تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 29 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الأخبار المستقبلية في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          كيف نقرأ قرناً من الصراع؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الإمام أبو حنيفة قادح زناد الفكر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          صرخة في وجه الفساد الاجتماعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          من حسنت بدايته حسنت نهايته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          أسباب منع نزول المطر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          اللغة العربية أهميتها ومكانتها وعلومها - وحي الألم ـ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          في المقاومة الثقافية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4431 - عددالزوار : 867032 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3962 - عددالزوار : 400172 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #281  
قديم 14-08-2022, 10:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,432
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع
سُورَةُ يُونُسَ
الحلقة (281)
صــ 45 إلى صــ 51



ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم

قوله تعالى : " ولا يحزنك قولهم " قال ابن عباس : تكذيبهم . وقال غيره تظاهرهم عليك بالعداوة وإنكارهم وأذاهم . وتم الكلام هاهنا . ثم ابتدأ فقال : " إن العزة لله جميعا " أي : الغلبة له ، فهو ناصرك وناصر دينك ، " هو السميع " لقولهم " العليم " بإضمارهم ، فيجازيهم على ذلك .
ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون

قوله تعالى : " ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض " قال الزجاج : " ألا " افتتاح كلام وتنبيه ، أي : فالذي هم له ، يفعل فيهم وبهم ما يشاء .

قوله تعالى : " وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء " أي : ما يتبعون شركاء على الحقيقة لأنهم يعدونها شركاء لله شفعاء لهم ، وليست على ما يظنون . [ ص: 46 ] " إن يتبعون إلا الظن " في ذلك " وإن هم إلا يخرصون " قال ابن عباس : يكذبون . وقال ابن قتيبة: يحدسون ويحزرون .
هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون

قوله تعالى : " هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه " المعنى : إن ربكم الذي يجب أن تعتقدوا ربوبيته ، هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ، فيزول تعب النهار وكلاله بالسكون في الليل ، وجعل النهار مبصرا ، أي : مضيئا تبصرون فيه . وإنما أضاف الإبصار إليه ، لأنه قد فهم السامع المقصود ، إذ النهار لا يبصر ، وإنما هو ظرف يفعل فيه غيره ، كقوله : عيشة راضية [الحاقة :21] إنما هي مرضية ، وهذا كما يقال : ليل نائم ، قال جرير :


لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت وما ليل المطي بنائم


قوله تعالى : " إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون " سماع اعتبار ، فيعلمون أنه لا يقدر على ذلك إلا الإله القادر .
قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون

[ ص: 47 ] قوله تعالى : " قالوا اتخذ الله ولدا " قال ابن عباس : يعني أهل مكة ، جعلوا الملائكة بنات الله .

قوله تعالى : " سبحانه " تنزيه له عما قالوا . " هو الغني " عن الزوجة والولد . " إن عندكم " أي : ما عندكم " من سلطان " أي : حجة بما تقولون .

قوله تعالى : " لا يفلحون " فيه ثلاثة أقوال : أحدها : لا يبقون في الدنيا . والثاني : لا يسعدون في العاقبة . والثالث : لا يفوزون . قال الزجاج : وهذا وقف التمام ، وقوله " متاع في الدنيا " مرفوع على معنى : ذلك متاع في الدنيا .
واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون

قوله تعالى : " واتل عليهم نبأ نوح " فيه دليل على نبوته ، حيث أخبر عن قصص الأنبياء ولم يكن يقرأ الكتب ، وتحريض على الصبر ، وموعظة لقومه بذكر قوم نوح وما حل بهم من العقوبة بالتكذيب .

قوله تعالى : " إن كان كبر " أي : عظم وشق " عليكم مقامي " أي : طول مكثي . وقرأ أبو مجلز ، وأبو رجاء ، وأبو الجوزاء " مقامي " برفع الميم . " وتذكيري " وعظي . " فعلى الله توكلت " في نصرتي ودفع شركم عني . " فأجمعوا أمركم " قرأ الجمهور : " فأجمعوا " بالهمز وكسر الميم ، من " أجمعت " . وروى الأصمعي عن نافع : " فاجمعوا " بفتح الميم ، من " جمعت " . ومعنى " أجمعوا أمركم " : أحكموا أمركم واعزموا عليه . قال المؤرج : " أجمعت الأمر " أفصح من " أجمعت عليه " ، وأنشد :

[ ص: 48 ]
يا ليت شعري والمنى لا تنفع هل أغدون يوما وأمري مجمع


فأما رواية الأصمعي ، فقال أبو علي : يجوز أن يكون معناها : اجمعوا ذوي الأمر منكم ، أي : رؤساءكم . ويجوز أن يكون جعل الأمر ما كانوا يجمعونه من كيدهم الذي يكيدون به ، فيكون كقوله : " فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا " [طه :64] .

قوله تعالى : " وشركاءكم " قال الفراء وابن قتيبة : المعنى : وادعوا شركاءكم . وقال الزجاج : الواو هاهنا بمعنى " مع " ، فالمعنى : مع شركائكم . تقول : لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها ، أي : مع فصيلها . وقرأ يعقوب : " وشركاؤكم " بالرفع .

قوله تعالى : " ثم لا يكن أمركم عليكم غمة " فيه قولان : أحدهما : لا يكن أمركم مكتوما ، قاله ابن عباس . والثاني : غما عليكم ، كما تقول : كرب وكربة ، قاله ابن قتيبة . وذكر الزجاج القولين . وفي قوله : " ثم اقضوا إلي " قولان : أحدهما : ثم اقضوا إلي ما في أنفسكم ، قاله مجاهد . والثاني : افعلوا ما تريدون ، قاله الزجاج ، وابن قتيبة . وقال ابن الأنباري : معناه : اقضوا إلي بمكروهكم وما توعدونني به ، كما تقول العرب : قد قضى فلان ، يريدون : مات ومضى .
فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين

قوله تعالى : " فإن توليتم " أي : أعرضتم عن الإيمان . " فما سألتكم من أجر " أي : لم يكن دعائي إياكم طمعا في أموالكم .

[ ص: 49 ] قوله تعالى : " إن أجري " حرك هذه الياء ابن عامر ، وأبو عمرو ، ونافع ، وحفص عن عاصم ، وأسكنها الباقون .

قوله تعالى : " وجعلناهم خلائف " أي : جعلنا الذين نجوا مع نوح خلفا ممن هلك .
ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين

قوله تعالى : " ثم بعثنا من بعده " أي : من بعد نوح " رسلا إلى قومهم " قال ابن عباس : يريد : إبراهيم وهودا وصالحا ولوطا وشعيبا . " فجاءوهم بالبينات " أي : بان لهم أنهم رسل الله . " فما كانوا " أي : أولئك الأقوام " ليؤمنوا بما كذبوا " يعني الذين قبلهم . والمراد : أن المتأخرين مضوا على سنن المتقدمين في التكذيب . وقال مقاتل فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من العذاب من قبل نزوله .

قوله تعالى : " كذلك نطبع " أي : كما طبعنا على قلوب أولئك ، " كذلك نطبع على قلوب المعتدين " يعني المتجاوزين ما أمروا به .
ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين

قوله تعالى : " ثم بعثنا من بعدهم " يعني الرسل الذين أرسلوا بعد نوح .
فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح [ ص: 50 ] الساحرون قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون

قوله تعالى : " فلما جاءهم الحق من عندنا " وهو ما جاء به موسى من الآيات .

قوله تعالى : " أسحر هذا " قال الزجاج : المعنى : أتقولون للحق لما جاءكم هذا اللفظ ، وهو قولهم : " إن هذا لسحر مبين " ثم قررهم فقال : " أسحر هذا " قال ابن الأنباري : إنما أدخلوا الألف على جهة تفظيع الأمر ، كما يقول الرجل إذا نظر إلى الكسوة الفاخرة : أكسوة هذه ؟ يريد بالاستفهام تعظيمها ، وتأتي الرجل جائزة ، فيقول : أحق ما أرى ؟ معظما لما ورد عليه . وقال غيره : تقدير الكلام : أتقولون للحق لما جاءكم : هو سحر ، أسحر هذا ؟ فحذف السحر الأول اكتفاء بدلالة الكلام عليه ، كقوله : فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم [الإسراء :8] المعنى : بعثناهم ليسوؤوا وجوهكم .

قوله تعالى : " أجئتنا لتلفتنا " قال ابن قتيبة : لتصرفنا . يقال : لفت فلانا عن كذا : إذا صرفته . ومنه الالتفات ، وهو الانصراف عما كنت مقبلا عليه .

قوله تعالى : " وتكون لكما الكبرياء في الأرض " وروى أبان ، وزيد عن يعقوب " ويكون لكما " بالياء . وفي المراد بالكبرياء ثلاثة أقوال : أحدها : الملك والشرف ، قاله ابن عباس . والثاني : الطاعة ، قاله الضحاك . والثالث : العلو ، قاله ابن زيد . قال ابن عباس : والأرض هاهنا : أرض مصر .

[ ص: 51 ] قوله تعالى : " بكل ساحر " قرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف " بكل سحار " بتشديد الحاء وتأخير الألف .

قوله تعالى : " ما جئتم به السحر " قرأ الأكثرون " السحر " بغير مد ، على لفظ الخبر والمعنى : الذي جئتم به من الحبال والعصي ، هو السحر ، وهذا رد لقولهم للحق : هذا سحر ، فتقديره : الذي جئتم به السحر ، فدخلت الألف واللام ، لأن النكرة إذا عادت ، عادت معرفة ، كما تقول : رأيت رجلا ، فقال لي الرجل . وقرأ مجاهد ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر ، وأبان عن عاصم ، وأبو حاتم عن يعقوب : " آلسحر " بمد الألف ، استفهاما . قال الزجاج : والمعنى: أي شيء جئتم به ؟ أسحر هو؟ على جهة التوبيخ لهم . وقال ابن الأنباري : هذا الاستفهام معناه التعظيم للسحر ، لا على سبيل الاستفهام عن الشيء الذي يجهل ، وذلك مثل قول الإنسان في الخطأ الذي يستعظمه من إنسان : أخطأ هذا ؟ أي : هو عظيم الشأن في الخطأ . والعرب تستفهم عما هو معلوم عندها ، قال امرؤ القيس :


أغرك مني أن حبك قاتلي وأنك مهما تأمري القلب يفعل


وقال قيس بن ذريح :


أراجعة يا لبن أيامنا الألى بذي الطلح أم لا ما لهن رجوع


فاستفهم وهو يعلم أنهن لا يرجعن

قوله تعالى : " إن الله سيبطله " أي : يهلكه ويظهر فضيحتكم ، " إن الله لا يصلح عمل المفسدين " لا يجعل عملهم نافعا لهم . " ويحق الله الحق " أي : يظهره ويمكنه ، " بكلماته " بما سبق من وعده بذلك .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #282  
قديم 14-08-2022, 10:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,432
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع
سُورَةُ يُونُسَ
الحلقة (282)
صــ 52 إلى صــ 58




فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون

قوله تعالى : " فما آمن لموسى إلا ذرية " في المراد بالذرية هاهنا ثلاثة أقوال : أحدها : أن المراد بالذرية : القليل ، قاله ابن عباس .

والثاني : أنهم أولاد الذين أرسل إليهم موسى ، مات آباؤهم لطول الزمان وآمنوا هم ، قاله مجاهد ، وقال ابن زيد : هم الذين نشؤوا مع موسى حين كف [ ص: 53 ] فرعون عن ذبح الغلمان . قال ابن الأنباري : وإنما قيل لهؤلاء " ذرية " لأنهم أولاد الذين بعث إليهم موسى ، وإن كانوا بالغين .

والثالث أنهم قوم ، أمهاتهم من بني إسرائيل ، وآباؤهم من القبط ، قاله مقاتل ، واختاره الفراء . قال : وإنما سموا ذرية كما قيل لأولاد فارس : الأبناء ، لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم . وفي هاء " قومه " قولان :

أحدهما : أنها تعود إلى موسى ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثاني : إلى فرعون ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . فعلى القول الأول يكون قوله : " على خوف من فرعون وملئهم " أي : وملإ فرعون . قال الفراء : وإنما قال : " وملئهم " بالجمع ، وفرعون واحد ، لأن الملك إذا ذكر ذهب الوهم إليه وإلى من معه ، تقول : قدم الخليفة فكثر الناس ، تريد : بمن معه . وقد يجوز أن يريد بفرعون : آل فرعون ، كقوله : واسأل القرية [يوسف :82] . وعلى القول الثاني : يرجع ذكر الملإ إلى الذرية . قال ابن جرير : وهذا أصح ، لأنه كان في الذرية من أبوه قبطي وأمه إسرائيلية ، فهو مع فرعون على موسى .

قوله تعالى : " أن يفتنهم " يعني فرعون ، ولم يقل : يفتنوهم ، لأن قومه كانوا على من كان عليه . وفي هذه الفتنة قولان :

أحدهما : أنها القتل ، قاله ابن عباس . والثاني : التعذيب قاله ابن جرير .

قوله تعالى : " وإن فرعون لعال في الأرض " قال ابن عباس : متطاول في أرض مصر " وإنه لمن المسرفين " حين كان عبدا فادعى الربوبية .

قوله تعالى : " إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا " لما شكا بنو إسرائيل إلى موسى ما يهددهم به فرعون من ذبح أولادهم ، واستحياء نسائهم ، قال لهم هذا

وفي قوله : " لا تجعلنا فتنة " ثلاثة أقوال :

[ ص: 54 ] أحدها : لا تهلكنا بعذاب على أيدي قوم فرعون ، ولا بعذاب من قبلك ، فيقول قوم فرعون : لو كانوا على حق ما عذبوا ولا سلطنا عليهم .

والثاني : لا تسلطهم علينا فيفتنونا والقولان مرويان عن مجاهد .

والثالث : لا تسلطهم علينا فيفتتنوا بنا ، لظنهم أنهم على حق ، قاله أبو الضحى ، وأبو مجلز .

قوله تعالى : " أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا " قال المفسرون : لما أرسل موسى ،أمر فرعون بمساجد بني إسرائيل فخربت كلها ، ومنعوا من الصلاة ،كانوا لا يصلون إلا في الكنائس فأمروا أن يتخذوا مساجد في بيوتهم ويصلون فيها خوفا من فرعون . " وتبوآ " معناه : اتخذا ، وقد شرحناه في (الأعراف :74) . وفي المراد بمصر قولان : أحدهما: أنه البلد المعروف بمصر ، قاله الضحاك . والثاني : أنه الإسكندرية ، قاله مجاهد . وفي البيوت قولان : أحدهما : أنها المساجد ، قاله الضحاك ، والثاني : القصور ، قاله مجاهد . وفي قوله : " واجعلوا بيوتكم قبلة " أربعة أقوال :

أحدها : اجعلوها مساجد ، رواه مجاهد ، وعكرمة ، والضحاك عن ابن عباس ، وبه قال النخعي ، وابن زيد . وقد ذكرنا أن فرعون أمر بهدم مساجدهم ، فقيل لهم : اجعلوا بيوتكم قبلة بدلا من المساجد .

