الضمـير وكيف نربيه!؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 855074 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389919 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-11-2021, 03:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي الضمـير وكيف نربيه!؟

الضمـير وكيف نربيه!؟
أحمد عبدالله صالح





أما بعد:

فأحبتي الكرام، نقف اليوم وفي النصف الساعة بإذن الله جل وعلا مع درسٍ من دروسِ العقيدة ومنزلةٍ من منازلِ إياك نعبدُ وإياك نستعين.



أقف وإياكم اليوم مع مظهــر من مظاهــر صلاحِ العبد واستقامته، ودليلٍ على كمـال الإيمان وحسـن الإسلام وحسن الخاتمة، إنَّه يقظــةُ الضـــمير.



سببٌ من أسبـاب الأمـن مـن الفـزع الأكبر يـوم القيامة، وسببٌ للفـوز بالجنَّةِ والنجـاة مـن النار.



الضمير الحي الذي يُضفـي على الإنسان نوعـًا مـن السكينة والوقـار، فيُصبحُ عضوًا فاعـلًا في جسـدِ أمته يفعـلُ الخـير ويدعوا إليه وينهى عن الشــرِّ ويجتنبه، لأنه يستشعــر ﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [الزخرف: 80].



لأنه يستشعـر: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].



يستشعر:

﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار 10 – 12].




إذا ما خلوت الدهر يومًا

فلا تقل خلوت ولكن قل عليا رقيبُ


ولا تحسبن ّ اللهَ يغفل ساعةً

ولا أن ما تخفيه عنه يغيبُ






والنفسُ تدعوك لإطـلاق العنان لعينيك؛ لترى في الحـرام وترتعِ في المعصية، استشعر أنَّ نظر الله سبحانه إليك أسبق وأســرع من نظرك إلى المنظـــور إليه.



استشعر: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غـافــر 19].



وأنت قد أوصدت على نفسك النوافـذ وأغلقت الأبواب بعيدًا عن عيون الناس لتصنع مـا يغضب الله.



تذكَّر أنَّ هناك مـن يـراك ويعلم سـرك ونجــواك.



تذكـــر قــول مــن قــال:




وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمةٍ

والنفس داعيةٌ إلى العصيان


فاستحي من نظر الإله وْقُل لها

إنَّ الذي خلق الظلام يراني




إنَّه الضمــيرُ الحي مدرســةُ الرقابة العليا..

الضميرُ الحي الذي يُعلِّـمُ العبد الرقابة بينه

وبين الرقيب الأعلى سبحانه وتعـالـى.

فلا ديـوان للمحاسبةِ يستطيع أن يحاسب!

ولا الــرقـابة الإدارية تستطيع أن تــراقب.!

ولا النيابة العامــة تقوى على ضبطِ الأشياء!



ولا المحاكــم ولا الإدارات بأنواعها تستطيع أن تُعلِّم النَّاس إتقان العمـل!



إنَّما الضمــير وحدَه الذي بينك وبين الله هو الذي يُعلمك كيف تتقن العمل مع الله سبحانه!



وتعالوا معي أحبتي الكرام لنرى ونعرف كيف ربَّى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام!



كيف ربَّاهم؟

لم يربهم على التعلق بالدنيا وما فيها من مالٍ وقصور ودُور.



ولـم يربيهـم فـي الصـالات المغلقة، ولا فــي المنتديـات، ولا فـي المســارح، ولا فـي دور السفهـاء!



إنَّمـا ربَّاهـــم على مبدأ واحد وهـــو:

[أن تعبُد الله كأنَّك تراه فإن لم تكن تراه فإنَّه يـراك].



ولو أننا اليوم بدأنا بما بدأ به عليه الصلاة والسلام في بناء المجتمع وإصلاح الضمائر، لما كان حال المسلمين اليوم في اختلاف وتشرذُم وتمزُّق وتفرُّق، وأحقاد وأنانية وبغضاء وحروب واقتتال؛ لأن الضمير فينا مات وكبَّرنا عليه أربع تكبيرات، وصلينا عليه صلاة الجنازة.



أمَّا الرسول الكريم فلمَّا بدأ، فلم يبدأ ببناء المصانع والمنشآت وتشييد المؤسسات.



