تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 5 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 49 )           »          تعظيم خطاب الله عزوجل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          رسـائـل الإصـلاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 54 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #41  
قديم 12-01-2022, 11:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (41)

صــ225 إلى صــ 229

[ ص: 225 ] وفي معنى " السلم " قولان . أحدهما: أنه الإسلام ، قاله ابن عباس ، وعكرمة ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، وابن قتيبة ، والزجاج في آخرين . والثاني: أنها الطاعة ، روي عن ابن عباس أيضا ، وهو قول أبي العالية ، والربيع . وقال الزجاج: و"كافة" بمعنى الجميع ، وهو في اشتقاق اللغة: ما يكف الشيء في آخره ، من ذلك: كفه القميص ، وكل مستطيل فحرفه كفة: بضم الكاف . ويقال: في كل مستدير: كفه بكسر الكاف ، نحو: كفة الميزان . ويقال: إنما سميت كفة الثوب ، لأنها تمنعه أن ينتشر ، وأصل الكف: المنع ، وقيل لطرف اليد: كف ، لأنها تكف بها عن سائر البدن ، ورجل مكفوف: قد كف بصره أن ينظر . واختلفوا: هل قوله: "كافة" يرجع إلى السلم ، أو إلى الداخلين فيه؟ على قولين . أحدهما: أنه راجع إلى السلم ، فتقديره: ادخلوا في جميع شرائع الإسلام . وهذا يخرج على القول الأول الذي ذكرناه في نزول الآية . والثاني: أنه يرجع إلى الداخلين فيه ، فتقديره: ادخلوا كلكم في الإسلام ، وبهذا يخرج على القول الثاني . وعلى القول الثالث يحتمل قوله: "كافة" ثلاثة أقوال . أحدها: أن يكون أمرا للمؤمنين بألسنتهم أن يؤمنوا بقلوبهم ، والثاني أن يكون أمرا للمؤمنين بالدخول في جميع شرائعه . والثالث: أن يكون أمرا لهم بالثبات عليه ، كقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا آمنوا [ النساء: 136 ] . و: "خطوات الشيطان" المعاصي . وقد سبق شرحها . و"البينات" الدلالات الواضحات . وقال ابن جريج: هي الإسلام والقرآن . و"ينظرون" بمعنى: ينتظرون .

قوله تعالى: (إلا أن يأتيهم الله) كان جماعة من السلف يمسكون عن الكلام في مثل هذا . وقد ذكر القاضي أبو يعلى عن أحمد أنه قال: المراد به: قدرته وأمره . قال: وقد بينه في قوله تعالى: أو يأتي أمر ربك [ الأنعام: 158 ] .

[ ص: 226 ] قوله تعالى: في ظلل من الغمام أي: بظلل . والظلل: جمع ظلة . و"الغمام": السحاب الذي لا ماء فيه . قال الضحاك: في قطع من السحاب . ومتى يكون مجيء الملائكة؟ فيه قولان . أحدهما: أنه يوم القيامة ، وهو قول الجمهور . والثاني: أنه عند الموت ، قاله قتادة . وقرأ الحسن بخفض "الملائكة" و"قضي الأمر": فرغ منه . (وإلى الله ترجع الأمور) أي: تصير . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم ، "ترجع" بضم التاء . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي بفتحها . فإن قيل: فكأن الأمور كانت إلى غيره؟ فعنه أربعة أجوبة . أحدها: أن المراد به إعلام الخلق أنه المجازي على الأعمال بالثواب والعقاب ، قاله الزجاج . والثاني: أنه لما عبد قوم غيره ، ونسبوا أفعاله إلى سواه ، ثم انكشف الغطاء يوم القيامة; ردوا إليه ما أضافوه إلى غيره . والثالث: أن العرب تقول: قد رجع علي من فلان مكروه: إذا صار إليه منه مكروه ، وإن لم يكن سبق ، قال الشاعر:


فإن تكن الأيام أحسن مرة إلي فقد عادت لهن ذنوب


ذكرهما ابن الأنباري ومما يشبه هذا قول لبيد:


وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رمادا بعد إذ هو ساطع


أراد: يصير رمادا ، لا أنه كان رمادا . وقال أمية بن أبي الصلت:


تلك المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالا


أي: صار . والرابع: أنه لما كانت الأمور إليه قبل الخلق ، ثم أوجدهم فملكهم بعضها رجعت إليه بعد هلاكهم . فإن قيل: قد جرى ذكر اسمه تعالى في قوله: (أن يأتيهم الله) فما [ ص: 227 ] الحكمة في أنه لم يقل: وإليه ترجع الأمور؟ فالجواب: أن إعادة اسمه أفخم وأعظم ، والعرب إذا جرى ذكر شيء يفخم أعادوا لفظه ، وأنشدوا:


لا أرى الموت يسبق الموت شيئا نغص الموت ذا الغنى والفقيرا


فأعادوا ذكر الموت لفخامته في صدورهم ، ذكره الزجاج .
سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب .

قوله تعالى: (سل بني إسرائيل) الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمعنى: له وللمؤمنين . قال الفراء: أهل الحجاز يقولون: "سل" بغير همز ، وبعض تميم يقول: "اسأل" بالهمز ، وبعضهم يقول "إسل" بالألف وطرح الهمز ، والأولى أغربهن ، وبها جاء الكتاب وفي المراد بالسؤال قولان . أحدهما: أنه التقرير والإذكار بالنعم . والثاني: التوبيخ على ترك الشكر .

والآية البينة: العلامة الواضحة ، كالعصا ، والغمام ، والمن ، والسلوى ، والبحر . وفي المراد بنعمة الله قولان . أحدهما: أنها الآيات التي ذكرناها ، قاله قتادة . والثاني: أنها حجج الله الدالة على أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله الزجاج .

وفي معنى تبديلها ثلاثة أقوال . أحدها: أنه الكفر بها ، قاله أبو العالية ومجاهد . والثاني: تغيير صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة ، قاله أبو سليمان الدمشقي . والثالث: تعطيل حجج الله بالتأويلات الفاسدة .
زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب

[ ص: 228 ] قوله تعالى: زين للذين كفروا الحياة الدنيا في نزولها ثلاثة أقوال . أحدها: أنها نزلت في أبي جهل وأصحابه ، قاله ابن عباس . والثاني: نزلت في علماء اليهود ، قاله عطاء . والثالث: في عبد الله بن أبي وأصحابه من المنافقين ، قاله مقاتل . قال الزجاج: وإنما جاز في "زين" لفظ التذكير ، لأن تأنيث الحياة ليس بحقيقي ، إذ معنى الحياة ومعنى العيش واحد .

وإلى من يضاف هذا التزيين فيه قولان . أحدهما: أنه يضاف إلى الله . وقرأ أبي بن كعب ، والحسن ، ومجاهد ، وابن محيصن ، وابن أبي عبلة: "زين" بفتح الزاي والياء ، على معنى: زينها الله لهم . والثاني: أنه يضاف إلى الشيطان ، روي عن الحسن . قال شيخنا علي بن عبيد الله: والتزيين من الله تعالى: هو التركيب الطبيعي ، فإنه وضع في الطبائع محبة المحبوب ، لصورة فيه تزينت للنفس ، وذلك من صنعه ، وتزيين الشيطان بإذكار ما وقع من إغفاله مما مثله يدعو إلى نفسه لزينته ، فالله تعالى يزين بالوضع ، والشيطان يزين بالإذكار .

وما السبب في سخرية الكفار من المؤمنين؟ فيه ثلاثة أقوال . أحدها: أنهم سخروا منهم للفقر . والثاني: لتصديقهم بالآخرة . والثالث: لاتباعهم للنبي ، صلى الله عليه وسلم . وقيل: إنهم كانوا يوهمونهم أنكم على الحق ، سخرية منهم بهم .

وفي معنى كونهم "فوقهم" ثلاثة أقوال . أحدها: أن ذلك على أصله ، لأن المؤمنين في عليين ، والكفار في سجين . والثاني: أن حجج المؤمنين فوق شبه الكافرين ، فهم المنصورون . والثالث: في أن نعيم المؤمنين في الجنة فوق نعيم الكافرين في الدنيا .

قوله تعالى: والله يرزق من يشاء بغير حساب فيه قولان . أحدهما: أنه يرزق [ ص: 229 ] من يشاء رزقا واسعا غير ضيق . والثاني: يرزق من يشاء بلا محاسبة في الآخرة .
كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

قوله تعالى: كان الناس أمة واحدة في المراد بـ"الناس" هاهنا ثلاثة أقوال . أحدها: جميع بني آدم ، وهو قول الجمهور . والثاني: آدم وحده ، قاله مجاهد . قال ابن الأنباري: وهذا الوجه جائز ، لأن العرب توقع الجمع على الواحد . ومعنى الآية: كان آدم ذا دين واحد ، فاختلف ولده من بعده . والثالث: آدم وأولاده كانوا على الحق ، فاختلفوا حين قتل قابيل وهابيل . ذكره ابن الأنباري . والأمة هاهنا: الصنف والواحد على مقصد واحد .

وفي ذلك المقصد الذي كانوا عليه قولان . أحدهما: أنه الإسلام قاله أبي بن كعب ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل . والثاني: أنه الكفر . رواه عطية عن ابن عباس .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #42  
قديم 12-01-2022, 11:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (42)

صــ230 إلى صــ 234

ومتى كان ذلك فيه خمسة أقوال . أحدها: أنه حين عرضوا على آدم ، وأقروا بالعبودية . قاله أبي بن كعب . والثاني: في عهد إبراهيم كانوا كفارا . قاله ابن عباس . والثالث: بين آدم ونوح ، وهو قول قتادة . والرابع: حين ركبوا السفينة ، كانوا على الحق . قاله مقاتل . والخامس: في عهد آدم . ذكره ابن الأنباري (فبعث الله النبيين مبشرين) بالجنة (ومنذرين) بالنار . هذا قول الأكثرين . وقال بعض السلف: مبشرين لمن آمن [ ص: 230 ] بك يا محمد ، ومنذرين لمن كذبك . وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس والكتاب: اسم جنس ، كما تقول: كثر الدرهم في أيدي الناس . وذكر بعضهم أنه في التوراة .

وفي المراد بالحق ههنا قولان . أحدهما: أنه بمعنى الصدق والعدل . والثاني: أنه القضاء فيما اختلفوا فيه (ليحكم بين الناس) في الحاكم هاهنا ثلاثة أقوال . أحدها: أنه الله تعالى . والثاني: أنه النبي الذي أنزل عليه الكتاب . والثالث: الكتاب ، كقوله تعالى: هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق [ الجاثية: 29 ] . وقرأ أبو جعفر : (ليحكم) بضم الياء وفتح الكاف . وقرأ مجاهد "لتحكم" بالتاء على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى: (فيما اختلفوا فيه) يعني: الدين .

قوله تعالى: (وما اختلف فيه) في هذه الهاء ثلاثة أقوال . أحدها: أنها تعود إلى محمد صلى الله عليه وسلم قاله ابن مسعود ، والثاني: إلى الدين ، قاله مقاتل . والثالث: إلى الكتاب ، قاله أبو سليمان الدمشقي . فأما هاء "أوتوه" فعائدة على الكتاب من غير خلاف . وقال الزجاج: ونصب "بغيا" على معنى المفعول له ، فالمعنى: لم يوقعوا الاختلاف إلا للبغي ، لأنهم عالمون بحقيقة الأمر في كتبهم . وقال الفراء: في اختلافهم وجهان . أحدهما: كفر بعضهم بكتاب بعض ، والثاني: تبديل ما بدلوا .

قوله تعالى: فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه أي: لمعرفة ما اختلفوا فيه ، أو تصحيح ما اختلفوا فيه .