والثاني : اجعلوها قبل القبلة ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وروى الضحاك عن ابن عباس ، قال : قبل مكة . وقال مجاهد : أمروا أن يجعلوها مستقبلة الكعبة ، وبه قال مقاتل ، وقتادة ، والفراء .

والثالث : اجعلوها يقابل بعضها بعضا ، وهو مروي عن ابن عباس أيضا ، وبه قال سعيد بن جبير .

[ ص: 55 ] والرابع : واجعلوا بيوتكم التي بالشام قبلة لكم في الصلاة ، فهي قبلة اليهود إلى اليوم ، قاله ابن بحر .

فإن قيل : البيوت جمع ، فكيف قال " قبلة " على التوحيد ؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري ، فقال : من قال : المراد بالقبلة الكعبة ، قال : وحدت القبلة لتوحيد الكعبة . قال : ويجوز أن يكون أراد : اجعلوا بيوتكم قبلا ، فاكتفى بالواحد عن الجمع ، كما قال العباس بن مرداس :


فقلنا أسلموا إنا أخوكم فقد برئت من الإحن الصدور


يريد : إنا إخوتكم . ويجوز أن يكون وحد " قبلة " لأنه أجراها مجرى المصدر ، فيكون المعنى : واجعلوا بيوتكم إقبالا على الله ، وقصدا لما كنتم تستعملونه في المساجد . ويجوز أن يكون وحدها ، والمعنى : واجعلوا بيوتكم شيئا قبلة ، ومكانا قبلة ، ومحلة قبلة .

قوله تعالى : " وأقيموا الصلاة " قال ابن عباس : أتموا الصلاة " وبشر المؤمنين " أنت يا محمد . قال سعيد بن جبير: بشرهم بالنصر في الدنيا ، وبالجنة في الآخرة .

قوله تعالى : " ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا " قال ابن عباس : كان لهم من لدن فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن ذهب وفضة وزبرجد وياقوت .

قوله تعالى : " ليضلوا عن سبيلك " وفي لام " ليضلوا " أربعة أقوال :

أحدها : أنها لام " كي " والمعنى : آتيتهم ذلك كي يضلوا وهذا قول الفراء .

والثاني : أنها لام العاقبة ، والمعنى : إنك آتيتهم ذلك فأصارهم إلى الضلال ، ومثله قوله : ليكون لهم عدوا وحزنا [القصص :8] أي : آل أمرهم إلى أن صار لهم عدوا ، لا أنهم قصدوا ذلك وهذا كما تقول للذي كسب مالا فأداه [ ص: 56 ] إلى الهلاك : إنما كسب فلان لحتفه ، وهو لم يكسب المال طلبا للحتف ، وأنشدوا :


وللمنايا تربي كل مرضعة وللخراب يجد الناس عمرانا


وقال آخر :


وللموت تغذو الوالدات سخالها كما لخراب الدور تبنى المساكن


وقال آخر :


فإن يكن الموت أفناهم فللموت ما تلد الوالده


أراد : عاقبة الأمر ومصيره إلى ذلك ، هذا قول الزجاج .

والثالث : أنها لام الدعاء ، والمعنى : ربنا ابتلهم بالضلال عن سبيلك ، ذكره ابن الأنباري .

والرابع : أنها لام أجل ، فالمعنى : آتيتهم لأجل ضلالتهم عقوبة منك لهم ، ومثله قوله : سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم [التوبة :95] أي : لأجل إعراضكم ، حكاه بعض المفسرين . وقرأ أهل الكوفة إلا المفضل ، وزيد ، وأبو حاتم عن يعقوب : " ليضلوا " بضم الياء ، أي : ليضلوا غيرهم .

قوله تعالى : " ربنا اطمس " روى الحلبي عن عبد الوارث : " اطمس " بضم الميم ، " على أموالهم " وفيه قولان :

أحدهما : أنها جعلت حجارة ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، والضحاك ، وأبو صالح ، والفراء . وقال القرظي : جعل سكرهم حجارة . وقال ابن زيد : صار ذهبهم ودراهمهم وعدسهم وكل شيء لهم حجارة . وقال مجاهد : مسخ الله النخل والثمار والأطعمة حجارة ، فكانت إحدى الآيات التسع . وقال الزجاج : تطميس الشيء : إذهابه عن صورته والانتفاع به على الحال الأولى التي كان عليها .

[ ص: 57 ] والثاني : أنها هلكت فالمعنى : أهلك أموالهم ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وأبو عبيدة ، وابن قتيبة ، ومنه يقال : طمست عينه ، أي : ذهبت ، وطمس الطريق إذا عفا ودرس .

وفي قوله : " واشدد على قلوبهم " أربعة أقوال :

أحدها : اطبع عليها ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل ، والفراء ، والزجاج .

والثاني : أهلكهم كفارا ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك .

والثالث : اشدد عليها بالضلالة ، قاله مجاهد

والرابع : أن معناه : قس قلوبهم ، قاله ابن قتيبة .

قوله تعالى : " فلا يؤمنوا " فيه قولان :

أحدهما : أنه دعاء عليهم أيضا ، كأنه قال : اللهم فلا يؤمنوا ، قاله الفراء ، وأبو عبيدة ، والزجاج . وقال ابن الأنباري : معناه : فلا آمنوا ، قال الأعشى :


فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ولا تلقني إلا وأنفك راغم


معناه : لا انبسط ولا لقيتني

والثاني : أنه عطف على قوله : " ليضلوا عن سبيلك " ، فالمعنى : أنك آتيتهم ليضلوا فلا يؤمنوا ، حكاه الزجاج عن المبرد .

قوله تعالى : " حتى يروا العذاب الأليم " قال ابن عباس : هو الغرق ، وكان [ ص: 58 ] موسى يدعو، وهارون يؤمن ، فقال الله تعالى : " قد أجيبت دعوتكما " ، وكان بين الدعاء والإجابة أربعون سنة .

فإن قيل : كيف قال : " دعوتكما " وهما دعوتان ؟ فعنه ثلاثة أجوبة :

أحدها : أن الدعوة تقع على دعوتين وعلى دعوات وكلام يطول كما بينا في (الأعراف :158) أن الكلمة تقع على كلمات قال الشاعر :


وكان دعا دعوة قومه هلم إلى أمركم قد صرم


فأوقع " دعوة " على ألفاظ بينها آخر بيته .

والثاني : أن يكون المعنى : قد أجيبت دعواتكما ، فاكتفى بالواحد من ذكر الجميع ، ذكر الجوابين ابن الأنباري . وقد روى حماد بن سلمة عن عاصم أنه قرأ " دعواتكما " بالألف وفتح العين .

والثالث : أن موسى هو الذي دعا ، فالدعوة له ، غير أنه لما أمن هارون ، أشرك بينهما في الدعوة ، لأن التأمين على الدعوة منها .

وفي قوله : " فاستقيما " أربعة أقوال :

أحدها : فاستقيما على الرسالة وما أمرتكما به ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : فاستقيما على دعاء فرعون وقومه إلى طاعة الله ، قاله ابن جرير .

والثالث : فاستقيما في دعائكما على فرعون وقومه .

والرابع : فاستقيما على ديني ، ذكرهما أبو سليمان الدمشقي .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #283  
قديم 14-08-2022, 10:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,432
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع
سُورَةُ يُونُسَ
الحلقة (283)
صــ 59 إلى صــ 65


قوله تعالى : " ولا تتبعان " قرأ الأكثرون بتشديد تاء " تتبعان " . وقرأ [ ص: 59 ] ابن عامر بتخفيفها مع الاتفاق على تشديد نون " تتبعان " ، إلا أن النون الشديدة دخلت للنهي مؤكدة ، وكسرت لسكونها وسكون النون التي قبلها ، واختير لها الكسر لأنها بعد الألف ، فشبهت بنون الاثنين . قال أبو علي : ومن خفض النون أمكن أن يكون خفف النون الثقيلة ، فإن شئت كان على لفظ الخبر ، والمعنى الأمر ، كقوله : " يتربصن بأنفسهن " [البقرة :228 و234] و تضار والدة [البقرة :233] أي : لا ينبغي ذلك ، وإن شئت جعلته حالا من قوله : " فاستقيما " تقديره : استقيما غير متبعين . وفي المراد بسبيل الذين لا يعلمون قولان : أحدهما : أنهم فرعون وقومه ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : الذين يستعجلون القضاء قبل مجيئه ، ذكره أبو سليمان الدمشقي .

فإن قيل : كيف جاز أن يدعو موسى على قومه ؟

فالجواب : أن بعضهم يقول : كان ذلك بوحي ، وهو قول صحيح ، لأنه لا يظن بنبي أن يقدم على مثل ذلك إلا عن إذن من الله عز وجل ، لأن دعاءه سبب للانتقام .

قوله تعالى : " فأتبعهم فرعون وجنوده " قال أبو عبيدة : أتبعهم وتبعهم سواء . وقال ابن قتيبة : أتبعهم : لحقهم . " بغيا وعدوا " أي : ظلما . وقرأ الحسن " فاتبعهم " بالتشديد ، وكذلك شددوا " وعدوا " مع ضم العين .

قوله تعالى : " حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر " أنه " بفتح الألف ، والمعنى : آمنت بأنه فلما حذف حرف الجر ، وصل الفعل إلى " أن " فنصب . وقرأ حمزة والكسائي " إنه " بكسر الألف ، فحملوه على القول المضمر ، كأنه قال : آمنت ، فقلت : إنه . قال ابن عباس : لم يقبل الله إيمانه عند رؤية العذاب . قال ابن الأنباري : [ ص: 60 ] جنح فرعون إلى التوبة حين أغلق بابها لحضور الموت ومعاينة الملائكة ، فقيل له : " آلآن " أي : الآن تتوب وقد أضعت التوبة في وقتها ، وكنت من المفسدين بالدعاء إلى عبادة غير الله عز وجل ؟ والمخاطب له بهذا كان جبريل . وجاء في الحديث أن جبريل جعل يدس الطين في فم فرعون خشية أن يغفر له . قال الضحاك بن قيس : اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة ، إن يونس عليه السلام كان عبدا صالحا ، وكان يذكر الله ، فلما وقع في بطن الحوت سأل الله ، فقال الله : فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون [الصافات :143] ، وإن فرعون كان عبدا طاغيا ناسيا لذكر الله تعالى ، فلما أدركه الغرق قال : آمنت ، فقال الله : " آلآن وقد عصيت قبل " .

قوله تعالى : " فاليوم ننجيك " وقرأ يعقوب " ننجيك " مخففة . قال اللغويون ، منهم يونس وأبو عبيدة : نلقيك على نجوة من الأرض ، أي : ارتفاع ، ليصير علما أنه قد غرق . وقرأ ابن السميفع " ننحيك " بحاء . وفي سبب إخراجه من البحر بعد غرقه ثلاثة أقوال :

أحدها : أن موسى وأصحابه لما خرجوا ، قال من بقي من المدائن من قوم فرعون : ما أغرق فرعون ، ولكنه هو وأصحابه يتصيدون في جزائر البحر ، فأوحى الله إلى البحر أن الفظ فرعون عريانا ، فكانت نجاة عبرة ، وأوحى الله تعالى إلى [ ص: 61 ] البحر : أن الفظ ما فيك ، فلفظهم البحر بالساحل ، ولم يكن يلفظ غريقا ، فصار لا يقبل غريقا إلى يوم القيامة ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثاني : أن أصحاب موسى قالوا : إنا نخاف أن يكون فرعون ما غرق ، ولا نؤمن بهلاكه ، فدعا موسى ربه ، فأخرجه حتى أيقنوا بهلاكه ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وإلى نحوه ذهب قيس بن عباد ، وعبد الله بن شداد ، والسدي ، ومقاتل . وقال السدي : لما قال بنو إسرائيل : لم يغرق فرعون ، دعا موسى ، فخرج فرعون في ستمائة ألف وعشرين ألفا عليهم الحديد ، فأخذته بنو إسرائيل يمثلون به . وذكر غيره أنه إنما أخرج من البحر وحده دون أصحابه . وقال ابن جريج : كذب بعض بني إسرائيل بغرقه ، فرمى به البحر على ساحل البحر حتى رآه بنو إسرائيل قصيرا أحمر كأنه ثور . وقال أبو سليمان : عرفه بنو إسرائيل بدرع كان له من لؤلؤ لم يكن لأحد مثلها . فأما وجهه فقد غيره سخط الله تعالى .

والثالث : أنه كان يدعي أنه رب ، وكان يعبده قوم ، فبين الله تعالى أمره ، فأغرقه وأصحابه ، ثم أخرجه من بينهم ، قاله الزجاج . وفي قوله : " ببدنك " أربعة أقوال : أحدها : بجسدك من غير روح ، قاله مجاهد . وذكر البدن دليل على عدم الروح . والثاني : بدرعك ، قاله أبو صخر . وقد ذكرنا أنه كانت له درع من لؤلؤ ، وقيل : من ذهب ، فعرف بدرعه . والثالث : نلقيك عريانا ، قاله الزجاج . والرابع : ننجيك وحدك ، قاله ابن قتيبة .

وفي قوله : " لتكون لمن خلفك آية " ثلاثة أقوال :

أحدها : لتكون لمن بعدك في النكال آية لئلا يقولوا مثل مقالتك ، فإنك لو كنت إلها ما غرقت ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . قال أبو عبيدة : " خلفك " بمعنى بعدك ، والآية : العلامة .

[ ص: 62 ] والثاني : لتكون لبني إسرائيل آية ، قاله السدي .