ولم يبدأ بإقامة البناء المادي، إنَّما بدأ ببناء النفوس أولًا، وعلى أيِّ شيء بناهـا، بناهــا على قاعـــدة ومـبدأ:

[أن تعبد الله كأنَّك تــراه فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك].



رقابة يستشعر فيها العبد إطلاع الخالق على ظاهرة وباطنة، وعلى سـرِّه وعلانيته.



مراقبة وضميرٌ حي يشملُ مظاهر الحياة جميعها وبكل نواحيها وجوانبها:

ضمير حي في أداء الحقوق المالية.

ضمير حي في الاعتراف بالجريمة وتحمُّل العقوبة.

ضمـير حي في رعايةِ القوانين والأمانات.

ضـمـير حي في السياسة والحكم.

ضمـير حي في التجارة والمعاملات.



ضمـير حي لدى الطالب والمعلم، والمدير والعامل، والمهندس، والدكتور، والفلاح، والعسكري، والنجار، والتاجر، والحداد، والخياط، والكاتب، والناشر، والحاكم والمحكوم، والرئيس والمرؤوس، والذكر والأنثى، والأبيض والأسود، والغني والفقير، والعزيز والذليل.....



فعلى هذا المبــدأ مبدأ يقظـةُ الضمــير ومبـدأ: [أن تعبد الله كأنّك تــراه فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك].



ربَّى الرسول الكريم صحابته الكرام حتى ساروا على وجه الأرض في صحوة ضمير لا مثيل له؛ كالملائكة الأطهار رفعةً وكرامةً وفضلًا ونُبلًا، وحتى كان الضمير فيهم ينادي من منطـق الإيمـان واليقين.



أمَّا اليـوم فقد أصبح الضمـير فينا لا يراعي حرمةً ولا دينـًا ولا أمــانةً ولا صدقًا ولا أخلاقًا، فحـرمات تُنتهك، وحدود لله تتجاوز، ونظـرات زائغة، وأموال تسلب بالحرام دون وجه حق، وأخرى تؤخذ ولو كانت مِن ربًا أو رشوة أو قمارٍ، أو احتيالٍ، ونسينا رقــابة الرقيب الأعلى.



أين نـحن يا كـرام من عـامــر بن قيـس، ذلكم الوفــي الأمــين الذي تربى فـي الجامعة المحمـدية.



ذلكـم الجندي الصادق الذي تحـرَّك الضمير في مملكة قلبه، ونادى من منطـقِ فؤاده.



خـاض هذا الجندي الضرغام معـركة القادسية مع القائد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقاتل في هذه المعركة قتال الأبطال.



ونازل فيها نزالَ الأســود حتى انتهت المعركة، وتكللت بفوزٍ ساحقٍ ونصرٍ مبينٍ ومظفرٍ ومؤزرٍ للمسلمين.



وبعـد المعـركة جـاء هذا الجندي وهو ملثَّم لا يُعرَف، يحملُ بين يديه علبةً مليئة بمـاذا؟



هل مليئةٌ بالحلوى أم بالسكاكر أم بالمكسرات؟! لا لا، إنَّما كانت العلبة مليئةٌ بالجــواهـر الكريمة، جاء بها إلى القائد سعد بن أبي وقاص وقال له:

لقد عثرت على هــذه الجــواهـر!

إنَّها مدرسةُ محمد بن عبدالله.

إنَّها مدرســةُ النزاهة والأمــانة!

إنَّها مدرســةُ الصفــاء والنقــاء.

إنَّها مدرســةُ الطهــر والـوفـــاء!

إنَّها مدرســةُ الــرقابــة العليا!



مدرسـةٌ كُتِبَ على بابها:

[أن تعبد الله كأنَّك تــراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يـراك].



فنظر إليه القـائد سعـد وقـال له:

"وهل أخـذت منهـا شيئــًا؟".



وهـل من المعقـول أن يكـون جيلُ ذلكم الــزمان من خائني الأمانـة؟



هـل يُعقل أن يكـون ذلكـم الجيل الفـريـد الذي أوصـل الإسلام إلى كل أسقاعِ الأرض وأرجـائهـا، وشهـدت لهم قبـورهم بهذا مِمَّــنْ يسرقون أو ينهبـون!



