لهم من الإيمان)، وكذلك صُوِّرَتْ لهم الآخرة بصورة مستحيلة الوقوع، (فكانَ هذا سَدّاً لهم مِن خَلفهم يمنعهم من التوبة والتذكر، لعدم خوفهم من عذابها)، ﴿ فَأَغْشَيْنَاهُمْ ﴾ يعني أعمينا أبصارهم عن الحق، بسبب عنادهم واستكبارهم، ﴿ فَهُمْ ﴾ لذلك ﴿ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ أي لا يُبصرونَ رُشدًا ولا يهتدون، (وكل مَن قابَلَ دعوة الإسلام بالإعراض والعناد، فهو جديرٌ بهذا العقاب)، ﴿ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ ﴾ أيها الرسول ﴿ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ﴾: ﴿ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ أي لا يقعُ الإيمان في قلوبهم، لإصرارهِم على كُفرهم مِن بعد ما تبَيَّنَ لهم الحق.


الآية 11: ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ: يعني إنما الذي ينفعه تحذيرك: مَن آمَنَ بالقرآن واتَّبع ما فيه من أحكام، ﴿ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ: أي خافَ الرحمن، حيثُ لا يَراه أحدٌ غيره سبحانه، ﴿ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ ﴾ لذنوبه، ﴿ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾ وهو الجنة.

الآية 12: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى ﴾ (فنَبعثهم مِن قبورهم أحياءً يوم القيامة)، ﴿ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا ﴾ (مِن خيرٍ وشر)، ﴿ وَآَثَارَهُمْ ﴾ يعني: ونكتب أيضاً الخير والشر الذي دَلُّوا الناسَ عليه، فعَمل به الناس بعد موتهم واقتدوا بهم (هذا إن لم يتوبوا من ذلك الإضلال قبل موتهم)، (واعلم أنه يدخل في ذلك أيضاً: الولد الصالح والعلم النافع والصدقة الجارية، فكل هذا يكون في ميزان حسناتهم بعد موتهم)، ألاَ فليَهتم العبد بفِعل هذه الأمور قبل موته، لتنفعه بعد دخول قبره، وعليهأن يُحاسب نفسه ليكون قدوةً في الخير، يَقتدي به الناس في حياته وبعد مماته، ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ أي حَفظناه وكتبناه في كتابٍ واضح - هو أمُّ الكتب - وهو اللوح المحفوظ.

الآية 13، والآية 14، والآية 15: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ ﴾ أي اجعل لقومك - المُصِرِّين على الشرك والتكذيب - مَثَلاً يَعتبرون به، وهو قصة أهل القرية ﴿ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ﴾ بوَحْيٍ من عندنا،﴿ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ ﴾ أي رسولين (لدَعْوتهم إلى توحيد ربهم وترْك عبادة غيره) ﴿ فَكَذَّبُوهُمَا ﴾﴿ فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ﴾ أي قوَّينا الرسولين برسولٍ ثالث، ﴿ فَقَالُوا ﴾ لأهل القرية: ﴿ إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ﴾ مِن عند الله تعالى، فـ ﴿ قَالُوا ﴾ لهم: ﴿ مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا ﴾ (فصِفاتكم كَصِفاتنا، ولا فضلَلكم علينا يُؤَهِّلكم أن تكونوا رُسُلاً)،﴿ وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ ﴾ منالوحي عليكم، ﴿ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ﴾ يعني: ما أنتم إلا تكذبونَ علينا في ادّعائكم للنُبُوّة.

الآية 16، والآية 17، والآية 18: ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال لهم الرُسُل مُؤَكّدين: ﴿ رَبُّنَا ﴾ - الذي أرسلنا - ﴿ يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ﴾﴿ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ أي البلاغ الواضح لرسالته، وإظهار الأدلة التي أرسَلَنا بها، فـ ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال لهم قومهم:﴿ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ﴾ أي تَشَاءَمْنا بكم (ولَعَلّهم قالوا ذلك لانقطاع المطر عنهم بسبب تكذيبهم، فزعموا أن الرُسُل شؤمٌ عليهم)، فقالوا لرُسُلهم: ﴿ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا ﴾ عن دَعْوتكم لنا: ﴿ لَنَرْجُمَنَّكُمْ ﴾ أي سوف نقتلكم رميًا بالحجارة ﴿ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا ﴾ أي سوف يُصيبكم مِنّا ﴿ عَذَابٌ أَلِيمٌ.


الآية 19: ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال لهم المُرسَلون: ﴿ طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ: يعني شؤمكم وما يُصيبكم من الضرر: هو ناتجٌ عن شِرككم وفسادكم، فهو مُصاحبٌ لكم طالما أنكم على الشِرك، وقالوا لهم: ﴿ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ ﴾؟! يعني أإن وُعِظتمبما فيه نَجاتكم: تشاءَمتم وتوَعَّدتمونا بالرجم والتعذيب؟! ﴿ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾ في العِصيان والتكذيب.

من الآية 20 إلى الآية 29: ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ﴾ أي مِن آخر المدينة ﴿ رَجُلٌ يَسْعَى ﴾ أي يَمشي مُسرِعاً، (وذلك حين عَلِمَ أن أهل القرية قد هَمُّوا بقتل الرُسُل أو تعذيبهم)، فـ ﴿ قَالَ ﴾: ﴿ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴾ ﴿ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا ﴾ أي لا يَطلبون منكم مالاً على إبلاغ رسالة ربكم، ﴿ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ أي هُم على هدايةٍ من ربهم، وما هم بكَذّابين، بل هم مُحِقُّونَ فيما يدعونكم إليه من عبادة الله وحده، لأنه لا يَستحق العبادة غيره، ﴿ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي ﴾ يعني: وأيُّ شيءٍ يَمنعني مِن أن أعبد اللهَ الذي خلقني ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ بعد مَوتكم ليُحاسبكم ويُجازيكم، ﴿ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً ﴾ عاجزة، بحيثُ ﴿ إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ ﴾ يعني إن أرادني الرحمن بسُوء: ﴿ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا: أي لا تملك هذه الآلهة دَفْع ذلك السُوء ولا مَنْعه، ﴿ وَلَا يُنْقِذُونِ: أي لا تستطيع هذه الآلهة إنقاذي مما أنا فيه؟! ﴿ إِنِّي إِذًا ﴾ يعني إنْ فعلتُ ذلك: ﴿ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ أي في خطأ واضح،﴿ إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ ﴾﴿ فَاسْمَعُونِ ﴾ أي استمعوا إلى ما قُلْته لكم، وأطيعوني بالإيمان.

فلمّا قال ذلك، هَجَمَ عليه قومه فقتلوه، فـ ﴿ قِيلَ ﴾ (أي قالت له الملائكة بعد قتله): ﴿ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ﴾، فـ ﴿ قَالَ ﴾ وهو في النعيم: ﴿ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾ ﴿ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ: يعني يا ليتهم يَعلمون بغُفران ربي وإكرامه لي، بسبب إيماني به وصبري على اتّباع رُسُله حتى قُتِلت، فياليتَ قومي يؤمنون باللهفيدخلوا الجنة مِثلي، (وفي هذا بيانٌ لفضل مَن سعى إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

♦ ثم يقول تعالى: ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ ﴾ ليُعَذِّبوهم بعد أن قتلوا ذلك الرجل الناصح، ﴿ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ ﴾ يعني: ما احتاج الأمر إلى إنزال جُند من السماء (فهم أضعف من ذلك بكثير) ﴿ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾ أي ما كان هَلاكهم إلا بصيحة واحدة صاحَها مَلَكٌ من السماء ﴿ فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴾ أي مَيِّتونَ لا حياةَ فيهم (كالنار التي أُخمِدَت).

الآية 30، والآية 31، والآية 32: ﴿ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ﴾ يعني: يا حسرةَ العباد وندامتهم يوم القيامة إذا رأوا العذاب، فإنهم ﴿ مَا ﴾ كانَ ﴿ يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ ﴾ مِن ربهم في الدنيا ﴿ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾﴿ أَلَمْ يَرَوْا ﴾ يعني ألم يَرَ أهل مكة المُكَذِبون ﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ ﴾ أي من الأمم المُكَذِبة قبلهم (كقوم نوح وعاد وثمود) ﴿ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ: يعني إنهم لايَرجعون إلى كفار مكة، (وهذا بيانٌ لعدم استطاعة رجوع المُكَذِّبين إلى الدنيا ليؤمنوا ويتوبوا، بعد الهلاك الذي أصابهم بسبب تكذيبهم)، أفلا يتعظ كفار مكة فيتوبوا مما كان عليه هؤلاء المُكَذِبونَ السابقون، قبل أن يَهلَكوا مِثلهم، ويتمنوا الرجوع إلى الدنيا فلا يستطيعون، ﴿ وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾ يعني: وما كل هذه الأمم التي أهلكناها وغيرهم، إلا مُحضرونَ جميعًا عندنا يومالقيامة للحساب والجزاء.



* وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #175  
قديم 14-01-2022, 04:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




الربع الثاني من سورة يس


الآية 33، والآية 34، والآية 35: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا يعني: وعلامةٌ لهؤلاء المشركين على قدرة الله على البعث: أننا أحيَيْنا هذه الأرض اليابسة (التي لا نباتَ فيها)، فأحيَيْناها بإنزال الماء، ﴿وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا أي أخرَجنا منها حبوبًا كثيرة، مِن مختلف أنواع النباتات (كالقمح وغيره) ﴿فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ، (ومَن أحيا الأرض بالنبات، أحيا الخلْق بَعد المَمات)، ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا أي: في هذه الأرض المَيِّتة ﴿جَنَّاتٍ أي: بساتينَ ﴿مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ (ولَعَلَّ الله تعالى خَصَّ العنب والتمر من بين باقي الفواكه لمَكانتهما عند العرب وكثرة فوائدهما)، ﴿وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ أي: فجَّرنا في الأرض المَيِّتة عيونًا من المياه لتَسقيها، كُلُّ ذلك ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ أي: الثمر الناتج من هذا النبات، ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أي: لم تَخلقه أيديهم، بل يد الله هي التي خَلَقتْه لهم رحمةً بهم؛ ﴿أَفَلَا يَشْكُرُونَ؛ يعني: ألَا يشكرونَ ربهم على هذهالنعم، فيُوَحِّدوه ويطيعوه؟

الآية 36: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ أي: خَلَقَ جميع أصناف الفواكه والخُضَر من نبات الأرض، ﴿وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ أي: خَلَقَ لهم من أنفسهم ذكورًا وإناثًا ﴿وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ مِن مخلوقات الله الأخرى، التي لا يعلمون عنها شيئًا، (فكما انفرَد سبحانهبالخلْق، فكذلك يجب أن يُعبَدَ وحده)، وسبحان الذي خَلَقَ جميع المخلوقات مِن ذَكَرٍ وأنثى، وهو سبحانه الواحد الأحد الذي لا زوجَ له، فلا يحتاج إلى زوجةٍ أو ولد، لعدم حاجته لشيءٍ مما يحتاجه البشَر، ولغِناه التامِّ عن جميع خلْقه.

