سؤال للعقلاء: ما الذي يؤخر الغيث من السماء؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854735 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389616 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-11-2021, 03:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي سؤال للعقلاء: ما الذي يؤخر الغيث من السماء؟

سؤال للعقلاء: ما الذي يؤخر الغيث من السماء؟
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد



إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ، فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَاْلْأَرْحَامِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ، وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 71]، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.


أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

سؤال للعقلاء: ما الذي يؤخِّر نزولَ الغيثِ من السماء؟
نحن تعوَّدْنا في سنين سابقة؛ أنَّ الغيث ينزل على هذه البلاد منذ شهر أو شهرين، وها نحن نراه قد تأخر كثيرا.

السببُ في ذلك؛ ذنوبُ العبادِ ومعاصيهم، وخطاياهم وجرائمُهم، فاعلموا يا عباد الله! أنّ الله جلَّ جلالُه، حَكَمٌ عَدْلٌ، لا يعاقب أحدًا بذنبٍ لم يرتكبه، أو جرم لم يجترحْه، فالذنوب هي التي تجلب العقوبات، قال سبحانه عنهم عن الأمم السابقة: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا ﴾ أرسل عليهم حجارةً نزلت عليهم من السماء وهم قوم لوطٍ عليه السلام حيث اقترفوا جريمة إتيان الذكران.

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ﴾: صوت عظيم، أخمدت منهم الأنفاس، وأسكتتْ منهم الأصوات، وهم قوم صالح عليه السلام، حيث قتلوا الناقةَ؛ مصْدرَ رزقهم، وآيةً من ربهم.

وقومُ شعيبٍ عليه السلام، أخذتهم الصيحة؛ حيث كانوا يطففون المكيالَ الميزان.

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ ﴾: زلزالٌ عظيم، انشقت الأرض وابتلعت من فوقها، وهو قارون حيث تكبَّر على الله، واتهم نبيّ الله موسى بما هو بريء منه.

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ﴾: انفتح البحر وانفلق، والتقم المذنبين، وهم فرعونُ ومَلَؤُه حيث عذبوا بني إسرائيل، وكذلك الذين عاندوا الله عزَّ وجلّ، وهم قوم نوحٍ عليه السلام، حيث احتقروا المؤمنين وظلموهم، قال سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾، [العنكبوت: 40])، وقال سبحانه: ﴿ فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا ﴾، [الشمس: 14]، فدمدم: أي جعل عاليها سافلها، بماذا؟ بذنبهم فسواها، أمطر عليها حجارة من سجيل، هذا كله بذنبهم، ﴿ فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا ﴾.

وبسببِ ذنوبنا نحن في هذا الزمان، تأخَّرت الأمطار، وانقلع عنا الغيثُ وانقطع، وتأخَّر نزولُ المطر على الناس والدواب، وعلى البلادِ والعباد، بذنوبنا سُلِّط علينا اليهود بجبروتهم وطغيانهم، فاضطهدوا هذا الشعب، فمنهم من قتلوا، ومنهم من أسروا واعتقلوا، ومنهم من جعلوه في عدادِ ذوي الحاجاتِ والاحتياجاتِ الخاصة، وبحروب مفتعلة؛ دمروا خلالها البيوتَ والمساكن، وخربوا المزارع والمصانع، وغير ذلك من الجرائم والفظائع، وبذنوبنا عاقبَ بعضُنا بعضًا، ووقعت الخلافاتُ بيننا، فتفرقنا ومُزِّقْنا كلّ ممزَّق، وبذنوبنا عوقبنا؛ فحُرِمنا من لقمة عيشٍ هنية، فلا عمل ولا شغل، وحوصرنا حصارًا ظالِمًا!

وتأخَّرت الأمطارُ، وتأخَّر الغيثُ بسبب ما قصَّرنا فيه من ذكرَ الله سبحانه، ومع كثرةِ ذنوبِنا المانعةِ من الغيث، أين التوبة؟ وأين الأوبة إلى الله العزيز الغفار؟ ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ[الشورى: 28].

أين حفاظنا على الطاعات والدعاء والأذكار؟ أين الاستغفارُ؛ الذي يجلب الغيث والأمطار؟ قال هود عليه السلام: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود: 52]، ونوح عليه السلام قال: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا، [نوح: 10- 13].

هكذا قال عنهم ربهم سبحانه الذي يعلمهم: ﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾، [الروم: 36، 37].

