سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله - الصفحة 13 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الدور الحضاري للوقف الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          آفاق التنمية والتطوير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 3892 )           »          تحت العشرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 61 - عددالزوار : 6972 )           »          المرأة والأسرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 61 - عددالزوار : 6433 )           »          الأخ الكبير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          فوائد متنوعة منتقاة من بعض الكتب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 202 )           »          الحفاظ على النفس والصحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          شرح النووي لحديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          نظرية التأخر الحضاري في البلاد المسلمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الاستعلائية في الشخصية اليهودية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #121  
قديم 24-11-2021, 04:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود



تفسير الربع الأخير من سورة الكهف


الآية 83: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ: يعني يَسألك مُشرِكو قومك - أيها الرسول - عن خبر المَلِك الصالح "ذي القرنين"، ﴿ قُلْ لهم: ﴿ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا: أي سأقرأ عليكم مِن حاله خبرًا يَحمل موعظةً وعِلمًا تتذكرونه وتعتبرونَ به.


الآية 84، والآية 85، والآية 86: ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ يعني أعطيناه من المُلك والسلطان والعلم ما يُمَكِّنُه من التحكم في مَمالك الأرض ﴿ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا: يعني أعطيناه من كل الأسباب والوسائل و"الإمكانيات" التي يتوصل بها إلى ما يريد (مِن فَتْح البلاد ليَنشر فيها العدل والخير، وغير ذلك) ﴿ فَأَتْبَعَ سَبَبًا: أي فأخَذَ بتلك الأسباب والطرق بجد واجتهاد، وأتْبَعَ السبَبَ سببًا آخر حتى انتهى إلى ما يريد، (وهذا مِن سُنن اللهِ الكونية في تكامل الأشياء، فمَن صَنَعَ "العَرَبة" وتابَعَ الأسباب التي تَوَصَّلَ بها إلى صُنع "العربة"، فإنه يَصنع الطائرة، وهكذا).


واعلم أنّ كلمة "السبب" معناها الحقيقي: (الحَبل)، ولكنها أُطلِقَتْ على كل ما يُتوَصَّل به إلى شيءٍ ما.
فتابَعَ ذو القرنين بين أسباب الغزو والفتح، وسارَ بجنوده ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ: يعني حتى إذا وصل إلى المكان الذي تَغرب فيه الشمس (وهو على ساحل المحيط الأطلنطي): ﴿ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ: أي وَجَدَها - في نظر العين - كأنها تغرب في ماءٍ ساخن أو أسود، (وكَوْنها تَغرب في هذا الماء: هو بحسب رؤية العين، وإلاّ فالشمس في السماء، والمحيط في الأرض).


﴿ وَوَجَدَ عِنْدَهَا أي عند تلك العين الحَمِئة - في ذلك الإقليم الغربي - ﴿ قَوْمًا(كافرين أو فُسّاق)، لأنّ اللهَ تعالى رَخَّصَ له في تعذيبهم - كما سيأتي - فلو أنهم كانوا مؤمنين، ما رَخَّصَ له في تعذيبهم، فـ﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا، والمعنى أنّ اللهَ أَذِنَ له في التصرف فيهم (بعد أن يَسَّرَ له أسباب التغلب عليهم)، فخَيَّره سبحانه بين أن يُعَذِّبهم بالقتل أو غيره، وبين أن يُعاملهم بالإحسان، فيُطلِقَ سَراحهم بدون فداء، أو يأخذ منهم الفداء.


الآية 87، والآية 88: ﴿ قَالَ ذو القرنين لهؤلاء القوم: ﴿ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ: يعني أمَّا مَن استمَرَّ على شِركه وكُفره: ﴿ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ في الدنيا، ﴿ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا: أي ثم يَرجع إلى ربه بعد الموت، فيُعذبه عذابًا فظيعًا في نار جهنم ﴿ وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ بربه، فصدَّقَ به ووَحَّدَه ﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾، ﴿فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى: أي فله الحُسنى - وهي الجنة - ثوابًا من اللهِ تعالى، ﴿ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا: يعني وسنُحسن إليه، ونُلَيِّن له القول ونُيَسِّر له المعاملة، فلا نُكَلِّفه ما يُرهقه.


الآية 89، والآية 90: ﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا أي: ثم سار ذو القرنين بجنوده ليَفتح المَشرق، مُتَّبِعًا الأسباب التي أعطاه اللهُ إياها في فتح المغرب ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ: يعني حتى إذا وصل إلى المكان الذي تطلع منه الشمس - في نظر العين -: ﴿ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا أي ليس لهم مساكن تسترهم من الشمس، ولا ثياب يَلبسونها (إذ كانوا قومًا (بِدائيين) لم تساعدهم الأرض التي يعيشون عليها على التحضّر، فلذلك كانوا يَسكنونَ الكهوف والمَغارات والسراديب، ويَسترون عوراتهم بأوراق الشجر وجلود الحيوانات وغير ذلك).


الآية 91: ﴿ كَذَلِكَ - أي كذلك كانَ أمْرُهُم كما قصصنا عليك أيها الرسول - ﴿ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا: أي وقد أحاط عِلْمُنا بما عند "ذي القرنين" من الأسباب المادية والإيمانية، حيثما توجَّه وسار.


الآية 92، والآية 93، والآية 94: ﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا أي: ثم واصَلَ طريقه في الغزو والفتح - آخِذًا بالأسباب التي أعطاه اللهُ إياها - ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وهما جبليْن عظيميْن يَحجزان ما وراءهما، فـ ﴿ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا يعني وجد أمام هذين الجبلين ﴿ قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا أي لا يَفهمون كلام مَن يخاطبهم إلاّ بشدة وبطء (لأنهم لا يَعرفون لهجةً أخرى غير لَهْجتهم)، فـ﴿ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وهُما قبيلتيْن عظيمتيْن من بني آدم ﴿ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بإهلاك الزرع وقتْل البشر والأكل والتدمير والتخريب، ﴿ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا: يعني فهل نجعل لك أجرًا ﴿ عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا:يعني مُقابل أن تجعل بيننا وبينهم حاجزًا يَمنعهم من الوصول إلينا؟


الآية 95، والآية 96: ﴿ قَالَ لهم ذو القرنين: ﴿ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ يعني ما أعطانيه ربي من المُلك والتمكين هو خيرٌ لي مِن مالكم، ﴿ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ من أجسادكم: ﴿ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا أي حاجزًا قويًّا - في المسافة التي بين الجبلين - ليَكون حائلًا بينكم وبينهم.


وقال لهم ذو القرنين: ﴿ آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ: يعني أعطوني قطع الحديد (كل قطعة على قدر الحجر الذي يُستَخدَم في البناء)، فجاؤوا به إليه، فأخذ يضع الحديد ويَبني السد ﴿ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ، يعني حتى إذا ارتفع البناء وأصبح مُساويًا لارتفاع الجبلين: ﴿ قَالَ ذو القرنين للعُمّال: ﴿ انْفُخُوا أي أشعِلوا النار، وانفخوها على الحديد حتى يَنصهر (ليُصبح أكثر صلابةً وثباتًا)، ﴿ حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا: يعني حتى إذا اشتعلت النار في جميع قطع الحديد، وصار الحديد كله مُنصهرًا: ﴿ قَالَ لهم: ﴿ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا: يعني أعطوني نحاسًا مُذابًا أُفرِغه عليه، فجاؤوا إليه بالنحاس المُذاب، فأفرغه على السد، (ولعل الحكمة من اتحاد الحديد المنصهر مع النحاس المُذاب أنْ تَنتج مادة ثالثة أكثر صلابة تجمع بين قوة الحديد وقوة النحاس).


الآية 97، والآية 98: ﴿ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ: أي فما استطاع يأجوج ومأجوج أن يصعدوا فوق السد (لارتفاعه ومَلاسته)، ﴿ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا: يعني وما استطاعوا أن يَخرقوه مِن أسفله لقوَّته.


فلمّا نظر ذو القرنين إلى السد - بعد أن أصبَحَ جبلًا شامخًا وحِصنًا حصينًا -: ﴿ قَالَ: ﴿ هَذَا السد هو ﴿ رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي بالناس، ﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي بخروج يأجوج ومأجوج عند قُرْب الساعة: ﴿ جَعَلَهُ دَكَّاءَ: أي جعله اللهُ ترابًا مُساويًا للأرض، ﴿ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا.


الآية 99:﴿ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ: أي وتركنا يأجوج ومأجوج - يوم يأتيهم وَعْدُنا - يَذهبون ويَجيئون في اضطرابٍ كمَوج البحر لِكَثرتهم، (ويُحتمَل أن يكون المقصود بمَن يَموج بعضهم في بعض: الإنس والجن، وذلك يوم القيامة، والله أعلم)، ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ: أي ونُفِخَ في "القرن" نفخة البعث ﴿فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا: أي فجمعنا الخلق جميعًا للحساب والجزاء.


الآية 100، والآية 101:﴿ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا أي عَرْضًا حقيقيًّا يُشاهدونها فيه عن قُرب، لنُرِيَهم سُوء عاقبتهم، إذ هم ﴿ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي أي كانت أعينهم لا تستطيع أن ترى آياتي الكونية، وكانت بصائر قلوبهم لا تستطيع أن ترى أدلتي القرآنية، ليَستدلوا بها على أنني وحدي المستحق للعبادة، ﴿ وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا: أي وكانوا لا يَطيقون سماع حُجَجي المُوصلة إلى الإيمان بي وبرسولي، والداعية إلى الهدى والخير.


الآية 102:﴿ أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ: يعني هل ظنوا أن يتخذوا عبادي آلهةً - يَعبدونهم بأنواع من العبادات - ليكونوا أولياءَ لهم يُنقذونهم من عذابي؟ (والاستفهام للإنكار والتوبيخ)، يعني: كلا، إنهم سوف يَتبرؤون منهم يوم القيامة، وسوف نُعاقب المشركين على شِركهم وكُفرهم، فـ ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا: أي أعددنا نار جهنم للكافرين مَنزلًا، (وفي هذا تهديدٌ ووعيد لكل مَن يتخذ الملائكة أو الأنبياء أو الأولياء آلهة، يَعبدونهم تحت شعار: التقرب إلى اللهِ تعالى، وطلب الشفاعة عنده بهم، والتوسل إليه تعالى بحُبّهم والتقرب إليهم).


من الآية 103 إلى الآية 106: ﴿ قُلْ أيها الرسول - مُحَذرًا للناس -: ﴿ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا: يعني هل نُخبركم بأخسر الناس أعمالًا؟ إنهم هم ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا: أي بَطل عملهم وفَسَد، فلم يَنتفعوا به - لأنه لم يكن على هدىً ولا صواب - فبذلك ضيَّعوه بعد أن تعبوا فيه ﴿ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا: أي وهُم يظنون أنهم مُحسنون في أعمالهم، (ويدخل في ذلك: المُراؤون بأعمالهم للناس، والعاملون بالبِدَع المُكَفرّة، والمشركون واليهود والنصارى).


﴿ أُولَئِكَ هم ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِأي كفروا بالقرآن وبما فيه من دلائل التوحيد، والأحكام الشرعية التي شَرَعها اللهُ لعباده، وكفروا كذلك بالبعث والجزاء ﴿ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ، أي بَطلت أعمالهم بسبب كُفرهم وريائهم وعملهم بغير ما شَرَعَ اللهُ تعالى،
﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾، أي لا نجعل لهم قدْرًا ولا قيمة، ولا نُوزِنُ لهم أعمالهم الباطلة، بل نَحتقرهم ونُذِلّهم (عِلمًا بأنّ الكفار سيُحاسَبون وإنْ لم تُوزَن أعمالهم، لقوله تعالى: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ)، فمُحاسبَتهم لإظهار العدالة الإلهية، لا لأنّ لهم أعمالًا صالحة يُجزَون بها، واللهُ أعلم).


وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري -: (إنه لَيُؤتَى بالرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يَزن عند اللهِ جناح بعوضة، وقال: اقرؤوا إن شئتم: ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾).


﴿ ذَلِكَ أي أولئك المُحتَقَرون الذليلون ﴿ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا أي بسبب أنهم كفروا بوحدانية اللهِ تعالى ﴿ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾، يعني وبسبب أنهم سخروا واستهزؤوا بآيات الله وحُجَجه ورُسُله، فلذلك كان الحُكم عادلًا، والجزاء مُوافِقًا.


ويُلاحَظ أنه تعالى أطلَقَ عليهم لفظ: (ذلك) بدلًا من: (أولئك)، لأنهم بكُفرهم وحبوط أعمالهم أصبحوا لا خيرَ فيهم، ولا وزنَ لهم، فحينئذٍ يُستحسَن أن يُشار إليهم بـ "ذلك"، (أي ذلك المذكور مِن سَفَلة الخَلق)، واللهُ أعلم.


الآية 107، والآية 108: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا باللهِ ورسوله، وبكل ما أخبر به رسوله من الغيب ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ على النحو الذي شَرَعَه اللهُ تعالى، فأدَّوا الفرائض والواجبات، وسارَعوا في النوافل والخيرات، أولئك ﴿ كَانَتْ لَهُمْ - في عِلم اللهِ وحُكمه -: ﴿ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا أي لهم أعلى درجات الجنة وأفضلها منزلًا (وهي الفردوس الأعلى)، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري -: (فإذا سألتم اللهَ فسَلُوهُ الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عَرش الرحمن، ومنه تَفَجَّرُ أنهار الجنة).


وحتى نَفهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة): فإننا سوف نتخيل أن الجنة عبارة عن صندوق ضخم، فبالتالي تكون الفردوس في منتصف هذا الصندوق ولكنْ في أعلى نقطة فيه، فبذلك تكون أعلى الجنة وأوسط الجنة)، (واعلم أنّ النُزُل هو ما يُعَدّ للضيف مِن إكرامٍ وإنعام).


﴿ خَالِدِينَ فِيهَا - أي في هذه الجنة - ﴿ لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا، أي لا يريدون تحوُّلًا عنها؛ لأنّ نعيمها لا يُمَلّ منه، وصَفْوها لا يُكَدَّر، وسعادتها لا تنقص ولا تُنَغَّض بموتٍ ولا مرض ولا هَم ولا حزن ولا تعب (جعلنا اللهُ مِن أهلها ومَن قال آمين).


الآية 109: ﴿ قُلْ - أيها الرسول -: ﴿ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي: يعني لو كان البحر حِبرًا يُكتَب به الكلمات الإلهية التي تحمل العلوم والمعارف: ﴿ لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي، ﴿ وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا: يعني ولو جئنا بمِثل البحر بحارًا أخرى مَدَدًا له، (وفي الآية إثبات صفة الكلام للهِ تعالى حقيقةً كما يَليق بجلاله وكماله).


وقد تضمنت هذه الآية ردًّا على اليهود الذين قالوا: (أوتينا التوراة، وفيها عِلم كل شيء)، فأنزل اللهُ تعالى هذه الآية ردًّا عليهم وإبطالًا لمَزاعمهم، وأخبَرهم أنّ عِلمه سبحانه لا يَنتهي، وأنهم لم يُعطَوا من العلم إلا قليلًا.


الآية 110: ﴿ قُلْ - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين الذين يَطلبون منك المعجزات بحسب أهوائهم واقتراحاتهم: ﴿ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ لا أقدر على تحقيق مَطالبكم مِن عند نفسي، والفرق بيني وبينكم هو أنني ﴿ يُوحَى إِلَيَّ - مِن ربي - ﴿ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ، أي معبودكم الحق هو ﴿ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾، وهو اللهُ الواحد الأحد، المستحق وحده للعبادة.


﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ: يعني فمَن كانَ يرجو ثواب ربه، ويخاف عذابه يوم لقائه: ﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا - وهو كل ما كانَ خالصًا للهِ تعالى، مُوافقًا لشرعه - ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا، فبهذا يكون رجاؤه صادقًا، فإن حُسن الظن بدون العمل لا ينفع، وقد ضَرَبَ ابن القيّم رحمه اللهُ مَثَلًا لمن يَزعمونَ أنهم يُحسنون الظن بربهم ولا يَعملون، كمَثَل رجلٍ له أرض زراعية، لا يضع فيها البذور، ولا يسقيها، ثم يقول: (أنا أحسن الظن بها أنها ستُنبت)!


وفي ختام سورة الكهف نُحب أن نَذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم -: "مَن حَفِظَ عشر آيات من أول سورة الكهف: عُصِمَ من الدَجَّال".


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: "أيسر التفاسير"؛ لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #122  
قديم 24-11-2021, 04:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود




تفسير الربع الأول من سورة مريم




من الآية 1 إلى الآية 7: ﴿ كهيعص ﴾: سَبَقَ الكلام عن الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة، (واعلم أنّ هذه الحروف تُقرأ هكذا: كاف ها يا عَيْن صاد).


هذا الذي نتلوه عليك أيها الرسول هو ﴿ ذِكْرُ أي خبر ﴿ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ، فقد رَحِمَ اللهُ نبيَّه زكريا عليه السلام ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ﴾: أي حين دعا ربه سِرًّا (ليكون أكمل، وأتَمّ إخلاصًا للهِ تعالى، وأرجَى للإجابة)، فـ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي يعني إني كَبرتُ، وضَعُفَ عظمي ﴿ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ﴾: أي انتشر الشيب في رأسي ﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾: يعني ولم أكن مِن قَبُل محرومًا من إجابتك لدعائي، فلا تحرمني اليوم مما أدعوك به.


﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ ﴾: يعني وإني خِفتُ من أقاربي أن يُضيِّعوا الدين ﴿ مِنْ وَرَائِي أي مِن بعد موتي (فلا يدعوا الناس إلى توحيدك وعبادتك)، ﴿ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا أي عقيماً لا تلد، ﴿ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ﴾: أي فارزقني مِن عندك ولدًا مُعِينًا يتولى أمْر هذه الدعوة مِن بعدي، و ﴿ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ ﴾: أي يَرث نُبُوَّتي ونُبُوة آل جَدِّي يعقوب، (لأنّ الأنبياء لا يُوَرِّثون إلا النُبُوّة والعلم والحكمة، وما يتركونه من متاع الدنيا فهو صدقة)، ﴿ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾: أي واجعل هذا الولد عبداً صالحاً، ترضاه لِحَمل رسالتك والدعوة إليك.


فاستجاب اللهُ دعائه، وقال له - بواسطة الملائكة -: ﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى ﴿ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا أي: لم نُسَمِّ أحدًا قبله بهذا الاسم.


الآية 8: ﴿ قَالَ زكريا فَرِحاً مُتعجبًا: ﴿ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ﴾: يعني كيف يكون لي غلام، وامرأتي عقيم لا تلد ﴿ وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا يعني وقد بلغتُ النهاية في الكِبَر وضَعف العظم؟!


