تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ - الصفحة 45 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854903 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389779 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #441  
قديم 29-12-2022, 04:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السادس
الحلقة (439)
سُورَةُ الْأَحْزَابِ
صـ 213 إلى صـ 220



وحجة أهل هذا القول أن الله تعالى قال في هذه الآية الكريمة : فتحرير رقبة ، [ ص: 213 ] ولم يقيدها بالإيمان ، فوجب أن يجزئ ما تناوله إطلاق الآية ، قالوا : وليس لأحد أن يقيد ما أطلقه الله في كتابه ، إلا بدليل يجب الرجوع إليه . وممن قال باشتراط الإيمان في رقبة كفارة الظهار : مالك ، والشافعي ، والحسن ، وإسحاق ، وأبو عبيدة ، وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد ، قاله في " المغني " . واحتج لأهل هذا القول بما تقرر في الأصول من حمل المطلق على المقيد .

وقد بينا مسألة حمل المطلق على المقيد في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " ، في سورة " النساء " ، في الكلام على قوله تعالى في كفارة القتل الخطأ : ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة الآية [ 4 \ 92 ] ، بقولنا فيه وحاصل تحرير المقام في مسألة تعارض المطلق والمقيد : أن لها أربع حالات : الأولى : أن يتحد حكمهما وسببهما معا كتحرير الدم ، فإن الله قيده في سورة " الأنعام " ، بكونه مسفوحا في قوله تعالى : إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا [ 6 \ 145 ] ، وأطلقه عن القيد بكونه مسفوحا في سورة " النحل " و " البقرة " و " المائدة " . قال في " النحل " : إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به [ 2 \ 115 ] ، وقال في " البقرة " : إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله [ 2 \ 173 ] ، وقال في " المائدة " : حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير الآية [ 6 \ 3 ] . وجمهور العلماء يقولون بحمل المطلق على المقيد في هذه الحالة التي هي اتحاد السبب والحكم معا ، ولذلك كانوا لا يرون بالحمرة التي تعلو القدر من أثر تقطيع اللحم بأسا ; لأنه دم غير مسفوح ، قالوا : وحمله عليه أسلوب من أساليب اللغة العربية ، لأنهم يثبتون ثم يحذفون اتكالا على المثبت ، ومنه قول قيس بن الخطيم الأنصاري :


نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف


فحذف راضون لدلالة راض عليه . وقول ضابئ بن الحارث البرجمي :


فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيار بها لغريب


والأصل : فإني غريب وقيار أيضا غريب ، فحذف إحدى الكلمتين لدلالة الأخرى عليها . وقول عمرو بن أحمر الباهلي : [ ص: 214 ]
رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئا ومن أجل الطوى رماني


يعني : كنت بريئا منه ، وكان والدي بريئا منه أيضا . وقول النابغة الجعدي :


وقد زعمت بنو سعد بأني وما كذبوا كبير السن فاني


يعني : زعمت بنو سعد أني فان وما كذبوا . . إلخ .

وقالت جماعة من أهل الأصول : إن حمل المطلق على المقيد بالقياس ، لا بدلالة اللفظ وهو أظهرها . وقيل : بالعقل ، وهو أضعفها وأبعدها .

الحالة الثانية : هي أن يتحد الحكم ، ويختلف السبب ، كالمسألة التي نحن بصددها ، فإن الحكم في آية المقيد وآية المطلق واحد ، وهو عتق رقبة في كفارة ، ولكن السبب فيهما مختلف ; لأن سبب المقيد قتل خطأ ، وسبب المطلق ظهار ، ومثل هذا المطلق يحمل على المقيد عند الشافعية ، والحنابلة ، وكثير من المالكية ، ولذا شرطوا الإيمان في كفارة الظهار حملا لهذا المطلق على المقيد ، خلافا لأبي حنيفة ومن وافقه ، قالوا : ويعتضد حمل هذا المطلق على المقيد بقوله - صلى الله عليه وسلم - في قصة معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه : " اعتقها فإنها مؤمنة " ، ولم يستفصله عنها ، هل هي في كفارة أو لا ؟ وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في الأقوال . قال في " مراقي السعود " :


ونزلن ترك الاستفصال منزلة العموم في الأقوال


الحالة الثالثة : عكس هذه ، وهي الاتحاد في السبب مع الاختلاف في الحكم ، فقيل : يحمل فيها المطلق على المقيد . وقيل : لا ، وهو قول أكثر العلماء ، ومثلوا له بصوم الظهار ، وإطعامه ، فسببهما واحد وهو الظهار ، وحكمهما مختلف ; لأن أحدهما تكفير بصوم ، والآخر تكفير بإطعام ، وأحدهما مقيد بالتتابع ، وهو الصوم . والثاني مطلق عن قيد التتابع ، وهو الإطعام ، فلا يحمل هذا المطلق على هذا المقيد . والقائلون بحمل المطلق على المقيد في هذه الحالة ، مثلوا لذلك بإطعام الظهار ، فإنه لم يقيد بكونه من قبل أن يتماسا ، مع أن عتقه وصومه قد قيدا بقوله : من قبل أن يتماسا ، فيحمل هذا المطلق على المقيد ، فيجب كون الإطعام قبل المسيس ، ومثل له اللخمي بالإطعام في كفارة اليمين حيث قيد بقوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم [ 5 \ 89 ] ، مع إطلاق الكسوة عن القيد بذلك ، في قوله : أو كسوتهم [ 5 \ 89 ] فيحمل هذا المطلق على المقيد ، فيشترط في [ ص: 215 ] الكسوة أن تكون من أوسط ما تكسون أهليكم .

الحالة الرابعة : أن يختلفا في الحكم والسبب معا ، ولا حمل في هذه إجماعا وهو واضح ، وهذا فيما إذا كان المقيد واحدا . أما إذا ورد مقيدان بقيدين مختلفين ، فلا يمكن حمل المطلق على كليهما لتنافي قيديهما ، ولكنه ينظر فيهما ، فإن كان أحدهما أقرب للمطلق من الآخر حمل المطلق على الأقرب له منهما عند جماعة من العلماء ، فيقيد بقيده . وإن لم يكن أحدهما أقرب له ، فلا يقيد بقيد واحد منهما ، ويبقى على إطلاقه إذ لا ترجيح بلا مرجح ، ومثال كون أحدهما أقرب للمطلق من الآخر صوم كفارة اليمين ، فإنه مطلق عن قيد التتابع والتفريق ، مع أن صوم الظهار مقيد بالتتابع في قوله تعالى : فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين [ 58 \ 4 ] ، وصوم التمتع مقيد بالتفريق في قوله تعالى : فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم [ 2 \ 196 ] ، واليمين أقرب إلى الظهار من التمتع ; لأن كلا من صوم الظهار واليمين صوم كفارة بخلاف صوم التمتع ، فيقيد صوم كفارة اليمين بالتتابع عند من يقول بذلك ، ولا يقيد بالتفريق الذي في صوم التمتع .

وقراءة ابن مسعود : [ فصيام ثلاثة أيام متتابعات ] لم تثبت ; لإجماع الصحابة على عدم كتب متتابعات في المصاحف العثمانية ، ومثال كونهما ليس أحدهما أقرب للمطلق من الآخر : صوم قضاء رمضان ، فإن الله تعالى قال فيه : فعدة من أيام أخر [ 2 \ 185 ] ، ولم يقيده بتتابع ولا تفريق ، مع أنه تعالى قيد صوم الظهار بالتتابع ، وصوم التمتع بالتفريق ، وليس أحدهما أقرب إلى صوم قضاء رمضان من الآخر ، فلا يقيد بقيد واحد منهما بل يبقى على الاختيار ، إن شاء تابعه ، وإن شاء فرقه ، والعلم عند الله تعالى . انتهى من " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " ، مع زيادة يسيرة للإيضاح .
الفرع الثاني : اعلم أن أهل العلم اختلفوا في رقبة كفارة الظهار ، هل يشترط فيها سلامتها من العيوب أو لا ؟ فحكي عن داود الظاهري أنه جوز كل رقبة يقع عليها الاسم ، ولو كانت معيبة بكل العيوب تمسكا بإطلاق الرقبة في قوله تعالى : فتحرير رقبة ، قال : ظاهره ولو معيبة ; لأن الله لم يقيد الرقبة بشيء .

وذهب أكثر أهل العلم إلى اشتراط السلامة من العيوب القوية مع اختلافهم في بعض العيوب ، قالوا : يشترط سلامتها من العيوب المضرة بالعمل ضررا بينا ; لأن المقصود [ ص: 216 ] تمليك العبد منافعه ، وتمكينه من التصرف لنفسه ، ولا يحصل هذا مع ما يضر بالعمل ضررا بينا ، فلا يجزئ الأعمى ; لأنه لا يمكنه العمل في أكثر الصنائع ، ولا المقعد ، ولا المقطوع اليدين أو الرجلين ; لأن اليدين آلة البطش ، فلا يمكنه العمل مع فقدهما ، والرجلان آلة المشي فلا يتهيأ له كثير من العمل مع تلفهما ، والشلل كالقطع في هذا .

قالوا : ولا يجوز المجنون جنونا مطبقا ; لأنه وجد فيه المعنيان : ذهاب منفعة الجنس ، وحصول الضرر بالعمل ، قاله في " المغني " . ثم قال : وبهذا كله قال الشافعي ، ومالك ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ، انتهى محل الغرض منه .

وبه تعلم إجماع الأئمة الأربعة على اشتراط السلامة من مثل العيوب المذكورة .

وقال ابن قدامة في " المغني " : ولا يجزئ مقطوع اليد أو الرجل ، ولا أشلهما ، ولا مقطوع إبهام اليد أو سبابتها أو الوسطى ; لأن نفع اليد يذهب بذهاب هؤلاء ، ولا يجزئ مقطوع الخنصر والبنصر من يد واحدة ; لأن نفع اليدين يزول أكثره بذلك . وإن قطعت كل واحدة من يد جاز ; لأن نفع الكفين باق وقطع أنملة الإبهام كقطع جميعها ، فإن نفعها يذهب بذلك لكونها أنملتين ، وإن كان من غير الإبهام لم يمنع ; لأن منفعتها لا تذهب ، فإنها تصير كالأصابع القصار ، حتى لو كانت أصابعه كلها غير الإبهام قد قطعت من كل واحد منها أنملة لم يمنع ، وإن قطع من الإصبع أنملتان فهو كقطعها ; لأنه يذهب بمنفعتها ، وهذا جميعه مذهب الشافعي ، أي : وأحمد .

وقال أبو حنيفة : يجزئ مقطوع إحدى الرجلين أو إحدى اليدين ، ولو قطعت رجله ويده جميعا من خلاف أجزأت ; لأن منفعة الجنس باقية ، فأجزأت في الكفارة كالأعور ، فأما إن قطعتا من وفاق ، أي : من جانب واحد لم يجز ; لأن منفعة المشي تذهب ، ولنا أن هذا يؤثر في العمل ، ويضر ضررا بينا ، فوجب أن يمنع إجزاؤها كما لو قطعتا من وفاق . ويخالف العور ، فإنه لا يضر ضررا بينا ، والاعتبار بالضرر أولى من الاعتبار بمنفعة الجنس ، فإنه لما ذهب شمه أو قطعت أذناه معا أجزأ مع ذهاب منفعة الجنس . ولا يجزئ الأعرج إذا كان عرجا كثيرا فاحشا ; لأنه يضر بالعمل ، فهو كقطع الرجل ، إلى أن قال : ويجزئ الأعور في قولهم جميعا .

وقال أبو بكر : فيه قول آخر : إنه لا يجزئ ; لأنه نقص يمنع التضحية والإجزاء في الهدي ، فأشبه العمى ، والصحيح ما ذكرناه . فإن المقصود تكميل الأحكام وتمليك العبد [ ص: 217 ] المنافع ، والعور لا يمنع ذلك ; ولأنه لا يضر بالعمل فأشبه قطع إحدى الأذنين ، ويفارق العمى فإنه يضر بالعمل ضررا بينا ويمنع كثيرا من الصنائع ، ويذهب بمنفعة الجنس ويفارق قطع إحدى اليدين والرجلين ، فإنه لا يعمل بإحداهما ما يعمل بهما ، والأعور يدرك بإحدى العينين ما يدرك بهما .

وأما الأضحية والهدي فإنه لا يمنع منهما مجرد العور ، وإنما يمنع انخساف العين وذهاب العضو المستطاب ; ولأن الأضحية يمنع فيها قطع الأذن والقرن ، والعتق لا يمنع فيه إلا ما يضر بالعمل ، ويجزئ المقطوع الأذنين . وبذلك قال أبو حنيفة والشافعي .

وقال مالك وزفر : لا يجزئ ; لأنهما عضوان فيها الدية ، فأشبها اليدين . ولنا أن قطعهما لا يضر بالعمل الضرر البين ، فلم يمنع كنقص السمع ، بخلاف اليدين ، ويجزئ مقطوع الأنف لذلك ، ويجزئ الأصم إذا فهم بالإشارة ، والأخرس إذا فهمت إشارته وفهم الإشارة ، وهذا مذهب الشافعي وأبي ثور .

وقال أصحاب الرأي : لا يجزئ ; لأن منفعة الجنس ذاهبة ، فأشبه زائل العقل ، وهذا المنصوص عليه عن أحمد ; لأن الخرس نقص كثير يمنع كثيرا من الأحكام ، مثل القضاء والشهادة . أكثر الناس لا يفهم إشارته ، فيتضرر في ترك استعماله ، وإن اجتمع الخرس والصمم . فقال القاضي : لا يجزئ ، وهو قول بعض الشافعية لاجتماع النقصين فيه وذهاب منفعتي الجنس ، ووجه الإجزاء أن الإشارة تقوم مقام الكلام في الإفهام ، ويثبت في حقه أكثر الأحكام فيجزئ ; لأنه لا يضر بالعمل ولا بغيره .

وأما المريض فإن كان مرجو البرء كالحمى وما أشبهها أجزأ في الكفارة ، وإن كان غير مرجو الزوال لم يجز .

وأما نضو الخلق يعني النحيف المهزول خلقة ، فإن كان يتمكن من العمل أجزأ ، وإلا فلا . ويجزئ الأحمق وهو الذي يصنع الأشياء لغير فائدة ، ويرى الخطأ صوابا . وكذلك يجزئ من يخنق في بعض الأحيان ، والخصي والمجبوب ، والرتقاء ، والكبير الذي يقدر على العمل ; لأن ما لا يضر بالعمل لا يمنع تمليك العبد منافعه ، وتكميل أحكامه ، فيحصل الإجزاء به ، كالسالم من العيوب ، انتهى من " المغني " ، مع حذف يسير لا يضر بالمعنى .

ثم قال صاحب " المغني " : ويجزئ عتق الجاني والمرهون وعتق المفلس عبده ، إذا [ ص: 218 ] قلنا بصحة عتقهم ، وعتق المدبر والخصي وولد الزنا ; لكمال العتق فيهم . ولا يجزئ عتق المغصوب ، لأنه لا يقدر على تمكينه من منافعه ، ولا غائب غيبة منقطعة لا يعلم خبره ; لأنه لا تعلم حياته فلا تعلم صحة عتقه ، وإن لم ينقطع خبره أجزأ عتقه ; لأنه عتق صحيح .

ولا يجزئ عتق الحمل ; لأنه لم تثبت له أحكام الدنيا ، ولذلك لم تجب فطرته ، ولا يتيقن أيضا وجوده وحياته . ولا عتق أم الولد ; لأن عتقها مستحق بسبب غير الكفارة ، والملك فيها غير كامل ، ولهذا لم يجز بيعها .

وقال طاوس والبتي : يجزئ عتقها ; لأنه عتق صحيح . ولا يجزئ عتق مكاتب أدى من كتابته شيئا ، انتهى من كلام صاحب " المغني " . وقد ذكر فيه غالب ما في مذاهب الأئمة الأربعة في المسألة .

ومعلوم أن مذهب مالك رحمه الله : اشتراط الإيمان في رقبة الظهار ، واشتراط سلامتها من العيوب المضرة ، فلا يجوز عنده عتق جنين في بطن أمه ، وإن وضعته عتق من غير إجزاء عن الكفارة .

ولا يجزئ عنده مقطوع اليد الواحدة ، أو الإصبعين ، أو الأصابع ، أو الإبهام ، أو الأذنين ، أو أشل ، أو أجذم ، أو أبرص ، أو أصم ، أو مجنون وإن أفاق أحيانا ، ولا أخرس ، ولا أعمى ، ولا مقعد ، ولا مفلوج ، ولا يابس الشق ، ولا غائب منقطع خبره ، ولا المريض مرضا يشرف به على الموت ، ولا الهرم هرما شديدا ، ولا الأعرج عرجا شديدا ، ولا رقيق مشترى بشرط العتق لما يوضع من ثمنه في مقابلة شرط العتق ، ولا من يعتق عليه بالملك كأبيه ، ولا عبد قال : إن اشتريته فهو حر ، فلو قال : إن اشتريته فهو حر عن ظهاري ، ففيه لهم تأويلان بالإجزاء وعدمه .

ولا يجزئ عنده المدبر ، ولا المكاتب ، ولو أعتق شركا له في عبد ، ثم قوم عليه نصيب شريكه لم يجزه عن ظهاره عنده ; لأن عتق نصيب الشريك وجب عليه بحكم سراية المعتق ، وكذلك لو أعتق نصفه عن ظهاره ، ثم بعد ذلك اشترى نصفه الآخر فأعتقه تكميلا لرقبة الظهار ، لم يجزه على ظاهر المدونة لتبعيض العتق إن كانت معسرا وقت عتق النصف الأول ، ولأن عتق النصف الباقي يلزمه بالحكم ، إن كان موسرا وقت عتق النصف الأول ، [ ص: 219 ] ولو أعتق ثلاث رقاب عن أربع زوجات ظاهر منهن لم يجزه من ذلك شيء ; لأنه لم تتعين رقبة كاملة عن واحدة منهن .

ويجزئ عند المالكية عتق المغصوب والمريض مرضا خفيفا ، والأعرج عرجا خفيفا ، ولا يضر عندهم قطع أنملة واحدة أو أذن واحدة ، ويجزئ عندهم الأعور ، ويكره عندهم الخصي ، ويجوز عندهم عتق المرهون والجاني إن افتديا ، انتهى .

ومعلوم أن أبا حنيفة لا يشترط الإيمان في كفارة الظهار ، كما تقدم . ولم يجزئ عنده الأعمى ولا مقطوع اليدين معا أو الرجلين معا ، ولا مقطوع إبهامي اليدين ، ولا الأخرس ، ولا المجنون ، ولا أم الولد ، ولا المدبر ، ولا المكاتب إن أدى شيئا من كتابته ، فإن لم يؤد منها شيئا أجزأ عنده ، وكذلك يجزئ عنده قريبه الذي يعتق عليه بالملك إن نوى بشرائه إعتاقه عن الكفارة ، وكذلك لو أعتق نصف عبده عن الكفارة ، ثم حرر باقيه عنها أجزأه ذلك ، ويجزئ عنده الأصم ، والأعور ، ومقطوع إحدى الرجلين ، وإحدى اليدين من خلاف ، ويجزئ عنده الخصي ، والمجبوب ، ومقطوع الأذنين ، ا هـ .

وقد قدمنا أكثر العيوب المانعة من الإجزاء ، وغير المانعة عند الشافعي في كلام صاحب " المغني " ناقلا عنه ، وكذلك ما يمنع وما لا يمنع عند أحمد ، فاكتفينا بذلك خشية كثرة الإطالة .
الفرع الثالث : اعلم أنه قد دل الكتاب والسنة والإجماع على أن الصوم لا يجزئ في الظهار إلا عند العجز عن تحرير الرقبة ، فإن عجز عن ذلك انتقل إلى الصوم ، وقد صرح تعالى بأنه صيام شهرين متتابعين ، ولا خلاف في ذلك .
الفرع الرابع : اختلف العلماء في تحقيق مناط العجز عن الرقبة الموجب للانتقال إلى الصوم ، وقد أجمعوا على أنه إن قدر على عتق رقبة فاضلة عن حاجته أنه يجب عليه العتق ، ولا يجوز له الانتقال إلى الصوم ، وإن كانت له رقبة يحتاج إليها لكونه زمنا أو هرما أو مريضا ، أو نحو ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى عجزه عن خدمة نفسه .

قال بعضهم : وككونه ممن لا يخدم نفسه عادة ، فقال بعضهم : لا يلزمه الإعتاق ، ويجوز له الانتقال إلى الصوم نظرا لحاجته إلى الرقبة الموجودة عنده .

قال في " المغني " : وبهذا قال الشافعي ، أي : وأحمد . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، [ ص: 220 ] والأوزاعي : متى وجد رقبة لزمه إعتاقها ولم يجز له الانتقال إلى الصيام ، سواء كان محتاجا إليها أو لم يكن ; لأن الله تعالى شرط في الانتقال إلى الصيام ألا يجد رقبة بقوله : فمن لم يجد [ 58 \ 4 ] ، وهذا واجد وإن وجد ثمنها وهو محتاج إليها ، لم يلزمه شراؤها ، وبه قال أبو حنيفة . وقال مالك : يلزمه ; لأن وجدان ثمنها كوجدانها . ولنا أن ما استغرقته حاجة الإنسان فهو كالمعدوم في جواز الانتقال إلى الصيام ، كمن وجد ماء يحتاج إليه للعطش يجوز له الانتقال إلى التيمم ، انتهى محل الغرض منه .

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : الأظهر عندي في هذه المسألة : أن الرقبة إن كان يحتاج إليها حاجة قوية ; ككونه زمنا أو هرما لا يستغنى عن خدمتها ، أو كان عنده مال يمكن شراء الرقبة منه ، لكنه محتاج إليه في معيشته الضرورية أنه يجوز له الانتقال إلى الصوم ، وتعتبر الرقبة كالمعدومة ، وأن المدار في ذلك على ما يمنعه استحقاق الزكاة من اليسار ، فإن كانت الرقبة فاضلة عن ذلك ، لزم إعتاقها ، وإلا فلا . والأدلة العامة المقتضية عدم الحرج في الدين تدل على ذلك ; كقوله تعالى : وما جعل عليكم في الدين من حرج [ 22 \ 78 ] ، ونحو ذلك . والعلم عند الله تعالى .
الفرع الخامس : إن كان المظاهر حين وجوب الكفارة غنيا إلا أن ماله غائب ، فالأظهر عندي أنه إن كان مرجو الحضور قريبا ، لم يجز الانتقال إلى الصوم ; لأن ذلك بمنزلة الانتظار لشراء الرقبة . وإن كان بعيدا جاز الانتقال إلى الصوم ; لأن المسيس حرام عليه قبل التكفير ، ومنعه من التمتع بزوجته زمنا طويلا إضرار بكل من الزوجين ، وفي الحديث : " لا ضرر ولا ضرار " ، خلافا لبعض أهل العلم في ذلك .
الفرع السادس : إن كان عنده مال يشتري به الرقبة ، ولكنه لم يجد رقبة يشتريها فله الانتقال إلى الصيام ; لدخوله في قوله تعالى : فمن لم يجد فصيام شهرين الآية [ 58 \ 4 ] ، وهذا واضح . وأما إن وجد رقبة تباع بزيادة على ثمن مثلها ، ولم يجد رقبة بثمن مثلها ، فلأهل العلم في ذلك خلاف : هل يلزمه شراؤها بأكثر من مثل المثل ، أو لا يلزمه ؟ وأظهر أقوالهم في ذلك عندي : هو أن الزيادة المذكورة على ثمن المثل إن كانت تجحف بماله حتى يصير بها من مصارف الزكاة ، فله الانتقال إلى الصوم ، وإلا فلا ، والعلم عند الله تعالى .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #442  
قديم 29-12-2022, 04:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السادس
الحلقة (440)
سُورَةُ الْأَحْزَابِ
صـ 221 إلى صـ 228


الفرع السابع : أجمع أهل العلم على أن صوم شهري الظهار يجب تتابعه ، أي : [ ص: 221 ] موالاة صيام أيامه من غير فصل بينها ، ولا خلاف بينهم في أن من قطع تتابعه لغير عذر ، أن عليه استئناف الشهرين من جديد ، وهل يفتقر التتابع إلى نية ؟ فيه لأهل العلم ثلاثة أقوال : أحدها : لا يفتقر لنية ; لأنه تتابع واجب في العبادة ، فلم يفتقر لنية تخصه ، كالمتابعة بين ركعات الصلاة .

والثاني : يفتقر لنية التتابع وتجدد النية كل ليلة ; لأن ضم العبادة إلى عبادة أخرى إذا كان شرطا وجبت فيه النية ، كالجمع بين الصلاتين .

والثالث : تكفي نية التتابع في الليلة الأولى عن تجديد النية كل ليلة ، وهذا أقربها ; لأنا لا نسلم أن صوم كل يوم عبادة مستقلة ، بل الأظهر أن صوم الشهرين جميعا عبادة واحدة ; لأنه كفارة واحدة ، فإذا نوى هذا الصوم أول ليلة فاللازم أن ينويه على وجهه المنصوص في الكتاب والسنة وهو شهران متتابعان ، وهذا يكفيه عن تجديد النية كل ليلة ، وهذا ظاهر مذهب مالك . ومذهب أحمد عدم الاحتياج إلى نية التتابع مطلقا . وللشافعية وجهان ، أحدهما : كأحمد ، والثاني : يفتقر إلى النية كل ليلة .
الفرع الثامن : اختلف أهل العلم فيما إذا كان قطع تتابع الصوم لعذر كمرض ونحوه ، فقال بعض أهل العلم : إن كان قطع التتابع لعذر ، فإنه لا يقطع حكم التتابع ، وله أن يبني على ما صام قبل حصول العذر ، وهذا مذهب أحمد .

قال في " المغني " : وروي ذلك عن ابن عباس ، وبه قال ابن المسيب ، والحسن ، وعطاء ، والشعبي ، وطاوس ، ومجاهد ، ومالك ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وابن المنذر ، والشافعي في القديم . وقال في الجديد : ينقطع التتابع ، وهذا قول سعيد بن جبير ، والنخعي ، والحكم ، والثوري ، وأصحاب الرأي قالوا : لأنه أفطر بفعله فلزمه الاستئناف .

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : الأظهر عندي في هذا الفرع أن قطع تتابع صوم كفارة الظهار بلا إفطار في أثناء الشهرين إن كان لسبب لا قدرة له على التحرز عنه ، كالمرض الشديد الذي لا يقدر معه على الصوم أنه يعذر في ذلك ولا ينقطع حكم التتابع ; لأنه لا قدرة له على التحرز عن ذلك ، والله جل وعلا يقول : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ 2 \ 286 ] ، ويقول : فاتقوا الله ما استطعتم [ 64 \ 16 ] ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم " ، وإن كان يمكنه التحرز عن الإفطار الذي قطع به [ ص: 222 ] التتابع كالإفطار للسفر في أثناء صوم الكفارة ، وكما لو كان ابتداء صومه الكفارة من شعبان ، لأن شهره الثاني رمضان ، وهو لا يمكن صومه عن الكفارة ، وكما لو ابتدأ الصوم في مدة يدخل فيها يوم النحر أو يوم الفطر أو أيام التشريق ، فإن التتابع ينقطع بذلك ; لأنه قادر على التحرز عن قطعه بما ذكر لقدرته على تأخير السفر عن الصوم كعكسه ، ولقدرته أيضا على الصوم في مدة لا يتخللها رمضان ، ولا العيدان ، ولا أيام التشريق ، كما لا يخفى . وإذا قطع التتابع بإفطار هو قادر على التحرز عنه بما ذكر ، فكونه يستأنف صوم الشهرين من جديد ظاهر ; لقوله تعالى : فصيام شهرين متتابعين [ 58 \ 4 ] ، وقد ترك التتابع مع قدرته عليه ، هذا هو الأظهر عندنا ، والعلم عند الله تعالى .
تنبيه .

الأظهر : أنه إن وجب على النساء صوم يجب تتابعه لسبب اقتضى ذلك أن حكمهن في ذلك كما ذكرنا ، فيعذرن في كل ما لا قدرة لهن على التحرز عنه كالحيض ، والمرض دون غيره كالإفطار للسفر والنفاس ; لأن النفاس يمكن التحرز عنه بالصوم قبله أو بعده ، أما الحيض فلا يمكن التحرز عنه في صوم شهرين أو شهر ، لأن المرأة تحيض عادة في كل شهر ، والله تعالى أعلم .
الفرع التاسع : في حكم ما لو جامع المظاهر منها أو غيرها ليلا ، في أثناء صيام شهري الكفارة ، وفي هذا الفرع تفصيل لأهل العلم .

اعلم أنه إن جامع في نهار صوم الكفارة عمدا انقطع تتابع صومه إجماعا ، ولزمه استئناف الشهرين من جديد ، وسواء في ذلك كانت الموطوءة هي المظاهر منها أو غيرها وهذا لا نزاع فيه ، وكذلك لو أكل أو شرب عمدا في نهار الصوم المذكور ، وأما إن كان جماعه ليلا في زمن صوم الكفارة ، فإن كانت المرأة التي جامعها زوجة أخرى غير المظاهر منها ، فإن ذلك لا يقطع التتابع ; لأن وطء غير المظاهر منها ليلا زمن الصوم مباح له شرعا ، ولا يخل بتتابع الصوم في أيام الشهرين كما ترى ، وهذا لا ينبغي أن يختلف فيه .

وقال في " المغني " : وليس في هذا اختلاف نعلمه ، وأما إن كان التي وطئها ليلا زمن الصوم هي الزوجة المظاهر منها ، فقد اختلف في ذلك أهل العلم ، فقال بعضهم : ينقطع التتابع بذلك ويلزمه استئناف الشهرين . وبه قال أبو حنيفة ، ومحمد بن الحسن ، وهو مذهب مالك وأحمد في المشهور عنهما .

[ ص: 223 ] وقال ابن قدامة في " المغني " في شرحه لقول الخرقي : وإن أصابها في ليال الصوم أفسد ما مضى من صيامه وابتدأ الشهرين ، ما نصه : وبهذا قال مالك ، والثوري ، وأبو عبيد ، وأصحاب الرأي ; لأن الله تعالى قال : فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ، فأمر بهما خاليين عن وطء ، ولم يأت بهما على ما أمر ، فلم يجزئه ، كما لو وطئ نهارا ولأنه تحريم للوطء لا يختص بالنهار ، فاستوى فيه الليل والنهار ، كالاعتكاف .

وروى الأثرم عن أحمد : أن التتابع لا ينقطع بهذا ويبني ، وهو مذهب الشافعي ، وأبي ثور ، وابن المنذر ; لأنه وطء لا يبطل الصوم ، فلا يوجب الاستئناف كوطء غيرها ، ولأن التتابع في الصيام عبارة عن إتباع صوم يوم للذي قبله من غير فارق ، وهذا متحقق ، وإن وطئ ليلا ، وارتكاب النهي في الوطء قبل إتمامه إذا لم يخل بالتتابع المشترط لا يمنع صحته وإجزاءه ، كما لو وطئ قبل الشهرين ، أو وطئ ليلة أول الشهرين ، وأصبح صائما ، والإتيان بالصوم قبل التماس في حق هذا لا سبيل إليه ، سواء بنى أو استأنف ، انتهى محل الغرض من كلام صاحب " المغني " ، وممن قال بهذا القول : أبو يوسف .

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : هذا القول الأخير الذي هو عدم انقطاع التتابع بجماعه للمظاهر منها في ليال الصوم ، هو الأظهر عندي ; لأن الصوم فيه مطابق لمنطوق الآية في التتابع ، لأن الله تعالى قال : فصيام شهرين متتابعين ، وهذا قد صام شهرين متتابعين ، ولم يفصل بين يومين منهما بفاصل ، فالتتابع المنصوص عليه واقع قطعا ; كما ترى . وكون صومهما متابعين قبل المسيس واجب بقوله تعالى : من قبل أن يتماسا ، لا يظهر أنه يبطل حكم التتابع الواقع بالفعل ، ومما يوضحه ما ذكرنا آنفا في كلام صاحب " المغني " من أنه لو جامعها قبل شروعه في صوم الشهرين ، ثم صامهما متتابعين بعد ذلك ، فلا يبطل حكم التتابع بالوطء قبل الشروع في الصوم ، ولا يقتضي قوله تعالى : من قبل أن يتماسا بطلانه ، والعلم عند الله تعالى
الفرع العاشر : اعلم أنه إن جامع المظاهر منها في نهار صوم الكفارة ناسيا ، فقد اختلف أهل العلم هل يعذر بالنسيان ، فلا ينقطع حكم التتابع ، أو لا يعذر به ويلزمه الاستئناف ؟ فقال بعضهم : لا يعذر بالنسيان ، وينقطع التتابع بوطئه ناسيا وهذا مذهب مالك ، وأبي حنيفة ، وإحدى الروايتين عند أحمد ، ومن حجتهم : أن الوطء لا يعذر فيه بالنسيان . وقال بعضهم : يعذر بالنسيان ، ولا ينقطع حكم التتابع بوطئه ناسيا ، وهو قول [ ص: 224 ] الشافعي ، وأبي ثور ، وابن المنذر . قالوا : لأنه فعل المفطر ناسيا ، فأشبه ما لو أكل ناسيا ، اهـ .

وهذا القول له وجه قوي من النظر ; لأن الله تعالى يقول : وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم الآية [ 33 \ 5 ] ، وقد قدمنا من حديث ابن عباس ، وأبي هريرة في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قرأ : " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [ 2 \ 286 ] ، قال الله تعالى : نعم قد فعلت " .
الفرع الحادي عشر : إن أبيح له الفطر لعذر يقتضي ذلك ، وقلنا إن فطر العذر لا يقطع حكم التتابع ، فوطء غيرها نهارا لم ينقطع التتابع ; لأن الوطء لا أثر له في قطع التتابع ، لأن أصل الإفطار لسبب غيره ، وإن كانت الموطوءة نهارا هي المظاهر منها جرى على حكم وطئها ليلا ، وقد تكلمنا عليه قريبا ، قال ذلك صاحب " المغني " ، ووجهه ظاهر . وقال أيضا : وإن لمس المظاهر منها أو باشرها فيما دون الفرج على وجه يفطر به قطع التتابع لإخلاله بموالاة الصيام ، وإلا فلا يقطع ، والله تعالى أعلم ، اهـ . ووجهه ظاهر أيضا .
الفرع الثاني عشر أجمع العلماء على أن المظاهر إن لم يستطع الصوم انتقل إلى الإطعام ، وهو إطعام ستين مسكينا ، وقد نص الله تعالى على ذلك بقوله : فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا [ 58 \ 4 ] .

ومن الأسباب المؤدية إلى العجز عن الصوم الهرم وشدة الشبق ، وهو شهوة الجماع التي لا يستطيع صاحبها الصبر عنه ، ومما يدل على أن الهرم من الأسباب المؤدية للعجز عن الصوم ، ما جاء في قصة أوس بن الصامت الذي نزلت في ظهاره من امرأته آية الظهار ، ففي القصة من حديث خولة بنت مالك بن ثعلبة التي ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت ، ونزل في ذلك قوله تعالى : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها الآيات [ 58 \ 1 ] ، قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يعتق رقبة " يعني زوجها أوسا قالت : لا يجد ، قال : " يصوم شهرين متتابعين " ، قالت : يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام ، قال : " فليطعم ستين مسكينا " الحديث ، ومحل الشاهد منه أنها لما قالت له : إنه شيخ كبير اقتنع - صلى الله عليه وسلم - بأن ذلك عذر في الانتقال عن الصوم إلى الإطعام ، فدل على أنه سبب من أسباب العجز عنه ، والحديث وإن تكلم فيه ، فإنه لا يقل بشواهده عن درجة الاحتجاج .

[ ص: 225 ] وأما الدليل على أن شدة الشبق عذر ، كذلك هو ما جاء في حديث سلمة بن صخر الذي تكلمنا عليه سابقا في هذا المبحث ، أنه قال : كنت امرأ قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري ، فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقا من أن أصيب في ليلتي شيئا فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار ، الحديث . وفيه قال : " فصم شهرين متتابعين " ، قال : قلت : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهل أصابني ما أصابني إلا في الصوم ؟ قال : " فتصدق " . ومحل الشاهد منه أنه لما قال له : " صم شهرين " ، أخبره أن جماعه في زمن الظهار إنما جاءه من عدم صبره عن الجماع ; لأنه ظاهر من امرأته خوفا من أن تغلبه الشهوة ، فيجامع في النهار ، فلما ظاهر غلبته الشهوة فجامع في زمن الظهار ، فاقتنع - صلى الله عليه وسلم - بعذره ، وأباح له الانتقال إلى الإطعام ، وهذا ظاهر .

وقال ابن قدامة في " المغني " : بعد أن ذكر أن الهرم والشبق كلاهما من الأسباب المؤدية للعجز عن الصوم ، للدليل الذي ذكرنا آنفا ، وقسنا عليهما ما يشبههما في معناهما .
الفرع الثالث عشر : أظهر قولي أهل العلم عندي : أنه لا يجزئ في الإطعام أقل من إطعام ستين مسكينا وهو مذهب مالك والشافعي . والمشهور من مذهب أحمد خلافا لأبي حنيفة القائل : بأنه لو أطعم مسكينا واحدا ستين يوما أجزأه ، وهو رواية عن أحمد ، وعلى هذا يكون المسكين في الآية مأولا بالمد ، والمعنى : فإطعام ستين مدا ، ولو دفعت لمسكين واحد في ستين يوما .

وإنما قلنا : إن القول بعدم إجزاء أقل من الستين هو الأظهر ; لأن قوله تعالى : مسكينا تمييز لعدد هو الستون ، فحمله على مسكين واحد خروج بالقرآن عن ظاهره المتبادر منه بغير دليل يجب الرجوع إليه ، وهو لا يصح ، ولا يخفى أن نفع ستين مسكينا أكثر فائدة من نفع مسكين واحد في ستين يوما ، لفضل الجماعة ، وتضافر قلوبهم على الدعاء للمحسن إليهم بالإطعام ، فيكون ذلك أقرب إلى الإجابة من دعاء واحد ، وستون جمع كثير من المسلمين لا يخلو غالبا من صالح مستجاب الدعوة ، فرجاء الاستجابة فيهم أقوى منه في الواحد ، كما لا يخفى . وعلى كل حال ، فقوله تعالى في محكم كتابه : فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ، لا يخفى فيه أن قوله : فإطعام ستين مصدر مضاف إلى مفعوله ، فلفظ : ستين الذي أضيف إليه المصدر هو عين المفعول به الواقع عليه الإطعام ، وهذا العدد الذي هو المفعول به للإطعام مبين بالتمييز الذي هو قوله تعالى : [ ص: 226 ] مسكينا ، وبذلك يتحقق أن الإطعام في الآية واقع على نفس العدد الذي هو ستون ، فالاقتصار به على واحد خروج بنص القرآن ، عن ظاهره المتبادر منه بلا دليل يجب الرجوع إليه كما ترى . وحمل المسكين في هذه الآية الكريمة على المد من أمثلة المالكية والشافعية في أصولهم لما يسمونه التأويل البعيد والتأويل الفاسد ، وقد أشار إلى ذلك صاحب " مراقي السعود " ، بقوله :


فجعل مسكين بمعنى المد عليه لائح سمات البعد

الفرع الرابع عشر : في كلام أهل العلم في القدر الذي يعطاه كل مسكين من الطعام ، اعلم أن العلماء اختلفوا في ذلك ، فمذهب مالك أنه يعطي كل مسكين من البر الذي هو القمح مدا وثلثي مد ، وإن كان إطعامه من غير البر ، كالتمر والشعير ، لزمه منه ما يقابل المد والثلثين من البر . قال خليل المالكي في مختصره في إطعام كفارة الظهار : لكل مد وثلثان برا ، وإن اقتاتوا تمرا أو مخرجا في الفطر فعدله ، انتهى محل الغرض منه .

وقال شارحه المواق بن يونس : ينبغي أن يكون الشبع مدين إلا ثلثا بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهي عيار مد هشام ، فمن أخرج به أجزأه ، قاله مالك . قال ابن القاسم : فإن كان عيش بلدهم تمرا أو شعيرا أطعم منه المظاهر عدل مد هشام من البر ، انتهى محل الغرض منه .

ومذهب أبي حنيفة : أنه يعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا كاملا من تمر أو شعير . ومذهب الشافعي : أنه يعطي كل مسكين مدا مطلقا . ومعلوم : أن المد النبوي ربع الصاع ، قال في " المغني " : وقال أبو هريرة : ويطعم مدا من أي الأنواع كان ، وبهذا قال عطاء والأوزاعي والشافعي ، اهـ . ومذهب أحمد : أنه يعطي كل مسكين مدا من بر أو نصف صاع من تمر أو شعير ، ا هـ .

وإذا عرفت مذاهب الأئمة في هذا الفرع ، فاعلم أنا أردنا هنا أن نذكر كلام ابن قدامة في " المغني " في أدلتهم وأقوالهم ، قال : وجملة الأمر أن قدر الطعام في الكفارات كلها مد من بر لكل مسكين ، ونصف صاع من تمر أو شعير ، وممن قال مد بر : زيد بن ثابت ، وابن عباس ، وابن عمر ، حكاه عنهم الإمام أحمد ، ورواه عنهم الأثرم ، وعن عطاء وسليمان بن موسى . وقال سليمان بن يسار : أدركت الناس إذا أعطوا في كفارة اليمين أعطوا مدا من حنطة بالمد الأصغر مد النبي صلى الله عليه وسلم . وقال أبو هريرة : يطعم مدا من أي الأنواع كان ، وبهذا قال الأوزاعي ، وعطاء والشافعي ، لما روى أبو داود بإسناده عن عطاء ، عن أوس أخي [ ص: 227 ] عبادة بن الصامت : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه يعني المظاهر خمسة عشر صاعا من شعير إطعام ستين مسكينا .

وروى الأثرم بإسناده عن أبي هريرة في حديث المجامع في رمضان : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوتي بعرق فيه خمسة عشر صاعا ، فقال : " خذه وتصدق به " . وإذا ثبت في المجامع في رمضان بالخبر ثبت في المظاهر بالقياس عليه ، ولأنه إطعام واجب ، فلم يختلف باختلاف أنواع المخرج ، كالفطرة وفدية الأذى . وقال مالك : لكل مسكين مدان من جميع الأنواع ، وممن قال مدان من قمح : مجاهد ، وعكرمة ، والشعبي ، والنخعي ; لأنها كفارة تشتمل على صيام وإطعام ، فكان لكل مسكين نصف صاع كفدية الأذى . وقال الثوري وأصحاب الرأي : من القمح مدان ، ومن التمر والشعير صاع لكل مسكين ; لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث سلمة بن صخر رضي الله عنه : " فأطعم وسقا من تمر " .

رواه الإمام أحمد في المسند ، وأبو داود وغيرهما ، وروى الخلال بإسناده ، عن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن خويلة ، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر " . وفي رواية أبي داود : والعرق ستون صاعا . وروى ابن ماجه بإسناده عن ابن عباس ، قال : كفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصاع من تمر وأمر الناس " فمن لم يجد فنصف صاع من بر " .