عبادَ الله، الجماداتُ من الأرضِ والسماوات كلُّها طائعةٌ لله، لا تَعصي الله لحظةً؛ بل ولا تتوقف ولا تتوانى عن طاعتِه طرفةً عين، قال سبحانه: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ[فصلت: 11]، وسائرُ الكائناتِ مما في الأرض والسماوات، وما بين ذلك، وما تحت العرش، وكلُّه أطوعُ لله من الناس، فهذا البساط والحصيرُ، الذي تجلس عليه أطوعُ لله منك، هذا السقف الذي فوقك، وتستظلُّ به، أطوعُ لله منك.

أيها الإنسان، أيها البشر، ولكن لماذا؟ هل هو أفضلُ منك أيها المؤمن؟
لا والله! التفضيلُ أمرٌ آخر، ولكنه أطوعُ، كما قال الله عز وجلّ: ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ ﴾ أي: استسلم وانقاد ﴿ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا: يعني رغمًا عنه أو بإرادته، كلُّه مسلم ومطيع لله، ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران: 83]، ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا ﴾، وكذلك تسجد الظلال أيضا قال: ﴿ وَظِلَالُهُمْ، حتى الظل يعبد الله عز وجل ويسجد ﴿ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ[الرعد: 15]، صباحًا ومساءً سُجَّدًا لله سبحانه.

الله يسرد الطائعين له وحده، لكن عندما يذكر الناس لا يذكر كلَّ الناس، فليس كلُّ الناس طائع، قال سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ﴾، لكن عند ذكر الناس قال: ﴿ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج: 18]، عَنْ عمرو بْنِ عَبَسَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا تَسْتَقِلُّ الشَّمْسُ"؛ أي: تظهر ويصير لها ظلٌّ كلّ يوم صباحًا، {فَيَبْقَى شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ إِلَّا سَبَّحَ اللهَ، إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الشَّيَاطِينِ، وَأَغْبِيَاءِ بَنِي آدَمَ"، قَالَ أحد الرواة وهو الْوَلِيدُ: فَسَأَلْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَمْرٍو: (مَا أَغْبِيَاءُ بَنِي آدَمَ؟!)، فَقَالَ: (شِرَارُ خَلْقِ اللهِ)، (مسند الشاميين) (960)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (5599).

وعن بُرَيدة رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم: "لَيْسَ شَيْءٌ" كلمةُ شيء؛ نكرةٌ، تفيد العموم والشمول، وكل شيء، "لَيْسَ شَيْءٌ؛ إلاَّ وهُو أَطْوَعُ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنَ ابْنِ آدَمَ"؛ (طص) (909)، الديلمي (4/ 48، رقم: 6149)، مسند البزار، البحر الزخار (10/ 271، رقم: 4374)، وحسنه في صحيح الجامع (5393).

وأحد العلماء من شراح الحديث وهو الفضيل بن عياض، قَالَ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رحمه الله لِابْنِهِ عَلِيٍّ الذي هو علَّمه وأدّبه، ويؤدّبه أكثر، فيقول لابنه علي: (يَا بُنَيَّ لَعَلَّكَ تَرَى أَنَّكَ مُطِيعٌ؟! لَصُرْصُرُ بْنُ صُرَاصِرِ الْحُشِّ أَطْوَعُ لِلَّهِ مِنْكَ)؛ أطوع لله من علي ابن العالم، لا يعصي الله أبدًا، والإنسان قد يعصي الله، يَعْنِي بِالصَّرْصَرِ الَّذِي يَصِيحُ بِاللَّيْلِ. حلية الأولياء (9/ 281، 282).

قَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ رحمه الله: (كَمْ مِنْ مَرْكُوبٍ) حمارٍ أو حصانٍ أو جملٍ، (خَيْرٌ مِنْ رَاكِبِهِ، وَأَطْوَعُ لِلَّهِ وَأَكْثَرُ ذِكْرًا)، شعب الإيمان (7/ 164)، رقم: (4825).

[حتى الجماد؛ نعم، حتى الجماد كالأرضِ التي خُلِقْت منها يا بن آدم؛ فإنها مجبورة، على الطاعة، ونفسُ الآدمي مفتونةٌ بالشهوات، فليست طاعةُ الأرضِ، ولا طاعةُ السماءِ، ولا طاعةُ سائرِ الخلْقِ، تشبهُ طاعةَ الآدميِّ؛ لأنَّ طاعتَه الآدمي يخرجُها من بين الشهواتِ والوساوسِ وعجائبِ القلب، فأمَّا أولئك الجمادات؛ فلم يُسَلَّطْ عليهم ذلك، فهم أسهلُ انقيادا]. فيض القدير (5/ 367).

لذلك كان للمعاصي والذنوبِ نتائجُ، كلُّ معصية لها نتيجةٌ، وعقوبةٌ تناسبها وتوافقُها، كما قال سبحانه:﴿ جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ: 26]، في الدنيا والآخرة، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "(يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا)؛ لم تظهر الفاحشة؛ الزنا، واللواط وأمور الجنس والعياذ بالله، وأمراضه، وما شابه ذلك، الفاحشة ما ظهرت في قوم، والظهور يصل إلى حدِّ الإعلام في الفضائيات، وعبر الإنترنت، وعبر الجوالات، وعبر الكتب والمجلات، ويكون تحقيقا على الواقع في البيوت؛ بيوتِ الدعارة، المرخَّص لها، أو بيوتٍ خفية في أماكن معينة، تبثُّ سمومًا أخرى، إذا ظهرت هذه وأَعلَن الناس بها، فالنتيجة والعقوبة؛ (إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ)، فالقوم الذين يعلنون بهذه؛ فليبشروا بالطاعون، فقط الطاعون؛ لا وإنما أمور أخرى غير الطاعون، مثل الكورونا، والأمراض، (وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا)، أوجاع لم تكن معروفة في السابق، الإيدز، الزهري، السيلان، وسَمِّ ما شئتَ من أمراض الجنس، وأمراضٍ ناتجةٍ عن اللواط، وناتجة عن الزنا، والعياذ بالله، فنتيجة هذه الفاحشة، هذه العقوبة، هذا في الدنيا، فكيف في الآخرة؟

يا عباد الله، إن لم يتب هؤلاء، عقوبتهم شديدة، نسأل الله التوبة، ومعصية أخرى؛ غير فشو الفاحشة؛ (وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ؛) نقص المكيال يا أصحاب الدكاكين، يا من تبيعون الناسَ لا تتخذوا مكيالين، مكيالٌ تكيلون به للناس، فتجعلونه ناقصًا، ومكيالٌ تكتالون به من الناس، فتجعلونه زائدًا، إذًا ماذا تكون النتيجة لو ظهر هذا في الناس؟ عندما ينقصوا المكيال، قال: (إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ)، بالقحط والجدب، وندرة في الأمطار، وقلة المادة، (وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ) وهو الشيء الذي يتموَّنه الإنسان، فهذا سيحصل عليه الإنسان بشدة وصعوبة ليتقوت به، نسأل الله السلامة، ليس هذا فقط، (وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ)، وجورِ الحكَّام والمسؤولين، هذا نتيجة لهذا فبعض الناس يعيش في قحط وجدب، وشدة المؤونة.

وفي كلِّ مكان تجد فيه شدةَ المؤونة، وجور السلطان، وظلم الحاكمِ على الناس؛ تعرفُ أنَّ سببَه نقصُ المكيال والميزان، ويدخل في ذلك عدد البضاعة يتلاعب بها، ويدخل في هذا الذراع والمساحة والمسافة، وما شابه ذلك، كله يدخل في نقص المكيال والميزان، وذنب آخر من الخمسة خاص بالأغنياء، وهو (وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ)، فمهما تكدَّس عنده من أموال، لا يخرج زكاة ماله، ماذا يحدث؟ (إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ)، الغيثُ من أين ينزل؟ ينزل من السماء، ما المانع له؟ عدم أداء الزكاة، وللهِ فيه حقٌّ، وللناس فيه حقٌّ، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فإن لم تفعل؛ (إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ؛) لكن ومع أنهم منعوا الزكاة، ومع ذلك قد ينزل المطر، رجاءً وأملًا في الله، وثقة فيما عند الله، وحُسنَ ظنٍّ بالله سيأتي المطر، لماذا هذا الظن؟!

