إستراتيجيات بناء وتشكيل المضمون القيمي في الكتاب المدرسي: كتاب الممتاز في اللغة العرب - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4413 - عددالزوار : 850961 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3944 - عددالزوار : 386958 )           »          شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 211 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28455 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60074 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 847 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-06-2023, 04:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي إستراتيجيات بناء وتشكيل المضمون القيمي في الكتاب المدرسي: كتاب الممتاز في اللغة العرب

إستراتيجيات بناء وتشكيل المضمون القيمي في الكتاب المدرسي: كتاب الممتاز في اللغة العربية للسنة الأولى
عبد اللطيف المعاني

يشكل الكتاب المدرسي أحد أبرز الوسائط التعليمية التي تجمع كافة المدارس التربوية والبيداغوجية لأهميته كمُعِينٍ بيداغوجيٍّ سواء داخل الفصل أو خارجه؛ فهو ركيزة أساسية للمنهاج المدرسي، والأساس الذي يستعين به المدرس في إعداد دروسه، كما قد يكون المرجع الوحيد للتلميذ الذي يستعمله أغلب الأحيان في مراجعة دروسه؛ نظرًا لانتشاره الواسع، ولكونه التجسيدَ العمليَّ لمقومات المنهاج التعليمي، كما أنه يمثل في نفس الوقت جسرًا واصلًا بين المدرسة والأسرة؛ إذ هو القناة الأكثر تنظيمًا ويسرًا التي تمكِّن الآباء من الاطلاع على المعارف التي يدرسها أبناؤهم.

ونظرًا لهذه الأهمية التي يكتسيها الكتاب المدرسي؛ فإنه ظلَّ حاضرًا وبقوة في مختلف محطات ومناسبات النقاش المتمحور حول الإصلاحات التربوية بالمغرب[1]،غيرَ أن الجديد الذي ركزت عليه الوزارة في سياستها البيداغوجية الحالية هو التسلُّح بقيمٍ حديثة وأخلاقيات جديدة فرضتها الساحة الدولية والسياقات الوطنية[2]؛لذلك عمِلت الوزارة الوصية على "تعزيز المقاربة الحقوقية في دفاتر التحملات الخاصة بالكتب المدرسية، بإدراج بنود حول التربية تقوم على النزاهة والشفافية، والعدالة والتنمية المستدامة، وغيرها"[3].


وبهذا يؤدي الكتاب وظيفة سيوثقافية تتمثل في كونه "الحامل والمروِّج للقيم والمعايير الثقافية الأصيلة التي تحقق روح المواطنة من جهة، ودور النافذة التي يُطِلُّ من خلالها التلميذ على العالم الخارجي من جهة ثانية"[4]، ما يؤكد أن الكتاب المدرسي ذو بناء قيمي وأيديولوجي.


وانطلاقًا من هذه الخلفية، تسعى هذه الدراسة إلى الكشف عن كيفية بناء المضمون القيمي في كتاب "الممتاز في اللغة العربية" المخصص للسنة الأولى من سلك البكالوريا، ومدى ملاءمته للقيم المنصوص عليها في الوثائق الرسمية.


القيم في كتاب (الممتاز في اللغة العربية) السنة الأولى من سلك البكالوريا مسلك الآداب والعلوم الإنسانية:[5]
كتاب مُجزَّأٌ إلى أربع مجزوءات، المجزوءة الأولى تحمل عنوان: "الشعر العربي القديم بين التعبير عن الذات والتعبير عن الجماعة"، وخُصِّصت المجزوءة الثانية "للشعر العربي القديم ومظاهر التحول"، وعرض المؤلفون في المجزوءة الثالثة "بنية النص النثري القديم ووظيفته"، أما المجزوءة الرابعة والأخيرة فتناولت "قضايا أدبية ونقدية".


وقد تضمن الكتاب مجموعة من القيم عبرت عنها العناوين المقترحة للمجزوءات وكذلك طبيعة النصوص المقترحة، وقد قادنا تدريسُنا لهذا الكتاب إلى استنباط مجموعة من المضامين القيمية، لكننا سنحصر مجال اشتغالنا في النصوص الشعرية؛ حيث سنقوم بعرض الإستراتيجية المعتمدة في بناء المضمون القيمي، وكيفية تفاعل المتعلم مع هذه الإستراتيجية، والعمليات الذهنية التي يقوم بها لتحويل الرموز اللغوية إلى صور ذهنية تمكنه من تشكيل بنية المعنى؛ أي: تمثُّله للمضمون القيمي الذي عمِل النص على بنائه.