الآية 9: ﴿ قَالَ المَلَك مُجيبًا زكريا عمَّا تعجَّبَ منه: ﴿ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ ﴾: يعني هكذا الأمر كما تصف - مِن كَوْن امرأتك لا تلد، وبلوغك سن الشيخوخة - ولكنَّ ربك قال: ﴿ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ يعني: خَلْقُ يحيى - على هذه الحالة - هو أمْرٌ يسيرٌ عليَّ ﴿ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ ﴾: أي وقد خلقتك أنت مِن قبل يحيى ﴿ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (فكما قدَرَ سبحانه على خَلْقك ولم تكن شيئاً، فهو قادر أيضاً على أن يرزقك الولد رغم ضَعفك وعُقم امرأتك).


الآية 10: ﴿ قَالَ زكريا: ﴿ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً ﴾: أي اجعل لي علامةً، تدلني على وقت حَمْل امرأتي بالولد، ليَحصل لي السرور والاستبشار، ﴿ قَالَ آَيَتُكَ التي طلبتَها هي ﴿ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا يعني إنك لن تستطيع التحدث إلى الناس ثلاثة أيامٍ ولياليهنّ - إلا بالإشارةِ إليهم - مع أنك سَوِيٌّ مُعافَى، ليس بك خَرَس ولا مرض يَمنعك من الكلام.


من الآية 11 إلى الآية 15: ﴿ فَخَرَجَ زكريا ﴿ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ (وهو المكان الذي يصلي فيه، وهو أيضاً المكان الذي بُشِّرَ فيه بالولد)، ﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ﴾: أي فأشار إلى قومه - أو كتب لهم -: أنْ سَبِّحوا اللهَ صباحًا ومساءً، (والظاهر أنه كان يأمرهم بالتسبيح - كل يومٍ - صباحًا ومساءً، أو أنه أمَرَهم بالتسبيح شكراً للهِ تعالى، لأنّ البشارة بيحيى - وبنُبُوَّته - هي مَصلحة دينية في حق الجميع)، وعندما لم يَقدر زكريا على الكلام: عَلِمَ بحَمل امرأته.


فلمّا وُلِدَ يحيى وأصبح يَفهم الخطاب المُوَجَّه إليه، قال اللهُ له - بواسطة الوحي -: ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ أي خذ التوراة بجد واجتهاد (وذلك بحفظ ألفاظها، وفَهم معانيها، والعمل بها)، ﴿ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾: يعني وأعطيناه الحِكمة وفَهم التوراة (وهو صبي لم يبلغ سن الاحتلام)، ﴿ وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا يعني وأعطيناه رحمةً مِنّا في قلبه، جعلته يَعطف على غيره، ﴿ وَزَكَاةً أي: وجعلناه ولداً طاهراً - لا يَتلوث بذنبٍ قَطّ طُوالَ حياته - بل يَستعمل بَدَنه فيما يُرضي ربه، ﴿ وَكَانَ تَقِيًّا أي: وكان يحيى خائفًا من اللهِ تعالى (فلم يَعصِهِ بتَرْك فريضة، ولا بفِعل حرام)، ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ أي: وكان بارًّا بوالديه مُطيعًا لهما ﴿ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾: أي لم يكن متكبرًا عن طاعتهما، ولا عاصيًا لأمْرهما، بل كانَ عليه السلام متواضعاً يَقبل الحق، وطائعاً لأمْر ربه وأمْر والديه.


﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ أي أمانٌ مِن اللهِ تعالى ليحيى ﴿ يَوْمَ وُلِدَ - مِن أن يُصِيبه الشيطان بسُوء - ﴿ وَيَوْمَ يَمُوتُ أمانٌ له مِن فتنة القبر، ﴿ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا أمانٌ له من الفزع الأكبر يوم القيامة (فيكون من الآمنين السعداء، في الجنةِ دار السلام).


الآية 16، والآية 17: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ يعني: واذكر - أيها الرسول - في هذا القرآن قصة مريم ﴿ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا أي حين اعتزلتْ أهلها، فاتَّخذتْ ﴿ مَكَانًا خاصاً، تَخلو فيه بنفسها لعبادة ربها، ﴿ شَرْقِيًّا أي شرق الدار التي بها أهلها (أو شرق بيت المَقدس)، ﴿ فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا ﴾: أي فجعلتْ لها ساترًا يَسترها عن أهلها وعن الناس، ﴿ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ﴾: أي فأرسلنا إليها الملَك جبريل (الذي قال اللهُ تعالى عنه: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ)) ﴿ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ﴾: أي فتمثَّل لها جبريل في صورة إنسان تامّ الخَلْق (حتى لا تَفزع منه إذا ظَهَرَ لها بصورةٍ أخرى).


الآية 18: ﴿ قَالَتْ له مريم: ﴿ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ ﴾: يعني إني أحتمي بالرحمن - الذي يَرحم الضَعيفات مِثلي - مِن أن تصيبني بسوء ﴿ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ﴾: يعني إن كنتَ مؤمناً تتقي اللهَ تعالى.


الآية 19: ﴿ قَالَ لها جبريل عليه السلام: ﴿ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ وقد بَعَثني إليك ﴿ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا أي ولداً طاهراً، لا يَتلوث بذنبٍ قَطّ طُوالَ حياته.


الآية 20: ﴿ قَالَتْ له مريم: ﴿ أَنَّى يعني كيفَ ﴿ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ بنكاحٍ حلال، ﴿ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا يعني ولم أكُن زانية؟!


الآية 21، والآية 22، والآية 23: ﴿ قَالَ لها جبريل عليه السلام: ﴿ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ ﴾: أي هكذا الأمر كما تَصِفين - مِن أنه لم يَمْسَسكِ بشر، ولم تكوني زانية - ولكنّ ربك قال: ﴿ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ يعني: خَلْقُ هذا الغلام مِن غير أب هو أمْرٌ يسيرٌ عليَّ، ﴿ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ يَستَدِلُّوا بها على قدرة اللهِ تعالى، ﴿ وَرَحْمَةً مِنَّا بمن آمَنَ به واتَّبَعَ ما جاءَ به من التوحيد والاستقامة، ﴿ وَكَانَ وجود عيسى على هذه الحالة ﴿ أَمْرًا مَقْضِيًّا ﴾: أي قضاءً مُقدَّرًا، لابد مِن نفوذه.


فنَفخ جبريل في جَيْب ثيابها- وهو المكان الذي عند الرقبة - فوصلتْ النفخة إلى رَحِمِها ﴿ فَحَمَلَتْهُ ﴾: أي فحملتْ مريم بالغلام ﴿ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ﴾: أي فتباعدتْ به إلى مكان بعيد عن الناس (خوفاً من اتِّهامها بالزنا)، ﴿ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ ﴾: أي فألجأها طَلْقُ الحمل، واضطَّرها ألم الولادة ﴿ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ لتعتمد عليه أثناء الولادة، فلمَّا وضعته: ﴿ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا أي قبل هذا اليوم ﴿ وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا أي شيئًا لا يُعْرَف ولا يُذْكَر، (وذلك لأنها خافت أن يَظُنّ الناسُ بها شرّاً).


الآية 24، والآية 25، والآية 26: ﴿ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا - وفي أحد القِراءات: (فناداها مَن تَحتَها) أي الذي تحتها (وهو عيسى عليه السلام)، حيثُ أنطقه اللهُ تعالى بعدما وضعته، ليُخَفِّف عنها حُزنها بسبب ولادتها وهي بِكْر، فناداها عليه السلام ﴿ أَلَّا تَحْزَنِي ، وكذلك بَشَّرها وأرشدها قائلاً: ﴿ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا أي جَعَلَ اللهُ تحتك نهراً صغيراً من الماء، ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾: أي حَرِّكي جذع النخلة نَحْوَكِ: يَتَساقَطْ عليك رُطَبٌ - أي "بلح" - قد طابَ وأصبح صالحاً للحصاد، ﴿ فَكُلِي من الرُطَب، ﴿ وَاشْرَبِي من الماء، ﴿ وَقَرِّي عَيْنًا ﴾: أي اطمئني وافرحي بولدك، ﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا ﴾: يعني فإن رأيتِ أحدًا من الناس فسألك عن ولدك: ﴿ فَقُولِي له - بالإشارة -: ﴿ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ﴾: يعني إني أَوْجَبْتُ على نفسي إمساكاً عن الكلام وصمتاً للهِ تعالى ﴿ فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (وقد كان السكوت عبادةً في شَرْعهم، ولكنّ الإسلام نَسَخَ ذلك، فلم يَجعل الصمت عبادةً في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم).


الآية 27، والآية 28، والآية 29: ﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ﴾: يعني فجاءت مريم - من المكان البعيد - إلى قومها، وهي تَحمل ولدها في يدها، فلمَّا رأوها كذلك ﴿ قَالُوا لها: ﴿ يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ﴾: أي لقد جئتِ أمرًا عظيمًا (يقصدون بذلك: الزنا والعياذ بالله)، وقالوا لها: ﴿ يَا أُخْتَ الرجل الصالح ﴿ هَارُونَ ﴿ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ ﴾: يعني لم يكن أبوكِ رجلاً يأتي الفواحش، ﴿ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾: يعني وما كانت أمك زانية، بل كانت عفيفة طاهرة، فكيف حَصَلَ لك هذا؟، ﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ﴾: أي فأشارت مريم إلى ولدها الرضيع ليسألوه ويُكَلِّموه، (لأنها علمتْ أنه يَتكلم عندما ناداها مِن تحتها)، فـ ﴿ قَالُوا - مُنكِرينَ عليها -: ﴿ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ﴾: يعني كيف نُكَلِّم مَن لا يزال طفلاً رضيعًا في مَهده؟


من الآية 30 إلى الآية 33: ﴿ قَالَ عيسى عليه السلام: ﴿ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ (فألقى اللهُ سبحانه على لسان عيسى إقراره بعبوديته للهِ تعالى - رغم أنّه كان من المتوقع أنْ يُبرئ أُمَّه من الزنا أولاً - وذلك لأنّ اللهَ تعالى عَلِمَ أنّ قوماً سيَزعمونَ أنه ابن الله، وحتى لا يُفتَن أحدٌ بنُطقه وهو رضيع، فيَزعم أنه إله أو ابن إله)، تعالى اللهُ عن قول النصارى الذين يُخالفونَ عيسى عليه السلام في قوله: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ)، ثم يَدَّعونَ اتِّباعه.


وقال عليه السلام: ﴿ آَتَانِيَ الْكِتَابَ ﴾: أي قَضَى ربي بإعطائي الكتاب - وهو الإنجيل - ﴿ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ، (وكذلك أخبرهم عليه السلام بما كتبه اللهُ له مُستقبَلاً)، فقال: ﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ أي جعلني عظيمَ الخير والنفع حيثما كنت، ﴿‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي ﴾: أي وجعلني بارًّا بوالدتي، مُطِيعاً لها، لا يَنالها مِنّي أذى، ﴿ وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾: أي لم يَجعلني متكبرًا عن طاعة والدتي، ولا عاصيًا لأمْر ربي، (واعلم أن الجبّار هو المتكبر على الناس، الغليظ في معاملتهم، واعلم أيضاً أنّ الشَقي هو الضال الخائب في مَسعاه)، ﴿ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يعني: والأمان عليَّ مِن اللهِ تعالى ﴿ يَوْمَ وُلِدْتُ - من أن يُصيبني الشيطان بسُوء -، ﴿ وَيَوْمَ أَمُوتُ أمانٌ لي من فتنة القبر، ﴿ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا أمانٌ لي من الفزع الأكبر يوم القيامة (فأكون من الآمنين السعداء، في الجنةِ دار السلام).


وللرد على مَن أنكر نُطق عيسى عليه السلام في المهد: نقول لهم بأنّ شريعة اليهود كانت تقتضي رَجْم الزانية، فلمَّا اتَّهموا مريم عليها السلام بالزنا، ثم لم يَرجموها، تبَيَّنَ أنّ هناك شيئاً عجيباً قد حدث، مَنَعهم مِن فِعل ذلك وأثبَتَ برائتها (وهو نُطق عيسى عليه السلام في المَهد).


الآية 34: ﴿ ذَلِكَ الذي قَصَصنا عليك خبرَه - أيها الرسول - هو ﴿ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وقد قالَ ﴿ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ أي قالَ عن نفسه قول الحق الذي شك فيه اليهود والنصارى (حيثُ اعترف بأنه عبد الله ورسوله).


الآية 35، والآية 36: ﴿ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ ﴾: أي لا يَليق باللهِ تعالى أن يتخذ ولدًا مِن عباده وخَلْقه (وذلك لِغِناهُ تعالى عنهم)، ﴿ سُبْحَانَهُ ﴾: أي تنزَّه وتقدَّس عن ذلك، فإنه ﴿ إِذَا قَضَى أَمْرًا ﴾: يعني إذا قدَّرَ أمرًا، وأرادَ إيجاد شيء: ﴿ فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ ﴿ فَيَكُونُ أي فيكونُ كما شاءه وأراده، (فكذلك كانَ وجود عيسى عليه السلام بكلمة: (كُن)، مِن غير أب).


وقال عيسى لقومه: ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ - الذي أدعوكم إليه - هو ﴿ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ (فأنا وأنتم سواءٌ في العُبودية والخضوع للهِ تبارك وتعالى)، ﴿ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ يعني: هذا - أي عبادة اللهِ وحده - هو الطريق الصحيح المُوصل إلى السعادة الأبدية في جنات النعيم.


الآية 37، والآية 38، والآية 39: ﴿ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ ﴾: أي فاختلفتْ الفِرَق - مِن أهل الكتاب - في أمْر عيسى عليه السلام، فمنهم مَن جاوَزَهُ قدْرَهُ (كالنصارى)، حيث قال بعضهم: هو الله، وقال بعضهم: هو ابن الله، وقال بعضهم: ثالث ثلاثة - تعالى اللهُ عمَّا يقولونَ عُلُواً كبيراً -، ومنهم مَن كَفَرَ برسالته (كاليهود) حيث قالوا: ساحر، وقالوا: ابن يوسف النجار، واتَّهموا أمّه كذباً بالزنا، ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾: أي فهلاكٌ للذين كفروا - بنسبَتِهم الولد والشريك للهِ تعالى - مِن شهود يومٍ عظيم الهَول (وهو يوم القيامة)، ﴿ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا أي: ما أشدَّ سمعَهم وبَصَرَهم يوم القيامة، يوم يأتونَ إلى اللهِ تعالى ويُعاينونَ عذابه (وذلك حين لا يَنفعهم السمع والبصر)، إذ كانوا في الدنيا لا يريدونَ أن يُبصِروا الحق، ولا يريدونَ أن يَسمعوا حُجَجَه وبراهينه، ولذلك قال تعالى: ﴿ لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ أي في هذه الدنيا: ﴿ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ أي في ضلالٍ واضح.


﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ﴾: أي خوِّفهم بما يقع يوم القيامة من الحسرة والندامة لأهل الشِرك والضَلال ﴿ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ أي عندما يُشاهدون أهل الجنة قد ورثوا منازلهم فيها، وهم قد ورثوا منازل أهل الجنة في النار، فحينئذٍ تَعظُم الحسرة ويَشتد الندم، ﴿ وَهُمْ - في هذه الدنيا - ﴿ فِي غَفْلَةٍ عمَّا أُنذِروا به، ﴿ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ باليوم الآخر، ولا يعملون العمل الصالح الذي يُنجيهم من عذاب جهنم.


الآية 40: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا - وذلك بعد فناء الخلق، وبقاء الخالق سبحانه - ﴿ وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ يومَ القيامة، فنُجازيهم على أعمالهم، (إذاً فلا تَحزن أيها الرسول على ما تَلقاهُ من أذى قومك، وامْضِ في دعوتك إلى توحيد ربك، ولا يَضرك تكذيب المُكَذِّبين، ولا شِرك المشركين)، (واعلم أنّ كلمة (نحن) - المذكورة في الآية - للتأكيد).


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #123  
قديم 24-11-2021, 04:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود



تفسير الربع الثاني من سورة مريم


من الآية 41 إلى الآية 45: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ يعني: واذكر أيها الرسول لقومك - في هذا القرآن - خبر إبراهيم عليه السلام ﴿إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا أي كثير الصدق، وكانَ ﴿نَبِيًّا مِن أرفع الأنبياء مَنزلةً عند اللهِ تعالى، (لِذا فهو جدير بالذِكر في القرآن الكريم، ليكون قدوة صالحة للمؤمنين) ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ آزر: ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ أي لا يَسمعك ولا يراك ﴿وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا يعني: ولا يَدفع عنك ضراً، ولا يَجلب لك نفعاً، فما الفائدة من عبادته؟!، ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ: يعني إنّ اللهَ قد أعطاني من العلم ما لم يُعطِك، (كمعرفة صفاته سبحانه وتعالى، وما أعدَّهُ من النعيم لمن وَحَّده وأطاعه، وما أعدَّهُ من العذاب لمن عَبَدَ غيره وعَصاه)، ﴿فَاتَّبِعْنِي فيما أدعوك إليه: ﴿أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا: يعني أُرشِدك إلى الطريق المستقيم، الذي يُوصلك إلى السعادة والنجاة، ﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ: أي لا تُطِع الشيطان فيما يَأمرك به من عبادة الأصنام، فـ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا أي مُخالِفًا لأوامر اللهِ تعالى، مستكبرًا عن طاعته، ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ أي يُصيبك ﴿عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ إذا مِتَّ على كُفرك ﴿فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا أي فتكون قريبًا من الشيطان في النار.


الآية 46: ﴿قَالَ أبو إبراهيم: ﴿أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ: يعني هل أنت مُعرِض عن عبادة آلهتي يا إبراهيم؟ ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ عن سَبِّها وإظهار عيوبها: ﴿لَأَرْجُمَنَّكَ بالحجارة، ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا أي اذهب عني، ولا تكلمني زمنًا طويلاً لكي تنجو مِن عقوبتي.


من الآية 47 إلى الآية 50: ﴿قَالَ إبراهيم لأبيه: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكَ أي أمانٌ لك مِن أن يَنالك مني ما تَكره، و ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي: أي سوف أدعو اللهَ لك بالهداية والمغفرة ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا أي كانَ مُكرِماً لي، رؤوفًاً بحالي، يُجيبني إذا دعوته (وهذا قبل أن يَعرف أنّ والده سوف يموت على الشِرك، فلمَّا تبيَّنَ له أنه عدوٌ للهِ تبرَّأَ منه (كما جاء ذلك في سورة التوبة)).
﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ يعني: وسوف أُفارقك - يا أبي - أنت وقومك وأصنامكم التي تعبدونها ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ، ﴿وَأَدْعُو رَبِّي مُخلِصًا له العبادة والدعاء، ﴿عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا: يعني أرجو ألاّ أكون محرومًا من إجابته لدعائي.


