كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله - الصفحة 8 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 855039 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389889 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #71  
قديم 25-11-2021, 02:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب قسم الصدقات
الحلقة (71)
صــــــــــ 106 الى صـــــــــــ110

( قال الشافعي ) :
واستحب التأني بالسحور ما لم يكن في وقت مقارب يخاف أن يكون الفجر طلع فإني أحب قطعه في ذلك الوقت ، فإن طلع الفجر وفي فيه شيء قد أدخله ومضغه لفظه ; لأن إدخاله فاه لا يصنع شيئا إنما يفطر بإدخاله جوفه ، فإن ازدرده بعد الفجر ، قضى يوما مكانه ، والذي لا يقضي فيه من ذلك [ ص: 106 ] الشيء يبقى بين أسنانه في بعض فيه مما يدخله الريق لا يمتنع منه ، فإن ذلك عندي خفيف فلا يقضي ، فأما كل ما عدا إدخاله مما يقدر على لفظه فيفطره عندي والله أعلم ( وقال بعد ) نفطره بما بين أسنانه ، إذا كان يقدر على طرحه .

( قال الربيع ) : إلا أن يغلبه ولا يقدر على دفعه فيكون مكرها فلا شيء عليه وهو معنى قول الشافعي

( قال الشافعي ) :
وأحب تعجيل الفطر وترك تأخيره وإنما أكره تأخيره إذا عمد ذلك كأنه يرى الفضل فيه ( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ولم يؤخروه } ( قال الشافعي ) :
أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عمر وعثمان كانا يصليان المغرب حين ينظران الليل اسود ثم يفطران بعد الصلاة وذلك في رمضان .

( قال الشافعي ) :
كأنهما يريان تأخير ذلك واسعا لا أنهما يعمدان الفضل لتركه بعد أن أبيح لهما وصارا مفطرين بغير أكل ولا شرب ; لأن الصوم لا يصلح في الليل ولا يكون به صاحبه صائما ، وإن نواه
( قال الشافعي ) :
فقال بعض أصحابنا : لا بأس أن يحتجم الصائم ولا يفطره ذلك ( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يحتجم وهو صائم ثم ترك ذلك ( قال الشافعي ) : وأخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه لم ير أباه قط احتجم وهو صائم .

( قال الشافعي ) :
وهذا فتيا كثير ممن لقيت من الفقهاء وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أفطر الحاجم والمحجوم } وروي عنه { أنه احتجم صائما } .

( قال الشافعي ) :
ولا أعلم واحدا منهما ثابتا ولو ثبت واحد منهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت به فكانت الحجة في قوله ، ولو ترك رجل الحجامة صائما للتوقي كان أحب إلي ، ولو احتجم لم أره يفطره
( قال الشافعي ) :
من تقيأ وهو صائم وجب عليه القضاء ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه ، وبهذا أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر
( قال الشافعي ) :
ومن أكل أو شرب ناسيا : فليتم صومه ولا قضاء عليه وكذلك بلغنا عن أبي هريرة وقد قيل : إن أبا هريرة قد رفعه من حديث رجل ليس بحافظ .

( قال الشافعي ) :
وقد قال بعض أصحابنا يقضي ولسنا نأخذ بقوله ، وقال بعض الناس بمثل قولنا لا يقضي والحجة عليهم في الكلام في الصلاة ساهيا وتفريقه بين العمد والنسيان في الصوم حجة عليهم في الصلاة بل الكلام في الصلاة ناسيا أثبت وأولى ; لأنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف فرق بين العمد والنسيان في الصوم ؟ وإنما فرق بينهما بأن أبا هريرة لم ير على من أكل ناسيا لصومه قضاء فرأي أبي هريرة حجة فرق بها بين العمد والنسيان وهو عندنا حجة ثم ترك رواية أبي هريرة وابن عمر وعمران بن حصين وطلحة بن عبيد الله وغيرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث ذي اليدين وفيه ما دل على الفرق بين العمد والنسيان في الصلاة فهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب مما جاء عن غيره فترك الأوجب والأثبت وأخذ بالذي هو أضعف عنده وعاب غيره إذ زعم أن العمد في الصوم والنسيان سواء ثم قال بما عاب في الصلاة فزعم أن العمد والنسيان سواء ثم لم يقم بذلك
( قال الشافعي ) : من احتلم في رمضان اغتسل ولم يقض وكذلك من أصاب أهله ثم طلع الفجر قبل أن يغتسل اغتسل ثم أتم صومه .

( قال الشافعي ) :
وإن طلع الفجر وهو مجامع فأخرجه من ساعته أتم صومه ; لأنه لا يقدر على الخروج من الجماع إلا بهذا ، وإن ثبت شيئا آخر أو [ ص: 107 ] حركه لغير إخراج وقد بان له الفجر كفر ( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن أبي يونس مولى عائشة عن عائشة رضي الله عنها { أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تسمع : إني أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فأغتسل ثم أصوم ذلك اليوم فقال الرجل : إنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي } .

( قال الشافعي ) :
وقد جاء هذا من غير هذا الوجه وهو قول العامة عندنا وفي أكثر البلدان ، فإن ذهب ذاهب إلى أنه جنب من جماع في رمضان فإن الجماع كان وهو مباح والجنابة باقية بمعنى متقدم والغسل ليس من الصوم بسبيل ، وإن وجب بالجماع فهو غير الجماع ( قال الشافعي ) : وهذا حجة لنا على من قال في المطلقة لزوجها عليها الرجعة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وقد قال الله تبارك وتعالى { ثلاثة قروء } والقرء عنده الحيضة فما بال الغسل ؟ وإن وجب بالحيض فهو غير الحيض فلو كان حكمه إذا وجب به حكم الحيض كان حكم الغسل إذا وجب بالجماع حكم الجماع فأفطر وكفر من أصبح جنبا .

( قال الشافعي ) :
فإن قال : فقد روي فيه شيء فهذا أثبت من تلك الرواية لعل تلك الرواية كانت بأن سمع صاحبها من أصبح جنبا أفطر على معنى إذا كان الجماع بعد الفجر أو عمل فيه بعد الفجر كما وصفنا
( قال الشافعي ) :
ومن حركت القبلة شهوته كرهتها له ، وإن فعلها لم ينقض صومه ومن لم تحرك شهوته فلا بأس له بالقبلة ، وملك النفس في الحالين عنها أفضل ; لأنه منع شهوة يرجى من الله تعالى ثوابها ( قال الشافعي ) : وإنما قلنا لا ينقض صومه ; لأن القبلة لو كانت تنقض صومه لم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرخص ابن عباس وغيره فيها كما لا يرخصون فيما يفطر ولا ينظرون في ذلك إلى شهوة فعلها الصائم لها ولا غير شهوة ( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت { : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبل بعض أزواجه وهو صائم } ثم تضحك ( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك أن عائشة كانت إذا ذكرت ذلك قالت وأيكم أملك لإربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

( قال الشافعي ) :
أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال : لم أر القبلة تدعو إلى خير ( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن ابن عباس سئل عن القبلة للصائم فأرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب .

( قال الشافعي ) :
وهذا عندي والله أعلم على ما وصفت ، ليس اختلافا منهم : ولكن على الاحتياط ، لئلا يشتهي فيجامع ، وبقدر ما يرى من السائل أو يظن به .
باب الجماع في رمضان والخلاف فيه ( قال الشافعي ) :
رحمه الله تعالى أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة { أن رجلا أفطر في شهر رمضان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا قال : إني لا أجد فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق تمر فقال : خذ هذا فتصدق به فقال يا رسول الله ما أجد أحدا أحوج مني ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال كله } ( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب قال : { أتى أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم ينتف شعره ويضرب نحره ويقول هلك الأبعد [ ص: 108 ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وما ذاك ؟ قال : أصبت أهلي في رمضان وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تسطيع أن تعتق رقبة ؟ قال : لا ، قال : فهل تستطيع أن تهدي بدنة ؟ قال : لا ، قال : فاجلس فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق تمر فقال : خذ هذا فتصدق به فقال : ما أجد أحدا أحوج مني قال : فكله وصم يوما مكان ما أصبت } قال عطاء : فسألت سعيدا كم في ذلك العرق ؟ قال : ما بين خمسة عشر صاعا إلى عشرين ( قال الشافعي ) : وفي حديث غير هذا { فأطعمه أهلك } ( قال الشافعي ) : فبهذا كله نأخذ يعتق ، فإن لم يقدر صام شهرين متتابعين ، فإن لم يقدر أطعم ستين مسكينا .

( قال الشافعي ) :
وقول النبي صلى الله عليه وسلم { كله وأطعمه أهلك } يحتمل معاني ، منها أنه لما كان في الوقت الذي أصاب أهله فيه ليس ممن يقدر على واحدة من الكفارات تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه بأن قال له في شيء أتى به : كفر به ، فلما ذكر الحاجة ولم يكن الرجل قبضه قال : { كله وأطعمه أهلك } وجعل له التمليك حينئذ ويحتمل أن يكون ملكه فلما ملكه وهو محتاج كان إنما يكون عليه الكفارة إذا كان عنده فضل فلم يكن عنده فضل فكان له أكله هو وأهله ، ويحتمل في هذا أن تكون الكفارة دينا عليه متى أطاقها أو شيئا منها ، وإن كان ذلك ليس في الخبر ، وكان هذا أحب إلينا وأقرب من الاحتياط ، ويحتمل إن كان لا يقدر على شيء من الكفارات فكان لغيره أن يكفر عنه وأن يكون لغيره أن يضعه عليه وعلى أهله إن كانوا محتاجين ويجزي عنهم ويحتمل أن يكون إذا لم يقدر في حاله تلك على الكفارة أن تكون الكفارة ساقطة عنه إذا كان مغلوبا كما تسقط الصلاة عن المغمى عليه إذا كان مغلوبا والله أعلم ، ويحتمل إذا كفر أن تكون الكفارة بدلا من الصيام ويحتمل أن يكون الصيام مع الكفارة - ولكل وجهة ( قال ) : وأحب أن يكفر متى قدر وأن يصوم مع الكفارة ( قال الشافعي ) : وفي الحديث ما يبين أن الكفارة مد لا مدين .

( قال الشافعي )
: وقال بعض الناس مدين وهذا خلاف الحديث والله أعلم
( قال الشافعي ) :
وإن جامع يوما فكفر ثم جامع يوما فكفر وكذلك إن لم يكفر فلكل يوم كفارة ; لأن فرض كل يوم غير فرض الماضي .

( قال الشافعي ) :
وقال بعض الناس : إن كفر ثم عاد بعد الكفارة كفر ، وإن لم يكفر حتى يعود فكفارة واحدة ورمضان كله واحد .

( قال الشافعي ) :
فقيل لقائل هذا القول : ليس في هذا خبر بما قلت والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر رجلا مرة بكفارة ، وفي ذلك ما دل عندنا والله أعلم على أنه لو جامع يوما آخر أمر بكفارة ; لأن كل يوم مفروض عليه فإلى أي شيء ذهبت ؟ قال : ألا ترى أنه لو جامع في الحج مرارا كانت عليه كفارة واحدة ؟ قلنا : وأي شيء الحج من الصوم ؟ الحج شريعة ، والصوم أخرى ، قد يباح في الحج الأكل والشرب ويحرم في الصوم ويباح في الصوم اللبس والصيد والطيب ويحرم في الحج .

( قال الشافعي ) :
والحج إحرام واحد ولا يخرج أحد منه إلا بكماله وكل يوم من شهر رمضان كماله بنفسه [ ص: 109 ] ونقصه فيه ، ألا ترى أنه يصوم اليوم من شهر رمضان ثم يفطر وقد كمل اليوم وخرج من صومه ثم يدخل في آخر فلو أفسده لم يفسد الذي قبله والحج متى أفسد عندهم قبل الزوال من يوم عرفة فسد كله ، وإن كان قد مضى كثير من عمله ، مع أن هذا القول خطأ من غير وجه ، الذي يقيسه بالحج يزعم أن المجامع في الحج تختلف أحكامه فيكون عليه شاة قبل عرفة ويفسد حجه ، وبدنة إذا جامع بعد الزوال ولا يفسد حجه .

وهذا عنده في الصوم لا يختلف في أول النهار وآخره إنما عليه رقبة فيهما ويفسد صومه فيفرق بينهما في كل واحدة منهما ويفرق بينهما في الكفارتين ويزعم أنه لو جامع يوما ثم كفر ثم جامع يوما آخر ثم كفر وهو لو كفر عنده في الحج عن الجماع ثم عاد لجماع آخر لم يعد الكفارة ، فإذا قيل له : لم ذلك ؟ قال : الحج واحد وأيام رمضان متفرقة ، قلت : فكيف تقيس أحدهما بالآخر وهو يجامع في الحج فيفسده ثم يكون عليه أن يعمل عمل الحج وهو فاسد وليس هكذا الصوم ولا الصلاة ؟ .

( قال الشافعي ) :
فإن قال قائل منهم فأقيسه بالكفارة قلنا : هو من الكفارة أبعد ، الحانث يحنث غير عامد للحنث فيكفر ويحنث عامدا فلا يكفر عندك وأنت إذا جامع عامدا كفر ، وإذا جامع غير عامد لم يكفر فكيف قسته بالكفارة والمكفر لا يفسد عملا يخرج منه ، ولا يعمل بعد الفساد شيئا يقضيه إنما يخرج به عندك من كذبة حلف عليها وهذا يخرج من صوم ويعود في مثل الذي خرج منه .

( قال الشافعي ) :
ولو جامع صبية لم تبلغ أو أتى بهيمة فكفارة واحدة ولو جامع بالغة كانت كفارة لا يزاد عليها على الرجل ، وإذا كفر أجزأ عنه وعن امرأته ، وكذلك في الحج والعمرة وبهذا مضت السنة ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل تكفر المرأة وأنه لم يقل في الخبر في الذي جامع في الحج تكفر المرأة .

( قال الشافعي ) :
فإن قال قائل : فما بال الحد عليها في الجماع ولا تكون الكفارة عليها ؟ قيل الحد لا يشبه الكفارة ، ألا ترى أن الحد يختلف في الحر والعبد والثيب والبكر ولا يختلف الجماع عامدا في رمضان مع افتراقهما في غير ذلك فإن مذهبنا وما ندعي إذا فرقت الأخبار بين الشيء أن يفرق بينه كما فرقت
( قال الشافعي ) :
وإن جامع في قضاء رمضان أو صوم كفارة أو نذر فقد أفسد صومه ولا كفارة عليه ولكن يقضي يوما مكان يومه الذي جامع فيه .

( قال الشافعي ) :
وهكذا قال بعض الناس وهذا كان عندنا أولى أن يكفر ; لأن البدل في رمضان يقوم مقامه ، فإذا اقتصر بالكفارة على رمضان ; لأنها جاءت فيه في الجماع ولم يقس عليه البدل منه فكيف قاس عليه الطعام والشراب ولم تأت فيه كفارة ؟
( قال الشافعي ) : وإن جامع ناسيا لصومه لم يكفر .

وإن جامع على شبهة مثل أن يأكل ناسيا فيحسب أنه قد أفطر فيجامع على هذه الشبهة فلا كفارة عليه في مثل هذا .

( قال الشافعي ) :
وهذا أيضا من الحجة عليهم في السهو في الصلاة إذ زعموا أن من جامع على شبهة سقطت عنه الكفارة فمن تكلم وهو يرى أن الكلام في الصلاة كان له مباحا أولى أن يسقط عنه فساد صلاته
( قال الشافعي ) :
وإن نظر فأنزل ، من غير لمس ولا تلذذ بها : فصومه تام لا تجب الكفارة في رمضان إلا بما يجب به الحد أن يلتقي الختانان ، فأما [ ص: 110 ] ما دون ذلك فإنه لا يجب به الكفارة ، ولا تجب الكفارة في فطر في غير جماع ، ولا طعام ولا شراب ولا غيره ، وقال بعض الناس : تجب إن أكل أو شرب كما تجب بالجماع .

( قال الشافعي ) :
فقيل لمن يقول هذا القول : السنة جاءت في المجامع ، فمن قال لكم في الطعام والشراب ؟ قال قلناه قياسا على الجماع فقلنا : أو يشبه الأكل والشرب الجماع فتقيسهما عليه ؟ قال : نعم . في وجه من أنهما محرمان يفطران فقيل لهم فكل ما وجدتموه محرما في الصوم يفطر قضيتم فيه بالكفارة ؟ قال نعم . قيل فما تقول فيمن أكل طيبا أو دواء ؟ قال : لا كفارة عليه قلنا : ولم ؟ قال : هذا لا يغذو الجسد قلنا : إنما قست هذا بالجماع ; لأنه محرم يفطر وهذا عندنا وعندك محرم يفطر . قال : هذا لا يغذو الجسد ، قلنا وما أدراك أن هذا لا يغذو البدن وأنت تقول إن ازدرد من الفاكهة شيئا صحيحا فطره ولم يكفر وقد يغذو هذا البدن فيما نرى وقلنا قد صرت من الفقه إلى الطب ، فإن كنت صرت إلى قياس ما يغذو فالجماع يقص البدن وهو إخراج شيء ينقص البدن وليس بإدخال شيء فكيف قسته بما يزيد في البدن والجماع ينقصه ؟ وما يشبعه والجماع يجيع ؟ فكيف زعمت أن الحقنة والسعوط يفطران وهما لا يغذوان ؟ ، وإن اعتلك بالغذاء ولا كفارة فيهما عندك كان يلزمك أن تنظر كل ما حكمت له بحكم الفطر أن تحكم فيه بالكفارة إن أردت القياس .

( قال الشافعي ) :
قال منهم قائل إن هذا ليلزمنا كله ولكن لم لم تقسه بالجماع ؟ فقلت له : أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن عمر أنه قال : من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء عامدا فعليه القضاء .

( قال الشافعي ) :
وهكذا نقول نحن وأنتم فقد وجدنا رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرى على رجل إن أفطر من أمر عمده القضاء ولا يرى عليه الكفارة فيه وبهذا قلت : لا كفارة إلا في جماع ورأيت الجماع لا يشبه شيئا سواه رأيت حده مباينا لحدود سواه ورأيت من رأيت من الفقهاء مجتمعين على أن المحرم إذا أصاب أهله أفسد حجه ومضى فيه وجاء بالبدل منه وقد يحرم عليه في الحج الصيد والطيب واللبس فأي ذلك فعله لم يفسد حجه غير الجماع ورأيت من جامع وجب عليه الغسل ، وليس كذلك من صنع ما هو أقذر منه ، فبهذا فرقنا بين الجماع وغيره
( قال الشافعي ) :
إن تلذذ بامرأته حتى ينزل أفسد صومه وكان عليه قضاؤه وما تلذذ به دون ذلك كرهته ولا يفسد والله أعلم
وإن أتى امرأته في دبرها فغيبه أو بهيمة أو تلوط أفسد وكفر مع الإثم بالله في المحرم الذي أتى مع إفساد الصوم ، وقال بعض الناس في هذا كله لا كفارة عليه ولا يعيد صوما إلا أن ينزل فيقضي ولا يكفر .

( قال الشافعي ) :
فخالفه بعض أصحابه في اللوطي ومن أتى امرأته في دبرها فقال يفسد وقال هذا جماع ، وإن كان غير وجه الجماع المباح ووافقه في الآتي للبهيمة قال وكل جماع ، غير أن في هذا معصية لله عز وجل من وجهين فلو كان أحدهما يزاد عليه زيد على الآتي ما حرم الله من وجهين .
( قال الشافعي ) :
ولا يفسد الكحل ، وإن تنخمه فالنخامة تجيء من الرأس باستنزال والعين متصلة بالرأس ولا يصل إلى الرأس والجوف علمي ولا أعلم أحدا كره الكحل على أنه يفطر






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #72  
قديم 25-11-2021, 02:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب قسم الصدقات
الحلقة (72)
صــــــــــ 111 الى صـــــــــــ115

( قال الشافعي ) : ولا أكره الدهن ، وإن استنقع فيه أو في ماء فلا بأس وأكره العلك أنه يجلب الريق ، وإن مضغه فلا يفطره وبذلك إن تمضمض واستنشق ولا يستبلغ في الاستنشاق : لئلا يذهب في رأسه ، وإن ذهب في رأسه لم يفطره ، فإن استيقن أنه قد وصل إلى الرأس [ ص: 111 ] أو الجوف من المضمضة وهو عامد ذاكر لصومه فطره ( قال الربيع ) : وقد قال الشافعي مرة لا شيء عليه ( قال الربيع ) : وهو أحب إلي وذلك أنه مغلوب
( قال الشافعي ) : ولا أكره السواك بالعود الرطب واليابس وغيره : بكرة وأكرهه بالعشي لما أحب من خلوف فم الصائم ، وإن فعل لم يفطره وما داوى به قرحة من رطب أو يابس فخلص إلى جوفه فطره إذا داوى وهو ذاكر لصومه عامد لإدخاله في جوفه وقال بعض الناس يفطره الرطب ولا يفطره اليابس
( قال الشافعي ) : فإن كان أنزل الدواء إذا وصل إلى الجوف : بمنزلة المأكول أو المشروب فالرطب واليابس من المأكول عندهم سواء ، وإن كان لا ينزله إذا لم يكن من سبيل الأكل ولا الشرب بمنزلة واحد منهما فينبغي أن يقول لا يفطران ، فأما أن يقول يفطر أحدهما ولا يفطر الآخر فهذا خطأ
( قال الشافعي ) : وأحب له أن ينزه صيامه عن اللغط والمشاتمة ، وإن شوتم أن يقول : أنا صائم ، وإن شاتم : لم يفطره
( قال الشافعي ) : وإن قدم مسافر في بعض اليوم وقد كان فيه مفطرا وكانت امرأته حائضا فطهرت فجامعها لم أر بأسا وكذلك إن أكلا أو شربا وذلك أنهما غير صائمين ، وقال بعض الناس هما غير صائمين ولا كفارة عليهما إن فعلا وأكره ذلك ; لأن الناس في المصر صيام .

( قال الشافعي ) : إما أن يكونا صائمين فلا يجوز لهما أن يفعلا ، أو يكونا غير صائمين فإنما يحرم هذا على الصائم ( قال الشافعي ) : ولو توقى ذلك لئلا يراه أحد فيظن أنه أفطر في رمضان من غير علة كان أحب إلي
( قال الشافعي ) : ولو اشتبهت الشهور على أسير فتحرى شهر رمضان فوافقه أو ما بعده من الشهور فصام شهرا أو ثلاثين يوما أجزأه ، ولو صام ما قبله فقد قال قائل لا يجزيه إلا أن يصيبه أو شهرا بعده فيكون كالقضاء له وهذا مذهب . ولو ذهب ذاهب إلى أنه إذا لم يعرفه بعينه فتأخاه أجزأه قبل كان أو بعد ، كان هذا مذهبا وذلك أنه قد يتأخى القبلة ، فإذا علم بعد كمال الصلاة أنه قد أخطأها أجزأت عنه ويجزي ذلك عنه في خطأ عرفة والفطر ، وإنما كلف الناس في المغيب الظاهر ، والأسير إذا اشتبهت عليه الشهور فهو مثل المغيب عنه والله أعلم .

