شرح حديث: «من نفس عن مؤمن كربة» - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12495 - عددالزوار : 213355 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-11-2021, 05:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي شرح حديث: «من نفس عن مؤمن كربة»

شرح حديث: «من نفس عن مؤمن كربة»
د. أمين بن عبدالله الشقاوي




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أمام بعد:
فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهَِّ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»[1].

قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، هذا يرجع على أن الجزاء من جنس العمل، وقد تكاثرت النصوص بهذا المعنى، كقوله صلى الله عليه وسلم: «َإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ»[2]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ في الدُّنْيَا»[3].

وقوله صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»[4].

والكربة: هي الشدة العظيمة التي توقع صاحبها في الكرب، وتنفيسها أن يخفف عنه منها، مأخوذ من تنفيس الخناق، كأنه يرخي له الخناق حتى يأخذ نفسًا، والتفريج أعظم من ذلك وهو: أن يزيل عنه الكربة فتنفرج عنه كربته ويزول همه وغمه.

فجزاء التنفيس: التنفيس، وجزاء التفريج: التفريج.
قوله: «كُرْبَةً مِنْ كُرَُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، ولم يقل: من كرب الدنيا والآخرة كما في التيسير والستر، قيل في مناسبة ذلك: إن الكرب هي الشدائد العظيمة وليس كل أحد يحصل له ذلك في الدنيا، بخلاف الإعسار والعورات المحتاجة إلى الستر، فإن أحدًا لا يكاد يخلو في الدنيا من ذلك ولو بتعسر بعض الحاجات المهمة، وقيل: لأن كرب الدنيا بالنسبة إلى كرب الآخرة لا شيء فادخر الله جزاء تنفيس الكرب عنده لينفس به كرب الآخرة وشدائدها.

قوله صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ».

هذا أيضًا يدل على أن الإعسار قد يحصل في الآخرة، وقد وصف الله يوم القيامة بأنه «يوم عسير»، فقال: ﴿ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ﴾ [الفرقان: 26].

والتيسير على المعسر في الدنيا من جهة المال يكون بأحد أمرين؛ إما بإنظاره إلى الميسرة وذلك واجب؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾ [البقرة: 280]، وتارة بالوضع عنه إن كان غريمًا، وإلا فبإعطائه ما يزول به إعساره، وكلاهما له فضل عظيم.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ»[5].

وأخرج مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ»[6].

قوله صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ».

الستر نوعان: ستر للعورة الحسية، وهي ما بين السرة والركبة للرجل والمرأة كلها عورة. والمسلم إذا أُعطي من الملابس ما يستر عورته. فهذا عمل صالح والله يستره في مقابل هذا الستر ويجزيه من فضله أحسن ما فعل.

النوع الثاني: ستر العورة الدينية، والمقصود بها: المعاصي، فإذا رأى المسلم أخاه على معصية أسرَّ بها وأخفاها، فلا يفضحه، وإنما ينصحه ويوجهه ويدعو له بالهداية والاستقامة ولا يشيعها بين الناس؛ لأن الله قال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19].

وقد رُوي عن بعض السلف قال: أدركت قومًا لم يكن لهم عيوب، فذكروا عيوب الناس، فذكر الناس لهم عيوبًا، وأدركت أقوامًا كانت لهم عيوب فكفوا عن عيوب للناس فُنسيت عيوبهم.

وشاهد هذا حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ»[7].

إلا من كان مشتهرًا بالمعاصي معلنًا بها لا يبالي بما ارتكب منها، فهذا هو الفاجر المعلن، ومثل هذا لا بأس بالبحث عن أمره ليقام عليه الحد كما صرح بذلك بعض أهل العلم، قال الإمام مالك: وأما من عرف بشرٍّ أو فساد فلا أحب أن يشفع له أحد، ولكن يترك حتى يُقام عليه الحد.


قوله صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ»، بين النبي صلى الله عليه وسلم أن نفع الناس من أعظم الأعمال والقربات، فروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة، قال: «اشْفَعُوا تُؤجَرُوا، ويَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا أَحَبَّ»[8].

وروى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَل»[9].

قال عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: «إنا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، فكان يعود مرضانا ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير»[10].

والصحابة من بعده كانوا يسيرون على منهجه فيخدمون الناس وينفعونهم، أبو بكر أسلم وله أربعون ألفًا فأنفقها في سبيل الله، وأعتق سبعة كلهم في سبيل الله، أعتق بلالًا وعامر بن فهيرة، وزنيرة والنهدية وابنتها، وجارية بن مؤمل وأم عبيس.

وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتعهد الأرامل يسقي لهن الماء ليلًا، وعثمان بن عفان اشترى بئر رومة بخمسة وثلاثين ألف درهم وجعلها للغني والفقير وابن السبيل، وغيرهم من الصحابة كانوا كذلك.

قال الذهبي عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وله محبون من العلماء والصلحاء ومن الجند والأمراء ومن التجار والكبراء، وسائر العامة تحبه؛ لأنه منتصب لنفعهم ليلًا ونهارًا بلسانه وقلمه.