♦ ولعله أرادَ بهذا الدعاء أنه سيدعو اللهَ أن يرزقه زوجةً وولداً يَستأنس بهم أثناء هِجرته لقومه، لأنّ اللهَ تعالى قال بعدها: ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ: يعني فلمَّا فارَقَهم وفارَقَ آلهتهم التي يعبدونها من دون الله، وهاجَرَ إلى أرض القدس: ﴿وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ: أي رَزَقناه بولده إسحاق، ثم رزقناه من إسحاق بحفيده يعقوب ليأنَسَ بهما، ﴿وَكُلًّا - مِن إسحاق ويعقوب - ﴿جَعَلْنَا نَبِيًّا﴿وَوَهَبْنَا لَهُمْ أي وهبنا لإبراهيم وإسحاق ويعقوب ﴿مِنْ رَحْمَتِنَا خيراً كثيراً (من المال والولد، وغير ذلك من أمور الدين والدنيا)، ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا: أي وجعلنا لهم ذِكرًا حسنًا، وثناءً جميلاً باقيًا في جميع أهل الشرائع السماوية (وهذا إكرامٌ من اللهِ تعالى لهم، جزاءً لصِدق إبراهيم وصَبره على هَجْر قومه).


الآية 51، والآية 52، والآية 53: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى: أي واذكر أيها الرسول - في هذا القرآن - خبر موسى عليه السلام (تشريفا له وتكريماً) ﴿إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا أي مُختارًا لإبلاغ رسالة اللهِ تعالى إلى خَلْقه (وهي عبادته وحده وذِكره وشُكره)، ﴿وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (ولعل اللهَ تعالى جَمَعَ لموسى هنا بين الرسالة والنُبُوّة إشارةً إلى أنّ رسالته قد بلغتْ مَبلغاً قوياً، واللهُ أعلم).
﴿وَنَادَيْنَاهُ - وهو في طريقه من أرض "مَدْيَن" إلى أرض "مصر" - ﴿مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ أي من الناحية اليُمنَى لجبل الطور بـ "سيناء" (ولعل المقصود مِن وَصْف جانب الجبل بـ "الأيمن" أي الناحية اليُمنَى لموسى عليه السلام، لأنّ الجبل ليس له يمين وشمال، واللهُ أعلم).


﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا: أي قرَّبنا موسى وشرَّفناه بمُناجاتنا له من غير وحي، فصارَ يُكَلِّمنا ويَسمع كلامنا (وفي هذا إثبات لصفة الكلام للهِ تعالى كما يليق بجلاله وكماله)، ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ليؤيِّده ويُعِينه على تبليغ رسالته، (وقد كان ذلك استجابةً لدعاء موسى عليه السلام، إذ سأل ربه أن يُنعِم على أخيه هارون بالرسالة حين قال: ﴿فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَأي اجعله رسولاً كما جعلتني، فاستجاب اللهُ دعائه، وأرسَلَ معه هارون إلى فرعون، (واعلم أنّ قوله تعالى: ﴿ مِنْ رَحْمَتِنَا ﴾ أي كانَ هذا برحمةٍ خاصة مِن اللهِ تعالى، إذ النُبُوّة لا يُتوَصَّل إليها بكثرة العبادة، ولكنها هبة إلهية خاصة، يُنعِمُ اللهُ بها على مَن يشاء مِن عباده).


الآية 54، والآية 55: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ: أي واذكر أيها الرسول - في هذا القرآن - خبر إسماعيل عليه السلام ﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ: أي كانَ صادقًا في وعده، فلم يُخلف وعداً قط ﴿وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ أي كانَ يأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة (والمقصود بأهله: أُسرته وقومه مِن قبيلة "جُرهم" الذين عاشَ بينهم في مكة) ﴿وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا أي كان مَرضياً عنه مِن ربه، وذلك بسبب اجتهاده فيما يُرضي اللهَ تعالى من الأقوال والأفعال.


الآية 56، والآية 57: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ: أي واذكر أيها الرسول - في هذا القرآن - خبر إدريس عليه السلام ﴿إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا أي كثير الصدق في أقواله وأعماله، وكان ﴿نَبِيًّا يُوحَى إليه، ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (فقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم في السماء الرابعة في رحلة الإسراء والمعراج، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم).


الآية 58: ﴿أُولَئِكَ الذين قصصنا عليك خبرهم أيها الرسول، هم ﴿الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بفضله وتوفيقه، فجَعَلهم ﴿مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ (كإدريس عليه السلام)، ﴿وَمِمَّنْ حَمَلْنَا أي: ومِن ذرية مَن حملناهم ﴿مَعَ نُوحٍ في السفينة (كإبراهيم عليه السلام) إذ كانَ إبراهيم مِن ذرية نوح، ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ (كإسحاق وإسماعيل عليهما السلام)، ﴿وَ من ذرية ﴿إِسْرَائِيلَ (كموسى وهارون وداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام) (واعلم أنّ إسرائيل هو يعقوب عليه السلام)، ﴿وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا أي: وهُم مِن جملة مَن هديناهم للإيمان واخترناهم للنبُوَّة والرسالة.


♦ وهؤلاء الأنبياء كانوا ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ - المتضمنة للعظات والعِبَر والدلائل والحُجَج -: ﴿خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا: أي خرُّوا ساجدين - ذُلاً وخضوعًا لربهم - وهم يَبكونَ مِن خشيته سبحانه وتعالى، ومِن أنهم لم يَعبدوه حقَّ عبادته، ولم يَشكروه حقَّ شُكره.


من الآية 59 إلى الآية 62: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ أي فجاء مِن بعد هؤلاء الأنبياء ﴿خَلْفٌ يعني أتباعُ سَوْءٍ، حيثُ ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ: أي تركوا الصلاة كلها، أو فوَّتوا وقتها، أو تركوا أركانها وواجباتها، ﴿وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ: أي اتَّبعوا ما يُوافق شهواتهم - وذلك بانغماسهم في الذنوب والمعاصي - ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا: أي فسوف يَلقون عذاباً في جهنم جزاءَ غيِّهم (أي جزاءَ ضلالهم)، وهذا مِثل قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴾ أي جزاءَ آثامه وذنوبه، (وقد قيل إنّ الغيّ: هو وادٍ في جهنم شديد الحر، واللهُ أعلم).


﴿إِلَّا مَنْ تَابَ مِن ذنوبه ﴿وَآَمَنَ باللهِ ورُسُله، وبجميع ما أخبر به الرُسُل من الغيب ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا تصديقًا لتَوبته: ﴿فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ مع المؤمنين ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا أي لا يُنقَصون شيئًا من ثواب حسناتهم، بل يدخلونَ ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ أي جنات الخلود ﴿الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ أي وَعَدَهم بها وهي غائبة عن أعينهم - إذ هي في السماء وهم في الأرض - فآمَنوا بها ولم يروها، ﴿إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا: يعني إنّ وَعْده سبحانه بهذه الجنة - لعباده المؤمنين - آتٍ لا مَحالة.


وأهلُ الجنة ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا: أي لا يَسمعونَ فيها كلامًا باطلاً ﴿إِلَّا سَلَامًا أي: لكنهم يَسمعون الملائكة وهي تُسَلِّم عليهم وتُحَيِّيهم (وهذا من النعيم الروحاني في الجنة)، ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا - من الطعام والشراب الذي تشتهيه أنفسهم - ﴿بُكْرَةً وَعَشِيًّا أي دائماً، إذ كلما طلبوا شيئاً وجدوه أمامهم (اللهم ارزقنا الجنة).


الآية 63، والآية 64، والآية 65: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ - الموصوفة بتلك الصفات - هي ﴿الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا أي نُعطيها عبادنا الذين يتقونَ ربهم (بامتثال أوامره واجتناب نَواهيه).
وقل - يا جبريل - لمحمد: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ - نحن الملائكة - من السماء إلى الأرض ﴿إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لنا، فإنه تبارك وتعالى ﴿لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا أي له سبحانه ِعِلْمُ وتدبير ما يُستقبَل من أمْر آخرتنا، ﴿وَمَا خَلْفَنَا أي وله أيضاً ما مَضَى من الدنيا (عِلماً وتدبيراً)، ﴿وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ أي: وله أيضاً ما بين الدنيا والآخرة (وهو الزمن المتبقي من الدنيا إلى يوم القيامة).


فله سبحانه الأمر كله، ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا يعني: وما كان ربك ناسيًا لشيءٍ من الأشياء، وما كان ناسياً لك أيها الرسول، إذاً فلا تحزن لتأخّر الوحي عنك، فإنّ ربك إذا شاء أن يُرسِلَ الوحي إليك لأرسَلَه، فهو ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا أي خالقُ ذلك كله ومُدَبِّر أمْره، ﴿فَاعْبُدْهُ وحده - بما شَرَعه لك - ﴿وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ: أي اصبر على طاعته - أنت ومَن اتَّبعك - لأنه سبحانه الذي يستحق العبادة وحده، وهو الذي يستحق أن تتحمل مِن أجْله، فـ ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا أي هل تعلم له نظيراً أو مَثيلاً؟ (والجواب لا، فهو سبحانه ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في أسمائه وصفاته وأفعاله)، إذاً فاعبده وحده، وتحمَّل في سبيل ذلك ما استطعت، حتى تصل إلى رضاه وجنته.


♦ واعلم أنّ سبب نزول هاتين الآيتين - كما في صحيح البخاري - أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: (ما يَمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا)، فنزلت الآية: ﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ﴾.



[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #124  
قديم 24-11-2021, 04:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود



تفسير الربع الأخير من سورة مريم




الآية 66، والآية 67: ﴿ وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ المُنكِر للبعث: ﴿ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا من قبري؟، فرَدَّ اللهُ عليه قائلاً: ﴿ أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا أي لم يكن له جسد ولا اسم ولا صفة؟ إذاً فليعلم أن الذي خَلَقه من العدم، قادرٌ سبحانه على أن يَبعثه بعد الموت (لأن إعادة الشيء كما كان، أسهل من إيجاده أول مرة).

من الآية 68 إلى الآية 72: ﴿ فَوَرَبِّكَ - أيها الرسول - ﴿ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ: أي لَنَجمعنَّ هؤلاء المُنكِرين للبعث يوم القيامة، مع الشياطين الذين كانوا يُضلونهم،﴿ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا أي باركينَ على رُكَبهم، لا يَقدرونَ على القيام، لشدة ما هم فيه من الخوف، ﴿ ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا أي: ثم لَنأخذنَّ مِن كل طائفةٍ - تعاونتْ على الباطل - أشدَّهم تمردًا وعصيانًا للهِ تعالى وظلماً لعباده، فنبدأ بعذابهم، (ولعلَّ اللهَ تعالى ذَكَرَ هنا صفة "الرحمن" لتفظيع تَمَرُّدهم وظُلمهم، لأنّ شديد الرّحمة بالخلق جديرٌ بالشكر له والإحسان، لا بالكفر به والطغيان).

وحتى لا يَزعم أحدٌ منهم أنّ غيره أشدّ عِصياناً منه، فقد أخبر سبحانه أنّه يَعلم ما يَستحقه كل واحد منهم من العذاب، فقال:﴿ ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا أي نحن أعلم بالذين هم أَوْلى بالاحتراق بالنار ومُقاساة حَرّها (فأولئك يدخلون النار قبل غيرهم ثم يَدخل بَقيّتهم بعدهم)، ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا يعني: وما منكم مِن أحدٍ - أيها الناس - إلا وسوف يَمُرّ مِن على الصراط الممدود فوق جهنم، كلٌ بحسب عمله - كما ثبت ذلك في صحيح مسلم - فمَن وقع: هَلَك، ومَن لم يَقع: نَجا، ﴿ كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا: أي كانَ ذلك أمرًا قضاه اللهُ سبحانه، ولابد من وقوعه، ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا - بامتثال أوامر ربهم والبعد عن مَعصيته - فنُنجيهم من النار (وذلك بمرورهم سالمينَ من على الصراط)، ﴿ وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ: أي ونترك الظالمين لأنفسهمبالكفر والمعاصي - بعدما سقطوا من على الصراط - ﴿ فِيهَا جِثِيًّا أي باركينَ على رُكَبهم في النار، لا يستطيعون الحركة (وذلك من شدة ما يُصيبهم مِن هَولها وعذابها).

الآية 73، والآية 74: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ: يعني وإذا تُقرأ على الناس آياتنا الواضحة في حُجَجها ودلائلها - على التوحيد والنُبُوّة والبعث -: ﴿ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا: ﴿ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ - منَّا ومنكم - ﴿ خَيْرٌ مَقَامًا يعني أفضل مَسكناً ومَنزلةً، ﴿ وَأَحْسَنُ نَدِيًّا: يعني وأحسن مَجلسًا ونادياً للاجتماع والتشاور فيه؟

والمعنى أنهم عندما تُقرأ عليهم آيات القرآن، يَتعزّزون بالدنيا ويقولون: (إنْ كُنّا على الباطل، فلماذا نحن أكثر أموالاً وأكثر أعواناً منكم؟)، وذلك لأنهم كانوا يُقارنون بين دار "الأرقم بن أبي الأرقم" التي يجتمع فيها الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، وبين منازل أغنياء مكة ونادي قريش (الذي هو مَجلس مَشورتهم وتبادل آرائهم).

فرَدَّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ: يعني ولقد أهلكنا - قبل هؤلاء الكفار - كثيرًا من الأمم الذين كانوا ﴿ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا أي كانوا أحسن منهم متاعًاوأجمل منظرًا، (إذاً فلا يَغُرَّهم هذا الذي يَتبجَّحون به، فإنه لن يدوم لهم إذا استمروا على العناد ومحاربة الحق).

الآية 75: ﴿ قُلْ أيها الرسول لهؤلاء الكفار: ﴿ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ: يعني مَن كان مُصِرّاً على ضلاله، غير مُتِّبع لطريق الهدى: ﴿ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا: أي فاللهُ تعالىيَمُدّ له في ضلاله، (فإنّ مِن عقوبة الضَلالة: الضَلالة بعدها، وهذا كقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، فالإزاغة الثانيةكانت عقوبة لهم على زَيغهم، وعلى العكس من ذلك، فإنّ مِن ثواب الهدى: الهدى بعده، كما سيأتي في قوله تعالى: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى.

ويَظَلُّونَ على هذا الضلال ﴿ حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ: يعني حتى إذا رأوا - يقيناً - ما توعَّدهم الله به: ﴿ إِمَّا الْعَذَابَ العاجل في الدنيا، ﴿ وَإِمَّا السَّاعَةَ التي تقوم فيها القيامة: ﴿ فَسَيَعْلَمُونَ - حينئذ - ﴿ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا أي شرٌ منزلةً ومَسكناً ﴿ وَأَضْعَفُ جُنْدًا أي أقل أنصاراً (أهُم الكافرون أم المؤمنون؟)، وذلك حين لا يَنفعهم العِلم.

الآية 76:﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ عباده ﴿ الَّذِينَ اهْتَدَوْا إلى دينه ﴿ هُدًى على هُداهم، وإيماناً على إيمانهم، وتوفيقاً للعلم النافع والعمل الصالح، ﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ: يعني والأعمال الصالحة - وخاصةً قول: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) - ﴿ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا في الآخرة مِمّا يَتفاخر به المشركون من متاع الدنيا الزائل، ﴿ وَخَيْرٌ مَرَدًّا: أي خيرٌ مَرجعًا وعاقبة (وهو نعيم الجنة).

والمقصود من الآية أنه إذا كانت تلاوة القرآن تَزيد المشركين كِبراً وعِناداً، فإنّ المؤمنين المهتدين يَزدادونَ بها هِداية ورَشاداً، لأنهم يَرونَ ما تَحمله الآيات من الدلائل والحُجَج والعظات والهدى، فيَزداد إيمانهم، وتزداد هدايتهم بأداء الفرائض واجتناب النَواهي، (وفي هذه الآية تصبيرٌ للرسول والمؤمنين بأنّ ما يَتفاخر به المشركون من المال وأثاث المنازل لا يُساوي شيئاً أمام الإيمان والعمل الصالح، لأنّ المال يَفنى، وثواب الصالحات باقٍ في الجنة).

من الآية 77 إلى الآية 80: ﴿ أَفَرَأَيْتَ - أيها الرسول - هذا الرجل ﴿ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا (وهو العاص بن وائل وأمثاله)؟ إذكَفَرَ بآيات اللهِ وكذَّبَ بها ﴿ وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا يعني وقال: سآخذ في الآخرة أموالا وأولادًا!، فرَدَّ اللهُ عليه بقوله: ﴿ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ يعني هل نَظَرَ في اللوح المحفوظ فرأى أنه سيُعطَى مالاً وولدًا يوم القيامة؟ ﴿ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا بذلك؟ ﴿ كَلَّا: أي ليس الأمر كما يَزعم ذلك الكافر، فلا عِلمَ له من الغيب، ولا عهدَ له عندنا، بل ﴿ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ مِنالكذب والافتراء على اللهِ تعالى ﴿ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا: أي وسنَزيده في الآخرة من أنواع العقوبات، ونُضاعف له العذاب، كما ازدادَ هو في الضلال ﴿ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ: أي وسوف نَسلب منه مالَه وولده - الذي يَفتخر به - ونَرثه بعد موته، ﴿ وَيَأْتِينَا يوم القيامة ﴿ فَرْدًا لا مال معه ولا ولد.

الآية 81، والآية 82: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً من الأصنام، فعَبَدوها ﴿ لِيَكُونُوا لَهُمْ - في نظرهم الفاسد - ﴿ عِزًّا أي شفعاءَ لهم عند اللهِ تعالى، ليَعتزوا بهم ولا يُهانوا، ﴿ كَلَّا: أي ليس الأمر كما يَزعمون، فلن يكونوا لهم عِزًّا، بل ﴿ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ: أي ستكفر هذه المعبودات فيالآخرة بعبادة مَن عبدهم (حيث يُنكِرون أنهم أمَروهم بعبادتهم)، ﴿ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا أي وسيكونون شُهداءَ ضِدّهم، بخلاف ما ظنوهُمِن أنهم سيَشفعون لهم.

الآية 83، والآية 84: ﴿ أَلَمْ تَرَ - أيها الرسول - ﴿ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ أي سلَّطْناهم عليهم ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا؟ أي تُحَرِّكهم تحريكاً شديداً نحو الشهوات والمعاصي والجرائم والمَفاسد، إذاً فلا تَعجبْ مِن مُسارعتهم إلى الشر والفساد والكفر والضلال، وكذلك ﴿ فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ: أي لا تستعجل بطلب العذاب الفوري على هؤلاء الكافرين، فـ ﴿ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ: أي نَعُدّأعمارهم وأعمالهم ﴿ عَدًّا لا تفريطَ فيه ولا تأخير، ثم نُحاسبهم على كل ذلك ونُجازيهم به، (فإنهم كلما ازدادوا ظلماً، ازدادَ عذابهم يوم القيامة).

واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يَستعجل العذاب بقومه إلا في الظروف الخاصة الطارئة، كما حَدَثَ عندما قُتِلَ سبعون مِن حَفَظة القرآن، وأما في غير الظروف الخاصة، فكان يقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يَعلمون)، وكانَ يقول: (أرجو أن يُخرِجَ اللهُ مِن أصلابهم مَن يَعبد اللهَ وحده لا يُشرِك به شيئاً).

الآية 85، والآية 86، والآية 87: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ أي اذكر - أيها الرسول - يوم القيامة، حينَ نَجمع المتقين ﴿ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا أي وفودًا مُكَرَّمين، تَحُوطُهم الملائكة حتى يَنتهوا إلى ربهم، فيكونوا في جواره في الجنة، ﴿ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا: أي ونَسُوقُ الكافرينَ سَوقًا شديدًا إلى النار مُشاةً عِطاشًا ﴿ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ أي لا يَشفع بعضهم لبعضٍ كالمؤمنين، ولا يَشفع لهم أحدٌ أبداً، ﴿ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا: يعني إنما يَملك الشفاعة مَنِ اتخذ عند الرحمن عهدًابذلك، وهم المؤمنون بالله ورُسُله، حيثُ يُشَفِّعهم سبحانه في غيرهم، أو يَشفع لهم غيرهم (إنْ هم دخلوا النار بذنوبهم حتى يَخرجوا منها).

ولعل المقصود بعَهد الشفاعة هنا: هو شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله، ففي الحديث الصحيح أنّ اللهَ تعالى يقول يوم القيامة: (أخرِجوا من النار مَن قال لا إله إلا الله، وكانَ في قلبه مِن الخير ما يَزِن ذَرَّة) (انظر صحيح الترمذي ج 4 /711).

من الآية 88 إلى الآية 95: ﴿ وَقَالُوا أي وقال الكافرون: ﴿ اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (حيثُ قال مُشرِكو العرب: الملائكة بنات الله، وقالت النصارى: عيسى ابن الله، وقال بعض اليهود: عُزَيرٌ ابن الله)، ﴿ لَقَدْ جِئْتُمْ - أيها القائلون - بهذه المَقالة ﴿ شَيْئًا إِدًّا أي شيئاً عظيمًا مُنكَرًا ﴿ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ أي يَتشقَّقْنَ مِن فظاعة ذلكم القول، ﴿ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُلأنّ هذا القول مُغضِبٌ لربها عزّ وجلّ، ﴿ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أي وتَسقط الجبالسقوطًا شديدًا غضبًا للهِ تعالى بسبب ﴿ أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ونَسَبوهُ إليه كَذِباً،﴿ وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا:أي لا يَليق بعظمة الرحمن سبحانه أن يتَّخذ ولدًا، لأنّ اتِّخاذ الولد يدل علىالنقص والحاجة، واللهُ تعالى هو المُبَرَّأ من كل النقائص، الغني عن كل خلقه، لأنه رب كل شيء ومالكه، و﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا أي: ما كل مَن في السماوات من الملائكة، ومَن في الأرض من الإنس والجن، إلا سيأتيربه يوم القيامة عبدًا ذليلاً خاضعًا مُقِرّاً له بالعبودية، ﴿ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا أي عَلِمَهم واحداً واحداً، فلو كانَ بينهم إلهٌ معه، أو ولدٌ له لَعَلِمَه، (سبحانه وتعالى عما يَصفون)، ﴿ وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا: أي وسوف يأتي كل واحد من الخلق إلى ربه يوم القيامة بمفرده، لا مالَ له، ولا ولد معه.

الآية 96: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ - بإخلاصٍ للهِ تعالى، وعلى النحو الذي شَرَعه - أولئك ﴿ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا أي سيَجعل لهممَحَبّة ومَوَدَّة في قلوب عباده، فيَعيشونَ مُتحابِّينَ فيما بينهم، ويُحبهم ربهم تبارك وتعالى.

الآية 97: ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ: يعني فإنما يَسَّرنا هذا القرآن بلُغَتك العربية أيها الرسول، حيثُ أنزلناه بلسانك العربي ﴿ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ بالجنة، ﴿ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا: أي وتخوِّف به المُكَذِّبين - المجادلينَ بالباطل - من النار.

الآية 98: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ: يعني ولقد أهلكنا كثيرًا من الأمم السابقة قبل قومك أيها الرسول، فـ ﴿ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا: يعني هل ترى منهم أحدًا، أو هل تسمع لهم صوتًا خفياً؟ (والجوابُ لا)، فكذلك الكفار من قومك، نُهلكهم كما أهلكنا السابقين مِن قبلهم، (وفي هذا تهديدٌ ووعيد بإهلاك المُكَذِّبين المعاندين، كما حدث يوم بدر).



[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #125  
قديم 24-11-2021, 04:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود




تفسير الربع الأول من سورة طه





من الآية 1 إلى الآية 4: ﴿طه : سَبَقَ الكلام على الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة.

﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿لِتَشْقَى ﴾ أي ما أنزلناه عليك لتُرهِق نفسك بما لا طاقة لك به من العمل، (وقد كان هذا رداً على النَضر بن الحارث الذي قال: إن محمداً شَقِيَ بهذا القرآن، لِمَا فيه من التكاليف).




﴿إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى: يعني لكننا أنزلناه موعظة يَتذكر بها مَن يخاف عقاب اللهِ تعالى، فيؤدي فرائضه ويَجتنب معاصيه، (واعلم أنّ القرآن قد نزل تذكِرةً، لأن التوحيد مستقر في الفِطرة البشرية، وأما الإشراك فهو دَخيلٌ عليها، لِذا فالقرآن يُثير التوحيد الكامن في فِطرة الإنسان).




♦ وقد نُزِّل هذا القرآنُ ﴿تَنْزِيلًا ﴾ - يعني آية بعد آية، بحسب الأحوال والأحداث - ﴿مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا ﴾ وهو اللهُ تبارك وتعالى، خالقُ كل شيئٍ ومالكه ومُدَبِّر أمْره.




الآية 5، والآية 6: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ أي عَلا وارتفع على العرش (استواءً يليقُ بجلاله وعظمته)، ﴿لَهُ ﴾ سبحانه ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ خَلْقًا ومُلْكًاوتدبيرًا وإحاطة، ﴿وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ﴾ أي: وكذلك له سبحانه ما تحت التراب (كالمعادن، وغير ذلك مِمّا في باطن الأرض).




الآية 7: ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ ﴾ يعني: وإن تُعلِن قولك - أيها الرسول - للناس أو تُخفِهِ عنهم: ﴿فَإِنَّهُ ﴾ سبحانه لا يَخفى عليه شيء، إذ ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ أي يَعلم سبحانه السر وما هو أخفى من السر (مِمّا تُحَدِّث به نفسك).




الآية 8: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي الذي لا معبودَ بحقٍ إلا هو، ﴿لَهُ ﴾ وحده ﴿الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ الدالَّة على كماله وجلالِه، لا يُشاركه فيها أحدٌ مِن خَلقِه.




من الآية 9 إلى الآية 17: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ﴾ يعني: وهل جاءك - أيها الرسول - خبر موسى عليه السلام؟ ﴿إِذْ رَأَى نَارًا ﴾ مُوقدة في الليل - وذلك عندما كان راجعاً بأهله مِن أرض "مَدْيَن" إلى أرض "مصر" - ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ ﴾ أي قال لزوجته - ومَن معها مِن خادم أو ولد -: ﴿امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا : أي انتظروني هنا، فقد أبصرتُ نارًا مُوقدة، وسأذهب لأراها ﴿لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ: أي لعلي أجيئكم منها بشُعلةٍ تَستدفئون بها وتوقدون بها نارًا أخرى ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ﴾ يعني أو أجد عندها هاديًا يَدُلّنا على الطريق (وكانَ قد ضَلّ الطريق إلى مصر بسبب ظُلمة الليل)، ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ ﴾ أي فلمّا وَصَلَ موسى إلى تلك النار، ناداه اللهُ تعالى: ﴿يَا مُوسَى ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ أي خالقك ورازقك ومُدَبِّر أمْرك ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ﴾ أي اخلع حذائك، فـ ﴿إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى يعني إنكالآن بوادي "طُوَى" المُبارك المُطَهَّر، (وقد أمَرَه سبحانه بخلع حذائه استعدادًا لمُناجاته).




♦ وقال اللهُ له: ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ - لتُبَلِّغ رسالتي إلى فرعون وبني إسرائيل - ﴿فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إليك مِنِّي: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا أي لا معبودَ بحقٍ إلا أنا ﴿فَاعْبُدْنِي ﴾ وحدي، ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي أي لتَذكرني فيها، ﴿إِنَّ السَّاعَةَ التي يُبعًثُ فيها الناس مِن قبورهم ﴿آَتِيَةٌ ﴾ لابد مِن وقوعها، ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا ﴾ أي أُبالغ في إخفائها حتى أكاد أُخفيها عن نفسي،حتى لا يَعلم أحدٌ وقت مجيئها، وذلك ﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى أي بما عَمِلتْ في الدنيا مِن خيرٍأو شر، (فالحكمة من إخفاء الساعة: أن يَعمل الناس وهم لا يدرون متى يموتون ولا متى يُبعَثون، فتكون أعمالهم بإراداتهم، لا إكراهَ عليهم فيها، فيكون الجزاء على أعمالهم عادلاً).

﴿فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ: أي فلا يَصرفنَّك يا موسى عن الإيمان بالآخرة والاستعداد لها مَن لا يُصَدِّق بوقوعهاواتَّبع ما يوافق أهوائه وشهواته ﴿فَتَرْدَى ﴾ أي فتَهلك يا موسى إن أطعتَه.




♦ وقد سأله سبحانه - وهو أعلم -: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى يعني: وما هذه التي تحملها في يمينك يا موسى؟، (واعلم أنّ اللهَ سبحانه قد سأله عن العصا ليُقرِّره بأنّ ما بيده عصاً مِن خشب، فإذا تحولت أمامه إلى حيةٍ تسعى: أيقنَ أنها آية أعطاها له ربه ذو القدرة الباهرة، ليُرسله بها إلى فرعون وملئه).




من الآية 18 إلى الآية 24: ﴿قَالَ ﴾ موسى: ﴿هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا ﴾ أي أعتمد عليها في المشي، ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي: يعني أخبط بها ورق الشجر ليَتساقط فتأكله غنمي، ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ ﴾ أي منافع ﴿أُخْرَى ﴾ (فقد يُعَلِّق بها الزاد والماء، وقد يَقتل بها الأشياء الضارة كالعقارب والحيّات)، (وقد أطال موسى عليه السلام في هذا الجواب طلباً لمَزيد الأُنس بمُناجاة ربّه تبارك وتعالى)، و﴿قَالَ ﴾ اللهُ له: ﴿أَلْقِهَا يَا مُوسَى ﴾ ﴿فَأَلْقَاهَا ﴾ موسى على الأرض ﴿فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى: أي فانقلبت العصا - بإذن اللهِ تعالى - وأصبحت ثعباناً عظيماً يمشي على بطنه بسرعة، فخاف موسى وَوَلَّى هاربًا، فـ ﴿قَالَ ﴾ اللهُ له: ﴿خُذْهَا وَلَا تَخَفْ: أي خذ الحية، ولا تَخَفْ منها، فإننا ﴿سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى: أي سوف نُعيدها عصًا كما كانت في حالتها الأولى، ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ أي ضع يدك اليمنى تحت إبطك الأيسر واضمم عليها بعَضُدك: ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاءَ - رغم اسمرار لون جسمك - ﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ: أي من غيربَرَص، لتكون ﴿آَيَةً أُخْرَى ﴾ أي لتكون علامة أخرى مع العصا تدل على أنك رسول من عند الله.




♦ وقد فعلنا ذلك ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى أي لكي نُرِيك مِن أدلتنا الكبرى ما يدلُّ على قدرتناوصِدق رسالتك، فـ ﴿اذْهَبْ ﴾ يا موسى - بهاتين الآيتين - ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى أي تجاوَزَ الحد في الكفر، وتجاوَزَ قدْره كبَشَر حتى ادَّعى الألوهية، فادعُهُ إلى توحيد اللهِ وعبادته، واطلب منه أن يُرسل معك بني إسرائيل لتَخرج بهم إلى أرض القدس.




من الآية 25 إلى الآية 35: ﴿قَالَ ﴾ موسى: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي أي وسِّع لي صدري لتحَمُّل أعباء الرسالة ﴿وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي أي سَهِّل مُهمتي عليَّ، وأعِنِّي على أدائها كما تحب وتَرضى، ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي: يعني وأطلِق لساني بفصيح الكلام حتى ﴿يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ أي ليفهموا كلامي، (وقد قال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: كانَ في لسانه عُقدة - يعني صعوبة في النطق - تمنعه من كثير من الكلام)، ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا ﴾ أي مُعيناً ﴿مِنْ أَهْلِي ﴾ وهو ﴿هَارُونَ أَخِي ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي: أي شُدَّ به ظهري (والمعنى: قَوِّني به) ﴿وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي : يعني أشرِكه معي في النُبُوَّة وتبليغ الرسالة (والمعنى: اجعل هارون رسولاً كما جعلتني)، واجعله عَوناً لي على طاعتك والدعوةِ إليك ﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ﴾ أي لنُنَزِّهك ونَنفي عنك كل ما لا يليقُ بك ﴿وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ﴾ (وذلك في سِرِّنا، وأثناء دعوة الناس إلى توحيدك، وتعريفهم بصفاتك، وإبلاغهم بأمرك ونهيك، وتذكيرهم بنعمك)، (وفي هذا دليل على فضل التسبيح والذكر، إذ لولا عِلْم موسى بحب اللهِ لهما، لَمَا توَسَّلَ بهما لقضاء حاجته)، ﴿إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ﴾ لا يَخفى عليك شيءٌ مِن حالنا، (وهذا توسُّل من موسى إلى اللهِ تعالى بعلمه ليَقبل دعائه).




من الآية 36 إلى الآية 44: ﴿قَالَ ﴾ اللهُ تعالى: ﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى : أي قد أعطيناك كل ما طلبتَ يا موسى، ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى ﴾ أي: ولقد أنعمنا عليك نعمةً أخرى حين كنتَ رضيعًا - وكان فرعون يَذبح أبناء بني إسرائيل الذكور - ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ﴾ أي حين ألهَمْنا أمَّك هذا الإلهام: ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ: أي ضعي ابنك موسى بعد ولادته في صندوق ﴿فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ: أي ثم ضعيه في النيل، ﴿فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ﴾ أي: فأمَرَ اللهُ النيل أن يُلقي الصندوق على شاطئ قصر فرعون.




♦ ثم وَضَّحَ سبحانه الحكمة من هذا الأمر فقال: ﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ﴾ وهو فرعون، حيث تربيتَ يا موسى في بيته، فنجَّيتُك بذلك من القتل، ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾ ليُحبك الناس - وخاصةً امرأة فرعون التي مَنَعتْ فرعون وجنوده مِن قتلك - ﴿وَلِتُصْنَعَ ﴾ يعني: ولِتُرَبَّى في بيت فرعون ﴿عَلَى عَيْنِي ﴾ أي تحت بَصَرِي وتحت رعايتي، (وفي الآية إثبات صفة العين لله تعالى كما يليق بجلاله وكماله).




♦ وأنعمنا عليك مرةً أخرى ﴿إِذْ تَمْشِي ﴾ أي حينَ كانت تمشي ﴿أُخْتُكَ ﴾ تتبعك وأنت في الصندوق ﴿فَتَقُولُ ﴾ لمن أخذوك: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ ﴾ أي يُرضِعه لكم ويَرعاه؟ ﴿فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ ﴾ بعد ما صِرتَ في أيدي فرعون ﴿كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا : أي حتى تفرح بنجاتك من الغرق والقتل ﴿وَلَا تَحْزَنَ ﴾ على فراقك.




﴿وَقَتَلْتَ نَفْسًا: أي واذكر حين قتلتَ الرجل المصري خطأً ﴿فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ ﴾ وهو غَمِّ فِعْلك (حينَ استغفرتَنا فغفرنا لك)، وغَمّ خوفك مِن أن تُقتَل (حين تآمَروا ضدك ليقتلوك فنَجَّيناك منهم)، ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا: أي وبذلك ابتليناك ابتلاءً شديداً، فخرجتَ خائفًا إلى أهل"مَدْيَن" ﴿فَلَبِثْتَ ﴾ أي فمَكَثتَ ﴿سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ﴾ تَرعى غنم الرجل الصالح عشر سنين، ﴿ثُمَّ جِئْتَ ﴾ - مِن "مَدْيَن" إلى جبل الطور بسيناء - ﴿عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ﴾ أي في الموعد الذي قدَّرناه لإرسالك إلى فرعون، ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي : يعني وقد أنعمتُ عليك هذه النعم، وابتليتك هذه الابتلاءات اختيارًا مِنِّي لك، لتكون قادراً على تحَمُّل تبليغ رسالتي، والقيام بأمري ونهيي.




♦ وقال اللهُ له: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ ﴾ هارون ﴿بِآَيَاتِي ﴾ الدالة على توحيدي وكمال قدرتي وصِدق رسالتك (وهي العصا واليد)، ﴿وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ﴾ أي: ولا تَضْعُفا عن مُداومة ذكري (فإنّ فيه عَونكما على أداء رسالتكما)، ﴿اذْهَبَا ﴾ معًا ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ ﴾ فـ ﴿إِنَّهُ طَغَى ﴾ أي تجاوَزَ الحد في الكفر والظلم، ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾ أي قولا لطيفًا خالياً من الغِلظة والعنف ﴿لَعَلَّهُ ﴾ بسبب القول اللين ﴿يَتَذَكَّرُ ﴾ ما يَنفعه فيفعله ﴿أَوْ يَخْشَى ﴾ ما يَضُرُّه فيتركه، وبالتالي يَتوب ويُسلِم للهِ تعالى، ويُرسِل معكما بني إسرائيل، (فسبحانَ اللهِ العظيم، إذا كانَ اللهُ تعالى قد أمَرَهما أن يَدعُوا فرعون الكافر بالرفق واللين، فما بالنا بدعوة المسلمين إلى التوبة والاستقامة كيف ينبغي أن تكون؟).




الآية 45: ﴿قَالَا ﴾ أي قال موسى وهارون - بعدما تقابلا -: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا ﴾ أي نخاف أن يُعاجلنا فرعون بالعقوبة قبل أن نَدعوه ونُبَيِّن له، ﴿أَوْ أَنْ يَطْغَى: يعني أو أن يَتمرد على الحق فلا يَقبله، ويزداد طغيانا وظلماً.