وروى الأثرم بإسناده عن عمر رضي الله عنه ، قال : أطعم عني صاعا من تمر أو شعير أو نصف صاع من بر ، ولأنه إطعام للمساكين ، فكان صاعا من تمر أو شعير ، أو نصف صاع من بر ، كصدقة الفطر .

ولنا ما روى الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب ، عن أبي يزيد المدني ، قال : جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمظاهر : " أطعم هذا فإن مدي شعير مكان مد بر " ، وهذا نص ويدل على أنه مد بر أنه قول زيد ، وابن عباس ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، ولم نعرف لهم في الصحابة مخالفا ، فكان إجماعا .

ويدل على أنه نصف صاع من التمر والشعير ، ما روى عطاء بن يسار : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لخولة امرأة أوس بن الصامت : " اذهبي إلى فلان الأنصاري ، فإن عنده شطر وسق من تمر أخبرني أنه يريد أن يتصدق به ، فلتأخذيه فليتصدق به على ستين مسكينا " .

[ ص: 228 ] وفي حديث أوس بن الصامت : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " إني سأعينه بعرق من تمر " ، قلت : يا رسول الله فإني سأعينه بعرق آخر ، قال : " قد أحسنت ، اذهبي فأطعمي بهما عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك " .

وروى أبو داود بإسناده ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، أنه قال : العرق : زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعا ، فعرقان يكونان ثلاثين صاعا لكل مسكين نصف صاع ، ولأنها كفارة تشتمل على صيام وإطعام ، فكان لكل مسكين نصف صاع من التمر والشعير ، كفدية الأذى .

فأما رواية أبي داود : أن العرق ستون صاعا فقد ضعفها ، وقال : غيرها أصح منها ، وفي الحديث ما يدل على الضعف ; لأن ذلك في سياق قوله : " إني سأعينه بعرق " ، فقالت امرأته : إني سأعينه بعرق آخر ، " فأطعمي بهما عنه ستين مسكينا " ، فلو كان العرق ستين صاعا لكانت الكفارة مائة وعشرين صاعا ولا قائل به .

وأما حديث المجامع الذي أعطاه خمسة عشر صاعا ، فقال : " تصدق به " ، فيحتمل أنه اقتصر عليه إذ لم يجد سواه ، ولذلك لما أخبره بحاجته إليه أمره بأكله .

وفي الحديث المتفق عليه قريب من عشرين صاعا ، وليس ذلك مذهبا لأحد ، فيدل على أنه اقتصر على البعض الذي لم يجد سواه ، وحديث أوس أخي عبادة بن الصامت مرسل يرويه عنه عطاء ، ولم يدركه على أنه حجة لنا ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه عرقا ، وأعانته امرأته بآخر ، فصارا جميعا ثلاثين صاعا ، وسائر الأخبار يجمع بينها وبين أخبارنا ، بحملها على الجواز ، وحمل أخبارنا على الإجزاء . وقد عضد هذا أن ابن عباس راوي بعضها ، ومذهبه : أن المد من البر يجزئ . وكذلك أبو هريرة ، وسائر ما ذكرنا من الأخبار مع الإجماع الذي نقله سليمان بن يسار ، والله أعلم . انتهى بطوله من " المغني " لابن قدامة ، وقد جمع فيه أقوال أهل العلم وأدلتهم ، وما نقل عن مالك في هذا المبحث أصح منه عنه ما ذكرناه قبله في هذا المبحث .

وقال الشوكاني في " نيل الأوطار " ، في رواية : والعرق ستون صاعا ، هذه الرواية تفرد بها معمر بن عبد الله بن حنظلة . قال الذهبي : لا يعرف ، ووثقه ابن حبان ، وفيها أيضا محمد بن إسحاق ، وقد عنعن . والمشهور عرفا أن العرق يسع خمسة عشر صاعا ، كما روى ذلك الترمذي بإسناد صحيح من حديث سلمة نفسه ، ا هـ منه .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #443  
قديم 29-12-2022, 04:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السادس
الحلقة (441)
سُورَةُ الْأَحْزَابِ
صـ 229 إلى صـ 236


[ ص: 229 ] قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : قد رأيت أقوال أهل العلم في قدر ما يعطى المسكين من إطعام كفارة الظهار واختلافها ، وأدلتهم واختلافها .

وأحوط أقوالهم في ذلك قول أبي حنيفة ومن وافقه ; لأنه أحوطها في الخروج من عهدة الكفارة ، والعلم عند الله تعالى .
الفرع الخامس عشر : في كيفية الإطعام وجنس الطعام ومستحقه . أما مستحقه فقد نص الله تعالى على أنه المسكين في قوله : فإطعام ستين مسكينا ، والمقرر عند أهل العلم أن المسكين إن ذكر وحده شمل الفقير ، كعكسه .

وأما كيفيته : فظاهر النصوص أنه يملك كل مسكين قدر ما يجب له من الطعام ، وهو مذهب مالك ، والشافعي . والرواية المشهورة عن أحمد ، وعلى هذا القول لو غدى المساكين ، وعشاهم بالقدر الواجب في الكفارة ، لم يجزئه حتى يملكهم إياه .

وأظهر القولين عندي : أنه إن غدى كل مسكين وعشاه ، ولم يكن ذلك الغداء والعشاء أقل من القدر الواجب له ، أنه يجزئه ; لأنه داخل في معنى قوله : فإطعام ستين مسكينا ، وهذا مروي عن أبي حنيفة ، والنخعي ، وهو رواية عن أحمد ، وقصة إطعام أنس لما كبر ، وعجز عن الصوم عن فدية الصيام مشهورة . وأما جنس الطعام الذي يدفعه للمساكين ، فقد تقدم في الأحاديث ذكر البر والتمر والشعير ، ولا ينبغي أن يختلف في هذه الثلاثة .

ومعلوم أن أهل العلم اختلفوا في طعام كفارة الظهار ، فقال بعضهم : المجزئ في ذلك هو ما يجزئ في صدقة الفطر ، سواء كان هو قوت المكفر أو لا ؟ ولا يجزئه غير ذلك ، ولو كان قوتا له .

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : أظهر أقوال أهل العلم عندي : أن جميع الحبوب التي هي قوت بلد المظاهر يجزئه الإخراج منها ، لأنها هي طعام بلده ، فيصدق على من أطعم منها المساكين أنه أطعم ستين مسكينا ، فيدخل ذلك في قوله تعالى : فإطعام ستين مسكينا ، ويؤيد ذلك أن القرآن أشار إلى اعتبار أوسط قوت أهله في كفارة اليمين في قوله تعالى : فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم [ 5 \ 89 ] ، وهذا مذهب الشافعي ، واختيار أبي الخطاب من الحنابلة .
[ ص: 230 ] الفرع السادس عشر : اعلم أن أكثر أهل العلم على أن الإطعام لا يجب فيه التتابع ; لأن الله تعالى أطلقه عن قيد التتابع ، ولأن أكثر أهل الأصول ، على أن المطلق لا يحمل على المقيد إن اتحد سببهما ، واختلف حكمهما ; كما في هذه المسألة . ولا سيما على القول الأصح في حمل المطلق على المقيد أنه من قبيل القياس ، لامتناع قياس فرع على أصل مع اختلافهما في الحكم ، كما هو معروف في محله .
الفرع السابع عشر : اعلم أن أهل العلم اختلفوا فيما إذا جامع المظاهر زوجته التي ظاهر منها في أثناء الإطعام ، هل يلزمه إعادة ما مضى من الإطعام ، لبطلانه بالجماع قبل إتمام الإطعام ، أو لا يلزمه ذلك ؟ فقال بعض أهل العلم : لا يلزمه ذلك ; لأن جماعه في أثناء ما لا يشترط فيه التتابع ، فلم يوجب الاستئناف ، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد .

وأما مذهب مالك : فهو أنه يستأنف الإطعام لأنه جامع في أثناء كفارة الظهار ، فوجب الاستئناف كالصيام ، والأول أظهر ; لأن الواقع من الإطعام قبل جماعه يحتاج بطلانه وإلغاؤه إلى دليل يجب الرجوع إليه وليس موجودا ، والعلم عند الله تعالى .
الفرع الثامن عشر : إذا قالت المرأة لزوجها : أنت علي كظهر أبي ، وقالت : إن تزوجت فلانا فهو علي كظهر أبي ، فهل يكون ذلك ظهارا منها ، أو لا ؟ فقال أكثر أهل العلم : لا يكون ظهارا ، وهو قول الأئمة الأربعة وأصحابهم ، وإسحاق ، وأبي ثور وغيرهم . وقال بعض أهل العلم : تكون مظاهرة ، وبه قال الزهري ، والأوزاعي . وروي عن الحسن والنخعي ، إلا أن النخعي قال : إذا قالت ذلك بعدما تزوج ، فليس بشيء ، اهـ .
والتحقيق أن المرأة لا تكون مظاهرة ; لأن الله جل وعلا لم يجعل لها شيئا من الأسباب المؤدية لتحريم زوجها عليها ، كما لا يخفى .
تنبيه .

اعلم أن الجمهور القائلين : إن المرأة لا تكون مظاهرة ، اختلفوا فيما يلزمها إذا قالت ذلك ، إلى ثلاثة مذاهب : الأول : أن عليها كفارة ظهار ، وإن كانت غير مظاهرة .

والثاني : أن عليها كفارة يمين .

والثالث : لا شيء عليها .

[ ص: 231 ] واحتج من قال بأن عليها كفارة ظهار ، وهو رواية عن أحمد : بأنها قالت منكرا من القول وزورا ، فلزمها أن تكفر عنه كالرجل ، وبما روى الأثرم بإسناده عن إبراهيم ، عن عائشة بنت طلحة ، قالت : إن تزوجت مصعب بن الزبير فهو علي كظهر أبي ، فسألت أهل المدينة ، فرأوا أن عليها الكفارة . وبما روى علي بن مسهر عن الشيباني ، قال : كنت جالسا في المسجد ، أنا وعبد الله بن معقل المزني ، فجاء رجل حتى جلس إلينا ، فسألته : من أنت ؟ فقال : أنا مولى عائشة بنت طلحة التي أعتقتني عن ظهارها ، خطبها مصعب بن الزبير ، فقالت : هو علي كظهر أبي إن تزوجته ، ثم رغبت فيه ، فاستفتت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يومئذ كثير فأمروها أن تعتق رقبة ، وتتزوجه ، فأعتقتني ، وتزوجته . وروى سعيد هذين الأثرين مختصرين ، اهـ من " المغني " . وانظر إسناد الأثرين المذكورين .

وأما الذين قالوا : تلزمها كفارة يمين ، وهو قول عطاء ، فقد احتجوا بأنها حرمت على نفسها زوجها وهو حلال لها ، فلزمتها كفارة اليمين اللازمة في تحريم الحلال ، المذكورة في قوله تعالى : قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم [ 66 \ 2 ] ، بعد قوله : لم تحرم ما أحل الله لك [ 66 \ 1 ] . وأما الذين قالوا : لا شيء عليها ، ومنهم الشافعي ، ومالك ، وإسحاق ، وأبو ثور وغيرهم ، فقد احتجوا بأنها قالت : منكرا من القول وزورا ، فلم يوجب عليها كفارة ، كالسب والقذف ونحوهما من الأقوال المحرمة الكاذبة .

وأظهر أقوالهم عندنا : أن من يرى في تحريم الحلال كفارة يمين يلزمها على قوله كفارة يمين ، ومن يرى أنه لا شيء فيه ، فلا شيء عليها على قوله ، وقد قدمنا أقوال أهل العلم في تحريم الحلال في الحج ، وفي هذا المبحث ، ا هـ .

واعلم أن الذين قالوا : تجب عليها كفارة الظهار ، قالوا : لا تجب عليها حتى يجامعها وهي مطاوعة له ، فإن طلقها أو مات أحدهما قبل الوطء ، أو أكرهها على الوطء فلا كفارة عليها ; لأنها يمين ، فلا تجب كفارتها قبل الحنث ، كسائر الأيمان ، وعليها تمكين زوجها من وطئها قبل التكفير ; لأنه حق له عليها ، فلا يسقط بيمينها ، ولأنه ليس بظهار ، انتهى من " المغني " ، وهو ظاهر . ولنكتف بما ذكرنا من الأحكام المتعلقة بهذه الآية الكريمة ، ومن أراد استقصاء ذلك فهو في كتب فروع المذاهب .
[ ص: 232 ] قوله تعالى : وأزواجه أمهاتهم .

قال ابن كثير : أي في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام والإعظام ، ولكن لا يجوز الخلوة بهن ، ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع ، ا هـ . محل الغرض منه . وما ذكر من أن المراد بكون أزواجه - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين هو حرمتهن عليهم ، كحرمة الأم ، واحترامهم لهن كاحترام الأم . . . إلخ واضح لا إشكال فيه . ويدل له قوله تعالى : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب [ 33 \ 53 ] ; لأن الإنسان لا يسأل أمه الحقيقية من وراء حجاب . وقوله تعالى : إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم [ 58 \ 2 ] ، ومعلوم أنهن رضي الله عنهن ، لم يلدن جميع المؤمنين الذين هن أمهاتهم ، ويفهم من قوله تعالى : وأزواجه أمهاتهم ، أنه هو - صلى الله عليه وسلم - أب لهم . وقد روي عن أبي بن كعب ، وابن عباس ، أنهما قرأا : ( وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم ) ، وهذه الأبوة أبوة دينية ، وهو - صلى الله عليه وسلم - أرأف بأمته من الوالد الشفيق بأولاده ، وقد قال جل وعلا في رأفته ورحمته بهم : عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم [ 9 \ 128 ] [ 33 \ 40 ] ، وليست الأبوة أبوة نسب ; كما بينه تعالى بقوله : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ، ويدل لذلك أيضا حديث أبي هريرة عند أبي داود والنسائي وابن ماجه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم ، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستطب بيمينه " ، وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة ، فقوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث : " إنما أنا لكم بمنزلة الوالد " ، يبين معنى أبوته المذكورة ، كما لا يخفى .
مسألة .

اعلم أن أهل العلم اختلفوا هل يقال لبنات أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخوات المؤمنين ، أو لا ؟ وهل يقال لإخوانهن كمعاوية ، وعبد الله بن أبي أمية أخوال المؤمنين ، أو لا ؟ وهل يقال لهن : أمهات المؤمنات ؟ قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية : ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن ، وأخواتهن بالإجماع ، وإن سمى بعض العلماء بناتهن أخوات المسلمين ، كما هو منصوص الشافعي رضي الله عنه في المختصر ، وهو من باب إطلاق العبارة لا إثبات الحكم ، وهل يقال لمعاوية وأمثاله خال المؤمنين ؟ فيه قولان للعلماء رضي الله عنهم . ونص الشافعي - رضي الله عنه - على أنه لا يقال ذلك . وهل يقال لهن : أمهات المؤمنات ؟

[ ص: 233 ] فيدخل النساء في الجمع المذكر السالم تغليبا ، فيه قولان : صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لا يقال ذلك ، وهذا أصح الوجهين في مذهب الشافعي - رضي الله عنه - انتهى محل الغرض من كلام ابن كثير .

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : الأظهر عندي في ذلك أنه لا يطلق منه إلا ما ورد النص بإطلاقه ; لأن الإطلاق المراد به غير الظاهر المتبادر يحتاج إلى دليل صارف إليه ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض .

قد قدمنا إيضاحه وكلام أهل العلم فيما يتعلق به من الأحكام في آخر " الأنفال " ، في الكلام على قوله تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله الآية [ 8 \ 75 ] .
قوله تعالى : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا .

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أخذ من النبيين ميثاقهم ، ثم خص منهم بذلك خمسة : هم أولو العزم من الرسل ، وهم محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى . ولم يبين هنا الميثاق الذي أخذه عليهم ، ولكنه جل وعلا بين ذلك في غير هذا الموضع ; فبين الميثاق المأخوذ على جميع النبيين بقوله تعالى في سورة " آل عمران " : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون [ 3 \ 81 \ 82 ] . وقد قدمنا الكلام على هذه الآية في سورة " مريم " ، في الكلام على قصة الخضر ، وقد بين جل وعلا الميثاق الذي أخذه على خصوص الخمسة الذين هم أولو العزم من الرسل في سورة " الشورى " ، في قوله تعالى : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه [ 42 \ 13 ] .
وبما ذكرنا تعلم أن آية " آل عمران " ، وآية " الشورى " ، فيهما بيان لآية " الأحزاب " هذه .
[ ص: 234 ] وقوله في هذه الآية الكريمة : ومنك ومن نوح من عطف الخاص على العام ، وقد تكلمنا عليه مرارا ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها .

أمر الله جل وعلا المؤمنين في هذه الآية الكريمة أن يذكروا نعمته عليهم حين جاءتهم جنود وهم جيش الأحزاب ، فأرسل جل وعلا عليهم ريحا وجنودا لم يرها المسلمون ، وهذه الجنود التي لم يروها التي امتن عليهم بها هنا في سورة " الأحزاب " ، بين أنه من عليهم بها أيضا في غزوة حنين ، وذلك في قوله تعالى : ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها الآية [ 9 \ 25 - 26 ] ، وهذه الجنود هي الملائكة ، وقد بين جل وعلا ذلك في " الأنفال " ، في الكلام على غزوة بدر ، وذلك في قوله تعالى : إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان الآية [ 8 \ 12 ] ، وهذه الجنود التي لم يروها التي هي الملائكة ، قد بين الله جل وعلا في " براءة " ، أنه أيد بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهو في الغار ، وذلك في قوله : إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها الآية [ 9 \ 40 ] .
قوله تعالى : ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما .

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن المؤمنين لما رأوا الأحزاب يعني جنود الكفار الذين جاءوهم من فوقهم ومن أسفل منهم ، في غزوة الخندق ، قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ، ولم يبين هنا الآية التي وعدهم إياه فيها ، ولكنه بين ذلك في سورة " البقرة " ، في قوله تعالى : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب [ 2 \ 214 ] ، وممن قال إن آية " البقرة " المذكورة مبينة لآية [ ص: 235 ] " الأحزاب " هذه ، ابن عباس ، وقتادة وغير واحد ، وهو ظاهر .
وقوله في هذه الآية الكريمة : وما زادهم إلا إيمانا ، صريح في أن الإيمان يزيد ، وقد صرح الله بذلك في آيات من كتابه ، فلا وجه للاختلاف فيه مع تصريح الله جل وعلا به في كتابه ، في آيات متعددة ; كقوله تعالى : ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم [ 48 \ 4 ] ، وقوله تعالى : فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا [ 8 \ 2 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه رد الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا ، وأنه كفى المؤمنين القتال ، وهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه . ولم يبين هنا السبب الذي رد به الذين كفروا وكفى به المؤمنين القتال ، ولكنه جل وعلا بين ذلك بقوله : فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها [ 33 \ 9 ] ، أي : وبسبب تلك الريح وتلك الجنود ردهم بغيظهم وكفاكم القتال ، كما هو ظاهر .
قوله تعالى : يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين الآية [ 33 \ 30 ] .
قد قدمنا الآية الموضحة له في آخر سورة " النمل " ، في الكلام على قوله تعالى : ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون [ 27 \ 90 ] ، وفي سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى : إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات الآية [ 17 \ 75 ] .
قوله تعالى : ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين .

ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن من قنت من نساء نبيه - صلى الله عليه وسلم - لله ولرسوله ، وعمل عملا صالحا أن الله جل وعلا يؤتها أجرها مرتين . والقنوت : الطاعة . وما وعد الله به جل وعلا من أطاع منهن بإيتائها أجرها مرتين في هذه الآية الكريمة ، جاء الوعد بنظيره لغيرهن في غير هذا الموضع ، فمن ذلك وعده لمن آمن من أهل الكتاب بنبيه ، ثم آمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - بإيتائه أجره مرتين ، وذلك في قوله تعالى : ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين الآية [ 28 \ 51 - 54 ] .

[ ص: 236 ] ومن ذلك وعده لجميع المطيعين من أمته - صلى الله عليه وسلم - بإيتائهم كفلين من رحمته تعالى ، وذلك في قوله جل وعلا : ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم الآية [ 57 \ 28 ] .

واعلم : أن ظاهر هذه الآية الكريمة من سورة " الحديد " ، الذي لا ينبغي العدول عنه ، أن الخطاب بقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله الآية [ 57 \ 28 ] ، عام لجميع هذه الأمة كما ترى . وليس في خصوص مؤمني أهل الكتاب ، كما في آية " القصص " المذكورة آنفا ، وكونه عاما هو التحقيق إن شاء الله ; لظاهر القرآن المتبادر الذي لم يصرف عنه صارف ، فما رواه النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما من حمله آية " الحديد " هذه على خصوص أهل الكتاب ، كما في آية " القصص " خلاف ظاهر القرآن ، فلا يصح الحمل عليه إلا بدليل يجب الرجوع إليه ، وإن وافق ابن عباس في ذلك الضحاك ، وعتبة بن أبي حكيم وغيرهما ، واختاره ابن جرير الطبري .

والصواب في ذلك إن شاء الله هو ما ذكرنا ، لأن المعروف عند أهل العلم : أن ظاهر القرآن المتبادر منه ، لا يجوز العدول عنه ، إلا لدليل يجب الرجوع إليه .
وقال ابن كثير : وقال سعيد بن جبير : لما افتخر أهل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين ، أنزل الله تعالى على نبيه هذه الآية في حق هذه الأمة : ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين ، أي : ضعفين من رحمته ، وزادهم ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم [ 57 \ 28 ] ، ففضلهم بالنور والمغفرة ، اهـ . نقله عنه ابن جرير ، وابن كثير ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا .

قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولا ، ويكون في نفس الآية قرينة تدل على عدم صحة ذلك القول ، وذكرنا لذلك أمثلة متعددة في الترجمة ، وفي مواضع كثيرة من هذا الكتاب المبارك .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #444  
قديم 29-12-2022, 04:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السادس
الحلقة (442)
سُورَةُ الْأَحْزَابِ
صـ 237 إلى صـ 244





ومما ذكرنا من أمثلة ذلك في الترجمة قولنا فيها : ومن أمثلته قول بعض أهل العلم : [ ص: 237 ] إن أزواجه - صلى الله عليه وسلم - لا يدخلن في أهل بيته في قوله تعالى : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ، فإن قرينة السياق صريحة في دخولهن ; لأن الله تعالى قال : قل لأزواجك إن كنتن تردن [ 33 \ 28 ] ، ثم قال في نفس خطابه لهن : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ، ثم قال بعده : واذكرن ما يتلى في بيوتكن الآية [ 33 \ 34 ] .
تنبيه .

اعلم أنه يكثر في القرآن العظيم ، وفي اللغة إتيان اللام المكسورة منصوبا بعدها المضارع بعد فعل الإرادة ; كقوله هنا : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس الآية ، وقوله : يريد الله ليبين لكم [ 4 \ 26 ] ، وقوله : يريدون ليطفئوا نور الله الآية [ 61 \ 8 ] ، وقوله تعالى : ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ، إلى غير ذلك من الآيات . وكقول الشاعر :


أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل
وللعلماء في اللام المذكورة أقوال ، منها : أنها مصدرية بمعنى أن ، وهو قول غريب . ومنها : أنها لام كي ، ومفعول الإرادة محذوف ، والتقدير : إنما يريد الله أن يأمركم وينهاكم ، لأجل أن يذهب عنكم الرجس ، والرجس كل مستقذر تعافه النفوس ، ومن أقذر المستقذرات معصية الله تعالى .
قوله تعالى : وتخفي في نفسك ما الله مبديه .

قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها بيان الإجمال الواقع بسبب الإبهام في صلة موصول ، وذكرنا أن من أمثلة ذلك قوله تعالى : وتخفي في نفسك ما الله مبديه [ 33 \ 37 ] ، لأن جملة : الله مبديه صلة الموصول الذي هو ما . وقد قلنا في الترجمة المذكورة : فإنه هنا أبهم هذا الذي أخفاه - صلى الله عليه وسلم - في نفسه وأبداه الله ، ولكنه أشار إلى أن المراد به زواجه - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش - رضي الله عنها - حيث أوحى إليه ذلك ، وهي في ذلك الوقت تحت زيد بن حارثة ; لأن زواجه إياها هو الذي أبداه الله بقوله : فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها [ 33 \ 37 ] ، وهذا هو التحقيق في معنى الآية الذي دل عليه القرآن ، وهو اللائق بجنابه - صلى الله عليه وسلم .

وبه تعلم أن ما يقوله كثير من المفسرين من أن ما أخفاه في نفسه - صلى الله عليه وسلم - وأبداه الله وقوع [ ص: 240 ] زينب في قلبه ومحبته لها ، وهي تحت زيد ، وأنها سمعته قال : " سبحان مقلب القلوب " إلى آخر القصة ، كله لا صحة له ، والدليل عليه أن الله لم يبد من ذلك شيئا ، مع أنه صرح بأنه مبدي ما أخفاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، انتهى محل الغرض من كلامنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك .

وقال القرطبي - رحمه الله - في تفسير هذه الآية : واختلف الناس في تأويل هذه الآية ، فذهب قتادة وابن زيد وجماعة من المفسرين منهم الطبري وغيره إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقع منه استحسان لزينب بنت جحش وهي في عصمة زيد ، وكان حريصا على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو ، إلى أن قال : وهذا الذي كان يخفي في نفسه ، ولكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف ، يعني قوله : أمسك عليك زوجك [ 33 \ 37 ] ، ا هـ . ولا شك أن هذا القول غير صحيح ، وأنه غير لائق به - صلى الله عليه وسلم .

ونقل القرطبي نحوه عن مقاتل ، وابن عباس أيضا ، وذكر القرطبي عن علي بن الحسين أن الله أوحى إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن زيدا سيطلق زينب ، وأن الله يزوجها رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وبعد أن علم هذا بالوحي . قال لزيد : " أمسك عليك زوجك " . وأن الذي أخفاه في نفسه ، هو أن الله سيزوجه زينب رضي الله عنها ، ثم قال القرطبي بعد أن ذكر هذا القول : قال علماؤنا رحمة الله عليهم : وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية . وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين ، والعلماء الراسخين ، كالزهري ، والقاضي بكر بن العلاء القشيري ، والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم ، إلى أن قال : فأما ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هوى زينب امرأة زيد ، وربما أطلق بعض المجان لفظ عشق ، فهذا إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مثل هذا أو مستخف بحرمته .

قال الترمذي الحكيم في نوادر الأصول وأسند إلى علي بن الحسين قوله : فعلي بن الحسين جاء بهذا من خزانة العلم جوهرا من الجواهر ودرا من الدرر أنه إنما عتب الله عليه في أنه قد أعلمه أن ستكون هذه من أزواجه ، فكيف قال بعد ذلك لزيد : " أمسك عليك زوجك " ، وأخذتك خشية الناس أن يقولوا : تزوج امرأة ابنه ، والله أحق أن تخشاه ، انتهى محل الغرض منه .

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية : ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير هاهنا آثارا عن بعض السلف رضي الله عنهم ، أحببنا أن نضرب عنها صفحا لعدم صحتها ، فلا نوردها [ ص: 241 ] إلى آخر كلامه ، وفيه كلام علي بن الحسين الذي ذكرنا آنفا .

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : التحقيق إن شاء الله في هذه المسألة ، هو ما ذكرنا أن القرآن دل عليه ، وهو أن الله أعلم نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن زيدا يطلق زينب ، وأنه يزوجها إياه - صلى الله عليه وسلم - ، وهي في ذلك الوقت تحت زيد ، فلما شكاها زيد إليه - صلى الله عليه وسلم - قال له : " أمسك عليك زوجك واتق الله " ، فعاتبه الله على قوله : " أمسك عليك زوجك " بعد علمه أنها ستصير زوجته هو - صلى الله عليه وسلم - ، وخشي مقالة الناس أن يقولوا : لو أظهر ما علم من تزويجه إياها أنه يريد تزويج زوجة ابنه في الوقت الذي هي فيه في عصمة زيد .

والدليل على هذا أمران :

الأول : هو ما قدمنا من أن الله جل وعلا قال : وتخفي في نفسك ما الله مبديه ، وهذا الذي أبداه الله جل وعلا هو زواجه إياها في قوله : فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ، ولم يبد جل وعلا شيئا مما زعموه أنه أحبها ، ولو كان ذلك هو المراد لأبداه الله تعالى كما ترى .

الأمر الثاني : أن الله جل وعلا صرح بأنه هو الذي زوجه إياها ، وأن الحكمة الإلاهية في ذلك التزويج هي قطع تحريم أزواج الأدعياء في قوله تعالى : فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم الآية ، فقوله تعالى : لكي لا يكون على المؤمنين حرج ، تعليل صريح لتزويجه إياها لما ذكرنا ، وكون الله هو الذي زوجه إياها لهذه الحكمة العظيمة صريح في أن سبب زواجه إياها ليس هو محبته لها التي كانت سببا في طلاق زيد لها كما زعموا ، ويوضحه قوله تعالى : فلما قضى زيد منها وطرا الآية ; لأنه يدل على أن زيدا قضى وطره منها ، ولم تبق له بها حاجة ، فطلقها باختياره ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا .

ما تضمنته هذه الآية الكريمة من الأمر بالإكثار من الذكر ، جاء معناه في آيات أخر ; كقوله تعالى : فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم [ 4 \ 103 ] ، وقوله تعالى : الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم [ 3 \ 191 ] ، وقوله تعالى : والذاكرين الله كثيرا والذاكرات الآية [ 33 \ 35 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
[ ص: 242 ] قوله تعالى : وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا . لم يبين هنا المراد بالفضل الكبير في هذه الآية الكريمة ، ولكنه بينه في سورة " الشورى " في قوله تعالى : والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير [ 42 \ 22 ] .
قوله تعالى : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن .

قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولا ، وتكون في نفس الآية قرينة تدل على عدم صحة ذلك القول ، وذكرنا له أمثلة في الترجمة ، وأمثلة كثيرة في الكتاب لم تذكر في الترجمة ، ومن أمثلته التي ذكرنا في الترجمة هذه الآية الكريمة ، فقد قلنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك ، ومن أمثلته قول كثير من الناس إن آية " الحجاب " أعني قوله تعالى : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب خاصة بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإن تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة ، في قوله تعالى : ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم ، إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين إن غير أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن ، وقد تقرر في الأصول أن العلة قد تعمم معلولها ، وإليه أشار في " مراقي السعود " بقوله :


وقد تخصص وقد تعمم لأصلها لكنها لا تخرم


انتهى محل الغرض من كلامنا في الترجمة المذكورة .

وبما ذكرنا تعلم أن في هذه الآية الكريمة الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام في جميع النساء ، لا خاص بأزواجه - صلى الله عليه وسلم - ، وإن كان أصل اللفظ خاصا بهن ; لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه ، ومسلك العلة الذي دل على أن قوله تعالى : ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ، هو علة قوله تعالى : فاسألوهن من وراء حجاب ، هو المسلك المعروف في الأصول بمسلك الإيماء والتنبيه ، وضابط هذا المسلك المنطبق على جزئياته ، هو أن يقترن وصف بحكم شرعي على وجه لو لم يكن فيه ذلك الوصف علة [ ص: 243 ] لذلك الحكم لكان الكلام معيبا عند العارفين ، وعرف صاحب " مراقي السعود " دلالة الإيماء والتنبيه في مبحث دلالة الاقتضاء والإشارة والإيماء والتنبيه بقوله :


دلالة الإيــماء والتنـــبيه في الفن تقصد لدى ذويه
أن يقرن الوصف بحكم إن يكن لغير علة يعبه من فطن


وعرف أيضا الإيماء والتنبيه في مسالك العلة بقوله : والثالث الإيما اقتران الوصف بالحكم ملفوظين دون خلف
وذلك الوصف أو النــظير قرانه لغــــيرها يضير


فقوله تعالى : ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ، لو لم يكن علة لقوله تعالى : فاسألوهن من وراء حجاب ، لكان الكلام معيبا غير منتظم عند الفطن العارف .

وإذا علمت أن قوله تعالى : ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ، هو علة قوله : فاسألوهن من وراء حجاب ، وعلمت أن حكم العلة عام .

فاعلم أن العلة قد تعمم معلولها ، وقد تخصصه كما ذكرنا في بيت " مراقي السعود " ، وبه تعلم أن حكم آية الحجاب عام لعموم علته ، وإذا كان حكم هذه الآية عاما بدلالة القرينة القرآنية .

فاعلم أن الحجاب واجب بدلالة القرآن على جميع النساء .

واعلم أنا في هذا المبحث نريد أن نذكر الأدلة القرآنية على وجوب الحجاب على العموم ، ثم الأدلة من السنة ، ثم نناقش أدلة الطرفين ، ونذكر الجواب عن أدلة من قالوا بعدم وجوب الحجاب ، على غير أزواجه - صلى الله عليه وسلم - ، وقد ذكرنا آنفا أن قوله : ذلكم أطهر لقلوبكم ، قرينة على عموم حكم آية الحجاب .

ومن الأدلة القرآنية على احتجاب المرأة وسترها جميع بدنها حتى وجهها قوله تعالى : ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن [ 33 \ 59 ] ، فقد قال غير واحد من أهل العلم : إن معنى : يدنين عليهن من جلابيبهن : أنهن يسترن بها جميع وجوههن ، ولا يظهر منهن شيء إلا عين واحدة تبصر بها ، وممن قال به : ابن مسعود ، وابن عباس ، وعبيدة السلماني وغيرهم .

[ ص: 244 ] فإن قيل : لفظ الآية الكريمة وهو قوله تعالى : يدنين عليهن من جلابيبهن ، لا يستلزم معناه ستر الوجه لغة ، ولم يرد نص من كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع على استلزامه ذلك ، وقول بعض المفسرين : إنه يستلزمه ، معارض بقول بعضهم : إنه لا يستلزمه ، وبهذا يسقط الاستدلال بالآية على وجوب ستر الوجه .

فالجواب : أن في الآية الكريمة قرينة واضحة على أن قوله تعالى فيها : يدنين عليهن من جلابيبهن يدخل في معناه ستر وجوههن بإدناء جلابيبهن عليها ، والقرينة المذكورة هي قوله تعالى : قل لأزواجك ، ووجوب احتجاب أزواجه وسترهن وجوههن ، لا نزاع فيه بين المسلمين . فذكر الأزواج مع البنات ونساء المؤمنين يدل على وجوب ستر الوجوه بإدناء الجلابيب ، كما ترى .

ومن الأدلة على ذلك أيضا : هو ما قدمنا في سورة " النور " ، في الكلام على قوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها [ 40 \ 31 ] ، من أن استقراء القرآن يدل على أن معنى : إلا ما ظهر منها الملاءة فوق الثياب ، وأنه لا يصح تفسير : إلا ما ظهر منها بالوجه والكفين ، كما تقدم إيضاحه .

واعلم أن قول من قال : إنه قد قامت قرينة قرآنية على أن قوله تعالى : يدنين عليهن من جلابيبهن ، لا يدخل فيه ستر الوجه ، وأن القرينة المذكورة هي قوله تعالى : ذلك أدنى أن يعرفن ، قال : وقد دل قوله : أن يعرفن على أنهن سافرات كاشفات عن وجوههن ; لأن التي تستر وجهها لا تعرف ، باطل ، وبطلانه واضح ، وسياق الآية يمنعه منعا باتا ; لأن قوله : يدنين عليهن من جلابيبهن صريح في منع ذلك .

وإيضاحه أن الإشارة في قوله : ذلك أدنى أن يعرفن راجعة إلى إدنائهن عليهن من جلابيبهن ، وإدناؤهن عليهن من جلابيبهن ، لا يمكن بحال أن يكون أدنى أن يعرفن بسفورهن وكشفهن عن وجوههن كما ترى ، فإدناء الجلابيب مناف لكون المعرفة معرفة شخصية بالكشف عن الوجوه ، كما لا يخفى .

وقوله في الآية الكريمة : لأزواجك دليل أيضا على أن المعرفة المذكورة في الآية ليست بكشف الوجوه ; لأن احتجابهن لا خلاف فيه بين المسلمين .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #445  
قديم 29-12-2022, 04:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السادس
الحلقة (443)
سُورَةُ الْأَحْزَابِ
صـ 245 إلى صـ 252





والحاصل : أن القول المذكور تدل على بطلانه أدلة متعددة : [ ص: 245 ] الأول : سياق الآية ، كما أوضحناه آنفا .

الثاني : قوله : لأزواجك ، كما أوضحناه أيضا .

الثالث : أن عامة المفسرين من الصحابة فمن بعدهم فسروا الآية مع بيانهم سبب نزولها ، بأن نساء أهل المدينة كن يخرجن بالليل لقضاء حاجتهن خارج البيوت ، وكان بالمدينة بعض الفساق يتعرضون للإماء ، ولا يتعرضون للحرائر ، وكان بعض نساء المؤمنين يخرجن في زي ليس متميزا عن زي الإماء ، فيتعرض لهن أولئك الفساق بالأذى ظنا منهم أنهن إماء ، فأمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يتميزن في زيهن عن زي الإماء ، وذلك بأن يدنين عليهن من جلابيبهن ، فإذا فعلن ذلك ورآهن الفساق ، علموا أنهن حرائر ، ومعرفتهم بأنهن حرائر لا إماء هو معنى قوله : ذلك أدنى أن يعرفن ، فهي معرفة بالصفة لا بالشخص . وهذا التفسير منسجم مع ظاهر القرآن ، كما ترى .

فقوله : يدنين عليهن من جلابيبهن ، لأن إدنائهن عليهن من جلابيبهن يشعر بأنهن حرائر ، فهو أدنى وأقرب لأن يعرفن ، أي : يعلم أنهن حرائر ، فلا يؤذين من قبل الفساق الذين يتعرضون للإماء ، وهذا هو الذي فسر به أهل العلم بالتفسير هذه الآية ، وهو واضح ، وليس المراد منه أن تعرض الفساق للإماء جائز ، هو حرام ولا شك أن المتعرضين لهن من الذين في قلوبهم مرض ، وأنهم يدخلون في عموم قوله : والذين في قلوبهم مرض [ 33 \ 60 ] ، في قوله تعالى : والذين في قلوبهم مرض ، إلى قوله : وقتلوا تقتيلا [ 33 \ 60 - 61 ] .

ومما يدل على أن المتعرض لما لا يحل من النساء من الذين في قلوبهم مرض قوله تعالى : فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض الآية [ 33 \ 32 ] ، وذلك معنى معروف في كلام العرب ، ومنه قول الأعشى :
‌حافظ للفرج راض بالتقى ليس ممن قلبه فيه مرض
وفي الجملة : فلا إشكال في أمر الحرائر بمخالفة زي الإماء ليهابهن الفساق ، ودفع ضرر الفساق عن الإماء لازم ، وله أسباب أخر ليس منها إدناء الجلابيب .
تنبيه .

قد قدمنا في سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ، [ ص: 246 ] أن الفعل الصناعي عند النحويين ينحل عن مصدر وزمن ; كما قال ابن مالك في " الخلاصة " :

المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كأمن من أمن .

وأنه عند جماعات من البلاغيين ينحل عن مصدر وزمن ونسبة .

وإذا علمت ذلك ، فاعلم أن المصدر والزمن كامنان في مفهوم الفعل إجماعا ، وقد ترجع الإشارات والضمائر تارة إلى المصدر الكامن في مفهوم الفعل ، وتارة إلى الزمن الكامن فيه .

فمثال رجوع الإشارة إلى المصدر الكامن فيه ، قوله تعالى هنا : يدنين عليهن ، ثم قال : ذلك أدنى أن يعرفن ، أي : ذلك الإدناء المفهوم من قوله : يدنين .

ومثال رجوع الإشارة للزمن الكامن فيه قوله تعالى : ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد [ 50 \ 20 ] ، فقوله : ذلك يعني زمن النفخ المفهوم من قوله : ونفخ ، أي : ذلك الزمن يوم الوعيد .

ومن الأدلة على أن حكم آية الحجاب عام هو ما تقرر في الأصول ، من أن خطاب الواحد يعم حكمه جميع الأمة ، ولا يختص الحكم بذلك الواحد المخاطب ، وقد أوضحنا هذه المسألة في سورة " الحج " ، في مبحث النهي عن لبس المعصفر ، وقد قلنا في ذلك ; لأن خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لواحد من أمته يعم حكمه جميع الأمة ، لاستوائهم في أحكام التكليف ، إلا بدليل خاص يجب الرجوع إليه ، وخلاف أهل الأصول في خطاب الواحد ، هل هو من صيغ العموم الدالة على عموم الحكم ؟ خلاف في حال لا خلاف حقيقي ، فخطاب الواحد عند الحنابلة صيغة عموم ، وعند غيرهم من المالكية والشافعية وغيرهم أن خطاب الواحد لا يعم ; لأن اللفظ للواحد لا يشمل بالوضع غيره ، وإذا كان لا يشمله وضعا ، فلا يكون صيغة عموم . ولكن أهل هذا القول موافقون على أن حكم خطاب الواحد عام لغيره ، ولكن بدليل آخر غير خطاب الواحد وذلك الدليل بالنص والقياس .

أما القياس فظاهر ، لأن قياس غير ذلك المخاطب عليه بجامع استواء المخاطبين في أحكام التكليف من القياس الجلي .

والنص كقوله - صلى الله عليه وسلم - في مبايعة النساء : " إني لا أصافح [ ص: 247 ] النساء ، وما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة " .

قالوا : ومن أدلة ذلك حديث : " حكمي على الواحد حكمي على الجماعة " . قال ابن قاسم العبادي في الآيات البينات : اعلم أن حديث " حكمي على الواحد حكمي على الجماعة " ، لا يعرف له أصل بهذا اللفظ ، ولكن روى الترمذي وقال : حسن صحيح . والنسائي وابن ماجه وابن حبان ، قوله - صلى الله عليه وسلم - في مبايعة النساء : " إني لا أصافح النساء " ، وساق الحديث كما ذكرناه ، وقال صاحب " كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس " : " حكمي على الواحد حكمي على الجماعة " ، وفي لفظ : " كحكمي على الجماعة " ، ليس له أصل بهذا اللفظ ; كما قاله العراقي في تخريج أحاديث البيضاوي . وقال في " الدرر " كالزركشي : لا يعرف . وسئل عنه المزي والذهبي فأنكراه ، نعم يشهد له ما رواه الترمذي والنسائي من حديث أميمة بنت رقيقة ، فلفظ النسائي : " ما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة " ، ولفظ الترمذي : " إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة " ، وهو من الأحاديث التي ألزم الدارقطني الشيخين بإخراجها لثبوتها على شرطهما ، وقال ابن قاسم العبادي في " شرح الورقات الكبير " : " حكمي على الواحد " لا يعرف له أصل إلى آخره ، قريبا مما ذكرناه عنه ، انتهى .

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : الحديث المذكور ثابت من حديث أميمة بنت رقيقة بقافين مصغرا ، وهي صحابية من المبايعات ، ورقيقة أمها ، وهي أخت خديجة بنت خويلد ، وقيل : عمتها ، واسم أبيها بجاد - بموحدة ثم جيم - ابن عبد الله بن عمير التيمي ، تيم بن مرة . وأشار إلى ذلك في " مراقي السعود " بقوله :
خطاب واحد لغير الحنبل من غير رعي النص والقيس الجلي
انتهى محل الغرض منه .
وبهذه القاعدة الأصولية التي ذكرنا تعلم أن حكم آية الحجاب عام ، وإن كان لفظها خاصا بأزواجه - صلى الله عليه وسلم - ; لأن قوله لامرأة واحدة من أزواجه أو من غيرهن كقوله لمائة امرأة ، كما رأيت إيضاحه قريبا .