1- بناء قيمة البطولة لدى المتعلم:
1 - 1: صورة البطل الفردي:
يُعدُّ وجودُ أيِّ نصٍّ لغوي حافزًا على الفَهم أو إجراءِ محاولة ما للفهم؛ فالإنسان ميَّال إلى تشغيل آليات الفهم لديه بصورة غريزية؛ لأن لتتابع الجمل كما يقول "غومبرس تمارس" تأثيرًا علينا، ولا تترك أمامنا خيارًا آخر غير محاولة فهمها[6].


وبذلك يخضع النص كظاهرة لغوية إلى تفسيرات مختلفة حسب معرفة المتلقي ومعلوماته وتصوراته، فالمتعلم كقارئ للنص يعيد تركيبه من جديد من خلال توقعاته المختلفة؛ إذ "يعيد تنشيط النص وذلك بتركيب عالم ممكن له"[7]، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن قراءة النص المدرسي وفهمه مرتبط بواجب معين لدى هذا المتعلم[8]، ما يعطيه دافعية قوية في قراءته بعناية وتروٍّ شديدين، وهذا ما يدفع المتلقي (التلميذ) إلى البحث عن المعلومات التي لها علاقة بهذا الواجب، فيخطط كل فعالياته الفكرية ضمن هذا الواجب المحدد؛ ما يؤدي إلى ترسيخ المعلومات في ذهنه مدة طويلة، ضمن هذه الإستراتيجية يتشكل المضمون القيمي عند المتعلم، فكيف تم بناء هذا المضمون؟ وكيف يقوم المتعلم بتشكيل صورة للمضامين القيمية التي تمَّ بناؤها؟


تتشكل قيمة البطولة في كتاب (الممتاز في اللغة العربية) من خلال نصين شعريين؛ الأول: "عقاب الهجر أعقب لي الوصالا" لعنترة بن شداد، وقصيدة: "ورثنا المجد" لعمرو بن كلثوم؛ حيث تمثل الأولى نموذجًا للبطولة الفردية، وتُجسِّد الثانية البطولات الجماعية.


يبدأ تشكيل المضمون القيمي للبطولة في نص "عقاب الهجر" انطلاقًا من الرصيد المعرفي، ففي التعريف بصاحب النص تُساق عدة معلومات ترسم صورة لعنترة، فهو يعاني القهر الاجتماعي المتمثل في العبودية التي جعلته "موضع تحقير أبناء قومه"[9]، وقد كان لهذا الوضع أثر في نفسيته ما خلَّف لديه "إحساسًا عميقًا بالظلم، زاد من حِدَّتِه رفضُ عمِّه تزويجَه من ابنته عبلة"[10]، هكذا يرسخ النص في ذهن المتعلم أن هذه المعاناة النفسية والاجتماعية هي الحافز الذي سيدفع عنترة إلى الإنجاز البطولي.


ويستكمل البناء القيمي لقيمة البطولة بقراءة المتعلم النص، فيرى أن كل الصعوبات يمكن تجاوزها بالإصرار أو قوة العزم كما عبر عن ذلك الشاعر "ولي عزمٌ أَقُدُّ به الجبالا"[11]، فرغم هجر المحبوبة إلا أن الشاعر سيتجاوز هذا الوضع "بصدق الصبر"[12]، إنه سبيله لتحقيق ذاته في هذا الوسط المعاكس لطموحاته، ويزداد انبهار المتعلم بهذا البطل عندما يتوغل في قراءة النص، فيرى الشاعر وهو في ساحة الوغى يبلي البلاء الحسن فيهزم جيش العدو القوي وحده، فيصبح البطل بالنسبة إليه نموذجًا؛ لأنه يرسخ لديه مكانة "الذات المتميزة" على تجاوز الجماعة، "وهي الفكرة التي سيرسخها لديه نص أنشطة التطبيق في مكوِّن التعبير والإنشاء؛ ففيه يكتشف أن "الفخر يمثل الغرض الشعري الأول، وكان المراد من الفخر إشهار المرء لمناقبه المستمدة من الصورة التي أُنشئت وطُوِّرت جميعًا حول دور الفرد وسط الجماعة"[13].