قال: (وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا)، إذًا فنحن نعيش في كنف البهائم والضعفاء والمساكين، في كنف من لا يعصون الله سبحانه وتعالى، وذنب آخر عمّ وطمّ، (وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ)، العهود والمواثيق، سواء بين الدولِ مع بعضِها، أو بين الحكومات، أو بين المختلفين من الفصائل والأحزاب، وغيرِهم، أو بين المختلفين في العائلات، أو بين المختلفين من الأفراد، بينهم عهود ومواثيق، أعطوا عهدا، وأخلفوه؛ (إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ)، وهذا ما يحدث ويحصل اليوم، عدوُّنا الغربيُّ والشرقيُّ أخذَ ما في أيدينا، عندما نقضنا عهد الله، وعهد رسوله، أخذوا خيراتِ بلادٍ عربية، وأخرى إسلامية، أخذوا خيراتها، وخيراتها تحت أيديهم، وآبارها ومقدراتُها وأموالُها، يتصرفون فيها كما شاؤوا، نسأل الله السلامة، وذنب آخر وهو خاص بـمن تولوا المسئولية من الحكام والمسؤولين، (وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ)، قال ابن عباس: "وما لم تحكم أئمتهم بالحق"، (وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ)، يأخذوا من كتاب الله ومن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية: "ويتحرَّوا مما أنزل الله"، يتخيروا، ويتحرّوا، إذا ما استطعت أن تحكم بالكلّ، تحرَّ الحق، وخذْ بالبعض، الذي ينفع للناس، وفيه الحقّ، إذا ما حدث هذا؛ (إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ"). سنن ابن ماجه (4019)، حسَّنه في الصحيحة (106). نسأل الله السلامة، والبأس شديد بين المسلمين؛ اقتتال داخلي، إذا تخلّوا عن أوامر الله، وفعلوا النواهي، واقترفوا المعاصي والمحرمات، فهؤلاء يكونون قد اجترؤوا على الله، فتوبوا إلى الله واستغفروه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.



الخطبة الآخرة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، المبعوث رحمة مهداة للعالمين كافة، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

عباد الله، العقوبات قد تتنوَّع، فبعض الناس، أخذهم الله مرة واحدة، بالحاصب، أو بالغرق، فلم يبق منهم أحد وما شابه ذلك، وبعض الناس يمدُّ الله لهم في الأجل، فيمدُّ عليهم في العقوبة، حتى يرجعوا إلى الله سبحانه وتعالى، فإن عادوا إلى الذنب عاد للعقوبة سبحانه وتعالى، يقعون في العقوبة بسبب ذنوبهم، ثم ترفع عنهم إذا تابوا، وإن عادوا للذنب، عاد الله عليهم بعقوبة أخرى، كما فعل الله مع فرعون وملئه، حيث لم يرتكبوا ذنبًا واحدًا، بل ذنوبُهم متراكبةٌ متراكمة، منها أنهم ساموا الضعفاء من بني إسرائيل سوء العذاب، فذبَّحوا أبناءهم واستحيوا نساءهم، وكذَّبوا نبيَّ الله موسى، واتهم فرعون موسى وأخاه هارون عليهما السلام بالسحر، وقطَّعوا أيديَ وأرجلَ من آمن بموسى من السحرة الذين جلبهم فرعون لمناظرة موسى عليه السلام، وصلَّبوهم في جذوع النخل، ونقضوا مواثيقهم التي قطعوها على أنفسهم بعد كل عقوبة؛ ألاَّ يؤذوا بني إسرائيل، واستكبروا على عباد الله؛ وادعى فرعون الربوبية والألوهية، فأجرموا أي إجرام، وغيرِها من الذنوب والجرائم التي ذكرها الله سبحانه في كتابه: ﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ[الأنفال: 52]، ﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ [الأنفال: 54].

هذه بعض ذنوبهم، فما هي العقوبات التي نزلت بهم؟ وما هي الآيات التي أرسلت إليهم؟

قال الله عنهم: ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ(الأعراف: 133)، أرسل عليهم تسعَ آيات وعقوبات متنوعة إلى الفراعنة فرعون وملئه:
1- اليد، 2- والعصا، 3- والسنون، 4- الطُّوفَانَ، 5- وَالْجَرَادَ، 6- وَالْقُمَّلَ، 7- وَالضَّفَادِعَ، 8- وَالدَّمَ، 9- ونقصِ الثمرات.
وأوَّلُها: اليدُ: آيةٌ عجيبةٌ مع موسى عليه السلام يدخلها في جيبه، ثم يخرجها كأنها كالقمر ليلة البدر، تشعُ نورًا، بيضاءَ للناظرين من غير سوءفِي قَوْله تَعَالَى: ﴿ أَدْخِلْ يَدَك فِي جَيْبِك تَخْرُجُ بَيْضَاء مِنْ غَيْر سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ ﴾،


ثانيها: العصا؛ تلقف ما يأفكون من الحيات الناشئة من سحر الحبال والعصيّ، تلقفها كلَّها، والعصا: ضرب بها ماء البحر، فصار طريقًا يبسًا، وبها ضرب الحجر فخرج منه الماء، إنها قدرة الله سبحانه وتعالى، ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ[الأعراف: 117]، ﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء: 63]، ﴿ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا [البقرة: 60].