( قال الربيع ) : وآخر قول الشافعي أنه لا يجزيه إذا صامه على الشك حتى يصيبه بعينه أو شهرا بعده وآخر قوله في القبلة كذلك لا يجزيه وكذلك لا يجزيه إذا تأخى ، وإن أصاب القبلة فعليه الإعادة إذا كان تأخيه بلا دلالة وأما عرفة ويوم الفطر والأضحى فيجزيه ; لأن هذا أمر إنما يفعله باجتماع العامة عليه والصوم والصلاة شيء يفعله في ذات نفسه خاصة
( قال الشافعي ) : ولو أصبح يوم الشك لا ينوي الصوم ولم يأكل ولم يشرب حتى علم أنه من شهر رمضان فأتم صومه رأيت إعادة صومه ، وسواء رأى ذلك قبل الزوال أو بعده إذا أصبح لا ينوي صيامه من شهر رمضان .

( قال الشافعي ) : وأرى والله أعلم كذلك لو أصبح ينوي صومه تطوعا لم يجزه من رمضان ولا أرى رمضان يجزيه إلا بإرادته والله أعلم ، ولا أعلم بينه وبين نذر الصلاة وغير ذلك مما لا يجزي إلا بنية فرقا
( قال الشافعي ) : ولو أن مقيما نوى الصيام قبل الفجر ثم خرج بعد الفجر مسافرا لم يفطر يومه ذلك ; لأنه قد دخل في الصوم مقيما ( قال الربيع ) : وفي كتاب غير هذا من كتبه إلا أن يصح حديث { عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أفطر بالكديد أنه نوى صيام ذلك اليوم وهو مقيم } .

( قال الشافعي ) : ولو نواه من الليل ثم خرج قبل الفجر كان كأن لم يدخل في الصوم حتى سافر وكان له إن شاء أن يتم فيصوم ، وإن شاء أن يفطر
( قال الشافعي ) : وإذا تأخى الرجل القبلة بلا دلائل فلما أصبح علم أنه أصاب القبلة كانت عليه [ ص: 112 ] الإعادة ; لأنه صلى حين صلى على الشك
( قال الشافعي ) : وقد نهي عن صيام السفر وإنما نهي عنه عندنا والله أعلم على الرفق بالناس لا على التحريم ولا على أنه لا يجزي وقد يسمع بعض الناس النهي ولا يسمع ما يدل على معنى النهي فيقول بالنهي جملة .

( قال الشافعي ) : والدليل على ما قلت لك أنه رخصة في السفر أن مالكا أخبرنا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة { أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال : يا رسول الله أصوم في السفر وكان كثير الصوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت فصم ، وإن شئت فافطر } أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن { أنس بن مالك قال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم } .

( قال الشافعي ) : وهذا دليل على ما وصفت ، فإن قال إنسان فإنه قد سمى الذين صاموا العصاة فقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الصيام في السفر للتقوي للعدو ، وذلك أنه كان محاربا عام نهي عن الصيام في السفر فأبى قوم إلا الصيام فسمى بعض من سمع النهي العصاة إذ تركوا الفطر الذي أمروا به ، وقد يمكن أن يكون قد قيل لهم ذلك على أنهم تركوا قبول الرخصة ورغبوا عنها وهذا مكروه عندنا ، إنما نقول يفطر أو يصوم وهو يعلم أن ذلك واسع له ، فإذا جاز ذلك فالصوم أحب إلينا لمن قوي عليه .

( قال الشافعي ) : فإن قيل فقد روي { ليس من البر الصيام في السفر } قيل ليس هذا بخلاف حديث هشام بن عروة ولكنه كما وصفت إذا رأى الصيام برا والفطر مأثما وغير برغبة عن الرخصة في السفر
( قال الشافعي ) : وإذا أدرك المسافر الفجر قبل أن يصل إلى بلده أو البلد الذي ينوي المقام به وهو ينوي الصوم أجزأه ، وإن أزمع الفطر ثم أزمع الصوم بعد الفجر لم يجزه في حضر كان أو في سفر ، وإن سافر فلم يصم حتى مات فليس عليه قضاء ما أفطر ; لأنه كان له أن يفطر وإنما عليه القضاء إذا لزمه أن يصوم وهو مقيم فترك الصوم فهو حينئذ يلزم بالقضاء ويكفر عنه بعد موته وكذلك المريض لا يصح حتى يموت فلا صوم عليه ولا كفارة .
باب صيام التطوع ( قال الشافعي ) : والمتطوع بالصوم مخالف للذي عليه الصوم من شهر رمضان وغيره الذين يجب عليهم الصوم لا يجزيهم عندي إلا إجماع الصوم قبل الفجر والذي يتطوع بالصوم ما لم يأكل ولم يشرب ، وإن أصبح يجزيه الصوم ، وإن أفطر المتطوع من غير عذر كرهته له ولا قضاء عليه ، وخالفنا في هذا بعض الناس فقال عليه القضاء ، وإذا دخل في شيء فقد أوجبه على نفسه واحتج بحديث الزهري { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة وحفصة أن يقضيا يوما مكان يومهما الذي أفطرتا فيه } .

( قال الشافعي ) : فقيل له ليس بثابت إنما حدثه الزهري عن رجل لا نعرفه ولو كان ثابتا كان يحتمل أن يكون إنما أمرهما على معنى إن شاءتا والله أعلم كما أمر عمر أن يقضي نذرا نذره في الجاهلية وهو على معنى إن شاء . قال فما دل على معنى ما قلت فإن الظاهر من الخبر ليس فيه ما قلت

( قال الشافعي ) : أخبرنا ابن عيينة عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة { عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إنا خبأنا لك حيسا فقال : أما إني كنت أريد الصوم ولكن قربيه }
( قال الشافعي ) : فقلت له لو كان على المتطوع القضاء إذا خرج من الصوم لم يكن له الخروج منه من غير عذر وذلك أن الخروج حينئذ منه لا [ ص: 113 ] يجوز ، وكيف يجوز لأحد أن يخرج من عمل عليه تمامه من غير عذر إذا كان عليه أن يعود فيه لم يكن له أن يخرج منه .

( قال الشافعي ) : والاعتكاف وكل عمل له قبل أن يدخل فيه أن لا يدخل فيه فله الخروج قبل إكماله وأحب إلي لو أتمه إلا الحج والعمرة فقط ، فإن قال قائل : فكيف أمرته إذا أفسد الحج والعمرة أن يعود فيهما فيقضيهما مرتين دون الأعمال ؟ قلنا : لا يشبه الحج والعمرة الصوم ولا الصلاة ولا ما سواهما . ألا ترى أنه لا يختلف أحد في أنه يمضي في الحج والعمرة على الفساد كما يمضي فيهما قبل الفساد ويكفر ويعود فيهما ؟ ولا يختلف أحد في أنه إذا أفسد الصلاة لم يمض فيها ولم يجز له أن يصليها فاسدة بلا وضوء وهكذا الصوم إذا أفسد لم يمض فيه . أو لا ترى أنه يكفر في الحج والعمرة متطوعا كان أو واجبا عليه كفارة واحدة ولا يكفر في الصلاة على كل حال ولا في الاعتكاف ولا في التطوع في الصوم ؟ وقد روى الذين يقولون بخلافنا في هذا عن ابن عمر أنه صلى ركعة وقال : إنما هو تطوع ، وروينا عن ابن عباس شبيها به في الطواف .
باب أحكام من أفطر في رمضان ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى من أفطر أياما من رمضان من عذر مرض أو سفر قضاهن في أي وقت ما شاء في ذي الحجة أو غيرها وبينه وبين أن يأتي عليه رمضان آخر متفرقات أو مجتمعات ; وذلك أن الله عز وجل يقول { : فعدة من أيام أخر } ولم يذكرهن متتابعات وقد بلغنا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أحصيت العدة فصمهن كيف شئت ( قال ) : وصوم كفارة اليمين متتابع والله أعلم ، فإن مرض وسافر المفطر من رمضان فلم يصح ولم يقدر حتى يأتي عليه رمضان آخر قضاهن ولا كفارة ، وإن فرط وهو يمكنه أن يصوم حتى يأتي رمضان آخر صام الرمضان الذي جاء عليه وقضاهن . وكفر عن كل يوم بمد حنطة
( قال الشافعي ) : والحامل والمرضع إذا أطاقتا الصوم ولم تخافا على ولديهما .

( قال الشافعي ) : وإن كانتا لا تقدران على الصوم فهذا مثل المرض أفطرتا وقضتا بلا كفارة إنما ككفران بالأثر وبأنهما لم تفطرا لأنفسهما إنما أفطرتا لغيرهما فذلك فرق بينهما وبين المريض لا يكفر والشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ويقدر على الكفارة يتصدق عن كل يوم بمد حنطة خبرا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقياسا على من لم يطق الحج أن يحج عنه غيره وليس عمل غيره عنه عمله نفسه كما ليس الكفارة كعمله .

( قال الشافعي ) : والحال التي يترك بها الكبير الصوم أن يكون يجهده الجهد غير المحتمل وكذلك المريض والحامل : ( قال الشافعي ) : وإن زاد مرض المريض زيادة بينة أفطر ، وإن كانت زيادة محتملة لم يفطر والحامل إذا خافت على ولدها : أفطرت وكذلك المرضع إذا أضر بلبنها [ ص: 114 ] الإضرار البين ، فأما ما كان من ذلك محتملا فلا يفطر صاحبه ، والصوم قد يزيد عامة العلل ولكن زيادة محتملة وينتقص بعض اللبن ولكنه نقصان محتمل ، فإذا تفاحش أفطرتا ( قال الشافعي ) : فكأنه يتأول إذا لم يطق الصوم الفدية والله أعلم ، فإن قال قائل : فكيف يسقط عنه فرض الصلاة إذا لم يطقها ولا يسقط فرض الصوم ؟ قيل ليس يسقط فرض الصلاة في حال تفعل فيها الصلاة ولكنه يصلي كما يطيق قائما أو قاعدا أو مضطجعا فيكون بعض هذا بدلا من بعض ، وليس شيء غير الصلاة بدلا من الصلاة ، ولا الصلاة بدلا من شيء ، فالصوم لا يجزي فيه إلا إكماله ولا يتغير بتغير حال صاحبه ويزال عن وقته بالسفر والمرض ; لأنه لا نقص فيه كما يكون بعض الصلاة قصرا وبعضها قاعدا وقد يكون بدلا من الطعام في الكفارة ويكون الطعام بدلا منه
( قال الشافعي ) : ومن مرض فلم يصح حتى مات : فلا قضاء عليه إنما القضاء إذا صح ثم فرط ، ومن مات وقد فرط في القضاء أطعم عنه مكان كل يوم مسكين مدا من طعام
( قال الشافعي ) : ومن نذر أن يصوم سنة صامها وأفطر الأيام التي نهي عن صومها وهي يوم الفطر والأضحى وأيام منى وقضاها .
ومن نذر أن يصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان صامه ، وإن قدم فلان وقد مضى من النهار شيء أو كان يوم فطر قضاه ، وإن قدم ليلا فأحب إلي أن يصوم الغد بالنية لصوم يوم النذر ، وإن لم يفعل لم أره واجبا
( قال الشافعي ) : ومن نذر أن يصوم يوم الجمعة فوافق يوم فطر أفطر وقضاه
ومن نوى أن يصوم يوم الفطر لم يصمه ولم يقضه ; لأن ليس له صومه
وكذلك لو أن امرأة نذرت أن تصوم أيام حيضها لم تصمه ولم تقضه ; لأنه ليس لها أن تصومها
( قال الربيع ) : وقد قال الشافعي مرة : من نذر صوم يوم يقدم فلان ، فوافق يوم عيد لم يكن عليه شيء ، ومن نذر صوم يوم يقدم فيه فلان فقدم في بعض النهار ، لم يكن عليه شيء .
[ ص: 115 ] كتاب الاعتكاف أخبرنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي والاعتكاف سنة فمن أوجب على نفسه اعتكاف شهر فإنه يدخل في الاعتكاف قبل غروب الشمس ويخرج منه إذا غربت الشمس آخر الشهر ( قال ) : ولا بأس بالاشتراط في الاعتكاف الواجب وذلك أن يقول إن عرض لي عارض كان لي الخروج ولا بأس أن يعتكف ولا ينوي أياما ولا وجوب اعتكاف متى شاء انصرف والاعتكاف في المسجد الجامع أحب إلينا ، وإن اعتكف في غيره فمن الجمعة إلى الجمعة
وإذا أوجب على نفسه اعتكافا في مسجد فانهدم المسجد اعتكف في موضع منه ، فإن لم يقدر خرج من الاعتكاف وإذا بني المسجد رجع فبنى على اعتكافه
ويخرج المعتكف لحاجته إلى البول والغائط إلى بيته إن شاء أو غيره ولا يمكث بعد فراغه من حاجته ولا بأس أن يسأل عن المريض إذا دخل منزله ولا بأس أن يشتري ويبيع ويخيط ويجالس العلماء ويتحدث بما أحب ما لم يكن إثما ولا يفسد الاعتكاف سباب ولا جدال
( قال ) : ولا يعود : المريض ولا يشهد الجنازة إذا كان اعتكافا واجبا
ولا بأس أن يعتكف المؤذن ويصعد المنارة كانت داخلة المسجد أو خارجة منه وأكره له الأذان للوالي بالصلاة ولا بأس أن يقضي
وإن كانت عنده شهادة فدعي إليها فإنه يلزمه أن يجيب ، فإن أجاب يقضي الاعتكاف
وإن أكل المعتكف في بيته فلا شيء عليه
وإذا مرض الذي أوجب على نفسه الاعتكاف خرج ، فإذا برئ رجع فبنى على ما مضى من اعتكافه ، فإن مكث بعد برئه شيئا من غير عذر استقبل الاعتكاف وإذا خرج المعتكف لغير حاجة انتقض اعتكافه وإذا أفطر المعتكف أو وطئ استأنف اعتكافه إذا كان اعتكافا واجبا بصوم وكذلك المرأة إذا كانت معتكفة




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #73  
قديم 25-11-2021, 03:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب قسم الصدقات
الحلقة (73)
صــــــــــ 116 الى صـــــــــــ120


قال ) : وإذا جعل لله عليه شهرا ولم يسم شهرا بعينه ولم يقل متتابعا : اعتكف متى شاء وأحب إلي أن يكون متتابعا
ولا يفسد الاعتكاف من الوطء إلا ما يوجب الحد لا تفسده قبلة ولا مباشرة ولا نظرة أنزل أو لم ينزل وكذلك المرأة كان هذا في المسجد أو في غيره وإذا قال : لله علي أن أعتكف شهرا بالنهار فله أن يعتكف النهار دون الليل وكذلك لو قال لله علي أن لا أكلم فلانا شهرا بالنهار وإذا جعل لله عليه اعتكاف شهر بعينه فذهب الشهر وهو لا يعلم فعليه أن يعتكف شهرا سواه وإذا جعل لله عليه اعتكاف شهر فاعتكفه إلا يوما فعليه قضاء ذلك اليوم وإذا اعتكف الرجل اعتكافا واجبا فأخرجه السلطان أو غيره مكرها فلا شيء عليه متى خلا بنى على اعتكافه وكذلك إذا أخرجه بحد أو دين فحبسه ، فإذا خرج رجع فبنى وإذا سكر المعتكف ليلا أو نهارا أفسد اعتكافه وعليه أن يبتدئ إذا كان واجبا وإذا [ ص: 117 ] خرج المعتكف لحاجة فلقيه غريم له فلا بأس أن يوكل به واذا كان المعتكف الذي عليه الدين يحبسه الطالب عن الاعتكاف ، فإذا خلاه رجع فبنى وإذا خاف المعتكف من الوالي خرج ، فإذا أمن بنى والاعتكاف الواجب أن يقول لله علي أن أعتكف كذا وكذا والاعتكاف الذي ليس بواجب أن يعتكف ولا ينوي شيئا ، فإن نوى المعتكف يوما فدخل نصف النهار في الاعتكاف اعتكف إلى مثله ، وإذا جعل لله عليه اعتكاف يوم دخل قبل الفجر إلى غروب الشمس ، وإذا جعل لله عليه اعتكاف يومين دخل قبل الفجر فيعتكف يوما وليلة ويوما إلا أن يكون له نية النهار دون الليل وإذا جعل لله عليه اعتكاف شهر بصوم ثم مات قبل أن يقضيه فإنه يطعم عنه مكان كل يوم مدا ، فإن كان جعل على نفسه وهو مريض فمات قبل أن يصح فلا شيء عليه ، فإن كان صح أقل من شهر ثم مات أطعم عنه بعدد ما صح من الأيام كل [ ص: 118 ] يوم مدا ( قال الربيع ) : إذا مات : وقد كان عليه أن يعتكف ويصوم أطعم عنه ، وإذا لم يمكنه فلا شيء عليه ولا بأس أن يعتكف الرجل الليلة وكذلك لا بأس أن يعتكف يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق والاعتكاف يكون بغير صوم فإذا قال : لله علي أن أعتكف يوم يقدم فلان فقدم فلان في أول النهار أو آخره اعتكف ما بقي من النهار ، وإن قدم وهو مريض أو محبوس فإنه إذا صح أو خرج من الحبس قضاه ، وإن قدم ليلا فلا شيء عليه ، وإذا جعل لله عليه اعتكاف شهر سماه ، فإذا الشهر قد مضى فلا شيء عليه
( قال ) : وإذا أحرم المعتكف بالحج وهو معتكف أتم اعتكافه ، فإن خاف فوات الحج مضى لحجه ، فإن كان اعتكافه متتابعا ، فإذا قدم من الحج استأنف ، وإن كان غير متتابع بنى والاعتكاف في المسجد الحرام أفضل من الاعتكاف فيما سواه وكذلك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وكل ما عظم من المساجد وكثر أهله فهو أفضل ، والمرأة والعبد والمسافر يعتكفون حيث شاءوا ; لأنهم لا جمعة عليهم وإذا جعلت المرأة على نفسها اعتكافا فلزوجها منعها منه وكذلك لسيد العبد والمدبر وأم الولد منعهم ، فإذا أذن لهم ثم أراد منعهم قبل تمام ذلك فذلك له وليس لسيد المكاتب منعهم من الاعتكاف
وإذا جعل العبد المعتق نصفه عليه اعتكافا أياما فله أن يعتكف يوما ويخدم يوما حتى يتم اعتكافه وإذا جن المعتكف فأقام سنين ثم أفاق بنى .
والأعمى والمقعد في الاعتكاف كالصحيح ، ولا بأس أن يلبس المعتكف والمعتكفة ما بدا لهما من الثياب ويأكلا ما بدا لهما من الطعام ويتطيبا بما بدا لهما من الطيب ولا بأس أن ينام في المسجد ولا بأس بوضع المائدة في المسجد وغسل اليدين في المسجد في الطست ولو نسي المعتكف فخرج ثم رجع لم يفسد اعتكافه ولا بأس أن يخرج المعتكف رأسه من المسجد إلى بعض أهله فيغسله - فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بأس أن ينكح المعتكف نفسه وينكح غيره وإذا مات عن المعتكفة زوجها خرجت ، وإذا قضت عدتها رجعت فبنت ، وقد قيل ليس لها أن تخرج ، فإن فعلت ابتدأت والله أعلم .
[ ص: 119 ] كتاب الحج باب فرض الحج على من وجب عليه الحج أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي بمصر سنة سبع ومائتين قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال : أصل إثبات فرض الحج خاصة في كتاب الله تعالى ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكر الله عز وجل الحج في غير موضع من كتابه فحكى أنه قال لإبراهيم عليه السلام { وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق } ، وقال تبارك وتعالى : { لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام } مع ما ذكر به الحج .

( قال الشافعي ) : والآية التي فيها بيان فرض الحج على من فرض عليه قال الله جل ذكره { : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } وقال { : وأتموا الحج والعمرة لله } وهذه الآية موضوعة بتفسيرها في العمرة .

( قال الشافعي ) :
أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عكرمة قال لما نزلت { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } الآية قالت اليهود : فنحن مسلمون فقال الله تعالى لنبيه فحجهم فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : حجوا فقالوا لم يكتب علينا وأبوا أن يحجوا قال الله جل ثناؤه : { ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } قال عكرمة : من كفر من أهل الملل فإن الله غني عن العالمين وما أشبه ما قال عكرمة بما قال والله أعلم ; لأن هذا كفر بفرض الحج وقد أنزله الله .

والكفر بآية من كتاب الله كفر ( أخبرنا ) : مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال : قال مجاهد في قول الله عز وجل { ومن كفر } قال هو ما إن حج لم يره برا ، وإن جلس لم يره إثما [ ص: 120 ] كان سعيد بن سالم يذهب إلى أنه كفر بفرض الحج .

( قال الشافعي ) :
ومن كفر بآية من كتاب الله كان كافرا وهذا إن شاء الله كما قال مجاهد : وما قال عكرمة فيه أوضح ، وإن كان هذا واضحا .