إن قيمة البطولة والاعتداد بالنفس التي حاول النص أن يبثَّها في أذهان المتعلمين، تتماهى مع طبيعة المرحلة العمرية التي يعيشها تلميذ الأولى بكالوريا، وهي مرحلة المراهقة الوسطى التي تمتد من 15-18 سنة، وتتميز بحاجة المراهقين إلى تقدير الذات والمكانة الاجتماعية؛ فالمراهق معجب بنفسه ومُعتدٌّ بها، ويعتقد أنه محطُّ أنظار الناس وبؤرة اهتمامهم، وهذا ناتج عن فِقدانه التوازن الانفعالي والعاطفي، وعن التحولات السريعة المفاجئة التي مرَّ بها، وعن قلة خبرته وتجرِبته، لذلك يُلاحَظ أن المراهق مُرهَف وشديد الحساسية، وقد يشعر بخيبة الأمل لنقد الآخرين، وهو يسعى إلى اكتساب احترام الآخرين وإعجابهم، عن طريق القيام بسلوكيات يعتقد أنه يستطيع من خلالها أن ينال رضاهم وإعجابهم، فشعور المراهق بالتقدير يكون له تأثير كبير على شخصيته وسلوكه[14].

إن ما يمكن أن يشكل تشويشًا وعائقًا أمام تشكيل المضمون القيمي للبطولة في النص هو العنوان الذي يحمله، وهو في الكتاب بعنوان "عتبت الدهر"، فكان بالإمكان أثناء عملية النقل الديداكتيكي اختيارُ عنوان آخر للنص، وإن اقتضى ذلك حذف البيت الذي ارتبط به عنوانه[15].


1 - 2: من قيمة البطولة الفردية إلى قيمة البطولات الجماعية:
يبدأ تشكيل قيمة البطولة الجماعية في نص قصيدة "ورثنا المجد" لعمرو بن كلثوم - كما هو شأن النص السابق - من الرصيد المعرفي الذي يقدم صورة لا ينفصل فيها مجدُ البطل عن مجد القبيلة، فهما وجهان لعملة واحدة.


وإذا كانت المعاناة النفسية والاجتماعية وقوة العزم هما حافزا عنترةَ نحو البطولة، فإن المكانة الاجتماعية والمجد التَّليدَ هما دافعا عمرو بن كلثوم إلى الحديث عن البطولة الجماعية؛ فهو سليلُ طبقةٍ اجتماعية تحتل هرم الهيكل القبلي، وهذه القمة الهرمية تعني - فيما تعنيه - أصالة المنبت القبلي، فضلًا عن تميزها بالقوة والشجاعة، ومن اكتسب القوة والشجاعة في مثل ذلك المجتمع فقد اكتسب المجد والسيادة، فقبيلته كما ورد في التعريف بصاحب النص هي قبيلة ذات بأس، وبذلك فإن وضعيته تلك تؤهله لأن يعلن إباءه وشموخه، ومن ثَمَّ عدم الرضوخ للأقوى أيًّا كانت منزلته؛ لأن المسألة هنا لم تعد قائمة بين قوي وضعيف، ولكنها تمثل صراعًا بين الأقوياء لاحتلال الريادة في هذا المجال.


إن المتعلم حين يقرأ هذه المعلومة تتشكل لديه صورةٌ مفادها أن الوسط البطولي يصنع البطل الفردي، فإذا كان عنترة كبطل فردي صنع مجد قومه، فإن قبيلة هذا الشاعر هي من سيصنع الأبطال، وإذا كانت بطولة عنترة بالتعبير الرياضي تمثل متراجحةً يمكن أن تُصاغ على الشكل الآتي: البطل الفرد > من القبيلة - فإن بطولة عمرو بن كلثوم تشكل معادلة تصبح فيها: بطولة البطل = بطولة القبيلة.


