#1
|
||||
|
||||
شرح نائب الفاعل
شرح نائب الفاعل أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن هذا الباب ذكر النُّحاة له تسميتينِ: التسمية الأولى: باب المفعول الذي لم يُسَمَّ فاعله؛ أي: الذي لم يُذكَر معه فاعلُ فعلِه، وهذه التسمية هي التي مشَى عليها ابن آجُرُّوم رحمه الله في آجروميته، وعليها المتقدِّمون، ولكن ابن مالكٍ قد اعترض على هذه التسمية من وجهين[2]: الوجه الأول: أنها لا تشمل إنابة المصدر والظرف والجار والمجرور. والوجه الثاني: أنها تقتضي جواز إقامة المفعول الثاني في باب (كسا وأعطى) مقام الفاعل، فاعترض على ذلك بأنه من المعلوم عند النحاة أنه لا يصح أن يقال: كُسِيَ زيدًا جُبَّةٌ، ولا: أُعطي زيدًا درهمٌ؛ لأنه لا يقوم مقامَ الفاعل إلا المفعولُ الأول. والتسمية الثانية: باب النائب عن الفاعل، وهذه التسمية هي التي عليها كثيرٌ من المتأخرين، وهي التي مشى عليها ابن مالك[3]، واستحسنها ابن هشام رحمهما الله، وإنما استحسنها ابن مالك وابن هشام؛ لما يلي: • أنها أفضل وأعَمُّ من التسمية الأولى؛ لأن نائب الفاعل قد يكون مفعولًا به، وقد يكون ظرفًا، وقد يكون جارًّا ومجرورًا، وقد يكون مصدرًا[4]. • أنها أخصر من عبارة المتقدمين[5]. واعلم - رحمك الله - أن الكلام قد يكون مؤلَّفًا من: • فعلٍ. • مَن قام بهذا الفعل، ويسميه النحاة الفاعل، كما تقدم. • مَن وقع عليه الفعل، ويسميه النحاة المفعول به. ومثال ذلك: قول الله تعالى: ﴿ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾ [العنكبوت: 44]، فهذه الآية قد تكوَّنت من الفعل (خلَقَ)، ومن قام بهذا الفعل (الفاعل)، وهو الله عز وجل، ومن وقع عليه فعل الخلق (المفعول به)، وهو (السماوات). وقد يحذف المتكلِّمُ الفاعلَ من هذا الكلام، ويكتفي بذكر الفعل والمفعول، فيُقيم المفعولَ مقام الفاعل، وحينئذٍ يجب عليه أن يغيِّر أمرين، هما: • صورة الفعل، وصيغته، فيحوَّل الفعل من مبنيٍّ للمعلوم إلى مبني لما لم يسمَّ فاعله[6]؛ إيذانًا بالنيابة[7]، وسيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا الكلام على طريقة تغيير صيغة الفعل وصورته بشيء من التفصيل. • وصورة المفعول، فبعد أن كان منصوبًا يصيره مرفوعًا[8]، ويعطيه أحكام الفاعل؛ مِن: • وجوبِ تأخيره عن فعله، فلا يجوز تقديم نائب الفاعل على الفعل[9]؛ لقيامه مقام الفاعل، والفاعل قد تقدم أنه لا يجوز تقديمه على فعله. • وتأنيثِ فعله له إن كان هو مؤنثًا[10]،[11]. ويُسمَّى هذا الاسم الذي أقيم مُقام[12] الفاعل بعد حذفه، وناب منابه: نائب فاعل[13]. وبِناءً على هذا الذي تقدَّم، فإننا يمكننا أن نُعرِّف نائب الفاعل بأنه: اسم مرفوع حل محل الفاعل بعد حذفه، وتغيَّرت معه صورة الفعل الذي تقدم عليه، ويُسمَّى هذا الفعل مبنيًّا لما لم يُسَمَّ فاعله، كما تقدم، ويأخذ هذا النائب حكمَ الفاعل في الأمور التي ذكرناها. وتسمى الجملة المركبة من: الفعل والفاعل، أو الفعل ونائب الفاعل: جملةً فعلية. وقولنا في التعريف: اسم، خرج به الفعل والحرف، فلا يكون الفعل أو الحرف نائب فاعل. وقولنا: مرفوع، خرج به المنصوب والمجرور، فلا يكون نائب الفاعل منصوبًا أو مجرورًا. إذًا، وبِناءً على ما تقدم، فإنك يمكنك الآن أن تفهم على سبيل المثال معنى قوله تعالى: ﴿ فَجُمِعَ السَّحَرَةُ ﴾ [الشعراء: 38]، على أساس سليم مبنيٍّ على قواعدَ علميةٍ، فتفهم من تغيير صورة الفعل (جُمِع)[14] أن هذا الفعل مبنيٌّ للمجهول[15]، وتفهم من رفع (السحرة) أنها هنا نائب فاعل، وإذا حكمنا على (السحرة) بأنها نائب فاعل كان أصلها مفعولًا به، والفاعل محذوف، وهو معلوم، وهو فرعون لعنه الله، وعليه؛ فأصل هذه الآية: جمَع فرعونُ السحرةَ. نائب الفاعل كغيره من مرفوعات الأسماء [16] إما أن يُرفع: • بالحركات، وهي الضمة، وهذه الضمة قد تكون: ظاهرة؛ نحو قوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ﴾ [البقرة: 216]، وقوله عز وجل: ﴿ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [البقرة: 210]. أو مقدَّرة؛ نحو قوله سبحانه: ﴿ أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ ﴾ [البقرة: 108]. • وإما أن يُرفع بالحروف؛ وهي: الألف، ذلك إذا كان مثنى؛ نحو: قُتِل اليهوديان. الواو، وذلك إذا كان: جمع مذكر سالمًا؛ نحو قوله تعالى: ﴿ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ ﴾ [الرحمن: 41]. أو اسمًا من الأسماء الخمسة؛ نحو: شُتِم أخوك. • وقد يكون إعرابه إعرابًا محليًّا[17]، وذلك إذا كان اسمًا مبنيًّا؛ كأن يكون ضميرًا، أو اسمًا من أسماء الإشارة، أو اسما موصولًا[18]، ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 33]، وقوله سبحانه: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ﴾ [الأحقاف: 20][19]. أسباب وأغراض حذف الفاعل: اعلم - رحمك الله - أن الأسباب والأغراض التي تدعو المتكلمَ إلى أن يحذف مِن كلامه الفاعلَ، ويُعرِض عنه - كثيرةٌ جدًّا، غير أنها على كثرتها وتعدُّدها لا تخلو من أن تكون راجعة إلى: 1- اللفظ. 2- أو تكون راجعة إلى المعنى. أولًا: الأسباب والأغراض الراجعة إلى اللفظ: من الأغراض اللفظية التي تدعو المتكلمَ إلى حذف الفاعل: 1- قصد المتكلم الإيجاز في العبارة، ومن أروع أمثلة ذلك قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ [النحل: 126][20]. 2- إصلاح السجع والمحافظة عليه في الكلام المنثور، عن طريق المماثلة بين حركات الحروف الأخيرة، ومن أجمل ما يساق لذلك قولهم في الحكمة: مَن طابت سريرتُه، حُمِدت سيرتُه[21]. 3- المحافظة على وزن الشعر في الكلام المنظوم؛ نحو قول الأعشى: عُلِّقتُها[22] عرضًا وعُلِّقَت رجلًا *** غيري وعُلِّق أخرى ذلك الرجلُ[23] ثانيًا: الأسباب والأغراض الراجعة إلى المعنى: من الأغراض المعنوية التي تدعو المتكلم إلى حذف الفاعل: 1- كون الفاعل معلومًا للمخاطب حتى لا يحتاج إلى ذكره؛ نحو قوله تعالى: ﴿ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾ [الأنبياء: 37]، وقوله عز وجل: ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28]، وقوله سبحانه: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾ [المعارج: 19][24]. 2- كون الفاعل مجهولًا للمتكلم، فهو لا يستطيع أن يُبيِّنه بيانًا واضحًا يعيِّنه؛ كقولك: سُرِق متاعي، إذا لم تعرف السارق، وأصل الكلام: سرق اللصُّ متاعي، فحذف اللص؛ للجهل به. 3- رغبة المتكلم في الإبهام على السامع؛ نحو قولك: تُصُدِّق بألف دينار، إذا عرَفت المتصدق، غير أنك لم تُرِدْ إظهاره للمخاطب. وكقول شخص لآخر: نُقِل إليَّ ذمُّك لي. أو قوله: يُقال عنك كذا وكذا، فلا شك أن هناك شخصًا قد نقل الكلام إلى المتكلم، وهو يعرفه، وكذلك لا شك أن هناك شخصًا قد تحدَّث عن المخاطب بما يقوله المتكلم، وهو يعرفه أيضًا، لكنه لم يُرِدْ إظهاره للمخاطب. 4- رغبة المتكلم في إظهار تعظيمه للفاعل، إما: بصون اسم الفاعل وتنزيهه عن أن يجري على لسان المتكلم. وإما بصون اسم الفاعل عن أن يقترن بالمفعول به في الذكر؛ نحو أن تقول: خُلِق الخِنزير، ونحو أن تقول: أُصِيب الكافر، إذا كان المُصِيب مسلمًا، فتنزِّه المسلم، فلا تقول: أصاب المسلم الكافر، مثلًا[25]. 5- رغبة المتكلم في إظهار تحقير الفاعل بصون لسانه عن أن يجري بذكره؛ نحو: طُعِن عمر، ونحو: أُصِيب المسلم، إذا كان الذي أصابه كافرًا، فلا تذكر الفاعل معه؛ تحقيرًا له. 6- خوف المتكلم على الفاعل، إذا كان يتوقع أن يناله أحدٌ بمكروه؛ نحو: ضُرِب فلان، إذا عرَفت الضارب، غير أنك خِفْتَ عليه، فلم تذكره، ونحو: شُتِم الأمير، والأصل: شتم الخادم الأمير، فحُذِف (الخادم)؛ خوفًا عليه. 7- خوف المتكلم من الفاعل، إذا كان جبارًا، ينال الناسَ بأذاه؛ نحو: سُرِق الحصان، إذا عرَفت السارق، فلم تذكره خوفًا منه؛ لأنه شرير مثلًا، تخاف بطشه وشراسته. 8- إذا كان لا يتعلق بذكر الفاعل فائدة؛ نحو قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ [النساء: 86]، فذكر الذي يُحَيِّي لا فائدة منه؛ وإنما الغرض وجوبُ ردِّ التحية لكل مَن يُحَيِّي. ومثال ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ [البقرة: 196]، وقوله تعالى: ﴿ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا ﴾ [المجادلة: 11]، فـ(أُحصِرتم، وقيل)، لا غرض مِن ذكر فاعلهما[26]. تغيير صورة الفعل بعد حذف الفاعل[27] الفعل الذي يُبنَى للمجهول إما أن يكون: مضارعًا أو ماضيًا[28]. وفيما يلي - إن شاء الله تعالى - ذكر كيفية تغيير صورة هذين الفعلين عند بنائهما للمجهول. يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: شرح نائب الفاعل
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |