تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 8 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191097 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2653 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 658 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 937 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1091 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 853 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 836 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 920 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92811 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #71  
قديم 07-02-2022, 03:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (71)
صــ376 إلى صــ 380


إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم .

قوله تعالى: إذ قالت امرأت عمران في "إذ" قولان . أحدهما: أنها زائدة ، واختاره أبو عبيدة ، وابن قتيبة . والثاني: أنها أصل في الكلام ، وفيها ثلاثة أقوال . أحدها: أن المعنى: اذكر إذ قالت امرأة عمران ، قاله المبرد ، والأخفش . والثاني: أن العامل في (إذ قالت) معنى الاصطفاء ، فيكون المعنى: اصطفى آل عمران ، إذ قالت امرأة عمران ، واصطفاهم إذ قالت الملائكة: يا مريم ، هذا اختيار الزجاج . والثالث: أنها من صلة "سميع" تقديره: والله سميع إذ قالت ، وهذا اختيار ابن جرير الطبري . قال ابن عباس: واسم امرأة عمران حنة ، وهي أم مريم ، وهذا عمران بن ماتان ، وليس بـ "عمران أبي موسى " وليست هذه مريم أخت موسى . وبين عيسى وموسى ألف وثمانمائة سنة والمحرر . العتيق . قال ابن قتيبة: يقال: أعتقت الغلام ، وحررته: سواء . وأرادت: أي نذرت أن أجعل ما في بطني محررا من التعبيد للدنيا ، ليعبدك . وقال الزجاج: كان على أولادهم فرضا أن يطيعوهم في نذرهم ، فكان الرجل ينذر في ولده أن يكون خادما في متعبدهم . وقال ابن إسحاق: كان السبب في نذرها أنه أمسك عنها الولد حتى أسنت ، فرأت طائرا يطعم فرخا له ، فدعت الله أن يهب لها ولدا ، وقالت: اللهم لك علي إن رزقتني ولدا أن أتصدق به على بيت المقدس ، فحملت بمريم ، وهلك عمران ، وهي حامل . قال القاضي أبو يعلى: والنذر في مثل ما نذرت صحيح في شريعتنا ، فإنه إذا نذر الإنسان أن ينشئ ولده الصغير على عبادة الله وطاعته ، وأن يعلمه القرآن ، والفقه ، وعلوم الدين ، صح النذر .
فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم [ ص: 377 ] قوله تعالى: والله أعلم بما وضعت قرأ ابن عامر ، وعاصم إلا حفصا ويعقوب (بما وضعت) بإسكان العين ، وضم التاء . وقرأ الباقون بفتح العين ، وجزم التاء ، قال ابن قتيبة: من قرأ بجزم التاء ، وفتح العين ، فيكون في الكلام تقديم وتأخير ، تقديره: إني وضعتها أنثى ، وليس الذكر كالأنثى ، والله أعلم بما وضعت . ومن قرأ بضم التاء ، فهو كلام متصل من كلام أم مريم .

قوله تعالى: وليس الذكر كالأنثى من تمام اعتذارها ، ومعناه: لا تصلح الأنثى لما يصلح له الذكر ، من خدمته المسجد ، والإقامة فيه ، لما يلحق الأنثى من الحيض والنفاس . قال السدي: ظنت أن ما في بطنها غلام ، فلما وضعت جارية ، اعتذرت . ومريم: اسم أعجمي . وفي الرجيم قولان . أحدهما: الملعون ، قاله قتادة . والثاني: أنه المرجوم بالحجارة ، كما تقول: قتيل بمعنى مقتول ، قاله أبو عبيدة ، فعلى هذا سمي رجيما ، لأنه يرمى بالنجوم .
فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب .

قوله تعالى: فتقبلها ربها بقبول حسن قرأ مجاهد (فتقبلها) بسكون اللام (ربها) بنصب الباء (وأنبتها) بكسر الباء وسكون التاء على معنى الدعاء . قال الزجاج: الأصل في العربية: فتقبلها بتقبل حسن ، ولكن "قبول" محمول على قبلها قبولا يقال: قبلت الشيء قبولا ، ويجوز قبولا: إذا رضيته . (وأنبتها نباتا حسنا) أي: جعل نشوءها نشوءا حسنا ، وجاء "نباتا" على غير لفظ أنبت ، على معنى: نبتت نباتا حسنا . وقال ابن الأنباري: لما كان "أنبت" يدل على "نبت" حمل الفعل على المعنى ، فكأنه قال: وأنبتها ، فنبتت هي نباتا حسنا .

[ ص: 378 ] قال امرؤ القيس:


فصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا ورضت فذلت صعبة أي إذلال


أراد: أي رياضة: فلما دل "رضت" على "أذللت" حمله على المعنى . وللمفسرين في معنى النبات الحسن ، قولان أحدهما: أنه كمال النشوء ، قال ابن عباس: كانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في عام ، والثاني: أنه ترك الخطايا ، قال قتادة: حدثنا أنها كانت لا تصيب الذنوب ، كما يصيب بنو آدم .

قوله تعالى: (وكفلها) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر: "وكفلها" بفتح الفاء خفيفة ، و"زكرياء" مرفوع ممدود . وروى أبو بكر عن عاصم: تشديد الفاء ، ونصب "زكرياء" ، وكان يمد "زكرياء" في كل القرآن في رواية أبي بكر . وروى حفص عن عاصم: تشديد الفاء و"زكريا" مقصور في كل القرآن . وكان حمزة والكسائي يشددان و"كفلها" ، ويقصران "زكريا" في كل القرآن . فأما "زكريا" فقال الفراء: فيه ثلاث لغات . أهل الحجاز يقولون: هذا زكريا قد جاء ، مقصور ، وزكرياء ، ممدود ، وأهل نجد يقولون: زكري ، فيجرونه ، ويلقون الألف . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي ، عن ابن دريد ، قال: زكريا اسم أعجمي ، يقال: زكري ، وزكرياء ممدود ، وزكريا مقصور ، وقال غيره: وزكري بتخفيف الياء ، فمن قال: زكرياء بالمد ، قال في التثنيه: زكرياوان ، وفي الجمع زكرياوون ، ومن قال: زكريا بالقصر ، قال في التثنيه زكريان ، كما [ ص: 379 ] تقول: مدنيان ، ومن قال: زكري بتخفيف الياء ، قال في التثنية: زكريان الياء خفيفة ، وفي الجمع: زكرون بطرح الياء .

الإشارة إلى كفالة زكريا مريم

قال السدي: انطلقت بها أمها في خرقها ، وكانوا يقترعون على الذين يؤتون بهم ، فقال زكريا وهو نبيهم يومئذ: أنا أحقكم بها ، عندي أختها ، فأبوا ، وخرجوا إلى نهر الأردن ، فألقوا أقلامهم التي يكتبون بها ، فجرت الأقلام ، وثبت قلم زكريا ، فكفلها . قال ابن عباس: كانوا سبعة وعشرين رجلا ، فقالوا: نطرح أقلامنا ، فمن صعد قلمه مغالبا للجرية فهو أحق بها ، فصعد قلمزكريا ، فعلى هذا القول كانت غلبة زكريا بمصاعدة قلمه ، وعلى قول السدي بوقوفه في جريان الماء وقال مقاتل: كان يغلق عليها الباب ، ومعه المفتاح ، لا يأمن عليه أحدا ، وكانت إذا حاضت ، أخرجها إلى منزله تكون مع أختها أم يحيى ، فإذا طهرت ، ردها إلى بيت المقدس . والأكثرون على أنه كفلها منذ كانت طفلة بالقرعة . وقد ذهب قوم إلى أنه كفلها عند طفولتها بغير قرعة ، لأجل أن أمها ماتت ، وكانت خالتها عنده ، فلما بلغت ، أدخلوها الكنيسة لنذر أمها ، وإنما كان الاقتراع بعد ذلك بمدة ، لأجل سنة أصابتهم . فقال محمد بن إسحاق: كفلها زكريا إلى أن أصابت الناس سنة ، فشكا زكريا إلى بني إسرائيل ضيق يده ، فقالوا: ونحن أيضا كذلك ، فجعلوا يتدافعونها حتى اقترعوا ، فخرج السهم على جريج النجار ، وكان فقيرا ، وكان يأتيها باليسير ، فينمى ، فدخل زكريا ، فقال: ما هذا؟ على قدر نفقة جريج؟ فمن أين هذا؟ قالت: هو من عند الله . والصحيح ما عليه الأكثرون ، وأن القوم تشاحوا على كفالتها ، لأنها كانت بنت سيدهم وإمامهم عمران ، كذلك قال قتادة في آخرين ، وأن زكريا ظهر عليهم بالقرعة منذ طفولتها . فأما المحراب ، فقال أبو عبيدة: [ ص: 380 ] المحراب سيد المجالس ، ومقدمها ، وأشرفها ، وكذلك هو من المسجد . وقال الأصمعي: المحراب هاهنا: الغرفة . وقال الزجاج: المحراب في اللغة: الموضع العالي الشريف .

قال الشاعر:


ربة محراب إذا جئتها لم ألقها أو أرتقي سلما


قوله تعالى: (وجد عندها رزقا) قال ابن عباس: ثمار الجنة ، فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف ، وهذا قول الجماعة .

قوله تعالى: (أنى لك هذا) أي: من أين؟ قال الربيع بن أنس: كان زكريا إذا خرج ، أغلق عليها سبعة أبواب ، فإذا دخل وجد عندها رزقا . وقال الحسن: لم ترتضع ثديا قط ، وكان يأتيها رزقها من الجنة ، فيقول زكريا: أنى لك هذا؟ فتقول: هو من عند الله ، فتكلمت وهي صغيرة . وزعم مقاتل أن زكريا استأجر لها ظئرا ، وعلى ما ذكرنا عن ابن إسحاق يكون قوله لها: أنى لك هذا؟ لاستكثار ما يرى عندها . وما عليه الجمهور أصح . والحساب في اللغة: التقتير والتضييق .
هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء .

قوله تعالى: هنالك دعا زكريا ربه قال المفسرون: لما عاين زكريا هذه الآية العجيبة من رزق الله تعالى مريم الفاكهة في غير حينها ، طمع في الولد على الكبر . و (من لدنك) بمعنى: من عندك . والذرية ، تقال للجمع ، وتقال للواحد ، والمراد بها هاهنا: الواحد . قال الفراء: وإنما قال طيبة ، لتأنيث الذرية ، والمراد بالطيبة: النقية الصالحة . والسميع: بمعنى السامع . وقيل: أراد مجيب الدعاء




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #72  
قديم 07-02-2022, 03:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (72)
صــ381 إلى صــ 385

فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين .

قوله تعالى: (فنادته الملائكة) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر: فنادته بالتاء ، وقرأ حمزة ، والكسائي: فناداه بألف ممالة ، قال أبو علي: هو كقوله تعالى: (وقال نسوة) [ يوسف: 20 ] . وقرأ علي ، وابن مسعود ، وابن عباس: "فناداه" بألف . وفي الملائكة قولان . أحدهما: جبريل وحده ، قال السدي ، ومقاتل ، ووجهه أن العرب تخبر عن الواحد بلفظ الجمع ، تقول: ركبت في السفن ، وسمعت هذا من الناس . والثاني: أنهم جماعة من الملائكة ، وهو مذهب قوم ، منهم ابن جرير الطبري . وفي المحراب قولان . أحدهما: أنه المسجد . والثاني: أنه قبلة المسجد . وفي تسمية محراب الصلاة محرابا ، ثلاثة أقوال . أحدها: لانفراد الإمام فيه ، وبعده من الناس ، ومنه قولهم: فلان حرب لفلان: إذا كان بينهما مباغضة ، وتباعد ، ذكره ابن الأنباري عن أبيه ، عن أحمد بن عبيد . والثاني: أن المحراب في اللغة أشرف الأماكن ، وأشرف المسجد مقام الإمام . والثالث: أنه من الحرب فالمصلي محارب للشيطان .