وبذلك يقدم الرصيدُ المعرفي للمتعلم النواةَ التي من خلالها سيرسم وظيفة الوسط البطولي في خلق بيئة مُحفِّزة قادرة على إنتاج نماذج بطولية؛ ليقوم المتعلم باستكمال ملامح الصورة القيمية عندما يقرأ النص، فيتبين له من خلال الأساليب الإنشائية الموظفة في البيت الأول[16]، والتي خرجت عن دلالتها الأصلية إلى دلالات أخرى تُستفاد من السياق كالنداء: "أبا هندٍ" الذي أدى معنى الإنذار، والنهي: "لا تعجل" الذي استُخدم للدلالة على التهديد، والأمر: "أنظرنا" الذي وُظِّف للتعبير كذلك على التهديد والتحذير، والأساليب الخبرية التي أوغل فيها عمرو بن كلثوم في إظهار مبدأ القوة وأنهم أثناء غاراتهم أن يُصدِرون الراياتِ البيضَ حمرًا، وفي ذلك كناية على شدة وصلابة قومه، كما سيكتشف المتعلم ارتباط الشاعر بقبيلته من خلال الإشادة بالأيام المجيدة ذات الرصيد التراثي الفني لتلك القبيلة ضمن أيام العرب، كما يشيد الشاعر بشجاعة أبناء قومه وتمرسهم وحنكتهم في القتال، وبذلك ينسب إلى قومه القيم الإنسانية وأهمَّ القيم الفروسية في زمن الحرب، فيمثل الشاعر بذلك لسانَ حالِ قبيلته في الإشادة بتلك القيم.


إن هذا التصوير الذي اعتمده الشاعر يجعل المتعلم عندما يقوم بتحليل الصور الشعرية يتصور المشهد في ذهنه وكأنه ماثلٌ أمامه، فيزيده ذلك بيانًا ورهبة واقتناعًا، وقد يربط بين ما ورد في هذه القصيدة وبين مضمون نص عنترة؛ فيكتشف أن جُلَّ الخصائص الحربية في الشعر الجاهلي الذي له علاقة بالفخر أو الحرب عامة تتكرر سواء على مستوى المعاني أو الصور الشعرية، وأن أبرز دواعي الفخر الذي مثَّلَ أيام العرب مُتأتٍّ من الإحساس بنشوة النصر، وما تُحدِثه هذه النشوة من زهوٍ وخُيَلاء في نفس الشاعر حين يكون الفخر ذاتيًّا فرديًّا، وفي نفوس أبناء القبيلة إن كان قائمًا على افتخار العشيرة بما هي عليه من قوة وعزة ومكانة مرموقة بين القبائل الأخرى.


لكن بعض الأبيات في الشعر الجاهلي نجد أنها تُرسِّخ في ذهن المتعلم أن البطولة ترتبط بالقوة والبطش فقط[17]، وهي قيمة قد تكون سلبية إذا كانت فقط بهذه الصورة المُقدَّمة؛ لأنها قد تدفع بالمتعلم إلى تبني العنف كوسيلة لإثبات الذات، ولعل ما تشهده المؤسسات التعليمية من مشكلات الطلبة يدعونا إلى ضرورة التنبيه إلى أن مثل هذه النصوص يحسُن إعادة النظر في طرحها أثناء عملية النقل الديداكتيكي، كذلك يجب في البحث والتوسع - كمرحلة أخيرة من مراحل إنجاز الدرس - إرفاق أسئلة تربط البطولة بمجالات حياتية أخرى، وبنماذج بطولية من الواقع المعيش، كما يمكن للمدرس أن يشير إلى أن القوة في العصر الحديث يمكن أن تفرغ في أنشطة رياضية، إضافة إلى ذلك يمكن التنبيه إلى موقف الإسلام من استخدام القوة؛ فقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عيه وسلم قال: ((ليس الشديدُ بالصُّرَعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب))[18]؛ حتى يتم تعديل صورة البطولة لدى المتعلم المراهق، فتصبح قيمة البطولة ذات مدلول إيجابي لديه.