والثالث : لمن تخلف من قومه ، لأنهم أنكروا غرقه على ما ذكرنا في أول الآية ، فخرج في معنى الآية قولان : أحدهما : عبرة للناس . والثاني : علامة تدل على غرقه . وقال الزجاج : الآية أنه كان يدعي أنه رب ، فبان أمره ، وأخرج من بين أصحابه لما غرقوا . وقرأ ابن السميفع ، وأبو المتوكل ، وأبو الجوزاء " لمن خلقك " بالقاف .
ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم

قوله تعالى : " ولقد بوأنا بني إسرائيل " أي : أنزلناهم منزل صدق ، أي منزلا كريما . وفي المراد ببني إسرائيل قولان : أحدهما : أصحاب موسى . والثاني : قريظة والنضير . وفي المراد بالمنزل الذي أنزلوه خمسة أقوال : أحدها : أنه الأردن ، وفلسطين ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : الشام ، وبيت المقدس ، قاله الضحاك وقتادة . والثالث : مصر ، روي عن الضحاك أيضا . والرابع : بيت المقدس ، قاله مقاتل . والخامس : ما بين المدينة والشام من أرض يثرب ، ذكره علي بن أحمد النيسابوري . والمراد بالطيبات : ما أحل لهم من الخيرات [ ص: 63 ] الطيبة . " فما اختلفوا " يعني بني إسرائيل . قال ابن عباس : ما اختلفوا في محمد ، لم يزالوا به مصدقين ، " حتى جاءهم العلم " يعني : القرآن ، وروي عنه : حتى جاءهم العلم ، يعني محمدا . فعلى هذا يكون العلم هاهنا : عبارة عن المعلوم . وبيان هذا أنه لما جاءهم ، اختلفوا في تصديقه ، وكفر به أكثرهم بغيا وحسدا بعد أن كانوا مجتمعين على تصديقه قبل ظهوره .

قوله تعالى : " فإن كنت في شك " في تأويل هذه الآية ثلاثة أقوال :

أحدها : أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره من الشاكين ، بدليل قوله في آخر السورة : إن كنتم في شك من ديني [يونس :105] ، ومثله قوله : يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما [الأحزاب :1] ثم قال : بما تعملون خبيرا [الأحزاب :2] ولم يقل : بما تعمل ، وهذا قول الأكثرين .

والثاني : أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو المراد به . ثم في المعنى قولان : أحدهما : أنه خوطب بذلك وإن لم يكن في شك ، لأنه من المستفيض في لغة العرب أن يقول الرجل لولده : إن كنت ابني فبرني ، ولعبده : إن كنت عبدي فأطعني ، وهذا اختيار الفراء . وقال ابن عباس : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شك ، ولا سأل . والثاني : أن تكون " إن " بمعنى " ما " فالمعنى : ما كنت في شك " فاسأل " ، المعنى : لسنا نريد أن نأمرك أن تسأل لأنك شاك ، ولكن لتزداد بصيرة ، ذكره الزجاج .

والثالث : أن الخطاب للشاكين ، فالمعنى : إن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزل إليك على لسان محمد ، فسل ، روي عن ابن قتيبة .

وفي الذي أنزل إليه قولان : أحدهما : أنه أنزل إليه أنه رسول الله . والثاني : أنه مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل .

[ ص: 64 ] قوله تعالى : " فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك " وهم اليهود والنصارى . وفي الذين أمر بسؤالهم منهم قولان : أحدهما : من آمن ، كعبد الله بن سلام ، قاله ابن عباس ، ومجاهد في آخرين . والثاني : أهل الصدق منهم ، قاله الضحاك ، وهو يرجع إلى الأول ، لأنه لا يصدق إلا من آمن .

قوله تعالى : " لقد جاءك الحق من ربك " هذا كلام مستأنف .

قوله تعالى : " إن الذين حقت " أي : وجبت " عليهم كلمت ربك " أي : قوله . وبماذا حقت الكلمة عليهم ، فيه أربعة أقوال :

أحدها : باللعنة . والثاني : بنزول العذاب . والثالث : بالسخط . والرابع : بالنقمة .

قوله تعالى : " ولو جاءتهم كل آية " قال الأخفش : إنما أنث فعل " كل " لأنه أضافه إلى " آية " وهي مؤنثة .
فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين

قوله تعالى : " فلولا كانت قرية آمنت " أي : أهل قرية . وفي " لولا " قولان : أحدهما : أنه بمعنى : لم تكن قرية آمنت " فنفعها إيمانها " أي : قبل منها " إلا قوم يونس " ، قاله ابن عباس . وقال قتادة : لم يكن هذا لأمة آمنت عند نزول العذاب ، إلا لقوم يونس . والثاني : أنها بمعنى فهلا ، قاله أبو عبيدة ، وابن قتيبة ، والزجاج . قال الزجاج : والمعنى : فهلا كانت قرية آمنت في وقت نفعها إيمانها ، إلا قوم يونس ؟ و " إلا " هاهنا استثناء ليس من الأول ، كأنه قال : لكن قوم يونس . قال الفراء : نصب القوم على الانقطاع مما قبله ، ألا ترى أن [ ص: 65 ] " ما " بعد " إلا " في الجحد يتبع ما قبلها ؟ تقول : ما قام أحد إلا أخوك ، فإذا قلت : ما فيها أحد إلا كلبا أو حمارا ، نصبت ، لانقطاعهم من الجنس ، كذلك كان قوم يونس منقطعين من غيرهم من أمم الأنبياء ، ولو كان الاستثناء وقع على طائفة منهم لكان رفعا . وذكر ابن الأنباري في قوله : " إلا " قولين آخرين : أحدهما : أنها بمعنى الواو ، والمعنى : وقوم يونس لما آمنوا فعلنا بهم كذا وكذا ، وهذا مروي عن أبي عبيدة ، والفراء ينكره . والثاني : أن الاستثناء من الآية التي قبل هذه ، تقديره : حتى يروا العذاب الأليم إلا قوم يونس ، فالاستثناء على هذا متصل غير منقطع .

قوله تعالى : " كشفنا عنهم " أي : صرفنا عنهم " عذاب الخزي " أي : عذاب الهوان والذل " ومتعناهم إلى حين " أي : إلى حين آجالهم .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #284  
قديم 14-08-2022, 10:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,432
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع
سُورَةُ يُونُسَ
الحلقة (284)
صــ 66 إلى صــ 72


الإشارة إلى شرح قصتهم

ذكر أهل العلم بالسير والتفسير أن قوم يونس كانوا بـ " نينوى " من أرض الموصل ، فأرسل الله عز وجل إليهم يونس يدعوهم إلى الله ويأمرهم بترك الأصنام ، فأبوا ، فأخبرهم أن العذاب مصبحهم بعد ثلاث ، فلما تغشاهم العذاب ، قال ابن عباس ، وأنس : لم يبق بين العذاب وبينهم إلا قدر ثلثي ميل ، وقال مقاتل : قدر ميل ، وقال أبو صالح عن ابن عباس : وجدوا حر العذاب على أكتافهم ، وقال سعيد بن جبير : غشيهم العذاب كما يغشى الثوب القبر ، وقال بعضهم : غامت السماء غيما أسود يظهر دخانا شديدا ، فغشي مدينتهم ، واسودت سطوحهم ، [ ص: 66 ] فلما أيقنوا بالهلاك لبسوا المسوح ، وحثوا على رؤوسهم الرماد ، وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والأنعام ، وعجوا إلى الله بالتوبة الصادقة ، وقالوا : آمنا بما جاء به يونس ، فاستجاب الله منهم . قال ابن مسعود : بلغ من توبتهم أن ترادوا المظالم بينهم ، حتى إن كان الرجل ليأتي إلى الحجر قد وضع عليه أساس بنيانه فيقلعه ، فيرده . وقال أبو الجلد : لما غشيهم العذاب ، مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم ، فقالوا : ما ترى ؟ قال : قولوا : يا حي حين لا حي ، يا حي محيي الموتى ، يا حي لا إله إلا أنت ، فقالوها ، فكشف العذاب عنهم . قال مقاتل : عجوا إلى الله أربعين ليلة ، فكشف العذاب عنهم . وكانت التوبة عليهم في يوم عاشوراء يوم الجمعة . قال : وكان يونس قد خرج من بين أظهرهم ، فقيل له ارجع إليهم ، فقال : كيف أرجع إليهم فيجدوني كاذبا ؟ وكان من يكذب بينهم ولا بينة له يقتل ، فانصرف مغاضبا ، فالتقمه الحوت . وقال أبو صالح عن ابن عباس : أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له : شعيا ، فقيل له : ائت فلانا الملك ، فقل له يبعث إلى بني إسرائيل نبيا قويا أمينا ، وكان في مملكته خمسة من الأنبياء ، فقال الملك ليونس : اذهب إليهم ، فقال : ابعث غيري ، فعزم عليه أن يذهب ، فأتى بحر الروم ، فركب سفينة ، فالتقمه الحوت ، فلما خرج من بطنها أمر أن ينطلق إلى قومه ، فانطلق نذيرا لهم ، فأبوا عليه ، فوعدهم بالعذاب ، وخرج ، فلما تابوا رفع عنهم . والقول الأول أثبت عند العلماء ، وأنه إنما التقمه الحوت بعد إنذاره لهم وتوبتهم . وسيأتي شرح قصته في التقام الحوت إياه في مكانه إن شاء الله تعالى [الصافات :143] .

فإن قيل : كيف كشف العذاب عن قوم يونس بعد إتيانه إليهم ، ولم يكشف عن فرعون حين آمن ؟

[ ص: 67 ] فعنه ثلاثة أجوبة . أحدها : أن ذلك كان خاصا لهم كما ذكرنا في أول الآية . والثاني : أن فرعون باشره العذاب ، وهؤلاء دنا منهم ولم يباشرهم ، فكانوا كالمريض يخاف الموت ويرجو العافية ، فأما الذي يعاين ، فلا توبة له ، ذكره الزجاج .

والثالث : أن الله تعالى علم منهم صدق النيات ، بخلاف من تقدمهم من الهالكين ، ذكره ابن الأنباري .
ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين

قوله تعالى : " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض " قال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا على إيمان جميع الناس ، فأخبره الله تعالى أنه لا يؤمن إلا من سبقت له السعادة . قال الأخفش : جاء بقوله : " جميعا " مع " كل " تأكيدا كقوله : وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين [النحل :51] .

قوله تعالى : " أفأنت تكره الناس " قال المفسرون ، منهم مقاتل : هذا منسوخ بآية السيف ، والصحيح أنه ليس هاهنا نسخ ، لأن الإكراه على الإيمان لا يصح ، لأنه عمل القلب .
وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون

قوله تعالى : " وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله " فيه ستة أقوال :

أحدها : بقضاء الله وقدره . والثاني : بأمر الله ، رويا عن ابن عباس . والثالث : بمشيئة الله ، قاله عطاء . والرابع : إلا أن يأذن الله في ذلك ، قاله مقاتل . والخامس : بعلم الله . والسادس : بتوفيق الله ، ذكرهما الزجاج ، وابن الأنباري .

[ ص: 68 ] قوله تعالى : " ويجعل الرجس " أي : ويجعل الله الرجس . وروى أبو بكر عن عاصم " ونجعل الرجس " بالنون . وفيه خمسة أقوال :

أحدها : أنه السخط ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثاني : الإثم والعدوان ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثالث : أنه ما لا خير فيه قاله مجاهد .

والرابع : العذاب ، قاله الحسن ، وأبو عبيدة ، والزجاج .

والخامس : العذاب والغضب ، قاله الفراء .

قوله تعالى : " على الذين لا يعقلون " أي : لا يعقلون عن الله أمره ونهيه . وقيل : لا يعقلون حججه ودلائل توحيده .
قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون

قوله تعالى : " قل انظروا ماذا في السماوات والأرض " قال المفسرون : قل للمشركين الذي يسألونك الآيات على توحيد الله انظروا بالتفكر والاعتبار ماذا في السموات والأرض من الآيات والعبر التي تدل على وحدانيته ونفاذ قدرته كالشمس ، والقمر ، والنجوم ، والجبال ، والشجر ، وكل هذا يقتضي خالقا مدبرا . " وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون " في علم الله
فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين

قوله تعالى : " فهل ينتظرون " قال ابن عباس : يعني كفار قريش . [ ص: 69 ] " إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم " قال ابن الأنباري : أي : مثل وقائع الله بمن سلف قبلهم ، والعرب تكني بالأيام عن الشرور والحروب ، وقد تقصد بها أيام السرور والأفراح إذا قام دليل بذلك .

قوله تعالى : " قل فانتظروا " هلاكي " إني معكم من المنتظرين " لنزول العذاب بكم " ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا " من العذاب إذا نزل ، فلم يهلك قوم قط إلا نجا نبيهم والذين آمنوا معه .

قوله تعالى : " كذلك حقا علينا ننج المؤمنين " وقرأ يعقوب ، وحفص ، والكسائي في قراءته وروايته عن أبي بكر : " ننج المؤمنين " بالتخفيف . ثم في هذا الإنجاء قولان :

أحدهما : ننجيهم من العذاب إذا نزل بالمكذبين ، قاله الربيع بن أنس .

والثاني : ننجيهم في الآخرة من النار ، قاله مقاتل .
قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين

قوله تعالى : " قل يا أيها الناس " قال ابن عباس : يعني أهل مكة " إن كنتم في شك من ديني " الإسلام " فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله " وهي الأصنام " ولكن أعبد الله الذي " يقدر أن يميتكم . وقال ابن جرير : معنى الآية : لا ينبغي لكم أن تشكوا في ديني ، لأني أعبد الله الذي يميت وينفع ويضر ، ولا تستنكر [ ص: 70 ] عبادة من يفعل هذا ، وإنما ينبغي لكم أن تشكوا وتنكروا ما أنتم عليه من عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع .

فإن قيل : لم قال : " الذي يتوفاكم " ولم يقل : " الذي خلقكم " ؟

فالجواب : أن هذا يتضمن تهديدهم ، لأن ميعاد عذابهم الوفاة .

قوله تعالى : " وأن أقم وجهك " المعنى : وأمرت أن أقم وجهك ، وفيه قولان :

أحدهما : أخلص عملك . والثاني : استقم بإقبالك على ما أمرت به بوجهك .

وفي المراد بالحنيف ثلاثة أقوال :

أحدهما : أنه المتبع ، قاله مجاهد . والثاني : المخلص ، قاله عطاء . والثالث : المستقيم ، قاله القرظي

قوله تعالى : " ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك " إن دعوته " ولا يضرك " إن تركت عبادته . " والظالم " الذي يضع الشيء في غير موضعه .
وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين

قوله تعالى : " وإن يمسسك الله بضر " أي : بشدة وبلاء " فلا كاشف " لذلك " إلا هو " دون ما يعبده المشركون من الأصنام . وإن يصبك بخير ، أي : برخاء ونعمة وعافية ، فلا يقدر أحد أن يمنعك إياه . " يصيب به " أي : بكل واحد من الضر والخير .