ثالثُّها: ثم جاءت سنون من الجدب والقحط، وَهِيَ سِنِي الْجُوعِ بِسَبَبِ قِلَّةِ الزُّرُوعِ؛ فلا نباتَ، ولا شجر، ولا عُشْب، ولا كلأ.

رابعها: ثم جاءهم النقصُ من الثمرات، قال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾، [الأعراف: 130]، تجد الزرعَ - ما شاء الله - كبير وكثير، لكن دون سنابل ولا حبوب، تجد الشجر - ما شاء الله - لكن ما فيه ثمر، فأصابهم نقصٌ من الثمرات، فكلَّما فعلوا شيئًا، وعاينوا ذلك، وأصابتهم آفةٌ، جاؤوا إلى موسى عليه السلام، وقالوا: ﴿ اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ[النمل: 47]، وتشاءمنا بكم، وتطيرنا بمجيئك أنت ومن معك، ثم يأخذون على أنفسهم عهدًا لئن نجاهم من هذه ليؤمنُنَّ له، وليرسلُنَّ معه بني إسرائيل، لكن في كل واحدة يكذبون، ويخالفون.


خامسها: فأرسل عليهم الطوفان، فيضانُ نهر النيل عليهم، وكَثْرَةُ الْأَمْطَارِ الْمُغْرِقَةِ، الْمُتْلِفَةِ لِلزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، والمواشي والبيوتِ والأشجار، ولم ينقطع عنهم، حتى جاؤوا إلى موسى عليه السلام، قالوا: ﴿ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ[الأعراف: 134]، يتوسلون إلى موسى، فدعا ربَّه لهم أن يرفعَ عنهم بلاءه، على أن يؤمنوا ويرفعوا العذاب عن بني إسرائيل المؤمنين، رجعوا مرة أخرى، فأرسل عليهم على آلِ فرعون، أرسل عليهم بعد الطوفان الجراد، وأنواع الحشرات لنقضهم وعودهم.


سادسها: الجراد: كانت كما قال المفسرون تأكل مساميرَ الأبواب والسقوف، فتسقطُ وتخرُّ على أهلها، ومساميرُها كانت قيل: إنها من الحديد، أكلت الحديد، فكيف بالخشب الجاف اليابس يأكله الجراد، فكيف بالأخضر الرطب؟!

فعرفوا أنَّ هذا بسبب عصيانهم، ولو أنهم آمنوا واتبعوا، ولو أنهم أرسلوا بني إسرائيل وأطلقوا سراحهم، لرفع عنهم العقاب، رجعوا إلى موسى، وفي كل مرة وهم يكذبون وينقضون المواثيق، فجاؤوا يتوسَّلون إلى موسى عليه السلام، فرفع عنهم الجراد الذي كان قد ملأَ بيوتهم، وانتشر في زروعهم وحقولهم، ولم يبقَ مكان إلا وفيه جراد، ولنقضهم المواثيق، أرسل عليهم:

سابعها: وأرسلَ القُمَّل، وهو نوع من الحشرات كالسوسُ، وهو حشرة تدب في الحبوب فتهلكها، السوس دخلَ بيوتَهم، وتغلغل في ثيابهم، واجتاح مخازنَهم، فكلُّ حبوبِهم تدبُّ فيه حشراتُ القمَّل، وإذا ناموا وجدوه في فراشهم، والعياذ بالله، تَخيَّل في بيتك مثل هذا، كيف تعيش إذا وجدت هذا في بيتك أو في فراشك؟ فتوسلوا مرة أخرى إلى موسى عليه السلام أن يرفع عمَّا بهم، فيؤمنوا ويرسلوا معه بني إسرائيل، فدعا ورفع عنهم، ولكن لم يفوا.