قوله صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا»، سلوك الطريق لالتماس العلم يدخل فيه سلوك الطريق الحقيقي، وهو الذهاب إلى مجالس العلماء، ويدخل فيه سلوك الطريق المؤدية إلى حصول العلم؛ مثل حفظه ودراسته ومذاكرته ومطالعته، وكتابته والتفهم له، ونحو ذلك من الطرق المعنوية التي يتوصل بها إلى العلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: «سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّة»، قد يراد بذلك أن الله يسهل له العلم الذي طلبه وييسِّره عليه، فإن العلم طريق موصل إلى الجنة، وقد يراد أيضًا أن الله ييسِّر لطالب العلم إذا قصد بطلبه وجه الله الانتفاع به والعمل بمقتضاه، فيكون سببًا لهدايته ولدخول الجنة، وقد ييسِّر الله لطالب العلم علومًا أُخرَ ينتفع بها، وتكون موصلة إلى الجنة.

وقد يدخل في ذلك أيضًا تسهيل طريق الجنة الحسي يوم القيامة وهو الصراط، وما قبله وما بعده من الأهوال، فلا طريق إلى معرفة الله وإلى الوصول إلى رضوانه والفوز بقربه ومجاورته في الآخرة، إلا بالعلم النافع الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»، يعني في أي مكان، وإذا كان في المسجد كان ذلك أفضل لما في المسجد من الإعانة على هذا الخير؛ لأن وجودهم في المسجد من أعظم الأسباب في فراغهم وعنايتهم بالتلاوة وعدم تشاغلهم بشيء بخلاف البيوت؛ قال تعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 36- 37].

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن جزاء الذين يجلسون في بيت الله يتدارسون كتاب الله أربعة أشياء:
1- تنزل السكينة عليهم، وهي إما السكون والوقار والخشوع، وإما الملائكة الذين يستمعون القرآن، سمُّوا بذلك لما هم عليه من السكون والخشوع.

2- غشيان الرحمة: أي تكفير سيئاتهم ورفع درجاتهم، وإيصالهم إلى جنته وكرامته؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56].

3- أن الملائكة تحف بهم.

4- أن الله يذكرهم فيمن عنده.

وذكر الله لعبده: هو ثناؤه عليه في الملأ الأعلى بين ملائكته ومباهاتهم به وتنويهه بذكره.

وهذه الخصال الأربع لكل مجتمعين على ذكر الله تعالى، قوله: «وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»، معناه أن العمل هو الذي يبلغ بالعبد درجات الآخرة، فمن أبطأ به عمله أن يبلغ به المنازل العالية عند الله تعالى، لم يسرع به نسبه فيبلغه تلك الدرجات، فإن الله رتَّب الجزاء على الأعمال لا على الأنساب؛ كما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [المؤمنون: 101].

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أِنزل عليه: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، قال: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم سَلِينِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا»[11].

ويشهد لهذا ما في الصحيحين من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أَلاَ إِنَّ آلَ أَبِي فُلَانٍ لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، إنَّمَا وَليِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ»[12].

يشير إلى أن ولايته لا تنال بالنسب وإن قرب، وإنما تنال بالإيمان والعمل الصالح، فمن كان أكمل إيمانًا وعملًا فهو أعظم ولاية له، سواء كان له منه نسب قريب أو لم يكن، وفي هذا المعنى يقول بعضهم:
لَعَمرُكَ مَا الإِنسانُ إِلَّا بِدينِهِ
فَلَا تَترُكِ التَّقْوَى اتِّكَالًا عَلَى النَسَبِ
فَقَد رَفَعَ الإِسْلَامُ سَلْمَانَ فَارِسٍ
وَقَدْ وَضَعَ الشِّرْكُ الشَّقِيَّ أَبَا لَهَبِ




والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين»[13].


[1] برقم (2699).

[2] صحيح البخاري برقم (7448)، وصحيح مسلم برقم (923) من حديث أسامة ابن زيد رضي الله عنه.

[3] صحيح مسلم برقم (2613) من حديث هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنه.

[4] صحيح البخاري برقم (2442)، صحيح مسلم برقم (2580) من حديث عبداللَّه ابن عمر رضي الله عنهما.

[5] صحيح البخاري برقم (2078)، وصحيح مسلم برقم (1562).

[6] برقم (1563).

[7] مسند الإمام أحمد (33/ 20) من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه برقم (19776)، وقال محققوه: صحيح لغيره.

[8] صحيح البخاري برقم (1432)، وصحيح مسلم برقم (2627) من حديث أبي موسى رضي الله عنه.

[9] صحيح مسلم برقم (2199).

[10] مسند الإمام أحمد (1/532) برقم (504)، وقال محققوه : إسناده حسن.

[11] صحيح البخاري برقم (4771)، وصحيح مسلم برقم (206).

[12] صحيح البخاري برقم (5990)، وصحيح مسلم برقم (215).

[13] مختصر جامع العلوم والحكم لابن رجب باختصار الشيخ محمد المهنا (ص189- 195)، شرح رياض الصالحين للشيخ ابن باز رحمه الله (1/ 493 – 498)، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي (6/684- 688).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.69 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]