زيني زاده: حياته وآثاره العلمية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح النووي لحديث: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          أنسيت بأنك في غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 855189 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 390013 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-09-2022, 09:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي زيني زاده: حياته وآثاره العلمية

زيني زاده: حياته وآثاره العلمية


أ. رضا جمال






زيني زاده: حياته وآثاره العلمية

(من دراسة بعنوان: الفَوائِدُ الشَّافِية، عَلى إعْرابِ الكافِية)

لحُسَين بن أحمد، الشَّهير بــ: زِيني زادهْ

(ت: 1168هـ)

(تحقيقًا ودراسة)



عصرهُ والحياة العلميَّة والفكريَّة فيه [1]:
عاش زيني زاده في الفترة ما بين 1107 - 1168 هـ = 1696 - 1755م، وهي مرحلة زمنية متميزة من مراحل الدولة العثمانية؛ تدخل في العصر الذي عرف بـ(عصر التوقف)، وقبل دور الانحطاط، وقرب نهاية الدولة العثمانيَّة، وسقوط خلافتها. ويبدأ هذا العصر تحديدًا منذ سقوط مرزيفونلي قره مصطفى باشا 51/ 12/ 1683م، ويمتد إلى سنة 1768م، وهي بداية الحرب الكبيرة مع روسيا، وبداية دور الانحطاط.

وفي هذا العصر الذي عرف بـ(عصر التوقف) كانت بداية النهاية للدولة العثمانية العالمية، والتي كانت هي الدولة الأولى عالميًّا، فضعف نفوذها الذي كان يعبر القارات، ويوجه سياسة العالم وتاريخه على السواء، وتوقف توسعها، وانقرضت قوة اندفاعها وفاعليتها وجرأتها، وأصبح جل غايتها هو الحفاظ قدر ما تستطيع على ما تملكه.

ولقد عاصر زيني زاده منذ ولادته إلى وفاته عهد أربعة من الخلفاء العثمانيِّين، وبالحديث عنهم وعن سمات عصرهم السياسيَّة والاقتصاديَّة، والحياة العلميَّة والأدبية، تتجلَّى خصائص العصر الذي عاش فيه المؤلف، وأثر في نشأته وتكوينه العلمي، وأيضًا تتضح بعض الأمور بخصوص مصنفاته؛ إذ إنَّ بعضها كان إهداءً لبعض الوزراء والسلاطين، كما هو الحال في كتاب "الفوائد الشافية" محل الدراسة، وهؤلاء السلاطين هم:
1- السلطان الغازي مصطفى خان الثاني، ابن السلطان محمد الرابع (1074هـ - 1115 هـ):
وقد امتاز السلطان مصطفى خان بصفات حميدة، فقد كان متصفًا بالشجاعة والبأس، كما كان شاعرًا، وخطاطًا ماهرًا، الثقافة الغزيرة، وتحصيله العلمي العالي، والقدرة العالية على جمْع السلاطين، كما كان يُعد من أقوى السلاطين بعد السلطان مراد الرابع، وكان يخرج مع الجيش بنفسه، وهو من آخر السلاطين الذين ساروا إلى الحرب، وقد حقَّق انتصارات كثيرة على البندقيين والبولونيين مما أوجد جوًّا من التفاؤل بعد عدة هزائم مضت، غير أنَّه هُزم على يد الأمير أوجين قائد الجيوش النمساوية الذي أخذ المجر من أيدي العثمانيين، ولم يعد لهم بها أي صلة، وحاول السلطان مصطفى خان إعادتها بعدما جهَّز جيشًا عظيمًا، ولكن الوزراء قد مانعوا، إلى أن تم ما عرف باسم (معاهدة كارلوفجه، أو كارلوفتس) رجب سنة 1110هـ - يناير سنة 1699م، بين الدولة العلية والنمسا والروسيا والبندقية وبولونيا، وكانت - بسبب المكر الخبيث من السفيرينِ: الفرنسي، والهولندي آنذاك - لصالح النمسا وروسيا والبندقية على حساب العثمانيين، بل كانت من أكثر المعاهدات إضرارًا بهم؛ إذ انتقلت المجر بكاملها إلى ألمانيا ما خلا البوسنة، كما قام بمعاهدة مع روسيا أيضًا.