[ ص: 71 ] قوله تعالى : " قد جاءكم الحق من ربكم " فيه قولان :

أحدهما : أنه القرآن . والثاني : محمد صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : " ومن ضل فإنما يضل عليها " أي : فإنما يكون وبال ضلاله على نفسه

قوله تعالى : " وما أنا عليكم بوكيل " أي : في منعكم من اعتقاد الباطل ، والمعنى : لست بحفيظ عليكم من الهلاك كما يحفظ الوكيل المتاع من الهلاك . قال ابن عباس : وهذه منسوخة بآية القتال ، والتي بعدها أيضا ، وهي قوله : " واصبر حتى يحكم الله " لأن الله تعالى حكم بقتل المشركين ، والجزية على أهل الكتاب ، والصحيح : أنه ليس هاهنا نسخ . أما الآية الأولى ، فقد ذكرنا الكلام عليها في نظيرتها في (الأنعام :107) . وأما الثانية ، فقد ذكرنا نظيرتها في سورة (البقرة :109) قوله : فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره .
[ ص: 72 ] سُورَةُ هُودٍ

عَلَيْهِ السَّلَامُ

فَصْلٌ فِي نُزُولِهَا

رَوَى ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ، وَقَتَادَةُ . وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : هِيَ مَكِّيَّةٌ ، إِلَّا آيَةً ، وَهِيَ قَوْلُهُ : وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ [هُودٍ :114] ، وَعَنْ قَتَادَةَ نَحْوُهُ . وَقَالَ مُقَاتِلٌ : هِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا ، إِلَّا قَوْلَهُ : فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ [هُودٍ :12] وَقَوْلَهُ : أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [هُودٍ :17] وَقَوْلَهُ : إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هُودٍ :114] .

وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، عُجِّلَ إِلَيْكَ الشَّيْبُ ، قَالَ : " شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا : الْحَاقَّةُ ، وَالْوَاقِعَةُ ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ، وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ " .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #285  
قديم 14-08-2022, 10:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,432
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ هُودٍ
الحلقة (285)
صــ 73 إلى صــ 79



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ

فَأَمَّا " آلر " فَقَدْ ذَكَرْنَا تَفْسِيرَهَا فِي سُورَةِ ( يُونُسَ )

قَالَ الْفَرَّاءُ : وَ " كِتَابٌ " مَرْفُوعٌ بِالْهِجَاءِ الَّذِي قَبْلَهُ ، كَأَنَّكَ قُلْتَ : حُرُوفُ الْهِجَاءِ هَذَا الْقُرْآنُ ، وَإِنْ شِئْتَ رَفَعْتَهُ بِإِضْمَارِ " هَذَا كِتَابٌ " ، وَالْكِتَابُ : الْقُرْآنُ .

وَفِي قَوْلِهِ : " أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ " أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : أَحُكِمَتْ فَمَا تُنْسَخُ بِكِتَابٍ كَمَا نُسِخَتِ الْكُتُبُ وَالشَّرَائِعُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ .

وَالثَّانِي : أُحْكِمَتْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، قَالَهُ الْحَسَنُ ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ .

وَالثَّالِثُ : أُحْكِمَتْ عَنِ الْبَاطِلِ أَيْ : مُنِعَتْ ، قَالَهُ قَتَادَةُ ، وَمُقَاتِلٌ .

وَالرَّابِعُ : أُحْكِمَتْ بِمَعْنَى جُمِعَتْ ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ .

فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ عَمَّ الْآيَاتِ هَاهُنَا بِالْإِحْكَامِ ، وَخَصَّ بَعْضَهَا فِي قَوْلِهِ : مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ [آلِ عِمْرَانَ :8] ؟ فَعَنْهُ جَوَابَانِ .

أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِحْكَامَ الَّذِي عَمَّ بِهِ هَاهُنَا ، غَيْرُ الَّذِي خَصَّ بِهِ هُنَاكَ .

وَفِي مَعْنَى الْإِحْكَامِ الْعَامِّ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ ، قَدْ أَسْلَفْنَا مِنْهَا أَرْبَعَةً فِي قَوْلِهِ : " أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ "

وَالْخَامِسُ : أَنَّهُ إِعْجَازُ النَّظْمِ وَالْبَلَاغَةِ وَتَضْمِينُ الْحِكَمِ الْمُعْجِزَةَ .

[ ص: 74 ] وَمَعْنَى الْإِحْكَامِ الْخَاصِّ : زَوَالُ اللَّبْسِ ، وَاسْتِوَاءُ السَّامِعِينَ فِي مَعْرِفَةِ مَعْنَى الْآيَةِ .

وَالْجَوَابُ الثَّانِي : أَنَّ الْإِحْكَامَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ . وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : " أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ " : أُحْكِمَ بَعْضُهَا بِالْبَيَانِ الْوَاضِحِ وَمَنْعِ الِالْتِبَاسِ ، فَأُوقِعَ الْعُمُومُ عَلَى مَعْنَى الْخُصُوصِ ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ : قَدْ أَكَلْتُ طَعَامَ زَيْدٍ ، يَعْنُونَ : بَعْضَ طَعَامِهِ ، وَيَقُولُونَ : قُتِلْنَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ، يَعْنُونَ : قُتِلَ بَعْضُنَا ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ .

وَفِي قَوْلِهِ : " ثُمَّ فُصِّلَتْ " سِتَّةُ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : فُصِّلَتْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالثَّانِي : فُصِّلَتْ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، رَوَاهُ جِسْرُ بْنُ فَرَقَدٍ عَنِ الْحَسَنِ .

وَالثَّالِثُ : فُصِّلَتْ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ، رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ عَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا .

وَالرَّابِعُ : فُصِّلَتْ بِمَعْنَى فُسِّرَتْ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ .

الْخَامِسُ : أُنْزِلَتْ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ ، وَلَمْ تَنْزِلْ جُمْلَةً ، ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ .

وَالسَّادِسُ : فُصِّلَتْ بِجَمِيعِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّوْحِيدِ ، وَتَثْبِيتِ نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَإِقَامَةِ الشَّرَائِعِ ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ " أَيْ : مِنْ عِنْدِهِ .
ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير

[ ص: 75 ] قوله تعالى : " ألا تعبدوا إلا الله " قال الفراء : المعنى : فصلت آياته بأن لا تعبدوا إلا الله " وأن استغفروا " . و " أن " في موضع النصب بإلقائك الخافض .

وقال الزجاج : المعنى : آمركم أن لا تعبدوا [إلا الله] وأن استغفروا .

قال مقاتل : والمراد بهذه العبادة : التوحيد . والخطاب لكفار مكة .

قوله تعالى : " وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه " فيه قولان :

أحدهما : أن الاستغفار والتوبة هاهنا من الشرك ، قاله مقاتل .

والثاني : استغفروه من الذنوب السالفة ، ثم توبوا إليه من المستأنفة متى وقعت . وذكر عن الفراء أنه قال : " ثم " هاهنا بمعنى الواو .

قوله تعالى : " يمتعكم متاعا حسنا " قال ابن عباس : يتفضل عليكم بالرزق والسعة ، وقال ابن قتيبة : يعمركم . وأصل الإمتاع : الإطالة ، يقال : أمتع الله بك ، ومتع الله بك ، إمتاعا ومتاعا ، والشيء الطويل : ماتع ، يقال : جبل ماتع ، وقد متع النهار : إذا تطاول .

وفي المراد بالأجل المسمى قولان :

أحدهما : أنه الموت ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وقتادة .

والثاني : أنه يوم القيامة ، قاله سعيد بن جبير .

قوله تعالى : " ويؤت كل ذي فضل فضله " في هاء الكناية قولان :

أحدهما : أنها ترجع إلى الله تعالى . ثم في معنى الكلام قولان : أحدهما : ويؤت كل ذي فضل من حسنة وخير فضله ، وهو الجنة . والثاني : يؤتيه فضله من الهداية إلى العمل الصالح .

والثاني : أنها ترجع إلى العبد ، فيكون المعنى : ويؤت كل من زاد في إحسانه [ ص: 76 ] وطاعاته ثواب ذلك الفضل الذي زاده ، فيفضله في الدنيا بالمنزلة الرفيعة ، وفي الآخرة بالثواب الجزيل .

قوله تعالى : " وإن تولوا " أي : تعرضوا عما أمرتم به . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو مجلز ، وأبو رجاء : " وإن تولوا " بضم التاء . " فإني أخاف عليكم " فيه إضمار " فقل " . واليوم الكبير : يوم القيامة .
ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور

قوله تعالى : " ألا إنهم يثنون صدورهم " في سبب نزولها خمسة أقوال :

أحدها : أنها نزلت في الأخنس بن شريق ، وكان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحلف إنه ليحبه ، ويضمر خلاف ما يظهر له ، فنزلت فيه هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : أنها نزلت في ناس كانوا يستحيون أن يفضوا إلى السماء في الخلاء ومجامعة النساء ، فنزلت فيهم هذه الآية ، رواه محمد بن عباد عن ابن عباس .

والثالث : أنها نزلت في بعض المنافقين ، كان إذا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه لئلا يراه رسول الله ، قاله عبد الله بن شداد .

والرابع : أن طائفة من المشركين قالوا : إذا أغلقنا أبوابنا وأرخينا ستورنا [ ص: 77 ] واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم ، كيف يعلم بنا ، فأخبر الله عما كتموا ، ذكره الزجاج .

والخامس : أنها نزلت في قوم كانوا لشدة عداوتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا منه القرآن حنوا صدورهم ، ونكسوا رؤوسهم ، وتغشوا ثيابهم ليبعد عنهم صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدخل أسماعهم شيء من القرآن ، ذكره ابن الأنباري .

قوله تعالى : " يثنون صدورهم " يقال : ثنيت الشيء إذا عطفته وطويته . وفي معنى الكلام خمسة أقوال :

أحدها : يكتمون ما فيها من العداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : يثنون صدورهم على الكفر ، قاله مجاهد .

والثالث : يحنونها لئلا يسمعوا كتاب الله ، قاله قتادة .

والرابع : يثنونها إذا ناجى بعضهم بعضا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن زيد .

والخامس : يثنونها حياء من الله تعالى ، وهو يخرج على ما حكينا عن ابن عباس . قال ابن الأنباري : وكان ابن عباس يقرؤها " ألا إنهم تثنوني صدورهم " وفسرها أن ناسا كانوا يستحيون أن يفضوا إلى السماء في الخلاء ومجامعة النساء . فتثنوني : تفعوعل ، وهو فعل للصدور ، معناه : المبالغة في تثني الصدور ، كما تقول العرب : احلولى الشيء ، يحلولي : إذا بالغوا في وصفه بالحلاوة ، قال عنترة


ألا قاتل الله الطلول البواليا وقاتل ذكراك السنين الخواليا [ ص: 78 ] وقولك للشيء الذي لا تناله
إذا ما هو احلولى ألا ليت ذا ليا


فعلى هذا القول ، هو في حق المؤمنين ، وعلى بقية الأقوال ، هو في حق المنافقين . وقد خرج من هذه الأقوال في معنى " يثنون صدورهم " قولان : أحدهما : أنه حقيقة في الصدور . والثاني : أنه كتمان ما فيها .

قوله تعالى : " ليستخفوا منه " في هاء " منه " قولان : أحدهما : أنها ترجع إلى الله تعالى . والثاني : إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : " ألا حين يستغشون ثيابهم " قال أبو عبيدة : العرب تدخل " ألا " توكيدا وإيجابا وتنبيها . قال ابن قتيبة : " يستغشون ثيابهم " أي : يتغشونها ويستترون بها . قال قتادة : أخفى ما يكون ابن آدم ، إذا حنى ظهره ، واستغشى ثيابه ، وأضمر همه في نفسه . قال ابن الأنباري : أعلم الله أنه يعلم سرائرهم كما يعلم مظهراتهم .

قوله تعالى : " إنه عليم بذات الصدور " وقد شرحناه في (آل عمران :119) .
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين

قوله تعالى : " وما من دابة في الأرض " قال أبو عبيدة : " من " من حروف الزوائد ، والمعنى : وما دابة ، والدابة : اسم لكل حيوان يدب . وقوله : " إلا على الله رزقها " قال العلماء : فضلا منه ، لا وجوبا عليه . و " على " هاهنا بمعنى " من " وقد ذكرنا المستقر والمستودع في سورة (الأنعام :67) .

[ ص: 79 ] قوله تعالى : " كل في كتاب " أي : ذلك عند الله في اللوح المحفوظ ، هذا قول المفسرين . وقال الزجاج : المعنى : ذلك ثابت في علم الله عز وجل .

قوله تعالى : " وكان عرشه على الماء " قال ابن عباس : عرشه: سريره ، وكان الماء إذ كان العرش عليه على الريح . قال قتادة : ذلك قبل أن يخلق السموات والأرض .

قوله تعالى : " ليبلوكم " أي : ليختبركم الاختبار الذي يجازي عليه ، فيثيب المعتبر بما يرى من آيات السموات والأرض ، ويعاقب أهل العناد .

قوله تعالى : " أيكم أحسن عملا " فيه أربعة أقوال :أحدها : أيكم أحسن عقلا ، وأورع عن محارم الله عز وجل ، وأسرع في طاعة الله ، رواه ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والثاني : أيكم أعمل بطاعة الله ، قاله ابن عباس . والثالث : أيكم أتم عقلا ، قاله قتادة . والرابع : أيكم أزهد في الدنيا ، قاله الحسن وسفيان .

قوله تعالى : " إن هذا إلا سحر مبين " قال الزجاج : السحر باطل عندهم ، فكأنهم قالوا : إن هذا إلا باطل بين ، فأعلمهم الله تعالى أن القدرة على خلق السموات والأرض تدل على بعث الموتى .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #286  
قديم 14-08-2022, 10:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,432
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ هُودٍ
الحلقة (286)
صــ 80 إلى صــ 86




ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون

[ ص: 80 ] قوله تعالى : " ولئن أخرنا عنهم العذاب " قال المفسرون : هؤلاء كفار مكة ، والمراد بالأمة المعدودة : الأجل المعلوم ، والمعنى : إلى مجيء أمة وانقراض أخرى قبلها . " ليقولن ما يحبسه " وإنما قالوا ذلك تكذيبا واستهزاء .

قوله تعالى : " ألا يوم يأتيهم " وقال : " ليس مصروفا عنهم " . وقال بعضهم : لا يصرف عنهم العذاب إذا أتاهم . وقال آخرون : إذا أخذتهم سيوف رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تغمد عنهم حتى يباد أهل الكفر وتعلو كلمة الإخلاص .

قوله تعالى : " وحاق بهم " قال أبو عبيدة : نزل بهم وأصابهم .