الآية 46، والآية 47، والآية 48: ﴿قَالَ ﴾ اللهُ لموسى وهارون: ﴿لَا تَخَافَا ﴾ من فرعون، فـ ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا ﴾ بحِفظي ونصري ﴿أَسْمَعُ ﴾ ما تقولانه لفرعون وما يقوله لكما ﴿وَأَرَى ﴾ ما تفعلانه معه وما يفعله معكما، فلذلك سأحفظكما (بمَنع حدوث أيّ فِعل تخافان منه)، ﴿فَأْتِيَاهُ ﴾ أي فاذهبا إليه إذاً ولا تخافا، ﴿فَقُولَا ﴾ له: ﴿إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ : يعني إننا رسولان إليك من ربك، وقد أرسَلَنا إليك لتؤمن به وتُوحِّده، وتُرسِل معنا بني إسرائيل لنَذهب بهم إلى حيث أمَرَنا اللهُ تعالى (إلى أرض أبيهم إبراهيم)، ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ أي أطلِق سَراحهم ﴿وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ﴾ أي: ولا تُكلِّفهم ما لا يَطيقون من الأعمال، فإننا ﴿قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ ﴾ أي معجزة ﴿مِنْ رَبِّكَ ﴾ تدل على صِدقنا في دَعْوتنا، ﴿وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴾ أي: واعلم أنّ السلامةَ من عذاب الله لمن آمَنَ به واتَّبع هداه.




♦ فاتَّبِع الهدى تَسلم، وإلاّ فأنت مُعرَّض للمَخاوف والهلاك والدمار، فـ ﴿إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى: يعني إنّ ربك قد أوحى إلينا أنّ عذابه على مَن كَذَّبَ برسالته، وأعرَضَ عن قبول دَعْوته.




الآية 49: ﴿قَالَ ﴾ فرعون لهما: ﴿فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى ﴾، (ولعل فرعون ذَكَرَ موسى فقط ليُذَكِّره بنعمة تربيته في بيته، واللهُ أعلم).




من الآية 50 إلى الآية 55: ﴿قَالَ ﴾ له موسى: ﴿رَبُّنَا ﴾ هو ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ﴾ أي خَلْقه اللائق به على أحسن صُنعٍ ﴿ثُمَّ هَدَى ﴾ أي أرشَدَ كل مخلوق إلى الانتفاع بما خلقه اللهُ له (وهنا قد أفحَمَ موسى فرعون وقطع حُجَّته بما ألهَمَه اللهُ مِن عِلمٍ وبيان) فـ ﴿قَالَ ﴾ فرعون لموسى - ليَصرفه عن تلك الحُجَج خوفاً من الهزيمة أمام مَلَئه -: ﴿فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى: يعني فما شأن الأمم الماضية التي سبقتْنا إلى الإنكار (كقوم نوح وعاد وثمود)؟




♦ فعرف موسى أنّ فرعون يريد أن يَصرفه عن الحقيقة، فـ ﴿قَالَ ﴾ له ﴿عِلْمُهَا : أي عِلْمُ تلك الأمم - فيما فَعَلَت - ﴿عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ﴾ وهو اللوح المحفوظ، وسيَجزيهم سبحانه بأعمالهم، فإنه ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي ﴾ أي لا يُخطئ في أفعاله وأحكامه على عباده ﴿وَلَا يَنْسَى ﴾ شيئًا من أفعالهم، إذ أفعاله سبحانه تدور بين العدل والفضل والحكمة.




♦ ثم عادَ موسى يُذَكِّر فرعون بقضية الخَلق، ليَستدل بها على توحيد اللهِ تعالى، فقال: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا ﴾ أي جَعَلها مُيَسَّرةً لكم للانتفاع بها - في الزراعة وغير ذلك - وللانتفاع بما عليها من المخلوقات ﴿وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا : أي وجَعَلَ لكم فيها طُرُقًا كثيرة، لتهتدوا بها في الوصول إلى الأماكن التي تقصدونها، ﴿وَأَنْزَلَ ﴾ سبحانه ﴿مِنَ السَّمَاءِ مَاءً واحداً ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى أي أنواعًا مختلفة من النباتات، (وقد كانت هذه الجملة: ﴿ فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى هي مِن قول اللهِ تعالى تتميماً لكلام موسى عليه السلام، وتذكيراً لأهل مكة باستحقاق اللهِ وحده للعبادة).




♦ وفي الآية التفات من ضمير الغائب: ﴿ أنزل ﴾ إلى ضمير المتكلم الجمعي: ﴿ أخرجنا ﴾، لِيجعل الأذهان تنتبه إِلَى أَنّ هذَا النبات يُسقَى بماءٍ واحد ولكنه يَختلف في شكله ولونه وطعمه، وكذلك فإنه لَمَّا كان الماءُ واحداً، والنباتُ جَمعاً كثيراً، ناسَبَ ذلك إفراد الفِعل: ﴿أَنْزَلَ﴾، وجَمْع الفِعل: ﴿أَخْرَجْنَا﴾.




﴿كُلُوا ﴾ - أيها الناس - من طيِّبات ما أنبتنا لكم، ﴿وَارْعَوْا ﴾ فيه ﴿أَنْعَامَكُمْ ﴾ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ المذكور - من إنزال المطر وإنبات النبات لِتغذية الإنسان والحيوان - ﴿لَآَيَاتٍ: يعني لَعلامات على قدرة اللهِ تعالى واستحقاقه وحده للعبادة، ﴿لِأُولِي النُّهَى أي يَنتفع بهذه الآيات أصحابا لعقول السليمة (إذ لا يُعقَلُ أبدًا أن يَخلُقَ سبحانه ويُعبَد غيرُه، وأن يَرزُقَ ويُشكَر غيرُه!).




﴿مِنْهَا أي مِن الأرض التي يَخرج منها النبات: ﴿خَلَقْنَاكُمْ أيها الناس (بخَلق أصلكم الأول - وهو أبيكم آدم - من تراب)، ﴿وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ بعد موتكم، ﴿وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى أي: ومنها نُخرجكم أحياءً مرة أخرى للحساب والجزاء.





[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #126  
قديم 24-11-2021, 04:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود



الربع الثاني من سورة طه



• الآية 56، والآية 57، والآية 58: ﴿ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ يعني أرَيْنا فرعونَ ﴿ آَيَاتِنَا كُلَّهَا الدالة على قدرتنا ووجوب توحيدنا وصِدْقِ رسالة موسى ﴿ فَكَذَّبَ بها، ﴿ وَأَبَى أي امتنع عن قَبول الحق.
♦ ولمَّا رأى فرعون الآيات وشَعَرَ بالهزيمة، أراد أن يَدفعها بالتمويه على الناس، حتى لا يَتَّبعوا موسى في دَعْوته ويَتأثروا بأدلته، فـ ﴿ قَالَ لموسى: ﴿ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى؟ أي أردتَ أن تُخرج المصريين من مصر، وتسكنها أنت وبنو إسرائيل لتستولوا على خيراتها، (وقد قصد بالسحر هنا: العصا واليد)، وقال فرعون: ﴿ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ ﴿ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا مُحَدّدًا - ليُبارزك فيه السَحَرة - ﴿ لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ، واجعل مكان المُناظَرة ﴿ مَكَانًا سُوًى أي مكاناً مستوياً صالحاً للمبارزة (كأن تكون ساحة كبرى مكشوفة لكل مَن يحضر المناظرة).


الآية 59: ﴿ قَالَ موسى لفرعون: ﴿ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ أي يوم العيد، حين يَتزيَّن الناس ويقعدون عن العمل (وقد كان ذلك اليوم يوم عيد للمصريين)، ﴿ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًىيعني: وأطلب منكم أن يَجتمع الناس من كل مكان - لحضور المناظرة - وقت الضحى، (وقد اختار موسى يوم العيد ووقت الضحى، لأنه عَلِمَ أنّ اللهَ تعالى سيَنصره على السَحَرة ويُظهِر الحق، فأحَبَّ أن يكون الوقت مناسباً لكثرة المتفرّجين في وَضَح النهار وقبل اشتداد الحر).


• الآية 60: ﴿ فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ ﴾: أي فانصرف فرعون - مِن مجلس الحوار بينه وبين موسى وهارون - في كبرياءٍ وعناد ﴿ فَجَمَعَ كَيْدَهُ أي جَمَعَ سحرته ﴿ ثُمَّ أَتَى في الموعد المحدد للمناظرة.


• الآية 61: ﴿ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أي قال موسى للسَحَرة - واعظاً لهم -: ﴿ وَيْلَكُمْ أي احذروا الهلاك، و ﴿ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا بسِحركم المُخادِع (وذلك بأن تقفوا في وجهى، وتزعموا أنّ معجزاتي هي نوع من السحر، وتنصروا ما أنتم عليه من الباطل) ﴿ فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ ﴾: أي حتى لا يُهلككم سبحانه بعذابِ إبادةٍ واستئصال، ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى أي: وقد خَسِرَ مَن كَذَبَ على اللهِ أو كَذَبَ على الناس.


الآية 62، والآية 63، والآية 64: ﴿ فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ أي فاختلف السَحَرة فيما بينهم في شأن موسى عندما سمعوا كلامه: (هل صاحب هذا الكلام ساحر أو هو رسولٌ من عند اللهِ حقاً؟)، ﴿ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى ﴾: أي تحدّثوا سرًا فيما بينهم ليتفقوا على قولٍ واحد، فـ ﴿ قَالُوا: ﴿ إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ﴾: يعني إنّ موسى وهارون ساحران ﴿ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ﴾: أي يريدان أن يَنفردا بصناعة السحر العظيمة (المثالية) التي أنتم عليها، فبذلك تَخرجوا من أرضكم بإهمال الناس لكم وإقبالهم على سِحرهما، (وقد أرادوا بهذا الكلام إثارة الغيرة والتعصُّب لعاداتهم ومَذهبهم ومَصدر عَيشهم)، إذاً ﴿ فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ﴾: يعني أحكِموا كيدكم مِن غير اختلافٍ بينكم، ﴿ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا يعني ألقوا ما في أيديكم مرة واحدة، لتَبْهَروا الأبصار، وتغلبوا سِحر موسى وأخيه، ﴿ وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَىأي قد فاز اليوم بحاجته مَن عَلا على خَصمه فغَلَبَه وقَهَرَه.


♦ ويُحتمَل أن تكون هذه الجملة:﴿ إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى * فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ﴾هي مِن قول فرعون وملئه، وقد أرادوا بها تشجيع السَحَرة، عندما رأوا اختلافهم وتأثُّرهم بكلام موسى، واللهُ أعلم.
الآية 65: ﴿ قَالُوا أي قال السَحَرة: ﴿ يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ عصاكَ أولاً ﴿ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ﴾.


من الآية 66 إلى الآية 70: ﴿ قَالَ لهم موسى: ﴿ بَلْ أَلْقُوا ما معكم أولاً، فألقَوا ما في أيديهم ﴿ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾: أي فتخيَّل موسى - مِن قوة سِحرهم - أنّ حبالهم وعِصيَّهم أصبحتْ حياتٍ تمشي، ﴿ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى أي فشعر موسى في نفسه بالخوف (مِن أن يُفتَن الناس بالسَحَرة قبل أن يُلقِي العصا)، فـ ﴿ قُلْنَا أي قال اللهُ لموسى: ﴿ لَا تَخَفْ مِن سِحرهم ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَىيعني أنت الغالب المنتصر عليهم وعلى فرعون وجنوده، ﴿ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ يعني: وألقِ العصا التي في يمينك: ﴿ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا أي تبتلع حبالهم وعِصيَّهم، فـ ﴿ إِنَّمَا صَنَعُوا يعني إنّ ما صنعوه أمامك هو ﴿ كَيْدُ سَاحِرٍ أي مَكْر وتخييل ساحر، لا بقاءَ له ولا ثبات، ﴿ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى أي: ولا يفوز الساحر بمطلوبه حيثُ كان.
فألقى موسى عصاه فبلعتْ ما صنعوا، فلمّا شاهد السَحَرة ابتلاع العَصا لكل حبالهم وعِصِيِّهم: عرفوا أنّ ما جاءَ به موسى ليس سِحراً وإنما هو معجزة سماوية، ﴿ فَأُلْقِيَ السَحَرة على الأرض ﴿ سُجَّدًا للهِ رب العالمين، نتيجةً لانبهارهم مِن عَظَمة المعجزة، و ﴿ قَالُوا: ﴿ آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (إذ لو كانَ هذا سِحرًا ما غُلِبْنا).


• الآية 71: ﴿ قَالَ فرعون مُهَدِّداً السَحَرة - ليَدفع عن نفسه شر الهزيمة -: ﴿ آَمَنْتُمْ لَهُ يعني هل صدَّقتم موسى وأقررتم له برسالته ﴿ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ بذلك؟ ﴿ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ﴾: يعني إنّ موسى لَعَظيمُكم ﴿ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فلذلك اتَّبعتموه، واتفقتم معه على الهزيمة قبل الخروج إلى ساحة المُناظرة، (وقد أراد فرعون بهذا الكلام: التمويه على الناس حتى لا يتَّبعوا السَحَرة ويؤمنوا كإيمانهم).
♦ وقال فرعون للسَحَرة: ﴿ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ أي بِقَطْع اليد اليُمنَى مع الرجل اليُسرى، أو اليد اليُسرى مع الرجل اليُمنى، ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ - بربط أجسادكم - ﴿ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ أي على جذوع النخل، وأترككم مُعَلَّقينَ لتكونوا عِبرةً لغيركم، ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ أيها السَحَرة ﴿ أَيُّنَا :أنا أو رب موسى ﴿ أَشَدُّ عَذَابًا من الآخر ﴿ وَأَبْقَى أي: وأدوَمُ عقاباً.


• من الآية 72 إلى الآية 76: ﴿ قَالُوا أي قال السَحَرة لفرعون: ﴿ لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ﴾: يعني لن نُفَضِّلك ونختارك على ما جاءنا به موسى من الآيات الدالة على صِدقه، ﴿ وَالَّذِي فَطَرَنَا ﴾: يعني ولن نُفَضِّل ألوهيتك المزعومة على ألوهية اللهِ الذي خلقنا، ﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ﴾: أي فافعل ما أنت فاعل بنا، فـ ﴿ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾: يعني إنما سلطانك فقط في هذه الحياة الدنيا، وعذابك لنا سيَنتهي بانتهائها، وأما الآخرة: فسوف يَحكم اللهُ عليك فيها بالخلود في العذاب الأليم.
♦ وأكَّدوا إيمانهم في غير خوفٍ فقالوا: ﴿ إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا أي ذنوبنا الماضية ﴿ وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ في مُعارضة موسى، ﴿ وَاللَّهُ خَيْرٌ لنا منك - في جزاءه لمن أطاعه - ﴿ وَأَبْقَى عذابًا لمن عَصاه، ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا أي كافرًا به: ﴿ فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ يُعَذَّب بها، ﴿ لَا يَمُوتُ فِيهَا فيستريح، ﴿ وَلَا يَحْيَا حياةً يَهنأ بها، ﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا أي لهم المنازل العالية، وهي ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ أي جنات الخلود التي ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أي تجري الأنهار من تحت أشجارها وقصورها ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴿ وَذَلِكَ النعيم المقيم هو ﴿ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ﴾: أي هو ثواب مَن طَهَّرَ نفسه من الشِرك والمعاصي (وذلك بالإيمان والتوبة والعمل الصالح)، (ولعل هذا الكلام الذي قاله السَحَرة قد تعلَّموه عن طريق الاستماع إلى دعوة موسى وهارون، لأن موسى وهارون أقاما بين المصريين زمناً طويلاً يدعوانهم إلى توحيد اللهِ تعالى والإيمان باليوم الآخر، فلمَّا أيْقَنَ السَحَرة أنّ موسى رسولٌ من عند الله، قالوا هذا الكلام بيقينٍ تام).


الآية 77، والآية 78: ﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي أي اخرُج ليلاً ببني إسرائيل من "مصر"، ﴿ فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا ﴾: أي فاتِّخِذْ لهم في البحر طريقًا يابسًا، (وذلك بعد أن أمَرَه سبحانه بضرب البحر بعصاه، فانفلق البحر فرقتين، وأصبح هناك طريقاً يابساً في وسط البحر)، وقال اللهُ له: ﴿ لَا تَخَافُ دَرَكًا - هذا وعدٌ لموسى بأنه لن يكون خائفاً من فرعون وجنوده أن يلحقوا بهم، ﴿ وَلَا تَخْشَى غرقًا في البحر.
فسار موسى ببني إسرائيل وعَبَرَ بهم في البحر، ﴿ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ، فلمَّا دخلوا البحر ورائهم: أطبَقَ اللهُ تعالى عليهم البحر ﴿ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ﴾: أي فغمرهم من الماء ما لا يعلمه إلا الله، فغرقوا جميعًا (وذلك بعد أن نجَّى اللهُ موسى وبني إسرائيل).


• من الآية 79 إلى الآية 82: ﴿ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ بما زيَّنه لهم من الكفر والتكذيب، ﴿ وَمَا هَدَى أي: ولم يَهدهم إلى سبيل النجاة، إذ كان يَعِدُهم بقوله: ﴿ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾.
واعلم أنّ قوله تعالى: ﴿ وَمَا هَدَى هو تأكيد لقوله تعالى: ﴿ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ ﴾، إذ الشيء يؤكَّد بنفي ضِدّه، وهذا كقوله تعالى عن الأصنام: ﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ.
♦ وقال اللهُ لبني إسرائيل بعد أن نجّاهم: ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ فرعون، ﴿ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ ﴾: أي وحددنا لكم موعداً - عند الناحية اليُمنَى لجبل الطور بـ "سيناء" - لإنزال التوراة على موسى هِدايةً لكم،
(ولعل المقصود من وَصْف جانب الجبل بـ"الأيمن" أي الناحية اليُمنَى لموسى، لأنّ الجبل ليس له يمين وشمال، واللهُ أعلم).


﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وهو شيءٌ يُشبهُ الصَّمغ وطَعْمُه كالعسل، ﴿ وَالسَّلْوَى وهو طائرٌ يُشبه السّمانى، وقلنا لكم: ﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾: أي كلوا مِن رِزقنا الطيب، أو: (كلوا من حلال الطعام والشراب)، ﴿ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ أي لا يتعدى أحدٌ منكم على حق أخيه في الطعام والشراب، (أو لعل المقصود: لا تكفروا بنعمة اللهِ عليكم، ولا تتركوا شُكره وتَعصوه، ولا تُسرِفوا في تناول الطعام والشراب) ﴿ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي أي حتى لا يَنزل عليكم غضبي، ﴿ وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ﴾: يعني ومَن يَنزل عليه غضبي فقد هَلَكَ وخسر، ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ مِن ذنبه وشِركه ﴿ وَآَمَنَ باللهِ ورُسُله، وبجميع ما أخبر به الرُسُل من الغيب ﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا تصديقًا لتَوبته ﴿ ثُمَّ اهْتَدَىأي استقام على ذلك حتى الموت.