ومن ذلك التاريخ تم الاتفاق بين جميع الدول - إن لم يكن صراحة، فضِمنًا - على الوقوف أمام تقدم الدولة العلية أولًا، ثم تقسيم بلادها بينهم شيئًا فشيئًا، وهو ما عرف سياسيًّا بـ(المسألة الشرقية)، وقد بُنيت على الخوف من انتشار الإسلام وحلوله محلَّ النصرانية ليس إلَّا، وأما ما يسترون غاياتهم خلفه مِن الدِّفاع عن حقوق الأمم المسيحيَّة الضعيفة الخاضعة للدولة، فقد كان خداعًا، لم يعد أحد يغتر به.

وفي عهده حصلت ثورة أدرنه, وهي إحدى الثورات الدنيئة والمشؤومة في التاريخ العثماني. وفيها ثار عليه الإنكشارية الميالون بطبعهم إلى الهياج للسلب والنهب وهتك الأعراض، وعزلوا السلطان مصطفى الثاني في 2 ربيع الآخر سنة 1115 هـ - 15 أغسطس سنة 1703م، بعد أن حَكم 8 سنوات و 8 شهور، وبقي معزولًا إلى أن تُوفي في 22 شعبان من السنة المذكورة، وعمره أربعون سنة تقريبًا، وأقاموا مكانه بعد عزله أخاه السلطان أحمد الغازي، وهو ما يأتي الحديث عنه.

2- السلطان الغازي أحمد خان الثالث (1083هـ - 1149 هـ):
وهو ابن السلطان الغازي محمد الرابع، ولد في 3 رمضان سنة 1083 هـ - 23 ديسمبر سنة 1673م، وعند تعيينه وزَّع أموالًا طائلة على الإنكشارية، وسلَّم لهم في قتْل بعض من يُقاومهم في أعمالهم، ثم اقتصَّ من رؤوسهم بعدما قرت الأحوال وعادت السكينة، فقتل منهم عددًا ليس بقليل، وعزل الصدر الأعظم نشانجي أحمد باشا الذي انتخبه الإنكشارية وقت ثورتهم، وعين في هذه الوظيفة المهمة زوج أخته داماد حسن باشا، وكان رجلًا حازمًا يحول بين المفسدين وبين ما يشتهون، وله أعمال نافعة كتجديد الترسانة وإنشاء كثير من المدارس، ومع ذلك أعمل المفسدون فكرهم وبذلوا جهدهم حتى تحصلوا على عزله في 28 جمادى الأولى 1116 هـ - 28 سبتمبر سنة 1704م، ومن بعده كثر تغيير الصدور تبعًا للأهواء.

وفي عهده كاد يُقضَى على روسيا كلية من العالم السياسي، أو على الأقل كانت ستبقى في التوحُّش والهمجيَّة عِدَّة أجيال؛ وذلك حينما أشهر بلطه جي محمد الحرب على روسيا، وقاد الجيوش بنفسه، وبعد مناورات مهمة حصرت الجيوش العثمانية البالغ قدْرُها مِئتي ألف جُندي قيصر روسيا وخليلته كاترينا، ولو استمرَّ عليهم الحصار قليلًا لأخذ أسيرًا هو ومن معه وانمحت الدولة الروسية، لكن بلطه جي محمد باشا رفع الحصار عن القيصر وجيشه مكتفيًا بإمضاء القيصر لمعاهدة فلكزن المؤرخة 9 جمادى الآخرة سنة 1123 هـ - 25 يوليه سنة 1711م، وأخلى بمقتضاها مدينة أَزَاق، وتعهد فيها بعدم التدخل في شؤون القوزاق مطلقًا، وهي مزية لم تكن شيئًا مذكورًا في جانب ما كان يمكن الدولة أن تناله من القيصر لو أهلكت جيشه واستولت عليه أسيرًا!