الآية 37: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ - على توحيد الله وكمال قدرته -: ﴿اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ أي: نَنْزع منه النهار ﴿فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ أي: يُظلِم عليهم سواد الليل (ولا يَقدر على فِعل ذلك أحدٌ إلا الله سبحانه وتعالى).

الآية 38: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا يعني: وآيةٌ لهم على قدرة الله تعالى: الشمسُ تجري في فَلَكها إلى مكانٍ تستقرُّ فيه بَعد غروبها لا تتجاوزه، حيثُ إنها تسجد كل يوم تحت العرش لتستأذن ربها في الشروق، فقد ثبت في الصحيحين - البخاري ومُسلم - أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سأل "أبا ذر" حين غربتْ الشمس: ((أتدري أين تذهب؟))، فقال: (اللهُ ورسوله أعلم)، فقال: ((فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذَن لها، ويُوشِك أن تستأذن فلا يُقبَل منها، وتَستأذن فلا يؤذَن لها، يُقال لها ارجعي مِن حيثُ جئتِ، فتطلع في مَغربها، فذلك قوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾)). (واعلَم أنَّ كونها تسجد تحت العرش لا غَرابةَ فيه، إذ الكون كله تحت العرش).

﴿ذَلِكَ أي: دوران الشمس في مَدارها إلى يوم القيامة هو ﴿تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الذي لا يَمنعه شيئٌ مما أراده في مُلكه، ﴿الْعَلِيمِ بكل خلْقه.

الآية 39: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ أي: جَعَلنا القمرَ آيةً في خلْقه، إذ جعلنا له منازل يسير فيها كل ليلة، (والمقصود بالمنازل هنا: المواقع التي يَظهر فيها القمر في كل ليلة مِنالشهر، وهي ثمانية وعشرون مَنزلة، يَنتقل فيها القمر مِن هلال إلى بدر) ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ أي: ثم يعُود في آخر الشهر ضئيلًا منحنيًا (مِثل عِذْق النخلة الذي يَحمل التمر في فروعه)، وهو العود الأصفر اليابس المنحني، الذي يُستخدَم بعد ذلك في "الكَنس" والتنظيف.

الآية 40: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ يعني: لايمكن للشمس أن تَلحق القمر فتمحو نوره أو تُغيِّر مَجراه، ﴿وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ يعني: ولا يمكن للَّيل أنيَسبق النهار، فيَدخل عليه قبل انتهاء وقته، (فهما لا يختلطان أبدًا إلا بدخول جزء مِن أحدهما في الآخر، وهو معنى قوله تعالى: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ [الحج: 61]، ﴿وَكُلٌّ مِن الشمس والقمر والكواكب ﴿فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ أي: يَجْرون فيمدارهم الخاصِّ بهم إلى نهاية الحياة، فلِذا لا يَصطدم بعضُها ببعض، وإلَّا لَفَسَدَ الكون وتَدمَّر، فسبحانَ اللهِ العظيم الحكيم المُهَيمِن على كَوْنه.

من الآية 41 إلى الآية 44: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ على إنجاء اللهِ للمُوَحِّدين وإهلاكه للمشركين: ﴿أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ أي: حَمَلنا ذرية قوم نوح المؤمنين، فأنجيناهم في السفينة المملوءة بأنواع المخلوقات، ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ أي: خلقنا لهم سُفُنًا مِثل فُلك نوح - وهي السفينة - وغيرها مِن المراكبالتي يَركبونها لتُبّلِّغهم أوطانهم، ويستخدمونها في تجاراتهم ونقل بضائعهم.

♦ واعلم أن قوله تعالى: ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ فيه إشارة إلى تنوُّع السفن التي عَلَّمَ اللهُ الإنسانَ كيفية صُنعها (كالغوَّاصات وغيرها).

♦ ثم أخبَرَهم سبحانه أنه قادرٌ على إهلاكهم بهذه النعمة التي سَخَّرها لهم إذا عصَوا المُنعِمَ وعبَدوا غيرَه، فقال: ﴿وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ وهُم في البحر ﴿فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ أي: لا يجدون مَن يُغيثُ صراخهم عند غرقهم، ﴿وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ أي: لا يستطيعون أن ينجُوا بأنفسهم من الغرق﴿إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ يعني: إلا أن نرحمهم فنُنجِّيهم ونُمتِّعهم إلى أَجَلٍ مُعَيَّن نشاؤه لهم؛ لَعَلَّهم يَرجعونَ ويَتداركونَ ما فرَّطوافيه في حق ربهم.

الآية 45، والآية 46: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ أي: لهؤلاء المشركين: ﴿اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ أي: احذروا الدنيا وعقابها، واحذروا الآخرة وأهوالها (وذلك بالإيمان والاستقامة على الحق) ﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أي: ليرحمكم الله تعالى، فإذا قيل لهم ذلك، أعرَضواعن الاستجابة كأنهم لم يَسمعوا، ﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ تَهديهم للحق، وتُبيِّنلهم صِدْق الرسول: ﴿إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ أي: أعرَضوا عنها، ولم ينتفعوا بها.


الآية 47: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾؛ يعني: إذا قال فقراءُ المؤمنين في مكة للأغنياء الكافرين: ﴿أَنْفِقُوا علينا ﴿مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾، (ولَعَلَّ المقصود هنا: الرزق الذي زَعَمَ كفار مكة أنهم جعلوه لله، وهو المذكور في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ﴾ [الأنعام: 136]، فحينئذٍ ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا - استهزاءً بهم - ﴿أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ؟ ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ؛ يعني: ما أنتم يا أتْباع محمد إلا في ضلالٍ ظاهر، لأنكم تَطلبون منا ذلك، (ولم يَعلم هؤلاء الجهَلة أن الله تعالى قد ابتلى قومًا بالفقر وابتلى قومًا بالغنى، وأنه أمَرَ الفقراء بالصبر، وأمَرَ الأغنياء بالعَطَاء).

الآية 48، والآية 49، والآية 50: ﴿وَيَقُولُونَ للمؤمنين: ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ؛ يعني: متى يكون هذا البعث الذي تَعِدوننا به ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ؟ فرَدَّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿مَا يَنْظُرُونَ أي: ما يَنتظر المُكَذِّبونَ بالبعث ﴿إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً (وهي نفخة الفَزَععند قيام الساعة، والتي يموتونَ فيها جميعًا)، إذ ﴿تَأْخُذُهُمْ فجأة ﴿وَهُمْ يَخِصِّمُونَ أي: يَختصمون ويتجادلون في شؤون حياتهم (كالبيع والشراء والأكل والشرب وغير ذلك) ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً أي: لا يستطيعون أن يوصوا أحدًا بشيء (كما يَفعل المحتضر)، ﴿وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ أي: لا يستطيعون الرجوع إلى أهلهم ليَطمئنوا عليهم، بل يموتون في أسواقهم وأماكنهم، (وهذا كناية عن شدَّة السرعة بين الصيحة وهَلاكهم).

الآية 51، والآية 52: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ أي: نُفِخ في "البوق" النفخةُ الثانية، لترجع أرواحهم إلى أجسادهم ﴿فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ أي:يَخرجونَ مِن قبورهم مُسرعينَ إلى ربِّهم، فـ ﴿قَالُوا حينئذٍ - نادمين -: ﴿يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا يعني: مَن أخرَجَنا مِن قبورنا؟، فيُقاللهم: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴿وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ فيما أخبروا به.

الآية 53، والآية 54: ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً؛ يعني: ما كان البعث مِن القبور إلا نتيجة نفخة واحدة ﴿فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ أي: جميعُ الخلْق: ﴿لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ أي: ماثِلونَ أمامنا للحساب والجزاء، ﴿فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾؛ (لأن الحساب يتمُّ بالعدل) ﴿وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.


[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السَّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسَر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرُّف)، عِلمًا بأنَّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبُّون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمَّن أكثرَ مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #176  
قديم 14-01-2022, 04:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود



الربع الأخير من سورة يس




من الآية 55 إلى الآية 64: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ﴾؛ أي: مَشغولونَ عن غيرهم، (وشُغلهم الشاغلُ هو التلذُّذ بأصناف النَّعيم)، وهم ﴿فَاكِهُونَ﴾؛ أي: فَرِحونَ مَسرورون ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ﴾؛ أي: في ظلال الجَنَّة ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾؛ أي: يَجلسونَ مُتَّكِئينَ على السُرُر المزيَّنة، تحت الظلال المُمْتَدٌّة (والسُرُر جمع سرير)، ﴿لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ﴾؛ أي: لهم في الجَنَّة مِن كل أنواع الفواكه اللذيذة، ﴿وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ﴾؛ أي: يَتحقَّق لهم كل ما يَتمنَّونه ويَشتهونه، ولهم نعيمٌ آخر أكبر مما هم فيه، حين يَرون ربَّهم في الجَنَّة، فيُكَلِّمهم قائلًا: ﴿سَلَامٌ﴾؛ أي: سلامٌ لكم مِن كل مكروه، وقد كان هذا ﴿قَوْلًا﴾ لهم ﴿مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ بهم.

♦ ويُقال للكفار في ذلك اليوم: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾؛ أي: تميَّزوا عن المؤمنين، وانفصِلوا عنهم، ويقول اللهُ لهم توبيخًًا وتذكيرًا: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ﴾؛ يعني: ألم أوصِكم على ألْسِنة رُسُلي ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾ ولا تُطيعوه؟ ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾؛ أي: عداوتُه ظاهرةٌ للإنسان، ﴿وَأَنِ اعْبُدُونِي﴾؛ يعني: وأمَرتُكم بأن تعبدوني وحدي، ﴿هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾؛ أي: هذا هو الطريق القويم الموصللِجَنَّتي (وهو عبادتي وطاعتي ومعصية الشيطان)، ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا﴾؛ أي: خلقًا كثيرًا، ﴿ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ﴾؛ يعني: ألم يكُن لكم عقل يَنهاكم عن اتِّباع الشيطان؟! إذًا فـ ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾؛ أي: التي كنتم توعَدونَ بها في الدنيا على كُفركم وتكذيبكم للرسل، ﴿اصْلَوْهَا الْيَوْمَ﴾؛ أي: ادخلوها لتَلتهب أجسادكم فيها، وتُعانوا مِن حَرِّها الشديد، جزاءً ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾.


الآية 65: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ﴾؛ أي: نُغلق أفواههم فلا يستطيعون الكلام، ﴿وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ﴾ فتَشهد بالمعاصي التي بَطَشتْ بها، ﴿وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾؛ أي: تَشهد أرجُلهم بما سَعَتْ إليه مِن المعاصي.

الآية 66: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ﴾؛ يعني: لو شئنا لأعمينا أبصارهم كما أغلَقنا أفواههم، ﴿فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ﴾؛ أي: فحينئذٍ سارَعوا إلى الصراط ليَمُرُّوا فوقه، ﴿فَأَنَّى يُبْصِرُونَ﴾؛ يعني: فكيف يَمُرُّونَ عليه وقد عُمِيَتْ أبصارهم؟!