وفي قوله : " ما كانوا به يستهزئون " قولان : أحدهما : أنه الرسول والكتاب ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . فيكون المعنى : حاق بهم جزاء استهزائهم . والثاني : أنه العذاب ، كانوا يستهزئون بقولهم : " ما يحبسه " ، وهذا قول مقاتل .
ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور

قوله تعالى : " ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة " اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها نزلت في الوليد بن المغيرة ، قاله ابن عباس . والثاني : في عبد الله بن أبي أمية المخزومي ، ذكره الواحدي . والثالث : أن الإنسان هاهنا اسم جنس ، والمعنى : ولئن أذقنا الناس ، قاله الزجاج . والمراد بالرحمة : النعمة ، من العافية ، والمال ، والولد . واليؤوس : القنوط قال أبو عبيدة : هو فعول من يئست . قال مقاتل : إنه ليؤوس عند الشدة من الخير ، كفور لله في نعمه في الرخاء
ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور

قوله تعالى : " ولئن أذقناه نعماء " قال ابن عباس : صحة وسعة في الرزق . [ ص: 81 ] " بعد ضراء مسته " بعد مرض وفقر . " ليقولن ذهب السيئات عني " يريد الضر والفقر . " إنه لفرح " أي : بطر . " فخور " قال ابن عباس : يفاخر أوليائي بما أوسعت عليه .

فإن قيل : ما وجه عيب الإنسان في قوله : " ذهب السيئات عني " ، وما وجه ذمه على الفرح ، وقد وصف الله الشهداء فقال : " فرحين " ؟

فقد أجاب عنه ابن الأنباري ، فقال : إنما عابه بقوله : " ذهب السيئات عني " لأنه لم يعترف بنعمة الله ، ولم يحمده على ما صرف عنه ، وإنما ذمه بهذا الفرح ، لأنه يرجع إلى معنى المرح والتكبر عن طاعة الله ، قال الشاعر :


ولا ينسيني الحدثان عرضي ولا ألقي من الفرح الإزارا


يعني من المرح . وفرح الشهداء فرح لا كبر فيه ولا خيلاء ، بل هو مقرون بالشكر فهو مستحسن .
إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير

قوله تعالى : " إلا الذين صبروا " قال الفراء : هذا الاستثناء من الإنسان ، لأنه في معنى الناس ، كقوله : إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا [العصر :2،3] . وقال الزجاج : هذا استثناء ليس من الأول ، والمعنى : لكن الذين صبروا . قال ابن عباس : الوصف الأول للكافر ، والذين صبروا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 82 ] فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل

قوله تعالى : " فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك " سبب نزولها أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ائت بقرآن غير هذا أو بدله [يونس :15] ، فهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يسمعهم عيب آلهتهم رجاء أن يتبعوه فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل . وفي معنى الآية قولان : أحدهما : فلعلك تارك تبليغ بعض ما يوحى إليك من أمر الآلهة ، وضائق بما كلفته من ذلك صدرك ، خشية أن يقولوا . لولا أنزل عليه كنز . والثاني : فلعلك لعظيم ما يرد على قلبك من تخليطهم تتوهم أنهم يزيلونك عن بعض ما أنت عليه من أمر ربك . فأما الضائق ، فهو بمعنى الضيق . قال الزجاج : ومعنى " أن يقولوا " : كراهية أن يقولوا . وإنما عليك أن تنذرهم بما يوحى إليك ، وليس عليك أن تأتيهم باقتراحهم من الآيات .

قوله تعالى : " والله على كل شيء وكيل " فيه قولان : أحدهما : أنه الحافظ . والثاني : الشهيد ، وقد ذكرناه في (آل عمران :173) .
أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون

قوله تعالى : " أم يقولون افتراه " " أم " بمعنى " بل " و " افتراه " أتى به من قبل نفسه . "قل فأتوا" أنتم في معارضتي " بعشر سور مثله " في البلاغة [ ص: 83 ] " مفتريات " بزعمكم ودعواكم " وادعوا من استطعتم من دون الله " إلى المعاونة على المعارضة " إن كنتم صادقين " في قولكم : " افتراه " .

" فإلم يستجيبوا لكم " أي : يجيبوكم إلى المعارضة ، فقد قامت الحجة عليهم لكم .

فإن قيل : كيف وحد القول في قوله : " قل فأتوا " ثم جمع في قوله : " فإلم يستجيبوا لكم " فعنه جوابان . أحدهما : أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وحده في الموضعين ، فيكون الخطاب له بقوله : " لكم " تعظيما ، لأن خطاب الواحد بلفظ الجميع تعظيم ، هذا قول المفسرين . والثاني : أنه وحد في الأول لخطاب النبي صلى الله عليه وسلم . وجمع في الثاني لمخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، قاله ابن الأنباري .

قوله تعالى : " فاعلموا أنما أنزل بعلم الله " فيه قولان : أحدهما : أنزله وهو عالم بإنزاله ، وعالم بأنه حق من عنده . والثاني أنزله بما أخبر فيه من الغيب ، ودل على ما سيكون وما سلف ، ذكرهما الزجاج .

قوله تعالى : " وأن لا إله إلا هو " أي : واعلموا ذلك . " فهل أنتم مسلمون " استفهام بمعنى الأمر . وفيمن خوطب به قولان : أحدهما : أهل مكة ، ومعنى إسلامهم : إخلاصهم لله العبادة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : أنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله مجاهد .
من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون

قوله تعالى : " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها " اختلفوا فيمن نزلت على [ ص: 84 ] أربعة أقوال :أحدها : أنها عامة في جميع الخلق وهو قول الأكثرين . والثاني : أنها في أهل القبلة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثالث : أنها في اليهود والنصارى ، قاله أنس . والرابع : أنها في أهل الرياء ، قاله مجاهد . وروى عطاء عن ابن عباس : من كان يريد عاجل الدنيا ولا يؤمن بالبعث والجزاء . وقال غيره : إنما هي في الكافر ، لأن المؤمن يريد الدنيا والآخرة .

قوله تعالى : " نوف إليهم أعمالهم " أي : أجور أعمالهم " فيها " . قال سعيد بن جبير : أعطوا ثواب ما عملوا من خير في الدنيا . وقال مجاهد : من عمل عملا من صلة ، أو صدقة ، لا يريد به وجه الله ، أعطاه الله ثواب ذلك في الدنيا ، ويدرأ به عنه في الدنيا .

قوله تعالى : " وهم فيها " قال ابن عباس : أي في الدنيا . " لا يبخسون " أي : لا ينقصون من أعمالهم في الدنيا شيئا . " أولئك الذين " عملوا لغير الله " ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا " أي : ما عملوا في الدنيا من حسنة " وباطل ما كانوا " لغير الله " يعملون " .

فصل

وذكر قوم من المفسرين ، منهم مقاتل ، أن هذه الآية اقتضت أن من أراد الدنيا بعمله ، أعطي فيها ثواب عمله من الرزق والخير ، ثم نسخ ذلك بقوله : عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد [الإسراء :18] ، وهذا لا يصح لأنه لا يوفي إلا لمن يريد .
[ ص: 85 ] أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين

قوله تعالى : " أفمن كان على بينة من ربه " في المراد بالبينة أربعة أقوال :

أحدها : أنها الدين قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : أنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله الضحاك . والثالث : القرآن ، قاله ابن زيد . والرابع : البيان ، قاله مقاتل . وفي المشار إليه بـ " من " قولان :

أحدهما : أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن عباس والجمهور . والثاني : أنهم المسلمون ، وهو يخرج على قول الضحاك . وفي قوله : " ويتلوه " قولان :

أحدهما : يتبعه . والثاني : يقرؤه . وفي هاء " يتلوه " قولان :

أحدهما : أنها ترجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم . والثاني : إلى القرآن ، وقد سبق ذكره في قوله : فأتوا بعشر سور مثله مفتريات [هود :13] .

وفي المراد بالشاهد ثمانية أقوال :

أحدها : أنه جبريل ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعكرمة وإبراهيم في آخرين .

والثاني : أنه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يتلو القرآن ، قاله علي بن أبي طالب ، والحسن ، وقتادة في آخرين .

[ ص: 86 ] والثالث : أنه علي بن أبي طالب . و " يتلوه " بمعنى يتبعه ، رواه جماعة عن علي بن أبي طالب ، وبه قال محمد بن علي ، وزيد بن علي .

والرابع : أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو شاهد من الله تعالى ، قاله الحسين بن علي عليه السلام .

والخامس : أنه ملك يحفظه ويسدده ، قاله مجاهد .

والسادس : أنه الإنجيل يتلو القرآن بالتصديق ، وإن كان قد أنزل قبله ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشرت به التوراة ، قاله الفراء .

والسابع : أنه القرآن ونظمه وإعجازه ، قاله الحسين بن الفضل .

والثامن : أنه صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه ومخايله ، لأن كل عاقل نظر إليه علم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وفي هاء " منه " ثلاثة أقوال أحدها : أنها ترجع إلى الله تعالى . والثاني : إلى النبي صلى الله عليه وسلم . والثالث : إلى البينة .

قوله تعالى : " ومن قبله " في هذه الهاء ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها ترجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله مجاهد . والثاني : إلى القرآن ، قاله ابن زيد . والثالث : إلى الإنجيل ، أي : ومن قبل الإنجيل " كتاب موسى " يتبع محمدا بالتصديق له ، ذكره ابن الأنباري . قال الزجاج : والمعنى : وكان من قبل هذا كتاب موسى دليلا على أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون " كتاب موسى " عطفا على قوله : " ويتلوه شاهد منه " أي : ويتلوه كتاب موسى ، لأن موسى وعيسى بشرا بالنبي صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل . ونصب إماما على الحال .

فإن قيل : كيف تتلوه التوراة ، وهي قبله ؟




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #287  
قديم 14-08-2022, 10:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,432
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ هُودٍ
الحلقة (287)
صــ 87 إلى صــ 93



قيل : لما بشرت به ، كانت كأنها تالية له ، لأنها تبعته بالتصديق له .

وقال ابن الأنباري : " كتاب موسى " مفعول في المعنى ، لأن جبريل تلاه على موسى ، فارتفع الكتاب ، وهو مفعول بمضمر بعده ، تأويله : ومن قبله كتاب موسى كذاك ، أي : تلاه جبريل أيضا ، كما تقول العرب : أكرمت أخاك وأبوك ، فيرفعون الأب ، وهو مكرم على الاستئناف ، بمعنى وأبوك مكرم أيضا . قال : وذهب قوم إلى أن كتاب موسى فاعل ، لأنه تلا محمدا بالتصديق كما تلاه الإنجيل .

فصل

فتلخيص الآية : أفمن كان على بينة من ربه كمن لم يكن ؟ قال الزجاج : ترك المضاد له ، لأن في ما بعده دليلا عليه ، وهو قوله : مثل الفريقين كالأعمى والأصم [هود :24] . وقال ابن قتيبة : لما ذكر قبل هذه الآية قوما ركنوا إلى الدنيا ، جاء بهذه الآية ، وتقدير الكلام : أفمن كانت هذه حاله كمن يريد الدنيا ؟ فاكتفى من الجواب بما تقدم ، إذ كان فيه دليل عليه . وقال ابن الأنباري : إنما حذف لانكشاف المعنى ، والمحذوف المقدر كثير في القرآن والشعر ، قال الشاعر:


فأقسم لو شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا


[ ص: 88 ] فإن قلنا : إن المراد بمن كان على بينة ربه ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمعنى الآية : ويتبع هذا النبي شاهد ، وهو جبريل عليه السلام . " منه " أي : من الله . وقيل: " شاهد " هو علي بن أبي طالب ، " منه " أي : من النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل : " يتلوه " يعني القرآن ، يتلوه جبريل ، وهو شاهد لمحمد صلى الله عليه وسلم أن الذي يتلوه جاء من عند الله تعالى . وقيل : ويتلو رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن وهو شاهد من الله . وقيل : ويتلو لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، فلسانه شاهد منه . وقيل : ويتبع محمدا شاهد له بالتصديق ، وهو الإنجيل من الله تعالى . وقيل : ويتبع هذا النبي شاهد من نفسه ، وهو سمته وهديه الدال على صدقه . وإن قلنا : إن المراد بمن كان على بينة من ربه المسلمون ، فالمعنى : أنهم يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو البينة ، ويتبع هذا النبي شاهد له بصدقه .

قوله تعالى : " إماما ورحمة " إنما سماه إماما ، لأنه كان يهتدى به ، " ورحمة " أي : وذا رحمة ، وأراد بذلك التوراة ، لأنها كانت إماما وسببا لرحمة من آمن بها .

قوله تعالى : " أولئك " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه إشارة إلى أصحاب موسى . والثاني : إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . والثالث : إلى أهل الحق من أمة موسى وعيسى ومحمد .

وفي هاء " به " ثلاثة أقوال أحدها : أنها ترجع إلى التوراة . والثاني : إلى القرآن . والثالث : إلى محمد صلى الله عليه وسلم .

وفي المراد بالأحزاب هاهنا أربعة أقوال :أحدها : جميع الملل ، قاله سعيد بن جبير . والثاني : اليهود والنصارى ، قاله قتادة . والثالث : قريش ، قاله السدي . والرابع : بنو أمية ، وبنو المغيرة بن عبد الله المخزومي ، وآل أبي طلحة بن عبد العزى ، قاله مقاتل .

[ ص: 89 ] قوله تعالى : " فالنار موعده " أي : إليها مصيره ، قال حسان بن ثابت :


أوردتموها حياض الموت ضاحية فالنار موعدها والموت لاقيها


قوله تعالى : " فلا تك في مرية منه " قرأ الحسن ، وقتادة : " مرية " بضم الميم أين وقع . وفي المكني عنه قولان :

أحدهما : أنه الإخبار بمصير الكافر به ، فالمعنى : فلا تك في شك أن موعد المكذب به النار ، وهذا قول ابن عباس .

والثاني : أنه القرآن ، فالمعنى : فلا تك في شك من أن القرآن من الله تعالى ، قاله مقاتل . قال ابن عباس : والمراد بالناس هاهنا : أهل مكة .

قوله تعالى : " أولئك يعرضون على ربهم " قال الزجاج : ذكر عرضهم توكيدا لحالهم في الانتقام منهم ، وإن كان غيرهم يعرض أيضا .