فبعث عليهم ثامن الآيات: الضفادع، فعندما نقضوا الميثاق وعاندوا وعَتَوا، أُرسلت على الفراعنة ضفادعُ، تعرفون الضفدع مقزز، تقفز في الماء الذي يشربون، وفي قدورهم وأوانيهم النظيفة، يجد أحدهم فيها عدةَ ضفادع، فإذا نام قفزت في فمه ضفدعة، ما هذه الحياة؟ إذا مشى يمشي على الضفادع، هذا الضفدع جنديٌّ من جنودِ الله سبحانه وتعالى، تصوِّر وتُخيِّل هذا الوضع، لو خالف أناسٌ في زمنٍ من هذه الأزمنة، كيف يعيشون؟ توسلوا إلى موسى عليه السلام، فدعا ربه، فرفع عنهم، ولم يفوا ولم يصدقوا.

أما تاسعُ الآيات عندما نقضوا الميثاق: فإرسال الدَّمِ عليهم، والعجيب في الدم أنّ بني إسرائيل يشربون الماء عذبًا زلالا حُلوًا، والفراعنةُ المصريون المعاندون إذا أرادو أن يشربوا ويغترفوا من الماء، يصبح الماء دمًا عبيطًا متخثِّرًا قبل أن يصل إلى شفاههم، نسأل الله السلامة من عقوبات الله كلِّها، دِقِّها وجِلِّها، سرِّها وعلانيتِها في الدنيا والآخرة، ثم دعا موسى عليه السلام ربِّه، فرفع عنهم.

هذه كلَّها آيات مفصلات لَمَّا غفلوا عنها وكذبوا بها، واستهتروا، واستمروا على عتوهم وعنادهم أتاهم الانتقام من الله جل جلاله، قال سبحانه: ﴿ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف: 136].

عباد الله، ما نحن فيه اليوم من ضيقٍ وضنك وشدَّةٍ في المؤونة، عند كثير من الناس، يعني عندنا بعضُ الناس، يعيش وكأنه فوق الشمس، لا يشعر بمآسي الناس، ولا فقرهم، وبعضهم لا يجد ما يلتحف به، ونسأل الله السلامة.

ومع هذا الضيق والضنك، ومع قلَّةِ ذات اليد، ومع ندرة الأمطار وتأخر الغيث؛ نجد المعاصي، ونجد الذنوب والخطايا، ونجدُ الفواحش الكبائر والصغائر، ونجد أمورًا عظيمة جدًّا في هذه الأمة، ونحن هنا خاصة، في حصار وما شابه ذلك، فربما يكون الحصار على بعض الناس، وبعض الناس لا يشعر أنه في حصار أبدًا، ويبقى في المعاصي والذنوب والخطايا، فالأمة لا يزال فيها حتى الآن والعياذ بالله الزنا، ولا يزال فيها الربا، ولا يزال فيها سماع الموسيقى والغناء، في المرئيات وفي المسموعات، ولا يزال فيها الرقص مع التهتك والعري، وظهور شعور النساء، أمام الرجال الأجانب، وظهور سواعدهن وأعضادهن، وأرجلهن وأفخاذهن، وتمشي شبهَ عاريةٍ أحيانا في بعض البلدان، وفي الطرقاتِ والشوارع، أو تَعرِضُ ذلك في وسائل الإعلام المختلفة، والصورِ وما شابه ذلك، في الأمة هذا موجود، فماذا ننتظر؟
والجواب: والله ننتظر رحمة الله، ونطمع في رحمة الله وعفوه وغفرانه سبحانه، هذا الذي ننتظره.

لذلك خطبتي هذه طويلة، لكن هي في كلمتين من نسيها، فليتذكر أننا مذنبون، فلنبتعد عن الذنب بالتوبة والاستغفار، ذنب وتوبة، فنحتاج إلى أن نتوجه إلى الله عز وجل بالعبادة الخالصة، والذكر والشكر.

ألا وصلوا على الهادي البشير الذي صلَّى عليه الله في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (الأحزاب: 56).

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.


ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ولا تسلِّط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.

«اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا هَنِيئًا، مَرِيئًا مَرِيعًا، غَدَقًا مُجَلّلًا عَامًّا، طَبَقًا سَحًّا دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ وَالْبَهَائِمِ وَالْخَلْقِ؛ مِنَ اللَّأْوَاءِ وَالْجَهْدِ وَالْفَتْكِ مَا لَا يُشْكَى إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنَبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعُرْيَ، واكْشِفْ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفْهُ غَيْرُكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ، إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا»، وأمددنا بالأموال والبنين، واجعل لنا الجنات، واجعل لنا الأنهار، «اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهِيمَتَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ»، اللهم آمين، آمين.


﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ(العنكبوت: 45).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 78.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.10 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.43%)]