ومن الأدلة القرآنية الدالة على الحجاب قوله تعالى : والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم [ 24 \ 60 ] [ ص: 248 ] لأن الله جل وعلا بين في هذه الآية الكريمة أن القواعد أي العجائز اللاتي لا يرجون نكاحا ، أي : لا يطمعن في النكاح لكبر السن وعدم حاجة الرجال إليهن يرخص لهن برفع الجناح عنهن في وضع ثيابهن ، بشرط كونهن غير متبرجات بزينة ، ثم إنه جل وعلا مع هذا كله قال : وأن يستعففن خير لهن ، أي : يستعففن عن وضع الثياب خير لهن ، أي : واستعفافهن عن وضع ثيابهن مع كبر سنهن وانقطاع طمعهن في التزويج ، وكونهن غير متبرجات بزينة خير لهن .

وأظهر الأقوال في قوله : أن يضعن ثيابهن ، أنه وضع ما يكون فوق الخمار والقميص من الجلابيب ، التي تكون فوق الخمار والثياب .

فقوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة : وأن يستعففن خير لهن ، دليل واضح على أن المرأة التي فيها جمال ولها طمع في النكاح ، لا يرخص لها في وضع شيء من ثيابها ولا الإخلال بشيء من التستر بحضرة الأجانب .

وإذا علمت بما ذكرنا أن حكم آية الحجاب عام ، وأن ما ذكرنا معها من الآيات فيه الدلالة على احتجاب جميع بدن المرأة عن الرجال الأجانب ، علمت أن القرآن دل على الحجاب ، ولو فرضنا أن آية الحجاب خاصة بأزواجه - صلى الله عليه وسلم - ، فلا شك أنهن خير أسوة لنساء المسلمين في الآداب الكريمة المقتضية للطهارة التامة وعدم التدنس بأنجاس الريبة ، فمن يحاول منع نساء المسلمين كالدعاة للسفور والتبرج والاختلاط اليوم من الاقتداء بهن في هذا الأدب السماوي الكريم المتضمن سلامة العرض والطهارة من دنس الريبة غاش لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - مريض القلب كما ترى .

واعلم أنه مع دلالة القرآن على احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب ، قد دلت على ذلك أيضا أحاديث نبوية ، فمن ذلك ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما وغيرهما من حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إياكم والدخول على النساء " ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرأيت الحمو ؟ قال : " الحمو الموت " . أخرج البخاري هذا الحديث في كتاب " النكاح " ، في باب : لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم إلخ . ومسلم في كتاب " السلام " ، في باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها ، فهذا الحديث الصحيح صرح فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتحذير الشديد من الدخول على النساء ، فهو دليل واضح على منع الدخول عليهن وسؤالهن متاعا إلا من وراء [ ص: 249 ] حجاب ; لأن من سألها متاعا لا من وراء حجاب فقد دخل عليها ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - حذره من الدخول عليها ، ولما سأله الأنصاري عن الحمو الذي هو قريب الزوج الذي ليس محرما لزوجته ، كأخيه وابن أخيه وعمه وابن عمه ونحو ذلك قال له - صلى الله عليه وسلم - : " الحمو الموت " ، فسمى - صلى الله عليه وسلم - دخول قريب الرجل على امرأته وهو غير محرم لها باسم الموت ، ولا شك أن تلك العبارة هي أبلغ عبارات التحذير ; لأن الموت هو أفظع حادث يأتي على الإنسان في الدنيا ، كما قال الشاعر :


والموت أعظم حادث مما يمر على الجبله


والجبلة : الخلق ، ومنه قوله تعالى : واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين [ 26 \ 184 ] ، فتحذيره - صلى الله عليه وسلم - هذا التحذير البالغ من دخول الرجال على النساء ، وتعبيره عن دخول القريب على زوجة قريبه باسم الموت دليل صحيح نبوي على أن قوله تعالى : فاسألوهن من وراء حجاب عام في جميع النساء ، كما ترى . إذ لو كان حكمه خاصا بأزواجه - صلى الله عليه وسلم - لما حذر الرجال هذا التحذير البالغ العام من الدخول على النساء ، وظاهر الحديث التحذير من الدخول عليهن ولو لم تحصل الخلوة بينهما ، وهو كذلك ، فالدخول عليهن والخلوة بهن كلاهما محرم تحريما شديدا بانفراده ، كما قدمنا أن مسلما رحمه الله أخرج هذا الحديث في باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها ، فدل على أن كليهما حرام .

وقال ابن حجر في " فتح الباري " في شرح الحديث المذكور : " إياكم والدخول " ، بالنصب على التحذير ، وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرز عنه ; كما قيل : إياك والأسد ، وقوله : " إياكم " ، مفعول لفعل مضمر تقديره : اتقوا .

وتقدير الكلام : اتقوا أنفسكم أن تدخلوا على النساء ، والنساء أن يدخلن عليكم . ووقع في رواية ابن وهب ، بلفظ : " لا تدخلوا على النساء " ، وتضمن منع الدخول منع الخلوة بها بطريق الأولى ، انتهى محل الغرض منه . وقال البخاري رحمه الله في " صحيحه " ، باب وليضربن بخمرهن على جيوبهن . وقال أحمد بن شبيب : حدثنا أبي عن يونس ، قال ابن شهاب ، عن عروة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : يرحم الله نساء المهاجرات الأول ، لما أنزل الله : وليضربن بخمرهن على جيوبهن [ 24 \ 31 ] ، شققن مروطهن فاختمرن بها .

حدثنا أبو نعيم ، حدثنا إبراهيم بن نافع ، عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة : [ ص: 250 ] أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تقول : لما نزلت هذه الآية وليضربن بخمرهن على جيوبهن ، أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي ، فاختمرن بها ، انتهى من صحيح البخاري . وقال ابن حجر في " الفتح " ، في شرح هذا الحديث : قوله : فاختمرن ، أي غطين وجوههن ، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر ، وهو التقنع . قال الفراء : كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامها فأمرن بالاستتار . انتهى محل الغرض من " فتح الباري " .

وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النساء الصحابيات المذكورات فيه فهمن أن معنى قوله تعالى : وليضربن بخمرهن على جيوبهن ، يقتضي ستر وجوههن ، وأنهن شققن أزرهن فاختمرن ، أي : سترن وجوههن بها امتثالا لأمر الله في قوله تعالى : وليضربن بخمرهن على جيوبهن المقتضي ستر وجوههن ، وبهذا يتحقق المنصف أن احتجاب المرأة عن الرجال وسترها وجهها عنهم ثابت في السنة الصحيحة المفسرة لكتاب الله تعالى ، وقد أثنت عائشة رضي الله عنها على تلك النساء بمسارعتهن لامتثال أوامر الله في كتابه ، ومعلوم أنهن ما فهمن ستر الوجوه من قوله : وليضربن بخمرهن على جيوبهن ، إلا من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه موجود وهن يسألنه عن كل ما أشكل عليهن في دينهن ، والله جل وعلا يقول : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [ 16 \ 44 ] ، فلا يمكن أن يفسرنها من تلقاء أنفسهن . وقال ابن حجر في " فتح الباري " : ولابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عثمان بن خيثم ، عن صفية ما يوضح ذلك ، ولفظه : ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهن ، فقالت : إن لنساء قريش لفضلا ، ولكن والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقا بكتاب الله ، ولا إيمانا بالتنزيل ، ولقد أنزلت سورة " النور " : وليضربن بخمرهن على جيوبهن ، فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها ، ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح معتجرات كأن على رءوسهن الغربان ، انتهى محل الغرض من " فتح الباري " .

ومعنى معتجرات : مختمرات ، كما جاء موضحا في رواية البخاري المذكورة آنفا ، فترى عائشة - رضي الله عنها - مع علمها وفهمها وتقاها أثنت عليهن هذا الثناء العظيم ، وصرحت بأنها ما رأت أشد منهن تصديقا بكتاب الله ، ولا إيمانا بالتنزيل ، وهو دليل واضح على أن فهمهن لزوم ستر الوجوه من قوله تعالى : وليضربن بخمرهن على جيوبهن من تصديقهن بكتاب الله وإيمانهن بتنزيله ، وهو صريح في أن احتجاب النساء عن الرجال وسترهن وجوههن تصديق بكتاب الله وإيمان بتنزيله ، كما ترى . [ ص: 251 ] فالعجب كل العجب ، ممن يدعي من المنتسبين للعلم أنه لم يرد في الكتاب ولا السنة ما يدل على ستر المرأة وجهها عن الأجانب ، مع أن الصحابيات فعلن ذلك ممتثلات أمر الله في كتابه إيمانا بتنزيله ، ومعنى هذا ثابت في الصحيح ، كما تقدم عن البخاري . وهذا من أعظم الأدلة وأصرحها في لزوم الحجاب لجميع نساء المسلمين ، كما ترى .

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : وقال البزار أيضا : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثني عمرو بن عاصم ، حدثنا همام ، عن قتادة ، عن مورق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان ، وأقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها " ، ورواه الترمذي عن بندار ، عن عمرو بن عاصم به نحوه ، اه منه .

وقد ذكر هذا الحديث صاحب " مجمع الزوائد " ، وقال : رواه الطبراني في " الكبير " ، ورجاله موثقون ، وهذا الحديث يعتضد بجميع ما ذكرنا من الأدلة ، وما جاء فيه من كون المرأة عورة ، يدل على الحجاب للزوم ستر كل ما يصدق عليه اسم العورة .

ومما يؤيد ذلك : ما ذكر الهيثمي أيضا في " مجمع الزوائد " ، عن ابن مسعود قال : إنما النساء عورة ، وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها من بأس فيستشرفها الشيطان ، فيقول : إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبتيه ، وإن المرأة لتلبس ثيابها فقال : أين تريدين ؟ فتقول : أعود مريضا أو أشهد جنازة ، أو أصلي في مسجد ، وما عبدت امرأة ربها ، مثل أن تعبده في بيتها ، ثم قال : رواه الطبراني في " الكبير " ، ورجاله ثقات ، اه منه . ومثله له حكم الرفع إذ لا مجال للرأي فيه .

ومن الأدلة الدالة على ذلك الأحاديث التي قدمناها ، الدالة على أن صلاة المرأة في بيتها خير لها من صلاتها في المساجد ، كما أوضحناه في سورة " النور " في الكلام على قوله تعالى : يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال الآية [ 24 \ 36 - 37 ] ، والأحاديث بمثل ذلك كثيرة جدا ، وفيما ذكرنا كفاية لمن يريد الحق .

فقد ذكرنا الآيات القرآنية الدالة على ذلك ، والأحاديث الصحيحة الدالة على الحجاب ، وبينا أن من أصرحها في ذلك آية " النور " ، مع تفسير الصحابة لها ، وهي قوله تعالى : وليضربن بخمرهن على جيوبهن فقد أوضحنا غير بعيد تفسير الصحابة لها ، والنبي صلى الله عليه وسلم موجود بينهم ينزل عليه الوحي ، بأن المراد بها يدخل فيه ستر الوجه وتغطيته عن [ ص: 252 ] الرجال ، وأن ستر المرأة وجهها عمل بالقرآن ، كما قالته عائشة رضي الله عنها .

وإذا علمت أن هذا القدر من الأدلة على عموم الحجاب يكفي المنصف ، فسنذكر لك أجوبة أهل العلم ، عما استدل به الذين قالوا بجواز إبداء المرأة وجهها ويديها ، بحضرة الأجانب .

فمن الأحاديث التي استدلوا بها على ذلك حديث خالد بن دريك عن عائشة رضي الله عنها : أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ، وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها ، وقال : " يا أسماء ، إن المرأة إذا بلغت الحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا " وأشار إلى وجهه وكفيه ; وهذا الحديث يجاب عنه بأنه ضعيف من جهتين :

الأولى : هي كونه مرسلا ; لأن خالد بن دريك لم يسمع من عائشة ، كما قاله أبو داود ، وأبو حاتم الرازي كما قدمناه في سورة " النور " .

الجهة الثانية : أن في إسناده سعيد بن بشير الأزدي مولاهم ، قال فيه في " التقريب " : ضعيف ، مع أنه مردود بما ذكرنا من الأدلة على عموم الحجاب ، ومع أنه لو قدر ثبوته قد يحمل على أنه كان قبل الأمر بالحجاب .

ومن الأحاديث التي استدلوا بها على ذلك حديث جابر الثابت في الصحيح ، قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد ، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ، ولا إقامة ، ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله ، وحث على طاعته ، ووعظ الناس ، وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء ، فوعظهن وذكرهن ، فقال : " تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم " فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين ، فقالت : لم يا رسول الله ؟ قال : " لأنكن تكثرن الشكاة ، وتكفرن العشير " ، قال : فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن ، اه . هذا لفظ مسلم في " صحيحه " ، قالوا : وقول جابر في هذا الحديث : سفعاء الخدين يدل على أنها كانت كاشفة عن وجهها ، إذ لو كانت محتجبة لما رأى خديها ، ولما علم بأنها سفعاء الخدين . وأجيب عن حديث جابر هذا : بأنه ليس فيه ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم رآها كاشفة عن وجهها ، وأقرها على ذلك ، بل غاية ما يفيده الحديث أن جابرا رأى وجهها ، وذلك لا يستلزم كشفها عنه قصدا ، وكم من امرأة يسقط خمارها عن وجهها من غير قصد ، فيراه بعض الناس في تلك الحال ، كما قال نابغة ذبيان :

[ ص: 253 ]
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #446  
قديم 29-12-2022, 04:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السادس
الحلقة (444)
سُورَةُ الْأَحْزَابِ
صـ 253 إلى صـ 260






فعلى المحتج بحديث جابر المذكور ، أن يثبت أنه صلى الله عليه وسلم رآها سافرة ، وأقرها على ذلك ، ولا سبيل له إلى إثبات ذلك . وقد روى القصة المذكورة غير جابر ، فلم يذكر كشف المرأة المذكورة عن وجهها ، وقد ذكر مسلم في " صحيحه " ممن رواها غير جابر أبا سعيد الخدري ، وابن عباس ، وابن عمر ، وذكره غيره عن غيرهم . ولم يقل أحد ممن روى القصة غير جابر أنه رأى خدي تلك المرأة السفعاء الخدين ، وبذلك تعلم أنه لا دليل على السفور في حديث جابر المذكور . وقد قال النووي في شرح حديث جابر هذا عند مسلم ، وقوله : فقامت امرأة من سطة النساء ، هكذا هو في النسخ ( سطة ) بكسر السين ، وفتح الطاء المخففة . وفي بعض النسخ : واسطة النساء . قال القاضي : معناه : من خيارهن ، والوسط العدل والخيار ، قال : وزعم حذاق شيوخنا أن هذا الحرف مغير في كتاب مسلم ، وأن صوابه من سفلة النساء ، وكذا رواه ابن أبي شيبة في مسنده ، والنسائي في سننه . في رواية لابن أبي شيبة : امرأة ليست من علية النساء ، وهذا ضد التفسير الأول ويعضده قوله بعده : سفعاء الخدين هذا كلام القاضي ، وهذا الذي ادعوه من تغيير الكلمة غير مقبول ، بل هي صحيحة ، وليس المراد بها من خيار النساء كما فسره به هو ، بل المراد : امرأة من وسط النساء جالسة في وسطهن . قال الجوهري وغيره من أهل اللغة : يقال : وسطت القوم أسطهم وسطا وسطة ، أي : توسطتهم ، اه منه . وهذا التفسير الأخير هو الصحيح ، فليس في حديث جابر ثناء البتة على سفعاء الخدين المذكورة ، ويحتمل أن جابرا ذكر سفعة خديها ليشير إلى أنها ليست ممن شأنها الافتتان بها ; لأن سفعة الخدين قبح في النساء . قال النووي : سفعاء الخدين ، أي : فيها تغير وسواد . وقال الجوهري في " صحاحه " : والسفعة في الوجه : سواد في خدي المرأة الشاحبة ، ويقال للحمامة سفعاء لما في عنقها من السفعة ، قال حميد بن ثور :


من الورق سفعاء العلاطين باكرت فروع أشاء مطلع الشمس أسحما


قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : السفعة في الخدين من المعاني المشهورة في كلام العرب : أنها سواد وتغير في الوجه ، من مرض أو مصيبة أو سفر شديد ، ومن ذلك قول متمم بن نويرة التميمي يبكي أخاه مالكا :


تقول ابنة العمري ما لك بعدما أراك خضيبا ناعم البال أروعا


[ ص: 254 ]
فقلت لها طول الأسى إذ سألتني ولوعة وجد تترك الخد أسفعا


ومعلوم أن من السفعة ما هو طبيعي كما في الصقور ، فقد يكون في خدي الصقر سواد طبيعي ، ومنه قول زهير بن أبي سلمى :


أهوى لها أسفع الخدين مطرق ريش القوادم لم تنصب له الشبك


والمقصود : أن السفعة في الخدين إشارة إلى قبح الوجه ، وبعض أهل العلم يقول : إن قبيحة الوجه التي لا يرغب فيها الرجال لقبحها ، لها حكم القواعد اللاتي لا يرجون نكاحا .

ومن الأحاديث التي استدلوا بها على ذلك ، حديث ابن عباس الذي قدمناه ، قال : أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس رضي الله عنهما يوم النحر خلفه على عجز راحلته ، وكان الفضل رجلا وضيئا ، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يفتيهم ، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطفق الفضل ينظر إليها ، وأعجبه حسنها فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم ، والفضل ينظر إليها ، فأخلف بيده ، فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها ، فقالت : يا رسول الله ، إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا . . . الحديث ، قالوا : فالإخبار عن الخثعمية بأنها وضيئة يفهم منه أنها كانت كاشفة عن وجهها .

وأجيب عن ذلك أيضا من وجهين :

الأول : الجواب بأنه ليس في شيء من روايات الحديث التصريح بأنها كانت كاشفة عن وجهها ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رآها كاشفة عنه ، وأقرها على ذلك بل غاية ما في الحديث أنها كانت وضيئة ، وفي بعض روايات الحديث : أنها حسناء ، ومعرفة كونها وضيئة أو حسناء لا يستلزم أنها كانت كاشفة عن وجهها ، وأنه صلى الله عليه وسلم أقرها على ذلك ، بل قد ينكشف عنها خمارها من غير قصد ، فيراها بعض الرجال من غير قصد كشفها عن وجهها ، كما أوضحناه في رؤية جابر سفعاء الخدين . ويحتمل أن يكون يعرف حسنها قبل ذلك الوقت لجواز أن يكون قد رآها قبل ذلك وعرفها ، ومما يوضح هذا أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي روي عنه هذا الحديث لم يكن حاضرا وقت نظر أخيه إلى المرأة ونظرها إليه ، لما قدمنا من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدمه بالليل من مزدلفة إلى منى في ضعفة أهله ، ومعلوم أنه إنما روى الحديث المذكور من طريق أخيه الفضل ، وهو لم يقل له : إنها كانت كاشفة عن وجهها ، [ ص: 255 ] واطلاع الفضل على أنها وضيئة حسناء لا يستلزم السفور قصدا لاحتمال أن يكون رأى وجهها ، وعرف حسنه من أجل انكشاف خمارها من غير قصد منها ، واحتمال أنه رآها قبل ذلك وعرف حسنها .

فإن قيل : قوله : إنها وضيئة ، وترتيبه على ذلك بالفاء قوله : فطفق الفضل ينظر إليها ، وقوله : وأعجبه حسنها ، فيه الدلالة الظاهرة على أنه كان يرى وجهها ، وينظر إليه لإعجابه بحسنه .

فالجواب : أن تلك القرائن لا تستلزم استلزاما ، لا ينفك أنها كانت كاشفة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رآها كذلك ، وأقرها ؛ لما ذكرنا من أنواع الاحتمال ، مع أن جمال المرأة قد يعرف وينظر إليها لجمالها وهي مختمرة ، وذلك لحسن قدها وقوامها ، وقد تعرف وضاءتها وحسنها من رؤية بنانها فقط ، كما هو معلوم . ولذلك فسر ابن مسعود : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها [ 24 \ 31 ] ، بالملاءة فوق الثياب ، كما تقدم . ومما يوضح أن الحسن يعرف من تحت الثياب قول الشاعر :


طافت أمامة بالركبان آونة يا حسنها من قوام ما ومنتقبا


فقد بالغ في حسن قوامها ، مع أن العادة كونه مستورا بالثياب لا منكشفا .

الوجه الثاني : أن المرأة محرمة وإحرام المرأة في وجهها وكفيها ، فعليها كشف وجهها إن لم يكن هناك رجال أجانب ينظرون إليه ، وعليها ستره من الرجال في الإحرام ، كما هو معروف عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن ، ولم يقل أحد إن هذه المرأة الخثعمية نظر إليها أحد غير الفضل بن عباس رضي الله عنهما ، والفضل منعه النبي صلى الله عليه وسلم من النظر إليها ، وبذلك يعلم أنها محرمة لم ينظر إليها أحد فكشفها عن وجهها إذا لإحرامها لا لجواز السفور .

فإن قيل : كونها مع الحجاج مظنة أن ينظر الرجال وجهها إن كانت سافرة ; لأن الغالب أن المرأة السافرة وسط الحجيج ، لا تخلو ممن ينظر إلى وجهها من الرجال .