2- قيمة "الصبر" في قصيدة "وتجلُّدي للشامتين" لأبي ذؤيب الهذلي:
توجد عدة عوامل تساهم في فهم النص ولعل أبرزها العتبات؛ حيث يعلن مؤلفو الكتاب عن أهمية المضمون القيمي لهذا النص منذ تحديدهم لأهدافه؛ إذ يجعلون من "استخراج بعض القيم الإسلامية من النص"[19]هدفًا من أهداف دراسته، وأهم قيمة يشي بها مضمون النص هي قيمة الصبر التي تعلن عن نفسها انطلاقًا من عنوانه: "وتجلدي للشامتين"، ما يعطي إشارة أُولى للمتلقي بأن الشاعر سيتحدث عن معاناة استوجبت الصبر، ويتأكد لديه هذا الشعور عندما يعود إلى ظروف النص، فيتعرف من خلالها أن الشاعر فقد أبناءه الخمسة الذين ماتوا في عام واحد بعدما أصابهم الطاعون أثناء هجرتهم إلى مصر وكانوا رجالًا لهم بأس وقوة[20]، ويقرأ النص ويرى توجع الشاعر والحزن والألم اللذين ألمَّا به؛ ما خلَّف لديه غُصَّةً فصار عاجزًا عن النوم، كما أن عينيه صارتا من شدة البكاء وكأن حِداقَهما قد سُملت، وبهذا يُشيِّد تتابع الجمل معنى النص الدلالي الذي يزيد من توضيحه الأسئلة الواردة في مرحلة تحليل النص سواء في المعجم؛ حيث تم تقسيم معجم النص إلى ثلاثة حقول دلالية هي: "المعجم الدال على الموت، والمعجم الدال على المعاناة والحزن، والمعجم الدال على الصبر"[21]، أو من خلال الصور الشعرية؛ حيث طُلِب من المتعلم تحليل صورة بعينها: "وإذا المنية أنشبت أظفارها = ألفيتَ كلَّ تميمة لا تنفع"[22]، فعند تأمل المتعلم لهذه الصورة، فإن خياله سيشكل صورة للموت وكأنه حيوان مفترس قوي لا تستطيع الفريسة الهرب منه، فيكون لعامل التدرج أثر كبير في رسم هَوْلِ المصيبة التي ألمَّت بالشاعر[23]، ومقدار الحزن الذي يعانيه سواء جسديًّا أو نفسيًّا، والقدرة على تجاوز هذه الوضعية بالتجلد والصبر.


وهكذا سيشكل المتعلم صورة عن هذا الإنسان الذي استطاع أن يتقبل هذه المصيبة، وسيبدأ بالتعاطف معه، وسيدرك أن مواجهة المصائب لا تكون بالتسخط، وإنما تكون بالصبر الذي يصير سجية وطبعًا في سلوكه باعتباره من القيم الخُلُقية التي يدعو إليها الإسلام[24]، لكن هذه الصورة التي يحاول النص تشييدها من خلال عدة مراحل قد يتم هدمها إذا لم يقُمِ المدرس أثناء مناقشة مضامين النص ببيان الدلالة المقصودة في البيت الثاني عشر[25] من القصيدة الذي اقتُطِفَ منه العنوان، فيبيِّن أن الصبر في سياق القصيدة نابع من مثير خارجي يعمل الشاعر على مقاومته، وإظهار الصلابة أمامه، وأن الصبر في المنظومة الإسلامية نابع من الرضا بقضاء الله وقدره، ما يساهم في تصحيح هذا التصور لدى المتعلم.


3- سيرورة بناء قيمة "حب الرسول" صلى الله عليه وسلم:
من المضامين القيمية السامية التي عمِل الكتاب على ترسيخها في صفوف المتعلمين: قيمة حب الرسول صلى الله عليه وسلم وبيان مكانته وفضله، وقد قدم المؤلف المدرسي هذا المضمون من خلال عدة نماذج شعرية؛ منها ما عبر مباشرة عن هذا المعنى، ومنها ما عالج مضامين أخرى لها ارتباط بهذا المضمون؛ كقصيدتَي: "مساميح بالمعروف" لحسان بن ثابت، "ومنَّا النبي" لعبيدالله بن قيس الرقيات.


فبعد أن يتعرف المتعلم على قيمة البطولة الفردية والجماعية، وتترسخ في ذهنه صور مرتبطة بهما - سيتعرف في قصيدة حسان بن ثابت على معاييرَ أخرى للاعتزاز بالقبيلة، فإضافة إلى القوة والمجد التليد، يجد المتعلم صفات أخرى لا تقل عنها أهمية كالعِفَّة والسماحة وهي قيم ترتبط بالمعجم الإسلامي، فتبدأ صورة البطل العنيف تتكسر لتحل محلها صورة البطل العفيف المتسامح، فيكتشف مدى عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي استطاع أن يحوِّل قيم الإنسان الجاهلي إلى هذه المجالات الإنسانية والأخلاقية، وتزيد قيمة حب الرسول صلى الله عليه وسلم عنده عندما يرى أن إيواء الأنصار للنبي العظيم أصبح مبدأً من مبادئ الفخر والاعتزاز عند هذه الفئة من المسلمين.