هــل من المعقـول أن يكـون أولئكم الـرجال الذين تـربوا على مائدة القـرآن، وآووا ونصـروا وجـاهدوا في سبيـل الله؛ نصرةً للـدين وحمــايةً للعقيــدة حتى آخـر نفـس من حياتهــم من الذين يأخــذون شيئًا ليس لهـم ولا يَملِكونه!



يقول سعد بن أبي وقاص لهذا الجندي:

"وهــل أخـذت منهــا شيئًا؟".



فقال الجنـدي الأمــين بثبـاتٍ وإيمان:

"والله لولا مخـافـةُ الله مـا جئتكــم بهـا، ولـو كنت أريـد أن آخــذ منهـا شيئــًا مـا أحضرتهـا لكـم".



إنَّه الضميرُ الحــي، الضميرُ اليقظ.

إنَّه الضميرُ المنتبــه، الضميرُ الصـاحي!

الضميرُ الذي يجعل صاحبة يخاف الله ويخشى عقابه.

جندي أملس الكتفــين، خـالـي الـذراعـين مـن الأوسمــةِ والنيـاشـين والرتب،

جنديٌ ليـس على كتفـيه نجمةٌ ولا نســرٌ ولا سيفان.



جنــدي يعـثرُ علي علبـةٍ مــن الجــواهـر الكريمةِ التـي تــركهــا كســرى وكــان يستطيـع أن يبيعها أو يُخفيها أو يتصرف فيها، بعيدًا عن عيـونِ النَّاس، ولكنَّ الذي دفعه إلى أن يسلمها إلى أهلها هو الله، لـم يكـن هنـاك جهـازٌ مـركـزي للمحـاسبـات، ولا جهــازٌ مـركـزي للتعبئـةِ والإحصــاء، ولا جهـازٌ مـركـزي للمــراقبـةِ والتفتيـش، ولا قسـمٌ لمكـافحـةِ التهـريب، ولا نيـابة إدارية، ولا نيـابة أموال عامة، ولا مكتب مبـاحث.



لـم يكن فـي مـدينة رسول الله شــرطــي واحــد، ولا محكمةٌ واحدة؛ لأن الذي كـان يعلمهـم ويجمـع شملهـم، ويطلــع عليهم ويـراقب عليهم هـو الـرقيب الأعلى.



أُعجـب سعـد بن أبي وقاص بنقاء هذا الجنـدي وصدقه وإخلاصه، ووفائه وأمانته ونزاهته، فقــال له: "مــا اسمـك يــا هذا؟".



يريد أن يعــرف اسمه ليضيفه في سجـل التشريفات العامة، ويضعه فـي قائمـة الشــرف الأعلى على قصـرِ كســرى وحتى يعرفه الجميع!



وما أكـثر محبـي الشهــرة!!

ما أكـثر محبـي الظهــور!!



ما أكـثر أولئك الذين يحبون أن تُلمَّـعَ أسماؤهـم على رؤوسِ الصفحـات وعلى شريطِ الشاشات والقنوات وفي الجــرائد والمجـــلات!



ما أكثر الذي يحبون أن تـذاع أسماؤهم وتُعلن على الأرجاء بسبب عمـلٍ قدَّمـوه، أو خـدمةٍ أنجـزوها.
يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28-11-2021, 03:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الضمـير وكيف نربيه!؟

نعـم يقول سعـد:

"ما اسمـك يــا هـذا؟".



فقـال ذلكـم الجنـدي النبيل الصــادق الوفــي:

"والله لا أقـول لكـم اسمـي لتشكـروني، ولا لغـيركم ليقــربـوني أو يحمــدونني،

ولكني أحمدُ الله وأرضـى بثــوابـه".



كــانوا عمليين، كــانــوا صـادقـين، كانوا مخلصين، كانوا أمناءَ أوفياءَ شرفاءَ.



لم يكونوا مهرجين ولا ممثلين ولا مقلدين، ولا نفعيين ولا منافقين؛ لأن الضمـير ومـراقبة الله هـو الذي كان يحكـم، وهو الذي كان يسـود، فسادت الفضيلة، وسادت العدالة والمســاواة، وأخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد، ومَن جَور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعــة الدنيا والآخـرة.