وفي عهده أمضت الخلافة العثمانية مع روسيا عدة معاهدات، منها معاهدة أدرنه في 24 جمادى الأولى سنة 1125 هـ - 18 يونيو سنة 1713م، تنازلت روسيا بمقتضاها عما لها من الأراضي على البحر الأسود حتى لم يبق لها عليه موانئ أو ثغور، وفي مقابلة ذلك أبطل ما كانت تدفعه سنويًّا إلى أمراء القرم كجزية؛ كي لا يتعدوا على قوافلها التجارية. ومعاهدة بسارو فتس، وهي عبارة عن صلح تمَّ بين الدولة العثمانية وبين النمسا في 22 شعبان سنة 1130هـ - 21 يوليو سنة 1718م، ونُصَّ في هذه المعاهدة على أن تأخذ النمسا ولاية تمسوار ومدينة بلغراد مع جزء عظيم من بلاد الصرب، وآخر من بلاد الفلاخ، وأن تَبقى جمهورية البندقية محتلة ثغور شاطئ دلماسيا، أمَّا بلاد موره فترجع إلى الدولة. وفي هذه المعاهدة اشترط بطرس الأكبر - القيصر المؤسِّس الحقيقي للمملكة الروسية وواضع دعائمها - شرطًا مهمًّا؛ لكي يفرق بين مجاوريه الثلاثة السويد وبولونيا والدولة العثمانية، ويُضعِفهم الواحد بعد الآخر، فتَزيدَ قوتُه بنسبة تأخُّرهم وتقهقرهم، وينص هذا الشرط على أن تتعهَّد كل من روسيا والباب العالي بمنع زيادة نفوذ الملك المنتخب ببولونيا على نفوذ الأشراف، وعدم تمكينه من جعل منصبه وراثيًّا في عائلته، ومنع حصول هذين الأمرين بكل الوسائل الممكنة بما فيها الحرب، وهو شرط مهم في إيجاد النفرة بين ملوك بولونيا والدولة؛ إنفاذًا لِمَا كان ينويه هذا القيصرُ بمكره ودَهائه.

ثم حدَث أنْ تمَّ تقسيم مملكة العجم بين العثمانيِّين والروس، وتم عزْل السلطان الغازي أحمد الثالث، وكان هذا بسبب فتح بلاد جديدة في جهة آسيا فتحها داماد إبراهيم باشا الذي تولى منصب الصدارة سنة 1130 هـ 1717م، وقد قام بفتح أرمينيا وبلاد الكرج، ولكن كان سبقه بطرس الأكبر واجتاز جبال القوقاز، التي كانت تحد بلاده من جهة الجنوب، واحتل إقليم طاغستان مع كافة سواحل بحر الخزر الغربية، فكادت الحرب تقوم بين الدولة العثمانية والروس، ولما تحقَّق بطرس الأكبر من عدم اقتداره على محاربتها، طلب من سفير فرنسا بالآستانة المسيو دوبو أن يتوسَّط بينهما، فقَبِل هذه المأموريةَ ووفق بين الطرفين بأن يمتلك كلٌّ منهما ما احتله من البلاد، وبالفعل قبلت الدولتان بذلك، وأمْضَتَا بهذه الشروط معاهدةً بتاريخ 2 شوال سنة 1136 هـ - 24 يونيو سنة 1724م.

ولم تقبل الفرس بضياع جزء كبير من بلادهم وقاموا بمحاربة العثمانيين، ولكنهم فشلوا بسبب شجاعة العثمانيين وبسالتهم، وتسلط الفوضى في داخلية إيران، وتنازع كل من الشاه أشرف الذي قتل مير محمد أمير أفغانستان والشاه طهماسب ملك ساسان، وانتهت هذه الحرب بالصلح مع الشَّاه أشرف في 25 صفر سنة 1140هـ - 12 أكتوبر سنة 1727م، ولَمَّا مات الشاه أشرف وانفرد طهماسب بالملك، أغار على بلاد الدولة العثمانية بسبب رفضها لطلبه بتسليم بلاد أجداده له، ولعدم ميل السلطان إلى الحرب ورغبته في الصلح؛ ثار الإنكشارية وأهاجوا الأهالي فأطاعوهم؛ طلبًا للسلب والنهب في 15 ربيع الأول 1143ه - 28 سبتمبر سنة 1730م، وطلب بترونا خليل زعيم هذه الثورة من السلطان قتل الصدر الأعظم والمفتي وقبوادان باشا - أميرال الأساطيل البحرية - بحُجة أنهم مائلون لمسالمة العجم، فامتنع السلطان عن إجابتهم، ولكنه سلَّم لهم بقتل الوزير والأميرال دون المفتي؛ خوفًا على نفسه بعدما رأى من إصرارهم، فقتلوهم، وجرَّأهم تساهل السلطان معهم على العصيان عليه جِهارًا! فأعلنوا بإسقاطه في مساء اليوم المذكور عن منصة الأحكام، ونادوا بابن أخيه السلطان محمود الأول خليفةً للمسلمين، فأذعن السلطان أحمد الثالث، وتنازل عن الملك بدون معارضة، وكانت مدة حكمه 27 سنة و 11 شهرًا. وبقي معزولًا إلى أن تُوفي في سنة 1149 هـ.

وكانت هذه الحقبة هي الحقبة التي قضى فيها زيني زاده ريعان شبابه، وألف فيها معظم كتبه، كما سيأتي في ذكر مصنفاته.