( قال الشافعي ) :
فعم فرض الحج كل بالغ مستطيع إليه سبيلا ، فإن قال قائل : فلم لا يكون غير البالغ إذا وجد إليه سبيلا ممن عليه فرض الحج ؟ قيل : الاستدلال بالكتاب والسنة قال الله جل ذكره : { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم } يعني الذين أمرهم بالاستئذان من البالغين فأخبر أنهم إنما يثبت عليهم الفرض في إيذانهم في الاستئذان إذا بلغوا قال الله تعالى { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } فلم يأمر بدفع المال إليهم بالرشد حتى يجتمع البلوغ معه وفرض الله الجهاد في كتابه ثم أكد اليقين { فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن عمر حريصا على أن يجاهد وأبوه حريص على جهاده وهو ابن أربع عشرة سنة فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أحد ثم أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغ خمس عشرة سنة عام الخندق } ورسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله ما أنزل جملا من إرادته جل شأنه فاستدللنا بأن الفرائض والحدود إنما تجب على البالغين وصنع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أحد مع ابن عمر ببضعة عشر رجلا كلهم في مثل سنه

( قال الشافعي ) :
فالحج واجب على البالغ العاقل والفرائض كلها ، وإن كان سفيها وكذلك الحدود ، فإذا حج بالغا عاقلا أجزأ عنه ولم يكن عليه أن يعود لحجة أخرى إذا صار رشيدا وكذلك المرأة البالغة ( قال ) : وفرض الحج زائل عمن بلغ مغلوبا على عقله ; لأن الفرائض على من عقلها وذلك أن الله عز وجل خاطب بالفرائض من فرضها عليه في غير آية من كتابه ولا يخاطب إلا من يعقل المخاطبة وكذلك الحدود ، ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك على ما دل عليه كتاب الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يحتلم والمجنون حتى يفيق والنائم حتى يستيقظ } ، فإن كان يجن ويفيق فعليه الحج ، فإذا حج مفيقا أجزأ عنه ، وإن حج في حال جنونه لم يجز عنه الحج وعلى ولي السفيه البالغ أن يتكارى له ويمونه في حجه ; لأنه واجب عليه ولا يضيع السفيه من الفرائض شيئا وكذلك ولي السفيهة البالغة
( قال الشافعي ) :
ولو حج غلام قبل بلوغ الحلم واستكمال خمس عشرة سنة ثم عاش بعدها بالغا لم يحج لم تقض الحجة التي حج قبل البلوغ عنه حجة الإسلام ; وذلك أنه حجها قبل أن تجب عليه وكان في معنى من صلى فريضة قبل وقتها الذي تجب عليه فيه في هذا الموضع فيكون بها متطوعا كما يكون بالصلاة متطوعا ولم يختلف المسلمون عليه فيما وصفت في الذين لم يبلغوا الحلم والمماليك لو حجوا وأن ليست على واحد منهم فريضة الحج ولو أذن للملوك بالحج أو أحجه سيده كان حجه تطوعا لا يجزي عنه من حجة الإسلام إن عتق ثم عاش مدة يمكنه فيها أن يحج بعدما ثبتت عليه فريضة الحج ( قال ) : ولو حج كافر بالغ ثم أسلم لم تجز عنه حجة الإسلام ; لأنه لا يكتب له عمل يؤدى فرضا في بدنه حتى يصير إلى الإيمان بالله ورسوله ، فإذا أسلم وجب عليه الحج



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #74  
قديم 25-11-2021, 03:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (74)
صــــــــــ 121 الى صـــــــــــ125

( قال ) : وكان في الحج مؤنة في المال وكان العبد لا مال له ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين بقوله { من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع } فدل ذلك على [ ص: 121 ] أن لا مال للعبد وإن ما ملك فإنما هو ملك للسيد وكان المسلمون لا يورثون العبد من ولده ولا والده ولا غيرهم شيئا فكان هذا عندنا من أقاويلهم استدلالا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه لا يملك إلا لسيده وكان سيده غير الوارث وكان المسلمون لا يجعلون على سيده الإذن له إلى الحج فكان العبد ممن لا يستطيع إليه سبيلا فدل هذا على أن العبيد خارجون من فرض الحج بخروجهم من استطاعة الحج وخارج من الفرض لو أذن له سيده . ولو أذن له سيده وحج لم تجز عنه ، فإن قال قائل : فكيف لا تجزي عنه ؟ قلت ; لأنها لا تلزمه وأنها لا تجزي عمن لم تلزمه قال ومثل ماذا ؟ قلت مثل مصلي المكتوبة قبل وقتها وصائم شهر رمضان قبل إهلاله لا يجزئ عن واحد منهما إلا في وقته ; لأنه عمل على البدن والعمل على البدن لا يجزي إلا في الوقت ، والكبير الفاني القادر يلزمه ذلك في نفسه وفي غيره وليس هكذا المملوك ولا غيره البالغ من الأحرار ، فلو حجا لم تجز عنهما حجة الإسلام إذا بلغ هذا وعتق هذا وأمكنهما الحج .
باب تفريع حج الصبي والمملوك

( قال الشافعي ) :
رحمه الله تعالى ليس على الصبي حج حتى يبلغ الغلام الحلم والجارية المحيض في أي سن ما بلغاها أو استكملا خمس عشرة سنة ، فإذا بلغا استكمال خمس عشرة سنة ، أو بلغا المحيض أو الحلم ، وجب عليهما الحج ( قال ) : وحسن أن يحجا صغيرين لا يعقلان ودون البالغين يعقلان يجردان للإحرام ويجتنبان ما يجتنب الكبير ، فإذا أطاقا عمل شيء أو كانا إذا أمرا به عملاه عن أنفسهما ما كان ، فإن لم يكونا يطيقانه عمل عنهما وسواء في ذلك الصلاة التي تجب بالطواف أو غيرها من عمل الحج ، فإن قال قائل أفتصلي عنهما المكتوبة ؟ قيل لا ، فإن قال فما فرق بين المكتوبة وبين الصلاة التي وجبت بالطواف ؟ قيل تلك عمل من عمل الحج وجبت به كوجوب الطواف والوقوف به والرمي وليست بفرض على غير حاج فتؤدى كما يؤدى غيرها .

فإن قال قائل : فهل من فرق غير هذا ؟ قيل نعم ، الحائض تحج وتعتمر فتقضي ركعتي الطواف لا بد منهما ولا تقضي المكتوبة التي مرت في أيام حيضها ( قال ) : والحجة في هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للمرء أن يحج عن غيره وفي ذلك أن عمله عنه يجزئ كما أجزأ عمله عن نفسه فمن علم هذا علم أنه مضطر إلى أن يقول لا يبقى من عمل الحج عنه شيء ، فلو جاز أن يبقى من عمل الحج صلاة جاز أن يبقى طواف ورمي ووقوف ولكنه يأتي بالكمال عمن عمل عنه كما كان على المعمول عنه أن يأتي بالكمال عن نفسه ( قال ) : ولا أعلم أحدا ممن سمعت منه في هذا شيئا خالف فيه ما وصفت . وقد حكي لي عن قائل أنه قال : يعمل عنه غير الصلاة ، وأصل قول القائل هذا أنه لا يحج أحد عن أحد إلا في بعض الأحوال دون بعض فكيف جاز أن يأمر بالحج في حال لم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فيه ويتركها حيث أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم وكيف إذا ترك أصل قوله في حال يحج المرء فيها عن غيره أو يعمل فيها شيئا من عمل الحج عن غيره لم يجعل الصلاة التي تجب بالحج مما أمر بعمله في الحج غير الصلاة ؟ .

فإن قال قائل : فما الحجة أن للصبي حجا ولم يكتب عليه فرضه قيل : إن الله بفضل نعمته أناب الناس على الأعمال أضعافها ومن على المؤمنين بأن ألحق بهم ذرياتهم ووفر عليهم أعمالهم فقال { : ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء } فلما من على الذراري بإدخالهم جنته بلا عمل كان أن من عليهم بأن يكتب لهم عمل [ ص: 122 ] البر في الحج ، وإن لم يجب عليهم من ذلك المعنى ، فإن قال قائل ما دل على ما وصفت ؟ فقد جاءت الأحاديث في أطفال المسلمين أنهم يدخلون الجنة فالحجة فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

( قال الشافعي ) :
أخبرنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم قفل فلما كان بالروحاء لقي ركبا فسلم عليهم فقال : من القوم ؟ فقالوا : مسلمون ، فمن القوم قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفعت إليه امرأة صبيا لها من محفة فقالت : يا رسول الله ألهذا حج قال : نعم ، ولك أجر . }

أخبرنا مالك عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة ، وهي في محفتها فقيل لها : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بعضد صبي كان معها فقالت : ألهذا حج ؟ قال : نعم . ولك أجر } ( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن مالك بن مغول عن أبي السفر قال قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أيها الناس أسمعوني ما تقولون وافهموا ما أقول لكم أيما مملوك حج به أهله فمات قبل أن يعتق فقد قضى حجه ، وإن عتق قبل أن يموت فليحجج وأيما غلام حج به أهله فمات قبل أن يدرك فقد قضي عنه حجه ، وإن بلغ فليحجج " أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال ، وتقضى حجة العبد عنه حتى يعتق ، فإذا عتق وجبت عليه من غير أن تكون واجبة عليه .

( قال الشافعي ) :
هذا كما قال عطاء في العبد إن شاء الله ومن لم يبلغ وقد بين معنى قوله ومعنى قول ابن عباس عندنا هكذا وقوله : فإذا عتق فليحجج يدل على أنها لو أجزأت عنه حجة الإسلام لم يأمره بأن يحج إذا عتق ويدل على أنه لا يراها واجبة عليه في عبوديته ; وذلك أنه وغيره من أهل الإسلام لا يرون فرض الحج على أحد إلا مرة ; لأن الله عز وجل يقول { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } فذكره مرة ، ولم يردد ذكره مرة أخرى

( قال الشافعي ) :
أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء : أرأيت إن حج العبد تطوعا يأذن له سيده بحج لا أجر نفسه ولا حج به أهله يخدمهم ؟ قال : سمعنا أنه إذا عتق حج لا بد .

أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن ابن طاوس أن أباه كان يقول : تقضى حجة الصغير عنه حتى يعقل ، فإذا عقل وجبت عليه حجة لا بد منها والعبد كذلك أيضا ( قالا ) : وأخبرنا ابن جريج أن قولهم هذا عن ابن عباس .

( قال الشافعي ) :
وقولهم : إذا عقل الصبي ، إذا احتلم والله أعلم . ويروى عن عمر في الصبي والمملوك مثل معنى هذا القول ، فيجتمع المملوك وغير البالغين والعبد في هذا المعنى ، ويتفرقان فيما أصاب كل واحد منهما في حجه .
الإذن للعبد

( قال الشافعي ) :
إذا أذن الرجل لعبده بالحج فأحرم فليس له منعه أن يتم على إحرامه وله بيعه وليس لمبتاعه منعه أن يتم إحرامه ولمبتاعه الخيار إذا كان لم يعلم بإحرامه ; لأنه محول بينه وبين حبسه لمنفعته إلى أن ينقضي إحرامه وكذلك الأمة وكذلك الصبيان إذا أذن لهما أبوهما فأحرما لم يكن له حبسهما ( قال ) : ولو أصاب العبد امرأته فبطل حجه لم يكن لسيده حبسه وذلك ; لأنه مأمور بأن يمضي في حج فاسد مضيه في حج صحيح ولو أذن له في الحج فأحرم فمنعه مرض : لم يكن له حبسه إذا صح عن أن يحل بطواف ، وإن أذن له في حج فلم يحرم : كان له منعه ما لم يحرم ( قال ) : وإن أذن له أن يتمتع أو يقرن فأعطاه دما للمتعة أو القران : لم يجز عنه ; لأن العبد لا يملك شيئا ، فإذا ملكه شيئا فإنما ملكه للسيد فلا [ ص: 123 ] يجزي عنه ما لا يكون له مالكا بحال وعليه فيما لزمه الصوم ما كان مملوكا ، فإن لم يصم حتى عتق ووجد ففيها قولان : أحدهما أن يكفر كفارة الحر الواجد والثاني لا يكفر إلا بالصوم ; لأنه لم يكن له ولا عليه في الوقت الذي أصاب فيه شيء إلا الصوم لو أذن له في الحج فأفسده كان على سيده أن يدعه يتم عليه ولم يكن له على سيده أن يدعه يقضيه ، فإن قضاه أجزأ عنه من القضاء وعليه إذا عتق حجة الإسلام ولو لم يأذن للعبد سيده بالحج فأحرم به كان أحب إلي أن يدعه يتمه ، فإن لم يفعل فله حبسه وفيها قولان : أحدهما أن عليه إذا حبسه سيده عن إتمام حجه شاة يقومها دراهم ثم يقوم الدراهم طعاما ثم يصوم عن كل مد يوما ثم يحل ، والقول الثاني يحل ولا شيء عليه حتى يعتق فيكون عليه شاة ، ولو أذن السيد لعبده فتمتع فمات العبد ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال : إذا أذنت لعبدك فتمتع فمات فاغرم عنه ، فإن قال قائل فهل يجوز أن يفرق بين ما يجزي العبد حيا من إعطاء سيده عنه وما يجزيه ميتا ؟ فنعم ، أما ما أعطاه حيا فلا يكون له إخراجه من ملكه عنه حيا حتى يكون المعطى عنه مالكا له والعبد لا يكون مالكا ، وهكذا ما أعطي عن الحر بإذنه أو وهبه للحر فأعطاه الحر عن نفسه قد ملك الحر في الحالين ولو أعطى عن حر بعد موته أو عبد لم يكن الموتى يملكون شيئا أبدا ، ألا ترى أن من وهب لهم أو أوصى أو تصدق عليهم لم يجز وإنما أجزنا أن يتصدق عنهم بالخبر عن { رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر سعدا أن يتصدق عن أمه } ، ولولا ذلك لما جاز ما وصفت لك .
باب كيف الاستطاعة إلى الحج

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى الاستطاعة وجهان :
أحدهما أن يكون الرجل مستطيعا ببدنه واجدا من ماله ما يبلغه الحج فتكون استطاعته تامة ويكون عليه فرض الحج لا يجزيه ما كان بهذا الحال ، إلا أن يؤديه عن نفسه ، والاستطاعة الثانية أن يكون مضنوا في بدنه لا يقدر أن يثبت على مركب فيحج على المركب بحال وهو قادر على من يطيعه إذا أمره أن يحج عنه بطاعته له أو قادر على مال يجد من يستأجره ببعضه فيحج عنه فيكون هذا ممن لزمته فريضة الحج كما قدر ، ومعروف في لسان العرب أن الاستطاعة تكون بالبدن وبمن يقوم مقام البدن ، وذلك أن الرجل يقول : أنا مستطيع لأن أبني داري يعني بيده ويعني بأن يأمر من يبنيها بإجارة أو يتطوع ببنائها له ، وكذلك مستطيع لأن أخيط ثوبي ، وغير ذلك مما يعمله هو بنفسه ويعمله له غيره .

فإن قال قائل : الحج على البدن وأنت تقول في الأعمال على الأبدان إنما يؤديها عاملها بنفسه مثل الصلاة والصيام فيصلي المرء قائما ، فإن لم يقدر صلى جالسا أو مضطجعا ولا يصلي عنه غيره ، وإن لم يقدر على الصوم قضاه إذا قدر أو كفر ولم يصم عنه غيره وأجزأ عنه . قيل له إن شاء الله تعالى الشرائع تجتمع في معنى وتفترق في غيره بما فرق الله به عز وجل بينها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أو بما اجتمعت عليه عوام المسلمين الذين لم يكن فيهم أن يجهلوا أحكام الله تعالى ، فإن قال : فادللني على ما وصفت من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم قيل له : إن شاء الله أخبرنا سفيان قال سمعت الزهري يحدث عن سليمان بن يسار عن ابن عباس { أن امرأة من خثعم [ ص: 124 ] سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على راحلته فهل ترى أن أحج عنه ؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم نعم } قال سفيان هكذا حفظته عن الزهري وأخبرنيه عمرو بن دينار عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، وزاد فقالت : يا رسول الله فهل ينفعه ذلك ؟ فقال : نعم مثل لو كان عليه دين فقضيته نفعه فكان فيما حفظ سفيان عن الزهري ما بين أن أباها إذا أدركته فريضة الحج ولا يستطيع أن يستمسك على راحلته أن جائزا لغيره أن يحج عنه ، ولد أو غيره ، وأن لغيره أن يؤدي عنه فرضا إن كان عليه في الحج إذا كان غير مطيق لتأديته ببدنه فالفرض لازم له ، ولو لم يلزمه لقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا فريضة على أبيك إذا كان إنما أسلم ولا يستطيع أن يستمسك على الراحلة إن شاء الله تعالى ، ولقال : لا يحج أحد عن أحد إنما يعمل المرء عن نفسه ثم بين سفيان عن عمرو عن الزهري في الحديث ما لم يدع بعده في قلب من ليس بالفهم شيئا فقال في الحديث { فقالت له : أينفعه ذلك يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم : كما لو كان على أبيك دين فقضيته نفعه } وتأدية الدين عمن عليه حيا وميتا فرض من الله عز وجل في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وفي إجماع المسلمين ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تأديتها عنه فريضة الحج نافعة له كما ينفعه تأديتها عنه دينا لو كان عليه ومنفعته إخراجه من المآثم وإيجاب أجر تأديته الفرض له كما يكون ذلك في الدين ، ولا شيء أولى أن يجمع بينهما مما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه ونحن نجمع بالقياس بين ما أشبه في وجه ، وإن خالفه في وجه غيره ، إذا لم يكن شيء أشد مجامعة له منه فيرى أن الحجة تلزم به العلماء ، فإذا جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئين ، فالفرض أن يجمع بين ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه ، وفيه فرق آخر أن العاقل للصلاة لا تسقط عنه حتى يصليها جالسا إن لم يقدر على القيام أو مضطجعا أو موميا وكيفما قدر وأن الصوم إن لم يقدر عليه قضاه ، فإن لم يقدر على قضاء كفر ، والفرض على الأبدان مجتمع في أنه لازم في حال ثم يختلف بما خالف الله عز وجل بينه ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم يفرق بينه بما يفرق به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض من هو دونهم ، فالذي يخالفنا ولا يجيز أن يحج أحد عن أحد يزعم أن من نسي فتكلم في صلاة لم تفسد عليه صلاته ، ومن نسي فأكل في شهر رمضان فسد صومه ويزعم أن من جامع في الحج أهدى . ومن جامع في شهر رمضان تصدق ومن جامع في الصلاة فلا شيء عليه ويفرق بين الفرائض فيما لا يحصى كثرة .

وعلته في الفرق بينها خبر وإجماع ، فإذا كانت هذه علته فلم رد مثل الذي أخذ به ؟ قال الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : { كان الفضل بن عباس رديف النبي صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه ، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر فقالت : يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ فقال : نعم } ، وذلك في حجة الوداع

( قال الشافعي ) :
أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج قال قال ابن شهاب حدثني سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس عن الفضل بن عباس { أن امرأة من خثعم قالت : يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله عليه في الحج وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره قال : فحجي عنه } ( قال الشافعي ) : أخبرنا عمرو بن أبي سلمة عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن زيد بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { وكل منى منحر ثم جاءت امرأة [ ص: 125 ] من خثعم فقالت : يا رسول الله إن أبي شيخ كبير قد أفند وأدركته فريضة الله على عباده في الحج ولا يستطيع أداءها فهل يجزي عنه أن أؤديها عنه ؟ فقال : نعم } ( قال الشافعي ) : وفي حديث علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم بيان أن عليه أداءها إن قدر ، وإن لم يقدر أداها عنه فأداؤها إياها عنه يجزيه ، والأداء لا يكون إلا لما لزم ( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن حنظلة بن أبي سفيان قال : سمعت طاوسا يقول : { أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت : إن أمي ماتت وعليها حجة فقال حجي عن أمك } أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء قال { سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول : لبيك عن فلان فقال : إن كنت حججت فلب عنه وإلا فاحجج عنك } وروي عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال لشيخ كبير لم يحجج " إن شئت فجهز رجلا يحج عنك " .

( قال الشافعي ) :
ولو جهز من هو بهذه الحال رجلا فحج عنه ثم أتت له حال يقدر فيها على المركب للحج ويمكنه أن يحج لم تجز تلك الحجة عنه وكان عليه أن يحج عن نفسه ، فإن لم يفعل حتى مات أو صار إلى حال لا يقدر فيها على الحج وجب عليه أن يبعث من يحج عنه إذا بلغ تلك الحال أو مات ; لأنه إنما يجزي عنه حج غيره بعد أن لا يجد السبيل ، فإذا وجدها وجب عليه الحج وكان ممن فرض عليه ببدنه أن يحج عن نفسه إذا بلغ تلك الحال ، وما أوجب على نفسه من حج في نذر وتبرر فهو مثل حجة الإسلام وعمرته ، يلزمه أن يحج عن نفسه ويحجه عنه غيره ، إذا جاز أن يحج عنه حجة الإسلام وعمرته جاز ذلك فيما أوجب على نفسه .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #75  
قديم 25-11-2021, 03:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (75)
صــــــــــ 126 الى صـــــــــــ130

باب الخلاف في الحج عن الميت

( قال الشافعي ) :
رحمه الله تعالى لا أعلم أحدا نسب إلى علم ببلد يعرف أهله بالعلم خالفنا في أن يحج عن المرء إذا مات الحجة الواجبة عنه إلا بعض من أدركنا بالمدينة وأعلام أهل المدينة والأكابر من ماضي فقهائهم تأمر به مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر علي بن أبي طالب وابن عباس به وغير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وابن المسيب وربيعة والذي قال لا يحج أحد عن أحد قاله ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من ثلاثة وجوه سوى ما روى الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذلك ، أنه أمر بعض من سأله أن يحج عن غيره ثم ترك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم واحتج له بعض من قال بقوله بأن ابن عمر قال لا يحج أحد عن أحد وهو يروي عن ابن عمر ثلاثة وستين حديثا يخالف ابن عمر فيها منها ما يدعه لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنها ما يدعه لما جاء عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يدعه لقول رجل من التابعين ومنها ما يدعه لرأي نفسه فكيف جاز لأحد نسب نفسه إلى علم أن يحل قول ابن عمر عنده في هذا المحل ثم يجعله حجة على السنة ولا يجعله حجة على قول نفسه ؟ وكان من حجة من قال بهذا القول أن قال كيف يجوز أن يعمل رجل عن غيره وليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اتباعها بفرض الله عز وجل كيف والمسألة في شيء قد ثبتت فيه السنة ما لا يسع عالما والله أعلم ، ولو جاز هذا لأحد جاز [ ص: 126 ] عليه مثله فقد يثبت الذي قال هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء بأضعف من إسناد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض الناس أن يحج عن بعض وله في هذا مخالفون كثير منها القطع في ربع دينار ومنها بيع العرايا ، ومنها النهي عن بيع اللحم بالحيوان وأضعاف هذه السنن ، فكيف جاز له على من خالفه أن يثبت الأضعف ويرد على غيره الأقوى ؟ وكيف جاز له أن يقول بالقسامة وهي مختلف فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وأكثر الخلق يخالفه فيها وأعطى فيها بأيمان المدعين الدم وعظيم المال ، وهو لا يعطي بها جرحا ولا درهما ولا أقل من المال في غيرها ، فإن قال ليس في السنة قياس ولا عرض على العقل فحديث حج الرجل عن غيره أثبت من جميع ما ذكرت وأحرى أن لا يبعد عن العقل بعدما وصفت من القسامة وغيرها ثم عاد فقال بما عاب من حج المرء عن غيره حيث لو تركه كان أجوز له وتركه حيث لا يجوز تركه فقال إذا أوصى الرجل أن يحج عنه حج عنه من ماله ، وأصل مذهبه أن لا يحج أحد عن أحد ، كما لا يصلي أحد عن أحد وقد سألت بعض من يذهب مذهبه فقلت : أرأيت لو أوصى الرجل أن يصلى أو يصام عنه بإجارة أو نفقة غير إجارة أو تطوع ، أيصام أو يصلى عنه ؟ قال : لا . والوصية باطلة فقلت له : فإذا كان إنما أبطل الحج ; لأنه كالصوم والصلاة فكيف أجاز أن يحج المرء عن غيره بماله له ولم يبطل الوصية فيه كما أبطلها ؟ قال أجازها الناس قلت : فالناس الذين أجازوها أجازوا أن يحج الرجل عن الرجل إذا أفند .