فما أجمل صحوة الضمير ويقظته يا أيها الكــرام، وما أجمل ذلكم الضمير الذي نادى من مملكة قلب نبي الله يوسف عليه السلام حين دعته امرأة العزيز، فقال: ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ [يوسف: 23].



وهو الضمير نفسه الذي جعل ماعز الأسلمي يأتي بنفسه إلى محكمة المصطفى صلى الله عليه وسلم طائعًا مختارًا؛ ليعترف بجريمة الزنا، وليقام عليه حدُّ الله.



وهو ذلكم الضمير الذي جعل عثمان بن عفان يتبرع بكامل قافلته في عام الرمادة، رغم فرصة الربح التي لا تعوض لكنه باعها لله وتركها لله.



وفي هذا العام نفسه (عام الرمادة) الذي أصاب المسلمين فيه مجاعةٌ قاتله جعلت الخليفة عمر بن الخطاب يأمر بذبح جـزور وتوزع علـى فقـراء وجوعـى المدينة، وعند الغـداء يُوضع على مائدة الخليفة عمر ويقدم أمامه أشهى ما فيها من لحـمٍ وطعـام، فلمَّا رأى الفـاروق ذلك قال: من أيـن هــذا؟



فقالوا له: إنَّه من الجـزور الذي أمـرت بذبحه وتوزيعه للناس اليوم.



فقال الـزاهـد التقـي الـورع!!



قال الخليفة العادل: بـخٍ بـخ، بئس الوالي أنا إن أكلت طيبها وتركتُ للناس كراديسها، ثم أزاح الطعــام الذي أمامه بيمينه وقال: "يا أسلـم، ارفـع عني هذا الطعام، وائتني بخبزي وزيتي، فـوالله إن طعامكم هذا عليَّ حـرام حتى يشبع منه فقــراء المسلمين".



يوم اشتهت زوجته الحلوى قال لها:

من أين لي ثمنُ الحلوى فأشريها، ما زاد عن قوتنا فالمسلمين به أولى، قومي إلى بيتِ المال رديها،

كذاك أخلاقه كانت وما عهدت بعد النبوة أخلاقٌ تحاكيها.



أقول مـا سمـعتم، واستغفروا اللـَّه لـي ولــكم من كل ذنـب، فيـا فوز المستغفرين، ويا نجاة التائبين.



الخطبة الثانية

أمَّا بعد إخواني الكــرام، فحديثنا اليوم يدور حول موضوعٍ مهم للغاية، إنه (الضمــير وكيف نربيه)،



الضميرُ الذي إذا ما اختفى أو مات من حياة النَّاس، ستجد من يُعطيك شهادة تعليمية دون أن تدرس يومًا واحدًا، ستجد شاهد يبيع‎ ‎ضميره ويزوِّر أحداث شهادته، وحوَّل الظالم إلى مظلوم‏‎‎ والمظلوم إلى ظالم،



ستجد طبيبًا يُهملُ معالجة مرضاه في المستشفى؛ ليضطرهم للذهاب إلى عيادته الخاصة، ستجد من يخون أمته ويبيع وطنه ويدمِّر مجتمعه، نعم، عندما يباع الضمير ستجد الموظف يرتشي، والكاتب يزوِّر، والجندي يُخلُ في عمله، والطبيب يُهمل في علاج مريضه، والمعلم يُقصر في واجبه، والقاضي يظلم في حكمه، والمرأة تفرط في واجباتها الأسرية، والتاجر يغش ويحتكر في تجارته، عندما يباع الضمير تُهملُ الواجبات، وتَضيع الحقوق والأمانات، ويُوسَّدُ الأمرُ إلى غير أهله، وتظهر الخيانات، وتُحاكُ المؤامرات، وتُقدم المصالح الشخصية الضيقة على مصالح المجتمع والأمة.



عندما يباع الضمير، تغفو العقول، وتثورُ الأحقاد، وتتعطل إنسانية الإنسان وتفقد حواسه قيمتها، ويغدو صاحب عقلٍ لا يفقه وصاحب عينٍ لا تبصر، وصاحب أذن لا تسمع: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام: 122].



أحبتي الكــرام، في إحـدى الأيام أراد الخليفة الفاروق عمر بن الخطـاب رضي الله عنه أن يختبر ويقيس ضمير الرعية، فخرج في ثـوبٍ تنكُّري، وكان عمر يلبس ثوبًا كأحــد الـرعية بلا نقوش ولا نياشين ولا أوسمـة.