الآية 67: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ﴾؛ يعني: ولو شئنا لَغَيَّرنا خَلقَهم وأقعدناهم في أماكنهم على الصراط ﴿فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا﴾؛ أي: فحينئذٍ لا يستطيعون أن يَمْضواأمامهم على الصراط، ﴿وَلَا يَرْجِعُونَ﴾ وراءهم.

الآية 68: ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ﴾؛ أي: نُطِلْ عمره حتى يصل إلى سنِّ الشيخوخة ﴿نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ﴾؛ أي: نُعِدْه في هذه السِنِّ إلى حال الطفولة مرة أخرى، فيَصير ضعيفَ العقلوالجسد، بعد أن كان قويًّا راشدًا أثناء فترة شبابه، ﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾ أنَّ القادر على أن يفعل ذلك بهم، قادرٌ أيضًا على بَعثهم بعد موتهم؟

الآية 69، والآية 70: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ﴾؛ أي: ما عَلَّمنا رسولنا محمدًا الشِعر، ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ أن يكون شاعرًا، (وهذا ردٌ على مَن اتهَموه كَذِبًا بأنَّ الذي يتلوهُ شِعرٌ)، فإنهم يَعلمونَ أنه لم يتعلَّم الشِّعر طوال حياته، وكذلك يعلمون أن هذا القرآن لا يُشبه الشِّعر في شيء (لا في الوزن ولا في القافية)، ﴿إِنْ هُوَ﴾؛ أي: ما هذا الذييتلوه ﴿إِلَّا ذِكْرٌ﴾ يَتذكر به أصحاب العقول السليمة ﴿وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾؛ أي: قرآنٌ واضح في تمييز الحقمِن الباطل، ومُوَضِّحٌ للأحكام والحِكَم والمواعظ ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا﴾؛ يعني: (حيَّ القلب والضمير)، ﴿وَيَحِقَّ﴾ به ﴿الْقَوْلُ﴾؛ أي: الحُكم بالعذاب ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾؛ لأنهم قد قامت عليهم الحُجَّة بالقرآن.

الآية 71، والآية 72، والآية 73: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا﴾ - وهي الإبل والبقر والغنم - ﴿فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾؛ أي: فهم مالكونَ لأمرها (يتصرَّفون فيها كما يشاؤون)؟ ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾؛ أي: سَخَّرناها لهم لينتفعوا بها، ﴿فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ﴾؛ أي: منها ما يَركبونه في أسفارهم، ويَحملون عليها أثقالهم ﴿وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ بعد أن يذبحوها، (ولولا هذا التسخير، لَمَا قدروا عليها أبدًا)، ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾؛ (كالانتفاع بأصوافها وأوبارها وأشعارها، إذ يَصنعون منها ثيابهم وأثاث بيوتهم وغير ذلك)، ﴿وَمَشَارِبُ﴾ إذ يَشربون ألبانها، ﴿أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾؛ يعني: ألَا يشكرونَ ربَّهم الذي أَنعَمعليهم بهذه النِّعَم، فيُخلِصوا له العبادة، ولا يعبدوا معه أحدًا مِن خَلْقه؟!

الآية 74، والآية 75: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً﴾؛ يعني: ورغم هذه الأدلة على قُدرة الله تعالى وإنعامه على خلْقه، فإنَّ المشركين قد اتَّخذوا مِن دُون الله آلهةً يعبدونها ﴿لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ﴾؛ يعني: إنهم عَبَدوها طمعًا في نَصْرها لهم وإنقاذهم مِنعذاب الله، (وذلك بشفاعتها لهم عند الله تعالى كما يَزعمون)، كلا، ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ﴾؛ أي: لا تستطيع تلك الآلهة أن تنصر عابِديها، ولا حتى تستطيع أن تنصر نفسها، ﴿وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾؛ يعني: والمُشركون وآلهتهمجميعًا مُحضَرون في العذاب، مُتبرِّئ بعضُهم مِن بعض.

الآية 76: ﴿فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ﴾؛ أي: لا يَحزُنك أيها الرسولُ قولُ المُكَذِّبين فيك بأنك شاعر، فإنَّ قولهم لا يَضُرُّك شيئًا، ﴿إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾؛ أي: نعلمما يُخفونه مِن الكِبر والعناد، ونعلم ما يُظهرونه للناس بهذه الأقاويل حتى يصدُّوهم عن الإيمان بك،وسنُجازيهم على ذلك كله (وفي هذا تصبيرٌ للنبي محمد صلى الله عليه وسلم).

من الآية 77 إلى الآية 80: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ﴾ المُنكِر للبعث ﴿أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ﴾؛ أي: مِن ماءٍ حقير مُستَقذَر، ثم أخرجناه مِن بطن أُمِّهِ لا يَعلم شيئًا، حتى إذا رَبَّيناهُ وأصبح رَجُلًا ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾؛ يعني: فإذا به يَقْوى ويَغترُّ، ويُصبح شديدَ الجدال في إنكار البعث، ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا﴾؛ أي: جَعَلَ إعادتنا للخلْق أمرًا عجيبًا وغريبًا، ﴿وَنَسِيَ خَلْقَهُ﴾؛ أي: نَسِيَ ابتداء خلْقِه، ونَسِيَ قُدرة ربِّه الذي خَلَقَه مِن العدم، فـ ﴿قَالَ﴾: ﴿مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾؟ يعني: مَن يستطيع أن يُحيي العظام المتفتتة؟ ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾، (وهذا هو القياس العقلي الواضح، إذ بالبَداهة أنَّ مَن أوجد شيئًا مِن العدم، قادرٌ على إيجاد مِثله في أيِّ وقت) ﴿وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾؛ يعني: وهو سبحانه عليمٌ بجميع خلْقه، خبيرٌ بتكوينهم.

♦ ورغم أنَّ لَفْظ "العِظام" مؤنَّث إلا إنه تعالى ذَكَرَ معها لفظ "رميم"، ولم يَقُل "رَميمة"؛ وذلك لأن العظام ليست مؤنثًا حقيقيًّا، بل هي مؤنَّث مَجازيٌّ؛ (يعني: مما لا يَبيض ولا يَلد)، فلذلك يجوز أن تأتي مع لفظَي: (رميم) و(رميمة)، وهذا مِثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 56].

ثم ذَكَرَ سبحانه دليلًا آخر على قُدرته على البعث، فقال: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ﴾؛ أي: أَخرَج لكم مِن الشجر الأخضر (الذي سارت الماء في أغصانه)، فأخرَجَ منه ﴿نَارًا﴾ مُحرِقة ﴿فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾؛ يعني: فإذا أنتم توقدونالنار مِن هذا الشجر الرطب، فهو سبحانه القادر على إخراج الشيء مِن ضِدِّه، كما أَخرَج أمامكم النارَ مِن الماء (فكذلك يُخرج مِن الموتى أحياءً يوم القيامة).

الآية 81، والآية 82: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾، (ويُعيدهمكما بدأهم؟) ﴿بَلَى﴾ إنه قادرٌ على ذلك، (بل إنَّ هذا أَهوَنُ عليه مِن خلْق السماوات والأرض)، ﴿وَهُوَ الْخَلَّاقُ﴾ لجميع المخلوقات، ﴿الْعَلِيمُ﴾ بتكوين الأجساد والأرواح التي خَلَقها، فلذلك لا يَصعُب عليه إعادتها مرة أخرى، و ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ﴾؛ أي: شأنه سبحانه أنه ﴿إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ﴾ ﴿فَيَكُونُ﴾؛ يعني: فإذا به كائنٌ موجود كما أرادَه الله.

الآية 83: ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾؛ أي: تَنَزَّهَ اللهُ وتَقدَّسَ عن العجز والشرك، فهو المالك لكل شيء، المتصرِّف فيشؤون خلْقه بلا مُنازع أو مُمانِع، وقد ظهرتْ لكم دلائل قُدرته وتمام نعمته، ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ بعد موتكم، ليُحاسِبكم ويُجازيَكم على جميع أعمالكم.


[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السَّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسَر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرُّف)، عِلمًا بأنَّ ما تحته خطٌّ هو نصُّ الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خطٌّ فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدِّيًا لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبُّون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمَّن أكثرَ مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم مِن سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضِّح بعضَ الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #177  
قديم 14-01-2022, 04:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود





الربع الأول من سورة الصافات















من الآية 1 إلى الآية 5: ﴿ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ﴾ (يُقسم الله تعالى بالملائكة التي تقف في عبادتها صفوفًا مُتراصّة)، ﴿ فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا ﴾ (ويُقسم سبحانه بالملائكة التي تَزجرالسحاب، يعني تسوقه إلى حيثُ أمَرَهم الله تعالى)، ﴿ فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ﴾ (ويُقسم سبحانه بالملائكة التي تتلو ذكر الله وكلامه)، (واعلم أنّ الله تعالى يقسم بمايشاء مِن خلقه، أما المخلوق فلا يجوز له القَسَم إلا بالله، لأنّ الحلف بغير اللهشِرك).







ثم أخبر تعالى عن جواب القسم (وهو الشيء الذي يُقسِم الله عليه)، فقال: ﴿ إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ: يعني إنّ مَعبودكمأيها الناس واحدٌ لا شريكَ له، وهو اللهُ ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ أي هو خالق ذلك كله ومُدَبِّر أمْره ﴿ وَرَبُّ الْمَشَارِقِ: أي مُدَبِّر أمْر الشمس في مَشارقها ومَغاربها.







ولَعَلّ اللهَ تعالى خَصّ مَشرق الشمس ومَغربها مِن بين سائر مُلكه، لأنه لا يجرؤ أحد أن يَدَّعي التحكمفي ذلك،كماقال إبراهيم للنمرود: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ﴾، فلذلك لا يستحق العبادة إلا اللهُ العظيمُ القادر، ألاَ فأخلِصوا له العبادة والطاعة.







من الآية 6 إلى الآية 10: ﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا ﴾ (وهي السماء القريبة من الأرض)، فقد زيّنَها الله للناظرينَ إليها ﴿ بِزِينَةٍ ﴾ هي ﴿ الْكَوَاكِبِ ﴾ أي هي النجوم، ﴿ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ﴾ أي جَعَلنا النجوم حِفظاً للسماء مِن كل شيطان متمرِّد على أوامر الله تعالى (إذ يُرجَمون بالشُهُب - التي هي مِن جملة النجوم - إذا حاولوا الوصول إلى السماء)، فبذلك ﴿ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى ﴾ أي لا يستطيعون أن يصلوا إلى الملأ الأعلى ليَستمعوا إلى كلام الملائكة (حتى لا يَنقِلوا أخبار الغيب إلى أوليائهم من السَحَرة) ﴿ وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ: أي تُرجَم الشياطين بالشُهُب المُحرِقة من كل جهة، وسبب ذلك الرجم: ﴿ دُحُورًا ﴾ أي طردًا لهم عن الاستماع ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ﴾ أي لهم عذابٌ دائم لا يفارقهم، وهو عذاب جهنم.