وإن مات بكل حال وأنت لم تجزها على ما أجازوها عليه مما جاءت به السنة ولم تبطلها إبطالك الوصية بالصوم والصلاة فلم يكن عنده فيها سنة ولا أثر ولا قياس ولا معقول ، بل كان عنده خلاف هذا كله وخلاف ما احتج به عن ابن عمر ، فما علمته إذ قال لا يحج أحد عن أحد استقام عليه ، ولا أمر بالحج في الحال التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه وعامة الفقهاء وما علمت من رد الأحاديث من أهل الكلام تروحوا من الحجة علينا إلى شيء تروحهم إلى إبطال من أبطل أصحابنا أن يحج المرء عن الآخر حيث أبطلها وأشياء قد تركها من السنن ولا شغب فيه شغبه في هذا ، فقلنا لبعض من قال ذلك : لنا مذهبك في التروح إلى الحجة بهذا مذهب من لا علم له أو من له علم بلا نصفة فقال : وكيف ؟ قلت أرأيت ما تروحت إليه من هذا أهو قول أحد يلزم قوله فأنت تكبر خلافه أو قول آدمي قد يدخل عليه ما يدخل على الآدميين من الخطأ ؟ قال : بل قول من يدخل عليه الخطأ قلنا فتركه بأن يحج المرء عن غيره حيث تركه مرغوب عنه غير مقبول منه عندما قال فهو من أهل ناحيتكم قلنا ، وما زعمنا أن أحدا من أهل زماننا وناحيتنا برئ من أن يغفل ، وإنهم لكالناس وما يحتج منصف على امرئ بقول غيره إنما يحتج على المرء بقول نفسه .
باب الحال التي يجب فيها الحج

( قال الشافعي ) :
رحمه الله ما أحب لأحد ترك الحج ماشيا إذا قدر عليه ولم يقدر على مركب رجل أو امرأة والرجل فيه أقل عذرا من المرأة ولا يبين لي أن أوجبه عليه لأني لم أحفظ عن أحد من المفتين أنه أوجب على أحد أن يحج ماشيا ، وقد روى أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن لا يجب المشي على أحد إلى الحج ، وإن أطاقه غير أن منها منقطعة ومنها ما يمتنع أهل العلم بالحديث من تثبيته ( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن إبراهيم بن يزيد عن محمد بن عباد بن جعفر قال قعدنا [ ص: 127 ] إلى عبد الله بن عمر فسمعته يقول { : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما الحاج ؟ فقال الشعث التفل فقام آخر فقال : يا رسول الله أي الحج أفضل ؟ قال العج والثج فقام آخر فقال يا رسول الله ما السبيل ؟ فقال : زاد وراحلة } ( قال ) : وروي عن شريك بن أبي نمر عمن سمع أنس بن مالك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { السبيل الزاد والراحلة } .
باب الاستسلاف للحج

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن سفيان الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن { عبد الله بن أبي أوفى صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سألته عن الرجل لم يحج أيستقرض للحج ؟ قال : لا }

( قال الشافعي ) :
ومن لم يكن في ماله سعة يحج بها من غير أن يستقرض فهو لا يجد السبيل ولكن إن كان ذا عرض كثير فعليه أن يبيع بعض عرضه أو الاستدانة فيه حتى يحج ، فإن كان له مسكن وخادم وقوت أهله بقدر ما يرجع من الحج إن سلم فعليه الحج ، وإن كان له قوت أهله أو ما يركب به لم يجمعهما فقوت أهله ألزم له من الحج عندي والله أعلم ، ولا يجب عليه الحج حتى يضع لأهله قوتهم في قدر غيبته .
ولو آجر رجل نفسه من رجل يخدمه ثم أهل بالحج معه أجزأت عنه من حجة الإسلام وذلك أنه لم ينتقض من عمل الحج بالإجارة شيء إذا جاء بالحج بكماله ولا يحرم عليه أن يقوم بأمر غيره بغير أن ينقض من عمل الحج شيئا كما يقوم بأمر نفسه إذا جاء بما عليه وكما يتطوع فيخدم غيره لثواب أو لغير ثواب ، أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رجلا سأله فقال أو آجر نفسي من هؤلاء القوم فأنسك معهم المناسك إلى أجر ؟ فقال ابن عباس نعم { أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب } ، ولو حج رجل في حملان غيره ومؤنته أجزأت عنه حجة الإسلام ، وقد حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر حملهم فقسم بين عوامهم غنما من ماله فذبحوها عما وجب عليهم وأجزأت عنهم ، وذلك أنهم ملكوا ما أعطاهم من الغنم فذبحوا ما ملكوا ، ومن كفاه غيره مؤنته أجزأت عنه متطوعا أو بأجرة لم ينتقض حجه إذا أتى بما عليه من الحج ، ومباح له أن يأخذ الأجرة ويقبل الصلة ، غنيا كان أو فقيرا ، الصلة لا تحرم على أحد من الناس إنما تحرم الصدقة على بعض الناس ، وليس عليه إذا لم يجد مركبا أن يسأل ولا يؤاجر نفسه ، وإنما السبيل الذي يوجب الحج أن يجد المؤنة والمركب من شيء كان يملكه قبل الحج أو في وقته
باب حج المرأة والعبد
( قال الشافعي ) :
رحمه الله تعالى وإذا كان فيما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن السبيل الزاد والراحلة وكانت المرأة تجدهما وكانت مع ثقة من النساء في طريق مأهولة آمنة فهي ممن عليه الحج عندي والله أعلم ، وإن لم يكن معها ذو محرم ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستثن فيما يوجب الحج إلا الزاد والراحلة ، وإن لم تكن مع حرة مسلمة ثقة من النساء فصاعدا لم تخرج مع رجال لا امرأة معهم ولا محرم لها منهم ، وقد بلغنا عن عائشة وابن عمر وابن الزبير مثل قولنا في أن تسافر المرأة للحج ، وإن لم يكن معها محرم ، أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال سئل عطاء عن امرأة ليس [ ص: 128 ] معها ذو محرم ولا زوج معها ولكن معها ولائد وموليات يلين إنزالها وحفظها ورفعها ؟ قال : نعم . فلتحج

( قال الشافعي ) :
فإن قال قائل : فهل من شيء يشبه غير ما ذكرت ؟ قيل : نعم . ما لا يخالفنا فيه أحد علمته من أن المرأة يلزمها الحق وتثبت عليها الدعوى ببلد لا قاضي به فتجلب من ذلك البلد ولعل الدعوى تبطل عنها أو تأتي بمخرج من حق لو ثبت عليها مسيرة أيام مع غير ذي محرم إذا كانت معها امرأة وأن الله تعالى قال في المعتدات { : ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } فقيل يقام عليها الحد ، فإذا كان هذا هكذا فقد بين الله عز وجل أنه لم يمنعها الخروج من حق لزمها ، وإن لم يكن هكذا وكان خروجها فاحشة فهي بالمعصية بالخروج إلى غير حق ألزم ، فإن قال قائل : ما دل على هذا ؟ قيل لم يختلف الناس فيما علمته أن المعتدة تخرج من بيتها لإقامة الحد عليها وكل حق لزمها ، والسنة تدل على أنها تخرج من بيتها للنداء كما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس ، فإذا كان الكتاب ثم السنة يدلان معا والإجماع في موضع على أن المرأة في الحال التي هي ممنوعة فيها من خروج إلى سفر أو خروج من بيتها في العدة إنما هو على أنها ممنوعة مما لا يلزمها ولا يكون سبيلا لما يلزمها وما لها تركه ، فالحج لازم وهي له مستطيعة بالمال والبدن ومعها امرأة فأكثر ثقة ، فإذا بلغت المرأة المحيض أو استكملت خمس عشرة سنة ولا مال لها تطيق به الحج يجبر أبواها ولا ولي لها ولا زوج المرأة على أن يعطيها من ماله ما يحجها به ( قال ) : ولو أراد رجل الحج ماشيا وكان ممن يطيق ذلك لم يكن لأبيه ولا لوليه منعه من ذلك ( قال ) ولو أرادت المرأة الحج ماشية كان لوليها منعها من المشي فيما لا يلزمها ( قال ) : وإذا بلغت المرأة قادرة بنفسها ومالها على الحج فأراد وليها منعها من الحج أو أراده زوجها ، منعها منه ما لم تهل بالحج ; لأنه فرض بغير وقت إلا في العمر كله ، فإن أهلت بالحج بإذنه لم يكن له منعها ، وإن أهلت بغير إذنه ففيها قولان ، أحدهما أن عليه تخليتها ، ومن قال هذا القول لزمه عندي أن يقول : لو تطوعت فأهلت بالحج : أن عليه تخليتها من قبل أن من دخل في الحج ممن قدر عليه لم يكن له الخروج منه ولزمه ، غير أنها إذا تنفلت بصوم لم يكن له منعها ولزمه عندي في قوله أن يقول ذلك في الاعتكاف والصلاة .

والقول الثاني : أن تكون كمن أحصر فتذبح وتقصر وتحل ويكون ذلك لزوجها ( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم ومسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في المرأة تهل بالحج فيمنعها زوجها : هي بمنزلة الحصر .

( قال الشافعي ) :
وأحب لزوجها أن لا يمنعها ، فإن كان واجبا عليه أن لا يمنعها كان قد أدى ما عليه وأن له تركه إياها أداء الواجب ، وإن كان تطوعا أجر عليه إن شاء الله تعالى .
الخلاف في هذا الباب : ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى :
فذهب بعض أهل الكلام إلى معنى سأصف ما كلمني به ومن قال قوله ، فزعم أن فرض الحج على المستطيع إذا لزمه في وقت يمكنه أن يحج فيه فتركه في أول ما يمكنه كان آثما بتركه ، وكان كمن ترك الصلاة وهو يقدر على صلاتها حتى ذهب الوقت ، وكان إنما يجزئه حجه بعد أول سنة من مقدرته عليه قضاء كما تكون الصلاة بعد ذهاب الوقت قضاء ، ثم أعطانا [ ص: 129 ] بعضهم ذلك في الصلاة إذا دخل وقتها الأول فتركها ، فإن صلاها في الوقت ، وفيما نذر من صوم ، أو وجب عليه بكفارة أو قضاء ، فقال فيه كله متى أمكنه فأخره فهو عاص بتأخيره ثم قال في المرأة يجبر أبوها وزوجها على تركها لهذا المعنى وقاله معه غيره ممن يفتي ولا أعرف فيه حجة إلا ما وصفت من مذهب بعض أهل الكلام .

( قال الشافعي ) :
وقال لي نفر منهم : نسألك من أين قلت في الحج للمرء أن يؤخره وقد أمكنه ؟ ، فإن جاز ذلك جاز لك ما قلت في المرأة ؟ قلت : استدلالا مع كتاب الله عز وجل بالحجة اللازمة ، قالوا فاذكرها ، قلت : نعم { نزلت فريضة الحج بعد الهجرة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الحاج وتخلف هو عن الحج بالمدينة بعد منصرفه من تبوك لا محاربا ولا مشغولا } ، وتخلف أكثر المسلمين قادرين على الحج وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان هذا كما تقولون لم يتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرض عليه ; لأنه لم يصل إلى الحج بعد فرض الحج إلا في حجة الإسلام التي يقال لها حجة الوداع ، ولم يدع مسلما يتخلف عن فرض الله تعالى عليه وهو قادر عليه ومعهم ألوف كلهم قادر عليه لم يحج بعد فريضة الحج { وصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في وقتين وقال ما بين هذين وقت } وقد أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بالعتمة حتى نام الصبيان والنساء ، ولو كان كما تصفون صلاها حين غاب الشفق وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها : إن كان ليكون علي الصوم من شهر رمضان فما أقدر على أن أقضيه حتى شعبان وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا يحل لامرأة أن تصوم يوما زوجها شاهد إلا بإذنه } .

( قال الشافعي ) :
فقال لي بعضهم : فصف لي وقت الحج ، فقلت الحج ما بين أن يجب على من وجب عليه إلى أن يموت أو يقضيه ، فإذا مات علمنا أن وقته قد ذهب ، قال : ما الدلالة على ذلك ؟ قلت ما وصفت من تأخير النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وكثير ممن معه وقد أمكنهم الحج ، قال : فمتى يكون فائتا ؟ قلت إذا مات قبل أن يؤديها أو بلغ ما لا يقدر على أدائه من الإفناد ، قال فهل يقضى عنه ؟ قلت : نعم . قال : أفتوجدني مثل هذا ؟ قلت : نعم . يكون عليه الصوم في كل ما عدا شهر رمضان ، فإذا مات قبل أن يؤديه وقد أمكنه ، كفر عنه ; لأنه كان قد أمكنه فتركه ، وإن مات قبل أن يمكنه لم يكفر عنه ; لأنه لم يمكنه أن يدركه قال : أفرأيت الصلاة ؟ قلت : موافقة لهذا في معنى ، مخالفة له في آخر قال : وما المعنى الذي توافقه ؟ فيه قلت : إن للصلاة وقتين أول وآخر ، فإن أخرها عن الوقت الأول كان غير مفرط حتى يخرج الوقت الآخر ، فإذا خرج الوقت قبل أن يصلي كان آثما بتركه ذلك وقد أمكنه ، غير أنه لا يصلي أحد عن أحد قال : وكيف خالفت بينهما ؟ قلت : بما خالف الله ثم رسوله بينهما ، ألا ترى أن الحائض تقضي صوما ولا تقضي صلاة ولا تصلي وتحج وأن من أفسد صلاته بجماع أعاد بلا كفارة في شيء منها ، وأن من أفسد صومه بجماع كفر وأعاد وأن من أفسد حجه بجماع كفر غير كفارة الصيام وأعاد ؟ قال : قد أرى افتراقهما فدع ذكره .

( قال الشافعي ) :
فإن قال قائل فكيف لم تقل في المرأة تهل بالحج فيمنعها وليها أنه لا حج عليها ولا دم إذ لم يكن لها ذلك ، وتقول ذلك في المملوك ؟ قلت إنما أقول لا حج عليها ولا دم على من كان لا يجوز له بحال أن يكون محرما في الوقت الذي يحرم فيه والإحرام لهذين جائز بأحوال أو حال ليسا ممنوعين منه بالوقت الذي أحرما فيه إنما كانا ممنوعين منه بأن لبعض [ ص: 130 ] الآدميين عليهما المنع ولو خلاهما كان إحراما صحيحا عنهما معا ، فإن قال : فكيف قلت ليهريقا الدم في موضعهما قلت : نحر النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية في الحل إذ أحصر ، فإن قال : ويشبه هذا المحصر ؟ قيل : لا أحسب شيئا أولى أن يقاس عليه من المحصر ، وهو في بعض حالاته في أكثر من معنى المحصر ، وذلك أن المحصر مانع من الآدميين بخوف من الممنوع فجعل له الخروج من الإحرام ، وإن كان المانع من الآدميين متعديا بالمنع ، فإذا كان لهذه المرأة والمملوك مانع من الآدميين غير متعد كانا مجامعين له في منع بعض الآدميين وفي أكثر منه ، من أن الآدمي الذي منعهما ، له منعهما

( قال الشافعي ) :
في العبد يهل بالحج من غير إذن سيده فأحب إلي أن يدعه سيده وله منعه ، وإذا منعه فالعبد كالمحصر لا يجوز فيه إلا قولان والله أعلم ، أحدهما : أن ليس عليه إلا دم لا يجزيه غيره فيحل إذا كان عبدا غير واجد للدم ومتى عتق ووجد ذبح ، ومن قال هذا في العبد قاله في الحر يحصر بالعدو وهو لا يجد شيئا يحلق ويحل ومتى أيسر أدى الدم . والقول الثاني : أن تقوم الشاة دراهم والدراهم طعاما ، فإن وجد الطعام تصدق به وإلا صام عن كل مد يوما والعبد بكل حال ليس بواجد فيصوم .

( قال الشافعي ) :
ومن ذهب هذا المذهب قاسه على ما يلزمه من هدي المتعة فإن الله عز وجل يقول { فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم } فلو لم يجد هديا ولم يصم لم يمنعه ذلك من أن يحل من عمرته وحجه ويكون عليه بعده الهدي أو الطعام ، فيقال : إذا كان للمحصر أن يحل بدم يذبحه فلم يجده حل وذبح متى وجد أو جاء بالبدل من الذبح إذا كان له بدل ولا يحبس للهدي حراما على أن يحل في الوقت الذي يؤمر فيه بالإحلال ، وقاسه من وجه آخر أيضا على ما يلزمه من جزاء الصيد فإن الله تعالى يقول : { يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما } فيقول : إن الله عز وجل لما ذكر الهدي في هذا الموضع وجعل بدله غيره ، وجعل في الكفارات أبدالا ، ثم ذكر في المحصر الدم ولم يذكر غيره كان شرط الله جل ثناؤه الإبدال في غيره مما يلزم ولا يجوز للعالم أن يجعل ما أنزل مما يلزم في النسك مفسرا دليلا على ما أنزل مجملا فيحكم في المجمل حكم المفسر كما قلنا في ذكر رقبة مؤمنة في قتل ، مثلها رقبة في الظهار ، وإن لم يذكر مؤمنة فيه ، وكما قلنا في الشهود حين ذكروا عدولا وذكروا في موضع آخر فلم يشترط فيهم العدول : هم عدول في كل موضع على ما شرط الله تعالى في الغير حيث شرطه ، فاستدللنا والله أعلم على أن حكم المجمل حكم المفسر إذا كانا في معنى واحد ، والبدل ليس بزيادة وقد يأتي موضع من حكم الله تعالى لا نقول هذا فيه : هذا ليس بالبين أن لازما أن نقول هذا في دم الإحصار كل البيان وليس بالبين وهو مجمل والله أعلم .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #76  
قديم 11-12-2021, 01:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (76)
صــــــــــ 131 الى صـــــــــــ135


( قال الشافعي ) :
في المرأة المعتدة من زوج له عليها الرجعة ، تهل بالحج إن راجعها فله منعها ، وإن لم يراجعها منعها حتى تنقضي العدة ، فإذا انقضت العدة فهي مالكة لأمرها ويكون لها أن تتم على الحج ، وهكذا المالكة لأمرها الثيب تحرم يمنع وليها من حبسها ويقال لوليها : إن شئت فاخرج معها وإلا بعثنا بها مع نساء ثقات ، فإن لم تجد نساء ثقة لم يكن لها في سفر أن تخلو برجل ولا امرأة معها ، فإن قال قائل : كيف لم تبطل إحرامها إذا أحرمت في العدة ؟ قلت إذا كانت تجد السبيل إليه بحال لم أعجل بإبطاله حتى أعلم أن لا تجد السبيل إليه .

وإن أهلت في عدة من وفاة أو هي قد أتى على طلاقها لزمها الإهلال ومنعها الخروج حتى تتم عدتها ، فإن انقضت خرجت ، فإن أدركت حجا وإلا حلت بعمل عمرة ، فإن قال قائل : فلم لا تجعلها محصرة بمانعها ؟ قلت : له منعها إلى مدة ، فإذا بلغتها لم يكن له منعها وبلوغها أيام يأتي عليها ليس منعها بشيء إلى غيرها ولا يجوز لها الخروج حتى [ ص: 131 ] قيل قد يعتق قبل عتقه شيء يحدثه غيره له أو لا يحدثه وليس كالمعتدة فيما لمانعها من منعها فلو أهل عبد بحج فمنعه سيده حل ، وإن عتق بعدما يحل فلا حج عليه إلا حجة الإسلام ، وإن عتق قبل أن يحل مضى في إحرامه ، كما يحصر الرجل بعدو فيكون له أن يحل ، فإن لم يحل حتى يأمن العدو ، لم يكن له أن يحل وكان عليه أن يمضي في إحرامه ، ولو أن امرأة مالكة لأمرها أهلت بحج ثم نكحت ، لم يكن لزوجها منعها من الحج ; لأنه لزمها قبل أن يكون له منعها ولا نفقة لها عليه في مضيها ولا في إحرامها في الحج ; لأنها مانعة لنفسها بغير إذنه ، كان معها في حجها أو لم يكن ، ولا يجوز نكاح المحرمة ولا المحرم .

( قال الربيع ) : هذه المسألة فيها غلط ; لأن الشافعي يقول لا يجوز نكاح المحرمة ولا المحرم فلما أهلت هذه بحج ثم نكحت كان نكاحها باطلا ، ولم يكن لها زوج يمنعها وتمضي في حجها وليس لها زوج تلزمه النفقة لها ; لأنها ليست في أحكام الزوجات ، ولعل الشافعي إنما حكى هذا القول في قول من يجيز نكاح المحرم ; فأما قوله : فإنه لا يجوز نكاح المحرم ولا المحرمة ، وهذا له في كتاب الشغار .

( قال الشافعي ) :
وعلى ولي السفيهة البالغة إذا تطوع لها ذو محرم وكان لها مال أن يعطيها من مالها ما تحج به إذا شاءت ذلك ، وكان لها ذو محرم يحج بها أو خرجت مع نساء مسلمات .
باب المدة التي يلزم فيها الحج ولا يلزم

( قال الشافعي ) :
رحمه الله وإذا احتلم الغلام أو حاضت الجارية ، وإن لم يستكملا خمس عشرة سنة أو استكملا خمس عشرة سنة قبل البلوغ وهما غير مغلوبين على عقولهما واجدان مركبا وبلاغا ، مطيقان المركب ، غير محبوسين عن الحج بمرض ولا سلطان ولا عدو ، وهما في الوقت الذي بلغا فيه قادران بموضع ، لو خرجا منه ، فسارا بسير الناس قدرا على الحج فقد وجب عليهما الحج ، فإن لم يفعلا حتى ماتا فقد لزمهما الحج ، وعليهما بأنهما قادران عليه في وقت يجزئ عنهما لو مضيا فيه حتى يقضى عنهما الحج ، وإن كانا بموضع يعلمان أن لو خرجا عند بلوغهما ، لم يدركا الحج لبعد دارهما أو دنو الحج ، فلم يخرجا للحج ولم يعيشا حتى أتى عليهما حج قابل ، فلا حج عليهما ، ومن لم يجب الحج عليه فيدعه وهو لو حج أجزأه ، لم يكن عليه قضاؤه .