هذه بعض المضامين القيمية التي عمل الكتاب على ترسيخها في سلوك المتعلمين، معتمدًا إستراتيجيات مختلفةً اعتمدت مبدأ الملاءمة بين مضمون النص والقيم المراد إكسابها إلى المتعلم، سالكًا سبيل التدرج بين مراحل الدرس لبناء المضمون القيمي، محفِّزًا المتعلم على تشكيل صورة إيجابية للقيمة المعبر عنها.


وبذلك تكون عملية تشكيل المضمون القيمي تتم عن طريق تفاعل النص والمتعلم، ولا ننسى دور المدرس؛ فمن خلال الشروح التي يقوم بها يساهم في تكوين صور ذهنية - سمعية لدى المتعلم عن طريق ترجمة التلميذ للمعلومات إلى صور ذهنية، وعملية الترجمة هذه تعتبر عملية أساسية لاستيعاب المعلومات ولاستدعائها من وقت إلى آخر، الأمر الذي يجب الإشارة إليه وهو أن ترجمة المعطيات إلى صور ذهنية ومن ثَمَّ تخزينها داخل الذاكرة - تتطلب إيجاد علاقة معينة بين المعطيات الجديدة، والمعطيات التي تم تخزينها، فمن دون إيجاد أي نوع من العلاقة لا نستطيع أن نترجم مضمون المادة العلمية إلى صور ذهنية، ومن ثَمَّ لا تتمعملية الاستيعاب.


وبهذا تلعب المدرسة دورًا لا يقل أهمية عن دور الأسرة في نقل القيم وترسيخها في سلوك المتعلمين خلال المراحل الدراسية المختلفة؛ فهي لا تكتفي بإكساب المتعلم المعارف التي تمكنه من اجتياز التقويمات الفصلية أو الإشهادية، بل أضحت تؤهله بفضل عنايتها بالجانب القيمي إلى تبني قيمٍ إيجابية يكون لها تأثير إيجابي على سلوكه اليومي، فيكون نموذجًا للطالب والمواطن الصالح الذي تسعى المنظومة التعليمية إلى تكوينه.

[1] يمكن الاستدلال على ذلك بوثائق اللجنة الوطنية المختصة بدراسة قضايا التعليم لسنة 1994، ووثائق اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين لسنة 1999، والميثاق الوطني للتربية والتكوين، والكتاب الأبيض للمناهج، وتقرير المجلس الأعلى للتعليم لسنة 2008، والبرنامج الاستعجالي، وتقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين لسنة 2013، والرؤية الإستراتيجية 2015 - 2030 التي نصَّت على ضرورة إعادة النظر في أسس تأليف الكتاب المدرسي وطبعه وتوزيعه.

[2] جعل الميثاق الوطني للتربية والتكوين من مدخل القيم أحدَ مرتكزاته الأساسية في القسم الأول الموسوم بالمبادئ الأساسية، كما أَوْلَى الكتابُ الأبيض القيمَ أهميةً بالغة ضمن محور اختيارات وتوجهات في مجال القيم؛ إذ نصَّ على قيم العقيدة الإسلامية، وقيم الهُوِيَّة الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية، وغيرها، ودعمت الرؤية الإستراتيجية 2015 - 2030 ما ورد في الوثائق السابقة، ودعت إلى إدماج المقاربة القيمية والحقوقية، ومحاربة التمييز والصور النمطية، والتمثلات السلبية على ذوي الإعاقات في المناهج والبرامج والوسائط التعليمية (الرؤية الإستراتيجية الرافعة الثامنة عشرة، الفقرة 101).
كما دعم تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الصادر في يناير 2017 ما ورد سابقًا محدِّدًا موصِّيًا بضرورة إيلاء التربية على القيم العنايةَ المستحقة في بناء المناهج والبرامج منذ المراحل الأولى للتعليم وحتى المراحل العليا منه، وتوضيح مختلف الخيارات المتبناة في إدماج مواد وأنشطة التربية على القيم ضمن المنهاج الدراسي العام؛ (ص: 16).
إن عدم الفصل بين المعرفي والقيمي هو أيضًا مطلب المؤسسات الدولية وعلى رأسها اليونسكو، التي ما فتئت تؤكد أن المعرفة أضحت تعني: "الطريقة التي يضفي بها الأفراد والمجتمعات معنًى على التجرِبة، ومن ثَمَّ يمكن اعتبارها معلوماتٍ ومفاهيمَ ومهاراتٍ وقيمًا ومواقفَ اكتُسبت بالتعليم والمعرفة، مرتبطة ارتباطًا لا ينفك بالسياق الثقافي والمؤسسي الذي فيه صُنعت واستُنسخت"؛ (تقرير المجلس الأعلى حول القيم، ص: 13)، وهو نفس الموقف الذي تبنته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، فقد أكد مديرها العام "أن المنظومة التربوية لا يمكن أن ينفصل فيها التعليم عن التربية؛ ذلك أن المنظور الشامل للرسالة التعليمية يقصد به تكوين شخصية المتعلم في مختلف أبعادها، والمتعلم اليوم محتاج أكثر من أي وقت مضى - إضافة إلى المعارف والمهارات - إلى منظومةِ قِيَمٍ تمكنه من استيعاب ثقافته وحضارته، والانفتاح الواعي على الثقافات والحضارات الأخرى، كما أنه محتاج إلى معاييرَ يزِن بها ما يَفِدُ عليه من مبادئَ وسلوكيات وأفكار؛ ليميز الخبيث من الطيب، ومحتاج لأن يعرف غيره في إطار التواصل المفتوح بمنظومته القيمية النابعة من دينه وحضارته؛ (عبدالعزيز بن عثمان التويجري، تقديم كتاب: القيم الإسلامية في المنظومة التربوية دراسة للقيم وآليات تعزيزها، لخالد الصمدي، ص: 5).

