دروس وعبر من غزوة أحد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كشف القناع عن بلاد الأحلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          عليكم أنفسكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          النهايات اللائقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          6 وسائل للتعامل مع أزمات أمتنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الأسرة وحدة نهوض للمجتمع والحضارة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4422 - عددالزوار : 859998 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3954 - عددالزوار : 394326 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216361 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7848 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 70 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-03-2024, 01:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,079
الدولة : Egypt
افتراضي دروس وعبر من غزوة أحد

دروس وعبر من غزوة أحد (1)
د. أمير بن محمد المدري

الحمد لله الذي اصطفى لمحبته الأخيار، فصرف قلوبهم في طاعته ومرضاته آناء الليل وأطراف النهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مقلب القلوب والأبصار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الأطهار، وعلى جميع أصحابه الأخيار، ومن سار على نهجهم ما أظلم الليل وأضاء النهار.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

عباد الله: من وسائل النصر المبين والعزة والتمكين في الدنيا، والفوز في الآخرة الرجوع إلى سيرة وسنة الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- وكلما مر علينا رمضان تذكرنا غزوة بدر الكبرى، يوم انتصر الحق وأهله، وخذل الله الباطل وحزبه ووقفنا مع دروسها وعبرها، وكلما مر علينا شهر شوال تذكرنا غزوة أُحد، واليوم سنعيش وإياكم في هذه الدقائق الغالية معها نعيش في ظلالها، ونستلهم الدروس والعبر منها.

إنها الغزوة التي وقعت في الخامس عشر من شهر شوال من السنة الثالثة من الهجرة.

إنها الغزوة التي أنزل الله على إثرها آيات تُتلى إلى يوم الدين، فنزلت ثمانٍ وخمسون آية من سورة آل عمران، تتحدث عنها.

إنها غزوة أحد:
التي تعلّم منها المسلمون أنه ينبغي أن تكون الشدائد والمحن في كل زمان فيصلا لتمييز المؤمنين، وفضح المنافقين.

غزوة أحد:
التي فيها دروسًا للأمة جمعاء في حياتها ومعاملاتها، ولعل دروس النكبات والهزائم أعظم أثرا من غيرها في كل وقت وحين.

غزوة أحد:
مع ما وقع فيها من الشهداء والجروح، وما حوته من النوازل والأزمات، إلا أنه يصدق فيها قوله تعالى: ﴿ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾.

أول هذه الدروس أثر الذنوب و المعاصي في النصر والهزيمة:
في غزوة أُحد ظهر أثر المعصية والفشل والتنازع في تخلف النصر عن الأمة، فبسبب معصية واحدة خالف فيها الرماة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبسب التنازع والاختلاف حول الغنائم، ذهب النصر عن المسلمين بعد أن انعقدت أسبابه، ولاحت بوادره، فقال - سبحانه -:
﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا ومِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ولَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 152].

تأمل يا رعاك الله قول الحق سبحانه:
﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا ﴾كيف نُهزم وفينا رسول الله، كيف يقع بنا وقع في أُحد وفينا خير الخلق. قال تعالى مجيبًا عليهم:﴿ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165].

وهم من هم صحابة رسول الله؛ فكيف ترجو أمة عصت ربها، وخالفت أمر نبيها، وتفرقت كلمتها أن يتنزل عليها نصر الله وتمكينه؟. وبالمعاصي تدور الدوائر، ففاضت أرواح في تلك الغزوة بسبب خطيئة.

عباد الله: أمةٌ لا تصلي الفجر لا تستحق النصر، ما دمنا متنازعين متقاطعين، كلٌ يحقد على أخيه ويتمنى زواله، وربما يقتله بسبب الثأر أو المماحكات السياسية والمذهبية والدنيا فعون الله ورحمته ونصره بعيدٌ عنا.

خرج أبونا آدم من الجنة بمعصيته، و«دخلت امرأة النار في هرة»، ما الذي أهلك الأمم السابقة وطمس الحضارات البائدة سوى الذنوب والمعاصي.

قال تعالى: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا ومِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ومِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ ومِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ومَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ولَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40].

المعاصي سبب كل عناء، وطريق كل شقاء، ما حلّت في ديار إلا أهلكتها، ولا فشت في مجتمعات إلا دمرتها وأزالتها، وما أهلك الله تعالى أمة من الأمم إلا بذنب، وما نجى وما فاز من فاز إلا بتوبة وطاعة.

قال تعالى: ﴿ ومَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].

رأيتُ الذنوب تُميتُ القلوب
وقد يُورث الذُل إدمانها
وتركُ الذنوبُ حياةُ القلوب
وخيرٌ لنفسك عصيانها


فالزم يا عبد الله الطاعة والعبودية، يؤخذ بيدك في المضايق، وتُفْرَج لك الشدائد.

الدرس الثاني من هذه الغزوة خطورة إيثار الدنيا على الآخرة:
وهذه الغزوة تعلّمنا كذلك خطورة إيثار الدنيا على الآخرة، وأن ذلك مما يفقد الأمة عون الله ونصره وتأييده، أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- خمسين من الرماة أن يبقوا على الجبل ليحموا ظهورهم، ولا يغادروا الموقع، وقال لهم: "ابقوا مكانكم حتى لو تخطفتنا الطير، لا تغادروا موقعكم"، فلما لاحت في أول المعركة بوادر النصر للمسلمين، قال الرماة: «أدركوا الناس ونبي الله، لا يسبقوكم إلى الغنائم، فتكون لهم دونكم» وقال بعضهم: «لا نبرح حتى يأذن لنا النبي -صلى الله عليه وسلم-» فنزلت: ﴿ مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا ومِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ﴾ [آل عمران: 152].

نعم إنها الدنيا، قد يبيع الإنسان دينه وخلقه من أجلها، يحب ويوالي ويناصر وربما يقاتل من أجلها؛ فتبًا لعبد الدنيا وشهواتها.

﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ ولَهْوٌ وزِينَةٌ وتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ والأَوْلادِ ﴾ [الحديد:20]

وقد حذر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أمته من الاغترار بالدنيا، والحرص الشديد عليها في أكثر من موضع، وذلك لما لهذا الحرص من أثره السيئ على الأمة عامة وعلى من يحملون لواء الدعوة خاصة.