[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #127  
قديم 24-11-2021, 04:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود



تفسير الربع الثالث من سورة طه



الآية 83، والآية 84: ﴿ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى ﴾ (يُخبر تعالى أنه سأل موسى عليه السلام - وهو أعلم -: (ما الذي جعلك تترك قومك يا موسى وتأتي قبلهم؟)، (وقد كان هذا بعد أن نَجّى اللهُ بني إسرائيل من فرعون وجنوده، فأمَرَ اللهَ موسى أن يأتي مع بني إسرائيل إلى جبل الطور - وهم في طريقهم إلى أرض القدس - لإنزال التوراة، ولكنّ موسى استعجل في المسير إلى الموعد، فاستخلف أخاه هارون على بني إسرائيل، ليسير بهم ببطء حتى يلحقوا بموسى عند جبل الطور).

واعلم أنّ اللهَ سبحانه قد سأل موسى عن سبب استعجاله ليُخبره بما جرى لقومه مِن بعده، فـ ﴿ قَالَ موسى - مُجِيباً ربه سبحانه وتعالى -: ﴿ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي : يعني إنهم ليسوا ببعيدينَ مِنِّي، وسوف يَلحقونَ بي، ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى أي: واستعجلتُ المجىء إليك ربي، طلباً لرضاك عني.
(وفي هذا دليل على مشروعية طلب رضا اللهِ تعالى، ولكنْ بما شَرَعه الله، لأنّ اللهَ تعالى لم يأمر موسى بهذا الاستعجال، ولم يأمره بترك قومه وراءه، ولذلك تَرَتَّبَ على استعجال موسى شَرٌ كبير، كما سيأتي).

الآية 85، والآية 86: ﴿ قَالَ اللهُ لموسى: ﴿ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ أي اختبرنا قومك بعد فِراقك لهم، ﴿ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ بصُنع العجل ودَعْوتهم إلى عبادته وترْك المسير ورائك.
وانتهت المُناجاة، وأعطى اللهُ الألواح التي فيها التوراة لموسى، ﴿ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ عليهم، ﴿ أَسِفًا أي شديد الحزن على فِعلهم، فـ ﴿ قَالَ لهم: ﴿ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا ﴾ بإنزال التوراة (التي فيها نظام حياتكم وشريعة ربكم، لتَسعدوا بها في الدنيا والآخرة)؟ ﴿ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ يعني هل استبطأتم وَعْدَ ربكم، فلم تُتِمّواميعاده الذي حَدَّدَهُ لكم، وبدَّلتم دينه وعبدتمالعجل؟!، ﴿ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ - بسبب هذا الفعل القبيح - ﴿ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي بترْككم المجيء بعدي وعبادة العجل؟!

من الآية 87 إلى الآية 91: ﴿ قَالُوا : ﴿ مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا أي لم يكن ذلك بإرادتنا واختيارنا، وما تجرّأنا على فِعل ذلك ﴿ وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أي حَمَلنا معنا - مِن مصر - ﴿ أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ أي أثقالا مِن ذهبوحُليِّ قوم فرعون (وهو الذهب الذي استعاره نساء بني إسرائيل من جاراتهنّ المِصريات، بقصد الفرار به)، فشَعَرنا بالذنب مِمّا فعلناه وأردنا التخلص منه ﴿فَقَذَفْنَاهَا في حفرة فيها نار بأمر السامري، (لأن السامري قال لنساء بني إسرائيل: (هذا الذهب الذي عندكنّ لا يَحِلّ لَكُنَّ أخْذه)، ثم حَفَرَ لهنّ حفرة، وأوقد فيها النار، وأمَرَهنّ أن يُلقوا فيها الذهب للتخلص منه، وهو في نيّته أن يَصُوغ الذهب ليَصنع منه العِجل)، ﴿ فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ يعني: فكما ألقينا الذهب في الحفرة، فكذلك ألقى السامري التراب الذي أخَذَه من تحت حافر فرس جبريل عليه السلام، فألقاهُ على الذهب ﴿ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ﴾: أي فصنع لبني إسرائيل عجلاً له جسم من الذهب، وله صوت كخُوار البقر (فتنةً واختباراً من الله تعالى لهم)، ﴿ فَقَالُوا أي فقالالمفتونون به منهم للآخرين: ﴿ هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ أي قد نَسِيَهُ موسى وأخطأ الطريق إليه، فاعبدوه حتى يأتي موسى، (واعلم أنّ السامري قال لهم: (هذا إلهكم وإله موسى)، ولم يقل لهم: (وإله هارون)، لأن هارون كانَ معهم، فخاف السامري أن يُكَذِّبه هارون، فلم يَنسب العجل إليه).
قال تعالى - مُنكِراً عليهم -: ﴿ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا ﴾: يعني أفلا يرى الذين عبدوا العجل أنه لا يُكلمهم ابتداءً، ولا يَرُدُّ عليهم إذا كَلَّموه، ﴿ وَ أنه ﴿ لَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ؟ (إذاً فكيف عبدوه وهو لا يُجيبهم إذا سألوه، ولا يُعطيهم إذا طلبوا منه؟!) (ولكنه الجهل والضَلال واتّباع الهوى).
وقال الذين لم يعبدوا العجل لموسى: ﴿ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ - أي مِن قبل رجوع موسى إليهم -: ﴿ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ يعني إنما اختبركم اللهُبهذا العجل؛ ليَظهر المؤمن منكم من الكافر، ﴿ وَإِنَّ رَبَّكُمُ هو ﴿ الرَّحْمَنُ الذي شاهدتم آثار رحمته عندما نجَّاكم من فرعون وجنوده، ﴿ فَاتَّبِعُونِي فيما أدعوكم إليه من عبادة اللهِ وحده، ﴿ وَأَطِيعُوا أَمْرِي ولا تطيعوا أمْر السامري، فإني خليفة موسى فيكم، فـ﴿ قَالُوا أي قال عُبَّاد العجل لهارون: ﴿ لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ يعني: لن نزال مُقيمين على عبادة العجل ﴿ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى.


الآية 92، والآية 93، والآية 94، والآية 95: ﴿ قَالَ موسى لأخيه هارون: ﴿ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ يعني أيُّ شيء مَنَعَك - حينَ رأيتهم ضلُّوا - مِن أن تلحق بي أنت ومَن معك مِن المُوَحِّدين وتترك هؤلاء المشركين؟ ﴿ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي حينَ قلتُ لك: ﴿ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾؟
ثم أمسَكَ موسى بلحية هارون ورأسه يَجرُّه إليه، فـ﴿ قَالَ له هارون: ﴿ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي يعني: يا ابن أمي لاتمسك بلحيتي ولا بشعر رأسي، فـ ﴿ إِنِّي خَشِيتُ أي خِفتُ إنْ أنا جئتُك ببعض القوم - وهم المُوَحِّدين - وتركتُ الآخرين - وهم عُبَّاد العجل - ﴿ أَنْ تَقُولَ لي: ﴿ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فجئتَني ببعضهم وتركتَ الآخرين، ﴿ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي أي وخفتُ أن تقول لي: (لم تحفظ وصيتي بحُسن رعايتهم مِن بعدي).
وبعد أن عاتَبَ موسى أخاه: التفت إلى السامري المنافق - الذي كان مِن عُبَّاد البقر، وأظهر الإسلام في بني إسرائيل، ولمَّا أُتِيحت له الفرصة، عادَ إلى عبادة البقر فصَنَعَ العجل وعَبَده ودعا إلى عبادته - فـ ﴿ قَالَ له موسى في غضب: ﴿ فَمَا خَطْبُكَ يعني: فما شأنك ﴿ يَا سَامِرِيُّ ؟ وما الذي دعاك إلى ما فَعَلته؟

• الآية 96: ﴿ قَالَ السامري: ﴿ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ : أي رأيتُ ما لم يروه (وهو جبريل عليه السلام راكباً على فرس)، وذلك وقت نَجاتهممن البحر، ﴿ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ﴾: أي فأخذتُ بكَفي ترابا مِن أثر حافر فرس جبريل﴿ فَنَبَذْتُهَا ﴾: أي فألقيتُ حفنة التراب على العجل الذي صنعتُه من الذهب، فأصبح له صوت كخُوار البقر، ﴿ وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي يعني: وكذلك زيَّنت لي نفسي هذا الصنيع.

الآية 97، والآية 98: ﴿ قَالَ موسى للسامري: ﴿ فَاذْهَبْ تائهاً في الأرض طوال حياتك، ﴿ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ : يعني فإنّ لك في حياتك أن تعيش ذليلاً حقيراً مهجوراً، تقول لمن أراد أن يَقربك: (لا يَمَسَّني أحد ولا أَمَسُّ أحداً)، فحينئذٍ تَفرّ من الناس ويَفرّ الناس منك عقوبةً لك على جريمتك، فهذا هو بعض عذاب الدنيا، ﴿ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ يعني: وإنّ لك عذاباً آخر يوم القيامة، لن يُخْلفك اللهُ إياه،فهو آتٍ وواقع لا مَحالة، ﴿ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ المزعوم ﴿ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ﴾: أي الذي ظللتَ مقيماً على عبادته: ﴿ لَنُحَرِّقَنَّهُ بالنار، ﴿ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا أي ثم لَنُلقِيَنّ به في البحر -بعد أن نحرقه - حتى لا يُعثَر له على أثر، (وذلك لأنّ قلوب بني إسرائيل كانت متعلقة بعبادة العجل، فأراد موسى عليه السلام إتلافه وحَرْقه وهم يَنظرون إليه، ليزول ما في قلوبهم مِن حُبِّه كما زالَ شَخْصه، ولأنّ في إبقائه فتنة).
ثم قال موسى للذين عبدوا العجل:﴿ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ الحق - الذي تجب له العبادة والطاعة - هو ﴿ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أي الذي لا معبودَ بحقٍ إلا هو، ﴿ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾: أي وَسِعَ عِلمه كلشيء، (وفي هذا ردٌّ على السامري الذي عَبَدَ جماداً لا يَعلَم شيئاً ولا يَقدر على شيئ).

من الآية 99 إلى الآية 104: ﴿ كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ ﴾: يعني كما قصصنا عليك - أيها الرسول - خبر موسى وفرعون وقومهما، فكذلك نُخبرك بأخبارالسابقينَ لك، ﴿ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا يعني: وقد أعطيناك مِن عندنا ذِكرى وموعظةً للناس، وهو هذا القرآن العظيم، الذي ﴿ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فلم يُصَدِّق به، ولم يَعمل بما فيه: ﴿ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا ﴾: يعني فإنه يأتي ربه يومالقيامة يَحمل إثمًا عظيمًا ﴿ خَالِدِينَ فِيهِ أي خالدين في ذلك الوزر في النار، حيثُ تُلقَى معهم ذنوبهم في النار، ﴿ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا ﴾: يعني وقَبُحَ ذلك الحِمل الثقيل من الذنوب، حيثُ أدخلهم النار يوم القيامة، ﴿ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ : أي يوم يَنفُخ الملَكُ في "القرن" لصيحة البعث، ﴿ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ﴾: أي ونَسُوقُ الكافرين في ذلك اليوم وهمزُرق العيون، سُود الوجوه (وذلك من شدة الأحداث والأهوال)، وهم ﴿ يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ أي يَتهامسون فيما بينهم من شدة الخوف، فيقولون: ﴿ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ﴾: أي ما مكثتم في الحياة الدنيا إلا عشرة أيام،﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ﴾ سراً فيما بينهم ﴿إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً أي يقول أعلمهم وأرجحهم عقلاً في الدنيا: ﴿ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا أي ما مكثتم في الحياة الدنيا إلايومًا واحدًا (وذلك لقِصَر مدة الدنيا في نفوسهم يوم القيامة).
واعلم أنه لا تعارُض بين قول اللهِ تعالى - حكايةً عن المجرمين -: ﴿ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ﴾، وبين قوله تعالى: ﴿ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ﴾، وبين قوله تعالى: ﴿ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ، وذلك لأنّ فترة بقاء المجرمين في الدنيا لم تكن ساعة ولا يوماً ولا عشراً، ولكنهم عَبَّروا عن ذلك مُقارنةً بطول الوقوف يوم القيامة، ولقِصَر فترة تمتُّعهم في الدنيا، وإنما اضطربت أقوالهم لهَول الصدمة، فكُل واحدٍ منهم وَصَفَ الحالة التي يشعر بها.

• من الآية 105 إلى الآية 110: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ ﴾: أي يسألك قومك - أيها الرسول - عن مصير الجبال يوم القيامة، ﴿ فَقُلْ لهم: ﴿ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ﴾: أي يَقتلعهاربِّي من أماكنها ويُفَتِّتها، ثم تُفَرِّقها الرياح، ﴿ فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ﴾: أي فيَترك أماكن الجبال - بعد أن نُسِفَت - مستوية ملساء ﴿ لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا أي انخفاضًا ﴿ وَلَا أَمْتًا : أي: ولا ارتفاعًا (وذلك بسبب استوائها).
﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ أي: في ذلك اليوم يتَّبع الناس صوت المَلَك الذي يدعوهم إلى الحساب، ﴿ لَا عِوَجَ لَهُ: أي لا يستطيعون الهروب من دعوةالداعي، ﴿ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ ﴾: أي وسكنتْ الأصوات خضوعًا للرحمن ﴿ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا أي فلا تسمعمنها إلا صوتًا خفيًا، ﴿ يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ أحدًا من الخلق ﴿ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴾: يعني إلا إذا أَذِنَ الرحمنُ للشافع،ورَضِيَ عن قوله وشفاعته إكراماً له (ولا تكون الشفاعة إلا للمؤمن المُخلِص)، ففي الحديث أنّ اللهَ تعالى يقول يوم القيامة: (أخرِجوا من النار مَن قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يَزِن ذَرَّة) (انظر صحيح الترمذي ج 4/711)، ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾: أي يَعلم اللهُ تعالى ما بين أيدي الناس مِن أمْر القيامة، إذ يَعلم سبحانه ما سيَحكم به عليهم مِن جنةٍ أو نار، ﴿ وَمَا خَلْفَهُمْ أي: وكذلك يَعلم ما تركوه مِن أعمالٍ في الدنيا، ﴿ وَ هم ﴿ لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا سبحانه وتعالى.

الآية 111، والآية 112: ﴿ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ أي خضعتْ وجوه الخلائق، وذَلَّتْ ﴿ لِلْحَيِّ الذي لا يموت، ﴿ الْقَيُّومِ أي القائم على تدبير كلِّ شيء، والقائم على كل نفسٍ بما كسبتْ، والمُستغني عمَّن سواه، ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾: أي خَسِرَ يوم القيامة مَن جاءَ يَحمل أوزار الشِرك (إذ الظلم المذكور في الآية هو الشِرك، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾، ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا بزيادة سيئاته، ﴿ وَلَا هَضْمًا بنقص حسناته.

الآية 113: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا يعني: وكما أنزلنا عليك تلك الآيات المُشتملة على الوعد والوعيد، فكذلك أنزلنا هذا القرآن بلُغة العرب ليَفهمه قومك ويَهتدوا به، فيَهتدي على أيديهم خَلقاً كثيراً،﴿ وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ ﴾: أي نوَّعنا في هذا القرآن أصنافاً من العذاب الدُنيوي والأُخروي ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي: لعل قومك يتقونَ ما كان سببا في إهلاك الأمم السابقة (وهو الشرك والتكذيب والمعاصي) ﴿ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ﴾: يعني أو يُحدِث لهم هذاالقرآن تذكرةً، فيَتعظوا ويَعتبروا بهلاك الأمم السابقة، فيتوبوا ويُسلموا، ليَسعدوا في الدنيا والآخرة.

الآية 114: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ ﴾: أي فتنزَّه اللهُ وتبرَّأ عن كل نقص، وتقدَّس عمَّا يقوله المُفترونَ وعمَّا يُشركه المشركون، فهو سبحانه ﴿الْمَلِكُ الْحَقُّ الذي قهر كل مَلِكٍ وجبار، وهو المالك لكل خلقه، المتصرف في كل شيء.
﴿ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ﴾: أي ولا تستعجل - أيها الرسول - بمسابقة جبريل في تَلَقِّي القرآن قبل أنيَفْرَغ هو مِن قراءته، ويُبَيِّن لك ما يَقصده اللهُ تعالى من الآيات المُنَزَّلة عليك، ﴿ وَقُلْ داعياً ربك: ﴿ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا .


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #128  
قديم 24-11-2021, 04:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود



تفسير الربع الأخير من سورة طه


الآية 115: ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ يعني: ولقد وصينا آدم مِن قَبل ألا يأكل من الشجرة، ﴿ فَنَسِيَ الوصية ﴿ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾: يعني ولم نجد له عزيمة يُحافظبها على ما أمرناه به، ولم يكن له صبرٌ عمَّا نهيناه عنه.

الآية 116: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ أي واذكر - أيها الرسول - حينَ قلنا للملائكة: ﴿ اسْجُدُوا لِآَدَمَ (سجود تحيةٍوتكريم، وليس سجود عبادةٍ وخضوع)، ﴿ فَسَجَدُوا جميعًا ﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ الذي كان يَعبد اللهَ معهم، فإنه ﴿ أَبَى أي امتنع عن السجود (حسداً لآدم على هذا التشريف العظيم).

الآية 117، والآية 118، والآية 119: ﴿ فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا - أي إبليس - هو ﴿ عَدُوٌّ لَكَ ﴿ وَلِزَوْجِكَ أي: وهو عدوٌ أيضاً لزوجتك حواء، ﴿ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ ﴾: أي فلا تُطيعاه حتى لا يَتسبب في إخراجكما من الجنة ﴿ فَتَشْقَى بالعمل في الأرض (إذ تزرع وتحصد وتطحن وتخبز حتى تتغذى)، (وَاعلم أنّ اللهَ تعالى وَجَّهَ الخطاب إلى آدم فقط في قوله: ﴿ فَتَشْقَى ﴾ لأنّ المقصود من الشقاء هنا: (العمل) كالزرع والحصاد وغيرهما، مما هو ضروري للعيش خارج الجنة، ومعلومٌ أنّ الزوج هو المسئول عن إعاشة زوجته).