قوله تعالى: (أن الله يبشرك بغلام) قرأ الأكثرون بفتح الألف على معنى: فنادته الملائكة بأن الله ، فلما حذف الجار منها ، وصل الفعل إليها ، فنصبها . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، بكسر "إن" فأضمر القول . والتقدير: فنادته ، فقالت: إن الله يبشرك . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو: يبشرك بضم الياء: وفتح الباء ، والتشديد في جميع القرآن إلا في (حم عسق) . (يبشر الله عباده) [ الشورى: 23 ] فإنهما فتحا الياء وضما الشين ، وخففاها . فأما نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، فشددا كل القرآن . وقرأ حمزة: "يبشر" خفيفا في كل القرآن ، إلا قوله تعالى: (فبم تبشرون) [ الحجر: 54 ] . وقرأ الكسائي "يبشر" مخففة في [ ص: 382 ] خمسة مواضع ، في (آل عمران) في قصة زكرياء ، وقصة مريم ، وفي بني (إسرائيل) ، وفي (الكهف) وفي (حم عسق) قال الزجاج: وفي "يبشرك" ثلاث لغات . أحدها: يبشرك ، بفتح الباء وتشديد الشين . والثانية: "يبشرك" بإسكان الباء ، وضم الشين . والثالثة: "يبشرك" بضم الياء وإسكان الباء ، فمعنى "يبشرك" بالتشديد و"يبشرك" بضم الياء: البشارة . ومعنى "يبشرك" بفتح الياء: يسرك ويفرحك ، يقال: بشرت الرجل أبشره: إذا أفرحته ، وبشر الرجل يبشر: إذا فرح .

وأنشد الأخفش والكسائي:


وإذا لقيت الباهشين إلى العلى غبرا أكفهم بقاع ممحل

فأعنهم وابشر بما بشروا به
وإذا هم نزلوا بضنك فانزل


فهذا على بشر يبشر: إذا فرح . وأصل هذا كله أن بشرة الإنسان تنبسط عند السرور ، ومنه قولهم: يلقاني ببشر . أي: بوجه منبسط ، وفي معنى تسميته "يحيى" خمسة أقوال . أحدها: لأن الله تعالى أحيا به عقر أمه ، قاله ابن عباس . والثاني: لأن الله تعالى أحيا قلبه بالإيمان ، قاله قتادة . والثالث: لأنه أحياه بين شيخ وعجوز ، قاله مقاتل . والرابع: لأنه حيي بالعلم والحكمة التي أوتيها ، قاله الزجاج . والخامس: لأن الله أحياه بالطاعة ، [ ص: 383 ] فلم يعص ، ولم يهم ، قاله الحسن بن الفضل . وفي "الكلمة" قولان . أحدهما: أنها عيسى ، وسمي كلمة ، لأنه بالكلمة كان ، وهي "كن" وهذا قول ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل . وقيل: إن يحيى كان أكبر من عيسى بستة أشهر ، وقتل يحيى قبل رفع عيسى . والثاني: أن الكلمة كتاب الله وآياته ، وهو قول أبي عبيدة في آخرين ووجهه أن العرب تقول: أنشدني فلان كلمة ، أي: قصيدة . وفي معنى السيد ثمانية أقوال . أحدها: أنه الكريم على ربه قاله ابن عباس ، ومجاهد . والثاني: أنه الحليم التقي ، روي عن ابن عباس أيضا ، وبه قال الضحاك . والثالث: أنه الحكيم ، قاله الحسن ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وعطاء ، وأبو الشعثاء ، والربيع ، ومقاتل . والرابع: أنه الفقيه العالم ، قاله سعيد بن المسيب . والخامس: أنه التقي ، رواه سالم عن ابن جبير . والسادس: أنه الحسن الخلق ، رواه أبو روق عن الضحاك . والسابع: أنه الشريف ، قاله ابن زيد . والثامن: أنه الذي يفوق قومه في الخير ، قاله الزجاج . وقال ابن الأنباري: السيد هاهنا: الرئيس ، والإمام في الخير . فأما "الحصور" فقال ابن قتيبة: هو الذي لا يأتي النساء ، وهو فعول بمعنى مفعول ، كأنه محصور عنهن ، أي: محبوس عنهن . وأصل الحصر: الحبس . ومما جاء على "فعول" بمعنى "مفعول" ركوب بمعنى مركوب ، وحلوب بمعنى محلوب ، وهيوب بمعنى مهيب . واختلف المفسرون لماذا كان لا يأتي النساء؟ على أربعة أقوال . أحدها: أنه لم يكن له ما يأتي به النساء ، فروى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: "كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا" قال: ثم دلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الأرض ، فأخذ عودا صغيرا ، ثم قال: "وذلك أنه لم يكن له ما للرجال إلا مثل هذا العود ، ولذلك سماه الله سيدا وحصورا" وقال سعيد بن المسيب: كان له كالنواة . [ ص: 384 ] . والثاني: أنه كان لا ينزل الماء ، قاله ابن عباس ، والضحاك . والثالث: أنه كان لا يشتهي النساء ، قاله الحسن ، وقتادة ، والسدي . والرابع: أنه كان يمنع نفسه من شهواتها ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى: (ونبيا من الصالحين) قال ابن الأنباري: معناه: من الصالحي الحال عند الله .
قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء .

قوله تعالى: (قال رب أنى يكون لي غلام) أي: كيف يكون؟! .

قال الكميت:


أنى ومن أين آبك الطرب


قال العلماء ، منهم الحسن ، وابن الأنباري ، وابن كيسان: كأنه قال: من أي: وجه يكون لي الولد؟ أيكون بإزالة العقر عن زوجتي ، ورد شبابي؟ أم يأتي ونحن على حالنا؟ فكان ذلك على سبيل الاستعلام ، لا على وجه الشك . قال الزجاج: يقال: غلام بين الغلومية ، وبين الغلامية ، وبين الغلومة . قال شيخنا أبو منصور اللغوي: الغلام: فعال ، من الغلمة ، وهي شدة شهوة النكاح . ويقال: للكهل: غلام .

قالت ليلى الأخيلية تمدح الحجاج:

[ ص: 385 ]
غلام إذا هز القناة سقاها


وكأن قولهم للكهل: غلام ، أي: قد كان مرة غلاما . وقولهم للطفل: غلام على معنى التفاؤل ، أي: سيصير غلاما . قال: وقيل: الغلام الطار الشارب ، ويقال: للجارية: غلامة . قال الشاعر:


يهان لها الغلامة والغلام


قوله تعالى: وقد بلغني الكبر أي: وقد بلغت الكبر ، قال الزجاج: كل شيء بلغته فقد بلغك . وفي سنة يومئذ ستة أقوال . أحدها: أنه كن ابن مائة وعشرين سنة ، وامرأته بنت ثمان وتسعين سنة ، قاله ابن عباس . والثاني: أنه كان ابن بضع وسبعين سنة ، قاله قتادة . والثالث: ابن خمس وسبعين ، قاله مقاتل . والرابع: ابن سبعين ، حكاه فضيل بن غزوان . والخامس: ابن خمس وستين . والسادس: ابن ستين ، حكاهما الزجاج . قال اللغويون: والعاقر من الرجال والنساء: الذي لا يأتيه الولد ، وإنما قال: "عاقرا" ولم يقل: عاقرة ، لأن الأصل في هذا الوصف للمؤنث ، والمذكر فيه كالمستعار ، فأجري مجرى "طالق" ، "حائض" هذا قول الفراء .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #73  
قديم 07-02-2022, 03:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (73)
صــ386 إلى صــ 390

قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار
[ ص: 386 ] قوله تعالى: (رب اجعل لي آية) أي: علامة على وجود الحمل . وفي علة سؤاله "آية" قولان . أحدهما: أن الشيطان جاءه ، فقال هذا الذي سمعت من صوت الشيطان ، ولو كان من وحي الله ، لأوحاه إليك ، كما يوحي إليك غيره ، فسأل الآية ، قاله السدي عن أشياخه . والثاني: أنه إنما سأل الآية على وجود الحمل ليبادر بالشكر ، وليتعجل السرور ، لأن شأن الحمل لا يتحقق بأوله ، فجعل الله آية وجود الحمل حبس لسانه ثلاثة أيام . فأما "الرمز" فقال الفراء: الرمز بالشفتين ، والحاجبين ، والعينين ، وأكثره في الشفتين . قال ابن عباس: جعل يكلم الناس بيده . وإنما منع من مخاطبة الناس ، ولم يحبس عن الذكر لله تعالى . وقال ابن زيد: كان يذكر الله ، ويشير إلى الناس . وقال عطاء بن السائب: اعتقل لسانه من غير مرض . وجمهور العلماء على أنه إنما اعتقل لسانه آية على وجود الحمل . وقال قتادة ، والربيع بن أنس: كان ذلك عقوبة له إذ سأل الآية بعد مشافهة الملائكة بالبشارة .

قوله تعالى: (وسبح) قال مقاتل: صل . قال الزجاج: يقال: فرغت من سبحتي ، أي: من صلاتي . وسميت الصلاة تسبيحا ، لأن التسبيح تعظيم الله ، وتبرئته من السوء ، فالصلاة يوصف فيها بكل ما يبرئه من السوء .

قوله تعالى: (بالعشي) العشي: من حين نزول الشمس إلى آخر النهار (والإبكار): ما بين طلوع الفجر إلى وقت الضحى: قال الشاعر:



فلا الظل في برد الضحى تستطيعه ولا الفيء من برد العشي يذوق


قال الزجاج: يقال: أبكر الرجل يبكر إبكارا ، وبكر يبكر تبكيرا ، وبكر يبكر [ ص: 387 ] في كل شيء تقدم فيه .
وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين .

قوله تعالى: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك) قال جماعة من المفسرين: المراد بالملائكة: جبريل وحده . وقد سبق معنى الاصطفاء . وفي المراد بالتطهير هاهنا أربعة أقوال . أحدها: أنه التطهير من الحيض ، قاله ابن عباس . وقال السدي: كانت مريم لا تحيض . وقال قوم: من الحيض والنفاس . والثاني: من مس الرجال ، روي عن ابن عباس أيضا . والثالث: من الكفر ، قاله الحسن ، ومجاهد . والرابع: من الفاحشة والإثم ، قاله مقاتل . وفي هذا الاصطفاء الثاني أربعة أقوال . أحدها: أنه تأكيد للأول . والثاني: أن الأول للعبادة ، والثاني: لولادة عيسى عليه السلام . والثالث: أن الاصطفاء الأول اختيار مبهم ، وعموم يدخل فيه صوالح من النساء ، فأعاد الاصطفاء لتفضيلها على نساء العالمين . والرابع: أنه لما أطلق الاصطفاء الأول ، أبان بالثاني: أنها مصطفاة على النساء دون الرجال . قال ابن عباس ، والحسن ، وابن جريج: اصطفاها على عالمي زمانها . قال ابن الأنباري: وهذا قول الأكثرين .
يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين .

قوله تعالى: (يا مريم اقنتي لربك) قد سبق شرح القنوت في "البقرة" وفي المراد به هاهنا أربعة أقوال . أحدها: أنه العبادة ، قاله الحسن . والثاني: طول القيام في الصلاة ، قاله [ ص: 388 ] مجاهد . والثالث: الطاعة ، قاله قتادة ، والسدي ، وابن زيد . والرابع: الإخلاص ، قاله سعيد بن جبير . وفي تقديم السجود على الركوع أربعة أقوال . أحدها: أن الواو لا تقتضي الترتيب ، وإنما تؤذن بالجمع ، فالركوع مقدم ، قاله الزجاج في آخرين . والثاني: أن المعنى استعملي السجود في حال ، والركوع في حال ، لا أنها يجتمعان في ركعة ، فكأنه حث لها على فعل الخير . والثالث: أنه مقدم ومؤخر ، والمعنى: اركعي واسجدي ، كقوله تعالى: إني متوفيك ورافعك إلي [ آل عمران: 55 ] . ذكرهما ابن الأنباري . والرابع: أنه كذلك كان في شريعتهم تقديم السجود على الركوع ، ذكره أبو سليمان الدمشقي . قال مقاتل: ومعناه: اركعي مع المصلين قراء بيت المقدس . قال مجاهد: سجدت حتى قرحت .
ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين .

قوله تعالى: (ذلك من أنباء الغيب) "ذلك" إشارة على ما تقدم من قصة زكرياء ، ويحيى ، وعيسى ، ومريم . والأنباء: الأخبار . والغيب: ما غاب عنك . والوحي: كل شيء دللت به من كلام ، أو كتاب ، أو إشارة ، أو رسالة ، قاله ابن قتيبة . والوحي في القرآن على أوجه تراها في كتابنا الموسوم بـ"الوجوه والنظائر" مونقة . وفي الأقلام ثلاثة أقوال . أحدها: أنها التي يكتب بها ، قاله ابن عباس ، وابن جبير ، والسدي . والثاني: أنها العصي ، قاله الربيع بن أنس . والثالث: أنها القداح ، وهو اختيار ابن قتيبة ، وكذلك قال الزجاج: هي قداح جعلوا عليها علامات يعرفونها على جهة القرعة . وإنما قيل للسهم: [ ص: 389 ] القلم ، لأنه يقلم ، أي: يبرى . وكل ما قطعت منه شيئا بعد شيء ، فقد قلمته ، ومنه القلم الذي يكتب به ، لأنه قلم مرة بعد مرة ، ومنه: قلمت أظفاري . قال: ومعنى: (أيهم يكفل مريم) لينظروا أيهم تجب له كفالة مريم ، وهو الضمان للقيام بأمرها . ومعنى: (لديهم) عندهم وقد سبق شرح كفالتهم لها آنفا . وفي المراد بالكلمة هاهنا ثلاثة أقوال . أحدها: أنه قول الله له: "كن" فكان ، قاله ابن عباس ، وقتادة . والثاني: أنها بشارة الملائكة مريم بعيسى ، حكاه أبو سليمان . والثالث: أن الكلمة اسم لعيسى ، وسمي كلمة ، لأنه كان عن الكلمة . وقال القاضي أبو يعلى: لأنه يهتدى به كما يهتدى بالكلمة من الله تعالى . وفي تسميته بالمسيح ستة أقوال . أحدها: أنه لم يكن لقدمه أخمص ، والأخمص: ما يتجافى عن الأرض من باطن القدم ، رواه عطاء عن ابن عباس . والثاني: أنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلا برأ ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثالث: أنه مسح بالبركة ، قاله الحسن ، وسعيد . والرابع: أن معنى المسيح: الصديق قاله مجاهد ، وإبراهيم النخعي ، وذكره اليزيدي . قال أبو سليمان الدمشقي: ومعنى هذا أن الله مسحه ، فطهره من الذنوب . والخامس: أنه كان يمسح الأرض أي: يقطعها ، ذكره ثعلب . وبيانه: أنه كان كثير السياحة . والسادس: أنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن ، قاله أبو سليمان الدمشقي ، وحكاه ابن القاسم وقال أبو عبيد: المسيح في كلام العرب على معنيين . أحدهما: المسيح الدجال ، والأصل فيه: الممسوح ، لأنه ممسوح أحد العينين . والمسيح عيسى ، وأصله بالعبرانية "مشيحا" بالشين ، فلما عربته العرب ، أبدلت من شينه سينا ، كما قالوا: موسى ، وأصله بالعبرانية موشى . قال ابن الأنباري: وإنما بدأ بلقبه ، فقال: المسيح عيسى بن مريم ، لأن المسيح أشهر من عيسى ، لأنه قل أن يقع على سمي يشتبه به ، وعيسى قد يقع على عدد كثير ، فقدمه لشهرته ، ألا ترى أن ألقاب الخلفاء أشهر من أسمائهم . فأما قوله: عيسى بن مريم ، فإن ما نسبه إلى أمه ، لينفي ما قال عنه الملحدون من النصارى ، إذ أضافوه إلى الله تعالى .

[ ص: 390 ] قوله تعالى: (وجيها) قال ابن زيد: التوجيه في كلام العرب: المحبب المقبول . وقال ابن قتيبة: الوجيه: ذو الجاه . وقال الزجاج: هو ذو المنزلة الرفيعة عند ذوي القدر والمعرفة ، يقال: قد وجه الرجل يوجه وجاهة ، ولفلان جاه عند الناس ، أي: منزلة رفيعة .

قوله تعالى: (ومن المقربين) قال قتادة: عند الله يوم القيامة . والمهد: مضجع الصبي في رضاعه ، وهو مأخوذ من التمهيد ، وهو التوطئة . وفي تكليمه للناس في تلك الحال قولان . أحدهما: لتبرئه أمه مما قذفت به . والثاني: لتحقيق معجزاته الدالة على نبوته . قال ابن عباس: تكلم ساعة في مهده ، ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغ النطق . (وكهلا) قال: ابن ثلاثين سنة أرسله الله تعالى ، فمكث في رسالته ثلاثين شهرا ، ثم رفعه الله . وقال وهب بن منبه: جاءه الوحي على رأس ثلاثين سنة ، فمكث في نبوته ثلاث سنين ، ثم رفعه الله . قال ابن الأنباري: كان عليه السلام قد زاد على الثلاثين ، ومن أربى عليها ، فقد دخل في الكهولة . والكهل عند العرب: الذي قد جاوز الثلاثين ، وإنما سمي الكهل كهلا ، لاجتماع قوته ، وكمال شبابه ، وهو من قولهم: قد اكتهل النبات . وقال ابن فارس: الكهل: الرجل حين وخطه الشيب . فإن قيل: قد علم أن الكهل يتكلم ، فعنه ثلاثة أجوبة . أحدها: أن هذا الكلام خرج مخرج البشارة بطول عمره ، أي: أنه يبلغ الكهولة . وقد روي عن ابن عباس أنه قال: (وكهلا) قال: ذلك بعد نزوله من السماء . والثاني: أنه أخبرهم أن الزمان يؤثر فيه ، وأن الأيام تنقله من حال إلى حال ، ولو كان إلها لم يدخل عليه هذا التغير ، ذكره ابن جرير الطبري . والثالث: أن المراد بالكهل: الحليم ، قاله مجاهد .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #74  
قديم 07-02-2022, 03:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (74)
صــ391 إلى صــ 395

قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون .

قوله تعالى: (قالت رب أنى يكون لي ولد) في علة قولها هذا قولان . أحدهما: أنها قالت هذا تعجبا واستفهاما ، لا شكا وإنكارا ، على ما أشرنا إليه في قصة زكريا ، وعلى هذا [ ص: 391 ] الجمهور . والثاني: أن الذي خاطبها كان جبريل ، وكانت تظنه آدميا يريد بها سوءا ، ولهذا قالت: أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا [ مريم: 18 ] ، فلما بشرها لم تتيقن صحة قوله ، لأنها لم تعلم أنه ملك ، فلذلك قالت: (أنى يكون لي ولد) قاله ابن الأنباري .

قوله تعالى: (ولم يمسسني) أي: ولم يقربني زوج ، والمس: الجماع ، قاله ابن فارس . وسمي البشر بشرا ، لظهورهم ، والبشرة: ظاهر جلد الإنسان ، وأبشرت الأرض: أخرجت نباتها . وبشرت الأديم: إذا قشرت وجهه ، وتباشير الصبح: أوائله . قال: يعني جبريل: (كذلك الله يخلق ما يشاء) أي: بسبب ، وبغير سبب ، وباقي الآية مفسر في "البقرة" .
ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل .

قوله تعالى: (ويعلمه الكتاب) قرأ الأكثرون "ونعلمه" بالنون . وقرأ نافع ، وعاصم بالياء ، فعطفاه على قوله "يبشرك" وفي الكتاب قولان . أحدهما: أنه كتب النبيين وعلمهم ، قاله ابن عباس . والثاني: الكتابة ، قاله ابن جريج ومقاتل . قال ابن عباس: والحكمة: الفقه ، وقضاء النبيين .
ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين .

قوله تعالى: (ورسولا) قال الزجاج: ينتصب على وجهين . أحدهما: ونجعله رسولا ، والاختيار عندي: ويكلم الناس رسولا .

قوله تعالى: (أني أخلق) قرأ الأكثرون "أني" بالفتح ، فجعلوها بدلا من آية فكأنه قال: قد جئتكم بأني أخلق لكم ، وقرأ نافع بالكسر ، قال أبو علي: يحتمل وجهين . أحدهما: أن يكون مستأنفا . والثاني: أنه فسر الآية بقوله: أني أخلق ، أي: أصور وأقدر .

[ ص: 392 ] قال ابن عباس: أخذ طينا ، وصنع منه خفاشا ، ونفخ فيه ، فإذا هو يطير ، ويقال: لم يصنع غير الخفاش ، ويقال: إن بني إسرائيل نعتوه بذلك لأن الخفاش عجيب الخلق . وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال لهم: ماذا تريدون؟ قالوا: الخفاش . فسألوه أشد الطير خلقا ، لأنه يطير بغير ريش . وقال وهب: كان الذي صنعه يطير ما دام الناس ينظرونه ، فإذا غاب عن أعينهم ، سقط ميتا ، ليميز فعل الخلق من فعل الخالق . والأكثرون قرؤوا (فيكون طيرا) وقرأ نافع هاهنا وفي (المائدة) طائرا . قال أبو علي: حجة الجمهور قوله تعالى: (كهيئة الطير) ولم يقل: كهيئة الطائر . ووجهة قراءة نافع: أنه أراد: يكون ما أنفخ فيه ، أو ما أخلقه ، طائرا . وفي "الأكمه" أربعة أقوال . أحدها: أنه الذي يولد أعمى ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وسعيد عن قتادة ، وبه قال اليزيدي ، وابن قتيبة ، والزجاج . والثاني: أنه الأعمى ، ذكره ابن جريج عن ابن عباس ، ومعمر عن قتادة ، وبه قال الحسن ، والسدي . وحكى الزجاج عن الخليل أن الأكمه: هو الذي يولد أعمى ، وهو الذي يعمى ، وإن كان بصيرا . والثالث: أنه الأعمش ، قاله عكرمة . والرابع: أنه الذي يبصر بالنهار ، ولا يبصر بالليل ، قاله مجاهد والضحاك . والأبرص: الذي به وضح . وكان الغالب على زمان عيسى عليه السلام ، علم الطب ، فأراهم المعجزة من جنس ذلك ، إلا أنه ليس في الطب إبراء الأكمه والأبرص ، وكان ذلك دليلا على صدقه . قال وهب: ربما اجتمع على عيسى من المرضى في اليوم الواحد خمسون ألفا ، وإنما كان يداويهم بالدعاء . وذكر المفسرون أنه أحيا أربعة أنفس من الموت . وعن ابن عباس: أن الأربعة كلهم بقي حتى ولد له ، إلا سام بن نوح .