الدرس الثالث ويتخذ منكم شهداء:
ومن الحكم والدروس إكرام الله بعض عباده بنيل الشهادة، التي هي من أعلى المراتب والدرجات.

الشهادة رتبةٌ عظيمة ومنزلةٌ عالية لا يُلقّاها إلا ذو حظٍّّ عظيم، ولا ينالها إلا من سبق له القدر بالفوز المقيم، وهي الرتبة الثالثة من مقام النبوة، كما قال تعالى: ﴿ ومَنْ يُطِعْ اللَّهَ والرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ والصَّالِحِينَ وحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء:69].

وقد صح في الحديث: "أن الشهيد لا يفضله النبيون إلا بفضل درجة النبوة".

أيها المؤمنون: إن الشهداء أنواع لكن ليسوا في الرتبة سواء أعلاهم: الشهيد في سبيل الله، وهو من أهريق دمه وعقر جواده.ولهذا ذكر ابن حجر خمسة عشر نوعا للشهادة ومنها: المطعون الذي يموت بالوباء، والطاعون مثل كورونا إذا كان صابرا محتسبا فله أجر الشهيد، والحريق والغريق وصاحب الهدم، والمرأة تموت وهي تلد وغيرهم.

ولما علم المؤمنون أجر الشهيد، وما له عند الله من المنزلة العظيمة وان أقرب طريق إلى الجنة الشهادة طلبوها، بل بذلوا أنفسهم رخيصة في سبيل الله.

الشهيد أي شهيد إنه الذي يقاتل من أجل الله، ودين الله، وعرضه ووطنه، لا يقاتل من أجل فلان وآل فلان، أو الجهة الفلانية، ومن شهداء غزوة أُحد.

مصعب بن عمير رضى الله عنه:
كان من أنعم فتيان مكة شبابا وجمالا وتيها، وكانت أمه غنية كثيرة المال تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وأرقه، وكان أعطر أهل مكة، ولكنه آثر الآخرة على الدنيا، ولقد أثبت مصعب بن عمير أنه خير سفير للإسلام اعتمده النبي -صلى الله عليه وسلم- لدى أهل يثرب، فقد قام بمهمته خير قيام قُتل يوم أحد، ولم يترك إلا بردة، إذا غطوا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطوا رجليه بدا رأسه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «غطوا رأسه، واجعلوا على رجليه الإذخر» أي العشب.

ومن حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أُحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، فوقف عليه ودعا له ثم قرأ هذه الآية:
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه» [ المستدرك «3/ 200» صحيح الإسناد ووافقه الذهبي].

ومن الشهداء سعد بن الربيع رضى الله عنه:
لما انتهت معركة أحد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من رجل ينظر ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء هو أم في الأموات»؛، فقال أُبي بن كعب رضى الله عنه وفي رواية زيد بن ثابت رضى الله عنه: أنا أنظره لك يا رسول الله، فقال له: «إن رأيت سعد بن الربيع فأقرأه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-كيف تجدك؟ » فنظر أُبي فوجده جريحًا به رمق، فقال له: إن رسول الله يقرؤك السلام -صلى الله عليه وسلم- ويقول لك كيف تجدك؟، فقال: " على رسول الله وعليك السلام، قل له: يا رسول الله اني أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عُذر لكم عند الله إن خلُص إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفيكم شَفْرٌ يطرف" قال: وفاضت نفسه وهو يهم ويفكر في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ومنهم عبد الله بن جحش رضى الله عنه:
قال سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه: إن عبد الله بن جحش قال له يوم أحد: ألا تدعو الله، فخلوا في ناحية فدعا سعد فقال: يا رب إذا لقيت العدو، فلقِّني رجلًا شديدًا بأسه، شديدًا حرده، أقاتله ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله، وآخذ سلبه، فأمن عبد الله بن جحش، ثم قال: «اللهم ارزقني رجلًا شديدًا حرده، شديدًا بأسه، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا، قلت: من جدَع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول صدقت» قال سعد: كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرًا من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلقان في خيط وفي هذا الخبر جواز دعاء الرجل أن يقتل في سبيل الله، وتمنيه ذلك وليس هذا من تمني الموت المنهي عنه [زاد المعاد «3/ 212»].

ومن الشهداء حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حمزة بن عبد المطلب، وقد مثِّل به المشركون؛ فجدعوا أنفه وبقروا بطنه، وقطعوا أذنيه حزن حزنًا شديدًا، وبكى حتى نشغ من البكاء، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لولا أن تحزن صفية، ويكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلًا منهم»، فلما رأى المسلمون حزن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغيظه على من فعل بعمه ما فعل، قالوا: والله لئن ظفرنا الله بهم يومًا من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب(3)، فنزل قول الله تعالى: ﴿ وإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ولَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ [النحل: 126].فقال الحبيب بل اصبر. فعفا وصبر وكفَّر عن يمينه، ونهى عن المثلة.

ولما رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أحد سمع نساء الأنصار يبكين قتلاهن فقال: «لكن حمزة لا بواكي له» فبلغ ذلك نساء الأنصار فبكين حمزة فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم استيقظ وهن يبكين فقال: «يا ويحهن، مازلن يبكين منذ اليوم فليبكين، ولا يبكين على هالك بعد اليوم» وبذلك حُرّمت النياحة على الميت.

ومن الشهداء حنظلة بن أبي عامر -رضي الله عنه- «غسيل الملائكة»:
جاء في رواية الواقدي: وكان حنظلة بن أبي عامر تزوج جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول، فأدخلت عليه في الليلة التي في صبحها قتال أحد، وسمع منادي الجهاد يا خيل الله اركبي فترك زوجته - وكان قد استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيت عندها فأذن له، فلما صلى بالصبح غدا يريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاتل في أُحد -رضي الله عنه- حتى استشهد فوجد الصحابة رأسه يقطر منه الماء فاستغربوا فسألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فاسألوا أهله ما شأنه؟ » فسألوا صاحبته عنه فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فلذلك غسّلته الملائكة».


وفي رواية فقال -صلى الله عليه وسلم-: «إني رأيت الملائكة تغسله بين السماء والأرض بماء المزن، في صحاف الفضة».


عباد الله: بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.


عباد الله: ومن شهداء أُحد عبد الله بن عمرو بن حرام -رضى الله عنه -:
رأى عبد الله بن عمرو رؤية في منامه قبل أحد قال: رأيت في النوم قبل أحد، مبشر بن عبد المنذر يقول لي: أنت قادم علينا في أيام، فقلت: وأين أنت؟ فقال: في الجنة نسرح فيها كيف نشاء، قلت له: ألم تُقتل يوم بدر؟ قال: بلى ثم أحييت، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذه الشهادة يا أبا جابر وقد تحققت تلك الرؤيا بفضل الله ومنه.

وقال لابنه جابر: «ما أراني إلا مقتولًا في أول من يقتل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإني لا أترك بعدي أعز علي منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن على دينًا فاقض واستوص بأخواتك خيرًا »، وخرج مع المسلمين ونال وسام الشهادة في سبيل الله، يقول جابر: لما قُتل أبي يوم أحد، جعلت أكشف عن وجهه وأبكي، وجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلمينهوني وهو لا ينهاني، وجعلت عمتي تبكيه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تبكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه» [البخاري رقم 1351].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا جابر ما لي أراك منكسرًا؟ » قال: يا رسول الله، استشهد أبي وترك عيالًا ودينًا، قال صلى الله عليه وسلم: «أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ » قال: بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم يا جابر: «ما كلَّم الله أحدًا قط إلا من وراء حجاب، وكلم أباك كفاحًا، يا جابر أما علمت أن الله أحيا أباك فقال: يا عبدي، تمنَّ عليّ أعطك، قال: يا رب تحييني فأُقتل فيك ثانية، فقال الرب سبحانه: إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قال: يا رب.. فأبلغ من ورائي» [صحيح ابن ماجة للألباني، رقم 190 «2800»] فأنزل الله تعالى: ﴿ ولاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾[آل عمران: 169].

ومن الشهداء عمرو بن الجموح - رضى الله عنه-:
كان عمرو بن الجموح -رضي الله عنه- أعرج شديد العرج، قد جاوز الخمسين، وكان له بنون أربعة مثل الأُسْد يشهدون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المشاهد، وهم خلاد ومعوذ ومعاذ وأبو أيمن، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه، وقالوا: إن الله -عز وجل- قد عذرك، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلمفقال: إن بنيّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه وللخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أما أنت فقد عذرك الله تعالى فلا جهاد عليك» وقال لبنيه: «ما عليكم ألا تمنعوه، لعل الله أن يرزقه الشهادة» فخرج وهو يقول مستقبل القبلة: اللهم لا تردني إلى أهلي خائبًا فقتل شهيدًا.

وفي رواية أتى عمرو بن الجموح -رضي الله عنه-إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة، وكانت رجله عرجاء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «نعم» يوم أحد فمرَّ عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنّة" [ رواه أحمد وحسنه الألباني في كتابه أحكام الجنائز ].

اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك وبطاعتك عن معصيتك.

اللهم قوي إيماننا وارفع درجاتنا وتقبل صلاتنا يا رب العالمين.

هذا وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى وصحبه من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-03-2024, 02:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,079
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس وعبر من غزوة أحد

دروس وعبر من غزوة أحد (2)
د. أمير بن محمد المدري

الحمد لله - تبارك وتعالى - يقضي بما شاء، ويفعل ما يريد، وربك يخلق ما يشاء ويختار، أحمده - سبحانه - وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خير من سعى وطاف، وأفضل من بكى لله وخاف، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فاتّقوا الله رحمكم الله، وتوبوا إليه واستغفروه، واعلموا أنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا ارتفع إلا بتوبة، فانصُروه ينصرْكم، واذكروه يذكركم، واشكروه يزدكم، وأطيعوه يُثبْكم، فهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير.

وبعد:
ما أجمل وما أحرى أن نعيش مع نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أن نحيا مع سنته و سيرته و غزواته -صلى الله عليه وسلم- ومسيرته في الدعوة سلما وحربا، فقد كانت حياته -صلى الله عليه وسلم- مدرسة لهذه الأمة يتعلم فيها كل مسلم من واقع سيرته -صلى الله عليه وسلم ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].

غزوة أُحد دروس وعبر، هذا هو اللقاء الثاني مع هذه الغزوة المباركة.

كان الدرس الأول المعاصي سببٌ رئيس للهزيمة، قال تعالى ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ [آل عمران: 165]، والدرس الثاني: حب الدنيا من أهم أسباب النكوص والتعثر قال تعالى: ﴿ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ﴾ [آل عمران: 152]، الدرس الثالث: فضل الشهادة والشهداء.

الدرس الرابع من هذه الغزوة المباركة: ولا تنازعوا:
في الفُرقة والنزاع تُبعثَر الجهود، وضياع البركة وتسلط الأعداء، وفي الأُلفة والاتفاق صفاء القلوب، ونزول الرحمة من علام الغيوب؛ فلنحذر من تفرق الكلمة واختلاف القلوب، فهما الهزيمة، قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]، و قال تعالى: ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 105].

الدرس الخامس في هذه الغزوة سنة الله في الصراع بين الحق والباطل:
فقد جرت سنة الله في رسله وأتباعهم أن تكون الحرب سجالًا بينهم وبين أعدائهم، فيدالوا مرة ويدال عليهم أخرى، ثم تكون لهم العاقبة في النهاية، ولئن انتفش الباطل يومًا وكان له صولات وجولات، إلا أن العاقبة للمتقين، والغلبة للمؤمنين، فدولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، و ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81]، ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء: 18]، سُنّة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.

فقد صَبَر النبي -صلى الله عليه وسلم-على الأذى والجراح، حتى دخل الناس أفواجًا في دين الله.

أبو سفيان في أُحُد يقود المشركين، وشعاره: "اعلُ هُبل"، وفي فتح مكة يقول: "لا إله إلا الله". ووحشي يقتل حمزة، ثم يُسلم ويقتل مُدعي النبوة مسيلمة الكذاب.