وفي الذي اختلفوا فيه ستة أقوال . أحدها: أنه الجمعة ، جعلها اليهود السبت ، والنصارى الأحد ، فروى البخاري ومسلم في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة عن [ ص: 231 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، وأوتيناه من بعدهم ، فهذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه ، فهدانا الله له فاليوم لنا ، وغدا لليهود ، وبعد غد للنصارى" . والثاني: أنه الصلاة ، فمنهم من يصلي إلى المشرق ، ومنهم من يصلي إلى المغرب . والثالث: أنه إبراهيم قالت اليهود: كان يهوديا ، وقالت النصارى: كان نصرانيا . والرابع: أنه عيسى ، جعلته اليهود لفرية ، وجعلته النصارى إلها . والخامس: أنه الكتب ، آمنوا ببعضها ، وكفروا ببعضها . والسادس: أنه الدين ، وهو الأصح ، لأن جميع الأقوال داخلة في ذلك .

قوله تعالى: (بإذنه) قال الزجاج: إذنه: علمه . وقال غيره: أمره . قال بعضهم: توفيقه .
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب .

قوله تعالى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة في سبب نزولها ثلاثة أقوال . أحدها: أن الصحابة أصابهم يوم الأحزاب بلاء وحصر ، فنزلت هذه الآية ، ذكره السدي عن أشياخه ، وهو قول قتادة . والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لما دخل المدينة هو وأصحابه اشتد بهم الضر ، فنزلت هذه الآية ، قاله عطاء . والثالث: أن المنافقين قالوا للمؤمنين: لو كان محمد نبيا لم يسلط عليكم القتل ، فأجابوهم: من قتل منا دخل الجنة ، فقالوا: لم تمنون أنفسكم بالباطل؟ فنزلت هذه [ ص: 232 ] الآية ، قاله مقاتل . وزعم أنها نزلت يوم أحد . قال الفراء: (أم حسبتم) بمعنى: أظننتم ، وقال الزجاج: "أم" بمعنى: بل . وقد شرحنا "أم" فيما تقدم شرحا كافيا . والمثل بمعنى: الصفة . و"زلزلوا" خوفوا وحركوا بما يؤذي ، وأصل الزلزلة في اللغة من: زل الشيء عن مكانه ، فإذا قلت: زلزلته ، فتأويله: كررت زلزلته من مكانه ، وكل ما كان فيه ترجيع كررت فيه فاء الفعل ، تقول: أقل فلان الشيء: إذا رفعه من مكانه ، فإذا كرر رفعه ورده ، قيل: قلقله . فالمعنى أنه تكرر عليهم التحريك بالخوف ، قاله ابن عباس . البأساء: الشدة والبؤس ، والضراء: البلاء والمرض . وكل رسول بعث إلى أمته يقول: (متى نصر الله) والنصر: الفتح ، والجمهور على فتح لام "حتى يقول" وضمها نافع .

فصل

ومعنى الآية: أن البلاء والجهد بلغ بالأمم المتقدمة إلى أن استبطؤوا النصر لشدة البلاء . وقد دلت على أن طريق الجنة إنما هو الصبر على البلاء . قالت عائشة: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى مضى لسبيله . وقال حذيفة: أقر أيامي لعيني ، يوم أرجع إلى أهلي فيشكون إلى الحاجة . قيل: ولم ذلك؟ قال: لأني سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول: "إن الله يتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الوالد ولده [بالخير ] ، وإن الله ليحمي المؤمن من الدنيا ، كما يحمي المريض أهله الطعام" أخبرنا أبو بكر الصوفي ، قال: أخبرنا أبو سعيد ابن أبي صادق ، قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي ، قال: سمعت أبا الطيب ابن الفرخان يقول: سمعت الجنيد يقول: دخلت على سري السقطي وهو يقول: [ ص: 233 ]
وما رمت الدخول عليه حتى حللت محله العبد الذليل

وأغضيت الجفون على قذاها
وصنت النفس عن قال وقيل

يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم .

قوله تعالى: يسألونك ماذا ينفقون في سبب نزولها قولان . أحدهما: أنها نزلت في عمرو بن الجموح الأنصاري ، وكان له مال كثير ، فقال: يا رسول الله بماذا نتصدق ، وعلى من ننفق؟ فنزلت هذه الآية . رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن لي دينارا ، فقال: "أنفقه على نفسك" . فقال: إن لي دينارين ، فقال: "أنفقها على أهلك" فقال ، إن لي ثلاثة ، فقال: "أنفقها على خادمك" . فقال: إن لي أربعة ، فقال: "أنفقها على والديك" . فقال: إن لي خمسة ، فقال: "أنفقها على قرابتك" فقال: إن لي ستة ، فقال: "أنفقها في سبيل الله ، وهو أحسنها" فنزلت هذه الآية . رواه عطاء عن ابن عباس .

قال الزجاج: "ماذا" في اللغة على ضربين ، أحدهما: أن تكون "ذا" بمعنى الذي ، و"ينفقون": صلته ، فيكون المعنى: يسألونك: أي شيء الذي ينفقون؟ والثاني: أن تكون "ما" مع "ذا" اسما واحدا ، فيكون المعنى: يسألونك أي شيء ينفقون ، قال: وكأنهم سألوا: على من ينبغي أن يفضلوا ، وما وجه الذي ينفقون؟ لأنهم يعلمون ما المنفق ، [ ص: 234 ] وأعلمهم الله أن أولى من أفضل عليه الوالدان والأقربون . والخير: المال ، قاله ابن عباس في آخرين . وقال: ومعنى: "فللوالدين" فعلى الوالدين .

فصل

وأكثر علماء التفسير على أن هذه الآية منسوخة ، قال ابن مسعود: نسختها آية الزكاة . وذهب الحسن إلى إحكامها ، وقال ابن زيد: هي في النوافل ، وهذا الظاهر من الآية ، لأن ظاهرها يقتضي الندب ، ولا يصح أن يقال: إنها منسوخة ، إلا أن يقال: إنها اقتضت وجوب النفقة على المذكورين فيها .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #43  
قديم 12-01-2022, 11:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (43)

صــ235 إلى صــ 239

كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون .

قوله تعالى: (كتب عليكم القتال) قال ابن عباس: لما فرض الله على المسلمين الجهاد شق عليهم وكرهوه ، فنزلت هذه الآية . و"كتب" بمعنى: فرض في قول الجماعة . قال الزجاج: يقال: كرهت الشيء أكرهه كرها وكرها ، وكراهة وكراهية . وكل ما في كتاب الله من الكره ، فالفتح فيه جائز ، إلا أن أبا عبيد ذكر أن الناس مجتمعون على ضم هذا الحرف الذي فيه هذه الآية . وإنما كرهوه لمشقته على النفوس ، لا أنهم كرهوا فرض الله تعالى . وقال الفراء: الكره والكره: لغتان . وكأن النحويين يذهبون بالكره إلى ما كان منك مما لم تكره عليه ، فإذا أكرهت على الشيء استحبوا "كرها" بالفتح . وقال ابن قتيبة: الكره بالفتح ، معناه: الإكراه والقهر ، وبالضم معناه: المشقة . ومن نظائر هذا: الجهد: الطاقة ، والجهد: المشقة ومنهم من يجعلهما واحدا . وعظم الشيء: أكبره [ ص: 235 ] وعظمة نفسه . وعرض الشيء: إحدى نواحيه . وعرضه: خلاف طوله . والأكل: مصدر أكلت ، والأكل: المأكول ، وقال أبو علي: هما لغتان ، كالفقر والفقر ، والضعف والضعف ، والدف والدف ، والشهد والشهد .

قوله تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا قال ابن عباس: يعني الجهاد . (وهو خير لكم) فتح وغنيمة أو شهادة . (وعسى أن تحبوا شيئا) وهو: القعود عنه . (وهو شر لكم) لا تصيبون فتحا ولا غنيمة ولا شهادة . (والله يعلم) أن الجهاد خير لكم . (وأنتم لا تعلمون) حين أحببتم القعود عنه .

فصل

اختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذا الآية على ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها من المحكم الناسخ للعفو عن المشركين . والثاني: أنها منسوخة ، لأنها أوجبت الجهاد على الكل ، فنسخ ذلك بقوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة التوبة 122 . والثالث: أنها ناسخة من وجه ، منسوخة من وجه .

وقالوا: إن الحال في القتال كانت على ثلاث مراتب . الأولى المنع من القتال ، ومنه قوله تعالى: ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم [ النساء: 77 ] . والثانية: أمر الكل بالقتال ، ومنه قوله تعالى: انفروا خفافا وثقالا [ التوبة: 41 ] . ومثلها هذه الآية . والثالثة كون القتال فرضا على الكفاية ، وهو قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة [ التوبة: 122 ] . فيكون الناسخ منها إيجاب القتال بعد المنع منه ، والمنسوخ منه وجوب القتال على الكل .
[ ص: 236 ] يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .

قوله تعالى: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه روى جندب بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعث رهطا واستعمل عليهم أبا عبيدة ، فلما انطلق ليتوجه بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث مكانه عبد الله بن جحش ، وكتب له كتابا ، وأمره ألا يقرأه إلا بمكان كذا وكذا ، وقال: "لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك" فلما صار إلى المكان ، قرأ الكتاب واسترجع ، وقال: سمعا [وطاعة لأمر ] الله ولرسوله [فخبرهم الخبر ، وقرأ عليهم الكتاب ] ، فرجع رجلان من أصحابه ، ومضى بقيتهم ، فأتوا ابن الحضرمي فقتلوه ، فلم يدروا ذلك اليوم ، أمن رجب ، أو من جمادى الآخرة؟ فقال المشركون [للمسلمين ]: قتلتم في الشهر الحرام [فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فحدثوه الحديث ] فنزلت هذه الآية ، فقال بعض المسلمين: لئن كان أصابهم خير فما لهم أجر ، فنزلت: إن الذين آمنوا والذين هاجروا إلى قوله: رحيم [ البقرة: 218 ] . قال الزهري: اسم ابن الحضرمي: عمرو ، واسم الذي قتله عبد الله بن واقد الليثي . قال ابن عباس: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، يظنون تلك الليلة من جمادى ، وكانت أول رجب .

وقد روى عطية عن ابن عباس أنها نزلت في شيئين . أحدهما: هذا . والثاني: [ ص: 237 ] دخول النبي ، صلى الله عليه وسلم ، مكة في شهر حرام يوم الفتح ، حين عاب المشركون عليه القتال في شهر حرام .

وفي السائلين النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عن ذلك قولان . أحدهما: أنهم المسلمون سألوه: هل أخطؤوا أم أصابوا؟ قاله ابن عباس ، وعكرمة ، ومقاتل . والثاني: أنهم المشركون سألوه على وجه العيب على المسلمين ، قاله الحسن ، وعروة ، ومجاهد .

والشهر الحرام: شهر رجب ، وكان يدعى الأصم ، لأنه لم يكن يسمع فيه للسلاح قعقعة تعظيما له (قتال فيه) أي: يسألونك عن قتال فيه . (قل قتال فيه كبير) قال ابن مسعود وابن عباس: لا يحل . قال القاضي أبو يعلى: كان أهل الجاهلية يعتقدون تحريم القتال في هذه الأشهر ، فأعلمهم الله تعالى في هذه الآية ببقاء التحريم .

فصل

اختلف العلماء في تحريم القتال في الأشهر الحرم: هل هو باق أم نسخ؟ على قولين .

أحدهما: أنه باق . روى ابن جريج أن عطاء كان يحلف بالله: ما يحل للناس الآن أن يغزوا في الحرم ، ولا في الأشهر الحرم ، إلا أن يقاتلوا فيه أو يغزوا ، وما نسخت .