وكان يخـرج بلا مواكـب وبلا حــرس أو جنود أو درجات نارية أو طوابير أو هيلمان، فخرج ليستطلع ضمير الأمة هل أصابه الغش؟



وهل أصابته الخيانة؟ أو أصابته الانحرافات!



فوجد راعيًا يرعى غنمًا، فقال له الفاروق مختبرًا إياه والراعـي لا يعرف أنَّه الخليفة عمر، فقال له:

"يا هذا اعطنا غنمــةً نتغدى عليها اليوم"، فقال له الراعي: يا هــذا إنَّها ليست ملكًا لي، وإنَّما هي مِلْكٌ لسيدي وأخاف إن تصرفت فيها أن اكـــون بذلك قد خنت الأمــانة والله يقــول:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].



إنَّه درسٌ مهـم من راعي غنم لكل مـن أحيط بأمانةٍ، فخانها وتساهل فيها وفــرَّط فيها.



فقال له عمر: سأُعطيك ثمنها دنانير مـن ذهب ودراهــم مـن فضة.



ظـنَّ عمر أنَّ للذهب رنينًا يخـدع القلوب ويأسِر الأرواح، ويسحـر النفوس، وأنَّ للفضة بريقها الذي تنخلـع لها الأفئدة.



فماذا قال الراعـي؟!

ومـاذا لو كان واحدًا من أولئك الذين لا ضمـير لهم ولا أمانة ولا ذمـة ولا خــوف من الله.



قال الراعي: ومــاذا أقــول لسيدي لو سألني عنهـا!

قال عمر: إذا سألك عنها فقل له: أكلها الذئب!



فقال الراعي الأمين بلسان الإيمان والضمير الحي: "يا هـــذا إذا كــذبت علـى سيدي الأصغــر فأين الله، أين الله؟!



فــأين الله يا مــن تأخذ خلسةً حــقَّ غيرك؟

أيــن الله يـا مــن تفــرِّط في أمانـات النَّاس؟!

أين الله يا مــن تتعامــل بالربا؟

أين الله يا مـن تتاجــر بالحــرام؟

أين الله يا مــن ترتكب كل ما حـرَّم الله؟!



أين الله يا مــن تخاف من نظر المخلوق ولا تخاف من نظــر الخالق جل جلاله؟!



لقــد وقــف الفاروق عمـر أمـام صخـرةٍ صلبة مـن الفـــولاذ الــرقابي!



وقـف الفاروق أمــام يقظـة ضمير وسلامـةِ قلب كأنَّه طائـر ناحل الجناحين!



وقـف الفاروق أمــام ضميرٍ عمـلاق وأمــام جبلٍ أشـمَّ مـن جبال الخـوف والمراقبة والضمير الحي.



ولقـد كان هذا الموقـف سببًا في أن عمر بن الخطاب يشتري هـذا الراعي من سيده ويعتقه، بل يشـتري له الأغنام ويقــول له: "لقد أعتقتك هـذه الكلمة مِن رِقِّ الدنيا، وأسال الله أن تنجيك مـن عـــذاب النار يـوم القيامة".



فليس الضمــير يا أيها الكرام، خطبًا تُلقـى، ولا دروسًا تُلقَّن.

وليس الضمــيرُ قصورًا ترفَع.

ولا مصانع تبنى، ولا شركات تُشيَّد.



إنَّمـا الضمــير كُل الضمــير هــو الـذي يقــوم علــى مبــدأ:

[أن تعبد الله كأنَّك تــراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يـــراك].



يقـــوم علــى مبــدأ:

﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾ [الشعراء: 218، 219].



يقـــوم علــى مبــدأ:

﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الملك: 13].



يقـــوم علــي مبــدأ:

﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 7].




ثم اعلمــوا أنَّ الله أمركــم بأمــرٍ بدأ به نفسه وثنـى به ملائكته المسبحــةِ بقدسه، وثلَّثَ به عبــاده من جنِّـه وإنســه، فقــال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 79.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 77.59 كيلو بايت... تم توفير 2.36 كيلو بايت...بمعدل (2.95%)]