خالد بن الوليد يقود خيَّالة الكفر، وقُتِل على يديه فضلاء الصحابة، ولما شرح الله صدره للإسلام، أتى يبايع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال: يا رسول الله، إني أشترط أن تُغفَر زلتي، فقال: «يا خالد، أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن التوبة تجُبُّ ما قبلها».

وأصبح سيف الله المسلول فاتح فارس والروم؛ فسبحان الهادي.

فلا تحتقر أحدًا لمعصيته وتقصيره، قد يهديه الله وتزيغ أنت، واحذر على نفسك التقلب، «فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء». وردد: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].

والجنة عزيزة غالية لا تُنال إلا على جسر من المشاق والمتاعب، والنصر الرخيص السهل لا يدوم، ولا يدرك الناس قيمته، ولذلك قال الله تعالى ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 142].

الدرس السادس لا بُد من الأخذ بالأسباب:
النصر والفرج والشفاء عباد الله لن يأتي بالدعاء فقط، فلسطين وكل أرضٍ مسلوبة محتلة لن تعود الى المؤمنين بالدعاء والبكاء في المنابر والمحاريب فقط لا بد من الأخذ بأسباب النصر المادية والمعنوية مع التوكل على الله والاعتماد عليه، فقد ظاهر النبي -صلى الله عليه وسلم-بين درعين، ولبس لأْمَة الحرب، وكافح معه الصحابة، وقاتل عنه جبريل وميكائيل أشد القتال، رغم أن الله عصمه من القتل.

عباد الله: بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

عباد الله:
الدرس السابع التضحية من أجل الدين:
إن سنة الله جل وعلا قد مضت أن هذا الدين لا يتحقق في واقع الحياة، ولا يثبت على هذه الأرض، ولا تعلو رايته خفاقة فوق البقاع، ولا يتحقق منهجه بين الناس إلا بجهد من أبناء هذا الدين يسبقه ويرافقه ويعقبه توفيق من الله -عز وجل-.

عباد الله إن هذا الدين لابد له من علمٍ يُنشر، ودعوةٌ تُبذل، وأموال تُنفق، ومهج وأرواح تُزهق في سبيل الله -عز وجل-، إنه الدين الذي ارتضاه الله -سبحانه وتعالى- للناس أجمعين، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

هذا الدرس نجده واضحا وجليا في هذه المعركة العظيمة من معارك الإسلام الخالدة التي قادها محمد -صلى الله عليه وسلم-برفقة الصحب الكرام الغر الميامين الأبطال الشجعان رضوان الله عليهم أجمعين.

أنس بن النضر -رضي الله عنه- يصاب في هذه الغزوة ببضع وثمانين جراحة، ثم مثّل به بعدها، فلم يعرفه أحد سوى أخته عرفته ببنانه.

وفي سعد بن الربيع سبعون طعنة، و قتل مصعب بن عمير، فلم يوجد له ما يُكفن فيه إلا بردة، واستشهد حمزة عم النبي -صلى الله عليه وسلم-، واستشهد سبعين من خيرة الصحابة الكرام.

فماذا قدّمنا لديننا؟؟
أيها المؤمنون: للصحابة الكرام الصُحبة والسبق والإقدام، تقطّعت منهم الأشلاء، وتمزّقت الأجساد، وترمّل النساء، قدَّموا أرواحهم فداءً لهذا الدين، حتى وصل إلينا كاملًا متمّمًا، فاقدر لهم قدرهم، واشكر لهم سعيهم، وترض عنهم، فقد أحبهم ربهم، -رضي الله عنهم وأرضاهم- ويأتي حقير دنسٍ نجس ينتقص منهم ومن عدالتهم، ويقول أنهم بدلوا وغيّروا بعد رسول الله، وهم حملة ديننا، وصحابة رسولنا.

الدرس الثامن الابتلاء بذوي القربى:
المرء قد يُبتلى بذوي القربى والأرحام يمنعونه من الالتزام، يمنعونه من الصلاح وصحبة الصالحين، فاصبر على ما تلاقيه منهم، فأقارب النبي -صلى الله عليه وسلم- تركوا أوطانهم وأموالهم، وقدموا إلى المدينة وقطعوا مسافة أربعمائة كيلومتر أو أكثر لقتل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفعلوا ما لم يفعله غالب الكفار، من تمثيلهم بالقتلى، مع أنهم بنو عمه، وفي الفتح عفا عنهم وصفح، وقال: «لا تثريب عليكم اذهبوا فأنتم الطلقاء»[ الطبقات لابن سعد بنحوه (1) (141) (143) وانظر السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية (561)].

فيا عبد الله اتخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- قدوة لك في الحلم والعفو، وصل رحمك، وغض الطرف عما يسوؤك منهم.

الدرس التاسع حب الصحابة لنبيهم -صلى الله عليه وسلم-:
طوق المشركون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن معه وكانوا تسعة فقُتل سبعة منهم بعد قتال عنيف. ولم يبق معه غير سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبد الله.

واستبسل سعد وطلحة في الدفاع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد نثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنانته لسعد بن أبي وقاص وقال: ارم فداك أبي وأمي، وأما طلحة فقد قاتل حتى شلت يده، وكان أبو بكر -رضي الله عنه- إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك اليوم كله لطلحة. وروى الترمذي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال فيه يومئذ: «من أراد ان ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله».

وخلال هذا الموقف العصيب تسارع المسلمون إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأقاموا حوله سياجًا من أجسادهم وسلاحهم وبالغوا في الدفاع عنه، قام أبو طلحة -صلى الله عليه وسلم- يُسوّر نفسه بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويرفع صدره ليقيه عن سهام العدو، وكان راميًا يرمي فكلما رمى أشرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليرى موضع سهمه، فيقول له أبو طلحة: بأبي أنت وأمي لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك، وقام أبو دجانة أمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فترس عليه ظهره والنبل يقع عليه، وهو لا يتحرك، وقاتلت أم عمارة وأولادها حول رسول الله -فقال لها رسول الله: من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة -صلى الله عليه وسلم- فضربها ابن قمئه على عاتقها ضربة تركت جُرحًا أجوف، وضربته فنجا بدرعه، وبقيت تقاتل حتى أصابها اثنا عشر جرحًا.