قوله تعالى: (وأنبئكم بما تأكلون) قال سعيد بن جبير : كان عيسى إذا كان في المكتب يخبرهم بما يأكلون ، ويقول للغلام: يا غلام إن أهلك قد هيئوا لك كذا وكذا من الطعام فتطعمني منه؟ وقال مجاهد: بما أكلتم البارحة ، وبما خبأتم منه . وعلى هذا المفسرون ، إلا أن [ ص: 393 ] قتادة كان يقول: وأنبئكم بما تأكلون من المائدة التي تنزل عليكم ، وما تدخرون منها ، وكان أخذ عليهم أن يأكلوا منها ، ولا يدخروا ، فلما خانوا ، مسخوا خنازير .
ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم .

قوله تعالى: (ومصدقا لما بين يدي) قال الزجاج: نصب "مصدقا" على الحال ، أي: وجئتكم مصدقا (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) قال قتادة: كان قد حرم عليهم موسى الإبل والثروب وأشياء من الطير ، فأحلها عيسى .

قوله تعالى: (وجئتكم بآية) أي: بآيات تعلمون بها صدقي ، وإنما وحد ، لأن الكل من جنس واحد (من ربكم) أي: من عند ربكم .
فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون .

قوله تعالى: (فلما أحس عيسى) أي: علم . قال شيخنا أبو منصور اللغوي: يقال: أحسست بالشيء ، وحسست به ، وقول الناس في المعلومات "محسوسات" خطأ ، إنما الصواب "المحسات" فأما المحسوسات ، فهي المقتولات ، يقال: حسه: إذا قتله . والأنصار: الأعوان . و"إلى" بمعنى "مع" في قول الجماعة ، قال الزجاج: وإنما حسنت في موضع "مع" لأن "إلى" غاية و"مع" تضم الشيء بالشيء . قال ابن الأنباري: ويجوز أن [ ص: 394 ] يكون المعنى: من أنصاري إلى أن أبين أمر الله . واختلفوا في سبب استنصاره بالحواريين ، فقال مجاهد: لما كفر به قومه ، وأرادوا قتله ، استنصر الحواريين . وقال غيره: لما كفروا به ، وأخرجوه من قريتهم ، استنصر الحواريين . وقيل: استنصرهم لإقامة الحق ، وإظهار الحجة . والجمهور على تشديد "ياء" الحواريين . وقرأ الجوني ، والجحدري ، وأبو حيوة: الحواريون بتخفيف الياء . وفي معنى الحواريين ستة أقوال . أحدها: أنهم الخواص الأصفياء ، قال ابن عباس: الحواريون: أصفياء عيسى . وقال الفراء: كانوا خاصة عيسى . وقال الزجاج: الحواريون في اللغة: الذين أخلصوا ، ونقوا من كل عيب ، وكذلك الدقيق: الحواري ، إنما سمي بذلك ، لأنه ينقى من لباب البر وخالصه . قال حذاق اللغويين: الحواريون: صفوة الأنبياء الذين خلصوا وأخلصوا في تصديقهم ونصرتهم . ويقال: عين حوراء: إذا اشتد بياضها . وخلص ، واشتد سوادها ، ولا يقال: امرأة حوراء ، إلا أن تكون مع حور عينها بيضاء . والثاني: أنهم البيض الثياب ، روى سعيد بن جبير . عن ابن عباس أنهم سموا بذلك ، لبياض ثيابهم . والثالث: أنهم القصارون ، سموا بذلك ، لأنهم كانوا يحورون الثياب ، أي: يبيضونها . قال الضحاك ، ومقاتل: الحواريون: هم القصارون . قال اليزيدي: ويقال: للقصارين: الحواريون ، لأنهم يبيضون الثياب ، ومنه سمي الدقيق: الحوارى ، والعين الحوراء: النقية المحاجر . والرابع: الحواريون: المجاهدون .

وأنشدوا:


ونحن أناس يملأ البيض هامنا ونحن حواريون حين نزاحف

[ ص: 395 ] جماجمنا يوم اللقاء تراسنا
إلى الموت نمشي ليس فينا تحانف


والخامس: الحواريون: الصيادون . والسادس: الحواريون: الملوك ، حكى هذه الأقوال الثلاثة ابن الأنباري . قال ابن عباس: وعدد الحواريين اثنا عشر رجلا . وفي صناعتهم قولان . أحدهما ، أنهم كانوا يصطادون السمك ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس . والثاني: أنهم كانوا يغسلون الثياب ، قاله الضحاك ، وأبو أرطأة .
ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين .

قوله تعالى: (ربنا آمنا بما أنزلت) هذا قول الحواريين . والذي أنزل: الإنجيل والرسول: عيسى . وفي المراد بالشاهدين خمسة أقوال . أحدها: أنهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمته ، لأنهم يشهدون للرسل بالتبليغ ، رواه عكرمة عن ابن عباس . والثاني: أنهم من آمن قبلهم من المؤمنين ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثالث: أنهم الأنبياء ، لأن كل نبي شاهد أمته ، قاله عطاء . والرابع: أن الشاهدين: الصادقون ، قاله مقاتل . والخامس: أنهم الذين شهدوا للأنبياء بالتصديق . فمعنى الآية: صدقنا ، واعترفنا ، فاكتبنا مع من فعل فعلنا ، هذا قول الزجاج .
ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين .

قوله تعالى: (ومكروا ومكر الله) قال الزجاج: المكر من الخلق: خبث وخداع ، ومن الله عز وجل: المجازاة ، فسمي باسم ذلك ، لأنه مجازاة عليه ، كقوله تعالى: الله يستهزئ بهم [ البقرة: 15 ] ، والله خير الماكرين [ آل عمران: 54 ] ، لأن مكره مجازاة ، ونصر للمؤمنين . قال ابن عباس: ومكرهم ، أن اليهود أرادوا قتل عيسى ، فدخل خوخة ، فدخل رجل منهم ، فألقى عليه شبه عيسى ، ورفع عيسى إلى السماء ، فلما خرج إليهم ، ظنوه عيسى ، فقتلوه .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #75  
قديم 07-02-2022, 03:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (75)
صــ396 إلى صــ 400

إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون .

قوله تعالى: (إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك) قال ابن قتيبة: التوفي ، من استيفاء العدد ، يقال: توفيت ، واستوفيت ، كما يقال: تيقنت الخبر ، واستيقنته ، ثم قيل للموت: وفاة ، وتوف . وأنشد أبو عبيدة:


إن بني الأدرد ليسوا من أحد ليسوا إلى قيس وليسوا من أسد

ولا توفاهم قريش في العدد


أي: لا تجعلهم وفاء لعددها ، والوفاء: التمام . وفي هذا التوفي قولان . أحدهما: أنه الرفع إلى السماء . والثاني: أنه الموت . فعلى القول الأول يكون نظم الكلام مستقيما من غير تقديم وتأخير ، ويكون معنى "متوفيك" قابضك من الأرض وافيا تاما من غير أن ينال منك اليهود شيئا ، هذا قول الحسن ، وابن جريج ، وابن قتيبة ، واختاره الفراء ، ومما يشهد لهذا الوجه قوله تعالى: فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم [ المائدة: 117 ] ، أي: [ ص: 397 ] رفعتني إلى السماء من غير موت ، لأنهم إنما بدلوا بعد رفعه ، لا بعد موته . وعلى القول الثاني: يكون في الآية تقديم وتأخير ، تقديره: إني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ، ومتوفيك بعد ذلك ، هذا قول الفراء ، والزجاج في آخرين . فتكون الفائدة في إعلامه بالتوفي تعريفه أن رفعه إلى السماء لا يمنع من موته . قال سعيد بن المسيب: رفع عيسى وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة . وقال مقاتل: رفع من بيت المقدس ليلة القدر في رمضان . وقيل: عاشت أمه مريم بعد رفعه ست سنين . ويقال: ماتت قبل رفعه .

قوله تعالى: (ومطهرك من الذين كفروا) فيه قولان . أحدهما: أنه رفعه من بين أظهرهم . والثاني: منعهم من قبله . وفي الذين اتبعوه قولان . أحدهما: أنهم المسلمون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنهم صدقوا بنبوته ، وأنه روح الله وكلمته ، هذا قول قتادة ، والربيع ، وابن السائب . والثاني: أنهم النصارى ، فهم فوق اليهود ، واليهود مستذلون مقهورون ، قاله ابن زيد .

قوله تعالى: (فيما كنتم فيه تختلفون) يعني الدين .
فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين .

قوله تعالى: (فأما الذين كفروا) قيل: هم اليهود والنصارى ، وعذابهم في الدنيا بالسيف والجزية ، وفي الآخرة بالنار .
وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين .

قوله تعالى: (فيوفيهم أجورهم) قرأ الأكثرون بالنون ، وقرأ الحسن ، وقتادة ، وحفص عن عاصم: فيوفيهم بالياء معطوفا على قوله تعالى: (إذ قال الله يا عيسى) .
ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم

[ ص: 398 ] قوله تعالى: (ذلك نتلوه عليك) يعني ما جرى من القصص . (من الآيات) يعني الدلالات على صحة رسالتك ، إذ كانت أخبارا لا يعلمها أمي . (والذكر الحكيم) قال ابن عباس: هو القرآن . قال الزجاج: معناه: ذو الحكمة في تأليفه ونظمه ، وإبانة الفوائد منه .
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون .

قوله تعالى: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم) قال أهل التفسير: سبب نزول هذه الآية ، مخاصمة وفد نجران من النصارى للنبي صلى الله عليه وسلم ، في أمر عيسى ، وقد ذكرناه في أول السورة . فأما تشبيه عيسى بآدم ، فلأنهما جميعا من غير أب .

قوله تعالى: (خلقه من تراب) يعني: آدم . قال ثعلب: وهذا تفسير لأمر آدم . وليس بحال .

قوله تعالى: (ثم قال له) يعني لآدم ، وقيل لعيسى (كن فيكون) أي: فكان: فأريد بالمستقبل الماضي ، كقوله تعالى: واتبعوا ما تتلو الشياطين أي: ما تلت الشياطين .
الحق من ربك فلا تكن من الممترين .

قوله تعالى: (الحق من ربك) قال الزجاج: الحق مرفوع على خبر ابتداء محذوف ، المعنى: الذي أنبأتك به في قصة عيسى الحق من ربك (فلا تكن من الممترين) أي: الشاكين والخطاب للنبي خطاب للخلق ، لأنه لم يشك .
فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين [ ص: 399 ] قوله تعالى: (فمن حاجك فيه) في "هاء" فيه قولان . أحدهما: أنها ترجع إلى عيسى . والثاني: إلى الحق . والعلم: البيان والإيضاح .

قوله تعالى: (فقل تعالوا) قال ابن قتيبة: تعالى: تفاعل ، من علوت ، ويقال للاثنين من الرجال والنساء: تعاليا ، وللنساء: تعالين ، قال الفراء: أصلها من العلو ، ثم إن العرب لكثرة استعمالهم إياها ، صارت عندهم بمنزلة "هلم" حتى استجازوا أن يقولوا للرجل ، وهو فوق شرف: تعالى ، أي: اهبط . وإنما أصلها: الصعود . قال المفسرون: أراد بأبنائنا: فاطمة والحسن ، والحسين . وروى مسلم في "صحيحه" من حديث سعد بن أبي وقاص قال: لما نزلت هذه الآية (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: "اللهم هؤلاء أهلي" .