[3] المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، التربية على القيم بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي، تقرير 1/ 17 يناير 2017، ص: 9.

[4] عبدالله الويزي، معايير تصور وإعداد الكتاب المدرسي، دفاتر التربية والتكوين، العدد: 3، سبتمبر 2010، ص: 14.

[5] الممتاز في اللغة العربية، تأليف: محمد وهابي، وعبدالرحيم وهابي، وعبدالرحيم أبطي، مكتبة الأمة للنشر والتوزيع، 2006.

[6] عز العرب لحكيم بناني، الظاهراتية وفلسفة اللغة (تطور المباحث الدلالية في الفلسفة النمساوية)، إفريقيا الشرق، 2003، ص: 139.

[7] عبدالله إبراهيم، التلقي والسياقات الثقافية (بحث في تأويل الظاهرة الأدبية)، ط: دار الكتاب الجديدة، ليبيا، د .ت، ص: 10.

[8] لعل أبرز واجب هو أن فهم النص سيمكنه من اكتساب مجموعة من المهارات.

[9] المرجع نفسه، ص: 9.

[10] المرجع نفسه، ص: 9.

[11] المرجع نفسه، ص: 10.

[12] المرجع نفسه، ص: 10.

[13] المرجع نفسه، ص: 18.

[14] خولة عبدالله السبتي، مشكلات المراهقة الاجتماعية النفسية والدراسية (دراسة وصفية على عينة من الطالبات السعوديات)، رسالة ماجستير منشورة، الرياض، 2004، ص: 38، 39.

[15] نقترح هنا كعنوان للنص صدر البيت الرابع من القصيدة: "أنا الرجل الذي خُبِّرت عنه"؛ لأنه يتضمن في نظرنا قيمًا إيجابية كالرجولة، التي ترتبط في الذهنية العربية بمجموعة من الصفات الإيجابية.

[16] تبتدئ القصيدة المثبتة في الكتاب بهذا البيت: أبا هندٍ فلا تعجل علينا = وأَنْظِرْنا نخبِّرك اليقينا.

[17]خصوصًا إذا تجاهل المدرس أثناء مناقشة مضامين القصيدة ربطَ القيم التي تعبر عنها بطبيعة المجتمع الجاهلي القائم على الترحال والرعي والبحث عن مواطن الماء.

[18] أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب (5/ 2267)، رقم: (5763).

[19] الممتاز في اللغة العربية، ص: 19.

[20] المرجع نفسه، ص: 19.

[21] المرجع نفسه، ص: 21.

[22] المرجع نفسه، ص: 21، كما طُلب منه صور أخرى من التشبيه والاستعارة لها ارتباط بالمعاناة الذاتية للشاعر.

[23]وقد وصف القرآن الكريم الموت بالمصيبة؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾ [المائدة: 106].

[24] مانع بن محمد بن علي المانع، القيم بين الإسلام والغرب، دراسة تأصيلية مقارنة، دار الفضيلة، ط: 1، الرياض، 2005، ص: 24.

[25] وتجلُّدي للشامتين أُريهمُ = أني لريب الدهر لا أتضعضع.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 76.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.47 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.52%)]