ولو كانا إذا بلغا فخرجا يسيران سيرا مباينا لسير الناس في السرعة حتى يسيرا مسيرة يومين في سير العامة في يوم ، ومسيرة ثلاث في يومين ، لم يلزمهما عندي والله أعلم أن يسيرا سيرا يخالف سير العامة ، فهذا كله لو فعلا كان حسنا ، ولو بلغا عاقلين ثم لم يأت عليهما مخرج أهل بلادهما حتى غلب على عقولهما ولم ترجع إليهما عقولهما في وقت لو خرجا فيه أدركا حجا ، لم يلزمهما أن يحج عنهما ، وإنما يلزمهما أن يحج عنهما إذا أتى عليهما وقت يعقلان فيه ثم لم تذهب عقولهما حتى يأتي عليهما وقت لو خرجا فيه إلى الحج بلغاه ، فإن قال قائل : ما فرق بين المغلوب على عقله وبين المغلوب بالمرض ؟ قيل الفرائض على المغلوب على عقله زائلة في مدتها كلها ، والفرائض على المغلوب بالمرض العاقل على بدنه غير زائلة في مدته ، ولوحج المغلوب على عقله لم يجز عنه لا يجزي عمل على البدن لا يعقل عامله قياسا على قول الله عز وجل { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } ولو حج العاقل المغلوب بالمرض أجزأ عنه ، ولو كان بلوغهما في عام جدب الأغلب فيه على الناس خوف الهلكة بالعطش في سفر أهل ناحية هما فيها ، أو لم يكن ما لا بد لهم منه من علف موجود فيه ، أو في خوف من عدو [ ص: 132 ] لا يقوى جماعة حاج مصرهما عليه أو اللصوص كذلك ، أشبه هذا والله أعلم أن يكون من أراد فيه الحج غير مستطيع له ، فيكون غير لازم له بأنه غير مستطيع ، فإن مات قبل أن يمكنه الحج بتغير هذا ، لم يكن عليه حج ، وكذلك لو حج أول ما بلغ فأحصر بعدو فنحر وحل دون مكة ورجع فلم يمكنه الحج حتى يموت ، لم يكن عليه حج ، ولو كان ما وصفت من الحائل في البر ، وكان يقدر على الركوب في البحر ، فيكون له طريقا ، أحببت له ذلك ، ولا يبين لي أنه يجب عليه ركوب البحر للحج ; لأن الأغلب من ركوب البحر خوف الهلكة ، ولو بلغا مغلوبين على عقولهما فلم يفيقا فتأتي عليهما مدة يعقلان فيها ويمكنهما الحج لم يكن عليهما ، وإذا بلغا معا فمنعا الحج بعدو حائل بين أهل ناحيتهما معا وبين الحج ، ثم لم يأت عليهما مدة وقت الحج ، يقدران هما ولا غيرهما من أهل ناحيتهما فيه على الحج ، فلا حج عليهما يقضى عنهما إن ماتا قبل تمكنهما أو أحد من أهل ناحيتهما من الحج ، ولو حيل بينهما خاصة بحبس عدو أو سلطان أو غيره وكان غيرهما يقدر على الحج ثم ماتا ولم يحجا كان هذان ممن عليه الاستطاعة بغيرهما ويقضى الحج عنهما .

وكذلك لو كان حبس ببلده أو في طريقه بمرض أو زمن لا بعلة غيره وعاش حتى الحج غير صحيح ثم مات قبل أن يصح وجب عليه الحج ، وجماع هذا أن يكون البالغان إذا لم يقدرا بأي وجه ما كانت القدرة بأبدانهما وهما قادران بأموالهما وفي ناحيتهما من يقدر على الحج غيرهما ثم ماتا قبل أن يحجا فقد لزمهما الحج ، إنما يكون غير لازم لهما إذا لم يقدر أحد من أهل ناحيتهما على الحج ببعض ما وصفت ، فإن قال قائل : ما خالف بين هذا وبين المحصر بما ذكرت من عدو وحدث ؟ قيل ذلك لا يجد السبيل بنفسه إلى الحج ولا إلى أن يحج عنه غيره من ناحيته ، من قبل أن غيره في معناه في خوف العدو والهلكة بالجدب والزمن والمرض ، وإن كان معذورا بنفسه فقد يمكنه أن يحج عنه صحيح غيره ، ومثل هذا أن يحبسه سلطان عن حج أو لصوص وحده ، وغيره يقدر على الحج فيموت ، فعليه أن يحج عنه ، والشيخ الفاني أقرب من العذر من هذين ، وقد وجب عليه أن يحج عنه إذا وجد من يحج عنه .
باب الاستطاعة بنفسه وغيره ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ولما { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالحج عن أبيها } دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قول الله { من استطاع إليه سبيلا } على معنيين : أحدهما : أن يستطيعه بنفسه وماله والآخر أن يعجز عنه بنفسه بعارض كبر أو سقم أو فطرة خلقة ، لا يقدر معها على الثبوت على المركب ويكون من يطيعه إذا أمره بالحج عنه ، إما بشيء يعطيه إياه وهو واجد له ، وإما بغير شيء ، فيجب عليه أن يعطي إذا وجد ، أو يأمر إن أطيع ، وهذه إحدى الاستطاعتين ، وسواء في هذا الرجل يسلم ولا يقدر على الثبوت على المركب أو الصبي يبلغ كذلك أو العبد يعتق كذلك ، ويجب عليه إن قدر على الثبوت على المحمل بلا ضرر وكان واجدا له أو لمركب غيره ، وإن لم يثبت على غيره ، أن يركب المحمل أو ما أمكنه الثبوت عليه من المركب .

وإن كان واحد من هؤلاء لا يجد مطيعا ولا مالا ، فهو ممن لا يستطيع بالبدن ولا بالطاعة فلا حج عليه ، وجماع الطاعة التي توجب الحج وتفريعها اثنان : أحدهما : أن يأمر فيطاع بلا مال ، والآخر أن يجد مالا يستأجر به من يطيعه ، فتكون إحدى الطاعتين ، ولو تحامل فحج أجزأت عنه ورجوت أن يكون أعظم أجرا ممن [ ص: 133 ] يخف ذلك عليه ، ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تحج عن أبيها إذ أسلم وهو لا يستمسك على الراحلة فدل ذلك على أن عليه الفرض إذا كان مستطيعا بغيره ، إذا كان في هذه الحال ، والميت أولى أن يجوز الحج عنه ; لأنه في أكثر من معنى هذا الذي لو تكلف الحج بحال أجزأه ، والميت لا يكون فيه تكلف أبدا .
باب الحال التي يجوز أن يحج فيها الرجل عن غيره ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج الواجب أن يحج المرء عن غيره فاحتمل القياس على هذا وجهين : أحدهما : أن الله تعالى فرض على خلقه فرضين ، أحدهما فرض على البدن ، والآخر فرض في المال ، فلما كان ما فرض الله على الأبدان عليها لا يتجاوزها ، مثل الصلاة والحدود والقصاص وغيرها ، ولا يصرف عنها إلى غيرها بحال ، وكان المريض يصلي كما رأى ، ويغلب على عقله فيرتفع عنه فرض الصلاة ، وتحيض المرأة فيرتفع عنها فرض الصلاة في وقت الغلبة على العقل والحيض ، ولا يجزي المغلوب على عقله صلاة صلاها وهو مغلوب على عقله ، وكذلك الحائض لا تجزيها صلاة صلتها وهي حائض ، ولا يجب عليهما أن يصلي عنهما غيرهما في حالهما تلك ، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء أن يحج عن غيره حجة الإسلام ، كان هذا كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الإسلام وعمرته ، وكل ما وجب على المرء بإيجابه على نفسه من حج وعمرة وكان ما سوى هذا من حج تطوع أو عمرة تطوع لا يجوز لأحد أن يحجه عن أحد ولا يعتمر في حياته ولا بعد موته ، ومن قال هذا ، كان وجها محتملا ولزمه أن يقول : لو أوصى رجلا أن يحج عنه تطوعا بطلت الوصية كما لو أوصى أن يصلي عنه بطلت الوصية ولزمه أن يقول : إن حج أحد عن أحد بوصية فهي في ثلثه والإجارة عليه فاسدة ، ثم يكون القول فيما أخذ من الإجارة على هذا واحدا من قولين : أحدهما : أن له أجر مثله ويرد الفضل مما أخذ عليه ويلحق بالفضل إن كان نقصه كما يقول في كل إجارة فاسدة ، والآخر أن لا أجرة له ; لأن عمله عن نفسه لا عن غيره .

والقول الثاني أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر المرء أن يحج عن غيره في الواجب ، دل هذا على أن يكون الفرض على الأبدان من وجهين ، أحدهما ما لا يعمله المرء عن غيره ، مثل الصلاة ، ولا يحمله عنه غيره مثل الحدود وغيرها ، والآخر النسك من الحج والعمرة فيكون للمرء أن يعمله عن غيره متطوعا عنه أو واجبا عليه إذا صار في الحال التي لا يقدر فيها على الحج ، ولا يشبه أن يكون له أن يتطوع عنه ، والمتطوع عنه يقدر على الحج ; لأن الحال التي أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالحج عنه هي الحال التي لا يقدر فيها على أن يحج عن نفسه ولأنه لو تطوع عنه وهو يقدر على الحج لم يجز عنه من حجة الإسلام ، فلما كان هو لو تطوع عن نفسه كانت حجة الإسلام ، وإن لم ينوها فتطوع عنه غيره لم يجز عنه ، وقد ذهب عطاء مذهبا يشبه أن يكون أراد أنه يجزي عنه أن يتطوع عنه بكل نسك من حج أو عمرة إن عملهما مطيقا له أو غير مطيق ، وذلك أن سفيان أخبرنا عن يزيد مولى عطاء قال : ربما أمرني عطاء أن أطوف عنه .

( قال الشافعي ) :
فكأنه ذهب إلى أن الطواف من النسك وأنه يجزي أن يعمله المرء عن غيره في أي حال ما كان ، وليس نقول بهذا ، وقولنا لا يعمل أحد عن أحد إلا والمعمول عنه غير مطيق العمل ، بكبر أو مرض لا يرجى أن يطيق بحال ، أو بعد موته ، وهذا أشبه بالسنة والمعقول ، لما [ ص: 134 ] وصفت من أنه لو تطوع عنه رجل والمتطوع عنه يقدر على الحج لم يجز المحجوج عنه ( قال ) : ومن ولد زمنا لا يستطيع أن يثبت على مركب ، محمل ولا غيره ، أو عرض ذلك له عند بلوغه ، أو كان عبدا فعتق ، أو كافرا فأسلم فلم تأت عليه مدة يمكنه فيها الحج حتى يصير بهذه الحال ، وجب عليه إن وجد من يحج عنه بإجارة أو غير إجارة ، وإذا أمكنه مركب محمل أو شجار أو غيره فعليه أن يحج ببدنه ، وإن لم يقدر على الثبوت على بعير أو دابة إلا في محمل أو شجار وكيفما قدر على المركب وأي مركب قدر عليه ، فعليه أن يحج بنفسه ، لا يجزيه غيره ( قال ) : ومن كان صحيحا يمكنه الحج فلم يحج حتى عرض له هذا كان له أن يبعث من يحج عنه ; لأنه قد صار إلى الحال التي أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحج فيها عمن بلغها ( قال ) : ولو كان به مرض يرجى البرء منه ، لم أر له أن يبعث أحدا يحج عنه حتى يبرأ فيحج عن نفسه ، أو يهرم فيحج عنه أو يموت فيحج عنه بعد الموت ، فإن قال قائل : ما الفرق بين هذا المريض المضنى وبين الهرم أو الزمن ؟ قيل له لم يصر أحد علمته بعد هرم لا يخلطه سقم غيره إلى قوة يقدر فيها على المركب ، والأغلب من أهل الزمانة أنهم كالهرم ، وأما أهل السقم فنراهم كثيرا يعودون إلى الصحة ( قال ) ولو حج رجل عن زمن ثم ذهبت زمانته ، ثم عاش مدة يمكنه فيها أن يحج عن نفسه ، كان عليه أن يحج عن نفسه ; لأنا إنما أذنا له على ظاهر أنه لا يقدر ، فلما أمكنته المقدرة على الحج لم يكن له تركه وهو يقدر على أن يعمله ببدنه والله أعلم .

( قال ) : ولو بعث السقيم رجلا يحج عنه فحج عنه ثم برئ وعاش بعد البرء مدة يمكنه أن يحج فيها فلم يحج حتى ماتكان عليه الحج ، وكذلك الزمن والهرم ( قال ) : والزمن والزمانة التي لا يرجى البرء منها والهرم ، في هذا المعنى . ثم يفارقهم المريض ، فلا نأمره أن يبعث أحدا يحج عنه ونأمر الهرم والزمن أن يبعثا من يحج عنهما ، فإن بعث المريض من يحج عنه ثم لم يبرأ حتى مات ففيها قولان ، أحدهما أن لا يجزئ عنه ; لأنه قد بعث في الحال التي ليس له أن يبعث فيها ، وهذا أصح القولين وبه آخذ . والثاني أنها مجزية عنه ; لأنه قد حج عنه حر بالغ وهو لا يطيق ، ثم لم يصر إلى أن يقوى على الحج بعد أن حج عنه غيره ، فيحج عن نفسه .
باب من ليس له أن يحج عن غيره أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء قال : { سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول لبيك عن فلان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إن كنت حججت فلب عن فلان وإلا فاحجج عن نفسك ثم احجج عنه } أخبرنا سفيان عن أيوب عن أبي قلابة قال : سمع ابن عباس رجلا يقول " لبيك عن شبرمة " فقال ابن عباس " ويحك وما شبرمة ؟ " قال فذكر قرابة له فقال " أحججت عن نفسك " فقال : لا قال " فاحجج عن نفسك ثم احجج عن شبرمة " .

( قال الشافعي ) :
وإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالحج عن أبيها ففي ذلك دلائل منها ما وصفنا من أنها إحدى الاستطاعتين ، وإذا أمرها بالحج عنه فكان في [ ص: 135 ] الحال التي أمر فيها بالحج عنه وكان كقضاء الدين عنه ، فأبان أن العمل عن بدنه في حاله تلك ، يجوز أن يعمله عنه غيره فيجزئ عنه ويخالف الصلاة في هذا المعنى . فسواء من حج عنه من ذي قرابة أو غيره ، وإذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تحج عن رجل وهما مجتمعان في الإحرام كله إلا اللبوس ، فإنهما يختلفان في بعضه ، فالرجل أولى أن يجوز حجه عن الرجل والمرأة من المرأة عن الرجل وكل جائز مع ما روي عن طاوس وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم مما كتبنا مما يستغنى فيه بنص الخبر ، ولو أن امرأ لم يجب عليه الحج إلا وهو غير مطيق ببدنه لم يكن على أحد غيره واجبا أن يحج عنه ، وأحب إلي أن يحج عنه ذو رحمه ، وإن كان ليس عليه أو يستأجر من يحج عن من كان ، ولو كان فقيرا لا يقدر على زاد ومركب ، وإن كان بدنه صحيحا فلم يزل كذلك حتى أيسر قبل الحج بمدة لو خرج فيها لم يدرك الحج ثم مات قبل أن يأتي عليه حج آخر لم يجب عليه حج يقضى ، ولو أيسر في وقت لا يمكنه فيه الحج فأقام موسرا إلى أن يأتي عليه أشهر الحج ، ولم يدن الوقت الذي يخرج فيه أهل بلده لموافاة الحج حتى صار لا يجد زادا ولا مركبا ثم مات قبل حجه ذلك أو قبل حج آخر يوسر فيه ، لم يكن عليه حج ، إنما يكون عليه حج إذا أتى عليه وقت حج بعد بلوغ ومقدرة ، ثم لم يحج حتى يفوته الحج ، ولو كان موسرا محبوسا عن الحج وجب عليه أن يحج عن نفسه غيره ، أو يحج عنه بعد موته وهذا مكتوب في غير هذا الموضع .
باب الإجارة على الحج

( قال الشافعي ) :
رحمه الله تعالى للرجل أن يستأجر الرجل يحج عنه إذا كان لا يقدر على المركب لضعفه وكان ذا مقدرة بماله ولوارثه بعده ، والإجارة على الحج جائزة جوازها على الأعمال سواه ، بل الإجارة إن شاء الله تعالى على البر خير منها على ما لا بر فيه ، ويأخذ من الإجارة ما أعطى ، وإن كثر كما يأخذها على غيره لا فرق بين ذلك ، ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه فقرن عنه كان دم القران على الأجير وكان زاد المحجوج عنه خيرا ; لأنه قد جاء بحج وزاد معه عمرة ولو استأجر الرجل الرجل يحج عنه أو عن غيره فالإجارة جائزة ، والحج عنه من حيث شرط أن يحرم عنه ، ولا تجوز الإجارة على أن يقول تحج عنه من بلد كذا حتى يقول تحرم عنه من موضع كذا ; لأنه يجوز الإحرام من كل موضع .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #77  
قديم 11-12-2021, 01:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (77)
صــــــــــ 136 الى صـــــــــــ140

فإذا لم يقل هذا فالإجارة مجهولة ، وإذا وقت له موضعا يحرم منه فأحرم قبله ثم مات فلا إجارة له في شيء من سفره ، وتجعل الإجارة له من حين أحرم من الميقات الذي وقت له إلى أن يكمل الحج ، فإن أهل من وراء الميقات لم تحسب الإجارة إلا من الميقات ، وإن مر بالميقات غير محرم فمات قبل أن يحرم فلا إجارة له ; لأنه لم يعمل في الحج ، وإن مات بعدما أحرم من وراء الميقات حسبت له الإجارة من يوم أحرم من وراء الميقات ولم تحسب له من الميقات إذا لم يحرم منه ; لأنه ترك العمل فيه ، وإن خرج للحج فترك الإحرام والتلبية وعمل عمل الحج أو لم يعمله إذا قال لم أحرم بالحج أو قال اعتمرت ولم أحج أو قال استؤجرت على الحج فاعتمرت فلا شيء له ، وكذلك لو حج فأفسده ; لأنه تارك للإجارة مبطل لحق نفسه ، ولو استأجره ليحج عنه على أن يحرم من موضع فأحرم منه ثم مات في الطريق فله من الإجارة بقدر ما مضى من سفره أو استأجره على أن يهل من وراء الميقات ففعل فقد قضى بعض ما استأجره عليه ، وإذا استأجره ، فإنما عليه أن يحرم من الميقات ، وإحرامه قبل الميقات تطوع ، ولو استأجره على [ ص: 136 ] أن يحج عنه من اليمن فاعتمر عن نفسه ثم خرج إلى الميقات الذي استؤجر عليه فأهل بحج عن الذي استأجره ، فلا يجزيه إذا أهل بالعمرة عن نفسه إلا أن يخرج إلى ميقات المستأجر الذي شرط أن يهل منه فيهل عنه بالحج منه ، فإن لم يفعل وأهل بالحج من دون الميقات فكان عليه أن يهل فبلغ الميقات فأهل منه بالحج عنه أجزأ عنه وإلا أهراق دما ، وذلك من ماله دون مال المستأجر ، ويرد من الإجارة بقدر ما يصيب ما بين الميقات الموضع الذي أحرم منه ; لأنه شيء من عمله نقصه ، ولا يحسب الدم على المستأجر ; لأنه بعمله كان ويجزئه الحج على كل حال شرط عليه أن يهل من دون الميقات أو من وراء الميقات أو منه وكل شيء أحدثه الأجير في الحج لم يأمره به المستأجر مما يجب عليه فيه الفدية فالفدية عليه في ماله دون مال المستأجر ، ولو أهل بالحج بعد العمرة عن نفسه من ميقات المستأجر عن المستأجر ثم مات قبل أن يقضي الحج ، كان له من الإجارة بقدر ما عمل من الحج وقد قيل لا أجر له إلا أن يكمل الحج ، ومن قال هذا القول قاله في الحاج عن الرجل لا يستوجب من الإجارة شيئا إلا بكمال الحج وهذا قول يتوجه ، والقياس القول الأول ; لأن لكل حظا من الإجارة ولو استأجره يحج عنه فأفسد الحج كان عليه أن يرد جميع ما استأجره به ، وعليه أن يقضي عن نفسه من قابل من قبل أنه لا يكون حاجا عن غيره حجا فاسدا ، وإذا صار الحج الفاسد عن نفسه فعليه أن يقضيه عن نفسه ، فلو حجه عن غيره كان عن نفسه ، ولو أخذ الإجارة على قضاء الحج الفاسد ردها ; لأنها لا تكون عن غيره ، ولو كان إنما أصاب في الحج ما عليه فيه الفدية مما لا يفسد الحج كانت عليه الفدية فيما أصاب والإجارة له .
ولو استأجره للحج فأحصر بعدو ففاته الحج ثم دخل فطاف وسعى وحلق أن له من الإجارة بقدر ما بين أن أهل من الميقات إلى بلوغه الموضع الذي حبس فيه في سفره ; لأن ذلك ما بلغ من سفره في حجه الذي له الإجارة حتى صار غير حاج ، وإنما أخذ الإجارة على الحج وصار يخرج من الإحرام بعمل ليس من عمل الحج ولو استأجر رجل رجلا على أن يحج عنه فاعتمر عن نفسه ثم أراد الحج عن المستأجر خرج إلى ميقات المحجوج عنه فأهل عنه منه لا يجزيه غير ذلك ، فإن لم يفعل أهراق دما ولو استأجر رجل رجلا يحج عن رجل فاعتمر عن نفسه ثم خرج إلى ميقات المحجوج عنه الذي شرط أن يهل عنه منه إن كان الميقات الذي وقت له بعينه فأهل بالحج عنه أجزأت عن المحجوج عنه ، فإن ترك ميقاته وأحرم منمكة أجزأه الحج ، وكان عليه دم لترك ميقاته من ماله ورجع عليه مما استؤجر به بقدر ما ترك مما بين الميقات ومكة ولو استأجره على أن يتمتع عنه فأفرد أجزأت الحجة عنه ورجع بقدر حصة العمرة من الإجارة ; لأنه استأجره على عملين فعمل أحدهما ولو استأجره على أن يفرد فقرن عنه كان زاده عمرة وعلى المستأجر دم القران وهو كرجل استؤجر أن يعمل عملا فعمله ، وزاد آخر معه فلا شيء له في زيادة العمرة ; لأنه متطوع بها ، ولو استأجره على أن يقرن عنه فأفرد الحج أجزأ عنه الحج وبعث غيره يعتمر عنه إن كانت العمرة الواجبة ورجع عليه بقدر حصة العمرة من الإجارة ; لأنه استأجره على [ ص: 137 ] عملين فعمل أحدهما ولو استأجره على أن يحج عنه فأهل بعمرة عن نفسه وحجة عن المستأجر رد جميع الإجارة من قبل أن سفرهما وعملهما واحد ، وأنه لا يخرج من العمرة إلى الحج ولا يأتي بعمل الحج دون العمرة ; لأنه لا يكون له أن ينوي جامعا بين عملين أحدهما عن نفسه والآخر عن غيره ولا يجوز أن يكونا معا عن المستأجر ; لأنه نوى أحدهما عن نفسه فصارا معا عن نفسه ; لأن عمل نفسه أولى به من عمل غيره إذا لم يتميز عمل نفسه من عمل غيره ، ولو استأجر رجل رجلا يحج عن ميت فأهل بحج عن ميت ثم نواه عن نفسه كان الحج عن الذي نوى الحج عنه وكان القول في الأجرة واحدا من قولين : أحدهما أنه مبطل لها لترك حقه فيها ، والآخر أنها له ; لأن الحج عن غيره .
ولو استأجر رجلان رجلا يحج عن أبويهما ، فأهل بالحج عنهما معا كان مبطلا لإجارته ، وكان الحج عن نفسه ، لا عن واحد منهما ، ولو نوى الحج عن نفسه وعنهما أو عن أحدهما كان عن نفسه وبطلت إجارته .

وإذا مات الرجل وقد وجبت عليه حجة الإسلام ولم يحج قط فتطوع متطوع قد حج حجة الإسلام بأن يحج عنه فحج عنه أجزأ عنه ثم لم يكن لوصيه أن يخرج من ماله شيئا ليحج عنه غيره ولا أن يعطي هذا شيئا لحجه عنه ; لأنه حج عنه متطوعا ، وإذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخثعمية أن تحج عن أبيها ورجلا أن يحج عن أمه ورجلا أن يحج عن أبيه لنذر نذره أبوه دل هذا دلالة بينة أنه يجوز أن تحرم المرأة عن الرجل ، ولو لم يكن فيه هذا كان أن يحرم الرجل عن الرجل والرجل عن المرأة أولى ، من قبل أن الرجل أكمل إحراما من المرأة وإحرامه كإحرام الرجل فأي رجل حج عن امرأة أو رجل أو امرأة حجت عن امرأة أو عن رجل أجزأ ذلك المحجوج عنه ، إذا كان الحاج قد حج حجة الإسلام .
باب من أين نفقة من مات ولم يحج ؟ ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء وطاووس أنهما قالا : الحجة الواجبة من رأس المال .