واستبسل سعد وطلحة في الدفاع عن رسول الله فقد نثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنانته لسعد بن أبي وقاص وقال: ارم فداك أبي وأمي، وأما طلحة فقد قاتل حتى شلت يده،

قال سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: مرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأحد فلما نعوا لها قالت: فما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: خيرًا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: «كل مصيبة بعدك جلل»،، وهكذا يفعل الإيمان في نفوس المسلمين.

عباد الله: هذه امتنا وهذا تاريخها فتدبروا وتأملوا كثيرا واربطوا بين الماضي والحاضر وسلطوا أنوار الماضي على ظلمات الحاضر.

الحديث لم ينتهي عن غزوة أحد دروس وعبر ولنا لقاء في الجمعة القادمة بإذن الله.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.

وصلى اللهم وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11-03-2024, 02:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,079
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس وعبر من غزوة أحد

دروس وعبر من غزوة أحد (3)
د. أمير بن محمد المدري


الحمدُ لله الغني الحميد، المبدئُ المعيد، ذي العرش المجيد، الفعالُ لما يريد. أحاط بكل شيء علمًا وهو على كل شيء شهيد. أحمده سبحانه على ما أولاه من الإنعام والإكرام والتسديد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيزِ الحميد. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من دعا إلى الإيمان والتوحيد. اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم من يومنا هذا إلى يوم المزيد. وسلم تسليما كثيرًا.

أما بعد فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى. وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمع ويرى.

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 7].

ما زلنا وإياكم مع سيرة الحبيب المصطفى والرسول المجتبى، ما زلنا في ظلال غزوة أحد دروس وعبر، هذه الغزوة التي وقعت في الخامس عشر من شهر شوال.

هذه الغزوة التي أنزل الله على إثرها آيات تُتلى إلى يوم الدين، تتحدث عنها وعن أحداثها، هذا هو اللقاء الثالث.

ومن دروس غزو أحد الأمور بخواتيمها:
إن الأمور بخواتيمها، وقد وقع في غزوة أحد ما يحقق هذه القاعدة المهمة، ويؤكد هذا الأمر، وفي ذلك عظة وعبرة لكل مسلم متعظ ومعتبر.

فهذا رجل لقبه: الأصيرم - رضي الله عنه-: واسمه عمرو بن ثابت بن وقش، عُرض عليه الإسلام فلم يسلم، وكان يأبى الإسلام على قومه، فجاء ذات يوم ورسول الله -صلى الله عليه وسلم-وأصحابه بأُحد فقال: أين سعد بن معاذ؟ فقيل: بأحد، فقال: أين بنو أخيه؟ قيل: بأحد: فسأل عن قومه فقيل: بأحد، فبدا له الإسلام فأسلم، وأخذ سيفه، ورمحه، وأخذ لأمته، وركب فرسه فعدا حتى دخل في عرض الناس، فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا يا عمرو، قال: إني قد آمنت، فقاتل حتى أثخنته الجراحة، فبينما رجال من بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذ هم به، فقالوا: والله إن هذا الأصيرم، ما جاء به؟ لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الحديث، فسألوه: ما جاء بك؟ أعصبية مع قومك أم رغبة في الإسلام؟ فقال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله - تعالى -ورسوله، وأسلمت ثم أخذت سيفي فغدوت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني، وإن مت فأموالي إلى محمد يضعها حيث شاء، فذكروه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-فقال: «إنه من أهل الجنة». وقيل: مات فدخل الجنة وما صلى من صلاة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «عَمِل قليلًا وأُجر» وكان أبو هريرة يقول: حدثوني عن رجل دخل الجنة ولم يصل قط، فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو؟ قال: هو أصيرم بن عبد الأشهل.

وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله بعبد خيرا عَسَلَه، قيل: وما عسله؟ قال: يفتح له عملا صالحا قبل موته، ثم يقبضه عليه)) [أخرجه أحمد صححه الألباني].

ومن دروس هذه المعركة أيها الأحباب أهمية الإخلاص وخطورة النية - في الجهاد وسائر الاعمال:
كان ممن قاتل مع المسلمين يوم أحد رجل يُدعى قزمان، قاتل قتال الأبطال وكان يُعرف بالشجاعة، والاستبسال، وكان أول من رمى من المسلمين بسهم، فجعل يرسل نبلًا كأنها الرماح ويكت كتيت الجمل، ثم فعل بالسيف الأفاعيل حتى قتل تسعة من المشركين وأُخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه فقال وهو الذي لا ينطق عن الهوى: «هو من أهل النار».

فاستغرب الصحابة كيف ذلك وهو يقاتل في صف المسلمين ويدافع عن المسلمين ويرفع سيفه في وجه المشركين أين الخلل؟ إنها النية وفساد النية. فقال أحد المسلمين والله لأنظرن خاتمته.

هذا الرجل أصابه جرح فنُقل إلى خيمة للمعالجة فناداه قتادة بن النعمان: يا أبا الغيداق، هنيئًا لك الشهادة، وجعل رجال من المسلمين يقولون له: والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فأبشر، قال: بماذا؟ فوالله ما قاتلت إلا على أحساب قومي، فلولا ذلك ما قاتلت، ولا حياة لي مع هذا الجرح فوضع سيفه بين ثديه وجلس عليه حتى قتل نفسه فذُكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - فقال: الله أكبر اشهد أني رسول الله يا بلال أذّن في الناس أن الله لا يدخل الجنة إلا نفسا مؤمنة وأن الله - تعالى -يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر».

وفي هذه القصة بيان لمكانة النية في الجهاد، وأنه من قاتل حميةً عن قومه أو عصبية لفلان وعلان، أو ليقال شجاع ولم تكن أعماله لله - تعالى - لا يقبل الله منه، ويموت ميتةً جاهلية.