والثاني: أنه منسوخ ، قال سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار: القتال جائز في الشهر الحرام ، وهذه الآية منسوخة بقوله تعالى: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [ التوبة: 5 ] . وبقوله تعالى: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر [ التوبة: 19 ] . وهذا قول فقهاء الأمصار .

[ ص: 238 ] قوله تعالى: وصد عن سبيل الله هو مرفوع بالابتداء ، وخبر هذه الأشياء: (أكبر عند الله) . وفي المراد بـ "سبيل الله" هاهنا قولان .

أحدهما: أنه الحج ، لأنهم صدوا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عن مكة . قاله ابن عباس ، والسدي عن أشياخه .

والثاني: أنه الإسلام ، قاله مقاتل . وفي هاء الكناية في قوله: (وكفر به) قولان . أحدهما: أنها ترجع إلى الله تعالى ، قاله السدي عن أشياخه ، وقتادة ، ومقاتل ، وابن قتيبة . والثاني: أنها تعود إلى السبيل . قاله ابن عباس قال ابن قتيبة: وخفض "المسجد" الحرام نسقا على قوله: (سبيل الله) كأنه قال: وصد عن سبيل الله ، وعن المسجد الحرام .

قوله تعالى: (وإخراج أهله منه) لما آذوا رسول الله وأصحابه; اضطروهم إلى الخروج فكأنهم أخرجوهم ، فأعلمهم الله أن هذه الأفعال أعظم من قتل كل كافر . "والفتنة" هاهنا بمعنى الشرك . قاله ابن عمر ، وابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير ، وقتادة ، والجماعة . والفتنة في القرآن على وجوه كثيرة ، قد ذكرتها في كتاب "النظائر" (ولا يزالون) يعني: الكفار ، (يقاتلونكم) يعني: المسلمين . و(حبطت) بمعنى: بطلت .
إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم .

قوله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هاجروا في سبب نزولها قولان .

أحدهما: أنه لما نزل القرآن بالرخصة لأصحاب عبد الله بن جحش في قتل ابن الحضرمي ، قال بعض المسلمين: ما لهم أجر ، فنزلت هذه الآية . وقد ذكرنا هذا في [ ص: 239 ] سبب نزول قوله تعالى: يسألونك عن الشهر الحرام عن جندب بن عبد الله .

والثاني: أنه لما نزلت لهم الرخصة قاموا ، فقالوا: [يا رسول الله ] أنطمع أن تكون لنا غزاة نعطى فيها أجر المجاهدين ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس . وقال (هاجروا) من مكة إلى المدينة ، (وجاهدوا) في طاعة الله ابن الحضرمي وأصحابه . و (رحمت الله) : مغفرته وجنته . قال ابن الأنباري: الهجرة عند العرب من هجران الوطن والأهل والولد . والمهاجرون معناهم: المهاجرون الأولاد والأهل ، فعرف مكان المفعول فأسقط . قال الشعبي: أول لواء عقد في الإسلام لواء عبد الله بن جحش ، وأول مغنم قسم في الإسلام: مغنمه .
يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون .

قوله تعالى: يسألونك عن الخمر والميسر في سبب نزولها قولان . أحدهما: أن عمر بن الخطاب ، قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت هذه الآية . والثاني: أن جماعة من الأنصار جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيهم عمر ، ومعاذ ، فقالوا: أفتنا في الخمر ، فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال ، فنزلت هذه الآية .

وفي تسمية الخمر خمرا ثلاثة أقوال . أحدها: أنها سميت خمرا ، لأنها تخامر العقل ، أي: تخالطه . والثاني: لأنها تخمر العقل ، أي: تستره . والثالث: لأنها تخمر ، أي: تغطي ذكر هذه الأقوال محمد بن القاسم . وقال الزجاج: الخمر في اللغة: ما ستر على العقل ، يقال: دخل فلان في خمار الناس ، أي: في الكثير الذي يستتر فيهم ، وخمار المرأة قناعها ، سمي خمارا لأنه يغطي .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #44  
قديم 12-01-2022, 11:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (44)

صــ240 إلى صــ 244



قال: والخمر هاهنا هي المجمع عليها ، وقياس كل ما عمل عملها أن يقال له: خمر ، وأن يكون في التحريم بمنزلتها ، لأن العلماء أجمعوا على أن القمار كله حرام ، وإنما ذكر الميسر من بينه ، وجعل كله قياسا على الميسر ، والميسر إنما يكون قمارا في الجزر خاصة . فأما الميسر; فقال ابن عباس ، وابن عمر ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة في آخرين: هو القمار . قال ابن قتيبة: يقال: يسرت: إذا ضربت بالقداح ، ويقال للضارب بالقداح: ياسر وياسرون . ويسر وأيسار .

وكان أصحاب الثروة والأجواد في الشتاء عند شدة الزمان وكلبه ينحرون جزورا ، ويجزئونها أجزاء ، ثم يضربون عليها القداح ، فإذا قمر القامر ، جعل ذلك لذوي الحاجة والمسكنة ، وهو النفع الذي ذكره الله ، وكانوا يتمادحون بأخذ القداح ، ويتسابون بتركها ويعيبون من لا ييسر .

قوله تعالى: (قل فيهما إثم كبير) قرأ الأكثرون "كبير" بالباء ، وقرأ حمزة والكسائي بالثاء .

وفي إثم الخمر ثلاثة أقوال . أحدها: أن شربها ينقص الدين . قاله ابن عباس . والثاني: أنه إذا شرب سكر وآذى الناس ، رواه السدي عن أشياخه . والثالث: أنه وقوع العداوة والبغضاء وتغطية العقل الذي يقع به التمييز ، قاله الزجاج .

وفي إثم الميسر قولان . أحدهما: أنه يشغل عن ذكر الله وعن الصلاة ، ويوقع العداوة ، قاله ابن عباس . والثاني: أنه يدعوا إلى الظلم ومنع الحق ، رواه السدي عن أشياخه وجائز أن يراد جميع ذلك .

[ ص: 241 ] وأما منافع الخمر; فمن وجهين: أحدهما: الربح في بيعها . والثاني: انتفاع الأبدان مع التذاذ النفوس . وأما منافع الميسر: فإصابة الرجل المال من غير تعب .

وفي قوله تعالى: وإثمهما أكبر من نفعهما قولان . أحدهما: أن معناه: وإثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما قبل التحريم ، قاله سعيد بن جبير ، والضحاك ، ومقاتل . والثاني: وإثمهما قبل التحريم أكبر من نفعهما قبل التحريم ، أيضا لأن الإثم الذي يحدث في أسبابها أكبر من نفعهما . وهذا منقول عن ابن جبير أيضا . واختلفوا بماذا كانت الخمرة مباحة؟ على قولين . أحدهما: بقوله تعالى: ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا [ النحل: 67 ] . قاله ابن جبير . والثاني: بالشريعة الاولى ، وأقر المسلمون على ذلك حتى حرمت .

فصل

اختلف العلماء: هل لهذه الآية تأثير في تحريم الخمر أم لا؟ على قولين . أحدهما: أنها تقتضي ذمها دون تحريمها ، رواه السدي عن أشياخه ، وبه قال سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، ومقاتل . وعلى هذا القول تكون هذه الآية منسوخة .

والقول الثاني: أن لها تأثيرا في التحريم ، وهو أن الله تعالى أخبر أن فيها إثما كبيرا والإثم كله محرم بقوله: والإثم والبغي [ الأعراف: 33 ] . هذا قول جماعة من العلماء ، وحكاه الزجاج ، واختاره القاضي أبو يعلى للعلة التي بيناها ، واحتج لصحته بعض أهل المعاني ، فقال: لما قال الله تعالى: قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ; وقع التساوي بين الأمرين ، فلما قال: وإثمهما أكبر من نفعهما صار الغالب الإثم ، وبقي النفع مستغرقا في جنب الإثم ، فعاد الحكم للغالب المستغرق ، فغلب جانب الخطر .

[ ص: 242 ] فصل

فأما الميسر; فالقول فيه مثل القول في الخمر ، إن قلنا: إن هذه الآية دلت على التحريم ، فالميسر حكمها حرام أيضا ، وإن قلنا: إنها دلت على الكراهة; فأقوم الأقوال أن نقول: إن الآية التي في المائدة نصت على تحريم الميسر .

قوله تعالى: ويسألونك ماذا ينفقون قال ابن عباس: إن الذي سأله عن ذلك عمرو بن الجموح: قال ابن قتيبة: والمراد بالنفقة هاهنا: الصدقة والعطاء .

قوله تعالى: (قل العفو) قرأ أبو عمرو برفع واو "العفو" وقرأ الباقون بنصبها ، قال أبو علي: "ماذا" في موضع نصب ، فجوابه العفو بالنصب ، كما تقول في جواب . ماذا أنفقت؟ أي: أنفقت درهما . هذا وجه نصب العفو . ومن رفع جعل "ذا" بمنزلة الذي ، ولم يجعل "ماذا" اسما واحدا ، فإذا قال قائل: ماذا أنزل ربكم; فكأنه قال: ما الذي أنزل ربكم; فجوابه: قرآن . قال الزجاج: "العفو" في اللغة: الكثرة والفضل ، يقال: قد عفا القوم: إذا كثروا . و"العفو" ما أتى بغير كلفة . وقال ابن قتيبة: العفو: الميسور . يقال: خذ ما عفاك: أي: ما أتاك سهلا بلا إكراه ولا مشقة .

وللمفسرين في المراد بالعفو هاهنا خمسة أقوال .

أحدها: أنه ما يفضل عن حاجة المرء وعياله ، رواه مقسم عن ابن عباس . والثاني: ما تطيب به أنفسهم من قليل وكثير ، رواه عطية عن ابن عباس . والثالث: أنه القصد بين الإسراف والإقتار ، قاله الحسن ، وعطاء ، وسعيد بن جبير . والرابع: أنه الصدقة المفروضة ، قاله مجاهد . والخامس: أنه ما لا يتبين عليهم مقداره ، من قولهم: عفا الأثر إذا خفي ودرس ، حكاه شيخنا عن طائفة من المفسرين .

[ ص: 243 ] فصل

وقد تكلم علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية ، فروى السدي عن أشياخه أنها نسخت بالزكاة ، وأبى نسخها آخرون . وفصل الخطاب في ذلك أنا متى قلنا: إنه فرض عليهم بهذه الآية التصدق بفاضل المال ، أو قلنا: إنه أوجبت عليهم هذه الآية صدقة قبل الزكاة ، فالآية منسوخة بآية الزكاة ، ومتى قلنا: إنها محمولة على الزكاة المفروضة كما قال مجاهد ، أو على الصدقة المندوب إليها ، فهي محكمة .

قوله تعالى: (كذلك يبين الله) قال الزجاج: إنما قال كذلك ، وهو يخاطب جماعة ، لأن الجماعة معناها: القبيل ، كأنه قال: كذلك يا أيها القبيل . وجائز أن تكون الكاف للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، كأنه قال: كذلك يا أيها النبي ، لأن الخطاب له مشتمل على خطاب أمته . وقال ابن الأنباري: الكاف في "كذلك" إشارة إلى ما بين من الإنفاق ، فكأنه قال: مثل ذلك الذي بينه لكم في الإنفاق يبين الآيات . ويجوز أن يكون "كذلك" غير إشارة إلى ما قبله ، فيكون معناه: هكذا ، قاله ابن عباس . لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة فتعرفون فضل ما بينهما ، فتعملون للباقي منهما .
ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم .

قوله تعالى: ويسألونك عن اليتامى في سبب نزولها قولان . أحدهما: أنه لما أنزل الله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن [ الإسراء: 34 ] و إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما [ النساء: 9 ] انطلق من كان عنده مال يتيم ، فعزل طعامه من طعامه ، وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل الشيء من طعامه فيحبس له حتى [ ص: 244 ] يأكله أو يفسد . فاشتد ذلك عليهم ، فذكروه للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية هذا قول ابن عباس ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، ومقاتل . والثاني: أن العرب كانوا يشددون في أمر اليتيم حتى لا يأكلون معه في قصعته ، ولا يستخدمون له خادما . فسألوا النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عن مخالطتهم ، فنزلت هذه الآية ، ذكره السدي عن أشياخه ، وهو قول الضحاك .

وفي السائلين للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، عن ذلك قولان . أحدهما: أن الذي سأله ثابت بن رفاعة الأنصاري ، قاله مقاتل . والثاني: عبد الله بن رواحة ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى: (قل إصلاح لهم خير) قال ابن قتيبة: معناه: تثمير أموالهم ، والتنزه عن أكلها لمن وليها خير . (وإن تخالطوهم فإخوانكم) أي: فهم إخوانكم ، في ذلك حكم إخوانكم . قال ابن عباس: والمخالطة: أن يشرب من لبنك ، وتشرب من لبنه ، ويأكل في قصعتك ، وتأكل في قصعته . والله يعلم المفسد من المصلح يريد: المتعمد . أكل مال اليتيم ، من المنحرج الذي لا يألو إلا الإصلاح . ولو شاء الله لأعنتكم قال ابن عباس: أي لأحرجكم ، ولضيق عليكم . وقال ابن الأنباري: أصل العنت: التشديد . تقول العرب: فلان يتعنت فلانا ويعنته ، أي: يشدد عليه ، ويلزمه بما يصعب عليه أداؤه [قال: ثم نقلت إلى معنى الهلاك ] واشتقاق الحرف ، من قول العرب: أكمة عنوت: إذا كانت شديدة شاقة [المصعد ] ، فجعلت هذه اللفظة مستعملة في كل شدة .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #45  
قديم 12-01-2022, 11:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (45)

صــ245 إلى صــ 249


ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون [ ص: 245 ] قوله تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن في سبب نزولها قولان .

أحدهما: أن رجلا يقال له: مرثد بن أبي مرثد بعثه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، إلى مكة ليخرج ناسا من المسلمين بها أسرى ، فلما قدمها سمعت به امرأة يقال لها: عناق ، وكانت خليلة له في الجاهلية ، فلما أسلم أعرض عنها ، فأتته فقالت: ويحك يا مرثد: ألا تخلو؟ فقال: إن الإسلام قد حال بيني وبينك ، ولكن إن شئت تزوجتك ، إذا رجعت إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، استأذنته في ذلك ، فقالت له: أبي تتبرم؟! واستغاثت عليه ، فضربوه ضربا شديدا ، ثم خلوا سبيله ، فلما قضى حاجته بمكة رجع إلى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فسأله: أتحل لي أن أتزوجها؟ فنزلت هذه الآية . هذا قول ابن عباس . وذكر مقاتل بن سليمان أنه أبو مرثد الغنوي .

والثاني: أن عبد الله بن رواحة كانت له أمة سوداء ، وأنه غضب عليها فلطمها ، ثم فزع ، فأتى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فأخبره خبرها; [فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما هي يا عبد الله" ] فقال: [ ص: 246 ] يا رسول الله: هي تصوم وتصلي وتحسن الوضوء ، وتشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، فقال: "يا عبد الله: هذه مؤمنة" . فقال: والذي بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجنها ففعل ، فعابه ناس من المسلمين ، وقالوا: أنكح أمة ، وكانوا يرغبون في نكاح المشركات رغبة في أحسابهن ، فنزلت هذه الآية . رواه السدي عن أشياخه . وقد ذكر بعض المفسرين أن قصة عناق وأبا مرثد كانت سببا لنزول قوله تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن وقصة ابن رواحة كانت سببا لنزول قوله تعالى: ولأمة مؤمنة خير من مشركة .

فأما التفسير ، فقال المفضل: أصل النكاح: الجماع ، ثم كثر ذلك حتى قيل للعقد: نكاح . وقد حرم الله عز وجل نكاح المشركات عقدا ووطء .

وفي "المشركات" هاهنا قولان . أحدهما: أنه يعم الكتابيات وغيرهن ، وهو قول الأكثرين . والثاني: أنه خاص في الوثنيات ، وهو قول سعيد بن جبير ، والنخعي ، وقتادة .

وفي المراد بالأمة قولان . أحدهما: أنها المملوكة ، وهو قول الأكثرين ، فيكون المعنى: ولنكاح أمة مؤمنة خير من نكاح حرة مشركة . والثاني: أنها المرأة ، وإن لم تكن مملوكة ، كما يقال: هذه أمة الله ، وهذا قول الضحاك ، والأول أصح .

وفي قوله: (ولو أعجبتكم) قولان . أحدهما: بجمالها وحسنها . والثاني: بحسبها ونسبها .

فصل

اختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية ، فقال القائلون بأن المشركات الوثنيات: هي محكمة ، وزعم بعض من نصر هذا القول أن اليهود والنصارى ليسوا بمشركين بالله ، وإن جحدوا بنبوة نبينا . قال شيخنا: وهو قول فاسد من وجهين . أحدهما: أن حقيقة الشرك ثابتة في حقهم حيث قالوا: عزير ابن الله ، والمسيح ابن الله . والثاني: أن كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، يوجب أن يقولوا: إن ما جاء به ليس من عند الله ، وإضافة ذلك إلى [ ص: 247 ] غير الله شرك . فأما القائلون بأنها عامة في جميع المشركات ، فلهم في ذلك قولان . أحدهما: أن بعض حكمها منسوخ بقوله: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم [ المائدة: 6 ] وبقي الحكم في غير أهل الكتاب محكما . والثاني: أنها ليست منسوخة ، ولا ناسخة ، بل هي عامة في جميع المشركات ، وما أخرج عن عمومها من إباحة كافرة; فلدليل خاص ، وهو قوله تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم [ المائدة: 6 ] ; فهذه خصصت عموم تلك من غير نسخ ، وعلى هذا عامة الفقهاء . وقد روي معناه عن جماعة من الصحابة ، منهم عثمان ، وطلحة ، وحذيفة ، وجابر ، وابن عباس .

قوله تعالى: ولا تنكحوا المشركين أي: لا تزوجوهم بمسلمة حتى يؤمنوا; والكلام في قوله تعالى: (ولعبد مؤمن) وفي قوله تعالى: (ولو أعجبكم) مثل الكلام في أول الآية .

قوله تعالى: والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ; قرأ الجمهور بخفض "المغفرة" وقرأ الحسن ، والقزاز ، عن أبي عمرو ، برفعها .
ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين .

قوله تعالى: (ويسألونك عن المحيض) روى ثابت عن أنس قال: كانت اليهود إذا حاضت المرأة منهن لم يؤاكلوها ، ولم يشاربوها ، ولم يجامعوها في البيوت ، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم ، عن ذلك ، فنزلت هذه الآية ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يؤاكلوهن ويشاربوهن ويكونوا معهن في البيوت ، وأن يفعلوا كل شيء ما عدا النكاح . وقال ابن عباس: جاء [ ص: 248 ] رجل يقال: له ابن الدحداحة ، من الأنصار ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف نصنع بالنساء إذا حضن؟ فنزلت هذه الآية . وفي المحيض قولان . أحدهما: أنه اسم للحيض ، قال الزجاج: يقال: قد حاضت المرأة تحيض حيضا ومحاضا ومحيضا . وقال ابن قتيبة: المحيض: الحيض . والثاني: أنه اسم لموضع الحيض ، كالمقيل ، فإنه موضع القيلولة ، والمبيت موضع البيتوتة . وذكر القاضي أبو يعلى أن هذا ظاهر كلام أحمد . فأما أرباب القول الأول; فأكدوه بأن في اللفظ ما يدل على قولهم ، وهو أنه وصفه بالأذى ، وذلك صفة لتفسير الحيض ، لا لمكانه . وأما أرباب القول الثاني ، فقالوا: لا يمتنع أن يكون المحيض صفة للموضع ، ثم وصفه بما قاربه وجاوره ، كالعقيقة ، فإنها اسم لشعر الصبي ، وسميت بها الشاة التي تذبح عند حلق رأسه مجازا . والرواية: اسم للجمل ، وسميت المزادة راوية مجازا . والأذى يحصل للواطئ بالنجاسة ، ونتن الريح . وقيل: يورث جماع الحائض علة بالغة في الألم . فاعتزلوا النساء في المحيض المراد به اعتزال الوطء في الفرج ، لأن المحيض نفس الدم أو نفس الفرج (ولا تقربوهن) أي: لا تقربوا جماعهن ، وهو تأكيد لقوله: (فاعتزلوا النساء) .

قوله تعالى: (حتى يطهرن) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم (حتى يطهرن) خفيفة . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف ، وأبو بكر ، عن عاصم (يطهرن) بتشديد الطاء والهاء وفتحهما . قال ابن قتيبة: يطهرن: ينقطع عنهن الدم ، يقال: طهرت المرأة وطهرت: إذا رأت الطهر ، وإن لم تغتسل بالماء . ومن قرأ "يطهرن" [ ص: 249 ] بالتشديد أراد: يغتسلن بالماء . والأصل يتطهرن ، فأدغمت التاء في الطاء . قال ابن عباس ومجاهد: حتى يطهرن من الدم ، فإذا تطهرن اغتسلن بالماء .

قوله تعالى: (فأتوهن) إباحة من حظر ، لا على الوجوب .

قوله تعالى: (من حيث أمركم الله) فيه أربعة أقوال .

أحدها: أن معناه: من قبل الطهر ، لا من قبل الحيض ، قاله ابن عباس ، وأبو رزين ، وقتادة ، والسدي في آخرين .

والثاني: أن معناه: فأتوهن من حيث أمركم الله أن لا تقربوهن فيه ، وهو محل الحيض ، قاله مجاهد . وقال من نصر هذا القول: إنما قال: (أمركم الله) والمعنى: نهاكم ، لأن النهي أمر بترك المنهي عنه و"من" بمعنى: "في": كقوله تعالى: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة [ الجمعة: 9 ] .

والثالث: فأتوهن من قبل التزويج الحلال ، لا من قبل الفجور ، قاله ابن الحنفية . والرابع: أن معناه: فأتوهن من الجهات التي يحل أن تقرب فيها المرأة ، ولا تقربوهن من حيث لا ينبغي مثل أن كن صائمات أو معتكفات أو محرمات . وهذا قول الزجاج ، وابن كيسان . وفي قوله تعالى: إن الله يحب التوابين قولان . أحدهما: التوابين من الذنوب ، قاله عطاء ، ومجاهد في آخرين . والثاني: التوابين من إتيان الحيض ، ذكره بعض المفسرين .

وفي قوله تعالى: (ويحب المتطهرين) ثلاثة أقوال . أحدها: المتطهرين من الذنوب ، قاله مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبو العالية . والثاني: المتطهرين بالماء ، قاله عطاء . والثالث: المتطهرين من إتيان أدبار النساء . روي عن مجاهد .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #46  
قديم 12-01-2022, 11:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (46)

صــ250 إلى صــ 255

فصل

أقل الحيض يوم وليلة في إحدى الروايتين عن أحمد . والثانية: يوم . وقال أبو حنيفة: أقله ثلاثة أيام . وقال مالك وداود: ليس لأقله حد . وفي أكثره روايتان عن أحمد . إحداهما: خمسة عشر يوما ، وهو قول مالك والشافعي . والثانية سبعة عشر يوما . وقال أبو حنيفة: أكثره عشرة أيام .

