يا نشء أنت رجاؤنا - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         غزوات أمراء الأندلس في فرنسا هل كانت مغامرات عسكرية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          إسرائيل وإيران.. قراءة في السياق التاريخي وانعكاساته المعاصرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الصلاة والرزق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          قيام الليل يجعلك قريبا من رب العالمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          نعمة العقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 23 - عددالزوار : 2153 )           »          ابدأ بنفسك أولاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          طوق النجاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          شرح النووي لحديث: وأيم الله إن كان لخليقا للإمرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-11-2021, 03:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,858
الدولة : Egypt
افتراضي يا نشء أنت رجاؤنا

يا نشء أنت رجاؤنا


محمد بن حسين حداد الجزائري


أيّها الطّالب الجزائريّ الحبيب؛ إنّي راوٍ لك قصّةً فتأمّلْها واحفَظْها، فإنّك قد لا تَجدُها عند غيري ولا أظنّ أنّك لها واجد، ذلك أنَّ طريقَها عزيزٌ غريب، وراويها قد واراه مَأوَى كلِّ غريب، حتّى تعلمَ أنَّ جملةَ الإمامِ عبد الحميد ابنِ باديس - رحمه الله - الّتي جعلتُ صَدرَها عُنوانًا لهذا المقال، ما خَرجَت على لسانِه إلاّ بعدما اقْتاتَتْ مِن قَلبِه اقْتِياتًا يَكشِفُ سِرَّ خُلودِ الرّجلِ وكلماتِه، لتَعْقِلَ بعد ذلك ضرورةَ أنْ تجدَ الجملةُ مكانًا في قلبك.


فضيلةُ الشّيخ لخْضْر جْبْروني -رحمه الله-، كان رجلاً مِن روّادِ مسجدِ حيّي بوسط عاصمة الجزائر، وهو أحد تلامذَةِ ابن باديس الّذين عاصرتُهم واكْتَحَلتْ عَيْني برؤيتِهم، سُئل يومًا مِن بعضِ إخواني طلبةِ العِلم، عنْ بعضِ ما شهِدَه مِنْ مواقفِ الإمام وبقيَ خالدًا في ذِكراه؛ فأجابه بالحديثِ عمّا رآه بعينِه وسَمِعَه بأذُنِه قائلاً: جاءَ الإمامُ ابن باديس - رحمه الله - يومًا إلى الجامعِ الأَخضَرِ بقَسَنْطِينَة لإِلقاءِ درسِه المُعتاد في تفسيرِ القُرآنِ الكريم، حتّى إذا وصلَ عِند عَتَبَة بابِ الجامع؛ وقفَ هُنَيَّةً يَنظر إلى داخِلِه وقد غَصَّت مِساحِتُه بالطُلاّبِ والمتعلّمين يَنتظِرونَ الدَّرس، مُتزاحِمَةً رُكَبُهم، مُشرئِبَّةً أعْناقُهُم؛ ثمّ يُجاوِز الإمامُ العَتَبةَ قاصدًا كرسيَّ درسِه، فإذا به وهو يَمُرُّ إلى مَجْلِسِهِ وَسَطَ الجُموعِ المُتشوِّقَةِ إلى العِلم، يُرَدِّدُ بِصوتٍ مسْموع، مُتهلِّلَ الوَجهِ، مُغْرَوْرقَ العَيْن، قائلاً:
يَا نَشْءُ أنتَ رَجاؤُنا ♦♦♦ وبك الصّباح قد اقترب


رحمكَ الله أيّها الإمام وطيّب ثَراكَ، وجَعَل الجنّةَ مُتقلَّبَكَ ومَثْواكَ؛ فكم أحيَيْتَ مِن قلوبٍ، وكم حرَّرْت مِن عُقول، فجَعلتَ مِن أصحابِها أنوارًا للمهتدين، ونيرانًا على المُعتدِين.


رائِعةٌ مِن روائعِ الشّيخِ العلاّمةِ المُصلِح الإمام عبد الحميد ابن باديس الّتي خلّدَها في ضوءِ سراجِه، سراجٌ رَسَمَ هذا البيتَ وما قبلَه وما بعده، وإنّما انْتَقَيْتُه دون بقيّة الأبيات لقوّتِه ومباشرتِه الخطاب؛ وُجِّه للنّشء الّذي عاصرَ الإمام، ولا يزال مُوجَّهًا إلى كلٍّ ناشِئٍ مُمَيِّزٍ عاقل، فكأنَّما كُتبَ على لوحةٍ سماويَّةٍ تُظِلُّ مَن تحتَها، فلا يَستطيع أحد لها مَسحًا ولا طَمْسا، بيتٌ قد حَفظْتَه أيّها النَّشءُ كما حَفظَه سابِقوك؛ بل رَسَخَ في حافِظَتِك وذاكرتِك رُسوخًا قويًّا لا يتَزعزَعْ، فأنت المُردِّدُ والمُنشِد إيّاه رِدْحًا مِن زَمَنٍ لا يزالُ يمضي بكَ على مقاعدِ الدّراسة.