ومن دروس هذه الغزوة أهمية الشورى:
فبعد أن جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- المعلومات الكاملة عن جيش كفار قريش جمع أصحابه رضي الله عنهم وعقد مجلس الشورى، يشاور أصحابه في معاركه لا يستبد برأيه، يستفيد منهم وهو المعصوم، يستشيرهم في احد كما استشارهم في بدر وهو المؤيد بالوحي، شاورهم في البقاء في المدينة والتحصن فيها أو الخروج لملاقاة المشركين، كان رأي النبي ووزيراه وصلى الله عليه وسلم البقاء في المدينة، وقال: «إنا في جُنة حصينة فإن رأيتم أن تقيموا وتدعوهم حيث نزلوا، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن دخلوا علينا قاتلناهم فيها»، وكان رأي عبد الله بن أبي ابن سلول مع رأي رسول الله- -صلى الله عليه وسلم- إلا أن رجالًا من المسلمين وشبابا متحمسون ممن فاتهم المشاركة في بدر قالوا: يا رسول الله، اخرج بنا إلى أعدائنا.

كيف لا نخرج إليهم وهم قد أتونا، فنظر النبي المصطفى وهو يؤسس قاعدة الشورى لأمته أن الأغلبية تريد الخروج من المدينة لقتال الكفار، فتنازل عن رأيه ودخل داره، ولبس لامة الحرب. فقال الشباب: لكأننا أكرهنا رسول الله، يا رسول الله: ما كان ينبغي ان نخالفك فاصنع ما شئت فقال -صلى الله عليه وسلم-: ما ينبغي لنبيِّ أذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل ويحكم الله بينه وبين عدوه.

مع أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يعلم نتيجة المعركة، وأن فيها ذبح، لكنه يؤسّس للشورى ويرفض الاستبداد، فقد رأى في تلك الليلة رؤيا وأخبرهم عنها وقال: «إني قد رأيت والله خيرًا، رأيت بقرًا تذبح، ورأيت في ذباب سيفي ثلمًا، ورأيت أني أدخلت في درع حصينة»، وتأول البقر بنفر من أصحابه يُقتلون، وتأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته، وتأول الدرع بالمدينة.

تأملوا عباد الله: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عوَّد أصحابه على التصريح بآرائهم عند مشاورته لهم حتى ولو خالفت رأيه، فقد أمره الله بذلك قال جل وعلا: ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

الشورى مصدر حياة الأمة، ويوم يستبد الحاكم ويوم يستبد السلطان فالويل كل الويل على هذه الأمة.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا وأستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله يبدئ ويعيد ذي العرش المجيد، وهو فعال لما يريد، أمر عباده بالتوحيد، وحذرهم عقابه يوم الوعيد.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الولي الحميد، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الرأي الرشيد، والقول السديد، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المزيد، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
ومن دروس هذه الغزوة تذكير المؤمنين بالسنن ودعوتهم للعلو الإيماني:
فمهما وقع من هزائم لأهل الإيمان ومهما سالت الدماء فالعاقبة للمتقين، قال تعالى: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [آل عمران: 137]، أين قوم نوح أين قوم صالح أين فرعون وجنوده أين الظلمة والمفسدين في الأمم السابقة أهلكهم الله تعالى ﴿ هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وهُدًى ومَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 138].

وقال تعالى موجها لهم: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139] أنتم الأعلون مبدًا الأعلون منهجًا الأعلون سندًا، كيف يهن ويضعف من كان الله معه والقران كتابه ومحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيه ورسوله؟ بالإيمان لا تهنوا، بالإيمان ولا تحزنوا، بالإيمان أنتم الأعلون، لا تهنوا فدينكم الإسلام دين العزة، فهو يعلو ولا يعلى عليه.

والابتلاء مهما طالت مدته وامتد وقته واشتدت كربته وتوالت أحداثه وكثرت ضحاياه فإن عاقبته أن يرتفع وينكشف فإنه:
مهما دجا الليل فالتاريخ أخبرنا
أن النهار بأحشاء الدجى يثب




و من دروس هذه الغزوة تربية الأبناء على حب الجهاد:
فقد جاء غلمان من أبناء الصحابة يريدون الجهاد ومنهم عبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وأسامة بن زيد والنعمان بن بشير وزيد بن أرقم والبراء بن عازب، وسمرة بن جندب، ورافع بن خديج، فردهم. قال رافع بن خديج، فقال ظهير بن رافع يا رسول الله:"إنه رامٍ" وجعلت أتطاول وعلي خفان لي. فأجازني رسول الله. فلما أجازني قال سمرة بن جندب لربيبه مري بن سنان الحارثي، وهو زوج أمه: يا أبت أجاز رسول الله رافع بن خديج وردني، وأنا أصرع رافع بن خديج. فقال مري بن سنان الحارثي: يا رسول الله رددت ابني وأجزت رافع بن خديج وابني يصرعه. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تصارعا فصرع سمرة رافعا فأجازه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

على ما هذا التنافس على ما هذا الزحام والتصارع انه من أجل بيع المهج والأرواح في سبيل الله. على ما يتنافس أبناءنا في هذا الخبر دليل كافٍ على حب الصحابة للجهاد وارتفاع مستواهم التربوي حيث حببوا الجهاد لأبنائهم فأصبح غلمانهم يتسابقون في ميادين الجهاد.

ومن دروس هذه الغزوة التعلق والارتباط بالدين:
قال ابن كثير: لما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد، وقتل من قتل منهم، نادى الشيطان، ألا إن محمدًا قد قتل، ورجع ابن قميئة إلى المشركين فقال لهم: قتلت محمدًا، وإنما كان قد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم -صلى الله عليه وسلم- فشجه في رأسه، فوقع ذلك في قلوب كثير من الناس، ومرّ أنس بن النضر بقوم من المسلمين وقد ألقوا ما بأيديهم، فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا: قُتل رسول الله فقال: فما تصنعون بالحياة بعده، قوموا موتوا على ما مات عليه.

فأنزل الله: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ومَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَّضُرَّ اللهَ شَيْئًا وسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران: 144].

فالارتباط بالدين والعقيدة وليس بالأشخاص، فمحمد بشر سيموت كما مات سائر الأنبياء والرسل: في غزوة أحد نزل التشريع الإلهي بالعتاب على ما حدث منهم أثناء أحداث غزوة أحد وعند موت الرسول -صلى الله عليه وسلم- جاء التطبيق حيث لما توفي رسول الله واضطرب المسلمون وسقط بعضهم وشق عليهم ذلك كيف يموت رسول الله، إذا بأبو بكر الصديق، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر -رضي الله عنه فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: أما بعد من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وتلا عليهم الآية: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ومَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَّضُرَّ اللهَ شَيْئًا وسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144].