والحيض مانع من عشرة أشياء: فعل الصلاة ، ووجوبها ، وفعل الصوم دون وجوبه ، والجلوس في المسجد ، والاعتكاف ، والطواف ، وقراءة القرآن ، وحمل المصحف ، والاستمتاع في الفرج ، وحصول نية الطلاق .
نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين .

قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

أحدها: أن اليهود أنكرت جواز إتيان المرأة إلا من بين يديها ، وعابت من يأتيها على غير تلك الصفة ، فنزلت هذه الآية . روي عن جابر ، والحسن ، وقتادة . والثاني: أن حيا من قريش كانوا يتزوجون النساء بمكة ، ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات ، فلما قدموا المدينة ، تزوجوا من الأنصار ، فذهبوا ليفعلوا ذلك ، فأنكرنه ، وانتهى الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية . رواه مجاهد عن ابن عباس . والثالث: أن عمر بن الخطاب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: هلكت ، حولت رحلي الليلة ، فنزلت هذه الآية . رواه سعيد بن جبير عن ابن [ ص: 251 ] عباس . والحرث: المزدرع ، وكنى به هاهنا عن الجماع ، فسماهن حرثا ، لأنهن مزدرع الأولاد ، كالأرض للزرع ، فإن قيل: النساء جمع ، فلم لم يقل: حروث؟ فعنه ثلاثة أجوبة ، ذكرها ابن القاسم الأنباري النحوي . أحدها: أن يكون الحرث مصدرا في موضع الجمع ، فلزمه التوحيد ، كما تقول العرب: إخوتك صوم ، وأولادك فطر ، يريدون: صائمين ومفطرين ، فيؤدي المصدر بتوحيده عن اللفظ المجموع . والثاني: أن يكون أراد حروث لكم ، فاكتفى بالواحد من الجمع ، كما قال الشاعر:


كلوا في نصف بطونكم تعيشوا


أي: في أنصاف بطونكم . والثالث: أنه إنما وحد الحرث ، لأن النساء شبهن به ، ولسن من جنسه ، والمعنى: نساؤكم مثل حروث لكم .

قوله تعالى: (أنى شئتم) فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه بمعنى: كيف شئتم ، ثم فيه قولان . أحدهما: أن المعنى: كيف شئتم ، مقبلة أو مدبرة ، وعلى كل حال ، إذا كان الإتيان في الفرج . وهذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، وعطية ، والسدي ، وابن قتيبة في آخرين . والثاني: أنها نزلت في العزل . قاله سعيد بن المسيب ، فيكون المعنى: إن شئتم فاعزلوا ، وإن شئتم فلا تعزلوا .

[ ص: 252 ] والقول الثاني: أنه بمعنى: إن شئتم ، ومتى شئتم وهو قول ابن الحنفية والضحاك ، وروي عن ابن عباس أيضا . والثالث: أنه بمعنى: حيث شئتم ، وهذا محكي عن ابن عمر ومالك بن أنس ، وهو فاسد من وجوه ، أحدها: أن سالم بن عبد الله لما بلغه أن نافعا تحدث بذلك عن ابن عمر ، قال: كذب العبد ، إنما قال عبد الله: يؤتون في فروجهن من أدبارهن . وأما أصحاب مالك ، فإنهم ينكرون صحته عن مالك ، والثاني: أن أبا هريرة روى عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: "ملعون من أتى النساء في أدبارهن" فدل على أن الآية لا يراد بها هذا .

والثالث: أن الآية نبهت على أنه محل الولد بقوله: (فأتوا حرثكم) وموضع الزرع: هو مكان الولد ، قال ابن الأنباري: لما نص الله على ذكر الحرث ، والحرث به يكون النبات ، والولد مشبه بالنبات ، لم يجز أن يقع الوطء في محل لا يكون منه ولد .

[ ص: 253 ] . والرابع: أن تحريم إتيان الحائض كان لعلة الأذى ، والأذى ملازم لهذا المحل لا يفارقه .

قوله تعالى: (وقدموا لأنفسكم) فيه أربعة أقوال . أحدها: أن معناه: وقدموا لأنفسكم من العمل الصالح ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني: وقدموا التسمية عند الجماع ، رواه عطاء عن ابن عباس . والثالث: وقدموا لأنفسكم في طلب الولد ، قاله مقاتل . والرابع: وقدموا طاعة الله واتباع أمره ، قاله الزجاج .
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم .

قوله تعالى: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم في سبب نزولها أربعة أقوال .

أحدها: أنها نزلت في عبد الله بن رواحة ، كان بينه وبين ختنه شيء ، فحلف عبد الله أن لا يدخل عليه ولا يكلمه ، وجعل يقول: قد حلفت بالله ، فلا يحل لي ، إلا أن تبر يميني ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس .

والثاني: أن الرجل كان يحلف بالله أن لا يصل رحمه ، ولا يصلح بين الناس ، فنزلت هذه الآية ، قاله الربيع بن أنس .

والثالث: أنها نزلت في أبي بكر حين حلف ، لا ينفق على مسطح ، قاله ابن جريج . والرابع: نزلت في أبي بكر ، حلف أن لا يصل ابنه عبد الرحمن حتى يسلم ، قاله المقاتلان: ابن حيان ، وابن سليمان .

قال الفراء: والمعنى: ولا تجعلوا الله معترضا لأيمانكم . وقال أبو عبيد: نصبا لأيمانكم ، [ ص: 254 ] كأنه يعني: أنكم تعترضونه في كل شيء ، فتحلفون به . وفي معنى الآية ثلاثة أقوال . أحدها: أن معناها: لا تحلفوا بالله أن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا بين الناس ، هذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وابن جبير ، وإبراهيم ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل ، والفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج في آخرين . والثاني: أن معناها: لا تحلفوا بالله كاذبين لتتقوا المخلوقين وتبروهم ، وتصلحوا بينهم بالكذب ، روى هذا المعنى عطية عن ابن عباس . والثالث: أن معناها لا تكثروا الحلف بالله وإن كنتم بارين مصلحين ، فإن كثرة الحلف بالله ضرب من الجرأة عليه . هذا قول ابن زيد .
لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم .

قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال الزجاج: اللغو في كلام العرب: ما أطرح ولم يعقد عليه أمر ، ويسمى ما لا يعتد به ، لغوا . وقال ابن فارس: اشتقاق ذلك من قولهم لما لا يعتد [به ] من أولاد الإبل في الدية وغيرها لغوا ، يقال منه: لغا يلغو ، وتقول: لغي بالأمر: إذا لهج به . وقيل: إن اشتقاق اللغة منه [أي: يلهج صاحبها بها ] وفي المراد باللغو هاهنا خمسة أقوال . أحدها: أن يحلف على الشيء يظن أنه كما حلف ، ثم يتبين له أنه بخلافه . وإلى هذا المعنى ذهب أبو هريرة ، وابن عباس ، والحسن ، وعطاء ، والشعبي ، وابن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي عن أشياخه ، ومالك ، ومقاتل . والثاني: أنه: لا والله ، وبلى والله ، من غير قصد لعقد اليمين ، وهو قول عائشة ، وطاووس ، وعروة ، والنخعي ، [ ص: 255 ] والشافعي . واستدل أرباب هذا القول بقوله تعالى: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم وكسب القلب: عقده وقصده ، وهذان القولان منقولان عن الإمام أحمد ، روى عنه ابنه عبد الله أنه قال: اللغو عندي أن يحلف على اليمين ، يرى أنها كذلك ، ولا كفارة . والرجل يحلف ولا يعقد قلبه على شيء ، فلا كفارة . والثالث: أنه يمين الرجل وهو غضبان ، رواه طاووس عن ابن عباس . والرابع: أنه حلف الرجل على معصية ، فليحنث ، وليكفر ، ولا إثم عليه . قاله سعيد بن جبير . والخامس: أن يحلف الرجل على شيء ، ثم ينساه . قاله النخعي . وقول عائشة أصح الجميع . قال حنبل: سئل أحمد عن اللغو فقال: الرجل يحلف فيقول: لا والله ، وبلى والله ، لا يريد عقد اليمين ، فإذا عقد على اليمين لزمته الكفارة .

قوله تعالى: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم قال مجاهد: أي: ما عقدت عليه قلوبكم "والحليم": ذو الصفح الذي لا يستفزه غضب ، فيعجل ، ولا يستخفه جهل جأهل مع قدرته على العقوبة . قال أبو سليمان الخطابي: ولا يستحق اسم الحليم من سامح مع العجز عن المجازاة ، إنما الحليم الصفوح مع القدرة ، المتأني الذي لا يعجل بالعقوبة . وقد أنعم بعض الشعراء أبياتا في هذا المعنى فقال:


لا يدرك المجد أقوام وإن كرموا حتى يذلوا وإن عزوا لأقوام

ويشتموا فترى الألوان مسفرة
لا صفح ذل ولكن صفح أحلام


قال ، ويقال: حلم الرجل يحلم حلما بضم اللام في الماضي والمستقبل . وحلم في النوم ، بفتح اللام ، يحلم حلما ، اللام في المستقبل والحاء في المصدر مضمومتان .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #47  
قديم 12-01-2022, 11:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (47)

صــ256 إلى صــ 260

فصل

الإيمان على ضربين ، ماض ومستقبل ، فالماضي على ضربين: يمين محرمة ، وهي: [ ص: 256 ] اليمين الكاذبة ، وهي أن يقول: والله ما فعلت ، وقد فعل . أو: لقد فعلت ، وما فعل . ويمين مباحة ، وهي أن يكون صادقا في قوله: ما فعلت . أو: لقد فعلت . والمستقبلة على خمسة أقسام . أحدها: يمين عقدها طاعة ، والمقام عليها طاعة ، وحلها معصية ، مثل أن يحلف ، لأصلين الخمس ، ولأصومن رمضان ، أو شربت الخمر . والثاني: عقدها معصية ، والمقام عليها معصية ، وحلها طاعة ، وهي عكس الأولى . والثالث: يمين عقدها طاعة ، والمقام عليها طاعة ، وحلها مكروه ، مثل أن يحلف: ليفعلن النوافل من العبادات . والرابع: يمين عقدها مكروه ، والمقام عليها مكروه ، وحلها طاعة ، وهي عكس التي قبلها . والخامس: يمين عقدها مباح ، والمقام عليها مباح ، وحلها مباح . مثل أن يحلف: لا دخلت بلدا فيه من يظلم الناس ، ولا سلكت طريقا مخوفا ، ونحو ذلك .
للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم .

قوله تعالى: للذين يؤلون من نسائهم قال ابن عباس: كان أهل الجاهلية إذا طلب الرجل من امرأته شيئا ، فأبت أن تعطيه; حلف أن لا يقربها السنة ، والسنتين ، والثلاث ، فيدعها لا أيما ، ولا ذات بعل ، فلما كان الإسلام ، جعل الله ذلك أربعة أشهر ، فأنزل الله هذه الآية . وقال سعيد بن المسيب: كان الإيلاء ضرار أهل الجاهلية ، وكان الرجل لا يريد المرأة ، ولا يحب أن يتزوجها غيره ، فيحلف أن لا يقربها أبدا ، فجعل الله تعالى الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة أربعة أشهر ، وأنزل هذه الآية . قال ابن قتيبة: يؤلون ، أي: يحلفون . يقال: آليت من امرأتي ، أولي إيلاء: إذا حلف لا يجامعها . والاسم: الألية . وقال الزجاج: يقال من الإيلاء: آليت أولي إيلاء وألية وألوة وألوة وإلوة ، وهي بالكسر أقل اللغات ، قال كثير:


قيل الألايا حافظ ليمينه وإن بدرت منه الألية برت
[ ص: 257 ] وحكى ابن الأنباري عن بعض اللغويين أنه قال: "من" بمعنى: "في" أو: "على" والتقدير: يحلفون على وطء نسائهم ، فحذف الوطء ، وأقام النساء مقامه ، كقوله تعالى: ما وعدتنا على رسلك [ آل عمران: 194 ] . أي: على ألسنة رسلك . وقيل: في الكلام حذف ، تقديره: يؤلون ، يعتزلون من نسائهم . والتربص: الانتظار . ولا يكون مؤليا إلا إذا حلف بالله أن لا يصيب زوجته أكثر من أربعة أشهر ، فإن حلف على أربعة أشهر فما دون ذلك ، لم يكن مؤليا . وهذا قول مالك ، وأحمد ، والشافعي . وفاؤوا: رجعوا ، ومعناه: رجعوا إلى الجماع ، قاله علي ، وابن عباس ، وابن جبير ، ومسروق ، والشعبي . وإذا كان للمؤلي عذر لا يقدر معه على الجماع ، فإنه يقول: متى قدرت جامعتها ، فيكون ذلك من قوله فيئة; فمتى قدر فلم يفعل ، أمر بالطلاق ، فإن لم يطلق ، طلق الحاكم عليه .

قوله تعالى: فإن الله غفور رحيم قال علي ، وابن عباس: غفور لإثم اليمين .
وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم .

قوله تعالى: وإن عزموا الطلاق أي: حققوه . وفي عزم الطلاق قولان .

أحدهما: أنه إذا مضت الأربعة الأشهر استحق عليه أن يفيء ، أو يطلق ، وهو مروي عن عمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن عمر ، وسهل بن سعد ، وعائشة ، وطاووس ، ومجاهد ، والحكم ، وأبي صالح . وحكاه أبو صالح عن اثني عشر رجلا من الصحابة ، وهو قول مالك ، وأحمد ، والشافعي .

والثاني: أنه لا يفيء حتى يمضي أربعة أشهر ، فتطلق بذلك من غير أن يتكلم بطلاق . واختلف أرباب هذا القول فيما يلحقها من الطلاق على قولين . أحدهما: طلقة بائنة . روي عن عثمان ، وعلي ، وابن عمر ، وزيد بن ثابت ، وقبيصة بن ذؤيب . والثاني: طلقة رجعية ، روي عن سعيد بن المسيب ، وأبي بكر بن عبد الرحمن ، وابن شبرمة .

[ ص: 258 ] قوله تعالى: (فإن الله سميع عليم) فيه قولان . أحدهما: سميع لطلاقه ، عليم بنيته . والثاني سميع ليمينه ، عليم بها .
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم .

قوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء سبب نزولها: أن المرأة كانت إذا طلقت وهي راغبة في زوجها ، قالت: أنا حبلى ، وليست حبلى ، لكي يراجعها ، وإن كانت حبلى وهي كارهة ، قالت: لست بحبلى ، لكي لا يقدر على مراجعتها . فلما جاء الإسلام ثبتوا على هذا ، فنزل قوله تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة [ الطلاق: 1 ] ثم نزلت: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء . رواه أبو صالح عن ابن عباس .

فأما التفسير; فالطلاق: التخلية . قال ابن الأنباري: هي من قول العرب: أطلقت الناقة ، فطلقت: إذا كانت مشدودة ، فأزلت الشد عنها ، وخليتها ، فشبه ما يقع للمرأة بذلك ، لأنها كانت متصلة الأسباب بالرجل ، وكانت الأسباب كالشد لها ، فلما طلقها قطع الأسباب . ويقال: طلقت المرأة ، وطلقت . وقال غيره: الطلاق: من أطلقت الشيء من يدي ، إلا أنهم لكثرة استعمالهم اللفظتين فرقوا بينهما ، ليكون التطليق مقصورا في الزوجات . وأما القروء: فيراد بها: الإطهار ، ويراد بها الحيض . يقال: أقرأت المرأة إذا حاضت ، وأقرأت: إذا طهرت . قال النبي صلى الله عليه وسلم في المستحاضة: "تقعد أيام إقرائها" يريد: أيام حيضها . وقال الأعشى:

[ ص: 259 ]
وفي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها عزيم عزائكا

مورثة مالا وفي الحي رفعة
لما ضاع فيها من قروء نسائكا


أراد بالقروء: الأطهار ، لأنه لما خرج عن نسائه أضاع أطهارهن . واختلف أهل اللغة في أصل القروء على قولين . أحدهما: أن أصله الوقت ، يقال: رجع فلان لقرئه ، أي: لوقته الذي كان يرجع فيه ، [ورجع لقارئه أيضا ] قال الهذلي:


كرهت العقر عقر بني شليل إذا هبت لقارئها الرياح


فالحيض يأتي لوقت ، والطهر يأتي لوقت ، هذا قول ابن قتيبة . والثاني: أن أصله الجمع . وقولهم: قرأت القرآن ، أي: لفظت به مجموعا . والقرء: اجتماع الدم في البدن ، وذلك إنما يكون في الطهر ، وقد يجوز أن يكون اجتماعه في الرحم ، وكلاهما حسن ، هذا قول الزجاج .

واختلف الفقهاء في الأقراء على قولين . أحدهما: أنها الحيض . روي عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وأبي موسى ، وعبادة بن الصامت ، وأبي الدرداء ، وعكرمة ، والضحاك ، والسدي ، وسفيان الثوري ، والأوزاعي ، والحسن بن صالح ، وأبي حنيفة وأصحابه ، وأحمد بن حنبل رضي الله عنه فإنه قال: قد كنت أقول: القروء: الأطهار ، وأنا اليوم أذهب إلى أنها الحيض . والثاني: أنها الأطهار . روي عن زيد بن ثابت ، وابن عمر ، [ ص: 260 ] وعائشة ، والزهري ، وأبان بن عثمان ، ومالك بن أنس ، والشافعي ، وأومأ إليه أحمد .

ولفظ قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن) لفظ الخبر ، ومعناه: الأمر ، كقوله تعالى: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين وقد يأتي لفظ الأمر في معنى الخبر كقوله تعالى: فليمدد له الرحمن مدا [ مريم: 75 ] . والمراد بالمطلقات في هذه الآية ، البالغات ، المدخول بهن ، غير الحوامل .

قوله تعالى: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن فيه ثلاثة أقوال . أحدها: أنه الحمل ، قاله عمر ، وابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، ومقاتل ، وابن قتيبة ، والزجاج . والثاني: أنه الحيض ، قاله عكرمة ، وعطية ، والنخعي ، والزهري . والثالث: الحمل والحيض قاله ابن عمر ، وابن زيد .

قوله تعالى: إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر خرج مخرج الوعيد لهن والتوكيد ، قال الزجاج: وهو كما تقول للرجل: إن كنت مؤمنا فلا تظلم وفي سبب وعيدهم بذلك قولان . أحدهما: أنه لأجل ما يستحقه الزوج من الرجعة قاله ابن عباس . والثاني: لأجل إلحاق الولد بغير أبيه ، قاله قتادة . وقيل كانت المرأة إذا رغبت في زوجها ، قالت: إني حائض ، وقد طهرت . وإذا زهدت فيه ، كتمت حيضها حتى تغتسل ، فتفوته .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #48  
قديم 12-01-2022, 11:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (48)

صــ261 إلى صــ 265

والبعولة: الأزواج . و"ذلك" إشارة إلى العدة . قاله مجاهد ، والنخعي ، وقتادة ، في آخرين . وفي الآية دليل على أن خصوص آخر اللفظ لا يمنع عموم أوله . ولا يوجب تخصيصه ، لأن قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن) عام في المبتوتات والرجعيات ، وقوله [ ص: 261 ] تعالى: وبعولتهن أحق بردهن خاص في الرجعيات .

قوله تعالى: (إن أرادوا إصلاحا) قيل: إن الرجل كان إذا أراد الإضرار بامرأته ، طلقها واحدة وتركها ، فإذا قارب انقضاء عدتها راجعها ، ثم تركها مدة ، ثم طلقها ، فنهوا عن ذلك . وظاهر الآية يقتضي أنه إنما يملك الرجعة على غير وجه المضارة بتطويل العدة عليها ، غير أنه قد دل قوله تعالى: ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا على صحة الرجعة وإن قصد الضرار ، لأن الرجعة لو لم تكن صحيحة إذا وقعت على وجه الضرار; لما كان ظالما بفعلها .

قوله تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وهو: المعاشرة الحسنة ، والصحبة الجميلة . روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن حق المرأة على الزوج ، فقال: "أن يطعمها إذا طعم ، ويكسوها إذا اكتسى ، ولا يضرب الوجه ، ولا يقبح ، ولا يهجر إلا في البيت" وقال ابن عباس: إني أحب أن أتزين للمرأة ، كما أحب أن تتزين لي ، لهذه الآية .

قوله تعالى: وللرجال عليهن درجة قال ابن عباس: بما ساق إليها من المهر ، وأنفق عليها من المال . وقال مجاهد: بالجهاد والميراث . وقال أبو مالك: يطلقها ، وليس لها من الأمر شيء . وقال الزجاج: تنال منه من اللذة كما ينال منها ، وله الفضل بنفقته . وروى أبو هريرة [ ص: 262 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" . وقالت ابنة سعيد بن المسيب: ما كنا نكلم أزواجنا إلا كما تكلمون أمراءكم .

فصل

اختلف العلماء في هذه الآية: هل تدخل في الآيات المنسوخات أم لا؟ على قولين . أحدهما: أنها تدخل في ذلك . واختلف هؤلاء في المنسوخ منها ، فقال قوم: المنسوخ منها قوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وقالوا: فكان يجب على كل مطلقة أن تعتد بثلاثة قروء ، فنسخ حكم الحامل بقوله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن [ الطلاق: 4 ] . وحكم المطلقة قبل الدخول بقوله تعالى: إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها [ الطلاق: 1 ] . وهذا مروي عن ابن عباس ، والضحاك في آخرين . وقال قوم: أولها محكم ، والمنسوخ قوله تعالى: وبعولتهن أحق بردهن قالوا: كان الرجل إذا طلق امرأته كان أحق برجعتها ، سواء كان الطلاق ثلاثا ، أو دون ذلك ، فنسخ بقوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره والقول الثاني: أن الآية كلها محكمة ، فأولها عام . والآيات الواردة في العدد ، خصت ذلك من العموم ، وليس بنسخ . وأما ما قيل في الارتجاع ، فقد ذكرنا أن معنى قوله تعالى: وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ، أي: في العدة قبل انقضاء القروء الثلاثة ، وهذا القول هو الصحيح .
الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون [ ص: 263 ] قوله تعالى: الطلاق مرتان سبب نزولها ، أن الرجل كان يطلق امرأته ، ثم يراجعها ليس لذلك شيء ينتهي إليه ، فقال رجل من الأنصار لامرأته: والله لا أؤويك إلي أبدا ولا أدعك تحلين مني . فقالت كيف ذلك؟ قال أطلقك ، فإذا دنا أجلك ، راجعتك ، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ذلك ، فنزلت هذه الآية ، فاستقبلها الناس [جديدا ] من كان طلق ، ومن لم يكن طلق . رواه هشام بن عروة عن أبيه .

فأما التفسير ففي قوله تعالى: الطلاق مرتان قولان . أحدهما: أنه بيان لسنة الطلاق ، وأن يوقع في كل قرء طلقة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد . والثاني: أنه بيان للطلاق الذي يملك معه الرجعة ، قاله عروة ، وقتادة ، وابن قتيبة ، والزجاج في آخرين .