فبارك اللهُ في هذه الحافظةِ والذّاكرة الّتي وَجَدَتْ فيها العلومُ والأنوار مُتَبَوَّئًا.
لكنَّني أسْتَسْمحُكَ أيّها الطّالبُ العزيز سائلاً: هل وجَدَتْ تِلك الكلمات مع رُسوخِها الذِّهني، مكانةً في قلبك ووعيًا مِن عقلِك؟ أم هي مجرّد حروفٍ تُردَّدُ وعباراتٍ تُلفَظ، لا تكاد تُجاوِزُ حنجرتك؟!


وليس لمِثلِك بدينِك وجزائريّتِك أنْ يكون حَظَّه مِن البَيْتِ التَذكُّرُ على حسابِ التَدبُّرِ، والمَباني على حساب المَعاني، والتَّسْلِيةُ على حساب التَّحْلِية، ذلك أنَّ البيتَ قد خرجَ مَخْرَجَ الوصيّةِ للأبناء والأحفاد، مُتجاوزًا المعنى الضيّق للوصايا الّتي تُراعَى فيها عادةً الأمور الماديّة؛ بل هي وصيّةٌ ذهبيّةٌ مِنْ رَجلٍ ربّاني إلى أجيالٍ متعاقبةٍ عبرَ أزمنةٍ مُتلاحقة، قد جاءت لغتُها سهلةَ العبارة واضحةَ المعنى؛ فالمُخاطَب هم الطلاّبُ والشّباب الّذين تَرجو منهم أمّتُهم رَفعَ الجهلِ عنها والذلِّ الّلذين يُشَبَّهان عادةً باللّيل والظّلام، فيكون اجتهادُهم وسعيُهم لتحقيق هذه الرّسالة النّبيلة، صباحًا يقتربُ فيبزُغ فجرُه بعد ليلٍ دامِج، و يُضيءُ نورُه بعد ظلامٍ دامِس؛ بل يزدادُ اقترابًا كلّما قويَ الاجتهادُ وزادَ السّعي، حتّى يُؤسَّسَ لأسبابِ عِزَّةِ الأمّة وتمكينِها.


فلا تجعلْ نفسَك أيُّها الطّالبُ الغالي استثناءً مِن المُوصَى إليه وفيه؛ بل أنت المُخَصَّصُ والأَولى بالوصيّة، ما توجَّه إليكَ الخِطاب قراءةً منك أو اسْتِماعا، بعدما أضحى لغيرك خبرًا ولكَ إنشاءً.


أيّها الطّالب البارّ؛ والله لقد حَرَّك موقفُ الإمام في نفسي أشْجانًا واسْتَدرَّ مِنّي دموعًا، فهلاّ وَجَد ذلك مِنكَ -على الأقلّ- تأمّلاً في كلماتِه وأخْذًا العبرةَ منها، فإنّها رسالةٌ ستنفعك أكثر مِن مئات الرّسائل، إذا كان لكَ قلبٌ وألقيْتَ السّمعَ وأحسنْتَ الوفاء.


وهذه بلادُك الجزائر؛ قد خَلَتْ مِن المُسْتدْمِرين بجُهدِ العلماءِ المُصلحين وجهادِ الأبطالِ الغيورين -بعد فضل اللهِ سبحانه-، فإذا هي أرضٌ حُرَّةٌ غَنَّاء تُكْرِم وتأوي أهلَها، بعدما سُقِيَت جنّاتُها دمًا وعَرَقا؛ فحافظْ أيّها الوَلَد على يومِها وغَدِها، كما حَافظ أولئك على أَمْسِها وماضيها، وستجدها كريمَةً مِعطاءةً، ما أكرمتَها وأعطيتَها تفكيرَكَ وجُهدك في تثبيتِ رايةِ الإسلام والتّوحيد عليها، وتأسيسِ أسبابِ التفوّق الحضاري فيها.


ألا لا تُشغِلنَّك سَفاسِفُ الأمورِ وهَنّاتُ الطّريق عن الوصيّةِ والمُضيِّ في تحقيقِها! فَكُنْ كالعَلْياءِ والجبل الشّامخ، وإيّاكَ أنْ تلتفتَ لنداءٍ خَبيث، أو تُجيبَ دعوةَ مفرِّق، أو تنظرَ إلى بريقٍ مُغري.
فلا يزال الرّجاء مُعَلَّقٌ فيك للقيامِ على ما يَحفظُ دينَك ويَنهَض بوطنِك، حتّى يَكتبَ اللهُ على يَديْك إشراقًا بعد ليلةٍ ظَلْماء، وحياةً بعد موتٍ على الرَّمْضاء، وفَرَجًا بعد شِدَّةٍ ولأْواء.


كن خير خلف لخير سلف:
وإنّي داعٍ أنْ يحفظَكَ اللهُ - سبحانه - ويوفِّقَكَ إلى ما يُحبُّ ويرضى، وأنْ يحَبِّبَ إليكَ الإيمان ويزَيِّنَه في قلبِك ويَجعلَك مِن الرّاشدين، وأسألُه - تعالى - أنْ يَقيك الشّرورَ والفِتن ويرفعَ بك الهموم والمِحن، ويقيمَ بك الدّينَ ويُحقِّقَ على يديك رجاء أمّةِ سيّد المُرسلين.



أيّها الطّالب الحبيب العزيز الغالي...؛ يا نشءُ أنت رجاؤُنا، و بك الصّباح قد اقترب...

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 51.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.34 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (3.34%)]