( قال الشافعي ) :
وقال غيرهما لا يحج عنه إلا أن يوصي ، فإن أوصى حج عنه من ثلثه إذا بلغ ذلك الثلث وبدئ على الوصايا ; لأنه لازم ، فإن لم يوص لم يحج عنه من ثلث ولا من غيره إذا أنزلت الحج عنه وصيه حاص أهل الوصايا ولم يبدأ غيره من الوصايا ، ومن قال هكذا فكان يبدأ بالعتق بدأ عليه ( قال ) : والقياس في هذا أن حجة الإسلام من رأس المال ، فمن قال هذا قضى أن يستأجر عنه بأقل ما يقدر عليه ، وذلك أن يستأجر رجل من أهل ميقاته أو قربه لتخف مؤنته ولا يستأجر رجل من بلده إذا كان بلده بعيدا إلا أن يبدل ذلك بما يوجد به رجل قريب ، ومن قال هذا القول قاله في الحج بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به ورآه دينا عليه وقاله في كل ما كان في معناه وقاله في كل ما أوجبه الله عز وجل عليه فلم يكن له مخرج منه إلا بأدائه ولم يكن له خيار فيه مثل زكاة المال وما كان ، لا يكون أبدا إلا واجبا عليه شاء أو كره بغير شيء أحدثه هو ; لأن حقوق الآدميين إنما وجبت لهم من رأس المال وهذا من حقوق الآدميين ، أمر أن يؤديه إلى صنف منهم بعينه فجمع أن وجب وجوب الحج بفرض الله عز وجل ، وإن كان كما وصفت للآدميين ، ومن قال هذا بدأ هذا على جميع ما معه من الوصايا والتدبير وحاص به أهل الدين قبل الورثة إذا جعله الله واجبا وجوب [ ص: 138 ] ما للآدميين ، وهذا قول يصح والله أعلم ، ومن قال هذا قاله في الحج إن لم يبلغ إلا مريضا ثم لم يصح حتى مات مريضا أنه واجب عليه لا وصية ; لأن الواجب على المريض والصحيح سواء فأما ما لزمه من كفارة يمين أو غيره .

فإن أوصى به فقد قيل يكون في ثلثه كالوصايا وقيل بل لازم وما لزمه من شيء ألزمه نفسه من نذر أو كفارة قتل أو ظهار وهو واجد فقد يخالف ما لزمه بكل حال من قبل أنه قد كان ولم يجب عليه فإنما أوجبه على نفسه ، فيختلفان في هذا ، ويجتمعان في أنه قد أوجب كلا منهما فأوجب هذا وأوجب إقرار الآدمي فيحتمل أن يقال هما لازمان معا وأنا أستخير الله تعالى فيه .
باب الحج بغير نية

( قال الشافعي ) :
رحمه الله أحب أن ينوي الرجل الحج والعمرة عند دخوله فيهما كما أحب له في كل واجب عليه غيرهما ، فإن أهل بالحج ولم يكن حج حجة الإسلام ينوي أن يكون تطوعا أو ينوي أن يكون عن غيره أو أحرم فقال : إحرامي كإحرام فلان لرجل غائب عنه فكان فلان مهلا بالحج كان في هذا كله حاجا وأجزأ عنه من حجة الإسلام ، فإن قال قائل ما دل على ما وصفت ؟ قلت فإن مسلم بن خالد وغيره أخبرنا عن ابن جريج قال أخبرنا عطاء أنه سمع جابرا يقول : { قدم علي رضي الله عنه من سعايته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بم أهللت يا علي ؟ قال : بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم قال فأهد وامكث حراما كما أنت قال : وأهدى له علي هديا } ( قال الشافعي ) : أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله وهو يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال { : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا أتى البيداء فنظرت مد بصري من بين راكب وراجل من بين يديه وعن يمينه وعن شماله ومن ورائه كلهم يريد أن يأتم به يلتمس أن يقول كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينوي إلا الحج ولا يعرف غيره ولا يعرف العمرة فلما طفنا فكنا عند المروة قال : أيها الناس من لم يكن معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت فحل من لم يكن معه هدي } ، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن منصور بن عبد الرحمن عن صفية بنت شيبة عن { أسماء بنت أبي بكر قالت : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من كان معه هدي فليقم على إحرامه ، ومن لم يكن معه هدي فليحلل ولم يكن معي هدي فحللت ، وكان مع الزبير هدي فلم يحلل } ، أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن { عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا أنه الحج فلما كنا بسرف أو قريبا منها أمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر فقلت ما هذا ؟ قالوا ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه } ، قال يحيى فحدثت به القاسم بن محمد فقال : جاءتك والله بالحديث على وجهه ، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة والقاسم مثل معنى حديث سفيان لا يخالف معناه ، أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم بن حمد عن أبيه عن { عائشة أنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته لا نرى إلا الحج حتى إذا كنا بسرف أو قريبا منها حضت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال مالك أنفست : فقلت : نعم فقال : إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت قالت [ ص: 139 ] وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر } أخبرنا سفيان قال حدثنا ابن طاوس وإبراهيم بن ميسرة وهشام بن حجير سمعوا طاوسا يقول : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لا يسمي حجا ولا عمرة ينتظر القضاء ، فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة فأمر أصحابه من كان منهم أهل ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة ، وقال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولكنني لبدت رأسي وسقت هديي فليس لي محل دون محل هديي فقام إليه سراقة بن مالك فقال يا رسول الله اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم أعمرتنا هذه لعامنا هذا أم لأبد ؟ فقال : لا ، بل لأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة قال ودخل علي من اليمن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : بم أهللت ؟ فقال أحدهما عن طاووس : إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر : لبيك حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال الشافعي : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مهلين ينتظرون القضاء فعقدوا الإحرام ليس على حج ولا عمرة ولا قران ينتظرون القضاء ، فنزل القضاء على النبي صلى الله عليه وسلم فأمر من لا هدي معه أن يجعل إحرامه عمرة ومن معه هدي أن يجعله حجا } .

( قال الشافعي ) :
ولبى علي وأبو موسى الأشعري باليمن وقالا في تلبيتهما " إهلال كإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهما بالمقام على إحرامهما ، فدل هذا على الفرق بين الإحرام والصلاة ; لأن الصلاة لا تجزي عن أحد إلا بأن ينوي فريضة بعينها وكذلك الصوم ، ويجزئ بالسنة الإحرام ، فلما دلت السنة على أنه يجوز للمرء أن يهل ، وإن لم ينو حجا بعينه ويحرم بإحرام الرجل لا يعرفه دل على أنه إذا أهل متطوعا ولم يحج حجة الفريضة كانت حجة الفريضة ، ولما كان هذا كان إذا أهل بالحج عن غيره ولم يهلل بالحج عن نفسه كانت الحجة عن نفسه ، وكان هذا معقولا في السنة مكتفى به عن غيره ، وقد ذكرت فيه حديثا منقطعا عن النبي صلى الله عليه وسلم ورأيا لابن عباس رضي الله عنهما متصلا ( قال ) : ولا يجوز أن يحج رجل عن رجل إلا حر بالغ مسلم ، ولا يجوز أن يحج عنه عبد بالغ ولا حر غير بالغ إذا كان حجهما لأنفسهما لا يجزئ عنهما من حجة الإسلام لم يجز عن غيرهما والله أعلم ( قال ) : وأمر الحج والعمرة سواء ، فيعتمر عن الرجل كما يحج عنه ، ولا يجزيه أن يعتمر عنه إلا من اعتمر عن نفسه من بالغ حر مسلم ( قال ) : ولو أن رجلا اعتمر عن نفسه ولم يحج فأمره رجل يحج عنه ويعتمر فحج عنه واعتمر أجزأت المعتمر عنه العمرة ولم تجز عنه الحجة ، وهكذا لو حج عن نفسه ولم يعتمر فحج عن غيره واعتمر ، أجزأت المحجوج عنه الحجة ولم تجز عنه العمرة ، ويجزيه أي النسكين كان العامل عمله عن نفسه ثم عمله عنه ، ولا يجزيه النسك الذي لم يعمله العامل عن نفسه .

وإذا كان ممن له أن يبعث من يحج عنه ويعتمر أجزأه أن يبعث رجلا واحدا يقرن عنه وأجزأه أن يبعث اثنين مفترقين يحج هذا عنه ويعتمر هذا عنه وكذلك امرأتين أو امرأة ورجلا ( قال ) : وهذا في فرض الحج والعمرة كما وصفت يجزي رجلا أن يحج عن رجل وقد قيل إذا أجزأ في الفرض أجزأ أن يتنفل بالحج عنه وقد قيل يحج الفرض فقط بالسنة ولا يحج عنه نافلة ولا يعتمر نافلة ( قال الشافعي ) : ومن قال يحج المرء عن المرء متطوعا قال : إذا كان أصل الحج مفارقا للصلاة والصوم ، وكان المرء يعمل عن المرء الحج فيجزي عنه بعد موته وفي الحال التي لا يطيق فيها الحج ، فكذلك يعمله عنه متطوعا ، وهكذا كل شيء من أمر النسك ، أخبرنا ابن عيينة عن يزيد مولى عطاء قال : ربما قال لي عطاء : طف عني .

( قال الشافعي ) :
وقد يحتمل أن يقال لا يجوز أن يحج رجل عن رجل إلا حجة الإسلام وعمرته ، ومن قال هذا قال الدلالة عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالحج عن الرجل في الحال التي لا يقدر فيها المحجوج عنه أن يحج عن نفسه ، [ ص: 140 ] وإني لا أعلم مخالفا في أن رجلا لو حج عن رجل يقدر على الحج لا يجزي عنه من حجة الإسلام ، فإذا كان هذا عندهم هكذا دل على أنه إنما عذر في حال الضرورة بتأدية الفرض وما جاز في الضرورة دون غيرها ، لم يجز ، ما لم يكن ضرورة مثله ( قال الشافعي ) : ولو أهل رجل بحج ففاته فحل بطواف البيت وسعى بين الصفا والمروة لم يجز عنه من حجة الإسلام ; لأنه لم يدركها ولم تجز عنه من عمرة الإسلام ولا عمرة نذر عليه ; لأنها ليست بعمرة ، وإنما كان حجا لم يجز له أن يقيم عليه لوجهين : أحدهما : أنه حج سنة فلا يدخل في حج سنة غيرها ، والآخر أنه ليس له أن يقيم محرما بحج في غير أشهر الحج ، ولو أهل بالحج في غير أشهر الحج كان إهلاله عمرة يجزئ عنه من عمرة الإسلام ; لأنه لا وجه للإهلال إلا بحج أو عمرة ، فلما أهل في وقت كانت العمرة فيه مباحة والحج محظورا كان مهلا بعمرة وليس هذا كالمهل بالحج والحج مباح له فيفوته ; لأن ابتداء ذلك الحج كان حجا ، وابتداء هذا الحج كان عمرة ، وإذا أجزأت العمرة بلا نية لها أنها عمرة أجزأت إذا أهل بحج وكان إهلاله عمرة .

( قال الشافعي ) :
والعمرة لا تفوت من قبل أنها تصلح في كل شهر والحج يفوت من قبل أنه لا يصلح إلا في وقت واحد من السنة ، فلو أن رجلا أهل بالعمرة في عام فحبسه مرض أو خطأ عدد أو غير ذلك ما خلا العدو أقام حراما حتى يحل متى حل ، ولم تفته العمرة متى وصل إلى البيت فعمل عملها ( قال ) : ولو حج رجل عن رجل بلا إجارة ثم أراد الإجارة لم يكن له وكان متطوعا عنه وأجزأت عنه حجته ( قال ) : ولو استأجر رجل رجلا يعتمر عنه في شهر فاعتمر في غيره أو على أن يحج عنه في سنة فحج في غيرها كانت له الإجارة وكان مسيئا بما فعل ( قال ) : ولا بأس بالإجارة على الحج وعلى العمرة وعلى الخير كله ، وهي على عمل الخير أجوز منها على ما ليس بخير ولا بر من المباح ، فإن قال قائل : ما الحجة في جواز الإجارة على تعليم القرآن والخير ؟ قيل أخبرنا مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة بسورة من القرآن } ( قال ) : والنكاح لا يجوز إلا بما له قيمة من الإجارات والأثمان .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #78  
قديم 11-12-2021, 02:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (78)
صــــــــــ 141 الى صـــــــــــ145

باب الوصية بالحج

( قال الشافعي ) :
رحمه الله تعالى وإذا أوصى رجل لم يحج أن يحج عنه وارث ولم يسم شيئا أحج عنه الوارث بأقل ما يوجد به أحد يحج عنه ، فإن لم يقبل ذلك فلا يزاد عليه ، ويحج عنه غيره بأقل ما يوجد من يحج عنه به ممن هو أمين على الحج .

( قال الشافعي ) :
ولا يرد عن الوارث وصية بهذا إنما هذه إجازة ، ولكن لو قال أحجوه بكذا أبطل كل ما زاد على أقل ما يوجد به من يحج عنه ، فإن قبل ذلك لم أحج عنه غيره ( قال ) : ولو أوصى لغير وارث بمائة دينار يحج بها عنه ، فإن حج فذلك له وما زاد على أجر مثله وصية ، فإن امتنع لم يحج عنه أحدا لا بأقل ما يوجد به من يحج عنه ، ولو قال أحجوا عني من رأي فلان بمائة دينار فرأى فلان أن يحج عنه وارث له لم يحج عنه الوارث إلا بأقل ما يوجد به من يحج عنه ، فإن أبى قيل لفلان رأي غير وارث ، فإن فعل أجزنا ذلك ، وإن لم يفعل أحججت عنه رجلا [ ص: 141 ] بأقل ما يوجد به من يحج عنه ( قال ) : ولو قال رجل : أول واحد يحج عني فله مائة دينار فحج عنه غير وارث فله مائة دينار ، وإن حج عنه وارث فله أقل ما يوجد به من يحج عنه وما زاد على ذلك مردود ; لأنها وصية لوارث ( قال ) : ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه أو يعتمر بما شاء كان ذلك مالا من مال المستأجر إذا حج عنه أو اعتمر ، فإن استأجره على أن يحج عنه فأفسد الحج لم يقض ذلك من الرجل الحج وكان عليه أن يرد الإجارة كلها ، وكذلك لو أخطأ العدد ففاته الحج ، وكذلك الفساد في العمرة ( قال ) : ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه أو يعتمر فاصطاد صيدا أو تطيب أو فعل في الحج أو العمرة شيئا تجب فيه الفدية فدى ذلك من ماله وكانت له الإجارة وانظر إلى كل ما كان يكون حجه لو حج عن نفسه قاضيا عنه وعليه فيه كفارة حج عن غيره جعلته قاضيا عن غيره وله الإجارة كاملة في ماله وعليه في ماله فدية كل ما أصاب ( قال ) : وهكذا ولي الميت إذا استأجر رجلا يحج عن الميت لا يختلفان في شيء ( قال ) : ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه فقرن عنه كان زاده خيرا له ولم ينقصه وعليه في ماله دم القران ( قال ) : ولو استأجره يحج عنه فاعتمر أو يعتمر فحج رد الإجارة ; لأن الحاج إذا أمر أن يعتمر عمل عن نفسه غير ما أمر به والحج غير العمرة والعمرة غير الحج ( قال ) : ولو استأجره يحج عنه فاعتمر ثم عاد فحج عنه من ميقاته أجزأت عنه ( قال ) : ولو اعتمر عن نفسه ثم أراد الحج عن غيره ، لم تكن حجته كاملة عن غيره إلا بأن يخرج إلى ميقات المحجوج عنه ، يحج عنه من ميقاته ، فإن ترك ذلك وحج من دون ميقاته أهراق دما وأجزأت عنه ( قال ) : ولو خرج رجل حاجا عن رجل فسلك غير طريق المحجوج عنه وأتى على ميقات في طريقه غير ميقات الرجل فأهل منه ومضى على حجه أجزأت عنه حجة الإسلام إن شاء الله تعالى ( قال ) : ويجزي الحاج عن الرجل أن ينوي الحج عنه عند إحرامه ، وإن لم يتكلم به أجزأ عنه كما يجزئه ذلك في نفسه ، والمتطوع بالحج عن الرجل كالمستأجر في كل أمره يجزيه في كل ما أجزأه عنه كما يجزئه ذلك في نفسه كل ما أفسد عليه في كل إلا أن المتطوع لا يرد إجارة ; لأنه لم يأخذها ( قال ) : ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه أو عن ميت فحج ولم يكن حج عن نفسه أجزأت عنه ولم تجز عنهما ورد الإجارة ( قال ) : ولا بأس أن يستأجر الوصي للميت إذا لم يحج الميت بعض ورثة الميت عنه أوصى بذلك الميت أو لم يوص ، والإجارة ليست بوصية منه ، وإن كان المستأجر وارثا أو غير وارث فسواء ويحج عن الميت الحجة والعمرة الواجبتان أوصى بهما أو لم يوص كما يؤدى عنه الواجب عليه من الدين ، وإن لم يوص به ( قال ) : ولو أوصى بثلثه للحاج اخترت أن يعطاه فقراء الحاج ولا أعلمه يحرم أن يعطاه غني منهم ( قال ) : ولو أوصى أن يحج عنه تطوعا ففيها قولان : أحدهما : أن ذلك جائز ، والآخر أن ذلك غير جائز كما لو أوصى أن يستأجر عنه من يصلي عنه لم يجز ، ومن قال لا يجوز رد وصيته فجعلها ميراثا ( قال ) : ولو قال رجل لرجل : حج عن فلان الميت بنفقتك ، دفع إليه النفقة أو لم يدفعها ، كان هذا غير جائز ; لأن هذه أجرة غير معلومة ، فإن حج أجزأت عنه وله أجرة مثله ، وسواء كان المستأجر وارثا أو غير وارث ، أوصى بذلك الميت أو لم يوص به ، غير أنه إن أوصى بذلك لوارث لم يجز أن يعطى من الإجارة ما زاد على أجرة مثله من الفضل ; لأن المحاباة وصية والوصية لا تجوز لوارث .
[ ص: 142 ] باب ما يؤدى عن الرجل البالغ الحج ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا وصل الرجل المسلم الحر البالغ إلى أن يحج أجزأت عنه حجة الإسلام ، وإن كان ممن لا مقدرة له بذات يده فحج ماشيا فهو محسن بتكلفه شيئا له الرخصة في تركه وحج في حين يكون عمله مؤديا عنه ، وكذلك لو آجر نفسه من رجل يخدمه وحج ، أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أن رجلا سأل ابن عباس فقال أؤاجر نفسي من هؤلاء القوم فأنسك معهم المناسك هل يجزئ عني ؟ فقال ابن عباس : نعم { أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب } .

( قال ) : وكذلك لو حج وغيره يكفيه مؤنته ; لأنه حاج في هذه الحالات عن نفسه لا عن غيره ( قال ) : وكذلك لو حج في عام أخطأ الناس فيه يوم عرفة ; لأن حجهم يوم يحجون كما فطرهم يوم يفطرون وأضحاهم يوم يضحون ; لأنهم إنما كلفوا الظاهر فيما يغيب عنهم فيما بينهم وبين الله عز وجل ، وهكذا لو أصاب رجل أهله بعد الرمي والحلاق كانت عليه بدنة وكان حجه تاما ، وهكذا لو دخل عرفة بعد الزوال وخرج منها قبل مغيب الشمس أجزأت عنه حجته وأهراق دما ، وهكذا كل ما فعل مما ليس له في إحرامه غير الجماع كفر وأجزأت عنه من حجة الإسلام .
باب حج الصبي يبلغ والمملوك يعتق والذمي يسلم أخبرنا الربيع قال : ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا بلغ غلام أو عتق مملوك أو أسلم كافر بعرفة أو مزدلفة فأحرم أي هؤلاء صار إلى هذه الحال بالحج ثم وافى عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة المزدلفة ، واقفا بها أو غير واقف ، فقد أدرك الحج وأجزأ عنه من حجة الإسلام وعليه دم لترك الميقات ، ولو أحرم العبد والغلام الذي لم يبلغ بالحج ينويان بإحرامهما فرض الحج أو النافلة أو لا نية لهما ثم عتق هذا وبلغ هذا قبل عرفة أو بعرفة أو بمزدلفة أو أين كانا فرجعا إلى عرفة بعد البلوغ والعتق أجزأت عنهما من حجة الإسلام ، ولو احتاطا بأن يهريقا دما كان أحب إلي ، ولا يبين لي أن يكون ذلك عليهما ، وأما الكافر فلو أحرم من ميقاته ثم أسلم بعرفة لم يكن له بد من دم يهريقه ; لأن إحرامه ليس بإحرام ولو أذن الرجل لعبده فأهل بالحج ثم أفسده قبل عرفة ثم عتق فوافى عرفة لم تجز عنه من حجة الإسلام ; لأنه قد كان يجب عليه تمامها ; لأنه أحرم بإذن أهله وهي تجوز له ، وإن لم تجز عنه من حجة الإسلام ، فإذا أفسدها مضى فيها فاسدة وعليه قضاؤها ويهدي بدنة ، ثم إذا قضاها فالقضاء عنه يجزيه من حجة الإسلام ( قال الشافعي ) في الغلام المراهق لم يبلغ : يهل بالحج ثم يصيب امرأته قبل عرفة ثم يحتلم بعرفة يمضي في حجه ولا أرى هذه الحجة مجزئة عنه من حجة الإسلام من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جعل له حجا فالحاج إذا جامع أفسد وعليه البدل وبدنة ، فإذا جاء ببدل وبدنة أجزأت عنه من حجة الإسلام ( قال ) : ولو أهل ذمي أو كافر ما كان هذا بحج ثم جامع ثم أسلم قبل عرفة وبعد الجماع فجدد إحراما من الميقات أو دونه وأهراق دما لترك الميقات أجزأت عنه من حجة الإسلام ; لأنه لا يكون مفسدا في حال الشرك ; لأنه كان غير محرم ، فإن قال قائل : فإذا زعمت أنه كان في إحرامه غير محرم ، أفكان الفرض عنه موضوعا ؟ قيل : لا ، بل كان عليه وعلى كل أحد أن [ ص: 143 ] يؤمن بالله عز وجل وبرسوله ويؤدي الفرائض التي أنزلها الله تبارك وتعالى على نبيه ، غير أن السنة تدل وما لم أعلم المسلمين اختلفوا فيه أن كل كافر أسلم استأنف الفرائض من يوم أسلم ولم يؤمر بإعادة ما فرط فيه في الشرك منها وأن الإسلام يهدم ما قبله إذا أسلم ثم استقام ، فلما كان إنما يستأنف الأعمال ولا يكون عاملا عملا يكتب له إلا بعد الإسلام كان ما كان غير مكتوب له من إحرامه ليس إحراما والعمل يكتب للعبد البالغ ، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصغير : له حج ، ففي ذلك دلالة على أنه حاج وأن حجه إن شاء الله تعالى مكتوب له .
باب الرجل ينذر الحج أو العمرة

( قال الشافعي ) :
فمن أوجب على نفسه حجا أو عمرة بنذر فحج أو اعتمر يريد قضاء حجته أو عمرته التي نذر ، كان حجته وعمرته التي نوى بها قضاء النذر حجة الإسلام وعمرته ثم كان عليه قضاء حجة النذر بعد ذلك ( قال الشافعي ) : فإذا مات ولم يقض النذر ولا الواجب قضي عنه الواجب أولا ، فإن كان في ماله سعة أو كان له من يحج عنه قضى النذر عنه بعده .