ثم أخبَرَ سبحانه أنه بسبب هذه الشهب المترصدة لهم، لا يجرؤ أحدٌ منهم أن يَستمع إلى كلام الملائكة ﴿ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ ﴾ (وهي الكلمة التي يسمعها الشيطان بسرعة من كلام الملائكة، ثم يهرب بها)، ﴿ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ: يعني فهذا الشيطان يَتبعه شهابٌمُضيء مُحرِق، (وربما أدركه الشهاب قبل أن يُلقي هذه الكلمة إلى شيطانٍ آخر، وربما ألقاها له بقَدَر الله تعالى قبل أن يَحرقه الشهاب،فيذهب بها الآخر إلى الساحر، فيُعطيها له بعد أن يكذب معها مائة كذبة، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم) (والحديث في الصحيحين).







من الآية 11 إلى الآية 26: ﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ ﴾ أي اسأل - أيها الرسول - مُنكِري البعث: ﴿ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا ﴾ يعني: هل خَلْق أجسادهم وإعادتهم بعد موتهم أعظم أم خلق السماوات والأرض وما فيهما من سائر المخلوقات (كالملائكة والشمس والجبال وغيرهم)؟ والجواب معلوم، وهو أنّ هذه المخلوقات العظيمة أشد خلقاً منهم، فـ ﴿ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ: أي بدأنا خَلْق أبيهم آدم من طينٍ لزج يلتصق باليد، ثم خلقناهم - بالتناسل - من نطفة حقيرة، (فلِذلك لا يَصعُب علينا إعادة خَلْقهم مرة أخرى، لأننا خَلَقنا مَن هُم أعظم منهم)، ﴿ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ: أي عَجِبتَ أيها الرسول من إنكارهم للبعث (رغم وضوح الأدلة على ذلك)، ولكنهم لجَهْلهم وعَجْزهم لا يستطيعون أن يدفعوا هذه الأدلة القوية إلا بالسُخرية والاستهزاء، ﴿ وَإِذَا ذُكِّرُوا ﴾ بمَواعظ القرآن ودلائل التوحيد والبعث: ﴿ لَا يَذْكُرُونَ ﴾ أي لا يَنتفعون بهذه التذكرة ولا يَتدبَّرونها ﴿ وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً ﴾ أي مُعجزة دالَّة على نُبُوَّتك، أو رأوا حُجّة من حُجَج القرآن تُقرّر البعث، إذا هم ﴿ يَسْتَسْخِرُونَ ﴾ أي يَسخرون منها ويستهزئون ﴿ وَقَالُوا ﴾ - مُستكبرين عن الانقياد للحق -: ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ أي ما هذا الذي جئتَ به يا محمد إلا سحرٌ ظاهر،وقالوا: ﴿ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ أي مبعوثونَ من قبورنا أحياءً، بعد أن تَحَلَّلتْ عظامنا في تراب الأرض؟! ﴿ أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ: يعني أو يُبعَث آباؤنا الذين مضوا مِنقبلنا؟!، ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ نَعَمْ ﴾ سوف تُبعثون أحياءً ﴿ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ ﴾ يعني أذلاء صاغرونَ وقتَ بَعْثكم، مستسلمونَ لحُكم الله فيكم.







واعلموا أنّ أمْر البعث يسيرٌ جداً على اللهِ تعالى ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾ أي نفخة واحدة: ﴿ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ: يعني فإذا هم قائمونَ مِن قبورهم ينظرون إلى أهوال القيامة، ﴿ وَقَالُوا ﴾ عندما قاموا مِن قبورهم: ﴿ يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ ﴾ أي هذا يوم الحساب والجزاء، فيقال لهم: ﴿ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ ﴾ أي يوم القضاء ﴿ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾، ويومئذٍ يقول الله للملائكة: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ: أي اجمَعُوا الذين أشركوا وأمثالهم من أهل الضلال وقُرَناءهم من الشياطين ﴿ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ: يعني: واجمَعوا معهم آلهتهم التي كانوايعبدونها ﴿ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ (مِمَّن رَضِيَ بعبادتهم له)، لأن عيسى عليه السلام والملائكة لم يكونوا راضينَ عن عبادة المشركين لهم ﴿ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ﴾ أي سُوقوهم جميعاً إلى طريق جهنم ﴿ وَقِفُوهُمْ ﴾ أي احبسوهم قبل أن يصلوا إلى جهنم، فـ ﴿ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ﴾ أي مسؤولونَ عمَّا صَدَرَمنهم في الدنيا (سؤال تقرير وإنكار وافتضاح)، ويُقال لهم توبيخًا وتعجيزاً: ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ: أي ما لكم لا يَنصر بعضكم بعضًا كما كنتم في الدنيا؟ ﴿ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ﴾ أي مستسلمونَ لأمر الله وحُكمه، لا يستطيعونَ نَصْرأنفسهم.







من الآية 27 إلى الآية 32: ﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ: يعني أقبل بعض الكفار على بعضٍ يَتلاومون ويتجادلون، فـ ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال الأتْباع لرؤسائهم في الضلال: ﴿ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ ﴾ أي كنتم تصدوننا بقوة عن اتِّباع الدين الحق، وتُنَفِّروننا من الشريعة، وتُزَيّنون لنا الضلال، فـ ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال الرؤساء للتابعين: ﴿ بَلْ: يعني ليس الأمر كما تزعمون، ولكنكم ﴿ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ أي ما كنتم مؤمنينَ فكَفَّرناكم، ولا صالحينَ فأفسدناكم، ولكنّ قلوبكم كانت قابلة للكفر والعصيان ﴿ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ: أي ما كان لنا عليكم مِن حُجِّةٍ أو قوَّة، فنَصُدّكم بها عن الإيمان ﴿ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ: أي كنتم قومًا متجاوزينَ الحد في الظلم والفساد واتِّباع الهوى، ﴿ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا ﴾ أي وَجَبَ علينا وعيد ربنا بالعذاب، و ﴿ إِنَّا لَذَائِقُونَ: أي سوف نذوق العذاب نحن وأنتم (بما قدمناه من العمل السيئ)،فلا تلومونا ولوموا أنفسكم، فإننا وَجَدناكم مُتمَسّكينَ بالشِرك راغبينَ في الضلال ﴿ فَأَغْوَيْنَاكُمْ: أي دَعَوناكم إلى الضلالة فاستجبتم لنا، ﴿ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ: أي كنا ضالين من قبلكم (فهَلَكْنا بسبب ضَلالنا، وأهلكناكم معنا).







من الآية 33 إلى الآية 49: ﴿ فَإِنَّهُمْ ﴾ أي الأتْباع والمَتبوعين ﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ أي يوم القيامة ﴿ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴾ (كما اشتركوا في الدنيا في معصية الله) ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ﴾ (الذين فضَّلوا معصية الله على طاعته)، فنذيقهم العذاب الأليم، وسبب ذلك: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ ﴾: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ أي لا يستحق العبادة إلا الله، فاتركوا عبادة مَن سواه: ﴿ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ عن الانقياد لهذه الكلمة، ويستكبرون على مَن جاء بها، ﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ فيما بينهم: ﴿ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ: يعني أنترك عبادة آلهتنا لأجل قول شاعر مجنون؟ (يَعنون بذلك محمداً صلى الله عليه وسلم)، وقد كذَبوا، فليس محمد كما وصفوه ﴿ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ ﴾ وهو القرآن والتوحيد ﴿ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ فيما أخبروا به عن التوحيد والبعث، ﴿ إِنَّكُمْ ﴾ أيها المُكَذِبون المستهزئون ﴿ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ ﴾في نار جهنم ﴿ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ من الشرك والمعاصي ﴿ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾ فإنهم ناجونَ من هذا العذاب، ويُجزَونَ بأكثر مما كانوا يعملون (إذ الحسنة بعشر أمثالها إلى ما شاء الله من الزيادة)، فضلاً من ربهم ورحمة.







واعلم أنّ المُخلَصين هُم الذين أخلصوا عبادتهم لله وحده، وخَلَّصهم ربهم من السُوء والفَحشاء، فـ ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ ﴾ في الجنة ﴿ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ﴾ أي معلومٌ أنه لا ينقطع (إذ يأكلونه بُكرَةً وعَشِيّاً)، وهو: ﴿ فَوَاكِهُ ﴾ (والمقصود هنا: الطعام والشراب الذي يُتفَكَّه به، أي يُتلَذَّذ به)، إذ كل طعامهم وشرابهم في الجنة يكون للتلذذ فقط، وليس لدفع الجوع عنهم حفاظاً على حياتهم، ﴿ وَهُمْ مُكْرَمُونَ ﴾ بإكرام الله لهم بأصناف المُتَع والشهوات ﴿ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾، يَجلسونَ مُتَّكئين ﴿ عَلَى سُرُرٍ ﴾ مُزيَّنة، تحت الظلال المُمْتَدٌّة، (والسُرُر جمع سرير)، ﴿ مُتَقَابِلِينَ: أي تتقابل وجوههم في حُبّ، يَجمعهم مَجلس واحد، يَتسامرونَ فيه على السُرُر، و ﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ: أي يدور عليهم خَدَمٌ معهم كؤوس مِن خمر، يأتون بها مِن عيون جارية في الجنة (كعيون الماء الجارية على الأرض) ﴿ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ: يعني هذه الخمر بيضاء في لونها، لذيذة في شُربها، ﴿ لَا فِيهَا غَوْلٌ ﴾ أي ليس فيها أذى للجسم ولا للعقل (كالصداع وألم البطن) ﴿ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ: أي لا يُسكَرون بسببها، فهي لا تَذهب بعقولهم كخمر الدنيا (وقد شَّبه سبحانه العقل الذي يَذهب بسبب الخمر، بالدم الذي يَنزِف من الجريح).







﴿ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ﴾ أي عندهم في مجالسهم نساءٌ لا تنظر إحداهنّ إلى غير زوجها، ولا يَنظر زوجها إلى غيرها (مِن شدة حُسنها وجمالها)، ﴿ عِينٌ ﴾ أي واسعات الأعين ﴿ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ: يعني كأنهن بَيْض مستور لم تمسه الأيدي، (وهذا وَصفٌ لنساء الجنة - سواء النساء المؤمنات أو الحور العين - وأنهنّ بِيض الأجسام (بياضاً كبَياض بيض النعام الذي هو أبيض مُختلَط بصفرة).







من الآية 50 إلى الآية 61: ﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ﴾ يعني أقبَلَ بعض أصحاب الجنة على بعضٍ يَتساءلونَ عن أحوالهم في الدنيا، وعمَّا كانوا يُعانونَ فيها، وعمَّا أنعم الله به عليهم في الجنة (وهذا مِن تَمام الأُنس والسعادة)، فـ ﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ ﴾: ﴿ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴾ أي كان لي في الدنيا صاحبٌ يُلازمني، وكان ﴿ يَقُولُ ﴾ لي: ﴿ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ: يعني كيف تصدِّق بالبعث بعد الموت؟! ﴿ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾ أي نُبعث أحياءً من قبورنا ونُحاسَب ونُجازَى على أعمالنا؟!، ثم ﴿ قَالَ ﴾ هذا المؤمن لأصحابه في الجنة: ﴿ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ﴾ يعني: هل تنظرون معي على أهل النار لنرى مصير ذلك القرين؟ ﴿ فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ: أي رأى صاحبه المُنكِر للبعث في وسط النار، فـ ﴿ قَالَ ﴾ له: ﴿ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ﴾ يعني: والله لقد قاربتَ أن تُهلكني لو كنتُ أطعتُكَ في إنكار البعث، ﴿ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي ﴾ (بهدايتي إلى الإيمان وتثبيتي عليه): ﴿ لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾ أي من المُحضَرين معك في العذاب.