أيها المؤمنون: حديثنا عن غزوة أُحد لم ينته بعد ولقاء خاتم ان شاء الله.

هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11-03-2024, 02:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,079
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس وعبر من غزوة أحد

دروس وعبر من غزوة أحد (4)
د. أمير بن محمد المدري



الحمد لله الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا...

الذي له ملك السموات والأرض وخلق كل شيء فقدره تقديرًا...خلق الإنسان من نطفةٍ أمشاج يَبتليه فجعله سميعًا بصيرًا...

ثم هداه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا...

فمن شكر كان جزاؤه جنةً وحريرًا ونعيمًا وملكًا كبيرًا، ومَن كفر لم يجد له من دون الله وليًّا ولا نصيرًا...

وأشهد أن لا إله إلا الله أرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته، وأنزل من السماء ماء طهورًا...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله أرسله شاهدا و مبشِّرًا ونذيرًا...وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.

أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله وطاعته:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
وبعد:
عباد الله: ما زلنا نعيش وإياكم مع غزوة أُحد دروس وعبر.

غزوة أحد تلك الغزوة العظيمة في أحداثها ومجرياتها، العجيبة في آياتها ومعجزاتها، الشديدة في ضرائها وابتلاءاتها، الغزيرة في عبرها ودروسها.

إنه اللقاء، الرابع ولولا خشية الإطالة لكان لقاءٌ خامس وسادس، ومن ذا الذي يمل من سيرة الحبيب المصطفى، ومن ذا يسأم من غزوات النبي المجتبى، ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].

فهلموا بنا مع دروس وعبر، ومواقف غزوة أُحد، ومن دروسها أيها الأحباب أهمية اللجوء إلى الله في كل حال في العسر واليسر في الشدة والرخاء، في النصر، والهزيمة.

روى الإمام أحمد في مسنده قال: لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون ووقع بالمسلمين ما وقع صلى رسول الله- -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه الظهر قاعدًا لكثرة ما نزف من دمه، وصلى وراءه المسلمون قعود، وتوجه النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الصلاة إلى الله بالدعاء والثناء على ما نالهم من الجهد والبلاء، قال رسول الله - -صلى الله عليه وسلم-: «استووا حتى أثني على ربي »، فصاروا خلفه صفوفًا فقال-اسمع إلى مناجاة الحبيب-: «اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك، ». لا اله إلا الله.

اللجوء إلى الله أمر عظيم شرعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمته لكي يطلبوا النصر والتوفيق من رب العالمين، وهي رسالة لنا أن الدعاء مطلوب في ساعة النصر والفتح، وفي ساعة الهزيمة والانكسار،، لان الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، لان الدعاء يجعل القلوب متعلقة بخالقها، فينزل عليها السكينة، والثبات والاطمئنان ويمدها بقوة روحية عظيمة، فترتفع المعنويات نحو المعالي وتشتاق إلى ما عند الله تعالى.

أيها المؤمنون: الأمة اليوم بحاجة إلى اللجوء إلى ربها ليحفظها من كيد الكائدين وتأمر المنافقين.

الأمة بحاجة اليوم إلى الدعاء والخضوع والانكسار بين يدي الله كي يرفع راية الجهاد ويقمع أهل الشرك والفساد والعناد.

الأمة بحاجة اليوم إلى اللجوء إلى الله كي يرفع عنها البلاء، وتسلط الأعداء.

ومن دروس هذه الغزوة أن:
النصر ابتداءً وانتهاءً، بيد الله، وليس ملكًا لأحد من الخلق، يهبه الله لمن يشاء ويصرفه عمن يشاء، مثله مثل الرزق، والأجل والعمل قال تعالى:
﴿ ومَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ ولِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ ومَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126].

وحين يُقدّر الله تعالى النصر، فلن تستطيع قوى الأرض كلها الحيلولة دونه، وحين يقدر الهزيمة، فلن تستطيع قوى الأرض أن تحول بينه وبين الأمة قال تعالى:
﴿ إِن يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 160].

ولكن هذا النصر له نواميس ثابتة عند الله تعالى نحن بحاجة إلى فقهها، فلا بد أن تكون الراية خالصة لله سبحانه عند الذين يمثلون جنده، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ ويُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾[محمد: 7]. ونصر الله في الاستجابة له، والاستقامة على منهجه والجهاد في سبيله.

ومن دروس غزوة أُحد مشاركة النساء، كانت غزوة أحد أول معركة في الإسلام تشارك فيها نساء المسلمين، وقد ظهرت بطولات النساء وصدق إيمانهن في هذه المعركة، فقد خرجن لكي يسقين العطشى ويداوين الجرحى، ومنهن من قامت برد ضربات المشركين الموجهة للرسول -صلى الله عليه وسلم-.

ولم تقاتل المشركين يوم أحد إلا أم عمارة نسيبة المازنية رضي الله عنها، لم تخرج بقصد القتال، إنما لتسقي المسلمين عندما رأت الكفار طوقوه -صلى الله عليه وسلم- هبت كاللبوة هي وأبناءها تدافع عن المصطفى، وأصيبت بثلاثة عشر جرحا، هذه المرأة العظيمة هي امرأة قد تخطت سن الشباب، كما أنها لم تخرج إلى المعركة إلا مع زوجها وابنيها فرضي الله عنهم أجمعين.

وفي أُحد قدمت الصحابيات دروسا في الصبر ومنهن صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها:
لما استُشهد أخوها حمزة بن عبد المطلب وجاءت لتنظر إليه وقد مثل به المشركون، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لابنها الزبير بن العوام: «اذهب إليها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها» فقال لها: يا أماه إن رسول الله يأمرك أن ترجعي، قالت: ولم؟ وقد بلغني أنه قد مُثل بأخي، وذلك في الله، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله.

فلما جاء الزبير بن العوام إلى رسول الله فأخبره بذلك، قال: «خلِّ سبيلها» فأتته فنظرت إليه، فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له.