وقال اللهُ له: ﴿ إِنَّ لَكَ في هذه الجنة ﴿ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا أي تأكل فيها فلا تجوع، ﴿ وَلَا تَعْرَى يعني: وأن تَلْبَس فيها فلا تَعْرَى، ﴿ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا أي لن تعطش في هذه الجنة ﴿ وَلَا تَضْحَى ﴾: يعني ولن يصيبك فيها حر الشمس، (والخطاب - وإن كان لآدم - فحواء تابعة له بحُكم قوامة الزوج على زوجته، ومن الأدب: خطاب الرجل دونَ امرأته إذ هي تابعةٌ له).

الآية 120:﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ فـ ﴿ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَىيعني هل أدلك على شجرةٍ، إذا أكلت منها أصبحتَ خالداً فلمتَمُت، ومَلَكتَ مُلْكًا لا يَنقطع ولا يَنقص؟

الآية 121، والآية 122: ﴿ فَأَكَلَا مِنْهَا ﴾: أي فأكل آدم وحواء من الشجرة التي نهاهما اللهُ عنها ﴿ فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا ﴾: أي فانكشفت لهما عوراتهما(بعد أن كانت مستورةً عن أعينهما)، ﴿ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ﴾: يعني أخذا يَنزعان من ورق أشجار الجنة ويلصقانه عليهما،ليَسترا ما انكشف من عوراتهما، ﴿ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى أي: وهكذا خالَفَ آدم أمْر ربه، فضَلَّ بسبب الأكل من الشجرة ﴿ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ﴾: أي ثم اختاره اللهُ لنُبُوَّته، وقَبِلَ توبته، وهَداهُ للعمل بطاعته.

الآية 123، والآية 124، والآية 125: ﴿ قَالَ اللهُ تعالى لآدم وحواء: ﴿ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ﴾: أي اهبطا من السماء إلى الأرض جميعًا مع إبليس،﴿ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾: يعني (آدم وحواء) يُعادون الشيطان، والشيطان يُعادِيهِما، ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى ﴾: يعني وسيأتيكم أنتم وذرياتكم مِنِّي هدىً وبيان ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ - فآمَنَ به وعَمِلَ بما فيه -: ﴿ فَلَا يَضِلُّ في الدنيا، بل يكونُ مهتدياً راشداً، ﴿ وَلَا يَشْقَى بعذابي في الآخرة، (قال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: ضَمَنَ اللهُ تعالى لمن قرأ القرآن وعَمِلَ بما فيه، ألاّ يَضِلّ في الدنيا ولا يَشقى في الآخرة).

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي - فلم يؤمن به ولم يعمل بما فيه -: ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾: يعني فإنّ له في الدنيا مَعيشةً شاقة - وإنْ كانَ غنياً - فإنه يَشعر بالضيق والهم، كما يُضيَّق عليه قبره ويُعَذَّب فيه، ﴿ وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى عن سلوك طريق الجنة، ﴿ قَالَ أي فيقول هذا المُعرِض عن ذِكر الله: ﴿ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى يوم القيامة ﴿ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا فيالدنيا؟

الآية 126، والآية 127: ﴿ قَالَ اللهُ له: ﴿ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا يعني لأنك قد جاءتك آياتنا الواضحة فأعرضتَ عنها، ولمتؤمن بها، ﴿ وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾: يعني وكما تركتَها في الدنيا، فكذلك تُترك اليوم في النار، ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ ﴾: يعني وهكذا نُعاقب مَن أسرف على نفسه بالمعاصي فلم يتب منها (﴿ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ (فنجعل له مَعيشةً ضنكاً في حياته الدنيا وفي قبره)، ﴿ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ ألمًا من عذاب الدنيا ﴿ وَأَبْقَى منه لأنه لا يَنتهي ولا يُخَفَّف.

الآية 128: ﴿ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ ﴾: يعني أفلم يُبَيَّنْ لقومك - أيها الرسول - كثرة مَن أهلكنا قبلهم من الأممالمُكَذِّبة، الذين ﴿ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ويرون آثار هلاكهم، فيَهتدوا بذلك إلى طريق الرشاد؟ ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ ﴾: يعني إنّ في كثرة تلك الأمموآثار عذابهم لَعِبَرًا وعظات ﴿ لِأُولِي النُّهَى أي: لأهل العقول السليمة الواعية، أما الذين عطَّلوا عقولهم ولم يُفَكِّروا بها: فلا يَهتدوا إلى تلك الآيات.

الآية 129، والآية 130: ﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى ﴾: يعني ولولا كلمةٌ سبقتْ من ربك بأنه لن تموت نفس حتى تستوفي أجلها، ولولا أجلٌ معلوم في اللوح المحفوظ بتأخير العذاب عن أهل مكة: لأصبحَ الهلاك لازماً لهم لا يتأخر عنهم بسبب كفرهم، (واعلم أنّ في الآية تقديم وتأخير، أي: ولولا كلمةٌ سبقتْ من ربك وأجلٌ مُسَمًّى لكان لزاماً: أي لَكانَ العذابُ لازماً لهم)، إذاً ﴿ فَاصْبِرْ أيها الرسول ﴿ عَلَى مَا يَقُولُونَ في حقك (من التكذيب بدَعْوتك، ومِن مُطالبتك بالمعجزات التي يقترحونها، ومِن استعجالهم بالعذاب).

♦ ثم أرشده سبحانه إلى ما يَشرح صدره ويُذهِب هَمَّه فقال: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أي استعن بالصلاة ذات الذِكر والتسبيح ﴿ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِأي في صلاة الفجر، ﴿ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا أي: وكذلك سَبِّحبحمد ربك في صلاة العصر (قبل غروب الشمس)، ﴿ وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ ﴾: يعني وكذلك سَبِّحبحمد ربك في ساعات الليل (والمقصود بذلك صلاتَي المغربوالعشاء)، ﴿ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ ﴾: يعني وكذلك سبِّحبحمد ربك في صلاة الظهر (التي تقع بين طَرَفَي النهار - أي بين نهاية نصفه الأول وبداية نصفه الثاني)، وقد أمَرَك اللهُ بهذا ﴿ لَعَلَّكَ تَرْضَى أي حتى يُثِيبك على هذهالأعمال بما تَرْضى به في الآخرة من النعيم.

الآية 131: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَأي لا تنظر بعينيك مُتطلِّعاً ﴿ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ: يعني إلى ما مَتَّعْنا به أصنافًا من كفار قريش مِن مُتَع الدنيا، فقد جعلنا لهم ﴿ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (التي سرعان ما تَذبل وتنتهي)، وقد متَّعناهم بهذا المتاع ﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ أي لنَختبرهم فيه: (أيَشكرون ربهم بتوحيده وعبادته أم يَكفرون؟) ﴿ وَرِزْقُ رَبِّكَ أي: ما أعَدَّه اللهُ لك من الأجر والنعيم هو ﴿ خَيْرٌ لك مِمَّا متَّعناهم به في الدنيا ﴿ وَأَبْقَى منه، حيثُ لا انقطاعَ له ولا نفاد.

الآية 132: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ أي أزواجك وبناتك وأتْباعك المؤمنين ﴿ بِالصَّلَاةِ (ففيها السعادة وغِنى النفس) ﴿ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾: أي صَبِّر نفسك على أداء الصلاة بخشوع واطمئنان، واعلم أننا ﴿ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ﴾: أي لا نَطلب منك مالاً - لِغِنانا عن ذلك - ولكننا نُكَلِّفك بأداء الصلاة على أكمل وجوهها، و ﴿ نَحْنُ نَرْزُقُكَ - إذا أخذتَ بأسباب السعي في طلب الرزق -، ولكنْ لا يَشغلك طلب الرزق عن الصلاة، ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى أي: والعاقبة المحمودة في الدنيا والآخرة لأهل التقوى (وهم الذين يخافون ربهم بأداء أوامره واجتناب نواهيه).

الآية 133، والآية 134: ﴿ وَقَالُوا أي وقال هؤلاء المُكَذِّبون: ﴿ لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ يعني: هَلاَّ يأتينا محمد بمُعجزة مَحسوسة مِن عند ربه (كَعَصا موسى وناقة صالح)، ﴿ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى ﴾: يعني ألم يَكفهم أننا أعطيناهمهذا القرآن، المُوافق لِما في الكتب السابقة من الحق، والمُبَشَّر به فيها؟!، (واعلم أنّ البينة: هي الحجة، وهي هنا: محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم، كما قال تعالى: ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً ﴾ إذ محمد صلى الله عليه وسلم مَوعودٌ به في الكتب السابقة، وهو أيضاً أميّ، لا يقرأ ولا يكتب، وقد جاء بهذا القرآن الخالد، الذي حَوَى علوم الأولين وقصصهم، واشتمل على كل علمٍ نافع في الدنيا والآخرة، وأعْجَزَ أهل اللغة كلهم - رغم براعتهم في الفصاحة والبلاغة - فأيّ آيةٍ أعظم من هذه؟!).
﴿ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ أي مِن قبل أن نُرسل إليهم رسولا ونُنَزِّلعليهم كتابًا ﴿ لَقَالُوا يوم القيامة: ﴿ رَبَّنَا لَوْلَا يعني: هَلاَّ ﴿ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا من عندك ﴿ فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وشَرْعك ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى أي مِن قبل أن يصيبنا الذل والإهانة بعذابك، ونُفتَضَح بين الأمم يوم القيامة.

الآية 135: ﴿ قُلْ أيها الرسول لهؤلاء المشركين: ﴿ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ أي: كلٌ مِنَّا ومنكم ينتظر: لمن يكون النصر والفلاح؟، ﴿ فَتَرَبَّصُوا ﴾: أي فانتظروا ﴿ فَسَتَعْلَمُونَ يوم القيامة: ﴿ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى يعني: مَن أهل الطريق المستقيم - وهو الإسلام - ومَنالمهتدي مِنَّا ومنكم إلى الحق؟



[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #129  
قديم 02-12-2021, 04:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود



تفسير الربع الأول من سورة الأنبياء










الآية 1: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ على أعمالهم، ﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ عَمَّا ينتظرهم مِن حسابٍ وجزاء، ﴿ مُعْرِضُونَ عن الاستعداد لهذا الحساب بالإيمان والعمل الصالح (بعد ترْك الشرك والمعاصي).



الآية 2، والآية 3، والآية 4: ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ يعني: ما مِن شيءٍ يَنزل من القرآن ﴿ مُحْدَثٍ أي جديد النزول، مُجَدِّدًا لهم التذكير والموعظة: ﴿ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾: أي كان سَماعهمله سَماع لعبٍ واستهزاء، ﴿ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ يعني: قلوبهم غافلة عن تدبر القرآن، مشغولة بشهوات الدنيا ومَلَذَّاتها، ﴿ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾: أي اجتمع الظالمون من رؤساء قريش على أمْرٍ خَفِيٍّ - ليَصُدُّوا به الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم - فقالوا لهم: ﴿ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ؟ يعني: ما محمد إلا إنسان مثلكم لايَختلف عنكم في شيء، وما تصديقكم لنُبُوَّته إلا مِن أثر سِحرٍ سحَرَكم به ﴿ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ يعني فكيف تأتون إلى هذا الساحر ﴿ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ أي: بَصَركم سليم؟، (وقد كَذَبوا في ذلك الادِّعاء الباطل، فإنه لو كانَ ساحراً، لسَحَرَهم لِيؤمنوا به، حتى يستريحَ هو وأصحابه من ذلك الإيذاء والتعذيب الذي يَلقونه منهم، وحتى لا يُخرجوهم مِن بلدهم وديارهم وأموالهم كما فعلوا).

واعلم أن المقصود بوصف القرآن بأنه (مُحدَث) أي حديث النزول على النبي صلى الله عليه وسلم، إذ كان يَنزل آية بعد آية وسورة بعد سورة، بحسب الحوادث والأحوال.

فلمَّا أخبر اللهُ رسوله بالكلام الذي قالوه، أخبرهم صلى الله عليه وسلم أنّ اللهَ الذي عَلِمَ تَحَدُّثهم سِرّاً، يَعلم كل قول في السماء والأرض فـ ﴿ قَالَ لهم: ﴿ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (سِرّاً كانَ أو علانية)، ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ لِمَا أسررتموه مِن حديثكم، ﴿ الْعَلِيمُ بأفعالكم وكَيدكم، (وفي هذا تهديدٌ ووعيدٌ لهم).



الآية 5، والآية 6: ﴿ بَلْ جَحَدَ الكفار بالقرآن، واضطربت أقوالهم فيه بعد أن شعروا بالهزيمة في أن يأتوا بمِثله، فـ ﴿ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ يعني منهم مَن قال: إنه أحلام مُختلَطة رآها في المنام، ومنهم مَن قال: ﴿ بَلِ افْتَرَاهُ أي اختلق محمد القرآن مِن عند نفسه، ومنهم مَن قال: ﴿ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ (أي هذا الذي جاء بهشِعر)، وإذا أراد أن نُصَدِّقه ﴿ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ﴾: أي فليأتنا بمعجزة محسوسة كناقة صالح، وعصا موسىوسائر معجزات الرُسُل مِن قبله.

فرَدَّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا يعني: لا توجد قرية - قبل كفار مكة - طلب أهلها المعجزات فآمَنوا بها لمَّا تحققت لهم، بلإنهم كَذَّبوا بها فأهلكناهم، ﴿ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ﴾: يعني أيُؤمن كفار مكة إذا تحققت المعجزات التي طلبوها؟! (والاستفهام للنفي) يعني: كلاإنهم لن يؤمنوا، (إذاً فلا معنى مِن إعطائها لهم ونحن نعلم أنهم لن يؤمنوا).



الآية 7: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ - أيها الرسول - ﴿ إِلَّا رِجَالًا أي رُسُلاً من الرجال (لا منالملائكة)، وكنا ﴿ نُوحِي إِلَيْهِمْ لِيُبَلِّغوا رسالات ربهم إلى الناس، (وقد كانَ هذا رداً على قولهم: ﴿ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ؟).

وإن كنتم - يا مُشركي قريش - لا تُصَدِّقونَ بذلك ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ﴾: أي اسألوا أهلالكتب السابقة، ليُخبروكم أنّ الأنبياء كانوا بَشَرًا وليسوا ملائكة ﴿ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ، (واعلم أنّ الآية عامة في كل مسألة من مسائل الدين - إذا لم يكن عند الإنسان عِلمٌمنها - أن يَسأل مَن يَعلمها مِن العلماء المُتمكنين في العلم).



الآية 8، والآية 9: ﴿ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ يعني إننا لم نجعل أولئك الرسل خارجين عن طباع البشر (لا يحتاجون إلى طعاموشراب)، بل جعلناهم أجساداً آدمية تحتاج في بقاءها إلى الطعام والشراب، فلماذا إذاً يَعترض هؤلاء المشركون على كَوْن الرسول صلى الله عليه وسلم بشراً يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟!

﴿ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ لا يموتون، ﴿ ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ أي: ثم أنجَزنا لهم وأتْباعهم ما وعدناهم به من النصر والنجاة ﴿ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ على أنفسهم بالكفر والمعاصي.

واعلم أنّ حرف (ثم) المذكور في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ هو ما يُعرَف في اللغة بـ (الترتيب الرَتبي)، فكأنّ المعنى: (وأهَمُّ مِمّا ذُكِر أنّنا صَدَقناهم الوعد فأنجيناهم وأهلكنا الذين كَذَّبوهم).



الآية 10: ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًاوهو هذا القرآن الذي ﴿ فِيهِ ذِكْرُكُمْ أي فيه عِزُّكم وشرفكم في الدنيا والآخرة (إنْ تذكرتمبه)، إذ هو أعظم من المعجزات التي طلبتموها، ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟ يعني: أفلا تتفكرون فيه بعقولكم، لتؤمنوا به وتعملوا بما فيه؟



من الآية 11 إلى الآية 16: ﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً يعني: وكثيرٍ مِن أهل القرى قصمناهم - بإهلاكهم وتفتيت أجسامهم - بسبب ظُلمهم وكُفرهم ﴿ وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (كانوا خيراً من أولئك الهالكين)، ﴿ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا أي فلمَّا رأى الظالمون علامات عذابنا الشديد نازلاً بهم: ﴿ إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ أي يُسرعون هاربينَ مِنقريتهم.

فنادتهم الملائكة وهم يحاولون الفرار من العذاب:﴿ لَا تَرْكُضُوا ﴾: أي لا تهربوا ﴿ وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ أي ارجعوا إلى ما كنتم تتنعمون فيه من اللذات، وارجعوا إلى مساكنكم المُحصَّنة ﴿ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ أي لعل أحداً يَمُرّ بكم فيَسألكم عَمّا كنتم فيه من النعيم فتُخبِروه، أو لعله يُطلَب منكم شيئًا مِن دُنياكم لتفتدوا به من العذاب، (وهذا كله على سبيلالسُخرية والاستهزاء بهم).

فلمَّا يَئسوا من الهرب وأيقَنوا بنزول العذاب: ﴿ قَالُوا يَاوَيْلَنَا يعني يا هَلاكنا (والمقصود أنهم يَدعون على أنفسهم بالهلاك والموت، لمُشاهدتهم عذاب الله نازلاً بهم)، وقالوا: ﴿ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ أي ظلمنا أنفسنا بالشرك والمعاصي والتكذيب والعناد، فعرَّضناها بذلك للخُسران والعذاب، ﴿ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ أي: فما زالت تلك المقالة - وهي الدعاء على أنفسهم بالهلاك واعترافهم بظلمهم - هي دَعْوَتَهم يُرَدِّدونها ﴿ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴾: أي لم نُبقِ منهم أحداً قائماً (كأنهم زرعٌ محصود)، وأصبحوا خامدينَ لا حياةَ فيهم (كالنار التي أُخمِدَت).

ثم وَضَّحَ سبحانه أنّ إهلاكه لهذه الأمم المُشركة الظالمة كانَ دليلاً على أنه لم يَخلق الإنسان لعباً وعَبَثاً، بل خَلَقه ليَعبده ولا يُشرك به، ويطيعه ولا يعصيه، وأنه خَلَقَ السماوات والأرض ليُذكَر فيهما ويُشكَر، ولهذا قال: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ، وإنما ليَعلم الناس أنّ الذي خَلَقَ ذلك كله، لا تصلح العبادة إلا له، وأنه سبحانه قادرٌ على أن يُحيى الموتى،لأنّ ذلك أهْوَنُ عليه مِن خَلْق السماوات والأرض.



- الآية 17، والآية 18: ﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا - من الولد أو الزوجة أو غير ذلك مِمّا نَسَبَهُ إلينا المشركون كَذِباً وافتراءً - ﴿ لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا ﴾: أي لاَتخذناه مِن عندنا لا مِن عندكم﴿ إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (وهذا يَستحيل في حقنا، لأن اللعب ليس من شأننا)، ولذلك بَرَّأَ سبحانه نفسه مِن ذلك فقال: ﴿ بَلْأي لا يليق بنا اتخاذ الزوجة والولد - لِغِنانا عن ذلك -، وإنما ﴿ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ أي نَرمي بالحق (وهو أدلة القرآن) ﴿ عَلَى الْبَاطِلِ - وهو افتراء المُضِلِّين - ﴿ فَيَدْمَغُهُ أي فيَشُقُّ الحقُ دماغَ الباطل فيُهلِكه ﴿ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ أي: فإذا بالباطل ذاهبٌ مغلوب لا يَبقى منه شيء، ﴿ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ يعني: ولكم - أيها المشركون - العذاب الشديد فيالآخرة، مِن أجْل وَصْفِكم ربكم بغير وَصْفه اللائق به، ومِن أجْل وَصْفكم لرسوله بالسحر والكذب والشعر، وأنتم تعلمون أنه الصادق الأُمِّي، الذي لم يقل الشعر ولم يتعلمه طوال حياته.



الآية 19، والآية 20: ﴿ وَلَهُ سبحانه جميع ﴿ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مُلكاً وتصرفاً وتدبيراً وإحاطة، (فهذا برهان آخر على بُطلان دعوى أنّ له تعالى زوجة وولداً، إذ هو خالقُ كل شيء ومالكه، فهليُقالُ لِمَن صَنَعَ شيئاً إنه أبو المصنوع؟! لا يوجد قائلٌ بهذا أبداً، (فسبحان مَن لا يحتاجُ إلى زوجةٍ أو ولدٍ كما يحتاج البشر، وسبحان الغني القوي الذي له الصفات العُليا، والاستغناء التام عن خَلْقه وعبيده).

﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ من الملائكة ﴿ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ﴿ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ أي لا يَتعبون فيَتركوا العبادة ليستريحوا، بل إنهم ﴿ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾: أي يُسبِّحون اللهَ ليلاً ونهاراً ﴿ لَا يَفْتُرُونَ ﴾: أي لا يضْعُفون عن التسبيح، لأنه يخرج منهم كما يَخرج النَفَس من البشر، فكما أن البشر لا يتعبون من التنفس ولا يَمَلُّون منه ولا يُشغلهم عنه شيء، فكذلك الملائكة لا يَمَلُّون من التسبيح ولا يُشغلهم عنه شيء، (إذاً فكيف يجعلهم المشركون شركاء لله تعالى أو يزعمون أنّ له منهم ولداً وهُم لا يستكبرون عن عبادته ولا يَتعبونَ منها؟!)، (واعلم أن اللفظ: ﴿ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ مأخوذ من الحَسير، وهو (الجَمَل) المُنقطع عن السير بسبب التعب).



الآية 21، والآية 22، والآية 23: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ؟! يعني: هل اتخذ المشركون آلهة عاجزة من أحجار الأرض تقدر على إحياء الموتى؟! (والاستفهام للنفي والإنكار) يعني: كلا إنهم لا يُحيون الموتى، (والذي لا يُحيي الموتى لا يستحق العبادة بحال من الأحوال، أمّا اللهُ تعالى فهو المُتفرِّد بالإحياء والإماتة، وأنتم تعلمون ذلك أيها المشركون، فلقد كنتم أمواتًا وأنتم في العَدم، فأوجدكم سبحانه ونَفَخَفيكم الحياة، فكذلك لا يُعجزه إحياء الناس بعد موتهم).

ثم أبطل سبحانه دعواهم في اتخاذهم آلهةً مع الله تعالى فقال: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾: أي لو كان في السماوات والأرض آلهة غير الله تُدَبِّر شؤونهما، لاَختلَّنظامهما (لأنّ تَعَدُّد الآلهة يَقتضى اختلافهم في الإرادة والأفعال، مِمّا يؤدي إلى فساد نظام الكون)، ومِن هنا كان انتظام الكون قروناً عديدة دليلاً على أنّ خالقه واحد وأنّ العبادة لا تجب إلا له، ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾: أي تَنَزَّهَ اللهُ خالق العرش ومالكه والمُختص به، وتبرَّأَ عَمَّا يَصفه به الكافرون.

ومِن دلائل تفرُّده سبحانه بالخَلق والعبادة أنه ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾: أي لا يُسأل عن قضائه في خَلقه، لأنه المالك المتصرف، ولأنه العليم الحكيم،﴿ وَهُمْ يُسْأَلُونَ أي: وجميع خَلقه يَسألهم سبحانه عن أفعالهم، لكونهم عبيدٌ خاضعونَ لتدبيره وأقداره.



الآية 24: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً؟! يعني: بل اتخذ هؤلاء المشركون آلهة لا تنفع ولا تضر! ﴿ قُلْ لهم - أيهاالرسول -: ﴿ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾: أي هاتوا دليلاً على استحقاق هذه الآلهة للعبادة، ﴿ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي ﴾: أي فليس في هذاالقرآن (الذي هو ذِكر أُمّتي واتِّعاظها)، ولا في الكتب السابقة دليلٌ على ما ذهبتم إليه، (فالكل يشهد أنه لا إله إلا الله)، ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ﴾: يعني: بل أكثرهم قد أشركوا تقليدًا لآبائهم بغير عِلمٍ أو دليل، ولِذا ﴿ فَهُمْ مُعْرِضُونَ عن تأمل أدلة وبراهين القرآن العظيم.



الآية 25: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا أي لا معبودَ بحقٍإلا أنا، ﴿ فَاعْبُدُونِ ﴾: أي فأخلِصوا العبادة لي وحدي أيها الناس.



من الآية 26 إلى الآية 29: ﴿ وَقَالُوا أي قال المشركون: ﴿ اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا - بزَعْمهم أنّ الملائكة بنات الله - ﴿ سُبْحَانَهُ ﴾: أي تَنَزَّه اللهُوتقدَّس عن ذلك، ﴿ بَلْ عِبَادٌ يعني إنّ الملائكة عبادٌ للهِ تعالى (ومَن كان عبداً لا يكون ابناً ولا بنتاً)، وهُم ﴿ مُكْرَمُونَ أي مُقرَّبونَ مُخصَّصونَ بالفضائل الكريمة.

ومِن حُسن طاعتهم وأدبهم مع الله تعالى أنهم ﴿ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ أي لايتكلمون إلا بما يأمرهم به سبحانه (وهذا هو شأن العبد، أنه لا يتقدم سيده بشيء) ﴿ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ أي: وهم ولا يَعملون عملاً حتى يَأذن لهم، وهو سبحانه ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾: أي يَعلم جميع أفعال الملائكة (ما يُستقبَل منها وما مَضى)، ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى أي لا تتقدم الملائكة بالشفاعة إلا لمن رَضِيَ اللهُ عن شفاعتهم له، (ولا يكون هذا إلا لأهل التوحيد)، ﴿ وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ أي: والملائكة - مِن أجلخوفهم مِن الله تعالى - يَحذرون أن يُخالفوا أمْره ونَهْيه، ﴿ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ يعني: ومَن يَزعم من الملائكة أنه إلهٌ مع اللهِ تعالى - على سبيل الفرض - ﴿ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ، و﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَالذين يَتعدون حدودهم ويتجاوزون قَدْرهم.





[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #130  
قديم 02-12-2021, 04:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود



تفسيرالربع الثاني من سورة الأنبياء



الآية 30: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني ألم يَعلم الكفار ﴿ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا أي كانتا مُلتصقتينِ لا فاصَلبينهما ﴿ فَفَتَقْنَاهُمَا أي فَصَلناهما بقدرتنا، وأنزلناالمطر من السماء، وأخرجنا النبات من الأرض، ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴿ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ يعني أفلا يُصَدِّقون بما يشاهدونه من الآيات الدالة على استحقاق اللهِ وحده للعبادة، فيعبدوه وحده ولا يُشركوا به؟!

الآية 31: ﴿ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أي جبالاً راسية لتثبيت الأرض ﴿ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ أي حتى لا تميل بهم وتتحرك (إذ لو تَحَرَّكَتْ بهم: ما استقامَ العيشُ عليها، ولَتَهَدَّمَ ما عليها وتَساقط)، ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا أي جعلنا في الأرض طرقًا واسعة ﴿ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ أي ليهتدوا بهذه الطرق في الوصول إلى الأماكن التي يقصدونها، وليهتدوا أيضاً إلى توحيد خالقهم الذي أنعم عليهم بما فيه مصلحتهم.

الآية 32: ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا ﴾: أي جعلنا السماء سقفًا للأرض، وجعلناها أيضاً محفوظة من السقوط، ومن اختراقالشياطين لها، ﴿ وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ أي: والكفار غافلونعن التفكر في آيات السماء، إذ لو تفكروا فيها لاَستدلوا بها على توحيد اللهِ تعالى وقدرته وعِلمه وحِكمته، (واعلم أن المقصود بآيات السماء: الشمس والقمر والنجوم).

الآية 33: ﴿ وَهُوَ سبحانه ﴿ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ لراحتكم، ﴿ وَالنَّهَارَ لتطلبوا فيهالرزق، ﴿ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ خَلَقهما سبحانه لإضاءة الأرض، ولتعرفوا الأيام والشهور، وغير ذلك مِن مَنافعكم، ﴿ كُلٌّ مِن الشمس والقمر ﴿ فِي فَلَكٍ أي في مَدار خاص بهم، ﴿ يَسْبَحُونَ أي يَجرونَ في هذا المدار ولا يخرجونَ عنه، (إذ لو خرجتْ الأجرام السماوية مِن مَدارها، لَوَقَعَ التصادم بينهم، ولَحَدَثَ تدميرٌ للعوالم كلها، فسبحان العليم الحكيم القادر).

الآية 34: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ - يا محمد - ﴿ الْخُلْدَ أي دوام البقاء في الدنيا، ﴿ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَبعدك؟! لا يكونُ هذا أبداً، (إذاً فلا معنى لأن يَنتظروا بك الموت حتى يتخلصوا مِن دَعْوتك ويَشمتوا بك).

الآية 35: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ أي ستذوق مَرارة مُفارقة الروح للجسد، ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ يعني: ونختبركم بما تظنونه شراً (كالفقر والمرض)، و بما تظنونه خيراً (كالغِنى والصحة)، وقد جعلنا هذا الابتلاء ﴿ فِتْنَةً أي اختباراً يُظهِر الصابر الشاكر من الساخط الجاحد، ﴿ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ بعد موتكم للحساب والجزاء.

الآية 36: ﴿ وَإِذَا رَآَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا - أيها الرسول - ﴿ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أي ما يتخذونك إلا استهزاءً وسخرية، إذ يُشيرونَ إليك قائلين:﴿ أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ ﴾: يعني أهذا الرجل هو الذي يَسُبُّ آلهتكم ويَذكر عيوبها؟!، ﴿ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾: يعني: وهُم جاحدونَ بما أنزله الرحمن من القرآنوالهدى.
♦ والمقصود من الآية: كيف يتألمون لذِكر آلهتهم بسوء (وهي تستحق السُوء فعلاً لعَجزها ونَقصها)، ولا يتألمون لجحودهم بإلوهية ربهم الرحمن (الذي يَستحق العبادة وحده)، حتى إنهم أنكروا أن يكون "الرحمن" اسماً لله تعالى؟!، إنّ هذا لَغاية الجهل والغرور وسُوء الفَهم.

الآية 37: ﴿ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾: أي خُلِقَ الإنسان عَجولاً يَستعجل وقوع الأشياء (وإن كانت تحمل له ضرراً)، وقد استعجل المؤمنون عقوبة الله للكافرين، واستعجلت قريشٌ العذابَ تكذيباً وعِناداً، فقال الله لهم: ﴿ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي ﴾: أي سأريكم العذاب الذي وعدتكم به في آياتي القرآنية (ومِن ذلك ما حصل لهم يوم بدر) ﴿ فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ، (واعلم أنه قد دخل كثيرٌ منهم في الإسلام بسبب هذا الإمهال، فسبحان الحليم الحكيم).
♦ ولَعَلّ قوله تعالى: ﴿ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ فيه إشارة إلى تَمَكُن هذا الوصف من الإنسان، إلا مَن رحمه الله وحَلاَّهُ بالحِلم والصبر.

الآية 38، والآية 39: ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَأي: متى يحصل هذا العذاب الذي تَعِدُنا به يامحمد، إن كنت صادقاً أنت ومَن اتَّبعك؟، فرَدَّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي لو يعلمون ما ينتظرهم من العذاب في جهنم ﴿ حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ أي عندما لا يستطيعون أن يدفعوا النار عن وجوههم ﴿ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ ﴿ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَأي: ولا يجدون لهم ناصرًا يُنقذهم من هذا العذاب، (لو يعلمون ذلك، مااستعجلوا عذابهم، وَلَتابوا مِن شِركهم وعِصيانهم).

الآية 40: ﴿ بَلْ تَأْتِيهِمْ النار ﴿ بَغْتَةً أي فجأة ﴿ فَتَبْهَتُهُمْ أي فيَتحيَّرون عند ذلك، ويَخافون خوفًا عظيمًا، ﴿ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا ﴾: أي فحينئذٍ لايستطيعون دَفْعَ العذاب عن أنفسهم ﴿ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ أي: ولا يُمْهَلون للتوبة والاعتذار.

الآية 41: ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ أي استَهزأ المشركون السابقون بالعذاب الذي وَعَدَتْهم به رُسُلُهم، ولكنّ رُسُلهم صبروا على استهزائهم ﴿ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ أي فأحاط بهم العذاب الذي كانوا يَسخرونمنه، فلم يستطيعوا الفرار، (وفي هذا تصبير للرسول صلى الله عليه وسلم على ما يَلقاهُ مِن استهزاء قريش واستعجالهم بالعذاب).

الآية 42: ﴿ قُلْ - أيها الرسول - لهؤلاء المستعجلين بالعذاب: ﴿ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ يعني: مَن يَحفظكم ويَحرسكم - فيليلكم ونهاركم - مِن عذاب الرحمن إذا نزل بكم؟ (والجواب: لا أحد يستطيع أن يَرُدّ عذاب الله عنكم)، إذاً فلماذا لا تتوبون إليه بتوحيده وطاعته؟ ﴿ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ يعني: بل هم عنمواعظ القرآن وحُجَجه مُعرضون، فلا يَستمعون إليها ولا يتفكرون فيها، (وهذا هو السبب في عدم استجابتهم للحق).

الآية 43: ﴿ أَمْ لَهُمْ آَلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا أي تَمنعهم مِن عذابنا؟! ﴿ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ ﴾: يعني إنَّ آلهتهم لا يستطيعون أن ينصروا أنفسهم،فكيف يَنصرون عابِدِيهم؟ ﴿ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَأي ولا يجدون مَن يُنقذهم مِن عذابنا.

الآية 44: ﴿ بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ الكفار ﴿ وَآَبَاءَهُمْ بالأموال والبنين ﴿ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أي حتى طالت أعمارهم وهُم في هذه النعم، فظنوا أنها لا تزول عنهم، واغترَّوا بإمهال الله لهم، واستمَرّوا على كُفرهم، وأعرَضوا عن تدبرّ حُجَج ربهم، ونسوا ما حدث للمكذبين قبلهم، ﴿ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا؟ أي نُنقِص أرض الكفر، (وذلك بإهلاك قرى الكافرين، وبدخول أهل الجزيرة في الإسلام بلداً بعد الآخر، وبفتحبلاد المشركين وإلحاقها ببلاد المسلمين) ﴿ أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾: يعني أيَستطيع كفار مكة الخروج عن قدرة الله تعالىأو الامتناع عن الموت؟! (والجوابُ: لا، بل الله تعالى هو الغالب، حيث مَكَّنَ لرسوله وللمؤمنين فَتْح مكة ودخول كثيرٍ مِن أهلها في الإسلام).

الآية 45: ﴿ قُلْ لهم - أيها الرسول -: ﴿ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ يعني: إنّ العذاب الذي أُخوِّفكم به هو وَحْيٌ أوحاه اللهُ إليّ وأمَرني بإبلاغه لكم، ﴿ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَأي: ولكنّ الكفار لا يسمعون هذا الإنذار سماع تدبُّر وانتفاع، وذلك بسبب حُبِّهم للباطل الذي هم عليه، (لأنّ حُبّ الشيء قد يُعمِي صاحبه حتى لا يرى إلا ما أحَبَّه، ويَصُمَّه بحيث لا يَسمعُ شيئاً غيره).

الآية 46: ﴿ وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ يعني: وإذا أصاب الكفارَ قدْرٌ قليل مِن عذاب الله يوم القيامة ﴿ لَيَقُولُنَّ - صارخينَ نادمينَ -: ﴿ يَاوَيْلَنَا يعني يا هَلاكنا (والمقصود أنهم يَدعون على أنفسهم بالهلاك والموت حتى يستريحوا من هذا العذاب) ﴿ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ أي ظلمنا أنفسنا بالشرك والمعاصي والتكذيب والعناد، فعرَّضناها بذلك للخُسران والعذاب.

الآية 47: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾: أي يضع اللهُ الميزانَ العادل للحساب في يوم القيامة ﴿ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴿ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَايعني: وإنْ كان هذا العمل قدْرَ ذرةٍ مِن خير أو شر: يضعها الله في ميزانصاحبها ﴿ وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ أي: وكفى بالله تعالى مُحصِيًا لأعمال عباده، ومُجازيًا لهم عليها.
♦ ويُحتمَل أن يكون اللهُ تعالى قد ذَكَرَ لفظ ﴿ الْمَوَازِينَ ﴾ بصيغة الجمع، إشارة إلى أنّ لكل عبد ميزان خاص به، ويُحتمَل أيضاً أن يكون ميزاناً واحداً توزن فيه أعمال العباد جميعاً، وإنما يَختلف الوزن باختلاف الأعمال الموزونة، واللهُ أعلم.

الآية 48، والآية 49: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ ﴾: يعني أعطينا موسى وهارون حُجَّةً نَصرناهما بها على عدوهما، وأعطينا موسى كتابًا - وهو التوراة - فَرَقْنا به بين الحق والباطل والشرك والتوحيد، ﴿ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ ﴾: أي: وكانت التوراة نورًا وموعظة يَهتدي بها المتقون ﴿ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ أي الذين يخافون عقابربهم وهُم لا يرونه في الدنيا، فلا يَعصونه بترك واجب ولا بفعل حرام، ﴿ وَهُمْ مِنَ أهوال ﴿ السَّاعَةِ التي تقوم فيها القيامة ﴿ مُشْفِقُونَ أي خائفون حَذِرون.

الآية 50: ﴿ وَهَذَا القرآن هو ﴿ ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أي عظيم النفع لمنقرأه وتذكَّر به، وعَمِلَ بأوامره واجتنب نَواهيه، وقد ﴿ أَنْزَلْنَاهُ على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، (وفي هذا ردٌ على قول المشركين في أول السورة: ﴿ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ، فقد أعطى اللهُ تعالى محمداً القرآن كما أعطى موسى التوراة)، ﴿ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾: يعني أتنكرونه أيها المشركونوهو في غاية البلاغة والوضوح؟!


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 338.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 332.41 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]