قوله تعالى: فإمساك بمعروف معناه: فالواجب عليكم إمساك بمعروف ، وهو ما يعرف من إقامة الحق في إمساك المرأة . وقال عطاء ، ومجاهد ، والضحاك ، والسدي: المراد بقوله تعالى: (فإمساك بمعروف): الرجعة بعد الثانية . وفي قوله تعالى: أو تسريح بإحسان قولان . أحدهما: أن المراد به الطلقة الثالثة ، قاله عطاء ، ومجاهد ، ومقاتل . والثاني: أنه الإمساك عن رجعتها حتى تنقضي عدتها ، قاله الضحاك ، والسدي . قال القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء: وهذا هو الصحيح ، أنه قال عقيب الآية: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره والمراد بهذه الطلقة: الثالثة بلا شك ، فيجب إذن أن يحمل قوله تعالى: (أو تسريح بإحسان) على تركها حتى تنقضي عدتها ، لأنه إن حمل على الثالثة ، وجب أن يحمل قوله تعالى: (فإن طلقها) على رابعة ، وهذا لا يجوز .

[ ص: 264 ] فصل

الطلاق على أربعة أضرب:

واجب ، ومندوب إليه ، ومحظور ، ومكروه . فالواجب: طلاق المؤلي بعد التربص ، إذا لم يفئ ، وطلاق الحكمين في شقاق الزوجين ، إذا رأيا الفرقة . والمندوب: إذا لم يتفقا ، واشتد الشقاق بينهما ، ليتخلصا من الإثم . والمحظور: في الحيض ، إذا كانت مدخولا بها ، وفي طهر جامعها فيه قبل أن تطهر . والمكروه: إذا كانت حالهما مستقيمة ، وكل واحد منهما قيم بحق صاحبه .

قوله تعالى: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا نزلت في ثابت بن قيس بن شماس ، أتت زوجته إلى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فقالت: والله ما أعيب على ثابت في دين ولا خلق ، ولكني [أكره الكفر في الإسلام ] لا أطيقه بغضا . فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أتردين عليه حديقته؟" قالت: نعم . فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يأخذها ، ولا يزداد . رواه عكرمة عن ابن عباس واختلفوا في اسم زوجته ، فقال ابن عباس: جميلة . ونسبها يحيى ابن أبي كثير ، فقال: جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول ، وكناها مقاتل ، فقال: أم حبيبة بنت عبد الله بن أبي . وقال آخرون . إنما هي جميلة أخت عبد الله بن أبي . وروى يحيى بن سعيد عن عمرة روايتين . إحداهما: أنها حبيبة بنت سهل . والثانية: سهلة بنت حبيب .

[ ص: 265 ] وهذا الخلع أول خلع كان في الإسلام . والخوف في الآية بمعنى: العلم: قال أبو عبيد: معنى قوله: (ألا يخافا) : يوقنا . والحدود قد سبق بيان معناها .

ومعنى الآية: أن المرأة إذا خافت أن تعصي الله في أمر زوجها لبغضها إياه ، وخاف الزوج أن يعتدي عليها لامتناعها عن طاعته; جاز له أن يأخذ منها الفدية ، إذا طلبت ذلك . هذا على قراءة الجمهور في فتح "ياء" (يخافا) وقرأ الحسن ، ومجاهد ، وأبو جعفر ، وحمزة ، والأعمش: (يخافا) بضم الياء .

قوله تعالى: (فإن خفتم) قال قتادة: هو خطاب للولاة فلا جناح عليهما على المرأة (فيما افتدت به) وعلى الزوج فيما أخذ ، لأنه ثمن حقه . وقال الفراء: يجوز أن يراد الزوج وحده ، وإن كانا قد ذكرا جميعا ، كقوله تعالى: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان [ الرحمن: 22 ] . وإنما يخرج من أحدهما . وقوله: نسيا حوتهما [ الكهف: 61 ] وإنما نسي أحدهما .

فصل

وهل يجوز له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها؟ فيه قولان . أحدهما: يجوز ، وبه قال عمر بن الخطاب ، وعثمان ، وعلي ، وابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، والنخعي ، والضحاك ، ومالك ، والشافعي . والثاني: لا يجوز ، وبه قال سعيد بن المسيب ، وعطاء ، والشعبي ، وطاووس ، وابن جبير ، والزهري ، وأحمد بن حنبل ، وقد نقل عن علي ، والحسن أيضا . وهل يجوز الخلع دون السلطان؟ قال عمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن عمر ، وطاووس ، وشريح ، والزهري: يجوز ، وهو قول جمهور العلماء . وقال الحسن ، وابن سيرين ، وقتادة: لا يجوز إلا عند السلطان .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #49  
قديم 12-01-2022, 11:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (49)

صــ266 إلى صــ 270

فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون .

قوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ذكر مقاتل أن هذه الآية نزلت في تميمة بنت وهب بن عتيك النضيري ، وفي زوجها رفاعة بن عبد الرحمن القرظي . وقال غير مقاتل: إنها عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك ، كانت تحت رفاعة بن وهب بن عتيك وهو ابن عمها ، فطلقها ثلاثا ، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير ، ثم طلقها ، فأتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت: إني كنت عند رفاعة ، فطلقني ، فأبت طلاقي ، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير ، وإنه طلقني قبل أن يمسني ، أفأرجع إلى ابن عمي؟ فتبسم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وقال: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" .

قوله تعالى: (فإن طلقها) يعني: الزوج المطلق مرتين . قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة: هي الطلقة الثالثة . واعلم أن الله تعالى عاد بهذه الآية بعد الكلام في حكم الخلع إلى تمام الكلام في الطلاق .

قوله تعالى: (فإن طلقها) يعني: الثاني (فلا جناح عليهما) يعني: المرأة ، والزوج الأول إن ظنا أن يقيما حدود الله قال طاووس: ما فرض الله على كل واحد منهما من حسن العشرة والصحبة .

قوله تعالى: وتلك حدود الله يبينها قراءة الجمهور (يبينها) بالياء . وقرأ الحسن ، ومجاهد ، والمفضل عن عاصم بالنون (لقوم يعلمون) قال الزجاج: يعلمون أن أمر الله حق .
[ ص: 267 ] وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم .

قوله تعالى: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن قال ابن عباس: كان الرجل يطلق امرأته ، ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها ، ثم يطلقها [يفعل ذلك ] ، يضارها [ويعضلها ] بذلك ، فنزلت هذه الآية . والأجل هاهنا: زمان العدة . ومعنى البلوغ هاهنا: مقاربة الأجل دون حقيقة الانتهاء إليه ، يقال: بلغت المدينة: إذا قاربتها ، وبلغتها: إذا دخلها . وإنما حمل العلماء هذا البلوغ على المقاربة ، لأنه ليس بعد انقضاء العدة رجعة .

قوله تعالى: فأمسكوهن بمعروف قال ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة: المراد به الرجعة قبل انقضاء العدة .

قوله تعالى: أو سرحوهن بمعروف وهو تركها حتى تنقضي عدتها . والمعروف في الإمساك: القيام بما يجب لها من حق . والمعروف في التسريح: أن لا يقصد إضرارها ، بأن يطيل عدتها بالمراجعة ، وهو معنى قوله: ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا قاله الحسن ، ومجاهد ، وقتادة في آخرين . وقال الضحاك: إنما كنوا يضارون المرأة لتفتدي (ومن يفعل ذلك) الاعتداء ، (فقد ظلم نفسه) بارتكاب الإثم .

قوله تعالى: ولا تتخذوا آيات الله هزوا فيه قولان . أحدهما: أنه الرجل يطلق ، أو يراجع ، أو يعتق ، ويقول: كنت لاعبا . روي عن عمر ، وأبي الدرداء ، والحسن . والثاني: أنه المضار بزوجته في تطويل عدتها بالمراجعة والطلاق . قاله مسروق ، ومقاتل .
[ ص: 268 ] واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به قال ابن عباس: احفظوا منته عليكم بالإسلام . قال ، والكتاب: القرآن . والحكمة: الفقه . (واتقوا الله) في الضرار (واعلموا أن الله بكل شيء) به وبغيره (عليم) .
وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون .

قوله تعالى: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن في سبب نزولها قولان . أحدهما: ما روى الحسن أن معقل بن يسار زوج أخته من رجل من المسلمين ، فكانت عنده ما كانت ، فطلقها تطليقة [ثم تركها ] ومضت العدة ، فكانت أحق بنفسها ، فخطبها مع الخطاب ، فرضيت أن ترجع إليه ، فخطبها إلى معقل ، فغضب معقل ، وقال: أكرمتك بها ، فطلقتها؟! لا والله! لا ترجع إليك آخر ما عليك . قال الحسن: فعلم الله ، عز وجل ، حاجة الرجل إلى امرأته ، وحاجة المرأة إلى بعلها ، فنزلت هذه الآية ، فسمعها معقل ، فقال: سمعا لربي ، وطاعة ، فدعا زوجها ، فقال: أزوجك ، وأكرمك . ذكر عبد الغني الحافظ عن الكلبي أنه سمى هذه المرأة ، فقال: جميلة بنت يسار . والثاني: أن جابر بن عبد الله الأنصاري كانت له ابنة عم ، فطلقها زوجها تطليقة ، فانقضت عدتها ، ثم رجع يريد رجعتها ، فأبى جابر ، وقال: طلقت ابنة عمنا ، ثم تريد أن تنكحها الثانية؟! وكانت المرأة تريد زوجها ، قد راضته ، فنزلت هذه الآية ، قال السدي: [ ص: 269 ] فأما بلوغ الأجل في هذه الآية ، فهو انقضاء العدة ، بخلاف التي قبلها . قال الشافعي رضي الله عنه: دل اختلاف الكلامين على افتراق البلوغين .

قوله تعالى: (فلا تعضلوهن) خطاب للأولياء . قال ابن عباس ، وابن جبير ، وابن قتيبة في آخرين: معناه: لا تحبسوهن . والعرب تقول للشدائد: معضلات . وداء عضال: قد أعيا . قال أوس بن حجر:


وليس أخوك الدائم العهد بالذي يذمك إن ولى ويرضيك مقبلا

ولكنه النائي إذا كنت آمنا
وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا


وقالت ليلى الأخيلية:


إذا نزل الحجاج أرضا مريضة تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة سقاها


قال الزجاج: وأصل العضل ، من قولهم: عضلت الدجاجة ، فهي معضل: إذا احتبس بيضها ونشب فلم يخرج ، وعضلت الناقة أيضا: إذا احتبس ولدها في بطنها .

قوله تعالى: إذا تراضوا بينهم بالمعروف قال السدي ، وابن قتيبة: معناه: إذا تراضى الزوجان بالنكاح الصحيح . قال الشافعي: وهذه الآية أبين آية في أنه ليس للمرأة أن تتزوج إلا بولي .

قوله تعالى: ذلك يوعظ به قال مقاتل: الإشارة إلى نهي الولي عن المنع . قال الزجاج: إنما قال: "ذلك" ولم يقل: "ذلكم" وهو يخاطب جماعة ، لأن لفظ الجماعة لفظ الواحد ، والمعنى ذلك أيها القبيل .

[ ص: 270 ] قوله تعالى: ذلكم أزكى لكم يعني رد النساء إلى أزواجهن ، أفضل من التفرقة بينهم (وأطهر) أي: أنقى لقلوبكم من الريبة لئلا يكون هناك نوع محبة ، فيجتمعان على غير وجه صلاح .