وكان من أهم ملامح تطور الحركة العِلميَّة في هذه الآونة - وهو من أهمِّ ما يُذكر في التاريخ لهذا الملك -: إدخال المطبعة في بلاده، وتأسيس دار طباعة في الآستانة العلية بعد إقرار المفتي وإصداره الفتوى بذلك، مشترطًا عدم طبع القرآن الشريف؛ خوفًا عليه من التحريف. وهو تاريخ مبكر جدًّا لإدخال الطباعة في الدولة العثمانية، بل كانت الآستانة هي أسبق مدن الشرق إلى الطباعة، مما يدلُّ على نشاط الحركة العلمية آنذاك. ولكن لا نعلم تحديدًا ما هي الكتب التي طُبِعت في هذه الأيام، وهل طُبِع من ضمنها كتب زيني زاده أم لا[2].
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-09-2022, 09:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زيني زاده: حياته وآثاره العلمية

زيني زاده: حياته وآثاره العلمية


أ. رضا جمال



3- السلطان الغازي محمود خان الأول (1108هـ - 1168هـ):


وهو ثاني سلطان من حيث الأهميَّةُ في حياة زيني زاده؛ إذ قضى زيني زاده في عصره آخر مرحلة في شبابه، ومرحلة كهولته كلها، وبقي إلى شيخوخته، وتُوفي السلطان محمود في العام نفسه الذي توفي فيه زيني زاده. وممَّا يوضح أيضًا أثر السلطان محمود خان في زيني زاده أن زيني زاده كان يهدي إليه كتبه، ويثني عليه في أوائلها، ومنها كتابه "الفوائد الشافية"، وهو الكتاب الذي تتناوله هذه الدراسة؛ فقد جاء في كثير من نُسخ الكتاب المخطوطة: "والثناء للخليفة السُّلطان محمود خان، المصطفى والمجتبى من آل عثمان" [3].

والسلطان محمود هو ابن السلطان مصطفى الثاني، وقد لد في 4 محرم سنة 1108هـ - 3 أغسطس سنة 1696م، وفي أول توليه للخلافة لم يكن له منها إلَّا الاسم فقط، إلى أن استتبَّ الأمن، وتوطَّد له الأمر، وفي عهده حصلت عِدَّة معاهدات، من ذلك:
(معاهدة بلغراد)، وكانت هذه المعاهدة بعد الحرب بين الدولة العثمانية وروسيا بسبب مملكة بولونيا، وتغلب روسيا على ستانسلاس واحتلال جنودها لمملكة بولونيا بأسرها، بينما وزراء الدولة العثمانية لاهون عن نتائج هذه السياسة الوخيمة التي ربما كانت السبب في وصول الدولة إلى ما وصلت إليه من الضعف والتفكك بعد ذلك. وقد تدخَّلت النمسا؛ لإفشال تحالف فرنسا مع الدولة العثمانية، فأبرمت مع فرنسا معاهدة ويانة في سنة 1735م إرضاء لها، وأخذت في التأهب والاستعداد للاشتراك مع روسيا لمحاربة الدولة العثمانية، وكان من حسن حظ الدولة العثمانية آنذاك أن المتقلد لمنصب الصدارة رجل محنَّك اشتهر بحسن السياسة وسمو الإدراك، وهو الحاج محمد باشا؛ فلم يغفل طرفة عين عن جمع الجيوش وتجهيز المعدات حتى أمكنه في أقرب وقت إيقاف تقدم الروس، ومن جهة أخرى انتصرت الجيوش العثمانية على جيوش النمسا التي أغارت على بلاد البوسنة والصرب والفلاخ، فانتصر المسلمون في الصرب وأجبروا النمساويين على الجلاء عنها والتقهقر إلى ما وراء نهر الدانوب في سنة 1737م، وتتابعت انتصارات الدولة العثمانية بعدما نسيت النصر والفوز على، الأعداء، فطلبت النمسا الصلح فتم الصلح بينهما وبين روسيا في 14 جمادى الآخرة سنة 1152هـ - 18 سبتمبر سنة 1739م.