فالجواب : أن الغالب على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الورع وعدم النظر إلى النساء ، فلا مانع عقلا ولا شرعا ولا عادة ، من كونها لم ينظر إليها أحد منهم ، ولو نظر إليها لحكي كما حكي نظر الفضل إليها ، ويفهم من صرف النبي صلى الله عليه وسلم بصر الفضل عنها ، أنه لا سبيل إلى ترك [ ص: 256 ] الأجانب ينظرون إلى الشابة ، وهي سافرة كما ترى ، وقد دلت الأدلة المتقدمة على أنها يلزمها حجب جميع بدنها عنهم .

وبالجملة ، فإن المنصف يعلم أنه يبعد كل البعد أن يأذن الشارع للنساء في الكشف عن الوجه أمام الرجال الأجانب ، مع أن الوجه هو أصل الجمال ، والنظر إليه من الشابة الجميلة هو أعظم مثير للغريزة البشرية وداع إلى الفتنة ، والوقوع فيما لا ينبغي ، ألم تسمع بعضهم يقول :


قلت اسمحوا لي أن أفوز بنظرة ودعوا القيامة بعد ذاك تقوم


أترضى أيها الإنسان أن تسمح له بهذه النظرة إلى نسائك وبناتك وأخواتك ، ولقد صدق من قال :
وما عجب أن النساء ترجلت ولكن تأنيث الرجال عجاب
مسألة تتعلق بهذه الآية الكريمة أعني آية الحجاب هذه
اعلم : أنه لا يجوز للرجل الأجنبي أن يصافح امرأة أجنبية منه .
ولا يجوز له أن يمس شيء من بدنه شيئا من بدنها .
والدليل على ذلك أمور :
الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال : " إني لا أصافح النساء " ، الحديث . والله يقول : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [ 33 \ 21 ] ، فيلزمنا ألا نصافح النساء اقتداء به صلى الله عليه وسلم ، والحديث المذكور موضح في سورة " الحج " ، في الكلام على النهي عن لبس المعصفر مطلقا في الإحرام وغيره للرجال . وفي سورة " الأحزاب " ، في آية الحجاب هذه .
وكونه صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء وقت البيعة دليل واضح على أن الرجل لا يصافح المرأة ، ولا يمس شيء من بدنه شيئا من بدنها ; لأن أخف أنواع اللمس المصافحة ، فإذا امتنع منها صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي يقتضيها وهو وقت المبايعة ، دل ذلك على أنها لا تجوز ، وليس لأحد مخالفته صلى الله عليه وسلم ، لأنه هو المشرع لأمته بأقواله وأفعاله وتقريره .




وقد أجمع جمهور علماء الأصول على أن صورة سبب النزول قطعية الدخول ، فلا يصح إخراجها بمخصص ، وروي عن مالك أنها ظنية الدخول ، وإليه أشار في " مراقي السعود " بقوله :



واجزم بإدخال ذوات السبب وارو عن الإمام ظنا تصب


فالحق أنهن داخلات في الآية ، اهـ . من ترجمة هذا الكتاب المبارك .

والتحقيق إن شاء الله : أنهن داخلات في الآية ، وإن كانت الآية تتناول غيرهن من أهل البيت .

أما الدليل على دخولهن في الآية ، فهو ما ذكرناه آنفا من أن سياق الآية صريح في أنها نازلة فيهن .

والتحقيق : أن صورة سبب النزول قطعية الدخول ; كما هو مقرر في الأصول .

ونظير ذلك من دخول الزوجات في اسم أهل البيت ، قوله تعالى في زوجة إبراهيم : قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت [ 1 \ 73 ] .

وأما الدليل على دخول غيرهن في الآية ، فهو أحاديث جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في علي وفاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنهم - : " إنهم أهل البيت " ، ودعا لهم الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا . وقد روى ذلك جماعة من الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها - وأبو سعيد ، وأنس ، وواثلة بن الأسقع ، وأم المؤمنين عائشة ، وغيرهم رضي الله عنهم .
وبما ذكرنا من دلالة القرآن والسنة تعلم أن الصواب شمول الآية الكريمة لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولعلي وفاطمة والحسن والحسين ، رضي الله عنهم كلهم .
[ ص: 238 ] تنبيه .

فإن قيل : إن الضمير في قوله : ليذهب عنكم الرجس ، وفي قوله : ويطهركم تطهيرا ، ضمير الذكور ، فلو كان المراد نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيل : ليذهب عنكن ويطهركن .

فالجواب من وجهين : الأول : هو ما ذكرنا من أن الآية الكريمة شاملة لهن ولعلي والحسن والحسين وفاطمة ، وقد أجمع أهل اللسان العربي على تغليب الذكور على الإناث في الجموع ونحوها ، كما هو معلوم في محله .

الوجه الثاني : هو أن من أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن أن زوجة الرجل يطلق عليها اسم الأهل ، وباعتبار لفظ الأهل تخاطب مخاطبة الجمع المذكر ، ومنه قوله تعالى في موسى : فقال لأهله امكثوا [ 20 \ 10 ] ، وقوله : سآتيكم [ 27 \ 7 ] ، وقوله : لعلي آتيكم [ 20 \ 10 ] ، والمخاطب امرأته ; كما قاله غير واحد ، ونظيره من كلام العرب قول الشاعر :


فإن شئت حرمت النساء سواكم وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا


وبما ذكرنا تعلم أن قول من قال : إن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - لسن داخلات في الآية ، يرد عليه صريح سياق القرآن ، وأن من قال : إن فاطمة وعليا والحسن والحسين ليسوا داخلين فيها ، ترد عليه الأحاديث المشار إليها .

وقال بعض أهل العلم : إن أهل البيت في الآية هم من تحرم عليهم الصدقة ، والعلم عند الله تعالى . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت الآية ، يعني : أنه يذهب الرجس عنهم ، ويطهرهم بما يأمر به من طاعة الله ، وينهى عنه من معصيته ; لأن من أطاع الله أذهب عنه الرجس ، وطهره من الذنوب تطهيرا .
وقال الزمخشري في " الكشاف " : ثم بين أنه إنما نهاهن وأمرهن ووعظهن لئلا يقارف أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المآثم ، وليتصونوا عنها بالتقوى ، واستعار للذنوب الرجس وللتقوى الطهر ; لأن عرض المقترف للمقبحات يتلوث بها ويتدنس كما يتلوث بدنه بالأرجاس . وأما الحسنات فالعرض منها نقي مصون كالثوب الطاهر ، وفي هذه الاستعارة [ ص: 239 ] ما ينفر أولي الألباب عما كرهه الله لعباده ، ونهاهم عنه ، ويرغبهم فيما يرضاه لهم ، وأمرهم به . وأهل البيت نصب على النداء أو على المدح ، وفي هذا دليل بين على أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل بيته .



[ ص: 257 ] الأمر الثاني : هو ما قدمنا من أن المرأة كلها عورة يجب عليها أن تحتجب ، وإنما أمر بغض البصر خوف الوقوع في الفتنة ، ولا شك أن مس البدن للبدن ، أقوى في إثارة الغريزة ، وأقوى داعيا إلى الفتنة من النظر بالعين ، وكل منصف يعلم صحة ذلك .

الأمر الثالث : أن ذلك ذريعة إلى التلذذ بالأجنبية ، لقلة تقوى الله في هذا الزمان وضياع الأمانة ، وعدم التورع عن الريبة ، وقد أخبرنا مرارا أن بعض الأزواج من العوام ، يقبل أخت امرأته بوضع الفم على الفم ويسمون ذلك التقبيل الحرام بالإجماع سلاما ، فيقولون : سلم عليها ، يعنون : قبلها ، فالحق الذي لا شك فيه التباعد عن جميع الفتن والريب وأسبابها ، ومن أكبرها لمس الرجل شيئا من بدن الأجنبية ، والذريعة إلى الحرام يجب سدها ; كما أوضحناه في غير هذا الموضع ، وإليه الإشارة بقول صاحب " مراقي السعود " :
سد الذرائع إلى المحرم حتم كفتحها إلى المنحتم

قوله تعالى : يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله . أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يقول للناس الذين يسألونه عن الساعة : إنما علمها عند الله ، ومعلوم أن إنما صيغة حصر .

فمعنى الآية : أن الساعة لا يعلمها إلا الله وحده .

وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة ، جاء واضحا في آيات أخر من كتاب الله ; كقوله تعالى : إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث الآية [ 31 \ 34 ] .

وقد بين صلى الله عليه وسلم أن الخمس المذكورة في قوله : إن الله عنده علم الساعة الآية ، هي المراد بقوله تعالى : وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو [ 6 \ 59 ] ، وكقوله تعالى : يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون [ 7 \ 187 ] ، وقوله تعالى : يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها [ 79 \ 42 - 44 ] ، وقوله تعالى : [ ص: 258 ] إليه يرد علم الساعة الآية [ 41 \ 47 ] ، وفي الحديث : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " . قوله تعالى وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الساعة التي هي القيامة لعلها تكون قريبا ، وذكر نحوه في قوله في " الشورى " : وما يدريك لعل الساعة قريب [ 42 \ 17 ] ، وقد أوضح جل وعلا اقترابها في آيات أخر ; كقوله : اقتربت الساعة الآية [ 54 \ 1 ] ، وقوله : اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون [ 21 \ 1 ] ، وقوله تعالى : أتى أمر الله فلا تستعجلوه الآية [ 16 \ 1 ] .
قوله تعالى إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا ، إلى قوله : لعنا كبيرا . تقدمت الآيات الموضحة له مرارا .
قوله تعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه عرض الأمانة ، وهي التكاليف مع ما يتبعها من ثواب وعقاب على السماوات والأرض والجبال ، وأنهن أبين أن يحملنها وأشفقن منها ، أي : خفن من عواقب حملها أن ينشأ لهن من ذلك عذاب الله وسخطه ، وهذا العرض والإباء ، والإشفاق كله حق ، وقد خلق الله للسماوات والأرض والجبال إدراكا يعلمه هو جل وعلا ، ونحن لا نعلمه ، وبذلك الإدراك أدركت عرض الأمانة عليها ، وأبت وأشفقت ، أي : خافت .

ومثل هذا تدل عليه آيات وأحاديث كثيرة ، فمن الآيات الدالة على إدراك الجمادات المذكور : قوله تعالى في سورة " البقرة " ، في الحجارة : وإن منها لما يهبط من خشية الله [ 2 \ 74 ] ، فصرح بأن من الحجارة ما يهبط من خشية الله ، وهذه الخشية التي نسبها الله لبعض الحجارة بإدراك يعلمه هو تعالى .

ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى : تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم الآية [ 17 \ 44 ] ، [ ص: 259 ] ومنها قوله تعالى : وسخرنا مع داود الجبال يسبحن [ 21 \ 79 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

ومن الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك قصة حنين الجذع ، الذي كان يخطب عليه صلى الله عليه وسلم لما انتقل بالخطبة إلى المنبر ، وهي في صحيح البخاري وغيره .

ومنها ما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " إني لأعرف حجرا كان يسلم علي في مكة " ، وأمثال هذا كثيرة . فكل ذلك المذكور في الكتاب والسنة إنما يكون بإدراك يعلمه الله ، ونحن لا نعلمه ; كما قال تعالى : ولكن لا تفقهون تسبيحهم [ 17 \ 44 ] ، ولو كان المراد بتسبيح الجمادات دلالتها على خالقها لكنا نفقهه ، كما هو معلوم ، وقد دلت عليه آيات كثيرة .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ، الظاهر أن المراد بالإنسان آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، وأن الضمير في قوله : إنه كان ظلوما جهولا ، راجع للفظ : الإنسان ، مجردا عن إرادة المذكور منه ، الذي هو آدم .

والمعنى : أنه أي الإنسان الذي لا يحفظ الأمانة كان ظلوما جهولا ، أي : كثير الظلم والجهل ، والدليل على هذا أمران :

أحدهما : قرينة قرآنية دالة على انقسام الإنسان في حمل الأمانة المذكورة إلى معذب ومرحوم في قوله تعالى بعده ، متصلا به : ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما [ 33 \ 73 ] ، فدل هذا على أن الظلوم الجهول من الإنسان هو المعذب ، والعياذ بالله ، وهم المنافقون والمنافقات ، والمشركون والمشركات ، دون المؤمنين والمؤمنات . واللام في قوله : ليعذب : لام التعليل ، وهي متعلقة بقوله : وحملها الإنسان .

الأمر الثاني : أن الأسلوب المذكور - الذي هو رجوع الضمير إلى مجرد اللفظ دون اعتبار المعنى التفصيلي - معروف في اللغة التي نزل بها القرآن ، وقد جاء فعلا في آية من كتاب الله ، وهي قوله تعالى وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب [ 35 \ 11 ] ; [ ص: 260 ] لأن الضمير في قوله : ولا ينقص من عمره ، راجع إلى لفظ المعمر دون معناه التفصيلي ; كما هو ظاهر ، وقد أوضحناه في سورة " الفرقان " ، في الكلام على قوله تعالى : وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا [ 25 \ 61 ] ، وبينا هناك أن هذه المسألة هي المعروفة عند علماء العربية بمسألة : عندي درهم ونصفه ، أي : نصف درهم آخر ، كما ترى . وبعض من قال من أهل العلم إن الضمير في قوله : إنه كان ظلوما جهولا ، عائد إلى آدم ، قال : المعنى أنه كان ظلوما لنفسه جهولا ، أي : غرا بعواقب الأمور ، وما يتبع الأمانة من الصعوبات ، والأظهر ما ذكرنا ، والعلم عند الله تعالى .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #447  
قديم 17-01-2023, 09:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السادس
الحلقة (445)
سُورَةُ سَبَأٍ
صـ 261 إلى صـ 268





[ ص: 261 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ سَبَأٍ

قَوْلُهُ تَعَالَى : وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ . قَدْ ذَكَرْنَا مَا هُوَ بِمَعْنَاهُ مِنَ الْآيَاتِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ " الْفَاتِحَةِ " ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [ 1 \ 2 ] .
قوله تعالى يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور . بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يعلم ما يلج في الأرض ، أي : ما يدخل فيها كالماء النازل من السماء ، الذي يلج في الأرض ; كما أوضحه بقوله تعالى : ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض الآية [ 39 \ 21 ] .

وقوله : وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض الآية [ 23 \ 18 ] ، فهو جل وعلا يعلم عدد القطر النازل من السماء إلى الأرض ، وكيف لا يعلمه من خلقه : ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير [ 67 \ 14 ] ، ويعلم أيضا ما يلج في الأرض من الموتى الذين يدفنون فيها ; كما قال جل وعلا : منها خلقناكم وفيها نعيدكم [ 20 \ 55 ] ، وقال : ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء ‎وأمواتا [ 77 \ 25 - 26 ] ، والكفات من الكفت : وهو الضم ; لأنها تضمهم أحياء على ظهرها ، وأمواتا في بطنها ، ويعلم أيضا ما يلج في الأرض من البذر ; كما قال تعالى : ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين [ 6 \ 59 ] ، وكذلك ما في بطنها من المعادن ، وغير ذلك .

قوله : وما يخرج منها ، أي : من الأرض كالنبات والحبوب ، والمعادن ، والكنوز ، والدفائن وغير ذلك ، ويعلم وما ينزل من السماء من المطر ، والثلج ، والبرد ، والرزق وغير ذلك . وما يعرج ، أي : يصعد فيها ، أي : السماء ، كالأعمال [ ص: 262 ] الصالحة ; كما بينه بقوله : إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه [ 35 \ 10 ] ، وكأرواح المؤمنين وغير ذلك ; كما قال تعالى : تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة الآية [ 70 \ 4 ] .

وقال تعالى : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون [ 32 \ 5 ] ، وما ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أنه يعلم جميع ما ذكر ، ذكره في سورة " الحديد " ، في قوله : يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور وقال الذين كفروا لا تأتينا [ 57 \ 4 ] .

وقد أوضحنا الآيات الدالة على كمال إحاطة علم الله بكل شيء في أول سورة " هود " ، في الكلام على قوله تعالى : ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه الآية [ 11 \ 5 ] ، وفي مواضع أخر متعددة .
قوله تعالى : وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار أنكروا البعث ، وقالوا : لا تأتينا الساعة ، أي : القيامة ، وأنه جل وعلا أمر نبيه أن يقسم لهم بربه العظيم أن الساعة سوف تأتيهم مؤكدا ذلك توكيدا متعددا .

وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من إنكار الكفار للبعث ، جاء موضحا في آيات كثيرة ; كقوله تعالى : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت [ 16 \ 38 ] ، وقوله تعالى : وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم [ 36 \ 78 ] ، وقوله تعالى : ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا [ 19 \ 66 ] ، وقوله تعالى عنهم : وما نحن بمبعوثين [ 6 \ 29 ] ، وما نحن بمنشرين [ 44 \ 66 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا ، وما ذكره جل وعلا من أنه أمر نبيه بالإقسام لهم على أنهم يبعثون ، جاء موضحا في مواضع أخر .

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة : هذه إحدى الآيات الثلاث التي لا رابعة لهن ، مما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بربه العظيم على وقوع المعاد ، لما أنكره من أنكره من أهل الكفر والعناد ، فإحداهن في سورة " يونس " عليه السلام ، وهي قوله تعالى : [ ص: 263 ] ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين [ 10 \ 53 ] ، والثانية هذه : وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم ، والثالثة في سورة " التغابن " ، وهي قوله تعالى : زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم الآية [ 64 \ 7 ] .

وقد قدمنا البراهين الدالة على البعث بعد الموت من القرآن في سورة " البقرة " ، وسورة " النحل " وغيرهما .

وقد قدمنا الآيات الدالة على إنكار الكفار البعث ، وما أعد الله لمنكري البعث من العذاب في " الفرقان " ، في الكلام على قوله تعالى : وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا [ 25 \ 11 ] ، وفي مواضع أخر . وقوله : قل بلى لفظة : بلى قد قدمنا معانيها في اللغة العربية بإيضاح في سورة " النحل " ، في الكلام على قوله تعالى : فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى الآية [ 16 \ 28 ] .
قوله تعالى : عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب . ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أنه لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، جاء موضحا في آيات أخر ; كقوله تعالى : وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين [ 10 \ 61 ] ، وقوله تعالى : وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين [ 6 \ 59 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة ، وقد بيناها في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : لا يعزب ، أي : لا يغيب عنه مثقال ذرة ، ومنه قول كعب بن سعد الغنوي :


أخي كان أما حلمه فمروح عليه وأما جهله فعزيب


[ ص: 264 ] يعني : أن الجهل غائب عنه ليس متصفا به . وقرأ هذا الحرف نافع وابن عامر : عالم الغيب ، بألف بعد العين وتخفيف اللام المكسورة ، وضم الميم على وزن فاعل . وقرأه حمزة والكسائي : علام الغيب ، بتشديد اللام وألف بعد اللام المشددة وخفض الميم على وزن فعال . وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وعاصم : عالم الغيب ; كقراءة نافع وابن عامر ، إلا أنهم يخفضون الميم . وعلى قراءة نافع وابن عامر بضم الميم ، من قوله : عالم الغيب ، فهو مبتدأ خبره جملة : لا يعزب عنه الآية ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو عالم الغيب .

وعلى قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم : عالم الغيب ، بخفض الميم فهو نعت لقوله : ربي ، أي : قل : بلى وربي عالم الغيب لتأتينكم ، وكذلك على قراءة حمزة والكسائي : علام الغيب . وقرأ هذا الحرف عامة القراء غير الكسائي : لا يعزب عنه ، بضم الزاي من يعزب ، وقرأه الكسائي بكسر الزاي .
قوله تعالى : والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم . لم يبين هنا نوع هذا العذاب ، ولكنه بينه بقوله في " الحج " : والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم [ 22 \ 51 ] ، وقوله : معاجزين ، أي : مغالبين ومسابقين ، يظنون أنهم يعجزون ربهم ، فلا يقدر على بعثهم وعذابهم . والرجز : العذاب ; كما قال : فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا الآية [ 2 \ 59 ] ، وقرأ هذا الحرف ابن كثير ، وأبو عمرو : معجزين ، بلا ألف بعد العين مع تشديد الجيم المكسورة . وقرأه الباقون بألف بعد العين ، وتخفيف الجيم ، ومعنى قراءة التشديد أنهم يحسبون أنهم يعجزون ربهم ، فلا يقدر على بعثهم وعقابهم .

وقال بعضهم : إن معنى معجزين بالتشديد ، أي : مثبطين الناس عن الإيمان . وقرأ ابن كثير وحفص : من رجز أليم ، بضم الميم من قوله : أليم على أنه نعت ; لقوله : عذاب وقرأ الباقون : أليم بالخفض على أنه نعت لقوله : رجز .
قوله تعالى : وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد إلى قوله : والضلال البعيد . [ ص: 265 ] ما تضمنته هذه الآية الكريمة من إنكار البعث ، وتكذيب الله لهم في ذلك ، قدم موضحا في مواضع كثيرة من هذا الكتاب في " البقرة " و " النحل " وغيرهما .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : إذا مزقتم كل ممزق ، أي : تمزقت أجسادكم وتفرقت وبليت عظامكم ، واختلطت بالأرض ، وتلاشت فيها . وقوله عنهم : إنكم لفي خلق جديد ، أي : البعث بعد الموت ، وهو مصب إنكارهم قبحهم الله ، وهو جل وعلا يعلم ما تلاشى في الأرض من أجسادهم وعظامهم ; كما قال تعالى : قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ [ 50 \ 4 ] .
قوله تعالى : أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض . ما دلت عليه هذه الآية الكريمة من توبيخ الكفار ، وتقريعهم على عدم تفكرهم ونظرهم إلى ما بين أيديهم ، وما خلفهم من السماء والأرض ، ليستدلوا بذلك على كمال قدرة الله على البعث ، وعلى كل شيء ، وأنه هو المعبود وحده ، جاء موضحا في مواضع أخر ; كقوله تعالى : أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب [ 50 \ 6 - 8 ] ، وقوله تعالى : أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم [ 7 \ 185 ] ، وقوله تعالى : وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون [ 12 \ 105 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة معروفة .