قوله تعالى: (وأنفسنا) فيه خمسة أقوال . أحدها: أراد علي بن أبي طالب ، قاله الشعبي . والعرب تخبر عن ابن العم بأنه نفس ابن عمه . والثاني: أراد الأخوان ، قاله ابن قتيبة . والثالث: أراد أهل دينه ، قاله أبو سليمان الدمشقي . والرابع: أراد الأزواج . والخامس: أراد القرابة القريبة ، ذكرهما علي بن أحمد النيسابوري . فأما الابتهال ، فقال ابن قتيبة: هو التداعي باللعن ، يقال: عليه بهله الله . وبهلته أي: لعنته . وقال الزجاج: معنى الابتهال في اللغة: المبالغة في الدعاء ، وأصله: الالتعان ، يقال: بهله الله ، أي: لعنه . وأمر بالمباهلة بعد إقامة الحجة . قال جابر بن عبد الله: قدم وفد نجران فيهم السيد والعاقب ، فذكر الحديث . إلى أن قال: فدعاهما إلى الملاعنة ، فواعداه أن يفادياه ، فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين . ثم أرسل إليهما ، فأبيا أن يجيباه ، فأقرا له بالخراج ، فقال: [ ص: 400 ] والذي يعثني بالحق لو فعلا لأمطر الوادي عليهم نارا .
إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم .

قوله تعالى: (وما من إله إلا الله) قال الزجاج: دخلت "من" هاهنا توكيدا ودليلا على نفي جميع ما ادعى المشركون من الآلهة .

فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين .

قوله تعالى: (فإن تولوا) فيه ثلاثة أقوال . أحدها: عن الملاعنة ، قاله مقاتل . والثاني: أنه عن البيان الذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله الزجاج . والثالث: عن الإقرار بوحدانية الله ، وتنزيهه عن الصاحبة والولد ، قاله أبو سليمان الدمشقي . وفي الفساد هاهنا قولان . أحدهما: أنه العمل بالمعاصي ، قاله مقاتل . والثاني: الكفر ، ذكره الدمشقي .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #76  
قديم 07-02-2022, 03:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (76)
صــ401 إلى صــ 405

قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون .

قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب) فيه ثلاثة أقوال . أحدها: أنهم اليهود ، قاله قتادة ، وابن جريج ، والربيع بن أنس . والثاني: وفد نجران الذين حاجوا في عيسى ، قاله السدي ومقاتل . والثالث: أهل الكتابين جميعا ، قاله الحسن . وقال ابن عباس: نزلت في القسيسين والرهبان ، فبعث بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى جعفر وأصحابه بالحبشة ، فقرأها جعفر ، والنجاشي جالس ، وأشراف الحبشة . فأما "الكلمة" فقال المفسرون هي: لا إله إلا الله . فإن قيل: [ ص: 401 ] فهذه كلمات ، فلم قال كلمة؟ فعنه جوابان . أحدهما: أن الكلمة تعبر عن ألفاظ وكلمات . قال اللغويون: ومعنى كلمة: كلام فيه شرح قصة وإن طال ، تقول العرب: قال زهير في كلمته يراد في قصيدته .

قالت الخنساء:


وقافية مثل حد السنا ن تبقى ويذهب من قالها

تقد الذؤابة من يذبل
أبت أن تزايل أوعالها

نطقت ابن عمرو فسهلتها
ولم ينطق الناس أمثالها


فأوقعت القافية على القصيدة كلها ، والغالب على القافية أن تكون في آخر كلمة من البيت ، وإنما سميت قافية ، لإن الكلمة تتبع البيت ، وتقع آخره ، فسميت قافية من قول العرب: قفوت فلانا: إذا اتبعته ، وإلى هذا الجواب يذهب الزجاج وغيره . والثاني: أن المراد بالكلمة: كلمات ، فاكتفى بالكلمة من كلمات ، كما قال علقمة بن عبدة:


بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب


أراد: وأما جلودها ، فاكتفى بالواحد من الجمع ، ذكره والذي قبله ابن الأنباري .

قوله تعالى: (سواء بيننا وبينكم) قال الزجاج: يعني بالسواء العدل ، وهو من استواء الشيء ، ويقال: للعدل سواء وسواء وسواء [ ص: 402 ] قال زهير بن أبي سلمى:


أروني خطة ضيم فيها يسوي بيننا فيها السواء


فإن تدعوا السواء فليس بيني وبينكم بني حصن بقاء


قال: وموضع "أن" في قوله تعالى: (ألا تعبدوا إلا الله) خفض على البدل من "كلمة" المعنى: تعالوا إلى أن لا نعبد إلا الله . وجائز أن يكون "أن" في موضع رفع ، كأن قائلا قال: ما الكلمة؟ فأجيب ، فقيل: هي ألا نعبد إلا الله .

قوله تعالى: (ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) فيه ثلاثة أقوال . أحدها: أنه سجود بعضهم لبعض ، قاله عكرمة . والثاني: لا يطيع بعضنا بعضا في معصية الله ، قاله ابن جريج . والثالث: أن نجعل غير الله ربا ، كما قالت النصارى في المسيح ، قاله مقاتل والزجاج .
يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون .

قوله تعالى: (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم) قال ابن عباس ، والحسن ، والسدي: اجتمع عند النبي صلى الله عليه وسلم نصارى نجران ، وأحبار اليهود ، فقال هؤلاء: ما كان إبراهيم إلا يهوديا ، وقال هؤلاء: ما كان إلا نصرانيا . فنزلت هذه الآية .

ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون [ ص: 403 ] قوله تعالى: (ها أنتم) قرأ ابن كثير "هأنتم" مثل: هعنتم ، فأبدل من همزة الاستفهام "الهاء" أراد: أأنتم . وقرأ نافع وأبو عمرو و"هانتم" ممدودا ، استفهام بلا همزة ، وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي . "ها أنتم" ممدودا مهموزا ، ولم يختلفوا في مد "هؤلاء" و"أولاء" .

قوله تعالى: (فيما لكم به علم) فيه قولان . أحدهما: أنه ما رأوا وعاينوا ، قاله قتادة . والثاني: ما أمروا به ، ونهوا عنه ، قاله السدي . فأما الذي ليس لهم به علم ، فهو شأن إبراهيم عليه السلام . وقد روى أبو صالح عن ابن عباس أنه كان بين إبراهيم وموسى ، خمسمائة وخمس وسبعون سنة . وبين موسى وعيسى ألف وستمائة واثنتان وثلاثون سنة . وقال ابن إسحاق: كان بين إبراهيم وموسى خمسمائة وخمس وستون سنة ، وبين موسى وعيسى ألف وتسعمائة وخمس وعشرون سنة . وقد سبق في (البقرة) معنى الحنيف .
ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين .

قوله تعالى: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) في سبب نزولها قولان . أحدهما: أن رؤساء اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لقد علمت أنا أولى بدين إبراهيم منك ، وأنه كان يهوديا ، وما بك إلا الحسد ، فنزلت هذه الآية . ومعناها: أحق الناس بدين إبراهيم ، الذين اتبعوه على دينه ، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم على دينه ، قاله ابن عباس . والثاني: أن عمرو بن العاص أراد أن يغضب النجاشي على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال للنجاشي: إنهم ليشتمون عيسى . فقال النجاشي: ما يقول صاحبكم في عيسى؟ فقالوا: يقول: إنه عبد الله وروحه ، وكلمته ألقاها إلى مريم . فأخذ النجاشي من سواكه قدر ما يقذي العين ، فقال: والله ما زاد على ما يقول صاحبكم ما يزن هذا القذى ، ثم قال: أبشروا ، فلا دهورة اليوم على حزب إبراهيم .

[ ص: 404 ] قال عمرو بن العاص : ومن حزب إبراهيم؟ قال هؤلاء الرهط وصاحبهم . فأنزل الله يوم خصومتهم على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية ، هذا قول عبد الرحمن بن غنم
ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون .

قوله تعالى: (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم) سبب نزولها أن اليهود قالوا لمعاذ بن جبل ، وعمار بن ياسر: تركتما دينكما ، واتبعتما دين محمد ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس . والطائفة: اسم لجماعة مجتمعين على ما اجتمعوا عليه من دين ، ورأي ، ومذهب ، وغير ذلك . وفي هذه الطائفة قولان . أحدهما: أنهم اليهود ، قاله ابن عباس . والثاني: اليهود والنصارى ، قاله أبو سليمان الدمشقي . والضلال: الحيرة . وفيه هاهنا قولان . أحدهما: أنه الاستنزال عن الحق إلى الباطل ، وهو قول ابن عباس ، ومقاتل . والثاني: الإهلاك ، ومنه أإذا ضللنا في الأرض [ السجدة: 10 ] . قاله ابن جرير ، والدمشقي . وفي قوله: (وما يشعرون) قولان . أحدهما: وما يشعرون أن الله يدل المؤمنين على حالهم ، والثاني: وما يشعرون أنهم يضلون أنفسهم .
يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون .

قوله تعالى: (لم تكفرون بآيات الله) قال قتادة: يعني: محمدا والإسلام (وأنتم تشهدون) أن بعث محمد في كتابكم ، ثم تكفرون به .
يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون .

قوله تعالى: (لم تلبسون الحق بالباطل) قال اليزيدي: معناه: لم تخلطون الحق بالباطل؟ قال ابن فارس: واللبس: اختلاط الأمر ، وفي الأمر لبسة ، أي: ليس بواضح .

[ ص: 405 ] وفي الحق والباطل أربعة أقوال . أحدها: أن الحق: إقرارهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، والباطل: كتمانهم بعض أمره . والثاني: الحق: إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم غدوة ، والباطل: كفرهم به عشية ، رويا عن ابن عباس . والثالث: الحق: التوراة ، والباطل: ما كتبوه فيها بأيديهم ، قاله الحسن ، وابن زيد . والرابع: الحق: الإسلام ، والباطل: اليهودية والنصرانية ، قاله قتادة .

قوله تعالى: (وتكتمون الحق) قال قتادة: كتموا الإسلام ، وكتموا محمدا صلى الله عليه وسلم .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #77  
قديم 07-02-2022, 03:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (77)
صــ406 إلى صــ 410

وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون .

قوله تعالى: (وقالت طائفة من أهل الكتاب) في سبب نزولها قولان . أحدهما: أن طائفة من اليهود قالوا: إذا لقيتم أصحاب محمد أول النهار ، فآمنوا ، وإذا كان آخره ، فصلوا صلاتكم لعلهم يقولون: هؤلاء أهل الكتاب ، وهم أعلم منا ، فينقلبون عن دينهم ، رواه عطية عن ابن عباس . وقال الحسن والسدي: تواطأ اثنا عشر حبرا من اليهود ، فقال بعضهم لبعض: ادخلوا في دين محمد باللسان أول النهار ، واكفروا آخره ، وقولوا: إنا نظرنا في كتبنا ، وشاورنا علماءنا ، فوجدنا محمدا ليس بذلك ، فيشك أصحابه في دينهم ، ويقولون: هم أهل الكتاب ، وهم أعلم منا ، فيرجعون إلى دينكم ، فنزلت هذه الآية . وإلى هذا المعنى ذهب الجمهور . والثاني: أن الله تعالى صرف نبيه إلى الكعبة عند صلاة الظهر ، فقال قوم من علماء اليهود: (آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار) يقولون: آمنوا بالقبلة التي صلوا إليها الصبح ، واكفروا بالتي صلوا إليها آخر النهار ، لعلهم يرجعون إلى قبلتكم ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، قال مجاهد ، وقتادة ، والزجاج في آخرين: وجه النهار: أوله .