وينص هذا الصلح على أن تتنازل النمسا للدولة العلية عن مدينة بلغراد وما أُعطي لها من بلاد الصرب والفلاخ بمقتضى معاهدة بسارو فتس، وتعهدت قيصرة روسيا حنة بهدم قلاع ميناء آزاق وعدم تجديدها في المستقبل وبعدم إنشاء سفن حربية أو تجارية بالبحر الأسود أو ببحر آزاق، بل تكون تجارتها على مراكب أجنبية، وبأن ترد للدولة العثمانيَّة كل ما فتحته من الأقاليم والبلدان، وسميت هذه المعاهدة (معاهدة بلغراد)، وانتهت هذه الحرب باسترداد جزء عظيم ممَّا فقدته الدولة العثمانيَّة من ممالكها بمقتضى معاهدة كارلوفتس بضعف وعدم كفاءة.

ومنها المعاهدة التي أبرمتها الدولة مع السويد، وهي عبارة عن عقد محالفة هجوم ودفاع ضد روسيا في سنة 1740م.

وفي عهده حصلت الحرب الشهيرة بين فرنسا والنمسا المعروفة في التاريخ بمحاربة إرث ملك النمسا التي استمرت عدة سنين، بعد موت شارل السادس إمبراطور النمسا في 20 من شهر أكتوبر سنة 1740، وتولي ابنته ماريه تيريزه الحكم بعده، وانتهت بفوز ماريه تريزه على فرنسا. ثم أظهرت فرنسا للدولة العلية فوائد اتحادها معها على محاربة النمسا، وعرضت عليها احتلال بلاد المجر واسترجاعها إلى أملاكها بحيث ترجع الدولة إلى ما كانت عليه من الاتساع أيام سليمان الأول القانوني، وتقاوم روسيا بعد ذلك وتقف في طريق تقدمها، وكانت هذه فرصة لم تتجدد بعد، حتى وإن كانت صادرة من فرنسا بسبب ما بينها وبين النمسا، ولكن لم تصغِ الدولة إلى هذه النصائح حبًّا في السلم وعدم إراقة دماء العباد والاشتغال بالإصلاحات الداخلية، وكتبت إلى الدول ذات الشأن تدعوهم للتصالح، وهذه سياسة شريفة إلا أنها كانت في ذلك الوقت من الغلطات المهمة التي عادت على الدولة بوخيم العواقب؛ لأنها أضاعت فرصة لو انتهزتها لفازت بالقدح المعلَّى، واسترجعت ما ضاع منها مِن بلدان بدون كثير عناء.

وفي يوم الجمعة 27 صفر سنة 1168 - 13 ديسمبر سنة 1754 توفي السلطان محمود الأول بالغًا من العمر ستين سنة، مأسوفًا عليه من جميع العثمانيِّين؛ لاتصافه بالعدل والحلم، وميله للمساواة بين جميع رعاياه بدون نظر لفئة دون أخرى، وكانت مدة حُكمه 25 سنة، وفي أيَّامه السعيدة اتَّسع نطاق الدولة بآسيا وأوروبا، ومَحت معاهدة بلغراد ما لحِق بالدولة من العار؛ بسبب معاهدة كارلوفتس.

ومن الآثار العلمية المهمَّة في عهد السلطان محمود:
تأسيس أربع كتبخانات (دُور كتب)، ألحقها بجوامع آيا صوفيا، ومحمد الفاتح، والوالدة، وغلطه سراي. والكتبخانة تعني دار الكتب، والمكتبة العامَّة التي تجمع كتب العلوم المختلفة، ونفائس التآليف ودررها، ولعلَّ وجود هذه الكتبخانات الكثيرة المليئة بالكتب النفيسة في شتى العلوم، يُفسِّر لنا كثرة المصادر التي اعتمَد عليها زيني زاده في إعرابه للكافية[4].

4 - السلطان الغازي عثمان خان الثاني (1110هـ - 1171 هـ):
لم تطلْ مدة مكوث زيني زاده في حياة هذا السلطان؛ إذ تُوفِّي في العام الذي تولى فيه الخلافة، على أنه كتَب له نسخة من كتابه "الفوائد الشافية"، وأثنى عليه فيها، وهي التي ترجَّح أنها الإبرازةُ الأخيرة من الكتاب، كما سيأتي التدليل على ذلك في الحديث عن نُسخ الكتاب[5].

وأيضًا لم تطُل مدَّة خلافة السلطان عثمان خان، مثلما طالت مدة خلافة السلطان أحمد ومحمود خان؛ إذ وافتْه المنيَّة بعد حوالي أربع سنوات من توليه الخلافة.