فأما " الأشهاد " ففيهم خمسة أقوال :أحدها : أنهم الرسل ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : الملائكة قاله مجاهد ، وقتادة . والثالث : الخلائق ، روي عن قتادة أيضا . وقال مقاتل : " الأشهاد " الناس ، كما يقال : على رؤوس الأشهاد ، أي : على رؤوس الناس ، والرابع : الملائكة والنبيون وأمة محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون على الناس ، والجوارح تشهد على ابن آدم ، قاله ابن زيد . والخامس : الأنبياء والمؤمنون ، قاله الزجاج . قال ابن الأنباري : وفائدة إخبار الأشهاد بما يعلمه الله : تعظيم بالأمر المشهود عليه ، ودفع المجاحدة فيه .
الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون

[ ص: 90 ] قوله تعالى : " الذين يصدون عن سبيل الله " قد تقدم تفسيرها في (الأعراف :45) .

قوله تعالى : " وهم بالآخرة هم كافرون " قال الزجاج : ذكرت " هم " ثانية على جهة التوكيد لشأنهم في الكفر .
أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون

قوله تعالى : " أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض " قال ابن عباس : لم يعجزوني أن آمر الأرض فتخسف بهم . " وما كان لهم من دون الله من أولياء " أي : لا ولي لهم ممن يعبدون يمنعهم مني . وقال ابن الأنباري : لما كانت عادة العرب جارية بقولهم : لا وزر لك مني ولا نفق ، يعنون بالوزر : الجبل ، والنفق : السرب ، وكلاهما يلجأ إليه الخائف ، أعلم الله تعالى أن هؤلاء الكافرين لا يسبقونه هربا ، ولا يجدون ما يحجز بينهم وبين عذابه من جميع ما يستر من الأرض ويلجأ إليه . قال : وقوله : " من أولياء " يقتضي محذوفا ، تلخيصه : من أولياء يمنعونهم من عذاب الله ، فحذف هذا لشهرته .

قوله تعالى : " يضاعف لهم العذاب " يعني الرؤساء الصادين عن سبيل الله ، وذلك لإضلالهم أتباعهم واقتداء غيرهم بهم . وقال الزجاج : " لم يكونوا معجزين في الأرض " أي : في دار الدنيا ، ولا لهم ولي يمنع من انتقام الله ، ثم استأنف " يضاعف لهم العذاب " لعظم كفرهم بنبيه وبالبعث والنشور .

قوله تعالى : " ما كانوا يستطيعون السمع " فيمن عني بهذا قولان :

أحدهما : أنهم الكفار . ثم في معناه ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم لم يقدروا [ ص: 91 ] على استماع الخير وإبصار الحق ، وفعل الطاعة ، لأن الله تعالى حال بينهم وبين ذلك ، هذا معنى قول ابن عباس ، ومقاتل . والثاني : أن المعنى : يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع ولا يسمعونه ، وبما كانوا يبصرون حجج الله ولا يعتبرون بها فحذف الباء ، كما تقول العرب : لأجزينك ما عملت ، وبما عملت ذكره الفراء ، وأنشد ابن الأنباري في الاحتجاج له :


نغالي اللحم للأضياف نيئا ونبذله إذا نضج القدور


أراد : نغالي باللحم . والثالث : أنهم من شدة كفرهم وعداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ما كانوا يستطيعون أن يتفهموا ما يقول ، قاله الزجاج .

والقول الثاني : أنهم الأصنام ، فالمعنى : ما كان للآلهة سمع ولا بصر ، فلم تستطع لذلك السمع ، ولم تكن تبصر . فعلى هذا ، يرجع قوله : " ما كانوا " إلى أوليائهم ، وهي الأصنام ، وهذا المعنى منقول عن ابن عباس أيضا .
لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون

قوله تعالى : " لا جرم " قال ابن عباس : يريد : حقا إنهم الأخسرون . وقال الفراء : " لا جرم " كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة ، فجرت على ذلك ، وكثر استعمالهم إياها حتى صارت بمنزلة " حقا " ، ألا ترى أن العرب تقول : لا جرم لآتينك ، لا جرم لقد أحسنت ، وأصلها من جرمت ، أي : كسبت الذنب . قال الزجاج : ومعنى " لا جرم " : " لا " نفي لما ظنوا أنه ينفعهم [ ص: 92 ] كأن المعنى : لا ينفعهم ذلك جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ، أي : كسب لهم ذلك الفعل الخسران . وذكر ابن الأنباري أن " لا " رد على أهل الكفر فيما قدروه من اندفاع الشر عنهم في الآخرة ، والمعنى : لا يندفع عنهم عذابي ، ولا يجدون وليا يصرف عنهم نقمتي ، ثم ابتدأ مستأنفا " جرم " ، قال : وفيها قولان :

أحدهما : أنها بمعنى : كسب كفرهم وما قدروا من الباطل وقوع العذاب بهم . فـ " جرم " فعل ماض ، معناه : كسب ، وفاعله مضمر فيه من ذكر الكفر وتقرير الباطل .

والثاني : أن معنى جرم : أحق وصحح ، وهو فعل ماض ، وفاعله مضمر فيه ، والمعنى : أحق كفرهم وقوع العذاب والخسران بهم ، قال الشاعر :


ولقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا


أراد : حقت الطعنة فزارة بالغضب . ومن العرب من يغير لفظ " جرم " مع " لا " خاصة ، فيقول بعضهم : " لا جرم " ، ويقول آخرون : " لا جر " بإسقاط الميم ، ويقال : " لاذا جرم " و " لاذا جر " بغير ميم ، و " لا إن ذا جرم " و " لا عن ذا جرم " ، ومعنى اللغات كلها : حقا .

قوله تعالى : " وأخبتوا إلى ربهم " فيه سبعة أقوال :

أحدها : خافوا ربهم ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . والثاني : أنابوا إلى ربهم ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثالث : ثابوا إلى ربهم ، قاله قتادة . [ ص: 93 ] والرابع : اطمأنوا ، قاله مجاهد . والخامس : أخلصوا ، قاله مقاتل . والسادس : تخشعوا لربهم ، قاله الفراء . والسابع : تواضعوا لربهم ، قاله ابن قتيبة .

فإن قيل : لم أوثرت " إلى " على اللام في قوله : " وأخبتوا إلى ربهم " ، والعادة جارية بأن يقال : أخبتوا لربهم ؟

فالجواب : أن المعنى : وجهوا خوفهم وخشوعهم وإخلاصهم إلى ربهم ، واطمأنوا إلى ربهم . قال الفراء : وربما جعلت العرب " إلى " في موضع اللام ، كقوله : بأن ربك أوحى لها [الزلزال :5] ، وقوله : الذي هدانا لهذا [الأعراف :43] . وقد يجوز في العربية : فلان يخبت إلى الله ، يريد : يفعل ذلك موجهه إلى الله . قال بعض المفسرين : هذه الآية نازلة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما قبلها نازل في المشركين . ثم ضرب للفريقين مثلا ، فقال : " مثل الفريقين كالأعمى والأصم " قال مجاهد : الفريقان المؤمن والكافر . فأما الأعمى والأصم فهو الكافر ، وأما البصير والسميع فهو المؤمن . قال قتادة : الكافر عمي عن الحق وصم عنه ، والمؤمن : أبصر الحق وسمعه ثم انتفع به . وقال أبو عبيدة : في الكلام ضمير ، تقديره : مثل الفريقين كمثل الأعمى . وقال الزجاج : مثل الفريقين المسلمين كالبصير والسميع ، ومثل فريق الكافرين كالأعمى والأصم ، لأنهم في عداوتهم وتركهم للفهم بمنزلة من يسمع ولا يبصر .

قوله تعالى : " هل يستويان مثلا " أي : هل يستويان في المشابهة ؟




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #288  
قديم 14-08-2022, 10:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,432
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ هُودٍ
الحلقة (288)
صــ 94 إلى صــ 100


والمعنى : كما لا يستويان عندكم ، كذلك لا يستوي المؤمن والكافر عند الله . وقال أبو عبيدة : " هل " هاهنا بمعنى الإيجاب ، لا بمعنى الاستفهام ، والمعنى : لا يستويان . قال الفراء : وإنما لم يقل : " يستوون " لأن الأعمى والأصم من [ ص: 94 ] صفة واحد ، والسميع والبصير من صفة واحد ، كقول القائل : مررت بالعاقل واللبيب ، وهو يعني واحدا ، قال الشاعر :


وما أدري إذا يممت أرضا أريد الخير أيهما يليني


فقال : أيهما . وإنما ذكر الخير وحده ، لأن المعنى يعرف ، إذ المبتغي للخير متق للشر . وقال ابن الأنباري : الأعمى والأصم صفتان لكافر ، والسميع والبصير صفتان لمؤمن ، فرد الفعل إلى الموصوفين بالأوصاف الأربعة ، كما تقول : العاقل والعالم ، والظالم والجاهل ، حضرا مجلسي ، فتثني الخبر بعد ذكرك أربعة ، لأن الموصوف بالعلم هو الموصوف بالعقل ، وكذلك المنعوت بالجهل هو المنعوت بالظلم ، فلما كان المنعوتان اثنين ، رجع الخبر إليهما ، ولم يلتفت إلى تفريق الأوصاف ، ألا ترى أنه يسوغ أن تقول : الأديب واللبيب والكريم والجميل قصدني ، فتوحد الفعل بعد أوصاف لعلة أن الموصوف بهن واحد ، ولا يمتنع عطف النعوت على النعوت بحروف العطف ، والموصوف واحد ، فقد قال تعالى : التائبون العابدون [التوبة :112] ثم قال : " الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر " فلم يقتض دخول الواو وقوع خلاف بين الآمرين والناهين ، وقد قيل : الآمر بالمعروف ناه عن المنكر في حال أمره ، وكان دخول الواو دلالة على الآمر بالمعروف ، لأن الأمر بالمعروف لا ينفرد دون النهي عن المنكر ، كما ينفرد الحامدون بالحمد دون السائحين ، والسائحون بالسياحة دون الحامدين ، ويدل أيضا على أن العرب تنسق النعت على النعت والمنعوت واحد ، كقول الشاعر يخاطب سعيد بن عمرو بن عثمان بن عفان:

[ ص: 95 ]
يظن سعيد وابن عمرو بأنني إذا سامني ذلا أكون به أرضى


فنسق ابن عمرو على سعيد ، وهو سعيد .
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون

قوله تعالى : " ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، والكسائي " أني " بفتح الألف ، والتقدير : أرسلناه بأني ، وكأن الوجه بأنه لهم نذير ، ولكنه على الرجوع من الإخبار عن الغائب إلى خطاب نوح قومه . وقرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة " إني " بكسر الألف ، فحملوه على القول المضمر ، والتقدير فقال لهم : إني لكم نذير .

قوله تعالى : " ما نراك إلا بشرا مثلنا " أي : إنسانا مثلنا ، لا فضل لك علينا . فأما الأراذل ، فقال ابن عباس : هم السفلة . وقال ابن قتيبة : هم جمع " أرذل " ، يقال : رجل رذل ، وقد رذل رذالة ورذولة . ومعنى الأراذل : الشرار .

قوله تعالى : " بادي الرأي " قرأ الأكثرون " بادي " بغير همز . وقرأ [ ص: 96 ] أبو عمرو بالهمز بعد الدال . وكلهم همز " الرأي " غير أبي عمرو . وللعلماء في معنى " بادي " إذا لم يهمز ثلاثة أقوال :

أحدها : أن المعنى : ما نرى أتباعك إلا سفلتنا وأرذالنا في بادي الرأي لكل ناظر ، يعنون أن ما وصفناهم به من النقص لا يخفى على أحد فيخالفنا ، هذا مذهب مقاتل في آخرين .

والثاني : أن المعنى أن هؤلاء القوم اتبعوك في ظاهر ما يرى منهم ، وطويتهم على خلافك .

والثالث : أن المعنى : اتبعوك في ظاهر رأيهم ، ولم يتدبروا ما قلت ، ولو رجعوا إلى التفكر لم يتبعوك ، ذكر هذين القولين الزجاج . قال ابن الأنباري : وهذه الثلاثة الأقوال على قراءة من لم يهمز ، لأنه من بدا ، يبدو : إذا ظهر . فأما من همز " بادئ " فمعناه : ابتداء الرأي ، أي : اتبعوك أول ما ابتدؤوا ينظرون ، ولو فكروا لم يعدلوا عن موافقتنا في تكذيبك .

قوله تعالى : " وما نرى لكم علينا من فضل " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : من فضل في الخلق ، قاله ابن عباس . والثاني : في الملك والمال ونحو ذلك ، قاله مقاتل . والثالث : ما فضلتم باتباعكم نوحا ، ومخالفتكم لنا بفضيلة نتبعكم طلبا لها ، ذكره أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى : " بل نظنكم كاذبين " فيه قولان :

أحدهما : نتيقنكم ، قاله الكلبي . والثاني : نحسبكم ، قاله مقاتل .

قوله تعالى : " أرأيتم إن كنت على بينة من ربي " أي : على يقين وبصيرة . قال ابن الأنباري : وقوله : " إن كنت " شرط لا يوجب شكا يلحقه ، لكن [ ص: 97 ] الشك يلحق المخاطبين من أهل الزيغ ، فتقديره : إن كنت على بينة من ربي عندكم . " وآتاني رحمة من عنده " فيها قولان :

أحدهما : أنها النبوة ، قاله ابن عباس . والثاني : الهداية ، قاله مقاتل .

قوله تعالى : " فعميت عليكم " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : " فعميت " بتخفيف الميم وفتح العين . قال ابن قتيبة : والمعنى عميتم عنها ، يقال عمي علي هذا الأمر : إذا لم أفهمه ، وعميت عنه بمعنى . قال الفراء : وهذا مما حولت العرب الفعل إليه ، وهو في الأصل لغيره ، كقولهم : دخل الخاتم في يدي ، والخف في رجلي ، وإنما الإصبع تدخل في الخاتم ، والرجل في الخف ، واستجازوا ذلك إذ كان المعنى معروفا . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : " فعميت " بضم العين وتشديد الميم . قال ابن الأنباري : ومعنى ذلك : فعماها الله عليكم إذ كنتم ممن حكم عليه بالشقاء . وكذلك قرأ أبي بن كعب ، والأعمش : " فعماها عليكم " .

وفي المشار إليها قولان : أحدهما : البينة والثاني : الرحمة .

قوله تعالى : " أنلزمكموها " أي : أنلزمكم قبولها ؟ وهذا استفهام معناه الإنكار ، يقول : لا نقدر أن نلزمكم من ذات أنفسنا . قال قتادة : والله لو استطاع نبي الله صلى الله عليه وسلم لألزمها قومه ، ولكن لم يملك ذلك . وقيل : كان مراد نوح عليه السلام رد قولهم : " وما نرى لكم علينا من فضل " فبين فضله وفضل من آمن به بأنه على بينة من ربه ، وقد آتاه رحمة من عنده وسلب المكذبون ذلك .