قوله تعالى: والله يعلم وأنتم لا تعلمون فيه قولان . أحدهما: أن معناه: يعلم ود كل واحد منهما لصحابه ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، والثاني: يعلم مصالحكم عاجلا وآجلا ، قاله الزجاج في آخرين .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #50  
قديم 12-01-2022, 11:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (50)

صــ271 إلى صــ 275

والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير .

قوله تعالى: والوالدات يرضعن أولادهن لفظه لفظ الخبر ، ومعناه الأمر ، كقوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [ البقرة: 228 ] وقال القاضي أبو يعلى: وهذا الأمر انصرف إلى الآباء ، لأن عليهم الاسترضاع ، لا إلى الوالدات ، بدليل قوله تعالى: وعلى المولود له رزقهن و قوله تعالى: فآتوهن أجورهن [ النساء: 24 ] فلو كان متحتما على الوالدة ، لم تستحق الأجرة . وهل هذا عام في جميع الوالدات؟ فيه قولان . أحدهما: أنه خاص في المطلقات ، قاله سعيد بن جبير ، ومجاهد ، والضحاك ، والسدي ، ومقاتل في آخرين . والثاني: أنه عام في الزوجات والمطلقات ، ولهذا نقول: لها أن تؤجر نفسها لرضاع ولدها ، سواء كانت مع الزوج ، أو مطلقة ، قاله القاضي أبو يعلى ، وأبو سليمان الدمشقي في آخرين . والحول: السنة ، وفي قوله: (كاملين) قولان . أحدهما: أنه دخل للتوكيد ، [ ص: 271 ] كقوله تعالى: تلك عشرة كاملة [ البقرة: 196 ] . والثاني: أنه لما جاز أن يقول: "حولين" ويريد أقل منهما ، كما قال: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه [ البقرة: 203 ] ومعلوم أنه يتعجل في يوم ، وبعض آخر . وتقول العرب ، لم أر فلانا منذ يومين ، وإنما يريدون: يوما وبعض آخر ، قال: كاملين لتبيين أنه لا يجوز أن ينقص منهما ، وهذا قول الزجاج ، والفراء .

فصل

واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذا القدر من الآية ، فقال بعضهم: هو محكم ، والمقصود منه بيان مدة الرضاع ، ويتعلق به أحكام ، منها أنه كمال الرضاع ، ومنها أنه يلزم الأب نفقة الرضاع مدة الحولين ، ويجبره الحاكم على ذلك ، ومنها أنه يثتب تحريم الرضاع في مدة الحولين ، ولا يثبت فيما زاد ، ونقل عن قتادة ، والربيع بن أنس في آخرين أنه منسوخ بقوله تعالى: فإن أرادا فصالا عن تراض منهما قال شيخنا علي بن عبيد الله: وهذا قول بعيد ، لأن الله تعالى قال في أولها: لمن أراد أن يتم الرضاعة فلما قال في الثاني: فإن أرادا فصالا عن تراض منهما خير بين الإرادتين ، وذلك لا يعار ض المدة المقدرة في التمام .

قوله تعالى: لمن أراد أن يتم الرضاعة أي: هذا التقدير بالحولين لمريدي إتمام الرضاعة . وقرأ مجاهد بتاءين "أن يتم الرضاعة" وبالرفع ، وهي رواية الحلبي عن عبد الوارث . وقد نبه ذكر التمام على نفي حكم الرضاع بعد الحولين ، وأكثر القراء على فتح راء "الرضاعة" وقرأ طلحة بن مصرف ، وابن أبي عبلة ، وأبو رجاء ، بكسرها ، قال الزجاج: يقال: الرضاعة بفتح الراء وكسرها ، والفتح أكثر ويقال: ما حمله على ذلك إلا اللؤم والرضاعة بالفتح هاهنا لا غير .

[ ص: 272 ] قوله تعالى: (وعلى المولود له) يعني: الأب . (رزقهن وكسوتهن) يعني: المرضعات . وفي قوله: (بالمعروف) دلالة على أن الواجب على قدر حال الرجل في إعساره ويساره ، إذ ليس من المعروف إلزام المعسر مالا يطيقه ، ولا الموسر النزر الطفيف . وفي الآية دليل على تسويغ اجتهاد الرأي في أحكام الحوادث ، إذ لا يتوصل إلى تقدير النفقة بالمعروف إلا من جهة غالب الظن ، إذ هو معتبر بالعادة .

قوله تعالى: لا تكلف نفس إلا وسعها أي: إلا ما تطيقه ، لا تضار والدة بولدها قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبان عن عاصم (لا تضار) برفع الراء ، وقرأ نافع ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي بنصبها ، قال أبو علي: من رفع ، فلأجل المرفوع قبله ، وهو "لا تكلف" فأتبعه بما قبله ليقع تشابه اللفظ ، ومن نصب جعله أمرا ، وفتح الراء لتكون حركته موافقة لما قبلها وهو الألف ، قال ابن قتيبة: معناه: لا تضارر ، فأدغمت الراء في الراء . وقال سعيد بن جبير : لا يحملن المطلقة مضارة الزوج أن تلقي إليه ولده . وقال مجاهد: لا تأبى أن ترضعه ضرارا بأبيه ، ولا يضار الوالد بولده ، فيمنع أمه أن ترضعه ، ليحزنها بذلك . وقال عطاء ، وقتادة ، والزهري ، وسفيان ، والسدي في آخرين: إذا رضيت بما يرضى به غيرها ، فهي أحق به . وقرأ أبو جعفر "لا تضار" بتخفيفها وإسكانها .

قوله تعالى: وعلى الوارث فيه أربعة أقوال . أحدها: أنه وارث المولود ، وهو قول عطاء ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وابن أبي ليلى ، وقتادة ، والسدي ، والحسن بن صالح ، ومقاتل في آخرين . واختلف أرباب هذا القول ، فقال بعضهم: هو وارث المولود من عصبته ، كائنا من كان ، وهذا مروي عن عمر ، وعطاء ، والحسن ، ومجاهد ، وإبراهيم ، وسفيان . وقال بعضهم: هو وارث المولود على الإطلاق من الرجال والنساء ، روي عن ابن أبي ليلى ، وقتادة ، والحسن بن صالح ، وإسحاق ، وأحمد بن حنبل . وقال آخرون: [ ص: 273 ] هو من كان ذا رحم محرم من ورثة المولود ، روي عن أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد . والقول الثاني: أن المراد بالوارث هاهنا ، وارث الوالد ، روي عن الحسن والسدي . والثالث: أن المراد بالوارث الباقي من والدي الولد بعد وفاة الآخر ، روي عن سفيان . والرابع: أنه أريد بالوارث الصبي نفسه ، والنفقة عليه ، فإن لم يملك شيئا ، فعلى عصبته ، قاله الضحاك ، وقبيصة بن ذؤيب . قال شيخنا علي بن عبيد الله: وهذا القول لا ينافي قول من قال: المراد بالوارث وارث الصبي ، لأن النفقة تجب للموروث على الوارث إذا ثبت إعسار المنفق عليه . وفي قوله تعالى: (مثل ذلك) ثلاثة أقوال . أحدها: أنه الإشارة إلى أجرة الرضاع والنفقة ، روي عن عمر ، وزيد بن ثابت ، والحسن ، وعطاء ، ومجاهد ، وإبراهيم ، وقتادة ، وقبيصة بن ذؤيب ، والسدي ، واختاره ابن قتيبة . والثاني: أن الإشارة بذلك إلى النهي عن الضرار ، روي عن ابن عباس ، والشعبي ، والزهري . واختاره الزجاج . والثالث: أنه إشارة إلى جميع ذلك ، روي عن سعيد بن جبير ، ومجاهد ، ومقاتل ، وأبي سليمان الدمشقي ، واختاره القاضي أبو يعلى . ويشهد لهذا أنه معطوف على ما قبله ، وقد ثبت أن على المولود له النفقة والكسوة ، وأن لا يضار ، فيجب أن يكون قوله: (مثل ذلك) مشيرا إلى جميع ما على المولود له .

قوله تعالى: فإن أرادا فصالا عن تراض الفصال: الفطام . قال ابن قتيبة: يقال: فصلت الصبي أمه: إذا فطمته . ومنه قيل للحوار إذا قطع عن الرضاع: فصيل ، لأنه فصل عن أمه ، وأصل الفصل: التفريق . قال مجاهد: التشاور فيما دون الحولين إن أرادت أن تفطم وأبى ، فليس لها ، وإن أراد هو ، ولم ترد ، فليس له ذلك حتى يقع ذلك عن تراض منهما وتشاور ، يقول: غير مسيئين إلى أنفسهما وإلى صبيهما .

قوله تعالى: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم قال الزجاج: أي: لأولادكم . قال مقاتل: إذا لم ترض الأم بما يرضى به غيرها ، فلا حرج على الأب أن سترضع لولده . [ ص: 274 ] وفي قوله تعالى: إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف قولان . أحدهما: إذا سلمتم أيها الآباء إلى أمهات الأولاد أجور ما أرضعن قبل امتناعهن ، قاله مجاهد ، والسدي . والثاني: إذا سلمتم إلى الظئر أجرها بالمعروف ، قاله سعيد بن جبير ، ومقاتل . وقرأ ابن كثير (ما أتيتم) بالقصر ، قال أبو علي: وجهه أن يقدر فيه: ما أتيتم نقده أو سوقه ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه [فكأن التقدير ما آتيتموه ثم حذف الضمير من الصلة ] كما تقول: أتيت جميلا ، أي: فعلته .
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير .

قوله تعالى: والذين يتوفون منكم أي: يقبضون بالموت . وقرأ المفضل عن عاصم "يتوفون" بفتح الياء في الموضعين . قال ابن قتيبة: هو من استيفاء العدد ، واستيفاء الشيء: أن نستقصيه كله ، يقال: توفيته واستوفيته ، كما يقال: تيقنت الخير واستيقنته ، هذا الأصل ، ثم قيل للموت: وفاة وتوف (ويتربصن) ينتظرن وقال الفراء: وإنما قال: (وعشرا) ولم يقل: عشرة ، لأن العرب إذا أبهمت العدد من الليالي والأيام ، غلبوا عليه الليالي ، حتى أنهم ليقولون: صمنا عشرا من شهر رمضان ، لكثرة تغليبهم الليالي على الأيام ، فإذا أظهروا مع العدد تفسيره ، كانت الإناث بغير هاء ، والذكور بالهاء كقوله تعالى: سخرها عليهم سبع ليال [ ص: 275 ] وثمانية أيام حسوما [ الحاقة: 7 ] . فإن قيل: ما وجه الحكمة في زيادة هذه العشرة؟ فالجواب: أنه يبين صحة الحمل بنفخ الروح فيه ، قاله سعيد بن المسيب ، وأبو العالية ، ويشهد له الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما [نطفة ] ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل إليه الملك ، فينفخ فيه الروح" .

فصل

وهذه الآية ناسخة للتي تشابهها ، وهي تأتي بعد آيات ، وهي قوله: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول [ البقرة: 240 ] . لأن تلك كانت تقتضي وجوب العدة سنة ، وسنذكر ما يتعلق بها هنالك ، إن شاء الله . فأما التي نحن في تفسيرها: فقد روي عن ابن عباس أنه قال: نسختها وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن [ الطلاق: 4 ] . والصحيح: أنها عامة دخلها التخصيص ، لأن ظاهرها يقتضي وجوب العدة على المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ، سواء كانت حاملا ، أو غير حامل ، غير أن قوله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن خص أولات الحمل ، وهي خاصة أيضا في الحرائر ، فإن الأمة عدتها شهران وخمسة أيام ، فبان أنها من العام الذي دخله التخصيص .

قوله تعالى: فإذا بلغن أجلهن يعني: انقضاء العدة .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 229.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 223.63 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]