ولذلك ينبغي للعبد - عندما يقرأ قوله تعالى: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ - أن يستشعر أنّ الله هو الذي أنعم الله على أهل الجنة بالهداية والتوفيق والإعانة والتثبيت، والنجاة منالفتن والذنوب، وأنه هو الذي حَبَّبَ إليهم الطاعات، وَكَرَّهَ إليهم المعاصي، فبذلك يرجو من ربه هذه النعمة التي ينجو بها من عذابه، ويَتنعم بها في جنته.







ثم يقول هذا المؤمن لأصحابه في الجنة: ﴿ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ﴾؟ يعني: أحقًا أننا مُخلَّدون في هذا النعيم، فما نحن بميتينَ ﴿ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى ﴾ في الدنيا ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ بعد دخولنا الجنة؟ ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾،ثم قال تعالى: ﴿ لِمِثْلِ هَذَا ﴾ النعيم الدائم، والفرحة الكاملة، والفوز العظيم: ﴿ فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾ بكثرة الصالحات واجتناب السيئات.







وقد كان أحد السلف يقول: (مَن طلب الراحة: ترَكَ الراحة)، يعني مَن طلب الراحة في الجنة: ترَكَ الراحة في الدنيا واجتهد في عبادة ربه.







من الآية 62 إلى الآية 74: ﴿ أَذَلِكَ ﴾ الذي سَبَقَ وَصْفه مِن نعيم الجنة ﴿ خَيْرٌ نُزُلًا ﴾ يعني خيرٌ ضيافةً وعطاءً من الله ﴿ أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ﴾ (طعامُ أهل النار)، التي هي غاية الحرارة مع غاية المرارة؟، ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ﴾ أي افتَتَنَ بها الكافرون في الدنيا، حيثُ قالوا مُستنكرين: (إنّ صاحبكم يُنَبّئكم أنّ في النار شجرة، مع أن النار تأكل الشجر)، ثم وَصَفَها الله تعالى بقوله: ﴿ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ﴾ أي تَنبت في قعر جهنم، ﴿ طَلْعُهَا ﴾ أي: ثمرها القبيح - في بشاعة منظره - ﴿ كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ﴾ ﴿ فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا ﴾ في النار ﴿ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ﴾ ﴿ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ: يعني إنهم بعد الأكل منها يَعطشون، فيشربون شرابًا قبيحًا مخلوطاً بماءٍ شديد الغليان، وقوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا) أي يَنزل هذا الشراب - في أمعاءهم - فوق الزقوم (إذ يشربونه بعد أكْل الزقوم)، ﴿ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ: يعني إنّ مَرَدَّهم بعد هذا الطعام المُرّ والشراب الحار إلى عذاب النار.







﴿ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ: أي وجدوا آباءهم في الدنيا على الشرك والضلال ﴿ فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ﴾ أي: فسارَعوا إلى متابعتهم على ضلالهم دونَ وَعْيٍ أو تدبُّر، ﴿ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ: أي ضَلَّ عن الحق - قبل مُشرِكي مكة - أكثر الأمم السابقة ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ ﴾ أي أرسلنا في تلك الأمم رُسُلاً أنذروهم بالعذاب فكفروا بهم ﴿ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ: أي فتأمل -أيها الرسول - كيف كان مصير القوم الذين أنذرهم رسولهم بعذاب الله فكذَّبوه؟ فقد عُذِّبوا، وصاروا للناس عبرة ﴿ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾ فأولئك يُنَجِّيهم ربهم من هذا المصير.








[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.


واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #178  
قديم 14-01-2022, 04:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




الربع الأخير من سورة الصافات





• من الآية 75 إلى الآية 82: ﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ لنَنصره على المُكَذِبينَ مِن قومه ﴿ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ له نحن، (والمعنى: نِعمَ الرَبُّ المُجيب لمن دَعاه)، حيثُ أجَبْنا دعاءه﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُالمؤمنينَ به ﴿ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (وهو الغرق بالطوفان) ﴿ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ بعد انتهاء الطوفان (جزاءً له على صَبْره في دَعْوته)، ﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ: يعني أبقينا له ذِكْرًا جميلاً وثناءً حسنًا في الأمم التي جاءت بعده، ﴿ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ أي: تحية من الله تعالى، وأمانٌ منه لنوح مِن كل سوء، ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يعني: كما أعطينا نوحاً هذا العطاء(جزاءً له على إحسانه وطاعته)، فكذلك نَجزي المحسنين المتقين من عطائنا، ﴿ إِنَّهُ أي نوح ﴿ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ أي المُصَدِّقين المُخلِصين، العاملينَ بأوامرنا، المُتَّبعينَ لشَرعنا،﴿ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (وهم مُشرِكو قومه، ألاَ فليَتعظ مُشرِكو مكة مما حدث لهم).



من الآية 83 إلى الآية 98: ﴿ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ: يعني إنَّ مِن أشياع نوح - يعني مِن أمثاله - على مِنهاجه ومِلَّته: نبيَّ الله إبراهيم﴿ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ: أي اذكر أيها الرسول لقومك حين جاء إبراهيمُ ربه يوم القيامة بقلبٍ بريء من كل اعتقادٍ باطل، لأنه كان في الدنيا يَتبرأ من الشِرك ويدعو قومه إلى التوحيد﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ - مُنكِرًا عليهم عبادتهم للأصنام -: ﴿ مَاذَا تَعْبُدُونَ: يعني ما هذا الذي تعبدونه؟! ﴿ أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ: يعني أتريدون أن تعبدوا أصناماً سميتموها آلهة (كذباً بألسنتكم)، وتتركون عبادة الله المستحق وحده للعبادة؟! ﴿ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ يعني فما ظنكم أنه سبحانه فاعلٌ بكم إذا عبدتم معه غيره؟!،﴿ فَنَظَرَ إبراهيمُ ﴿ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (متفكرًا فيما يَعتذر به عن الخروج معهم إلى أعيادهم)، ﴿ فَقَالَ لهم: ﴿ إِنِّي سَقِيمٌ: يعني إني مريض ﴿ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ: أي تَرَكوه وراء ظهورهم (قابلينَ عُذره في عدم الخروج معهم).



﴿ فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ: يعني أقبَلَ إلى أصنام قومه (بعد أن خَلا المكان الذي كانت فيه) ﴿ فَقَالَ لها مستهزئًا: ﴿ أَلَا تَأْكُلُونَ يعني ألاَ تاكلون هذا الطعام الذي يُقَدّمه لكم عابِديكم ويَتَبَرَّكون بأكْله بعد أن يتركونه عندكم؟، ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ لتَرُدّوا على مَن يسألكم؟،﴿ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ: يعني أقبل على الأصنام يَضربها ويُكَسِّرها بفأسٍ في يده اليمني، فلمّا رجعوا من عِيدهم: وَجَدوا آلهتهم مُكَسَّرة ﴿ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ: يعني أقبَلوا إلى إبراهيم يَجْرونَ مُسرعينَ غاضبين، (وقد شَكُّوا فيه لأنّ بعضهم سمعه وهو يقول: ﴿ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ [سورة الأنبياء: 57])، فلَقِيَهم إبراهيم بثبات، فـ﴿ قَالَ لهم: ﴿ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ: يعني كيف تعبدون أصنامًا تنحتونها بأيديكم؟!﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ يعني: وتتركون عبادة ربكم الذي خَلَقكم، وخَلَقَ ما تعبدونَ من أصنامٍ وكواكب؟!، (فلما قامت عليهم الحُجّة لجؤوا إلى القوة)، فـ﴿ قَالُوا لبعضهم: ﴿ ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا واملؤوه حطبًا، ثم أشعِلوا النار في الحطب ﴿ فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ الملتهب،ثم قال تعالى:﴿ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا ليُهلِكوه ﴿ فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ:أي جعلناهم المقهورين المغلوبين، إذ نَجّى الله إبراهيم مِن كَيدهم، وجَعَل النار بردًا وسلامًا عليه.



من الآية 99 إلى الآية 113: ﴿ وَقَالَ إبراهيم بعد أن خرج من النار سالماً: ﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي: يعني إني مهاجرٌ من بلد قومي إلى حيث أتمكن من عبادة ربي; فإنه ﴿ سَيَهْدِينِ أي سيَدُلّني على الخير في ديني ودنياي، وقال إبراهيم داعياً ربه: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ: أي أعطني ولدًا صالحًا، ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ: أي بَشَّرناه بغلامٍ يكونُ حليمًا في كِبَرِه (وهو إسماعيل عليه السلام) ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ يعني: فلمّا كَبِر إسماعيل وأصبح قادرا على العمل مع أبيه: ﴿ قَالَ له أبوه: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ (ورؤيا الأنبياء حق)﴿ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى يعني: فما رأيك في ذلك؟، فـ ﴿ قَالَ إسماعيل - مُرْضِيًا ربه، بارًّا بوالده، مُعِينًا له على طاعة الله -: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ أي افعل ما أمَرَك الله به مِن ذبْحي ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ على الذبح الذي أمَرَك الله به،﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا يعني: فلمّا استسلما لأمر الله وانقادا له، ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ يعني: ووضع إبراهيم جبين ابنه على الأرض ليذبحه، (واعلم أنّ لكُلّ إنسان جبينان: أيمن وأيسر، والجبهة بينهما)،﴿ وَنَادَيْنَاهُ في تلك الحالة العصيبة ﴿ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ﴿ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا: أي قد صَدَّقْتَ رؤياك وفعلتَ ما أُمَرَك اللهُ به، ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ: يعني إنا كما جزيناك على تصديقك (بأنْ نَجّيناك من هذه الشدة)، فكذلك نجزي الذين أحسنوا مِثلك، فنُنَجّيهم من الشدائد في الدنيا والآخرة، ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ: يعني إن الأمر بذبح ابنك هو الابتلاء الشاق الذي أظهر صِدق إيمانك،﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ: أي أنقذنا إسماعيل من الذبح، فجعلنا بديلاً عنه كبشًا عظيمًا،﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ يعني أبقينا لإبراهيم ثناءً حَسَنًا في الأمم التي جاءت بعده يَذكرونه به،﴿ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ أي: تحية من الله تعالى، وأمانٌ منه لإبراهيم مِن كل سوء، ﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يعني: كما جزينا إبراهيم على طاعته وامتثاله لأمرنا، فكذلك نجزي المحسنين على طاعتهم وتقواهم،﴿ إِنَّهُ أي إبراهيم ﴿ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ الذين أعطَوا العبودية حقها﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (جزاءً له على صَبْره، ورضاه بأمْر ربه)﴿ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ: أي أنزلنا عليهما البَرَكة (حتى إنّ معظم الأنبياء كانوا من ذريتهما)، ﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌيعني: وكانَ مِن ذريتهما مَن هو مطيعٌ لربه، مُحسِنٌ لنفسه، ومنهم مَن هو ظالمٌ لنفسه ظلمًا واضحاً، لأنه يُعَرِّضها لغضب الله وعذابه بكفره ومعصيته.