ومن الصابرات حمنة بنت جحش رضي الله عنها:
لما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من دفن أصحابه - رضي الله عنهم - ركب فرسه وخرج المسلمون حوله راجعين إلى المدينة، فلقيته حمنة بنت جحش، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا حمنة: "احتسبي " قالت: من يا رسول الله؟ قال: "أخوك عبد الله بن جحش" قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون غفر الله له هنيئًا له الشهادة، ثم قال لها: "احتسبي"، قالت: من يا رسول الله؟ قال: "خالك حمزة بن عبد المطلب" قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، غفر الله له، هنيئا له الشهادة، ثم قال لها: "احتسبي " قالت: من يا رسول الله؟ قال: "زوجك مصعب بن عمير»، قالت: واحزناه، وصاحت وولولت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن زوج المرأة منها لبمكان" فقال لها: "ولم قلت هذا؟" قالت: يا رسول الله ذكرت يتم بنيه فراعني فدعا لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولولدها أن يحسن الله تعالى عليهم من الخلف.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا وأستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله يبدئ ويعيد ذي العرش المجيد، وهو فعال لما يريد، أمر عباده بالتوحيد، وحذرهم عقابه يوم الوعيد.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الولي الحميد، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الرأي الرشيد، والقول السديد، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المزيد، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
ومن دروس أُحد تبين خطر المنافقين في شق صف المسلمين:
فقد قام ابن سلول المنافق:
بالانسحاب ومعه ثلاثمائة من المنافقين، يا الله ثلث الجيش، كان يريد أن يحدث بلبلة واضطرابًا في الجيش الإسلامي، لتنهار المعنويات. وقد حاول عبد الله بن حرام أن يمنعهم من ذلك الانخذال إلا أنهم رفضوا دعوته، وفيهم نزل قول الله تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ﴾ [آل عمران: 166، 167].

فالبرغم من خطورة الموقف وحاجة المسلمين لهذا العدد، لقلة جيش المسلمين وكثرة جيش قريش إلا أن في ذلك خير لو خرجوا فيكم ما زادوكم، ولما حصل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ما حصل في احد جعل عبد الله بن أبي بن سلول والمنافقون يشمتون ويفرحون بما أصاب المسلمين، ويظهرون أقبح القول، وهذه طبيعة المنافقين في كل زمان ومكان.

ومن دروس غزوة احد رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمته:
وقد أُصيب نبينا وحبيبنا -صلى الله عليه وسلم- في (أحد) أصيب في بدنه؛ إذ دخلت حلقات المغفر في وجهه،،ونزف الدم- بغزارة- من جراحته، كلّما سُكب عليه الماء ازداد دفقا، فما توقف حتى أحرقت قطعة من حصير فألصقت به.

وكسرت كذلك رباعيته، وكسرت البيضة على رأسه؛ ومع ذلك ظل، يوجه أصحابه إلى الخير حتى انتهت المعركة.

فجعل يسلت الدم عن وجهه ويقول: «كيف يفلح قوم شجّوا نبيّهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله؟!»، فأنزل الله (عز وجل) قوله: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) [ال عمران-128]

فشق ذلك على الصحابة فقالوا: لو دعوت عليهم، فقال: «إني لم أُبعث لعّانا ولكن بعثت داعيا ورحمة اللهم اغفر لقومي» أو «اهد قومي فإنهم لا يعلمون» إنه الرحمة المهداة.

﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128] ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]

وفي إصابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجراح يوم أحد عزاءٌ للدعاة إلى الله فيما ينالهم في سبيل الله من أذى في أجسامهم، أو اضطهاد لحرياتهم بالسجن والاعتقال، أو قضاءٍ على حياتهم بالإعدام والاغتيال، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 1 - 3]

وفي تقدمه الصفوف -صلى الله عليه وسلم- في كل معركة وخوضه غمارها معهم، دليل ورسالة أن القادة لا بد أن يكونوا في مقدمة الصفوف لا عن بعد، وأن الجبناء خائري القوى لا يصلحون لرئاسة الشعوب، ولا لقيادة الجيوش، فشجاعة القائد والداعية بفعله وعمله ترفع الحماس والمعنويات أكثر وأفضل من ألف خطاب حماسي يُلقى على الجماهير.

ومن المواقف والمشاهد موقف أبو دجانة -رضي الله عنه-.
حين قال النبي ـ -صلى الله عليه وسلم-: "من يأخذ هذا السيف؟، فبسطوا أيديهم كلٌّ يقول: أنا، أنا، فقال ـ -صلى الله عليه وسلم- ـ: من يأخذهُ بحقه؟، فأحجم (تأخر) القوم، قال سِمَاك بن خرشة أبو دجانة: (وما حقه يا رسول الله؟، قال: "أن تضرب به العدو حتى ينحني، فقال أبو دجانة: أنا آخذهُ بحقه يا رسول الله،" فدفعه إليه وكان رجلًا شجاعًا يختال عند الحرب، أي يمشي مشية المتكبر، وحين رآه رسول الله -سبحانه وتعالى- -صلى الله عليه وسلم- ـ يتبختر بين الصفين قال: "إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن".

فأخرج أبو دجانة عصابة حمراء فعصب بها رأسه إذا اعتصب بها عُلم أنّه سيقاتل حتى الموت، فلما أخذ السيف من يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يقول:
أنا الذي عاهدني خليلي
ألّا أقوم الدّهر في الكيول
ونحن بالسّفح لدى النّخيل
أضرب بسيف الله والرسول


ويعني بعدم قيامه في الكيول: ألا يقاتل في مؤخرة الصفوف، بل يظلّ أبدا في المقدمة.

أمعن في صفوف المشركين، وجعل لا يلقى أحَدًَا من المشركين إلا قتله، ورأى ـ -رضي الله عنه- ـ إنسانا يخمش الناس خمشًا شديدًا، قال: فصمدت له، فلما حملت عليه بالسيف ولْوَل، فإذا هي امرأة، وهي هند بنت عتبة، قال: فأكرمت سيف رسول الله -سبحانه وتعالى- -صلى الله عليه وسلم- ـ أن أضرب به امرأة ".

هذا هو أبو دجانة -رضي الله عنه- وأرضاه.
هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾.

اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين...


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 116.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 113.03 كيلو بايت... تم توفير 3.10 كيلو بايت...بمعدل (2.67%)]