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية : قال عبد بن حميد ، أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر عن قتادة : أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض [ 34 \ 9 ] ، قال : إنك إن نظرت عن يمينك ، أو عن شمالك ، أو من بين يديك ، أو من خلفك ، رأيت السماء والأرض .
قوله تعالى : إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أمرين :

أحدهما : أنه إن شاء خسف الأرض بالكفار ، خسفها بهم لقدرته على ذلك .

[ ص: 366 ] والثاني : أنه إن شاء أن يسقط عليهم كسفا من السماء ، فعل ذلك أيضا لقدرته عليه .

أما الأول : الذي هو أنه لو شاء أن يخسف بهم الأرض لفعل ، فقد ذكره تعالى في غير هذا الموضع ; كقوله تعالى : من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور [ 67 \ 16 ] ، وقوله تعالى : أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر الآية [ 17 \ 68 ] ، وقوله تعالى : لولا أن من الله علينا لخسف بنا [ 28 \ 82 ] ، وقوله تعالى في " الأنعام " : أو من تحت أرجلكم الآية [ 6 \ 65 ] .

وقوله هنا : أو نسقط عليهم كسفا من السماء ، قد بينا في سورة " بني إسرائيل " ، أنه هو المراد بقوله تعالى عن الكفار : أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا الآية [ 17 \ 92 ] . وقرأه حمزة والكسائي : إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء بالياء المثناة التحتية في الأفعال الثلاثة ، أعني : يشأ ، ويخسف ، ويسقط ; وعلى هذه القراءة فالفاعل ضمير يعود إلى الله تعالى ، أي : إن يشأ هو ، أي : الله ، يخسف بهم الأرض ، وقرأ الباقون بالنون الدالة على العظمة في الأفعال الثلاثة ، أي : إن نشأ نحن . . إلخ ، وقرأ حفص عن عاصم : كسفا بفتح السين ، والباقون بسكونها والكسف بفتح السين القطع ، والكسف بسكون السين واحدها .
قوله تعالى : ولقد آتينا داود منا فضلا . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه آتى داود منه فضلا تفضل به عليه ، وبين هذا الفضل الذي تفضل به على داود في آيات أخر ; كقوله تعالى : وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء [ 2 \ 251 ] ، وقوله تعالى : وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب [ 38 \ 20 ] ، وقوله تعالى : ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب [ 38 ] ، وقوله تعالى : فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب [ 38 ] ، وقوله تعالى : ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض [ 38 \ 26 ] ، وقوله تعالى : ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين [ 27 \ 15 ] ، وقوله تعالى : ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا [ 17 \ 55 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

[ ص: 267 ] قوله تعالى : ياجبال أوبي معه والطير .

قد بينا الآيات الموضحة له مع إيضاح معنى أوبي معه في سورة " الأنبياء " ، في الكلام على قوله تعالى : وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين [ 21 \ 79 ] .
قوله تعالى : وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد .

قد قدمنا الآيات التي فيها إيضاحه مع بعض الشواهد ، وتفسير قوله : وقدر في السرد ، في سورة " الأنبياء " ، في الكلام على قوله تعالى : وعلمناه صنعة لبوس لكم [ 21 \ 80 ] . وفي " النحل " ، في الكلام على قوله تعالى : وسرابيل تقيكم بأسكم [ 16 \ 81 ] .
قوله تعالى : ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر .

قد بينا الآيات التي فيها إيضاح له في سورة " الأنبياء " ، في الكلام على قوله : ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض الآية [ 21 \ 81 ] ، مع الأجوبة عن بعض الأسئلة الواردة على الآيات المذكورة .
قوله تعالى : ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ، إلى قوله تعالى : وقدور راسيات . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الأنبياء " ، في الكلام على قوله تعالى : ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين [ 21 \ 82 ] .
قوله تعالى : ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الحجر " ، في الكلام على قوله تعالى عنه : لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين الآية [ 15 \ 39 ] . وفي سورة " الأعراف " ، في الكلام على قوله تعالى : ولا تجد أكثرهم شاكرين [ 7 \ 17 ] ، وقوله : ولقد صدق ، قرأه عاصم وحمزة والكسائي بتشديد الدال ، والباقون بالتخفيف .
قوله تعالى : وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة الآية . [ ص: 268 ] قد بينا الآيات الموضحة له في سورة " الحجر " ، في الكلام على قوله تعالى : إلا عبادك منهم المخلصين الآية [ 15 \ 40 ] ، وفي غير ذلك من المواضع .
قوله تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض الآية . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى : قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا [ 17 \ 56 ] .
قوله تعالى : ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " البقرة " ، في الكلام على قوله تعالى : ولا يقبل منها شفاعة [ 2 \ 48 ] .
قوله تعالى قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله . أمر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة ، نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للكفار : من يرزقكم من السماوات والأرض ، أي : يرزقكم من السماوات بإنزال المطر مثلا ، والأرض بإنبات الزروع والثمار ، ونحو ذلك . ثم أمره أن يقول : الله ، أي : الذي يرزقكم من السماوات والأرض هو الله ، وأمره تعالى له صلى الله عليه وسلم بأن يجيب بأن رازقهم هو الله يفهم منه أنهم مقرون بذلك ، وأنه ليس محل نزاع .

وقد صرح تعالى بذلك في آيات كثيرة ; كقوله تعالى : قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ، وإقرارهم بربوبيته تعالى يلزمه الاعتراف بعبادته وحده والعلم بذلك .
وقد قدمنا كثيرا من الآيات الموضحة لذلك في سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [ 17 \ 9 ] .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #448  
قديم 17-01-2023, 09:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السادس
الحلقة (446)
سُورَةُ فَاطِرٍ
صـ 269 إلى صـ 276





[ ص: 269 ] قوله تعالى : قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون . أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يقول للكفار : إنهم وإياهم ليس أحد منهم مسئولا عما يعمله الآخر ، بل كل منهم مؤاخذ بعمله ، والآخر بريء منه .

وأوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع ; كقوله تعالى : وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون [ 10 \ 41 ] ، وقوله تعالى : قل ياأيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ، إلى قوله : لكم دينكم ولي دين [ 109 \ 1 - 6 ] ، وفي معنى ذلك في الجملة قوله تعالى : تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون [ 2 \ 141 ] ; وكقوله تعالى عن نبيه هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام : قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظروني [ 11 \ 54 - 55 ] .
قوله تعالى : قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم . أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يقول لعبدة الأوثان : أروني أوثانكم التي ألحقتموها بالله شركاء له في عبادته كفرا منكم ، وشركا وافتراء ، وقوله : أروني الذين ألحقتم به شركاء ، لأنهم إن أروه إياها تبين برؤيتها أنها جماد لا ينفع ولا يضر ، واتضح بعدها عن صفات الألوهية ، فظهر لكل عاقل برؤيتها بطلان عبادة ما لا ينفع ولا يضر ، فإحضارها والكلام فيها ، وهي مشاهدة أبلغ من الكلام فيها غائبة ، مع أنه صلى الله عليه وسلم يعرفها ، وكما أنه في هذه الآية الكريمة أمرهم أن يروه إياها ليتبين بذلك بطلان عبادتها ، فقد أمرهم في آية أخرى أن يسموها بأسمائها ; لأن تسميتها بأسمائها يظهر بها بعدها عن صفات الألوهية ، وبطلان عبادتها لأنها أسماء إناث حقيرة كاللات والعزى ، ومناة الثالثة الأخرى ; كما قال تعالى : إن يدعون من دونه إلا إناثا الآية [ 4 \ 117 ] ، وذلك في قوله تعالى : وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد [ 13 \ 33 ] .

والأظهر في قوله : أروني الذين ألحقتم به في هذه الآية : هو ما ذكرنا من أن الرؤية بصرية ، وعليه فقوله : شركاء حال ، وقال بعض أهل العلم : إنها من رأى [ ص: 270 ] العلمية ، وعليه فـ شركاء مفعول ثالث لـ أروني ، قال القرطبي : يكون أروني هنا من رؤية القلب ، فيكون : شركاء مفعولا ثالثا ، أي : عرفوني الأصنام والأوثان التي جعلتموها شركاء لله عز وجل ، وهل شاركت في خلق شيء ، فبينوا ما هو وإلا فلم تعبدونها ، اه محل الغرض منه . واختار هذا أبو حيان في " البحر المحيط " . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : كلا ردع لهم ، وزجر عن إلحاق الشركاء به . وقوله :بل هو الله العزيز الحكيم ، أي : المتصف بذلك هو المستحق للعبادة ، وقد قدمنا معنى العزيز الحكيم بشواهده مرارا .
قوله تعالى : وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الأعراف " ، في الكلام على قوله تعالى : قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا [ 7 \ 158 ] ، وفي غير ذلك من المواضع . وقوله تعالى : إلا كافة للناس ، استشهد به بعض علماء العربية على جواز تقدم الحال على صاحبها المجرور بالحرف ; كما أشار له ابن مالك في " الخلاصة " بقوله :

وسبق حال ما بحرف جر قد أبوا ولا أمنعه فقد ورد

قالوا : لأن المعنى : وما أرسلناك إلا كافة للناس ، أي : جميعا ، أي : أرسلناك للناس في حال كونهم مجتمعين في رسالتك ، وممن أجاز ذلك أبو علي الفارسي ، وابن كيسان ، وابن برهان ، ولذلك شواهد في شعر العرب ; كقول طليحة بن خويلد الأسدي :


فإن تك أذواد أصبن ونسوة فلن يذهبوا فرغا بقتل حبال


وكقول كثير :


لئن كان برد الماء هيمان صاديا إلي حبيبا إنها لحبيب


وقول الآخر :


تسليت طرا عنكم بعد بينكم بذكركم حتى كأنكم عندي


وقول الآخر :


غافلا تعرض المنية للمرء فيدعى ولات حين إباء


[ ص: 271 ] وقوله :


مشغوفة بك قد شغفت وإنما حم الفراق فما إليك سبيل


وقوله :


إذا المرء أعيته المروءة ناشئا فمطلبها كهلا عليه شديد


فقوله في البيت الأول : فرغا ، أي : هدرا ، حال وصاحبه المجرور بالباء الذي هو بقتل ، وحبال اسم رجل . وقوله في البيت الثاني : هيمان صاديا ، حالان من ياء المتكلم المجرورة بإلى في قوله : إلي حبيبا . وقوله في البيت الثالث : طرا حال من الضمير المجرور بعن ، في قوله : عنكم ، وهكذا وتقدم الحال على صاحبها المجرور بالحرف منعه أغلب النحويين .

وقال الزمخشري في " الكشاف " ، في تفسير قوله تعالى : وما أرسلناك إلا كافة للناس ، إلا رسالة عامة لهم محيطة بهم ; لأنهم إذا شملتهم ، فإنها قد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم .

وقال الزجاج : المعنى : أرسلناك جامعا للناس في الإنذار والإبلاغ فجعله حالا من الكاف ، وحق التاء على هذا أن تكون للمبالغة كتاء الراوية والعلامة ، ومن جعله حالا من المجرور متقدما عليه فقد أخطأ ; لأن تقدم حال المجرور عليه في الإحالة بمنزلة تقدم المجرور على الجار ، وكم ترى ممن يرتكب هذا الخطأ ثم لا يقنع به حتى يضم إليه أن يجعل اللام بمعنى إلى ; لأنه لا يستوي له الخطأ الأول إلا بالخطأ الثاني ، فلا بد له من ارتكاب الخطأين ، اه منه .

وقال الشيخ الصبان في حاشيته على الأشموني : جعل الزمخشري كافة صفة لمصدر محذوف ، أي : رسالة كافة للناس ، ولكن اعترض بأن كافة مختصة بمن يعقل وبالنصب على الحال كطرا وقاطبة ، انتهى محل الغرض منه . وما ذكره الصبان في كافة هو المشهور المتداول في كلام العرب ، وأوضح ذلك أبو حيان في " البحر " ، والعلم عند الله تعالى .

قوله تعالى : ولكن أكثر الناس لا يعلمون . [ ص: 272 ] قد بينا الآيات الموضحة له في سورة " الأنعام " ، في الكلام على قوله تعالى : وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك الآية [ 6 \ 116 ] ، وغير ذلك من المواضع .
قوله تعالى : قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " يونس " ، في الكلام على قوله تعالى : لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون [ 10 \ 49 ] .
قوله تعالى ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ، إلى قوله : إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا . ذكرنا بعض الآيات التي فيها بيان له في سورة " البقرة " ، في الكلام على قوله تعالى : إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا [ 2 \ 166 ] ، وبيناه في مواضع أخر من هذا الكتاب المبارك .
قوله تعالى : وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا . جاء موضحا في مواضع أخر ; كقوله تعالى : إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل [ 40 \ 71 ] ، وقوله : أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم [ 13 \ 5 ] ، وقوله : ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه [ 69 \ 32 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون . قد بينا الآيات الموضحة له في سورة " الأنعام " ، في الكلام على قوله تعالى : وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها [ 6 \ 123 ] ، وأوضحنا ذلك في سورة " قد أفلح المؤمنون " ، في الكلام على قوله تعالى : ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه الآية [ 23 \ 44 ] .
قوله تعالى : وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين . وقوله تعالى : وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى . [ ص: 273 ] قد قدمنا الآيات الموضحة لذلك في سورة " الكهف " ، في الكلام على قوله تعالى : ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا [ 18 \ 36 ] .
قوله تعالى : ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن الآية .

قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الفرقان " ، في الكلام على قوله تعالى : ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم الآية [ 25 \ 17 - 18 ] .
قوله تعالى : وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا [ 17 \ 94 ] .
قوله تعالى : وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير . قد قدمنا الآيات التي بمعناه في سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [ 17 \ 15 ] .
قوله تعالى : وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير . ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أنه أهلك الأمم الماضية لما كذبت رسله ، وأن الأمم الماضية أقوى ، وأكثر أموالا وأولادا ، وأن كفار مكة عليهم أن يخافوا من إهلاك الله لهم بسبب تكذيب رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما أهلك الأمم التي هي أقوى منهم ، ولم يؤتوا ، أي : كفار مكة ، معشار ما أتى الله الأمم التي أهلكها من قبل من القوة ، جاء موضحا في آيات كثيرة ; كقوله تعالى : كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض [ 40 \ 82 ] ، وقد قدمنا بعض الكلام على هذا في سورة " الروم " ، في الكلام على قوله [ ص: 274 ] تعالى : وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها [ 30 \ 9 ] .
قوله تعالى : ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " المؤمنون " ، في الكلام على قوله تعالى : أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون [ 23 \ 70 ] .
قوله تعالى : قل ما سألتكم من أجر فهو لكم . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " هود " ، في الكلام على قوله تعالى : كارهون ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله [ 11 \ 29 ] .
قوله تعالى : قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى : وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا [ 17 \ 81 ] .
قوله تعالى : قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي .

قد قدمنا الآيات التي بمعناه في سورة " الأنبياء " ، في الكلام على قوله تعالى : وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث [ 21 \ 78 ] ، في معرض بيان حجج الظاهرية في دعواهم منع الاجتهاد .
قوله تعالى : وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد .

ما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الكفار يوم القيامة يؤمنون بالله ، وأن ذلك الإيمان لا ينفعهم لفوات وقت نفعه ، الذي هو مدة دار الدنيا جاء موضحا في آيات كثيرة .

وقد قدمنا الآيات الدالة عليه في سورة " الأعراف " ، في الكلام على قوله تعالى : يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق الآية [ 7 \ 53 ] . وفي سورة " مريم " ، في الكلام على قوله تعالى : أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين [ 19 \ 38 ] ، وفي غير ذلك من المواضع . وقوله تعالى في [ ص: 275 ] هذه الآية الكريمة : وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ، أنى تدل على كمال الاستبعاد هنا ، و التناوش : التناول ، وقال بعضهم : هو خصوص التناول السهل للشيء القريب .

والمعنى : أنه يستبعد كل الاستبعاد ويبعد كل البعد ، أن يتناول الكفار الإيمان النافع في الآخرة بعدما ضيعوا ذلك وقت إمكانه في دار الدنيا ، وقيل الاستبعاد لردهم إلى الدنيا مرة أخرى ليؤمنوا ، والأول أظهر ، ويدل عليه قوله قبله : وقالوا آمنا به ، ومن أراد تناول شيء من مكان بعيد لا يمكنه ذلك ، والعلم عند الله تعالى .
[ ص: 276 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ فَاطِرٍ

قَوْلُهُ تَعَالَى : الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ الْآيَةَ .

الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، لِلِاسْتِغْرَاقِ ، أَيْ : جَمِيعُ الْمَحَامِدِ ثَابِتٌ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا ، وَقَدْ أَثْنَى جَلَّ وَعَلَا عَلَى نَفْسِهِ بِهَذَا الْحَمْدِ الْعَظِيمِ مُعَلِّمًا خَلْقَهُ فِي كِتَابِهِ أَنْ يُثْنُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، مُقْتَرِنًا بِكَوْنِهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خَلْقَهُ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَمَا ذَكَرَ مَعَهُ يَدُلُّ عَلَى عَظَمَتِهِ ، وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ ، وَاسْتِحْقَاقِهِ لِلْحَمْدِ لِذَاتِهِ لِعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ ، مَعَ مَا فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنَ النِّعَمِ عَلَى بَنِي آدَمَ فَهُوَ بِخَلْقِهِمَا مُسْتَحِقٌّ لِلْحَمْدِ لِذَاتِهِ ، وَلِإِنْعَامِهِ عَلَى الْخَلْقِ بِهِمَا ، وَكَوْنِ خَلْقِهِمَا جَامِعًا بَيْنَ اسْتِحْقَاقِ الْحَمْدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ، جَاءَتْ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَدُلُّ عَلَيْهِ . أَمَّا كَوْنُ ذَلِكَ يَسْتَوْجِبُ حَمْدَ اللَّهِ لِعَظَمَتِهِ وَكَمَالِهِ ، وَاسْتِحْقَاقِهِ لِكُلِّ ثَنَاءٍ جَمِيلٍ ، فَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ " الْأَنْعَامِ " : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ الْآيَةَ [ 6 \ 1 ] ، وَقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ " سَبَأٍ " : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْآيَةَ [ 34 \ 2 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ " الْفَاتِحَةِ " : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [ 1 \ 2 ] . وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ قَوْلَهُ : رَبِّ الْعَالَمِينَ ، بَيَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ [ 26 \ 23 - 24 ] ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [ 37 \ 181 - 182 ] ، وَقَوْلِهِ : وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . [ 39 \ 75 ]




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #449  
قديم 17-01-2023, 09:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السادس
الحلقة (447)
سُورَةُ فَاطِرٍ
صـ 277 إلى صـ 284






وَأَمَّا اسْتِحْقَاقُهُ لِلْحَمْدِ عَلَى خَلْقِهِ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِنْعَامِهِ عَلَى بَنِي آدَمَ ، فَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، فَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ أَنْعَمَ عَلَى خَلْقِهِ ، بِأَنْ [ ص: 277 ] سَخَّرَ لَهُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [ 45 \ 13 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ الْآيَةَ [ 14 \ 33 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [ 7 \ 54 ] .

وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِمَعْنَى تَسْخِيرِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ فِي سُورَةِ " الْحِجْرِ " ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ الْآيَةَ [ 15 \ 17 ] .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا ، قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ " الْحَجِّ " ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ [ 22 \ 75 ] .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، أَيْ : خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَمُبْدِعِهِمَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ .

وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : كُنْتُ لَا أَدْرِي مَا فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، حَتَّى أَتَانِي أَعْرَابِيَّانِ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْرٍ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : أَنَا فَطَرْتُهَا ، أَيْ : بَدَأْتُهَا .
قوله تعالى : ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده الآية . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن ما يفتحه للناس من رحمته وإنعامه عليهم بجميع أنواع النعم ، لا يقدر أحد كائنا ما كان أن يمسكه عنهم ، وما يمسكه عنهم من رحمته وإنعامه لا يقدر أحد كائنا من كان أن يرسله إليهم ، وهذا معلوم بالضرورة من الدين ، والرحمة المذكورة في الآية عامة في كل ما يرحم الله به خلقه من الإنعام الدنيوي والأخروي ، كفتحه لهم رحمة المطر ; كما قال تعالى : فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها [ 30 \ 50 ] .

وقوله تعالى : وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته [ 7 \ 57 ] ، وقوله [ ص: 278 ] تعالى : وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته الآية [ 42 \ 28 ] ، ومن رحمته إرسال الرسل ، وإنزال الكتب ; كقوله تعالى : وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك [ 28 \ 86 ] ، كما تقدم إيضاحه في سورة " الكهف " ، في الكلام على قوله تعالى : فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا الآية [ 18 \ 65 ] .

وما تضمنته هذه الآية الكريمة جاء موضحا في آيات كثيرة ; كقوله تعالى : وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله [ 10 \ 107 ] ، وقوله تعالى : قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا الآية [ 48 \ 11 ] ، وقوله تعالى : قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة الآية [ 33 \ 17 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

وقد قدمنا بعض الكلام على هذا في سورة " الأنعام " ، في الكلام على قوله تعالى : وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير [ 6 \ 17 ] ، و ما في قوله تعالى : ما يفتح الله [ 35 \ 2 ] ، وقوله : وما يمسك شرطية ، وفتح الشيء التمكين منه وإزالة الحواجز دونه ، والإمساك بخلاف ذلك .
قوله تعالى : هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء . الاستفهام في قوله : هل من خالق غير الله ، إنكاري فهو مضمن معنى النفي .