( قال الشافعي ) :
وإن حج عنه رجل بإجارة أو تطوع ينوي عنه قضاء النذر كان الحج الواجب عليه ثم قضى عنه النذر بعده إذا كان إحرام غيره عنه ، إذا أراد تأدية الفرض عنه يقوم مقام إحرام نفسه عنه في الأداء عنه ، فكذلك هو في النذر عنه والله أعلم ، ولو حج عنه رجلان هذا الفرض وهذا النذر ، كان أحب إلي وأجزأ عنه .
باب الخلاف في هذا الباب

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى :
وقد خالفنا بعض الناس في هذا الباب فقال : نحن نوافقك على أن الرجل إذا حج تطوعا أو بغير نية كان ذلك عندنا حجة الإسلام للآثار والقياس فيه ولأن التطوع ليس بواجب عليه ، أفرأيت الواجب عليه من النذر إن كان واجبا وفرض الحج التطوع واجبا فكيف زعمت أنه إذا نوى النذر وهو واجب كان الحج الواجب كما قلته في التطوع والنذر غير تطوع ؟ فقلت له زعمته بأنه إذا كان مستطيعا من حين يبلغ إلى أن يموت فلم يكن وقت حج يأتي عليه إلا وفرض الحج لازم له بلا شيء ألزمه نفسه ولم يكن النذر لازما له إلا بعد إيجابه فكان في نفسه بمعنى من حج تطوعا وكان الواجب بكل حال أولى أن يكون المقدم من الذي لم يجب إلا بإيجابه على نفسه ، فإن قال ما يشبه النذر من النافلة ؟ قيل له إذا دخل فيه بعد حج الإسلام وجب عليه أن يتمه ولكنه لما كان إذا دخل فيه كان في حكمه في أنه يتمه كمبتدئ حج الإسلام ينويه كان دخوله فيه لم يوجبه عليه إنما أوجب على نفسه فرضا عليه وغيره لو أوجبه عليه فأمره بالخروج منه كما أمره بالخروج من الحج بالطواف وأمره بقضائه فقال : فإنك رويت أن ابن عباس وابن عمر سئلا فقال أحدهما : قضيتهما ورب الكعبة لمن نذر حجا فحجه قضاء النذر والحج المكتوب وقال الآخر هذه حجة الإسلام [ ص: 144 ] فليلتمس وفاء النذر ، فقلت فأنت تخالفهما جميعا فتزعم أن هذا النذر وعليه حجة الإسلام فكيف تحتج بما تخالف ؟ قال وأنت تخالف أحدهما ، فقلت إن خالفته خالفته بمعنى السنة وأوافق الآخر ، أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن الثوري عن زيد بن جبير ، قال : إني لعند عبد الله بن عمر إذ سئل عن هذه فقال : هذه حجة الإسلام فليلتمس أن يقضي نذره .

( قال الشافعي ) ولم نر عملين وجبا عليه ، فلم يكن له ترك واحد منهما على الابتداء يجزي عنه أن يأتي بأحدهما فنقول هذا في الحج ينذره الرجل وعليه حجة الإسلام ، فإن كان قضى حجة الإسلام وبقي عليه حجة نذره فحج متطوعا فهي حجة النذر ولا يتطوع بحج وعليه حج واجب ، وإذا أجزأ التطوع من الحجة المكتوبة لأنا نجعل ما تطوع به هو الواجب عليه من الفرض ، فكذلك إذا تطوع وعليه واجب من نذر لا فرق بين ذلك .
باب هل تجب العمرة وجوب الحج ؟

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } فاختلف الناس في العمرة فقال بعض المشرقيين : العمرة تطوع وقاله سعيد بن سالم واحتج بأن سفيان الثوري أخبره عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح الحنفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { الحج جهاد والعمرة تطوع } فقلت له أثبت مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال هو منقطع وهو وإن لم تثبت به الحجة فإن حجتنا في أنها تطوع أن الله عز وجل يقول { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ولم يذكر في الموضع الذي بين فيه إيجاب الحج إيجاب العمرة وأنا لم نعلم أحدا من المسلمين أمر بقضاء العمرة عن ميت فقلت له قد يحتمل قول الله عز وجل { وأتموا الحج والعمرة لله } أن يكون فرضها معا وفرضه إذا كان في موضع واحد يثبت ثبوته في مواضع كثيرة كقوله تعالى { أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } ثم قال { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } فذكرها مرة مع الصلاة وأفرد الصلاة مرة أخرى دونها فلم يمنع ذلك الزكاة أن تثبت وليس لك حجة في قولك لا نعلم أحدا أمر بقضاء العمرة عن ميت إلا عليك مثلها لمن أوجب العمرة بأن يقول ولا نعلم من السلف أحدا ثبت عنه أنه قال لا تقضى عمرة عن ميت ولا هي تطوع كما قلت ، فإن كان لا نعلم لك حجة كان قول من أوجب العمرة لا نعلم أحدا من السلف ثبت عنه أنه قال هي تطوع وأن لا تقضى عن ميت حجة عليك .

( قال ) ومن ذهب هذا المذهب أشبه أن يتأول الآية { وأتموا الحج والعمرة لله } إذا دخلتم فيهما ، وقال بعض أصحابنا : العمرة سنة لا نعلم أحدا أرخص في تركها ( قال ) وهذا قول يحتمل إيجابها إن كان يريد أن الآية تحتمل إيجابها وأن ابن عباس ذهب إلى إيجابها ولم يخالفه غيره من الأئمة ويحتمل تأكيدها لا إيجابها .

( قال الشافعي ) والذي هو أشبه بظاهر القرآن وأولى بأهل العلم عندي وأسأل الله التوفيق أن تكون العمرة واجبة ، فإن الله عز وجل قرنها مع الحج فقال { وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } { وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل أن يحج } وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن إحرامها والخروج منها بطواف وحلاق وميقات ، وفي الحج زيادة عمل على العمرة ، فظاهر القرآن أولى إذا لم يكن دلالة على أنه باطن دون ظاهر ، ومع ذلك قول ابن عباس وغيره ، أخبرنا ابن عيينة [ ص: 145 ] عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أنه قال : والذي نفسي بيده إنها لقرينتها في كتاب الله { وأتموا الحج والعمرة لله } ، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : ليس من خلق الله تعالى أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان .

( قال الشافعي ) وقاله غيره من مكيينا وهو قول الأكثر منهم ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قران العمرة مع الحج هديا ولو كان أصل العمرة تطوعا أشبه أن لا يكون لأحد أن يقرن العمرة مع الحج لأن أحدا لا يدخل في نافلة فرضا حتى يخرج من أحدهما قبل الدخول في الآخر ، وقد يدخل في أربع ركعات وأكثر نافلة قبل أن يفصل بينهما بسلام ، وليس ذلك في مكتوبة ونافلة من الصلاة فأشبه أن لا يلزمه بالتمتع أو القران هدي إذا كان أصل العمرة تطوعا بكل حال ، لأن حكم ما لا يكون إلا تطوعا بحال غير حكم ما يكون فرضا في حال .

( قال الشافعي ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } { وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائله عن الطيب والثياب افعل في عمرتك ما كنت فاعلا في حجتك } ( أخبرنا ) مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر أن في الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن العمرة هي الحج الأصغر ، قال ابن جريج : ولم يحدثني عبد الله بن أبي بكر عن كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم شيئا إلا قلت : له أفي شك أنتم من أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : لا .

( قال الشافعي ) فإن قال قائل فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أن تقضي الحج عن أبيها ولم يحفظ عنه أن تقضي العمرة عنه ، قيل له إن شاء الله قد يكون في الحديث فيحفظ بعضه دون بعض ويحفظ كله فيؤدى بعضه دون بعض ، ويجيب عما يسأل عنه ويستغني أيضا بأن يعلم أن الحج إذا قضي عنه فسبيل العمرة سبيله فإن قال قائل وما يشبه ما قلت ؟ قيل روى عنه طلحة { أنه سئل عن الإسلام فقال خمس صلوات في اليوم والليلة . وذكر الصيام ولم يذكر حجا ولا عمرة من الإسلام وغير هذا ما يشبه هذا } ، والله أعلم .

فإن قال قائل : ما وجه هذا ؟ قيل له : ما وصفت من أن يكون في الخبر فيؤدى بعضه دون بعض أو يحفظ بعضه دون بعض أو يكتفى بعلم السائل أو يكتفى بالجواب عن المسألة ثم يعلم السائل بعد ولا يؤدى ذلك في مسألة السائل ويؤدى في غيره ( قال ) وإذا أفرد العمرة فالميقات لها كالميقات في الحج ، والعمرة في كل شهر من السنة كلها إلا أنا ننهى المحرم بالحج أن يعتمر في أيام التشريق لأنه معكوف على عمل الحج ولا يخرج منه إلى الإحرام حتى يفرغ من جميع عمل الإحرام الذي أفرده .

( قال الشافعي ) ولو لم يحج رجل فتوقى العمرة حتى تمضي أيام التشريق كان وجها وإن لم يفعل فجائز له ، لأنه في غير إحرام نمنعه به من غيره لإحرام غيره .

( قال الشافعي ) ويجزيه أن يقرن الحج مع العمرة وتجزيه من العمرة الواجبة عليه ويهريق دما قياسا على قول الله عز وجل { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } فالقارن أخف حالا من المتمتع ، المتمتع إنما أدخل عمرة فوصل بها حجا فسقط عنه ميقات الحج وقد سقط عن هذا وأدخل العمرة في أيام الحج وقد أدخلها القارن ، وزاد المتمتع أن تمتع بالإحلال من العمرة إلى إحرام الحج ولا يكون المتمتع في أكثر من حال القارن فيما يجب عليه من الهدي ( قال ) وتجزئ العمرة قبل الحج والحج قبل العمرة من الواجبة عليه ( قال ) وإذا اعتمر قبل الحج ثم أقام بمكة حتى ينشئ الحج أنشأه من مكة لا من الميقات

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #79  
قديم 11-12-2021, 02:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (79)
صــــــــــ 146 الى صـــــــــــ150


( قال ) وإن أفرد الحج فأراد العمرة بعد الحج خرج من الحرم ثم أهل من أين شاء وسقط عنه بإحرامه بالحج من الميقات ، فأحرم بها من أقرب المواضع من ميقاتها ، ولا ميقات [ ص: 146 ] لها دون الحل . كما يسقط ميقات الحج إذا قدم العمرة قبله لدخول أحدهما في الآخر وأحب إلى أن يعتمر من الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر منها ، فإن أخطأه ذلك اعتمر من التنعيم لأن { النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة أن تعتمر منها وهي أقرب الحل إلى البيت } ، فإن أخطأه ذلك اعتمر من الحديبية لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بها وأراد المدخل لعمرته منها ، أخبرنا ابن عيينة أنه سمع عمرو بن دينار يقول سمعت عمرو بن أوس الثقفي يقول أخبرني { عبد الرحمن بن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يردف عائشة فيعمرها من التنعيم قال الشافعي وعائشة كانت قارنة فقضت الحج والعمرة الواجبتين عليها ، وأحبت أن تنصرف بعمرة غير مقرونة بحج ، فسألت ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بإعمارها ، فكانت لها نافلة خيرا ، وقد كانت دخلت مكة بإحرام ، فلم يكن عليها رجوع إلى الميقات ، } أخبرنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن مزاحم عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد عن محرش الكعبي أو محرش { أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلا فاعتمر وأصبح بها كبائت } ، أخبرنا مسلم عن ابن جريج هذا الحديث بهذا الإسناد ، وقال ابن جريج هو محرش .

( قال الشافعي ) وأصاب ابن جريج لأن ولده عندنا يقول بنو محرش ، أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك } ( أخبرنا ) سفيان عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، وربما قال سفيان عن عطاء عن عائشة وربما قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة .

( قال الشافعي ) فعائشة كانت قارنة في ذي الحجة ثم اعتمرت بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعمارها بعد الحج فكانت لها عمرتان في شهر ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل الجعرانة عمرة القضية فكان متطوعا بعمرة الجعرانة ، فكان وإن دخل مكة عام الفتح بغير إحرام للحرب فليست عمرته من الجعرانة قضاء ولكنها تطوع ، والمتطوع يتطوع بالعمرة من حيث شاء خارجا من الحرم ( قال الشافعي ) ولو أهل رجل بحج ففاته خرج من حجه بعمل عمرة وكان عليه حج قابل والهدي ولم تجز هذه عنه من حجة ولا عمرة واجبة عليه لأنه إنما خرج من الحج بعمل العمرة ، لا أنه ابتدأ عمرة فتجزي عنه من عمرة واجبة عليه
باب الوقت الذي تجوز فيه العمرة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى :
يجوز أن يهل الرجل بعمرة في السنة كلها يوم عرفة وأيام منى وغيرها من السنة إذا لم يكن حاجا ولم يطمع بإدراك الحج وإن طمع بإدراك الحج أحببت له أن يكون إهلاله بحج دون عمرة أو حج مع عمرة وإن لم يفعل واعتمر جازت العمرة وأجزأت عنه عمرة الإسلام وعمرة إن كان أوجبها على نفسه من نذر أو أوجبه تبرر أو اعتمر عن غيره .

( قال الشافعي ) فإن قال [ ص: 147 ] قائل وكيف يجوز أن تكون العمرة في أيام الحج ؟ قيل قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة فأدخلت الحج على العمرة فوافت عرفة ومنى حاجة معتمرة والعمرة لها متقدمة وقد أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه هبار بن الأسود وأبا أيوب الأنصاري في يوم النحر وكان مهلا بحج أن يطوف ويسعى ويحلق ويحل فهذا عمل عمرة إن فاته الحج فإن أعظم الأيام حرمة أولاها أن ينسك فيها لله تعالى .

( قال الشافعي ) ولا وجه لأن ينهى أحد أن يعتمر يوم عرفة ولا ليالي منى إلا أن يكون حاجا فلا يدخل العمرة على الحج ولا يعتمر حتى يكمل عمل الحج كله ، لأنه معكوف بمنى على عمل من عمل الحج من الرمي والإقامة بمنى طاف للزيارة أو لم يطف ، فإن اعتمر وهو في بقية من إحرام حجه أو خارجا من إحرام حجه وهو مقيم على عمل من عمل حجه فلا عمرة له ولا فدية عليه لأنه أهل بالعمرة في وقت لم يكن له أن يهل بها فيه ( قال الشافعي ) والعمرة في السنة كلها فلا بأس بأن يعتمر الرجل في السنة مرارا ، وهذا قول العامة من المكيين وأهل البلدان ، غير أن قائلا من الحجازيين كره العمرة في السنة إلا مرة واحدة ، وإذا كانت العمرة تصلح في كل شهر فلا تشبه الحج الذي لا يصلح إلا في يوم من شهر بعينه إن لم يدرك فيه الحج فات إلى قابل فلا يجوز أن تقاس عليه وهي تخالفه في هذا كله ، فإن قال قائل : ما دل على ما وصفت ؟ قيل له عائشة ممن لم يكن معه هدي وممن دخل في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون إحرامه عمرة فعركت فلم تقدر على الطواف للطمث فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تهل بالحج فكانت قارنة وكانت عمرتها في ذي الحجة ثم سألته أن يعمرها فأعمرها في ذي الحجة فكانت هذه عمرتين في شهر فكيف ينكر أحد بعد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعمرتين في شهر يزعم أن لا تكون في السنة إلا مرة ؟ أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي حسين عن بعض ولد أنس بن مالك قال كنا مع أنس بن مالك بمكة فكان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال في كل شهر عمرة ، أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن عائشة اعتمرت في سنة مرتين ، مرة من ذي الحليفة ومرة من الجحفة ، أخبرنا سفيان عن صدقة بن يسار عن القاسم بن محمد أن عائشة أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم اعتمرت في سنة مرتين قال صدقة : فقلت هل عاب ذلك عليها أحد ؟ فقال سبحان الله أم المؤمنين فاستحييت ، أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع قال اعتمر عبد الله بن عمر أعواما في عهد ابن الزبير مرتين في كل عام ، أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن حبيب المعلم قال سئل عطاء عن العمرة في كل شهر ؟ قال نعم ( قال الشافعي ) وفيما وصفت من عمرة عائشة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها في ذي الحجة وفي أنه اعتمر في أشهر الحج بيان أن العمرة تجوز في زمان الحج وغيره وإذا جازت في شهر مرتين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم زايلت معنى الحج الذي لا يكون في السنة إلا مرة واحدة وصلحت في كل شهر ، وحين أراده صاحبه [ ص: 148 ] إلا أن يكون محرما بغيرها من حج أو عمرة فلا يدخل إحراما بغيره عليه قبل أن يكمله
( قال الشافعي ) وإذا أهل رجل بعمرة كان له أن يدخل الحج على العمرة ما لم يدخل في الطواف بالبيت فإذا دخل فيه فليس له أن يدخل عليه الحج ولو فعل لم يلزمه حج لأنه يعمل في الخروج من عمرته في وقت ليس له إدخال الحج فيه على عمل العمرة ولو كان إهلاله بحج لم يكن له أن يدخل عليه العمرة ولو فعل لم يكن مهلا بعمرة ولا عليه فدية
( قال ) ومن لم يحج اعتمر في السنة كلها ومن حج لم يدخل العمرة على الحج حتى يكمل عمل الحج وهو آخر أيام التشريق إن أقام إلى آخرها وإن نفر النفر الأول فاعتمر يومئذ لزمته العمرة لأنه لم يبق عليه للحج عمل ولو أخره كان أحب إلي ولو أهل بالعمرة في يوم النفر الأول ولم ينفر كان إهلاله باطلا لأنه معكوف على عمل من عمل الحج فلا يخرج منه إلا بكماله والخروج منه ( قال ) وخالفنا بعض حجازيينا فقال لا يعتمر في السنة إلا مرة ، وهذا خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أعمر عائشة في شهر واحد من سنة واحدة مرتين وخلاف فعل عائشة نفسها وعلي بن أبي طالب وابن عمر وأنس رضي الله عنهم وعوام الناس وأصل قوله إن كان قوله : أن العمرة تصلح في كل السنة فكيف قاسها بالحج الذي لا يصلح إلا في يوم من السنة ؟ وأي وقت وقت للعمرة من الشهور ؟ فإن قال : أي وقت شاء ، فكيف لم يعتمر في أي وقت شاء مرارا ، وقول العامة على ما قلنا .
باب من أهل بحجتين أو عمرتين

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى :
من أهل بحجتين معا أو حج ثم أدخل عليه حجا آخر قبل أن يكمل الحج فهو مهل بحج واحد ولا شيء عليه في الثاني من فدية ولا قضاء ولا غيره ( قال ) وإكمال عمل الحج أن لا يبقى عليه طواف ولا حلاق ولا رمي ولا مقام بمنى ، فإن قال قائل فكيف قلت هذا ؟ قيل كان عليه في الحج أن يأتي بعمله على كماله فيدخل فيه حراما ويكون كماله أن يخرج منه حلالا من يوم النحر من بعضه دون بعض وبعد النحر من كله بكماله فلو ألزمناه الحجتين وقلنا : أكمل إحداهما أمرناه بالإحلال وهو محرم بحج ، ولو قلنا له لا تخرج من إحرام أحدهما إلا بخروجك من الآخر بكماله قلنا له ائت ببعض عمل الحج دون بعض فإن قال وما يبقى عليه من عمل الحج ؟ قيل الحلاق فأمرناه أن لا يكمل الحج انتظارا للذي بعده ولو جاز هذا جاز أن يقال له أقم في بلدك أو في مكة ولا تعمل لأحد حجيك حتى تعمل للآخر منهما كما يقال للقارن ، فيكون إنما عمل بحج واحد وبطل الآخر ولو قلنا بل يعمل لأحدهما ويبقى محرما بالآخر قلنا : فهو لم يكمل عمل أحدهما وأكمل عمل الآخر فكيف يجب عليه في أحدهما ما سقط عنه في الآخر ؟ فإن قلت بل يحل من أحدهما ، قيل فلم يلزمه أداء الآخر إذا جاز له أن يخرج من الأول لم يدخل في غيره إلا بتجديد دخول فيه .

( قال الشافعي ) وإذا كان عمر بن الخطاب وكثير ممن حفظنا عنه لم نعلم منهم اختلافا يقولون إذا أهل بحج ثم فاته عرفة لم يقم حراما وطاف وسعى وحلق ثم قضى الحج الفائت لم يجز أبدا في الذي لم يفته الحج أن يقيم حراما بعد الحج بحج وإذا لم يجز لم يجز إلا سقوط إحدى الحجتين والله أعلم وقد روي من وجه عن عطاء أنه قال إذا أهل بحجتين فهو مهل بحج وتابعه الحسن بن أبي الحسن ( قال ) والقول في العمرتين هكذا [ ص: 149 ] وكمال العمرة الطواف بالبيت وبالصفا والمروة والحلاق وأمرهم من فاته الحج أن يحل بطواف وسعي وحلاق ويقضي يدلان معا على أنه لا يجوز أن يهل بالحج في غير أشهر الحج لأن من فاته الحج قد يقدر أن يقيم حراما إلى قابل ولا أراهم أمروه بالخروج من إحرامه بالطواف ولا يقيم حراما لأنه لا يجوز له أن يقيم محرما بحج في غير أشهر الحج ويدل على أنه إذا خرج من حجه يعمل عمرة فليس أن حجه صار عمرة ولا يصير عمرة وقد ابتدأ حجا في وقت يجوز فيه الإهلال بالحج ولو جاز أن ينفسخ الحج عمرة جاز أن يكون من ابتدأ فأهل بحجتين مهلا بحج وعمرة لأنه يصلح أن يبتدأ حج وعمرة ولم يجز لمن قال يصير حجه عمرة إلا ما وصفت من أنه إذا ابتدأ فأهل بحجتين فهو مهل بحج وعمرة ، فأما من أهل بحج ثم أدخل عليه بعد إهلاله به حجا فبين في كل حال أن لا يكون مدخلا حجا على حج ولا تكون عمرة مع حج ، كما لو ابتدأ فأدخل عمرة على حج لم يدخل عليه ، ولو جاز أن يصرف الحج عمرة جاز أن تصرف العمرة حجا فيكون من أهل بعمرتين في أشهر الحج مهلا بحج وعمرة ، وصرفنا إحرامه إلى الذي يجوز له ، ولا يجوز شيء من هذا غير القول الأول من أن من أهل بحجتين فهو مهل بحج ومن أهل بعمرتين فهو مهل بعمرة ولا شيء عليه غير ذلك .
باب الخلاف فيمن أهل بحجتين أو عمرتين

( قال الشافعي ) رحمه الله وخلافنا رجلان من الناس ، فقال أحدهما : من أهل بحجتين لزمتاه فإذا أخذ في عملهما فهو رافض للآخر ، وقال الآخر : هو رافض للآخر حين ابتدأ الإهلال وأحسبهما قالا : وعليه في الرفض دم وعليه القضاء .