قوله تعالى : " لا أسألكم عليه " أي : على نصحي ودعائي إياكم " مالا " فتتهموني . وقال ابن الأنباري : لما كانت الرحمة بمعنى الهدى والإيمان ، جاز تذكيرها .

[ ص: 98 ] قوله تعالى : " وما أنا بطارد الذين آمنوا " قال ابن جريج : سألوه طردهم أنفة منهم ، فقال : لا يجوز لي طردهم ، إذ كانوا يلقون الله فيجزيهم بإيمانهم ، ويأخذ لهم ممن ظلمهم وصغر شؤونهم .

وفي قوله : " ولكني أراكم قوما تجهلون " قولان :

أحدهما : تجهلون أن هذا الأمر من الله تعالى ، قاله ابن عباس .

والثاني : تجهلون لأمركم إياي بطرد المؤمنين ، قاله أبو سليمان .
ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون

قوله تعالى : " ويا قوم من ينصرني " أي : من يمنعني من عذاب الله إن طردتهم .

قوله تعالى : " ولا أقول لكم عندي خزائن الله " قال ابن الأنباري : أراد بالخزائن : علم الغيب المطوي عن الخلق ، لأنهم قالوا له : إنما اتبعك هؤلاء في الظاهر وليسوا معك ، فقال لهم : ليس عندي خزائن غيوب الله فأعلم ما تنطوي عليه الضمائر . وإنما قيل للغيوب : خزائن لغموضها عن الناس واستتارها عنهم . قال سفيان بن عيينة : إنما آيات القرآن خزائن ، فإذا دخلت خزانة فاجتهد أن لا تخرج منها حتى تعرف ما فيها .

[ ص: 99 ] قوله تعالى : " ولا أعلم الغيب " قيل : إنما قال لهم هذا ، لأن أرضهم أجدبت ، فسألوه : متى يجيء المطر ؟ وقيل : بل سألوه : متى يجيء العذاب ؟ فقال : ولا أعلم الغيب . وقوله : " ولا أقول إني ملك " جواب لقولهم : ما نراك إلا بشرا مثلنا [هود :27] . " ولا أقول للذين تزدري أعينكم " أي : تحتقر وتستصغر المؤمنين . قال الزجاج : " تزدري " تستقل وتستخس ، يقال : زريت على الرجل : إذا عبت عليه وخسست فعله ، وأزريت به : إذا قصرت به . وأصل تزدري : تزتري ، إلا أن هذه التاء تبدل بعد الزاي دالا ، لأن التاء من حروف الهمس ، وحروف الهمس خفية ، فالتاء بعد الزاي تخفى ، فأبدلت منها الدال لجهرها .

قوله تعالى : " لن يؤتيهم الله خيرا " قال ابن عباس : إيمانا . ومعنى الكلام : ليس لي أن أطلع على ما في نفوسهم فأقطع عليهم بشيء ، وليس لاحتقاركم إياهم يبطل أجرهم . " إني إذا لمن الظالمين " إن قلت هذا الذي تقدم ذكره ، وقيل إن طردتهم .

قوله تعالى : " قد جادلتنا " قال الزجاج : الجدال : هو المبالغة في الخصومة والمناظرة ، وهو مأخوذ من الجدل ، وهو شدة الفتل ، ويقال للصقر : أجدل ، لأنه من أشد الطير . ويقرأ " فأكثرت جدلنا " .

قوله تعالى : " فأتنا بما تعدنا " قال ابن عباس : يعنون العذاب . " إن كنت من الصادقين " أنه يأتينا .

قوله تعالى : " إن أردت أن أنصح لكم " أي : أنصحكم . وفي هذه الآية شرطان ، فجواب الأول النصح ، وجواب الثاني النفع .

قوله تعالى : " إن كان الله يريد أن يغويكم " فيه ثلاثة أقوال :

[ ص: 100 ] أحدها : يضلكم ، قاله ابن عباس . والثاني : يهلككم ، حكاه ابن الأنباري . وقال : هو قول مرغوب عنه . الثالث : يضلكم ويهلككم ، قاله الزجاج .

قوله تعالى : " هو ربكم " أي : هو أولى بكم ، يتصرف في ملكه كما يشاء " وإليه ترجعون " بعد الموت .
أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون

قوله تعالى : " أم يقولون " قال الزجاج : المعنى : أيقولون : " افتراه " ؟ قال ابن قتيبة : الافتراء : الاختلاق . " فعلي إجرامي " أي : جرم ذلك الاختلاق إن كنت فعلت . " وأنا بريء مما تجرمون " في التكذيب . وقرأ أبو المتوكل ، وابن السميفع : " فعلي أجرامي " بفتح الهمزة .
وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون

قوله تعالى : " وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن " قال المفسرون لما أوحي إليه هذا ، استجاز الدعاء عليهم ، فقال : لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا [نوح :26] .

قوله تعالى : " فلا تبتئس " قال ابن عباس ، ومجاهد : لا تحزن . وقال الفراء ، والزجاج : لا تستكن ولا تحزن . قال أبو صالح عن ابن عباس : فلا تحزن إذا نزل بهم الغرق " بما كانوا يفعلون " .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #289  
قديم 14-08-2022, 10:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,432
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ هُودٍ
الحلقة (289)
صــ 101 إلى صــ 107


واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ [ ص: 101 ] من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون

قوله تعالى : " واصنع الفلك " أي : واعمل السفينة

وفي قوله : " بأعيننا " ثلاثة أقوال :

أحدها : بمرأى منا ، قاله ابن عباس . والثاني بحفظنا ، قاله الربيع .

والثالث : بعلمنا ، قاله مقاتل . قال ابن الأنباري : إنما جمع على مذهب العرب في إيقاعها الجمع على الواحد ، تقول : خرجنا إلى البصرة في السفن ، وإنما جمع ، لأن من عادة الملك أن يقول : أمرنا ونهينا .

وفي قوله : " ووحينا " قولان :

أحدهما : وأمرنا لك أن تصنعها . والثاني : وبتعليمنا إياك كيف تصنعها .

قوله تعالى : " ولا تخاطبني في الذين ظلموا " فيه قولان :

أحدهما : لا تسألني الصفح عنهم . والثاني : لا تخاطبني في إمهالهم . وإنما نهي عن الخطاب في ذلك صيانة له عن سؤال لا يجاب فيه .

الإشارة إلى كيفية عمل السفينة

روى الضحاك عن ابن عباس قال : كان نوح يضرب ثم يلف في لبد فيلقى في بيته ، يرون أنه قد مات ، ثم يخرج فيدعوهم . حتى إذا يئس من إيمان قومه ، جاءه رجل ومعه ابنه وهو يتوكأ على عصا ، فقال : يا بني انظر هذا الشيخ لا يغررك ، قال : ياأبت أمكني من العصا ، فأخذها فضربه ضربة شجه [ ص: 102 ] موضحة ، وسالت الدماء على وجهه ، فقال : رب قد ترى ما يفعل بي عبادك ، فإن يكن لك فيهم حاجة فاهدهم ، وإلا فصبرني إلى أن تحكم ، فأوحى الله إليه " أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن " إلى قوله : " واصنع الفلك " ، قال : يارب ، وما الفلك ؟ قال : بيت من خشب يجري على وجه الماء أنجي فيه أهل طاعتي ، وأغرق أهل معصيتي ، قال : يارب ، وأين الماء ؟ قال : إني على ما أشاء قدير ، قال : يارب ، وأين الخشب ؟ قال : اغرس الشجر ، فغرس الساج عشرين سنة ، وكف عن دعائهم ، وكفوا عنه ، إلا أنهم يستهزئون به ، فلما أدرك الشجر ، أمره ربه ، فقطعه وجففه ولفقه ، فقال : يارب ، كيف أتخذ هذا البيت ؟ قال : اجعله على ثلاث صور ، رأسه كرأس الطاووس ، وجؤجؤه كجؤجؤ الطائر ، وذنبه كذنب الديك ، واجعلها مطبقة ، وبعث الله إليه جبريل يعلمه ، وأوحى إليه أن عجل عمل السفينة فقد اشتد غضبي على من عصاني ، فاستأجر نجارين يعملون معه ، وسام ، وحام ، ويافث ، معه ينحتون السفينة ، فجعل طولها ستمائة ذراع ، وعرضها ثلاثمائة وثلاثين ذراعا ، وعلوها ثلاثا وثلاثين ، وفجر الله له عين القار تغلي غليانا حتى طلاها . وعن ابن عباس قال : جعل لها ثلاث بطون ، فحمل في البطن الأول الوحوش والسباع والهوام ، وفي الأوسط الدواب والأنعام ، وركب هو ومن معه البطن الأعلى . وروي عن الحسن أنه قال : كانت سفينة نوح طولها ألف ذراع ، ومائتا ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع . وقال قتادة : كانت [ ص: 103 ] فيما ذكر لنا طولها ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسمائة ذراع ، وطولها في السماء ثلاثون ذراعا . وقال ابن جريج : كان طولها ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسين ومائة ذراع ، وطولها في السماء ثلاثون ذراعا ، وكان في أعلاها الطير ، وفي وسطها الناس ، وفي أسفلها السباع . وزعم مقاتل أنه عمل السفينة في أربعمائة سنة .

قوله تعالى : " وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه " فيه قولان :

أحدهما : أنهم رأوه يبني السفينة وما رأوا سفينة قط ، فكانوا يسخرون ويقولون : صرت بعد النبوة نجارا ، وهذا قول ابن إسحاق .

والثاني : أنهم قالوا له : ما تصنع ؟ فقال : أبني بيتا يمشي على الماء ، فسخروا من قوله ، وهذا قول مقاتل .

وفي قوله : " إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم " خمسة أقوال :

أحدها : إن تسخروا من قولنا فإنا نسخر من غفلتكم .

والثاني : إن تسخروا من فعلنا عند بناء السفينة ، فإنا نسخر منكم عند الغرق ، ذكره المفسرون .

والثالث : إن تسخروا منا في الدنيا ، فإنا نسخر منكم في الآخرة ، قاله ابن جرير .

والرابع : إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم ، قاله الزجاج .

والخامس : إن تسخروا منا ، فإنا نستنصر الله عليكم ، فسمى هذا سخرية ، ليتفق اللفظان كما بينا في قوله : الله يستهزئ بهم [البقرة :15] ، هذا قول ابن الأنباري . قال ابن عباس : لم يكن في الأرض قبل الطوفان نهر ولا بحر ، فلذلك سخروا منه ، وإنما مياه البحار بقية الطوفان .
[ ص: 104 ] فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم

قوله تعالى : " فسوف تعلمون " هذا وعيد ، ومعناه : فسوف تعلمون من هو أحق بالسخرية ، ومن هو أحمد عاقبة .

قوله تعالى : " من يأتيه عذاب يخزيه " أي : يذله ، وهو الغرق . " ويحل عليه " أي : ويجب عليه " عذاب مقيم " في الآخرة .
حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل

قوله تعالى : " حتى إذا جاء أمرنا " فيه قولان : أحدهما : جاء أمرنا بعذابهم وإهلاكهم . والثاني : جاء عذابنا وهو الماء ، ابتدأ بجنبات الأرض فدار حولها كالإكليل ، وجعل المطر ينزل من السماء كأفواه القرب ، فجعلت الوحوش يطلبن وسط الأرض هربا من الماء حتى اجتمعن عند السفينة ، فحينئذ حمل فيها من كل زوجين اثنين .

قوله تعالى : " وفار التنور " الفور : الغليان ; والفوارة : ما يفور من القدر ، قاله ابن فارس .

قال المصنف : وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي عن ابن دريد قال : التنور : اسم فارسي معرب لا تعرف له العرب اسما غير هذا ، فلذلك جاء في التنزيل ، لأنهم خوطبوا بما عرفوا . وروي عن ابن عباس أنه قال : التنور ، بكل لسان عربي وعجمي .

[ ص: 105 ] وفي المراد بهذا التنور ستة أقوال :

أحدها : أنه اسم لوجه الأرض ، رواه عكرمة عن علي عليه السلام . وروى الضحاك عن ابن عباس : التنور : وجه الأرض ، قال : قيل له : إذا رأيت الماء قد علا وجه الأرض ، فاركب أنت وأصحابك ، وهذا قول عكرمة ، والزهري .

والثاني : أنه تنوير الصبح ، رواه أبو جحيفة عن علي رضي الله عنه . وقال ابن قتيبة : التنوير عند الصلاة .

والثالث : أنه طلوع الفجر ، روي عن علي أيضا ، قال : " وفار التنور " : طلع الفجر .

والرابع : أنه طلوع الشمس ، وهو منقول عن علي أيضا .

والخامس : أنه تنور أهله ، روى العوفي عن ابن عباس قال : إذا رأيت تنور أهلك يخرج منه الماء ، فإنه هلاك قومك . وروى أبو صالح عن ابن عباس : أنه تنور آدم عليه السلام ، وهبه الله لنوح ، وقيل له : إذا فار الماء منه ، فاحمل ما أمرت به . وقال الحسن : كان تنورا من حجارة ، وهذا قول مجاهد ، والفراء ، ومقاتل .

والسادس : أنه أعلى الأرض وأشرفها .

قال ابن الأنباري : شبهت أعالي الأرض وأماكنها المرتفعة لعلوها ، بالتنانير . واختلفوا في المكان الذي فار منه التنور على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه فار من مسجد الكوفة ، رواه حبة العرني عن علي عليه السلام . وقال زر بن حبيش : فار التنور من زاوية مسجد الكوفة اليمنى . وقال مجاهد : نبع الماء من التنور ، فعلمت به امرأته فأخبرته ، وكان ذلك بناحية الكوفة . وكان الشعبي يحلف بالله ما كان التنور إلا بناحية الكوفة .

[ ص: 106 ] والثاني : أنه فار بالهند ، رواه عكرمة عن ابن عباس .

والثالث : أنه كان في أقصى دار نوح ، وكانت بالشام في مكان يقال له : عين وردة ، قاله مقاتل .

قوله تعالى : " قلنا احمل فيها " أي : في السفينة " من كل زوجين اثنين " . وروى حفص عن عاصم : " من كل " بالتنوين . قال أبو علي : والمعنى : من كل شيء ، ومن كل زوج زوجين ، فحذف المضاف . وانتصاب " اثنين " على أنهما صفة لزوجين ، وقد علم أن الزوجين اثنان ، ولكنه توكيد . قال مجاهد : من كل صنف ، ذكرا وأنثى . وقال ابن قتيبة : الزوج يكون واحدا ، ويكون اثنين ، وهو هاهنا واحد ، ومعنى الآية : احمل من كل ذكر وأنثى اثنين . وقال الزجاج : المعنى : احمل زوجين اثنين من كل شيء ، والزوج في كلام العرب يجوز أن يكون معه واحد ، والاثنان يقال لهما : زوجان ، يقال : عندي زوجان من الطير ، إنما يريد ذكرا وأنثى فقط . وقال ابن الأنباري : إنما قال " اثنين " فثنى الزوج ، لأنه قصد قصد الذكر والأنثى من الحيوان ، وتقديره : من كل ذكر وأنثى .