وقد وُلِد هذا السلطان في سنة 1110 هـ - 1696 م، وبعد أن تقلَّد السيف في جامع أبي أيُّوب الأنصاري على حسب العادة القديمة، وأبقى كبار الموظِّفين في وظائفهم، عيَّن في منصب الصدارة العظمى نشانجي علي باشا بدلَ محمد سعيد باشا الذي سبق تعيينه صدرًا، فاعتمد علي باشا هذا على ميل السلطان إليه، وسار في طريق غير حميد حتى أهاج ضده الأهالي، ولما تحقق السلطان من ذلك بنفسه، أمَر بقتْله جزاءً له، ووضع رأسه في صحن من الفضة على باب السراي عبرة لغيره، فقتل في 16 محرم سنة 1169 هـ - 22 أكتوبر سنة 1755 م وعيّن مكانه مصطفى باشا، ثم عزله في 20 ربيع الأول سنة 1170 هـ 13 - ديسمبر 1756 م، وعين مكانه محمد راغب باشا الشهير، وكان من فحول الرجال الذين تقلَّبوا في المناصب على اختلافها.

وكان لهذا السلطان عادة حسنة جدًّا، وهي أنه كان يمرُّ ليلًا في الشوارع والأزقة متنكِّرًا؛ لتفقُّد أحوال الرعية، والوقوف على حقيقة أحوالهم بنفسه؛ ليقفَ بذلك على ما يرتكبه وزراؤه وعُمَّاله بحق الرعية، وهذا ما حدَث مع صاحب الصَّدارة العظمى نشانجي علي باشا؛ إذ سمع أثناء تجواله بما يرتكبه وزيرُه من أنواع المظالم والمغارم، فأمَر بقتله - كما سبق.

كما تميَّز بخبرته السياسيَّة وحِنكته، وكان ممَّا زاده خبرة في أمور السِّياسة الأوروبية، وزاده اطلاعًا على دقائقها، أنه كان مباشرًا لتحرير (معاهدة بلغراد) بصفة (مكتوبجي أمين سر ولاية)، وأيضًا اطلاعه على المخابرات التي دارت بين الدولة والدول ذات الشأن كافة، للوصول إلى إبرامها.

ويظهر من إهداء زيني زاده نسخة من كتابه "الفوائد الشافية" للسلطان عثمان خان، وثنائه عليه، أنَّه كان من المهتمِّين بالعلم وأهله.

تُوفِّي السلطان عثمان الثالث في 16 صفر سنة 1171 هـ 30 أكتوبر سنة 1757م، وكانت مدة حكمه 3 سنين و 11 شهرًا، وعُمره سِتُّون سَنة.


[1] ينظر: "تاريخ الدولة العلية العثمانية" لمحمد فريد بك المحامي، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس - بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 1401 هـ - 1981م، (ص: 308 - 328)، و"تاريخ الدولة العثمانية" تحقيق: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل – تركيا، الطبعة الأولى، 1408هـ - 1988م، (1/ 541).

[2] ذكر العلامة الطناحي في كتابه "مدخل إلى تاريخ نشر التراث" (ص: 28): (أما في الشرق فكانت الآستانة عاصمةُ الخلافة الإسلامية، أسبقَ مدن الشرق إلى الطباعة، ... وتعددت المطابع في الآستانة، فكان أشهرها مطبعة الجوائب، لأحمد فارس الشدياق، وقد نشر في هذه المطبعة إلى جانب صحيفة الجوائب طائفة صالحة من الكتب العربية)، ثم ذكر في الهامش ترجمة أحمد فارس الشدياق، وذكر أنه أنشأ مطبعة الجوائب وأصدر صحيفتها سنة 1277هـ، وطبع فيها كثيرًا من كتبه وكتب غيره، ومن أشهر كتبه: الجاسوس على القاموس. وتاريخ هذه المطبعة متأخر جدًّا عن عصر الخليفة أحمد خان، يبلغ حوالي قرن من الزمن.

[3] انظر قسم التحقيق (ص: 34) حيث وضحت أن زيني زاده كتب كتابه هذا أكثر من مرة، وأهداه إلى خليفتين، ووضحت أن النسخة التي تعد الإبرازة الأخيرة للكتاب هي النسخة التي أهداها للخليفة عثمان خان، وهو أخو السلطان محمود الأول، ولد 1110هـ، وجلس على كرسي الخلافة سنة 1168هـ؛ ولذلك اعتمدتها الأصل من بين النسخ.

[4] ينظر: مبحث مصادر زيني زاده في إعراب الكافية: (ص: 72) من قسم التحقيق.

[5] ينظر: (ص: 133) من قسم التحقيق.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 71.58 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (3.18%)]