وقد قلنا بأن المقصود مِن قول إبراهيم عليه السلام: ﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي ﴾ هو الهجرة، لأن الله تعالى قال في آيةٍ أخرى: ﴿ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ﴾ (إذ الهجرة هي الانتقال من مكانٍ إلى آخر بنيّة التمكن من عبادة الله وعدم الفتنة في الدين)، كقول النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري -: (فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله...) (أي كانت نِيّته وهو مهاجرٌ إلى هذا المكان: هي طاعة الله ورسوله)، واعلم أيضاً أنّ كلمة: (أنْ) التي في قوله تعالى: ﴿ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ﴾، تسمى (أنْ) التفسيرية، لأنها تُفَسِّر المقصود من القول، كما قال تعالى: ﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ ﴾.



من الآية 114 إلى الآية 122: ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ أي أنعمنا عليهما بالنُبُوّة والرسالة﴿ وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (وهو الغرق، وما كانوا فيه من عبودية ومَذلَّة)﴿ وَنَصَرْنَاهُمْ على فرعون وقومه ﴿ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ﴿ وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ يعني أعطيناهما التوراة البَيّنة الواضحة في أحكامها ومواعظها ﴿ وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ أي هديناهما الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، وهو الإسلام (دين الله الذي بَعَثَ به أنبياءه)﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ: يعني أبقينا لهما ثناءً حَسَنًا وذكرًا جميلاً فيمن جاء بعدهما،﴿ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ أي: تحية من الله تعالى، وأمانٌ منه لموسى وهارون مِن كل سوء، ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يعني: كما أعطينا موسى وهارون هذا العطاء(جزاءً له على إحسانهما وطاعتهما) فكذلك نجزي المحسنين المتقين من عطائنا ﴿ إِنَّهُمَا أي موسى وهارون ﴿ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ أي المُصَدّقين المُخلصين، العاملينَ بأوامرنا، المُتَّبعينَ لشَرعنا.



من الآية 123 إلى الآية 132: ﴿ وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (الذين أكرمناهم بالنُبُوّة والرسالة)﴿ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ: يعني ألاَ تخافون عقاب الله تعالى إن عبدتم معه غيره وعصيتموه؟﴿ أَتَدْعُونَ بَعْلًا: يعني كيف تعبدون هذا الصنم المُسَمَّى: "بَعْل")،﴿ وَتَذَرُونَ أي تتركون عبادة ﴿ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ، وهو﴿ اللَّهَ رَبَّكُمْ الذي خلقكم ﴿ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ؟! ﴿ فَكَذَّبُوهُ﴿ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ أي سيُحضرهم الله يوم القيامة للحساب والعقاب﴿ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ الذين أخلصوا دينهم لله، فإنهم ناجونَ من عذابه ﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ: أي جعلنا لإلياس ثناءً جميلاً في الذين جاءوا مِن بعده،﴿ سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ أي: تحية من الله تعالى، وأمانٌ منه لإلياس مِن كل سوء ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يعني: كما أعطينا إلياس هذا العطاء(جزاءً له على إحسانه وطاعته)، فكذلك نَجزي المحسنين المتقين من عطائنا، ﴿ إِنَّهُ أي إلياس ﴿ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ أي المُصَدّقين المُخلصين، العاملينَ بأوامرنا، المُتَّبعينَ لشَرعنا.



من الآية 133 إلى الآية 138: ﴿ وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴿ إِذْ نَجَّيْنَاهُ أي اذكر أيها الرسول إنعامنا عليه حين نجيناه ﴿ وَأَهْلَهُ المؤمنين به ﴿ أَجْمَعِينَ (من العذاب الذي نزل بقومهم)﴿ إِلَّا عَجُوزًا هي زوجته، فقد تركناها ﴿ فِي الْغَابِرِينَ أي تركناها مع الباقين في العذاب والهلاك لكُفرها،﴿ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ: أي نَزَلَبهم أشدُّ أنواع الهلاك والتدمير (وذلك بقلب بلادهم سافلها على عالِيها ورَجْمهم بالحجارة)﴿ وَإِنَّكُمْ يا أهل مكة ﴿ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ أي تَمُرُّونَ فى أسفاركم على ما تبَقَّى مِن منازل قوم لوط وقت الصباح، وترون آثار هلاكهم، ﴿ وَبِاللَّيْلِ يعني: وكذلك تَمُرُّونَ عليها ليلاً، ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ فتخافوا أن يصيبكم مِثل ما أصابهم؟



من الآية 139 إلى الآية 148: ﴿ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴿ إِذْ أَبَقَ: أي اذكر أيها الرسول ما حدث له لتأخذ منه العبرة والعظة وتصبر على تكذيب قومك لك، فقد خرج يونس من بلده غاضبًا على قومه، لعدم استجابتهم لدعوته، دونَ إذنِ من ربه ﴿ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ أي ركب السفينة المملوءة بالركاب والأمتعة، ﴿ فَسَاهَمَ: أي اشترك في "القُرعة" التي عَمِلها ركاب السفينة لتخفيف الحمولة خوفاً من الغرق، فوقعتْ القُرعة على يونس ﴿ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ أي كان من المغلوبين في القرعة، فأُلقِيَ في البحر﴿ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ أي ابتلعه الحوت، ﴿ وَهُوَ مُلِيمٌ يعني: إنّ يونس قد فَعَلَ ما يُلامُ عليه (لعدم صبره على أوامر ربه)، ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ يعني: فلولا ما تقدَّم له من كثرة العبادة والعمل الصالح (قبل وقوعه في بطن الحوت)، ولولا تسبيحه وهو في بطن الحوت، عندما قال: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فلولا ذلك التسبيح: ﴿ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ: أي لَمَكَثَ يونس في بطن الحوت، وصارَ له قبرًا إلى يوم القيامة،﴿ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ: أي طَرَحناه مِن بطن الحوت، وألقيناه في أرضٍ خالية من الشجر والبناء ﴿ وَهُوَ سَقِيمٌ أي ضعيف البَدَن من حرارة جوف الحوت،﴿ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ: يعني أنبتنا عليه شجرة من القَرْع تُظِلُّه ويَنتفع بها﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ: يعني أرسلناه إلى مائة ألف من قومه الذين كَذَّبوه﴿ أَوْ يَزِيدُونَ يعني: بل يزيدون على مائة ألف،﴿ فَآَمَنُوا بيونس وعملوا بهَدْيه، ﴿ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ:أي مَتّعناهم بحياتهم إلى وقت انتهاء آجالهم.



من الآية 149 إلى الآية 157: ﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ أي اسأل قومك أيها الرسول: ﴿ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ: يعني كيف جعلوا لله البنات (حين قالوا - كذباً وافتراءً -: (الملائكة بنات الله))، وفي نفس الوقت - الذي يَنسبون فيه البنات إلى اللهِ تعالى - يَجعلون لأنفسهم ما يُحبون من البنين ويَكرهون البنات؟!﴿ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ أي اسألهم: (هل خَلَقَ الله الملائكة إناثًا وكنتم حاضرينَ وقتَ خَلْقهم فعرفتم بذلك أنهم إناث؟!)﴿ أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ يعني: إنّهم مِن كَذبهم ﴿ لَيَقُولُونَ: ﴿ وَلَدَ اللَّهُأي زَعَموا أنه سبحانه اتّخذ الملائكة بناتٍ له﴿ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لأنهم يقولون ما لا يعلمون،﴿ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ؟ يعني: لأيّ شيءٍ يختار الله البنات دون البنين؟ ﴿ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ يعني: بئس الحُكم الذي تحكمونه أيها القوم (وهو أن تَنسبوا البناتلله وتَبرّئوا أنفسكم منهنّ) (واعلم أن هذا مِن باب التنازل مع الخَصم لإلزامه بالحُجّة، وإلاّ فإنه سبحانه مُنَزَّهٌ عن أن يكون له ولد (ذَكَر كانَ أو أنثى)، لأنه رَبُّ كل شيء ومَالكُه والغني عنه، فما الحاجةُ إذاً إلى الولد؟!) ﴿ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ يعني ألاَ تتفكرون لتعلموا أنه لا يصح لله تعالى أن يكون له ولد لغِناه عن جميع خلقه؟! ﴿ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ: يعني أم لكم حُجَّة واضحة على كَذبكم وافترائكم؟!، إن كانت لكم حُجّة في كتابٍ من عند الله ﴿ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.



الآية 158، والآية 159، والآية 160: ﴿ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا: أي جَعَلَ المُشركون بين الله والملائكة قَرابةً ونسبًا، (ولَعَلّ الله تعالى أطلق على الملائكة هنا لفظ "الجن" لاستتارهم عن عيون الناس، فهُم لا يُرَونَ كالجن، واللهُ أعلم)، ﴿ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ يعني: لقد علمت الملائكة أن المشركين مُحضَرون للعذاب يوم القيامة،﴿ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ أي تنزَّه الله وتبرَّأ من كل ما لا يليق به ممَّا يصفه به الكافرون ﴿ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَيعني:لكنّ المخلصين لله تعالى في عبادته لا يصفونه إلا بما يليق بجلاله وكماله وعظمته.



من الآية 161 إلى الآية 166: ﴿ فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ يعني: فإنكم - أيها المُشركون - وما تعبدونه من دون الله:﴿ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ: يعني ما أنتم بمُضِلِّين أحدًا من الخلق ﴿ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ: يعني إلا مَن حَكَمَ الله عليه أن يُحرَق في الجحيم؛ بسبب كُفره وظُلمه.



وقد قالت الملائكة - رداً على المشركين الذين جعلوهم بناتٍ لله تعالى -:﴿ وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ يعني: ما مِنّا أحدٌ إلا له مقام معلوم في السماء لا يتعداه، ﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ أيالواقفونَ صفوفًا في عبادة الله وطاعته،﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ أي المُنزِّهون اللهَ تعالى عن كل مالا يليق به.



من الآية 167 إلى الآية 170: ﴿ وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ يعني: ولقد كان كفار مكة يقولون - قبل بعثتك أيها الرسول -:﴿ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ: يعني لو جاءنا من الكتب والأنبياء ما جاء للأوَّلين قبلنا:﴿ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَأي المُخلِصينَ له في العبادة، الصادقينَ في الإيمان.



فلمّا جاءهم القرآن العظيم، الذي فيه ذِكر الأولين وعِلم الآخرين، ولمّا جاءهم أفضل الرُسُل (محمد صلى الله عليه وسلم)، الذي يَعرفون نَسَبه وصِدقه: ﴿ فَكَفَرُوا بِهِ عِناداً وكِبراً ﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ أي سيعلمونَ ما أُعِدَّ لهم من العذاب بسبب كُفرهم.



الآية 171، والآية 172، والآية 173: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا أي كَتَبْنا في سابق عِلمِنا كَلِمَتَنا التي لا مَردَّ لها ﴿ لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، وهي:﴿ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ أي لهم النُصرة علىأعدائهم بالحُجّة والقوة﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا المجاهدين في سبيلنا (بالقتال وبالحُجّة): ﴿ لَهُمُ الْغَالِبُونَ أي سيغلبون أعدائهمفي نهاية الأمر.