وأنشد الزجاج:


من كان مسرورا بمقتل مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار

[ ص: 406 ] يجد النساء حواسرا يندبنه
قد قمن قبل تبلج الأسحار

ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم .

قوله تعالى: (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) اختلف العلماء في توجيه هذه الآية على أربعة أقوال . أحدها: أن معناه: ولا تصدقوا إلا من تبع دينكم ، ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مما أوتيتم من العلم ، وفلق البحر ، والمن ، والسلوى ، وغير ذلك ، ولا تصدقوا أن يجادلوكم عند ربكم ، لأنكم أصح دينا منهم ، فيكون هذا كله من كلام اليهود بينهم ، وتكون اللام في "لمن" صلة ، ويكون قوله تعالى: (قل إن الهدى هدى الله) كلاما معترضا بين كلامين ، هذا معنى قول مجاهد ، والأخفش . والثاني: أن كلام اليهود تام عند قوله: (لمن تبع دينكم) والباقي من قول الله تعالى ، لا يعترضه شيء من قولهم ، وتقديره: قل يا محمد: إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا أمة محمد ، إلا أن تجادلكم اليهود بالباطل ، فيقولون: نحن أفضل منكم ، هذا معنى قول الحسن ، وسعيد بن جبير . قال الفراء: [ ص: 407 ] معنى "أن يؤتى": أن لا يؤتى . والثالث: أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، تقديره: ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، إلا من تبع دينكم ، فأخرت "أن" وهي مقدمة في النية على مذهب العرب في التقديم والتأخير ، ودخلت اللام على جهة التوكيد ، كقوله تعالى: عسى أن يكون ردف لكم [ النمل: 72 ] أي: ردفكم .

وقال الشاعر:


ما كنت أخدع للخليل بخلة حتى يكون لي الخليل خدوعا


أراد: ما كنت أخدع الخليل .

وقال الآخر:


يذمون الدنيا وهم يحلبونها أفاويق حتى ما يدر لها ثعل


أراد: يذمون الدنيا ، ذكره ابن الأنباري . والرابع: أن اللام غير زائدة ، والمعنى: لا تجعلوا تصديقكم النبي في شيء مما جاء به إلا لليهود ، فإنكم إن قلتم ذلك للمشركين ، كان عونا لهم على تصديقه ، قاله الزجاج . وقال ابن الأنباري: لا تؤمنوا أن محمدا وأصحابه على حق إلا لمن تبع دينكم ، مخافة أن يطلع على عنادكم الحق ، ويحاجوكم به عند ربكم . فعلى هذا يكون معنى الكلام: لا تقروا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم ، وقد ذكر هذا المعنى مكي بن أبي طالب النحوي . وقرأ ابن كثير: أان يؤتى بهمزتين ، الأولى مخففة ، والثانية ملينة على الاستفهام ، مثل: أأنتم أعلم . قال أبو علي: ووجهها أن "أن" في موضع رفع بالابتداء ، وخبره: يصدقون به ، أو يعترفون به ، أو يذكرونه لغيركم ، ويجوز أن يكون [ ص: 408 ] موضع "أن" نصبا ، فيكون المعنى: أتشيعون ، أو أتذكرون أن يؤتى أحد ، ومثله في المعنى: (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم) [ البقرة: 76 ] . وقرأ الأعمش ، وطلحة بن مصرف: أن يؤتى ، بكسر الهمزة ، على معنى: ما يؤتى . وفي قوله تعالى: (أو يحاجوكم عند ربكم) قولان . أحدهما: أن معناه: ولا تصدقوا أنهم يحاجوكم عند ربكم ، لأنهم لا حجة لهم ، قاله قتادة . والثاني: أن معناه: حتى يحاجوكم عند ربكم على طريق التعبد ، كما يقال: لا يلقاه أو تقوم الساعة ، قاله الكسائي .

قوله تعالى: (إن الفضل بيد الله) قال ابن عباس: يعني النبوة ، والكتاب ، والهدى (يؤتيه من يشاء) لا ما تمنيتموه أنتم يا معشر اليهود من أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم .
يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم .

قوله تعالى: (يختص برحمته من يشاء) في الرحمة ثلاثة أقوال . أحدها: أنها الإسلام ، قاله ابن عباس ، ومقاتل . والثاني: النبوة ، قاله مجاهد . والثالث: القرآن والإسلام ، قاله ابن جريج .
ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون .

قوله تعالى: (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار) قال ابن عباس: أودع رجل ألفا ومئتي أوقية من ذهب عبد الله بن سلام ، فأداهما إليه ، فمدحه الله بهذه الآية ، وأودع رجل فنحاص بن عازوراء دينارا ، فخانه . وأهل الكتاب: اليهود . وقد سبق الكلام في القنطار . وقيل: إن "الباء" في قوله: "بقنطار" بمعنى "على" فأما الدينار ، فقرأت على [ ص: 409 ] شيخنا أبي منصور اللغوي ، قال: الدينار فارسي معرب ، وأصله: دنار ، وهو وإن كان معربا ، فليس تعرف له العرب اسما غير الدينار ، فقد صار كالعربي ، ولذلك ذكره الله تعالى في كتابه ، لأنه خاطبهم بما عرفوا . واشتقوا منه فعلا ، فقالوا: رجل مدنر: كثير الدنانير . وبرذون مدنر: أشهب مستدير النقش ببياض وسواد . فإن قيل: لم خص أهل الكتاب بأن فيهم خائنا وأمينا والخلق على ذلك ، فالجواب: أنهم يخونون المسلمين استحلالا لذلك ، وقد بينه في قوله تعالى: (ليس علينا في الأميين سبيل) فحذر منهم . وقال مقاتل: الأمانة ترجع إلى من أسلم منهم ، والخيانة إلى من لم يسلم . وقيل: إن الذين يؤدون الأمانة: النصارى ، والذين لا يؤدونها: اليهود .

قوله تعالى: (إلا ما دمت عليه قائما) قال الفراء: أهل الحجاز يقولون: دمت ودمتم ، ومت ومتم . وتميم يقولون: مت ودمت بالكسر ، ويجتمعون في "يفعل" يدوم ويموت . وفي هذا القيام قولان . أحدهما: أنه التقاضي ، قاله مجاهد ، وقتادة ، والفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج . قال ابن قتيبة: والمعنى: ما دمت مواظبا بالاقتضاء له والمطالبة . وأصل هذا أن المطالب بالشيء يقوم فيه ، ويتصرف . والتارك له يقعد عنه . [قال الأعشى:


يقوم على الرغم في قومه فيعفوا إذا شاء أو ينتقم


أي: يطالب بالذحل ولا يقعد عنه . قال تعالى: (ليسوا سواء) ] من أهل الكتاب أمة قائمة [ آل عمران: 113 ] . أي: علامة غير تاركه ، وقال تعالى: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت [ الرعد: 33 ] . أي: آخذ لها بما كسبت . والثاني: أنه القيام حقيقة ، فتقديره: إلا ما دمت قائما على رأسه ، فإنه يعترف بأمانته ، فإذا ذهبت ، ثم جئت ، جحدك ، قاله السدي .

قوله تعالى: (ذلك) يعني: الخيانة . والسبيل: الإثم والحرج ، ونظيره ما على [ ص: 410 ] المحسنين من سبيل [ التوبة: 91 ] قال قتادة: إنما استحل اليهود أموال المسلمين ، لأنهم عندهم ليسوا أهل كتاب .

قوله تعالى: (ويقولون على الله الكذب) قال السدي: يقولون: قد أحل الله لنا أموال العرب .

قوله تعالى: (وهم يعلمون) قولان . أحدهما: يعلمون أن الله قد أنزل في التوراة الوفاء ، وأداء الأمانة . والثاني: يقولون الكذب ، وهم يعلمون أنه كذب .
بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين .

قوله تعالى: (بلى) رد الله عز وجل عليهم قولهم: (ليس علينا في الأميين سبيل) بقوله: (بلى) قال الزجاج: وهو عندي وقف التمام ، ثم استأنف ، فقال: (من أوفى بعهده) ويجوز أن يكون استأنف جملة الكلام بقوله: (بلى من أوفى) . والعهد: ما عاهدهم الله عز وجل عليه في التوراة . وفي "هاء" (عهده) قولان . أحدهما: أنها ترجع إلى الله تعالى . والثاني: إلى الموفي .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #78  
قديم 07-02-2022, 03:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (78)
صــ411 إلى صــ 415

إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم .

قوله تعالى: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) في سبب نزولها ثلاثة أقوال . أحدها: أن الأشعث بن قيس خاصم بعض اليهود في أرض ، فجحده اليهودي ، فقدمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال [له ]: "ألك بينة"؟ قال: لا . قال لليهودي: "أتحلف"؟ فقال [ ص: 411 ] الأشعث: إذا يحلف فيذهب بمالي . فنزلت هذه الآية . أخرجه البخاري ومسلم . والثاني: أنها نزلت في اليهود ، عهد الله إليهم في التوراة تبيين صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، فجحدوا ، وخالفوا لما كانوا ينالون من سفلتهم من الدنيا ، هذا قول عكرمة ، ومقاتل . والثالث: أن رجلا أقام سلعته في السوق أول النهار ، فلما كان آخره ، جاء رجل ، يساومه ، فحلف: لقد منعها أول النهار من كذا ، ولولا المساء لما باعها به ، فنزلت هذا الآية ، هذا قول الشعبي ، ومجاهد . فعلى القول الأول ، والثالث: العهد: لزوم الطاعة ، وترك المعصية ، وعلى الثاني: ما عهده إلى اليهود في التوراة . واليمين: الحلف . وإن قلنا: إنها في اليهود ، والكفار ، فإن الله لا يكلمهم يوم القيامة أصلا . وإن قلنا: إنها في العصاة ، فقد روي عن ابن عباس أنه قال: لا يكلمهم الله كلام خير . ومعنى (ولا ينظر إليهم) ، أي: لا يعطف عليهم بخير مقتا لهم ، قال الزجاج: تقول: فلان لا ينظر إلى فلان ، ولا يكلمه ، معناه: أنه غضبان عليه .

قوله تعالى: (ولا يزكيهم) أي: لا يطهرهم من دنس كفرهم وذنوبهم .
وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون .

قوله تعالى: (وإن منهم لفريقا) اختلفوا فيمن نزلت على قولين . أحدهما: أنها نزلت في اليهود ، رواه عطية عن ابن عباس . والثاني: في اليهود والنصارى ، رواه الضحاك ، عن ابن عباس .

[ ص: 412 ] قوله تعالى: (وإن) هي كلمة مؤكدة ، واللام في قوله: "لفريقا" بتوكيد زائد على توكيد "إن" قال ابن قتيبة: ومعنى (يلوون ألسنتهم): يقلبونها بالتحريف والزيادة . والألسنة: جمع لسان ، قال أبو عمرو: واللسان يذكر ويؤنث ، فمن ذكره جمعه: ألسنة ، ومن أنثه جمعه: ألسنا . وقال الفراء: اللسان بعينه لم نسمعه من العرب إلا مذكرا . وتقول العرب: سبق من فلان لسان ، يعنون به الكلام ، فيذكرونه .

وأنشد ابن الأعرابي:


لسانك معسول ونفسك شحة وعند الثريا من صديقك مالكا


وأنشد ثعلب:


ندمت على لسان كان مني فليت بأنه في جوف عكم


والعكم: العدل . ودل بقوله: كان مني ، على أن اللسان الكلام .