قوله تعالى : " وأهلك " أي : واحمل أهلك . قال المفسرون أراد بأهله : عياله وولده . " إلا من سبق عليه القول " أي : سبق عليه القول من الله بالإهلاك ، قال الضحاك : وهم امرأته وابنه كنعان .

قوله تعالى : " ومن آمن " معناه : واحمل من آمن . " وما آمن معه إلا قليل " وفي عددهم ثمانية أقوال :

أحدها : أنهم كانوا ثمانين رجلا معهم أهلوهم ، رواه عكرمة عن ابن عباس .

[ ص: 107 ] والثاني : أن نوحا حمل معه ثمانين إنسانا ، وبنيه الثلاثة ، وثلاث نسوة لبنيه ، وامرأة نوح ، رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس .

والثالث : كانوا ثمانين إنسانا ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . وقال مقاتل كانوا أربعين رجلا وأربعين امرأة .

والرابع : كانوا أربعين ، ذكره ابن جريج عن ابن عباس .

والخامس : كانوا ثلاثين رجلا ، رواه أبو نهيك عن ابن عباس .

والسادس : كانوا ثمانية ، قال الحكم بن عتيبة : كان نوح وثلاثة بنيه وأربع كنائنه . قال قتادة : ذكر لنا أنه لم ينج في السفينة إلا نوح وامرأته وثلاثة بنين له ، ونساؤهم ، فجماعتهم ثمانية ، وهذا قول القرظي ، وابن جريج .

والسابع : كانوا سبعة ، نوح وثلاث كنائن له ، وثلاثة بنين ، قاله الأعمش .

والثامن : كانوا عشرة سوى نسائهم ، قاله ابن إسحاق . وروي عنه أنه قال : الذين نجوا مع نوح بنوه الثلاثة ، ونساؤهم ثلاث ، وستة ممن آمن به

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #290  
قديم 14-08-2022, 10:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,432
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ هُودٍ
الحلقة (290)
صــ 108 إلى صــ 114


وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم


قوله تعالى : " وقال " يعني نوحا للذين أمر بحملهم " اركبوا " السفينة . قال ابن عباس : ركبوا فيها لعشر مضين من رجب ، وخرجوا منها يوم عاشوراء . وقال ابن جريج : رفعت من عين وردة يوم الجمعة لعشر مضين من رجب ، فأتت [ ص: 108 ] موضع البيت فطافت به أسبوعا ، وكان البيت قد رفع في ذلك الوقت ، ورست بباقردى على الجودي يوم عاشوراء . وقال ابن عباس : قرض الفأر حبال السفينة ، فشكا نوح ذلك ، فأوحى الله تعالى إليه ، فمسح ذنب الأسد ، فخرج سنوران وكان في السفينة عذرة ، فشكا ذلك إلى ربه ، فأوحى الله تعالى إليه ، فمسح ذنب الفيل ، فخرج خنزيران فأكلا ذلك .

قوله تعالى : " بسم الله مجراها ومرساها " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبوبكر عن عاصم : " مجراها " بضم الميم . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : " مجراها " بفتح الميم وكسر الراء . وكلهم قرؤوا بضم الميم من " مرساها " إلا أن ابن كثير ، وأبا عمرو ، وابن عامر ، وحفصا عن عاصم ، كانوا يفتحون السين . ونافع ، وأبو بكر عن عاصم ، كانا يقرآنها بين الكسر والتفخيم . وكان حمزة ، والكسائي ، وخلف ، يميلونها . وليس في هؤلاء أحد جعلها نعتا لله ، وإنما جعل الوصفين نعتا لله تعالى ، الحسن ، وقتادة ، وحميد الأعرج ، وإسماعيل بن مجالد عن عاصم ، فقرؤوا " مجريها ومرسيها " بضم الميم وبياءين صحيحتين ، مثل مبديها ومنشيها . وقرأ ابن مسعود : " مجراها " بفتح الميم ، وإمالة الراء بعدها ألف ، " ومرساها " برفع الميم ، وإمالة السين بعدها ألف . وقرأ أبو رزين ، وأبو المتوكل : " مجراها " بفتح الميم والراء ، وبألف بعدها ، ومرساها ، برفع الميم وفتح السين ، وبألف بعدها . وقرأ أبو الجوزاء ، وابن يعمر : " مجراها ومرساها " بفتح الميم فيهما جميعا ، وفتح الراء والسين ، وبألف بعدهما . [ ص: 109 ] وقرأ يحيى بن وثاب بفتح الميمين ، إلا أنه أمال الراء والسين فيهما . وقرأ أبو عمران الجوني ، وابن جبير ، برفع الميم فيهما ، وفتح الراء والسين ، وبألف بعدهما جميعا . فمن قرأ بضم الميمين ، جعله من أجرى وأرسى . ومن فتحهما ، جعله مصدرا من جرى الشيء يجري مجرى ، ورسى يرسي مرسى . قال الزجاج : قوله " بسم الله " أي : بالله ، والمعنى : أنه أمرهم أن يسموا في وقت جريها ووقت استقرارها .

ومن قرأ بضم الميمين ، فالمعنى : بالله إجراؤها ، وبالله إرساؤها . ومن فتحهما ، فالمعنى : بالله يكون جريها ، وبالله يقع إرساؤها ، أي : إقرارها . وسمعت شيخنا أبا منصور اللغوي يقول : من ضم الميم في " مجراها " أراد : أجراها الله مجرى ، ومن فتحها ، أراد : جرت مجرى . وقال الضحاك : كان إذا أراد أن تجري ، قال : بسم الله فجرت . وإذا أراد أن ترسي ، قال : بسم الله ، فرست .
وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين

قوله تعالى : " وهي تجري بهم في موج كالجبال " شبهه بالجبال في عظمه وارتفاعه ، ويقال : إن الماء ارتفع على أطول جبل في الأرض أربعين ذراعا ، ويروى خمس عشرة ذراعا . وذكر بعض المفسرين أنه ارتفع نحو السماء سبعين فرسخا من الأرض .

قوله تعالى : " ونادى نوح ابنه " لا يختلفون أنه كان كافرا . وفي اسمه قولان :

أحدهما : كنعان ، وهو قول الأكثرين . والثاني : اسمه يام ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال عبيد بن عمير ، وابن إسحاق .

[ ص: 110 ] قوله تعالى : " وكان في معزل " المعزل : المكان المنقطع . ومعنى العزل : التنحية . وفي معنى الكلام وجهان ذكرهما الزجاج .

أحدهما : في معزل من السفينة . والثاني : في معزل من دين أبيه .

قوله تعالى : " يا بني اركب معنا " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : " يابني اركب " مضافة ، بكسر الياء . وروى أبوبكر عن عاصم " يابني " مفتوحة الياء ها هنا ، وباقي القرآن مكسورة . وروى حفص عنه بالفتح في كل القرآن " يابني " إذا كان واحدا . قال النحويون : الأصل في " بني " ثلاث ياءات ، ياء التصغير ، وياء بعدها هي لام الفعل ، وياء بعد لام الفعل هي ياء الإضافة . فمن قرأ " يابني " أراد يابنيي ، فحذف ياء الإضافة ، وترك الكسرة تدل عليها ، كما يقال : يا غلام أقبل . ومن فتح الياء ، أبدل من كسرة لام الفعل فتحة ، استثقالا لاجتماع الياءات مع الكسرة ، فانقلبت ياء الإضافة ألفا ، ثم حذفت الألف كما تحذف الياء ، فبقيت الفتحة على حالها . وقيل : إن المعنى : يا بني آمن واركب معنا .

قوله تعالى : " سآوي " أي : سأصير وأرجع " إلى جبل يعصمني " أي : يمنعني " من الماء " أي : من تغريق الماء .

" قال لا عاصم اليوم " فيه قولان :

أحدهما : لا مانع اليوم من أمر الله ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : لا معصوم ، ومثله : ماء دافق ، أي : مدفوق ، وسر كاتم ، وليل نائم ، قاله ابن قتيبة .

قوله تعالى : " إلا من رحم " قال الزجاج : هذا استثناء ليس من الأول ، والمعنى : لكن من رحم الله فإنه معصوم ، قال مقاتل : إلا من رحم فركب السفينة .

[ ص: 111 ] قوله تعالى : " وحال بينهما الموج " في المكني عنها قولان :

أحدهما : أنهما ابن نوح والجبل الذي زعم أنه يعصمه ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد . والثاني : نوح وابنه ، قاله مقاتل .
وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين

قوله تعالى : " وقيل يا أرض ابلعي ماءك " وقف قوم على ظاهر الآية ، وقالوا : إنما ابتلعت ما نبع منها ، ولم تبتلع ماء السماء ، فصار ذلك بحارا وأنهارا ، وهو معنى قول ابن عباس . وذهب آخرون إلى أن المراد : ابلعي ماءك الذي عليك ، وهو ما نبع من الأرض ونزل من السماء ، وذلك بعد أن غرق ما على وجه الأرض .

قوله تعالى : " ويا سماء أقلعي " أي : أمسكي عن إنزال الماء . قال ابن الأنباري : لما تقدم ذكر الماء ، علم أن المعنى : أقلعي عن إنزال الماء .

قوله تعالى : " وغيض الماء " أي : نقص . قال الزجاج : يقال غاض الماء يغيض : إذا غاب في الأرض . ويجوز إشمام الضم في الغين .

قوله تعالى : " وقضي الأمر " قال ابن عباس : غرق من غرق ، ونجا من نجا . وقال مجاهد : قضي الأمر : هلاك قوم نوح . وقال ابن قتيبة : " وقضي [ ص: 112 ] الأمر " أي : فرغ منه . قال ابن الأنباري : والمعنى : أحكمت هلكة قوم نوح ، فلما دلت القصة على ما يبين هلكتهم ، أغنى عن نعت الأمر .

قوله تعالى : " واستوت " يعني السفينة " على الجودي " وهو اسم جبل . وقرأ الأعمش ، وابن أبي عبلة : " على الجودي " بسكون الياء . قال ابن الأنباري : وتشديد الياء في " الجودي " لأنها ياء النسبة ، فهي كالياء في علوي ، وهاشمي . وقد خففها بعض القراء ، ومن العرب من يخفف ياء النسبة ، فيسكنها في الرفع ، والخفض ، ويفتحها في النصب ، فيقول : قام زيد العلوي ، ورأيت زيدا العلوي .

قال ابن عباس : دارت السفينة بالبيت أربعين يوما ، ثم وجهها الله إلى الجودي فاستقرت عليه .

واختلفوا أين هذا الجبل على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه بالموصل ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك .

والثاني : بالجزيرة ، قاله مجاهد ، وقتادة . وقال مقاتل : هو بالجزيرة قريب من الموصل .

والثالث : أنه بناحية آمد ، قاله الزجاج .

وفي علة استوائها عليه قولان :

أحدهما : أنه لم يغرق ، لأن الجبال تشامخت يومئذ وتطاولت ، وتواضع هو فلم يغرق ، فأرست عليه ، قاله مجاهد .

والثاني : أنه لما قل الماء أرست عليه ، فكان استواؤها عليه دلالة على قلة الماء .

قوله تعالى : " وقيل بعدا للقوم الظالمين " قال ابن عباس : بعدا من رحمة الله للقوم الكافرين .

[ ص: 113 ] فإن قيل : ما ذنب من أغرق من البهائم والأطفال ؟

فالجواب : أن آجالهم حضرت ، فأميتوا بالغرق ، قاله الضحاك ، وابن جريج .

قوله تعالى : " رب إن ابني من أهلي " إنما قال نوح هذا ، لأن الله تعالى وعده نجاة أهله ، فقال : " وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين " قال ابن عباس : أعدل العادلين . وقال ابن زيد : فأنت أحكم الحاكمين بالحق .

واختلفوا في هذا الذي سأل فيه نوح على قولين :

أحدهما : أنه ابن نوح لصلبه ، قاله ابن عباس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والضحاك ، والجمهور .

والثاني : أنه ولد على فراشه لغير رشدة ولم يكن ابنه . روى ابن الأنباري بإسناده عن الحسن أنه قال : لم يكن ابنه ، إن امرأته فجرت . وعن الشعبي قال : لم يكن ابنه ، إن امرأته خانته ، وعن مجاهد نحو ذلك . وقال ابن جريج : ناداه نوح وهو يحسب أنه ابنه ، وكان ولد على فراشه . فعلى القول الأول ، يكون في معنى قوله : " إنه ليس من أهلك " قولان :

أحدهما : ليس من أهل دينك .

والثاني : ليس من أهلك الذين وعدتك نجاتهم . قال ابن عباس : ما بغت امرأة نبي قط ، وإنما المعنى : ليس من أهلك الذين وعدتك نجاتهم . وعلى القول [ ص: 114 ] الآخر : الكلام على ظاهره ، والأول أصح ، لموافقته ظاهر القرآن ، ولاجتماع الأكثرين عليه ، وهو أولى من رمي زوجة نبي بفاحشة .

قوله تعالى : " إنه عمل غير صالح " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة : " إنه عمل " رفع منون " غير صالح " برفع الراء ، وفيه قولان :

أحدهما : أنه يرجع إلى السؤال فيه ، فالمعنى : سؤلك إياي فيه عمل غير صالح ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، وهذا ظاهر ، لأنه قد تقدم السؤال فيه في قوله : " رب إن ابني من أهلي " فرجعت الكناية إليه .

والثاني : أنه يرجع إلى المسؤول فيه .

وفي هذا المعنى قولان : أحدهما : أنه لغير رشدة ، قاله الحسن . والثاني : أن المعنى : إنه ذو عمل غير صالح ، قاله الزجاج . قال ابن الأنباري : من قال : هو لغير رشدة ، قال : المعنى : إن أصل ابنك الذي تظن أنه ابنك عمل غير صالح . ومن قال : إنه ذو عمل غير صالح ، قال : حذف المضاف ، وأقام العمل مقامه ، كما تقول العرب : عبد الله إقبال وإدبار ، أي : صاحب إقبال وإدبار . وقرأ الكسائي : " عمل " بكسر الميم وفتح اللام " غير صالح " بفتح الراء ، يشير إلى أنه مشرك .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 468.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 462.36 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (1.26%)]