( قال الشافعي ) قد حكي لي عنهما معا أنهما قالا : من أجمع صيام يومين فصام أحدهما فليس عليه الآخر لأنه لا يجوز أن يدخل في الآخر إلا بعد الخروج من الأول ، وهكذا من فاتته صلوات فكبر ينوي صلاتين لم يكن إلا صلاة واحدة ، ولم يلزمه صلاتان معا ، لأنه لا يدخل في الآخر إلا من بعد الخروج من الأولى ( قال ) وكذلك لو نوى صلاتين تطوعا مما يفصل بينهما بسلام ، فإذا كان هذا هكذا في الصوم والصلاة فكيف لم يكن عندهما هكذا في الحج ؟ مع أنه يلزمهما أن يدعا قولهما في الحج ، إن زعما أن الحج يصير عمرة إذا فاتتعرفة أشبه أن يلزمهما إذا كان الإحرام بحجتين لازما أن يقولا هو حج وعمرة قالا يقضي أحدهما أو لم يقولاه .

( قال الشافعي ) وبهذا قلنا لا يقرن بين عملين إلا بحج وعمرة يدخل الحج على العمرة ولا يدخل العمرة على الحج إذا بدأ بالحج لأن الأصل أن لا نجمع بين عملين ، فلما جمع بينهما في حال سلم للخبر في الجمع بينهما ، ولم يجمع بينهما إلا على ما جاء فيه الخبر لا يخالفه ولا يقيس عليه .
[ ص: 150 ] في المواقيت ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن } قال ابن عمر : ويزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ويهل أهل اليمن من يلملم } أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه قال { أمر أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن } . قال ابن عمر : أما هؤلاء الثلاث فسمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ويهل أهل اليمن من يلملم } أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر قال { : قام رجل من أهل المدينة في المسجد فقال : يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل ؟ قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن } قال لي نافع : ويزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ويهل أهل اليمن من يلملم } ( قال ) وأخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال . أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن المهل فقال سمعت ، ثم انتهى ، أراه يريد النبي صلى الله عليه وسلم يقول { يهل أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الآخر من الجحفة وأهل المغرب ويهل أهل العراق من ذات عرق ويهل أهل نجد من قرن ويهل أهل اليمن من يلملم } .

( قال الشافعي ) ولم يسم جابر بن عبد الله النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد يجوز أن يكون سمع عمر بن الخطاب ، قال ابن سيرين : يروى عن عمر بن الخطاب مرسلا أنه وقت لأهل المشرق ذات عرق ، ويجوز أن يكون سمع غير عمر بن الخطاب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا سعيد بن سالم قال : أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عطاء { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل المغرب الجحفة ولأهل المشرق ذات عرق ولأهل نجد قرنا ومن سلك نجدا من أهل اليمن وغيرهم قرن المنازل ، ولأهل اليمن يلملم } أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال : فراجعت عطاء فقلت : أن النبي صلى الله عليه وسلم زعموا لم يوقت ذات عرق ولم يكن أهل المشرق حينئذ ، قال كذلك سمعنا أنه وقت ذات عرق أو العقيق لأهل المشرق قال : ولم يكن عراق ولكن لأهل المشرق ولم يعزه إلى أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه يأبى إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم وقته ، أخبرنا مسلم بن خالد ، عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال : لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عرق ولم يكن حينئذ أهل مشرق ، فوقت الناس ذات عرق ( قال الشافعي ) ولا أحسبه إلا كما قال طاوس والله أعلم ، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء أنه قال : لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق شيئا فاتخذ الناس بحيال قرن ذات عرق ، أخبرنا الثقة عن أيوب عن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب وقت ذات عرق لأهل المشرق .

( قال الشافعي ) وهذا عن عمر بن الخطاب مرسلا ، وذات عرق شبيه بقرن في القرب وألملم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #80  
قديم 11-12-2021, 02:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (80)
صــــــــــ 151 الى صـــــــــــ155

( قال الشافعي ) فإن أحرم منها أهل المشرق رجوت أن يجزيهم قياسا على قرن ويلملم ، ولو أهلوا من العقيق كان أحب إلي ، أخبرنا سفيان عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال : { وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرنا ولأهل اليمن يلملم ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت لأهلها ولكل آت أتى عليها من غير أهلها ممن أراد الحج والعمرة ومن كان أهله من دون [ ص: 151 ] الميقات فليهلل من حيث ينشئ حتى يأتي ذلك على أهل مكة } أخبرنا الثقة عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في المواقيت مثل معنى حديث سفيان في المواقيت ، أخبرنا سعيد بن سالم عن القاسم بن معن عن ليث عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس أنه قال : { وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل اليمن يلملم ولأهل نجد قرنا ومن كان دون ذلك فمن حيث يبدأ } . أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت قال ليستمتع المرء بأهله وثيابه حتى يأتي كذا وكذا للمواقيت } ، قلت : أفلم يبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا بلغوا كذا وكذا ؟ أهلوا ؟ قال : لا أدري .
باب تفريع المواقيت

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس قال : قال " ولم يسم عمرو القائل إلا أنا نراه ابن عباس " الرجل يهل من أهله ومن بعدما يجاوز أين شاء ولا يجاوز الميقات إلا محرما ، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء أنه رأى ابن عباس يرد من جاوز الميقات غير محرم .

( قال الشافعي ) وبهذا نأخذ ، وإذا أهل الرجل بالحج أو العمرة من دون ميقاته ثم رجع إلى ميقاته فهو محرم في رجوعه ذلك ، فإن قال قائل : فكيف أمرته بالرجوع وقد ألزمته إحراما قد ابتدأه من دون ميقاته ؟ أقلت ذلك اتباعا لابن عباس أم خبرا من غيره أو قياسا ؟ قلت : هو وإن كان اتباعا لابن عباس ففيه أنه في معنى السنة ، فإن قال : فاذكر السنة التي هو في معناها ، قلت : أرأيت إذ وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم المواقيت لمن أراد حجا أو عمرة ، أليس المريد لهما مأمورا أن يكون محرما من الميقات لا يحل إلا بإتيان البيت والطواف والعمل معه ؟ قال : بلى .

قلت : افتراه مأذونا له قبل بلوغ الميقات أن يكون غير محرم ؟ قال : بلى . قلت : أفتراه أن يكون مأذونا له أن يكون بعض سفره حلالا وبعضه حراما ؟ قال : نعم . قلت أفرأيت إذا جاوز الميقات فأحرم أو لم يحرم ثم رجع إلى الميقات فأحرم منه ، أما أتى بما أمر به من أن يكون محرما من الميقات إلى أن يحل بالطواف بالبيت وعمل غيره ؟ قال : بلى . ولكنه إذا دخل في إحرام بعد الميقات فقد لزمه إحرامه وليس بمبتدئ إحراما من الميقات .

( قال الشافعي ) قلت إنه لا يضيق عليه أن يبتدئ الإحرام قبل الميقات كما لا يضيق عليه لو أحرم من أهله فلم يأت الميقات إلا وقد تقدم بإحرامه لأنه قد أتى بما أمر به من أن يكون محرما من الميقات إلى أن يحل بالطواف وعمل الحج ، وإذا كان هذا هكذا كان الذي جاوز الميقات ثم أحرم ثم رجع إليه في معنى هذا في أنه قد أتى على الميقات محرما ثم كان بعد محرما إلى أن يطوف ويعمل لإحرامه إلا أنه زاد على نفسه سفرا بالرجوع والزيادة لا تؤثمه ولا توجب عليه فدية إن شاء الله تعالى ، فإن قال : أفرأيت من كان أهله من دون الميقات أو كان من أهل الميقات ؟ قلت سفر ذلك كله إحرام وحاله إذا جاوز أهله حال من جاوز الميقات يفعل ما أمرنا به من جاوز الميقات .

( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال قال [ ص: 152 ] عمرو بن دينار عن طاوس : من شاء أهل من بيته ومن شاء استمتع بثيابه حتى يأتي ميقاته ولكن لا يجاوزه إلا محرما يعني ميقاته ، أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال : المواقيت في الحج والعمرة سواء ومن شاء أهل من ورائها ومن شاء أهل منها ولا يجاوزها إلا محرما وبهذا نأخذ ، أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج أن عطاء قال : ومن أخطأ أن يهل بالحج من ميقاته أو عمد ذلك فليرجع إلى ميقاته فليهلل منه إلا أن يحبسه أمر يعذر به من وجع أو غيره أو يخشى أن يفوته الحج إن رجع فليهرق دما ولا يرجع ، وأدنى ما يهريق من الدم في الحج أو غيره شاة ، أخبرنا مسلم عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت الذي يخطئ أن يهل بالحج من ميقاته ويأتي وقد أزف الحج فيهريق دما أيخرج مع ذلك من الحرم فيهل بالحج من الحل ؟ قال : لا . ولم يخرج خشية الدم الذي يهريق .

( قال الشافعي ) وبهذا نأخذ من أهل من دون ميقاته أمرناه بالرجوع إلى ميقاته ما بينه وبين أن يطوف بالبيت فإذا طاف بالبيت لم نأمره بالرجوع وأمرناه أن يهريق دما ، وإن لم يقدر على الرجوع إلى ميقاته بعذر أو تركه عامدا لم نأمره بأن يخرج إلى شيء دون ميقاته وأمرناه أن يهريق دما وهو مسيء في تركه أن يرجع إذا أمكنه عامدا ولو كان ميقات القوم قرية فأقل ما يلزمه في الإهلال أن لا يخرج من بيوتها حتى يحرم وأحب إلي إن كانت بيوتها مجتمعة أو متفرقة أن يتقصى فيحرم من أقصى بيوتها مما يلي بلده الذي هو أبعد من مكة وإن كان واديا فأحب إلى أن يحرم من أقصاه وأقربه ببلده وأبعده من مكة وإن كان ظهرا من الأرض فأقل ما يلزمه في ذلك أن يهل مما يقع عليه اسم الظهر أو الوادي أو الوضع أو القرية إلا أن يعلم موضعها فيهل منه وأحب إلي أن يحرم من أقصاه إلى بلده الذي هو أبعد من مكة ، فإنه إذا أتى بهذا فقد أحرم من الميقات يقينا أو زاد والزيادة لا تضر ، وإن علم أن القرية نقلت فيحرم من القرية الأولى ، وإن جاوز ما يقع عليه الاسم رجع أو أهراق دما ، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزري قال رأى سعيد بن جبير رجلا يريد أن يحرم من ميقات ذات عرق فأخذ بيده حتى أخرجه من البيوت وقطع به الوادي وأتى به المقابر ثم قال : هذه ذات عرق الأولى ( قال الشافعي ) ومن سلك بحرا أو برا من غير وجه المواقيت أهل بالحج إذا حاذى المواقيت متأخيا وأحب إلي أن يحتاط فيحرم من وراء ذلك ، فإن علم أنه أهل بعدما جاوز المواقيت كان كمن جاوزها فرجع أو أهراق دما أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : من سلك بحرا أو برا من غير جهة المواقيت أحرم إذا حاذى المواقيت .

( قال الشافعي ) وبهذا نأخذ ومن سلك كداء من أهل نجد والسراة أهل بالحج من قرن ، وذلك قبل أن يأتي ثنية كدى وذلك أرفع من قرن في نجد وأعلى وادي قرن وجماع ذلك ما قال عطاء أن يهل من جاء من غير جهة المواقيت ، إذا حاذى المواقيت وحديث طاوس في المواقيت عن النبي صلى الله عليه وسلم أوضحها معنى وأشدها غنى عما دونه ، وذلك أنه أتى على المواقيت ثم قال عن النبي صلى الله عليه وسلم { هن لأهلهن ولكل آت عليهن من غير أهلهن ممن أراد حجا أو عمرة } وكان بينا فيه أن عراقيا أو شاميا لو مر بالمدينة يريد حجا أو عمرة كان ميقاته ذا الحليفة وإن مدنيا لو جاء من اليمن كان ميقاته يلملم وأن قوله يهل أهل المدينة من ذي الحليفة إنما هو لأنهم يخرجون من بلادهم ويكون ذو الحليفة طريقهم وأول ميقات يمرون به وقوله وأهل الشام من الجحفة لأنهم يخرجون من بلادهم والجحفة طريقهم وأول ميقات يمرون به ليست المدينة ولا ذو الحليفة طريقهم إلا أن يعرجوا إليها وكذلك قوله في أهل نجد واليمن لأن كل واحد منهم خارج من بلده وكذلك أول ميقات يمرون به وفيه معنى آخر أن أهل نجد اليمن يمرون بقرن ، [ ص: 153 ] فلما كانت طريقهم لم يكلفوا أن يأتوا يلملم وإنما ميقات يلملم لأهل غور اليمن تهمها ممن هي طريقهم .

( قال الشافعي ) ولا يجوز في الحديث غير ما قلت والله أعلم وذلك أنه لو كان على أهل المدينة أين كانوا فأرادوا الحج أن يهلوا من ذي الحليفة رجعوا من اليمن إلى ذي الحليفة ورجع أهل اليمن من المدينة إن أرادوا منها الحج إلى يلملم ، ولكن معناه ما قلت والله أعلم وهو موجود في الحديث معقول فيه ومعقول في الحديث في قوله " ولكل آت أتى عليها " ما وصفت وقوله " ممن أراد حجا أو عمرة " أنهن مواقيت لمن أتى عليهم يريد حجا أو عمرة ، فمن أتى عليهن لا يريد حجا ولا عمرة فجاوز الميقات ثم بدا له أن يحج أو يعتمر أهل بالحج من حيث يبدو له وكان ذلك ميقاته كما يكون ميقات أهله الذين أنشئوا منه يريدون الحج أو العمرة حين أنشئوا منه ، وهذا معنى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ممن أراد حجا أو عمرة لأن هذا جاوز الميقات لا يريد حجا ولا عمرة ومعنى قوله { ولكل آت أتى عليهن ممن أراد حجا أو عمرة } فهذه إنما أراد الحج أو العمرة بعدما جاوز المواقيت فأراد وهو ممن دون المواقيت المنصوبة وأراده وهو داخل في جملة المواقيت لقول النبي صلى الله عليه وسلم { ومن كان أهله دون المواقيت فمن حيث ينشئ حتى يأتي ذلك على أهل مكة } فهذا جملة المواقيت ، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أهل من الفرع .

( قال الشافعي ) وهذا عندنا والله أعلم أنه مر بميقاته لم يرد حجا ولا عمرة ثم بدا له من الفرع فأهل منه أو جاء الفرع من مكة أو غيرها ثم بدا له الإهلال فأهل منها ولم يرجع إلى ذي الحليفة وهو روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في المواقيت ، فلو أن بعض أهل المدينة أتى الطائف لحاجته عامدا لا يريد حجا ولا عمرة ثم خرج منها كذلك لا يريد حجا ولا عمرة حتى قارب الحرم ثم بدا له أن يهل بالحج أو العمرة أهل من موضعه ذلك ولم يرجع ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال : إذا مر المكي بميقات أهل مصر فلا يجاوزه إلا محرما ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قال طاوس : فإن مر المكي على المواقيت يريد مكة فلا يخلفها حتى يعتمر باب دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا } إلى قوله { والركع السجود } .

( قال الشافعي ) المثابة في كلام العرب الموضع يثوب الناس إليه ويئوبون يعودون إليه بعد الذهاب منه ، وقد يقال ثاب إليه اجتمع إليه ، فالمثابة تجمع الاجتماع ويئوبون يجتمعون إليه راجعين بعد ذهابهم منه ومبتدئين قال ورقة بن نوفل يذكر البيت .


مثابا لا فناء القبائل كلها تخب إليه اليعملات الذوامل
وقال خداش بن زهير النصري : [ ص: 154 ]
فما برحت بكر تثوب وتدعى ويلحق منهم أولون وآخر
وقال الله عز وجل { أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم } يعني والله أعلم ، آمنا من صار إليه لا يتخطف اختطاف من حولهم وقال لإبراهيم خليله { وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق } .

( قال الشافعي ) فسمعت بعض من أرضى من أهل العلم يذكر أن الله تبارك وتعالى لما أمر بهذا إبراهيم عليه السلام ، وقف على المقام فصاح صيحة عباد الله أجيبوا داعي الله فاستجاب له حتى من في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فمن حج البيت بعد دعوته فهو ممن أجاب دعوته ووقاه من وافاه يقولون لبيك داعي ربنا لبيك وقال الله عز وجل { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } الآية ، فكان ذلك دلالة كتاب الله عز وجل فينا وفي الأمم ، على أن الناس مندوبون إلى إتيان البيت بإحرام ، وقال الله عز وجل { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود } وقال { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } .

( قال الشافعي ) فكان مما ندبوا به إلى إتيان الحرم بالإحرام قال : وروي عن ابن أبي لبيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال { لما أهبط الله تعالى آدم من الجنة طأطأه فشكا الوحشة إلى أصوات الملائكة فقال يا رب مالي لا أسمع حس الملائكة ؟ فقال خطيئتك ياآدم ولكن اذهب فإن لي بيتا بمكة فأته فافعل حوله نحو ما رأيت الملائكة يفعلون حول عرشي فأقبل يتخطى موضع كل قدم قرية وما بينهما مفازة فلقيته الملائكة بالردم فقالوا بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام } أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي لبيد عن محمد بن كعب القرظي أو غيره قال { : حج آدم فلقيته الملائكة فقالت بر نسكك يا آدم لقد حججنا قبلك بألفي عام } .

( قال الشافعي ) وهو إن شاء الله تعالى كما قال ، وروى عن أبي سلمة وسفيان بن عيينة كان يشك في إسناده .

( قال الشافعي ) ويحكى أن النبيين كانوا يحجون فإذا أتوا الحرم مشوا إعظاما له ومشوا حفاة ، ولم يحك لنا عن أحد من النبيين ولا الأمم الخالية أنه جاء أحد البيت قط إلا حراما ولم يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة علمناه إلا حراما إلا في حرب الفتح فبهذا قلنا إن سنة الله تعالى في عباده أن لا يدخل الحرم إلا حراما وبأن من سمعناه من علمائنا قالوا فمن نذر أن يأتي البيت يأتيه محرما بحج أو عمرة ( قال ) ولا أحسبهم قالوه إلا بما وصفت وأن الله تعالى ذكر وجه دخول الحرم فقال { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام ، إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين } ( قال ) فدل على وجه دخوله للنسك وفي الأمن وعلى رخصة الله في الحرب وعفوه فيه عن النسك وأن فيه دلالة على الفرق بين من يدخل مكة وغيرها من البلدان وذلك أن جميع البلدان تستوي لأنها لا تدخل بإحرام وإن مكة تنفرد بأن من دخلها منتابا لها لم يدخلها إلا بإحرام .

. ( قال الشافعي ) إلا أن من أصحابنا من رخص للحطابين ومن مدخله إياها لمنافع أهلها والكسب لنفسه ورأيت أحسن ما يحمل عليه هذا القول إلى أن انتياب هؤلاء مكة انتياب كسب لا انتياب تبرر ، وأن ذلك متتابع كثير متصل فكانوا يشبهون المقيمين فيها ، ولعل حطابيهم كانوا مماليك غير مأذون لهم بالتشاغل بالنسك ، فإذا كان فرض الحج على المملوك ساقطا سقط عنه ما ليس بفرض من النسك ، فإن كانوا عبيدا ففيهم هذا المعنى الذي ليس في غيرهم مثله ، وإن كانت الرخصة لهم لمعنى أن قصدهم في دخول مكة ليس قصد النسك ولا التبرر وأنهم يجمعون أن دخولهم شبيه بالدائم [ ص: 155 ] فمن كان هكذا كانت له الرخصة ، فأما المرء يأتي أهله بمكة من سفر فلا يدخل إلا محرما لأنه ليس في واحد من المعنيين ، فأما البريد يأتي برسالة أو زور أهله وليس بدائم الدخول فلو استأذن فدخل محرما كان أحب إلي ، وإن لم يفعل ففيه المعنى الذي وصفت أنه يسقط به عنه ذلك ، ومن دخل مكة خائفا الحرب فلا بأس أن يدخلها بغير إحرام ، فإن قال قائل : ما دل على ما وصفت ؟ قيل الكتاب والسنة ، فإن قال وأين ؟ قيل قال الله تبارك وتعالى { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } فأذن للمحرمين بحج أو عمرة أن يحلوا لخوف الحرب ، فكان من لم يحرم أولى إن خاف الحرب أن لا يحرم من محرم يخرج من إحرامه ، ودخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح غير محرم للحرب ، فإن قال قائل : فهل عليه إذا دخلها بغير إحرام لعدو وحرب أن يقضي إحرامه ؟ قيل : لا ، إنما يقضي ما وجب بكل وجه فاسد ، أو ترك فلم يعمل ، فأما دخوله مكة بغير إحرام فلما كان أصله أن من شاء لم يدخلها إذا قضى حجة الإسلام وعمرته كان أصله غير قرض فلما دخلها محلا فتركه كان تاركا لفضل وأمر لم يكن أصله فرضا بكل حال فلا يقضيه ، فأما إذا كان فرضا عليه إتيانها لحجة الإسلام أو نذر نذره فتركه إياه لا بد أن يقضيه أو يقضى عنه بعد موته أو في بلوغ الوقت الذي لا يستطيع أن يستمسك فيه على المركب ، ويجوز عندي لمن دخلها خائفا من سلطان أو أمر لا يقدر على دفعه ، ترك الإحرام إذا خافه في الطواف والسعي ، وإن لم يخفه فيهما لم يجز له والله أعلم ، ومن المدنيين من قال : لا بأس أن يدخل بغير إحرام واحتج بأن ابن عمر دخل مكة غير محرم .

( قال الشافعي ) وابن عباس يخالفه ومعه ما وصفنا واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها عام الفتح غير محرم وأن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها كما وصفنا محاربا ، فإن قال أقيس على مدخل النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : أفتقيس على إحصار النبي صلى الله عليه وسلم بالحرب ؟ فإن قال : لا ، لأن الحرب مخالفة لغيرها ، قيل : وهكذا افعل في الحرب حيث كانت ، لا تفرق بينهما في موضع وتجمع بينهما في آخر .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 316.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 310.40 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.92%)]