من الآية 174 إلى الآية 179: ﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ: أي أعرِض أيها الرسول عن هؤلاء المُعانِدين، حتى يأتي أمْرُ الله لك بقتالهم،﴿ وَأَبْصِرْهُمْ: يعني أنظِرهم وارتقب ماذا سيَحِلّ بهم بسبب عنادهم ﴿ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ: أي سوف يرون ما ينزل بهم من عذاب الله في الدنيا أو الآخرة، ﴿ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ: يعني أَغَرَّ هؤلاء إمهال الله لهم، فاستعجلوا نزول العذاب عليهم من السماء؟! ﴿ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ يعني: فإذا نزل عذابنا بأرضهم، فبئس الصباح صباحهم، ثم قال تعالى - مؤكداً لرسوله تحقيق وعده له بالنصر-: ﴿ وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ يعني أعرِض عنهم حتى يأذن الله بعذابهم﴿ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ يعني أنظِرهم فسوف يرون ما يَحِلّ بهم.



الآية 180، والآية 181، والآية 182: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ: أي تنزَّه رب العزة وتقدَّس عما يَصِفه به هؤلاء المفترون، ﴿ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ أي: تحية الله الدائمة، وثناؤه وأمانه لجميع المرسلين،﴿ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أي الثناء والشكر له سبحانه (في الدنيا والآخرة)، فهو المستحق لذلك وحده لا شريك له.







[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #179  
قديم 14-01-2022, 04:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود





تفسير الربع الأول من سورة ص







الآية 1، والآية 2، والآية 3: ﴿ص: سَبَقَ الكلام على الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة.

﴿وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (يُقسِم الله تعالى بالقرآن الذي يَذكُرُ الناسُ به ربهم، والمشتمل على تذكيرهم بما هم عنه غافلون) (هذا هو القسم، وأما الشيء الذي يَقسم الله عليه فهو محذوف بَلاغةً (لأنه يُفهَم من الآية التي بعده)، وتقديره: (ما الأمر كما يَزعم هؤلاء المشركون مِن أن النبي ساحر وشاعر ومجنون) ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ يعني: ولكنّ الكافرين في تكبُّر عن الانقياد للحق ﴿وَشِقَاقٍ أي عداوة ومخالَفة للحق، (فلذلك قالوا في الرسول تلك الاتهامات الباطلة، وإلاّ فهُم يعلمونَ يَقيناً أنه أبعد الناس عن السحر والشعر والكذب والجنون)، ألم يروا ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ يعني إننا أهلكنا الكثير من الأمم المُكَذِبة قبل هؤلاء المشركين ﴿فَنَادَوْا: أي استغاثوا حين جاءهم العذاب،ونادوا بالتوبة ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ يعني:وليس وقت مَفَرّ (يعني ليس الوقت وقت فرار مما أصابهم، وليس الوقت وقت توبة)، (ألاَ فليَحذر كفار قريش أن يصيبهم ما أصاب المُكَذِبين قبلهم).



الآية 4، والآية 5: ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ: أي تَعَجَّبَ كفار مكة مِن أنّ الله قد بَعَثَ إليهم بَشَراً منهم (وهو محمد صلى الله عليه وسلم) الذي يعرفون صِدقه ونَسَبه؛ ليدعوهم إلى توحيد الله وطاعته،ويُخوَّفهم مِن عذابه إن أشركوا به وعصوه، ﴿وَقَالَ الْكَافِرُونَ عِناداً واستكباراً: ﴿هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴿أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا: يعني كيفيَزعم أنّ الآلهة الكثيرة صارت إلهًا واحدًا؟ ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ يعني إنّ الذي جاء به لَشيئٌ شديد العجب.



الآية 6، والآية 7، والآية 8: ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ أي انطلق رؤساء القوم يُحَرِّضون قومهم على الاستمرار على الشرك، وأن يَصبرواعلى تعَدُّد الآلهة، ويقولون لهم: ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ يعني إنّ ما جاء به محمد شيءٌ مُدبَّر، يَقصد منهالسيادة عليكم، و﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ: أي ما سمعنا بما يدعو إليه في دين آبائنا من قريش، (وعلى هذا يكون المقصود بالمِلّة الآخِرة: أي المُدّة الزمنية الأخيرة القريبة منهم، وهي آخِر عَهْدهم بدين آبائهم)، وقال كفار قريش: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ يعني:ما هذا إلا كَذِبٌ وافتراء، ﴿أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا يعني هل اختصه الله بإنزال القرآن مِن بيننا، وهو ليس بأكبرنا سِنًّا ولا بأشرفنا نسباً؟!، قال تعالى:﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي (وهو القرآن) رغم وضوحه وقوة حُجَّته وبيانه، ﴿بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ: يعني بل إنهم لم يذوقوا عذابي بعد، إذ لو ذاقوه: ما تجرؤوا على ما قالوه، (ويُحتمَل أن يكون المقصود: بل عندما يذوقونَ عذابي، سيعلمون أنه حق).



الآية 9: ﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ: يعني أم هم يَملكون خزائن فضل ربك ﴿الْعَزِيزِ في سُلطانه ومُلكه، ﴿الْوَهَّابِ الذي يَهَب ما يشاءُ مِن فضلهلمن يشاءُ مِن خلقه؟! والجواب: (إنهم لا يملكون شيئاً من ذلك)، إذاً فكيف يَعترضون على إعطاء اللهِ النُبُوّةَ لمحمد صلى الله عليه وسلم واختياره مِن بينهم؟! أليس الله بأعلم بمن يستحق ذلك الفضل مِن خلقه؟!



من الآية 10 إلى الآية 14: ﴿أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فيُعطوا ويَمنعوا كما يشاؤون؟! إنْ كانَ لهم شيئٌ من المُلك - على سبيل الفرض - ﴿فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ أي: فلْيأخذوا بالأسباب الموصلة لهم إلى السماء، ثم ليأتوا بالوحي فيَخُصُّوا به مَن شاؤوا، أو يَمنعوا نزوله على نبينا محمد!



♦ ثم وَعَدَ الله رسوله بالنصر عليهم (تصبيراً له على تكذيبهم وعِنادهم)، فقال: ﴿جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ: يعني هؤلاء الجُند المحاربونَ للحق هم جندٌ مهزومون، وسيَصيرون مِن جملة الأحزاب الذين هُزِموا قبلهم، فقد﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ﴿وَعَادٌ (وهم قوم هود)، ﴿وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ أي صاحب القوة العظيمة، (وقيل إنه كان له أربعة أوتاد يَربط فيها مَن أراد تعذيبه)، ﴿وَثَمُودُ (وهم قوم صالح)، ﴿وَقَوْمُ لُوطٍ، ﴿وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ (وهم قوم شعيب) (والأيْكة هي المدينةِ ذات الأشجار والبساتين)، ﴿أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ: يعني هذه الأمم هي التي تحزَّبتْ - أي اجتمعت - على الكفروالتكذيب، ﴿إِنْ كُلٌّ يعني: ما من أحدٍ مِن هذه الأمم ﴿إِلَّا كَذَّبَ الرُسُل: أي كَذَّبَ رسوله الذي جاءه ﴿فَحَقَّ عِقَابِ: أي فاستحقوا بذلك عقابي، ونَزَلَ بهم عذابي.



الآية 15: ﴿وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً: يعني ما يَنتظر هؤلاء المشركون - إنْ بَقَوا على شِركهم ولم يتوبوا - إلا نفخةًواحدة ﴿مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ: يعني ما لها مِن رجوع، (وقد تابَ كثيرٌ منهم والحمدُ لله).



الآية 16: ﴿وَقَالُوا أي قال مُشرِكو مكة: ﴿رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ: يعني عَجِّل لنا نصيبنا من العذاب في الدنيا قبل يوم القيامة، (وهم لا يؤمنون بيوم القيامة أصلاً، وإنما قالوا هذا استهزاءً وتكذيباً).



الآية 17: ﴿اصْبِرْ - أيها الرسول - ﴿عَلَى مَا يَقُولُونَ من الكفر والاستهزاء، ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ أي صاحب الشدة على أعداء الله، والصبر والقوة في طاعة الله (فقد كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يوماً ويُفطِرُ يوماً) (والحديث في الصحيحين)، فاذكره أيها الرسول عند تكذيب قومك لك، لتقتدي به في صَبْره وقوّته في الحق، ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ: أي كثير الرجوع إلى الله تعالى، فيُكثِرُ التوبةَ مِن التقصير، ويُحاسب نفسه على كل ما يَصدر منها.



الآية 18، والآية 19، والآية 20: ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ أي تُرَدّد تسبيحه إذا سبَّحَ اللهَ تعالى ﴿بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِيعني آخر النهار وأوّله، ﴿وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً: أي جَعَلنا الطير مجموعةً إليه، تُسَبِّح معه على شكل جماعات، ﴿كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ: أي كُلٌّ من الجبال والطير وداوود طائعٌ لله تعالى، راجعٌ إليه بتسبيحه وذِكْره، ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ أي قوَّينا مُلك داوود بإعطائه كل أسباب القوة المادية والإيمانية ﴿وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وهي النُبُوّة والسَداد في الأقوال والأفعال ﴿وَفَصْلَ الْخِطَابِ: يعني أعطيناه الفصل في خُصومات الناس (أي الحُكم بين الناس في خصوماتهم بكلامه الفاصل بين نِزاعاتهم بالعدل، وهو المعروف بفِقه القضاء).



الآية 21، والآية 22، والآية 23: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ يعني: وهل جاءك أيها الرسول خبر المُتخاصِمَين ﴿إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ أي حينَ تسَلقوا سور المحراب (وهو المكان الذي يصلي فيه داوود) ﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ في مكانعبادته، ﴿فَفَزِعَ مِنْهُمْ، فـ ﴿قَالُوا له: ﴿لَا تَخَفْ فنَحنُ ﴿خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ أي ظَلَمَ أحدناالآخر ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ ﴿وَلَا تُشْطِطْ: أي لا تَظلمنا في الحُكم ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ: يعني أرشِدنا إلى طريق الاستقامة، ثم قال له أحدهما:﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً (والنَعجة هي أنثى الضأن)، ﴿وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ(فطَمِعَ فيها أخي) ﴿فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا يعني أعطِني إياها، ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ: أي غَلَبني في الكلام والجدال فأخَذها مني.



الآية 24: ﴿قَالَ له داوود - دونَ أن يستمع إلى حُجّة الآخَر -: ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ: يعني لقد ظلمك أخوك عندما طلب منك ضَمّ نعجتك الواحدة إلى نعاجه الكثيرة ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ أي الشركاء ﴿لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أي يَعتدي بعضهم على بعضٍ بالظلم وأخْذ الحقوق ﴿إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فلا يَظلم بعضهم بعضاً، ﴿وَقَلِيلٌ مَا هُمْ يعني:وهم قليلون، (وهنا طارَ الخَصمان من بين يدي داوود صاعدينَ إلى السماء، فعندئذٍ عَلِمَ أن الله تعالى قد اختبره، وأنّ هذين الخَصمين كانا مَلَكين)، قال تعالى:﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ يعني أيْقَنَ داوود أننا اختبرناه بهذهالخُصومة ﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ (لأنه لم يستمع إلى الطرفين، بل حَكَمَ بمجرد الاستماع إلى أحدهما) ﴿وَخَرَّ رَاكِعًا: أي سَجَدَ خاضعاً لله تعالى، ﴿وَأَنَابَ أي رجع إليه تائباً من ذنبه.