وأنشد ثعلب:


أتتني لسان بني عامر أحاديثها بعد قول نكر


فأنث اللسان ، لأنه عنى الكلمة والرسالة .
ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون
[ ص: 413 ] قوله تعالى: ما كان لبشر في سبب نزولها ثلاثة أقوال . أحدها: أن قوما من رؤساء اليهود والنصارى ، قالوا: يا محمد أتريد أن نتخذك ربا؟ فقال: معاذ الله ، ما بذلك بعثني ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس . والثاني: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا نسجد لك؟ قال: "لا فإنه لا ، ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله" فنزلت هذه الآية ، قاله الحسن البصري . والثالث: أنها نزلت في نصارى نجران حيث عبدوا عيسى . قاله الضحاك ، ومقاتل . وفيمن عنى بـ"البشر" قولان . أحدهما: محمد صلى الله عليه وسلم . والكتاب: القرآن ، قاله ابن عباس ، وعطاء . والثاني: عيسى ، والكتاب: الإنجيل ، قاله الضحاك ، ومقاتل . والحكم: الفقه والعلم ، قاله قتادة في آخرين . قال الزجاج: ومعنى الآية: لا يجتمع لرجل نبوة ، والقول للناس: كونوا عبادا لي من دون الله ، لأن الله لا يصطفي الكذبة .

قوله تعالى: (ولكن كونوا) أي: ولكن يقول لهم: كونوا ، فحذف القول لدلالة الكلام عليه .

فأما الربانيون ، فروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: هم الذين يغذون الناس بالحكمة ، ويربونهم عليها . وقال ابن عباس ، وابن جبير: هم الفقهاء المعلمون . وقال قتادة وعطاء: هم الفقهاء العلماء الحكماء . قاله ابن قتيبة: واحدهم رباني ، وهم العلماء المعلمون . وقال أبو عبيد: أحسب الكلمة ليست بعربية ، إنما هي عبرانية ، أو سريانية ، وذلك أن أبا عبيدة زعم أن العرب لا تعرف الربانيين . قال أبو عبيد: وإنما عرفها الفقهاء ، وأهل العلم ، قال: وسمعت رجلا عالما بالكتب يقول: هم العلماء بالحلال والحرام ، والأمر والنهي . وحكى ابن الأنباري عن بعض اللغويين: الرباني: منسوب إلى الرب ، لأن العلم: مما يطاع الله به ، فدخلت الألف والنون في النسبة للمبالغة ، كما قالوا: رجل لحياني: إذا بالغوا في وصفه بكبر اللحية .

[ ص: 414 ] قوله تعالى: (بما كنتم تعلمون الكتاب) قرأ ابن كثير ، ونافع وأبو عمرو: تعلمون ، بإسكان العين ، ونصب اللام . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي: تعلمون مثقلا ، وكلهم قرؤوا: "تدرسون" خفيفة . وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، وأبو رزين ، وسيعد بن جبير ، وطلحة بن مصرف ، وأبو حيوة: تدرسون ، بضم التاء مع التشديد . والدراسة: القرآءة . قال الزجاج: ومعنى الكلام: ليكن هديكم ونيتكم في التعليم هدي العلماء والحكماء ، لأن العالم إنما يستحق هذا الاسم إذا عمل بعلمه .
ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون .

قوله تعالى: (ولا يأمركم أن) قرأ ابن عامر ، وحمزة ، وخلف ، ويعقوب ، وعاصم في بعض الروايات عنه ، وعبد الوارث ، عن أبي عمرو ، واليزيدي في اختياره ، بنصب الراء . وقرأ الباقون برفع الراء ، فمن نصب كان المعنى: وما كان لبشر أن يأمركم ، ومن رفع قطعه مما قبله . قال ابن جريج: ولا يأمركم محمد .
وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين .

قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) قال الزجاج: موضع "إذ" نصب ، المعنى: واذكر في أقاصيصك إذ أخذ الله . قال ابن عباس: والميثاق: العهد . وفي الذي أخذ ميثاقهم عليه قولان . أحدهما: أنه تصديق محمد صلى الله عليه وسلم ، روي عن علي ، وابن عباس ، وقتادة ، والسدي . والثاني: أنه أخذ ميثاق الأول من الأنبياء ليؤمنن بما جاء به الآخر منهم ، قاله [ ص: 415 ] طاووس . قال مجاهد ، والربيع بن أنس: هذه الآية خطأ من الكتاب ، وهي في قراءة ابن مسعود: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) واحتج الربيع بقوله تعالى: (ثم جاءكم رسول) وقال بعض أهل العلم: إنما أخذ الميثاق على النبيين ، وأممهم ، فاكتفى بذكر الأنبياء عن ذكر الأمم ، لأن في أخذ الميثاق على المتبوع دلالة على أخذه على التابع ، وهذا معنى قول ابن عباس ، والزجاج .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #79  
قديم 07-02-2022, 03:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (79)
صــ416 إلى صــ 420

واختلف العلماء في لام "لما" فقرأ الأكثرون "لما" بفتح اللام والتخفيف ، وقرأ حمزة مثلها ، إلا أنه كسر اللام ، وقرأ سعيد بن جبير "لما" مشددة الميم ، فقراءة ابن جبير ، معناها: حين آتيتكم . وقال الفراء في قراءة حمزة: يريد أخذ الميثاق للذي آتاهم ، ثم جعل قوله: (لتؤمنن به) من الأخذ . قال الفراء: ومن نصب اللام جعلها زائدة . و"ما" هاهنا بمعنى الشرط والجزاء ، فالمعنى: لئن آتيتكم ومهما آتيتكم شيئا من كتاب وحكمة . قال ابن الأنباري: اللام في قوله تعالى: (لما آتيتكم) على قراءة من شدد أو كسر: جواب لأخذ الميثاق قال: لأن أخذ الميثاق يمين ، وعلى قراءة من خففها ، معناها: القسم ، وجواب القسم اللام في قوله (لتؤمنن به) . وإنما خاطب ، فقال: آتيتكم . بعد أن ذكر [ ص: 416 ] النبيين وهم غيب ، لأن في الكلام معنى قول وحكاية ، فقال مخاطبا لهم: لما آتيتكم وقرأ نافع "آتيناكم" بالنون والألف .

قوله تعالى: (ثم جاءكم رسول) قال علي رضي الله عنه: ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه العهد ، إن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه . وقال غيره: أخذ ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضا . والإصر هاهنا: العهد في قول الجماعة . قال ابن قتيبة: أصل الإصر: الثقل ، فسمي العهد إصرا ، لأنه منع من الأمر الذي أخذ له ، وثقل وتشديد . وكلهم كسر ألف "إصري" . وروى أبو بكر ، عن عصام ضمه . قال أبو علي: يشبه أن يكون الضم لغة .

قوله تعالى: (قال فاشهدوا) قال ابن فارس: الشهادة: الإخبار بما شوهد . وفيمن خوطب بهذا قولان . أحدهما: أنه خطاب للنبيين ، ثم فيه قولان . أحدهما: أنه معناه: فاشهدوا على أممكم ، قاله علي بن أبي طالب . والثاني: فاشهدوا على أنفسكم ، قاله مقاتل . والثاني: أنه خطاب للملائكة ، قاله سعيد بن المسيب . فعلى هذا يكون كناية عن غير مذكور .
فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون .

قوله تعالى: (أفغير دين الله يبغون) قرأ أبو عمرو: "يبغون بالياء مفتوحة . (وإليه ترجعون) بالتاء مضمومة ، وقرأها الباقون بالياء في الحرفين . وروى حفص عن عاصم: "يبغون" و"يرجعون" بالياء فيهما ، وفتح الياء وكسر الجيم يعقوب على أصله . قال ابن عباس: اختصم أهل الكتابين ، فزعمت كل فرقة أنها أولى بدين إبراهيم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم" . فغضبوا ، وقالوا: والله لا نرضى بقضائك ، ولا نأخذ بدينك ، فنزلت هذه الآية . والمراد بدين الله ، دين محمد صلى الله عليه وسلم . (وله أسلم) انقاد ، وخضع (طوعا وكرها) الطوع: الانقياد بسهولة ، والكره: الانقياد بمشقة وإباء من النفس .

[ ص: 417 ] وفي معنى الطوع والكره ستة أقوال . أحدها: أن إسلام الكل كان يوم الميثاق طوعا وكرها ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، والأعمش عن مجاهد ، وبه قال السدي . والثاني: أن المؤمن يسجد طائعا ، والكافر يسجد ظله وهو كاره ، روي عن ابن عباس ، ورواه ابن أبي نجيح ، وليث عن مجاهد . والثالث: أن الكل أقروا له بأنه الخالق ، وإن أشرك بعضهم ، فإقراره بذلك حجة عليه في إشراكه ، هذا قول أبي العالية ، ورواه منصور عن مجاهد . والرابع: أن المؤمن أسلم طائعا ، والكافر أسلم مخافة السيف ، هذا قول الحسن . والخامس: أن المؤمن أسلم طائعا ، والكافر أسلم حين رأى بأس الله ، فلم ينفعه في ذلك الوقت ، هذا قول قتادة . والسادس: أن إسلام الكل خضوعهم لنفاذ أمره في جبلتهم ، لا يقدر أحد أن يمتنع من جبلة جبله عليها ، ولا على تغييرها ، هذا قول الزجاج ، وهو معنى قول الشعبي: انقاد كلهم له .
قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

قوله تعالى: (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم) في سبب نزولها ثلاثة أقوال . أحدها: أن رجلا من الأنصار ارتد ، فلحق بالمشركين ، فنزلت هذه الآية ، إلى قوله تعالى: (إلا الذين تابوا) فكتب بها قومه إليه ، فرجع تائبا [فقبل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه ، وخلى عنه ] [ ص: 418 ] رواه عكرمة عن ابن عباس . وذكر مجاهد ، والسدي أن اسم ذلك الرجل: الحارث بن سويد . والثاني: أنها نزلت في عشرة رهط ارتدوا ، فيهم الحارث بن سويد ، فندم ، فرجع . رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل . والثالث: أنها في أهل الكتاب ، عرفوا النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم كفروا به . رواه عطية عن ابن عباس . وقال الحسن: هم اليهود والنصارى . وقيل: إن "كيف" هاهنا لفظها لفظ الاستفهام ، ومعناها الجحد ، أي: لا يهدي الله هؤلاء .
خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم .

قوله تعالى: (خالدين فيها) قال الزجاج: أي: في عذاب اللعنة (ولا هم ينظرون) أي: يؤخرون عن الوقت . قال: ومعنى: (أصلحوا) أي: أظهروا أنهم كانوا على ضلال ، وأصلحوا ما كانوا أفسدوه ، وغروا به من تبعهم ممن لا علم له .

فصل

وهذه الآية استثنت من تاب ممن لم يتب وقد زعم قوم أنها نسخت ما تضمنته الآيات قبلها من الوعيد ، وليس بنسخ .
إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون [ ص: 419 ] قوله تعالى: (إن الذين كفروا بعد إيمانهم) اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال . أحدها: أنها نزلت فيمن لم يتب من أصحاب الحارث بن سويد ، فإنهم قالوا: نقيم بمكة ونتربص بمحمد ريب المنون ، قاله ابن عباس ، ومقاتل . والثاني: أنها نزلت في اليهود كفروا بعيسى والإنجيل ، ثم ازدادوا كفرا بمحمد والقرآن ، قاله الحسن ، وقتادة ، وعطاء الخراساني . والثالث: أنها نزلت في اليهود والنصارى ، كفروا بمحمد بعد إيمانهم بصفته ، ثم ازدادوا كفرا بإقامتهم على كفرهم ، قاله أبو العالية . قال الحسن: كلما نزلت آية كفروا بها ، فازدادوا كفرا . وفي علة امتناع قبول توبتهم أربعة أقوال . أحدها: أنهم ارتدوا ، وعزموا على إظهار التوبة لستر أحوالهم ، والكفر في ضمائرهم ، قاله ابن عباس . والثاني: أنهم قوم تابوا من الذنوب في الشرك ، ولم يتوبوا من الشرك ، قاله أبو العالية . والثالث: أن: معناه: لن تقبل توبتهم حين يحضرهم الموت ، وهو قول الحسن ، وقتادة ، وعطاء الخراساني ، والسدي . والرابع: لن تقبل توبتهم بعد الموت إذا ماتوا على الكفر ، قاله مجاهد .
إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين .

قوله تعالى: (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار) روى أبو صالح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة ، دخل من كان من أصحاب الحارث بن سويد حيا في الإسلام ، فنزلت هذه الآية فيمن مات منهم كافرا . قال الزجاج: وملء الشيء: مقدار ما يملؤه . قال سيبويه ، والخليل: والملء بفتح الميم: الفعل تقول ملأت الشيء أملؤه ملأ ، المصدر بالفتح لا غير . والملاءة: التي تلبس ممدودة . والملاوة من الدهر: القطعة الطويلة [ ص: 420 ] منه ، يقولون: أبل جديدا ، وتمل حبيبا ، أي: عش معه دهرا طويلا . و(ذهبا) منصوب على التمييز . وقال ابن فارس: ربما أنث الذهب ، فقيل: ذهبة ، ويجمع على الأذهاب .

قوله تعالى: (ولو افتدى به) قال الفراء: الواو هاهنا قد يستغنى عنها ، ولو حذفت كان صوابا ، كقوله تعالى: (وليكون من الموقنين) [ الأنعام: 75 ] قال الزجاج: هذا غلط ، لأن فائدة الواو بينة ، فليست مما يلقى . قال النحاس: قال أهل النظر من النحويين في هذه الآية: الواو ليست مقحمة ، وتقديره: فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا تبرعا ولو افتدى .
لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم .

قوله تعالى: (لن تنالوا البر) في البر أربعة أقوال . أحدها: أنه الجنة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والسدي في آخرين . قال ابن جرير: فيكون المعنى: لن تنالوا بر الله بكم الذي تطلبونه بطاعتكم . والثاني: التقوى ، قاله عطاء ، ومقاتل . والثالث: الطاعة ، قاله عطية . والرابع: الخير الذي يستحق به الأجر ، قاله أبو روق . قال القاضي أبو يعلى: لم يرد نفي الأصل ، وإنما نفي وجود الكمال ، فكأنه قال: لن تنالوا البر الكامل .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #80  
قديم 07-02-2022, 03:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (80)
صــ421 إلى صــ 425

قوله تعالى: (حتى تنفقوا مما تحبون) فيه قولان . أحدهما: أنه نفقة العبد من ماله ، وهو صحيح شحيح ، رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم . والثاني: أنه الإنفاق من محبوب [ ص: 421 ] المال ، قاله قتادة ، والضحاك . وفي المراد بهذه النفقة ثلاثة أقوال . أحدها: أنها الصدقة المفروضة ، قاله ابن عباس ، والحسن ، والضحاك . والثاني: أنها جميع الصدقات ، قاله ابن عمر . والثالث: أنها جميع النفقات التي يبتغى بها وجه الله تعالى ، سواء كانت صدقة ، أو لم تكن ، نقل عن الحسن ، واختاره القاضي أبو يعلى وروى البخاري ، ومسلم في "الصحيحين" من حديث أنس بن مالك قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل ، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب . قال أنس: فلما نزلت: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) قام أبو طلحة ، فقال: يا رسول الله إن الله يقول: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وإن أحب أموالي إلي بيرحاء . وإنها صدقة لله ، أرجو برها وذخرها عند الله تعالى ، فضعها حيث أراك الله ، فقال صلى الله عليه وسلم: "بخ بخ ذاك مال رابح أو رائح [شك الراوي ] وقد سمعت ما قلت ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين" فقسمها أبو طلحة في أقاربه ، وبني عمه . وروي عن عبد الله بن عمر أنه قرأ هذه الآية فقال: لا أجد شيئا أحب إلي من جاريتي رميثة ، فهي حرة لوجه الله ، ثم قال: [ ص: 422 ] لولا أني أعود في شيء جعلته لله ، لنكحتها ، فأنكحها نافعا ، فهي أم ولده . وسئل أبو ذر: أي الأعمال أفضل؟ فقال: الصلاة: عماد الإسلام ، والجهاد: سنام العمل ، والصدقة: شيء عجب . ثم قال السائل: يا أبا ذر لقد تركت شيئا هو أوثق عمل في نفسي لا أراك ذكرته قال: ما هو؟ قال: الصيام . فقال: قربة وليس هناك ، وتلا قوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) قال الزجاج: ومعنى قوله تعالى: (فإن الله به عليم) أي: يجازي عليه .
كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين .

قوله تعالى: (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل) سبب نزولها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا على ملة إبراهيم" فقالت اليهود: كيف وأنت تأكل لحوم الإبل ، وتشرب ألبانها؟ فقال: "كان ذلك حلا لإبراهيم" فقالوا: كل شيء نحرمه نحن ، فإنه كان محرما على نوح وإبراهيم حتى انتهى إلينا . فنزلت هذه الآية تكذيبا لهم . قاله أبو روق ، وابن السائب و"الطعام" اسم للمأكول . قال ابن قتيبة: والحل: الحلال ، ومثله الحرم والحرام ، واللبس واللباس . وفي الذي حرمه على نفسه ، ثلاثة أقوال . أحدها: لحوم الإبل وألبانها . روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ورواه أبو صالح ، عن ابن عباس ، وهو قول الحسن ، وعطاء ابن أبي رباح ، [ ص: 423 ] وأبي العالية في آخرين . والثاني: أنه العروق ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس وهو قول مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي في آخرين . والثالث: أنه زائدتا الكبد ، والكليتان ، والشحم إلا ما على الظهر ، قاله عكرمة . وفي سبب تحريمه لذلك أربعة أقوال . أحدها: أنه طال به مرض شديد ، فنذر: لئن شفاه الله ، ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه ، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم . والثاني: أنه اشتكى عرق النسا فحرم العروق ، قاله ابن عباس في آخرين . والثالث: أن الأطباء وصفوا له حين أصابه النسا اجتناب ما حرمه ، فحرمه ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والرابع: أنه كان إذا أكل ذلك الطعام ، أصابه عرق النسا ، فيبيت وقيدا فحرمه ، قاله أبو سليمان الدمشقي . واختلفوا: هل حرم ذلك بإذن الله ، أو باجتهاده؟ على قولين . واختلفوا: بماذا ثبت تحريم الطعام الذي حرمه على اليهود ، على ثلاثة أقوال . أحدها: أنه حرم عليهم بتحريمه ، ولم يكن محرما في التوراة ، قاله عطية . وقال ابن عباس: قال يعقوب: لئن عافاني الله لا يأكله لي ولد . والثاني: أنهم وافقوا أباهم يعقوب في تحريمه ، لا أنه حرم عليهم بالشرع ، ثم أضافوا تحريمه إلى الله ، فأكذبهم الله بقوله قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) هذا قول الضحاك . والثالث: أن الله حرمه عليهم بعد التوراة لا فيها . وكانوا إذا أصابوا ذنبا عظيما ، حرم عليهم به طعام طيب ، أو صب عليهم عذاب ، هذا قول ابن السائب . قال ابن عباس: (فأتوا بالتوراة فاتلوها) هل تجدون فيها تحريم لحوم الإبل وألبانها!

فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون .

قوله تعالى: (فمن افترى) يقول: اختلق (على الله الكذب من بعد ذلك) أي: من بعد البيان في كتبهم ، وقيل: من بعد مجيئكم بالتوراة وتلاوتكم إياها .
قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين .

قوله تعالى: (قل صدق الله) الصدق: الإخبار بالشيء على ما هو به ، وضده الكذب . واختلفوا أي خبر عنى بهذه الآية؟ على قولين . أحدهما: أنه عنى قوله تعالى: (ما كان إبراهيم يهوديا) ، قاله مقاتل ، وأبو سليمان الدمشقي . والثاني: أنه عنى قوله تعالى: (كل الطعام كان حلا) قاله ابن السائب .

إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين .

قوله تعالى: (إن أول بيت وضع للناس) قال مجاهد: افتخر المسلمون واليهود ، فقالت اليهود: بيت المقدس أفضل من الكعبة . وقال المسلمون: الكعبة أفضل ، فنزلت هذه الآية وفي معنى كونه "أول" قولان . أحدهما: أنه أول بيت كان في الأرض ، واختلف أرباب هذا القول ، كيف كان أول بيت على ثلاثة أقوال . أحدها: أنه ظهر على وجه الماء حين خلق الله الأرض ، فخلقه قبلها بألفي عام ، ودحاها من تحته ، فروى سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: كانت الكعبة حشفة على وجه الماء ، عليها ملكان يسبحان الليل والنهار قبل الأرض بألفي سنة . وقال ابن عباس: وضع البيت في الماء على أربعة أركان قبل أن تخلق الدنيا بألفي سنة ، ثم دحيت الأرض من تحت البيت ، وبهذا القول يقول ابن عمر ، وابن عمرو ، وقتادة ، ومجاهد ، والسدي في آخرين . والثاني: أن آدم استوحش حين أهبط ، فأوحى الله إليه ، أن ابن لي بيتا في الأرض ، فاصنع حوله نحو ما رأيت ملائكتي تصنع حول عرشي ، فبناه ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس . والثالث: أنه أهبط مع آدم ، فلما [ ص: 425 ] كان الطوفان ، رفع فصار معمورا في السماء ، وبنى إبراهيم على أثره ، رواه شيبان عن قتادة . القول الثاني: أنه أول بيت وضع للناس للعبادة ، وقد كانت قبله بيوت ، هذا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والحسن ، وعطاء بن السائب في آخرين . فأما بكة ، فقال الزجاج: يصلح هذا الاسم أن يكون مشتقا من البك . يقال: بك الناس بعضهم بعضا ، أي: دفع . واختلفوا في تسميتها بكة على ثلاثة أقوال . أحدها: لازدحام الناس بها ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وقتادة ، والفراء ، ومقاتل . والثاني: لأنها تبك أعناق الجبابرة ، أي: تدقها ، فلم يقصدها جبار إلا قصمه الله ، روي عن عبد الله بن الزبير ، وذكره الزجاج . والثالث: لأنها تضع من نخوة المتجبرين ، يقال: بككت الرجل ، أي: وضعت منه ، ورددت نخوته ، قاله أبو عبد الرحمن اليزيدي ، وقطرب . واتفقوا على أن مكة اسم لجميع البلدة . واختلفوا في بكة على أربعة أقوال . أحدها: أنه اسم للبقعة التي فيها الكعبة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وأبو مالك ، وإبراهيم . وعطية . والثاني: أنها ما حول البيت ، ومكة ما وراء ذلك ، قاله عكرمة . والثالث: أنها المسجد ، والبيت . ومكة اسم للحرم كله ، قاله الزهري ، وضمرة بن حبيب . والرابع: أن بكة هي مكة ، قاله الضحاك ، وابن قتيبة ، واحتج ابن قتيبة بأن الباء تبدل من الميم; يقال: سمد رأسه وسبد رأسه: إذا استأصله . وشر لازم ، ولازب .

قوله تعالى: (مباركا) قال الزجاج: هو منصوب على الحال . المعنى: الذي استقر بمكة في حال بركته .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 336.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 330.06 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (1.80%)]