الآية 25، والآية 26: ﴿فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ أي ذلك الخطأ الذي وقع فيه، ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى أي منزلة عالية ﴿وَحُسْنَ مَآَبٍ يعني: وأعددنا له حُسن المصير فيالآخرة (وهي الدرجات العالية في الجنة)، وقلنا له: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ أي استخلفناك في الأرض وجعلناك حَكَماً بين الخلق ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ أي بالعدل ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى (وهو ما تميل إليه النفس أو تشتهيه أو تتعاطف معه)، فلا تَتَّبع شيئاً من ذلك أثناء الحُكم ﴿فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: أي حتى لا يُضلك الهوى عن دين الله وشَرْعه، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ في النار ﴿بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ: أي بسبب غفلتهم عن يومالحساب.





[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب:"التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب:" أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.


• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنىمَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #180  
قديم 14-01-2022, 04:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود





2. الربع الثاني من سورة ص





• الآية 27:﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا أي ما خَلَقنا ذلك عَبَثًا ولا لهوًا ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ "بسبب ظَنهم الباطل، وكُفرهم بقدرة ربهم على إحياءهم بعد موتهم، رغم أنهم يعلمون أن السماوات والأرض أعظم مِن خَلْقهم".



الآية 28، والآية 29: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ بالشِرك والمعاصي؟! ﴿أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ الخارجين عن طاعة الله؟! فهذان الصنفان لا يستويان عند الله، بل يُنَعِّم سبحانه المؤمنين الأتقياء، ويُعَذِّب المُفسدينالأشقياء، وهذه إحدى الحِكَم مِن خَلْق السماوات والأرض: أنْ يُطاع سبحانه فيهما فلا يُعصَى، وأن يُشكَر فيهما فلا يُكفَر، ثم يُجازِي كُلاًّ في الآخرة بما يستحق.



ولَمّا كانَ لا بد لهم مِن كتاب سماوييوضح لهم العمل الصالح وثوابه، والعمل الفاسد وعقابه، قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ يعني: هذا القرآن الكريم هو كتابٌ مبارك "أي كثير الخير والنفع، فبَرَكته لا تفارق مَن يقرؤه ويتدبره ويَعمل بهوقد أنزلناه إليك أيها الرسول ﴿لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ: أي ليتفكروا فيآياته وأدلته، ويعملوا بأوامره ويجتنبوا نَوَاهيه ﴿وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ يعني: وليَتذكر به أصحاب العقول السليمة ما يَنفعهم فيفعلوه، وما يَضُرّهم فيجتنبوه.



الآية 30: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ، فكانَ سليمانُ ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ أي كانَ يَرجع إلى الله تعالى في كل أموره، (واعلم أنّ الأوّاب: هو الذي كلما أذنبَ تاب، وكلما ذَكَرَ ذنبه استغفر، وقد قال سبحانه عن نفسه: ﴿فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾ أي غفوراً للتائبينَ إليه بصِدق، الراجعينَ إليه في كل وقت).



الآية 31، والآية 32، والآية 33: ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ: أي اذكر أيها الرسول حين عُرِضَ على سليمان وقت العصر: ﴿الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ أي الخيول الجيدة السريعة (والصافنات هي الخيول القوية، التي تقف على ثلاث قوائموترفع الرابعة؛ لخِفَّتها)، فما زالت تُعرَض عليه حتى غابت الشمس وفاتته صلاة العصر، ﴿فَقَالَ سليمان مُعترفاً بخطئه: ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي: يعني إنني فضَّلتُ حب الخيل عن الصلاة ﴿حَتَّى تَوَارَتْ أي حتى غابت الشمس عن عيني﴿بِالْحِجَابِ ﴿وهو الأفق الذي يَحجبها عن أعين الناظرين﴾، ثم قال لجنوده:﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ: أي رُدُّوا عليَّالخيل التي عُرِضَتْ مِن قبل ﴿فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ: يعني أخذ يَقطع أرجلها وأعناقها ويُطعِمها للفقراء تكفيراً عن ذنبه، " فهذه أحد مظاهر رجوع سليمان إلى ربه، وسرعة توبته إليه بعد ذنبه، فهو كما وَصَفه ربه: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾.



من الآية 34 إلى الآية 40: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ أي ابتليناه واختبرناه ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا أي مولوداً له "مَيّتاً مُشَوَّه الخِلقة"، فجاءوا به ووضعوه على كرسي سليمان (وهذا المولود قد وُلِد له حين أقسم أنه سيطوف على نسائه، حتى تأتي كل واحدةٍ منهنّ بفارس يجاهد في سبيل الله، ولم يقل: "إن شاء الله"، فطافَعليهنّ جميعًا، فلم تَحمل منهنّ إلا امرأة واحدة ولدتْ له نصف ولد) "وهذا مُختصَر لحديث مذكور في الصحيحين".



﴿ثُمَّ أَنَابَ: أي رَجَعَ سليمان إلىربه تائباً (لأنه لم يُقَدِّم مشيئة الله تعالى أثناء كلامه)، فـ﴿قَالَ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي: يعني أعطِني مُلكًا عظيمًا خاصًا بي "لا يكونُ مِثلهلأحدٍ بعدي من البشر" ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ: يعني إنك سبحانك كثير الكرم والعطاء، ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ أي ذلَّلناها له، فكانت ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً أي طائعةً "رغم قوّتها وشدتها"، وتتوجه به ﴿حَيْثُ أَصَابَ: يعني حيث أرادَ التوجه "فكانت تحمله بجيوشه وأسلحته إلى حيث يشاء"، ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ يعني: وسَخَّرنا له الشياطين ليَستخدمهم فيما يَعْجز عنه غيرهم: فكانَ منهم البناؤون، ومنهم الغوَّاصون في أعماقالبحار لاستخراج اللآلئ،﴿وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ أي مُقيَّدينَ بالقيود "وهم الشياطين الذين تمردوا على أمرٍ من أوامره".



وقلنا له: ﴿ هَذَا عَطَاؤُنَا يعني هذا المُلْك العظيموالتسخير الخاص هو عطاؤنا لك يا سليمان، ﴿ فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ : يعني أعطِ مَا شئتَ مِن مُلْكك لمَن شئتَ، وامنعه عمَّن شئتَ، فلا حسابعليك، ﴿ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى أي منزلة عالية ﴿ وَحُسْنَ مَآَبٍ يعني: وأعددنا له حُسن المصير فيالآخرة "وهي الدرجات العالية في الجنة".



الآية 41، والآية 42: ﴿وَاذْكُرْ أيها الرسول خَبَر ﴿عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أي حينَ دَعا ربه ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ: يعني إنّ الشيطان قد تسَبَّبَ لي بتعب ومَشَقة،وألم شديد في جسدي، وتسَبَّبَ في فقد مالي وأهلي، (وقد نَسَبَ ذلك للشيطان لكونه سببا في حدوثه، وتأدُّباً مع الله تعالى، كما قال إبراهيم عليه السلام: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾، ولم يقل: "وإذا أمْرَضَني" رغم أنه يَعلم أنّ النفع والضُرّ بيد الله تعالى وحده)، وكَوْن الشيطان سببٌ في ذلك الضر إنما هو بقدَر الله تعالى وإذنه، فقال الله لأيوب:﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ أي اضرب الأرض برجلك، فخَرَجَ منها ماءٌ بارد، فقال الله له: ﴿هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ "فاغتسِلْ منه واشرب: يَذهب عنك الضُرّ والأذى".



الآية 43: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ أي: رَزَقناه أولاداً بعدد ما فَقَد "وزِدناه ضِعفهم بنينَوأحفاداً"، وكذلك أعطيناه مالاً كثيراً، (فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أنزل عليه جَرَاداً مِن ذهب) (انظر صحيح الجامع حديث رقم: 2863).



وقد فَعَلْنا ذلك ﴿رَحْمَةً مِنَّا بأيوب، وإكرامًا له بسبب صبره على البلاء، ﴿وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ يعني: وليكون قدوة وعِبرة لأصحابالعقول السليمة إذا أصابهم البلاء، فيَصبروا مِثله، ويَحتسبوا الأجر عند ربهم، فيَكشف عنهم ضُرَّهم، ويَجزيهم بأحسن الجزاء في جنات النعيم، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ.



الآية 44: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا يعني: وقلنا له: "خذ بيدك حُزمة يابسة مِن حشائش الأرض" ﴿فَاضْرِبْ بِهِ: أي اضرب بهذه الحُزمة زوجك ضربةً واحدةً إبرارًا بقَسَمك، ﴿وَلَا تَحْنَثْ أي لا تُخرج كفارة لهذا القسم"لأنه أقسم أثناء مرضه أنْ يضربها مائة جلدة إذا شفاه الله، لأنه غضب عليها مِن أمْرٍ يسير حصل منها، وكانت امرأة صالحة، فرحمها الله ورحمه بهذه الفتوى"، "وقد ذَكَرَ بعض المفسرين أنّ هذه الحُزمة كان فيها مائة عود، فكانت بمثابة المائة ضربة، عِلماً بأنّ هذه فتوى خاصة من رب العالمين لعبده أيوب عليه السلام"، ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا على البلاء، ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ أيوب ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ: أي رَجَّاع إلى ربه، في دعائه وفي كل أمْره، لا يعرف إلا الله.



الآية 45، والآية 46، والآية 47: ﴿وَاذْكُرْ أيها الرسول في القرآن ﴿عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ﴿أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ: يعني إنهم أصحابقوة في طاعة الله، وبصيرة في دينه ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ: أي اختصهم الله بخصوصيةٍ عظيمة، وهي: ﴿ذِكْرَى الدَّارِ أي جعلنا ذكرى الدار الآخرة في قلوبهم، فعملوا لهابجد واجتهاد (بما شرعناه لهم من الطاعات)، ودعوا الناس إليها وذكَّروهم بها، ﴿وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ أي المختارين للرسالة، ﴿الْأَخْيَارِ (وهُم المُكثرون مِن فِعل الخير) "والأخيار جمع خَيّر".



الآية 48: ﴿وَاذْكُرْ أيها الرسول في القرآن ﴿إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ﴿وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ: يعني إنّ كُلاً منهم من الأخيار (وهم المُكثرون مِن فِعل الخير، الذين اختارهم الله لطاعته ونُبُوّته، واختار لهم أكمل الصفات).





[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه "بَلاغةً"، حتى نفهم لغة القرآن.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 291.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 285.85 كيلو بايت... تم توفير 5.96 كيلو بايت...بمعدل (2.04%)]