والمعنى : لا خالق إلا الله وحده ، والخالق هو المستحق للعبادة وحده .

وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة " الرعد " ، في الكلام على قوله تعالى : أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه [ 13 \ 16 ] . وفي سورة " الفرقان " ، في الكلام على قوله تعالى : واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون [ 25 \ 3 ] ، وفي غير ذلك من المواضع .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : يرزقكم من السماء والأرض ، يدل على أنه تعالى هو الرازق وحده ، وأن الخلق في غاية الاضطرار إليه تعالى .

والآيات الدالة على ذلك كثيرة ; كقوله تعالى : أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه [ 67 \ 21 ] ، [ ص: 279 ] وقوله : فابتغوا عند الله الرزق [ 29 \ 17 ] .

وقد قدمنا كثيرا من الآيات الدالة على ذلك في سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [ 17 \ 9 ] .
قوله تعالى : وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور . ما تضمنته هذه الآية الكريمة من تسليته صلى الله عليه وسلم ، بأن ما لاقاه من قومه من التكذيب لاقاه الرسل الكرام من قومهم قبله صلوات الله وسلامه عليهم جميعا ، جاء موضحا في آيات كثيرة ; كقوله تعالى : ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا [ 6 \ 34 ] ، وقوله تعالى : ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك [ 41 \ 43 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة معروفة .
قوله تعالى : إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا .

قد قدمنا الآيات التي بمعناه في مواضع من هذا الكتاب المبارك ; كقوله تعالى في " الكهف " : أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو الآية [ 18 \ 50 ] .

قوله تعالى : إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الحج " ، في الكلام على قوله تعالى : كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير [ 22 \ 4 ] .
قوله تعالى : فلا تذهب نفسك عليهم حسرات . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الأنعام " ، في الكلام على قوله تعالى : قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون [ 6 \ 33 ] . وفي " الكهف " ، في الكلام على قوله تعالى : فلعلك باخع نفسك على آثارهم الآية [ 18 \ 6 ] ، وغير ذلك من المواضع .
قوله تعالى : والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور . ما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن إحياءه تعالى الأرض بعد موتها المشاهد في دار الدنيا برهان قاطع على قدرته على البعث ، قد تقدم إيضاحه بالآيات القرآنية في مواضع [ ص: 280 ] كثيرة في سورة " البقرة " ، و " النحل " ، و " الأنبياء " وغير ذلك ، وقد تقدمت الإحالة عليه مرارا .
قوله تعالى : من كان يريد العزة فلله العزة جميعا . بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن من كان يريد العزة فإنها جميعها لله وحده ، فليطلبها منه وليتسبب لنيلها بطاعته جل وعلا ، فإن من أطاعه أعطاه العزة في الدنيا والآخرة . أما الذين يعبدون الأصنام لينالوا العزة بعبادتها ، والذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، يبتغون عندهم العزة ، فإنهم في ضلال وعمى عن الحق ; لأنهم يطلبون العزة من محل الذل .

وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة ، جاء موضحا في آيات من كتاب الله تعالى ; كقوله تعالى : واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا [ 19 \ 81 - 82 ] ، وقوله تعالى : الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا [ 4 \ 139 ] ، وقوله تعالى : ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم [ 10 \ 65 ] ، وقوله تعالى : يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله الآية [ 63 \ 8 ] ، وقوله تعالى : سبحان ربك رب العزة عما يصفون [ 37 \ 180 ] ، والعزة : الغلبة والقوة . ومنه قول الخنساء :


كأن لم يكونوا حمى يحتشى إذ الناس إذ ذاك من عزيزا
أي : من غلب استلب ، ومنه قوله تعالى : وعزني في الخطاب [ 38 \ 23 ] ، أي : غلبني وقوي علي في الخصومة .

وقول من قال من أهل العلم : إن معنى الآية : من كان يريد العزة ، أي : يريد أن يعلم لمن العزة أصوب منه ما ذكرنا ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد الآية . قد تقدم بعض الكلام عليه في سورة " النحل " ، مع إعراب السيئات .

[ ص: 281 ] وقد قدمنا في مواضع أخر أن من مكرهم السيئات كفرهم بالله وأمرهم أتباعهم به ; كما قال تعالى : وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا [ 34 \ 33 ] ، وكقوله تعالى : ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا [ 71 \ 22 - 23 ] ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : والله خلقكم من تراب ثم من نطفة . قد تقدم إيضاحه بالآيات القرآنية في أول سورة " الحج " ، في الكلام على قوله تعالى : ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب الآية [ 22 \ 5 ] .

قوله تعالى : وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الرعد " ، في الكلام على قوله تعالى : الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار [ 13 \ 8 ] ، مع بيان الأحكام المتعلقة بالآية .

قوله تعالى : وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب . قد قدمنا بعض الكلام عليه في آخر سورة " الأحزاب " ، في الكلام على قوله تعالى : وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا [ 33 \ 72 ] . وفي سورة " الفرقان " ، في الكلام على قوله تعالى : وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا [ 25 \ 61 ] .
قوله تعالى وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج . تقدم إيضاحه في سورة " الفرقان " ، في الكلام على قوله تعالى : وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج [ 25 \ 53 ] .

قوله تعالى : ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها . قد تقدم الكلام عليه مع بسط أحكام فقهية تتعلق بذلك في سورة " النحل " ، في [ ص: 282 ] الكلام على قوله تعالى : وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها [ 16 \ 14 ] .

وتقدم في سورة " الأنعام " ، في الكلام على قوله تعالى : يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم [ 6 \ 130 ] . أن قوله في آية " فاطر " هذه : ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها ، دليل قرآني واضح على بطلان دعوى من ادعى من العلماء أن اللؤلؤ والمرجان لا يخرجان إلا من البحر الملح خاصة .
قوله تعالى : ويوم القيامة يكفرون بشرككم الآية . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " مريم " ، في الكلام على قوله تعالى : كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا [ 19 \ 82 ] ، وفي غيره من المواضع .
قوله تعالى : يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد . بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه غني عن خلقه ، وأن خلقه مفتقر إليه ، أي : فهو يأمرهم وينهاهم لا لينتفع بطاعتهم ، ولا ليدفع الضر بمعصيتهم ، بل النفع في ذلك كله لهم ، وهو جل وعلا الغني لذاته الغنى المطلق .

وما دلت عليه هذه الآية الكريمة مع كونه معلوما من الدين بالضرورة ، جاء في مواضع كثيرة من كتاب الله ; كقوله تعالى : والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم الآية [ 47 \ 38 ] ، وقوله تعالى : فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد [ 64 \ 6 ] ، وقوله تعالى : وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد [ 14 \ 8 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

وبذلك تعلم عظم افتراء الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء [ 3 \ 181 ] ، وقد هددهم الله على ذلك ، بقوله : سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق [ 3 \ 181 ] .
قوله تعالى : إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز .

قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " النساء " ، في الكلام على قوله تعالى : إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا [ 4 \ 132 ] .
[ ص: 283 ] قوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى . قد قدمنا الآيات الموضحة له مع الجواب عن بعض الأسئلة الواردة على الآية في سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [ 17 \ 15 ] .
قوله تعالى : وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " النحل " ، في الكلام على قوله تعالى : ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون [ 16 \ 25 ] ، ووجه الجمع بين أمثال هذه الآية وبين قوله تعالى : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم [ 29 \ 13 ] ، ونحوها من الآيات .
قوله تعالى : إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن إنذاره صلى الله عليه وسلم محصور في الذين يخشون ربهم بالغيب ، وأقاموا الصلاة ، وهذا الحصر الإضافي ; لأنهم هم المنتفعون بالإنذار ، وغير المنتفع بالإنذار كأنه هو والذي لم ينذر سواء ، بجامع عدم النفع في كل منهما .

وهذا المعنى جاء موضحا في آيات من كتاب الله تعالى ; كقوله تعالى : وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب الآية [ 36 \ 10 - 11 ] ، وقوله : إنما أنت منذر من يخشاها [ 79 \ 45 ] ، ويشبه معنى ذلك في الجملة قوله تعالى : فذكر بالقرآن من يخاف وعيد [ 50 \ 45 ] ، وقد قدمنا معنى الإنذار وأنواعه موضحا في سورة " الأعراف " ، في الكلام على قوله تعالى : فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين [ 7 \ 2 ] .
قوله تعالى : وما يستوي الأعمى والبصير . قد قدمنا إيضاحه بالآيات في أول سورة " هود " ، في الكلام على قوله تعالى : مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع الآية [ 11 \ 24 ] .
قوله تعالى : وما يستوي الأحياء ولا الأموات . [ ص: 284 ] الأحياء هنا : المؤمنون ، و الأموات : الكفار ; فالحياة هنا حياة إيمان ، والموت موت كفر .

وهذا المعنى جاء موضحا في غير هذا الموضع ; كقوله تعالى : لمشركون أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها [ 6 \ 122 ] ، فقوله : أو من كان ميتا ، أي : موت كفر فأحييناه حياة إيمان ; وكقوله تعالى : لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين [ 36 \ 70 ] ، فيفهم من قوله : من كان حيا ، أي - وهي حياة إيمان - إن الكافرين الذين حق عليهم القول ليسوا كذلك ، وقد أطبق العلماء على أن معنى قوله : إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله [ 6 \ 36 ] ، أن المعنى : والكفار يبعثهم الله .

وقد قدمنا هذا موضحا بالآيات القرآنية في سورة " النمل " ، في الكلام على قوله تعالى : إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء الآية [ 27 \ 80 ] .
قوله تعالى : إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور . قد قدمنا الآيات الموضحة له وما جاء في سماع الموتى في سورة " النمل " ، في الكلام على قوله تعالى : إنك لا تسمع الموتى الآية [ 27 \ 80 ] .
قوله تعالى : ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك . قد قدمنا الكلام عليه في سورة " الروم " ، في الكلام على قوله تعالى : ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم الآية [ 30 \ 22 ] ، وبينا هناك دلالة الآيات على أنه جل وعلا هو المؤثر وحده ، وأن الطبائع لا تأثير لها إلا بمشيئته تعالى .
قوله تعالى : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ، إلى قوله : ولباسهم فيها حرير . قد قدمنا الكلام على هذه الآية ، مع نظائرها من آيات الرجاء استطرادا ، وذكرنا معنى الظالم والمقتصد والسابق ، ووجه تقديم الظالم عليهما بالوعد في الجنات في سورة " النور " ، في الكلام على قوله تعالى : ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى الآية [ 24 \ 22 ] .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #450  
قديم 17-01-2023, 09:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السادس
الحلقة (448)
سُورَةُ يس
صـ 285 إلى صـ 292






[ ص: 285 ] وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : ولباسهم فيها حرير قد قدمناه مع الآيات المماثلة ، والمشابهة له في سورة " النحل " في الكلام على قوله تعالى : وتستخرجوا منه حلية تلبسونها .

قوله تعالى : وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الأعراف " ، في الكلام على قوله تعالى : يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل الآية [ 7 \ 53 ] .




قوله تعالى : قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض الآية . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الفرقان " ، في الكلام على قوله تعالى : واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون [ 25 \ 3 ] . وفي سورة " الرعد " ، في الكلام على قوله تعالى : أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء الآية [ 13 \ 16 ] .
قوله تعالى : إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا الآية . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الحج " ، في الكلام على قوله تعالى : ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه [ 22 \ 65 ] .
قوله تعالى : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم الآية . قد قدمنا الكلام عليه في سورة " الأنعام " ، في الكلام على قوله تعالى : أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم الآية [ 6 \ 157 ] .
قوله تعالى : ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة الآية . قد قدمنا الآيات الموضحة له وشواهده العربية في سورة " النحل " ، في الكلام على قوله تعالى : ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة الآية [ 16 \ 61 ] .
[ ص: 286 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ يس

قَوْلُهُ تَعَالَى : يس . التَّحْقِيقُ إِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ ، وَالْيَاءُ الْمَذْكُورَةُ فِيهِ ذُكِرَتْ فِي فَاتِحَةِ سُورَةِ " مَرْيَمَ " ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : كهيعص [ 19 \ 1 ] ، وَالسِّينُ الْمَذْكُورَةُ فِيهِ ذُكِرَتْ فِي أَوَّلِ " الشُّعَرَاءِ " وَ " الْقَصَصِ " ، فِي قَوْلِهِ : طسم [ 26 \ 1 ] وَفِي أَوَّلِ " النَّمْلِ " ، فِي قَوْلِهِ : طس [ 27 \ 1 ] ، وَفِي أَوَّلِ " الشُّورَى " ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : حم عسق [ 42 \ 1 - 2 ] .

وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ مُسْتَوْفًى عَلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّورَةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ " هُودٍ " .
قَوْلُهُ تَعَالَى : وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ . قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مُوجِبَ التَّوْكِيدِ لِكَوْنِهِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ، هُوَ إِنْكَارُ الْكُفَّارِ لِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا [ 13 \ 43 ] ، فِي سُورَةِ " الْبَقَرَةِ " ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [ 2 \ 252 ] .
قوله تعالى : لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون . لفظة ما في قوله تعالى : ما أنذر آباؤهم ، قيل : نافية ، وهو الصحيح . وقيل : موصولة ، وعليه فهو المفعول الثاني لتنذر ، وقيل : مصدرية .

وقد قدمنا دلالة الآيات على أنها نافية ، وأن مما يدل على ذلك ترتيبه بالفاء عليه قوله بعده : فهم غافلون ; لأن كونهم غافلين يناسب عدم الإنذار لا الإنذار ، وهذا هو الظاهر مع آيات أخر دالة على ذلك ; كما أوضحنا ذلك كله في سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [ 17 \ 15 ] .
[ ص: 287 ] قوله تعالى : لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون . الظاهر أن القول في قوله : لقد حق القول على أكثرهم ، وفي قوله تعالى : وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول الآية [ 41 \ 25 ] ، وفي قوله تعالى : قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا الآية [ 28 \ 63 ] .

وفي قوله تعالى : ويحق القول على الكافرين [ 36 \ 70 ] ، وقوله تعالى : فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون [ 37 \ 31 ] ، والكلمة في قوله تعالى : إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم [ 10 \ 96 - 97 ] ، وفي قوله تعالى : قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين [ 39 \ 71 ] ، أن المراد بالقول والكلمة أو الكلمات على قراءة : حقت عليهم كلمات ربك بصيغة الجمع ، هو قوله تعالى : لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [ 11 \ 119 ] ، كما دلت على ذلك آيات من كتاب الله تعالى ; كقوله تعالى في آخر سورة " هود " : ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [ 11 \ 118 - 119 ] ، وقوله تعالى في " السجدة " : ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [ 32 \ 13 ] .

وقوله تعالى في أخريات " ص " : قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين [ 38 \ 84 - 85 ] .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : لقد حق القول على أكثرهم ، يدل على أن أكثر الناس من أهل جهنم ، كما دلت على ذلك آيات كثيرة ; كقوله تعالى : ولكن أكثر الناس لا يؤمنون [ 11 \ 17 ] ، وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ، [ 12 \ 103 ] ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين [ 37 \ 71 ] ، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين [ 26 \ 174 ] .

وقد قدمنا الكلام على هذا في سورة " الأنعام " ، في الكلام على قوله تعالى : وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله الآية [ 6 \ 116 ] .

[ ص: 288 ] وبينا بالسنة الصحيحة في أول سورة " الحج " : أن نصيب النار من الألف تسعة وتسعون وتسعمائة ، وأن نصيب الجنة منها واحد .
قوله تعالى : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون . الأغلال : جمع غل وهو الذي يجمع الأيدي إلى الأعناق . والأذقان : جمع ذقن وهو ملتقى اللحيين . والمقمح بصيغة اسم المفعول ، وهو الرافع رأسه . والسد بالفتح والضم : هو الحاجز الذي يسد طريق الوصول إلى ما وراءه .

وقوله : فأغشيناهم ، أي : جعلنا على أبصارهم الغشاوة ، وهي الغطاء الذي يكون على العين يمنعها من الإبصار ، ومنه قوله تعالى : وعلى أبصارهم غشاوة [ 2 \ 7 ] ، وقوله تعالى : وجعل على بصره غشاوة [ 45 \ 23 ] ، وقول الشاعر وهو الحارث بن خالد بن العاص :


هويتك إذ عيني عليها غشاوة فلما انجلت قطعت نفسي ألومها


والمراد بالآية الكريمة : أن هؤلاء الأشقياء الذين سبقت لهم الشقاوة في علم الله المذكورين في قوله تعالى : لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون ، صرفهم الله عن الإيمان صرفا عظيما مانعا من وصوله إليهم ; لأن من جعل في عنقه غل ، وصار الغل إلى ذقنه ، حتى صار رأسه مرفوعا لا يقدر أن يطأطئه ، وجعل أمامه سدا ، وخلفه سدا ، وجعل على بصره الغشاوة لا حيلة له في التصرف ، ولا في جلب نفع لنفسه ، ولا في دفع ضر عنها ، فالذين أشقاهم الله بهذه المثابة لا يصل إليهم خير .

وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة من كونه جل وعلا يصرف الأشقياء الذين سبقت لهم الشقاوة في علمه عن الحق ويحول بينهم وبينه ، جاء موضحا في آيات كثيرة ; كقوله تعالى : إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا [ 18 \ 57 ] ، وقوله تعالى : ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة [ 2 \ 7 ] ، وقوله تعالى : أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة [ 45 \ 23 ] ، وقوله تعالى : ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء [ 6 \ 125 ] ، وقوله تعالى : من يضلل الله فلا هادي له [ 7 \ 186 ] ، [ ص: 289 ] وقوله تعالى : ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم [ 5 \ 41 ] .

وقوله تعالى : أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون [ 16 \ 108 ] ، وقوله تعالى : وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون [ 11 \ 20 ] ، وقوله تعالى : الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا [ 18 \ 101 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة .

وقد قدمنا أن هذا الطبع والختم على القلوب ، وكذلك الأغلال في الأعناق ، والسد من بين أيديهم ومن خلفهم ، أن جميع تلك الموانع المانعة من الإيمان ، ووصول الخير إلى القلوب أن الله إنما جعلها عليهم بسبب مسارعتهم لتكذيب الرسل ، والتمادي على الكفر ، فعاقبهم الله على ذلك ، بطمس البصائر والختم على القلوب والطبع عليها ، والغشاوة على الأبصار ; لأن من شؤم السيئات أن الله جل وعلا يعاقب صاحبها عليها بتماديه على الشر ، والحيلولة بينه وبين الخير جزاه الله بذلك على كفره جزاء وفاقا .

والآيات الدالة على ذلك كثيرة ; كقوله تعالى : بل طبع الله عليها بكفرهم [ 4 \ 155 ] ، فالباء سببية . وفي الآية تصريح منه تعالى أن سبب ذلك الطبع على قلوبهم هو كفرهم ; وكقوله تعالى : ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم [ 63 \ 3 ] ، ومعلوم أن الفاء من حروف التعليل ، أي : فطبع على قلوبهم بسبب كفرهم ذلك ، وقوله تعالى : فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم [ 61 \ 5 ] ، وقوله تعالى : ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون [ 6 \ 110 ] ، وقوله تعالى : في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا [ 2 \ 10 ] ، إلى غير ذلك من الآيات ، كما تقدم إيضاحه .

وقد دلت هذه الآيات على أن شؤم السيئات يجر صاحبه إلى التمادي في السيئات ، ويفهم من مفهوم مخالفة ذلك ، أن فعل الخير يؤدي إلى التمادي في فعل الخير ، وهو كذلك ; كما قال تعالى : والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم [ 47 \ 17 ] ، وقوله [ ص: 290 ] تعالى : والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا [ 29 \ 69 ] ، وقوله تعالى : ومن يؤمن بالله يهد قلبه [ 64 \ 11 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

واعلم أن قول من قال من أهل العلم : إن معنى قوله تعالى في هذه الآية الكريمة : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا ، أن المراد بذلك الأغلال التي يعذبون بها في الآخرة ; كقوله تعالى : إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون [ 40 \ 71 - 72 ] ، خلاف التحقيق ، بل المراد بجعل الأغلال في أعناقهم ، وما ذكر معه في الآية هو صرفهم عن الإيمان والهدى في دار الدنيا ; كما أوضحنا . وقرأ هذا الحرف : حمزة ، والكسائي ، وحفص ، عن عاصم : سدا ، بالفتح في الموضعين ، وقرأه الباقون بضم السين ، ومعناهما واحد على الصواب ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب . تقدم إيضاحه مع نظائره من الآيات في سورة " فاطر " ، في الكلام على قوله تعالى : إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة [ 35 \ 18 ] .
قوله تعالى : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أربعة أشياء :

الأول : أنه يحيي الموتى ، مؤكدا ذلك متكلما عن نفسه بصيغة التعظيم .

الثاني : أنه يكتب ما قدموا في دار الدنيا .

الثالث : أنه يكتب آثارهم .

الرابع : أنه أحصى كل شيء في إمام مبين ، أي : في كتاب بين واضح ، وهذه الأشياء الأربعة جاءت موضحة في غير هذا الموضع .

أما الأول منها وهو كونه يحيي الموتى بالبعث ، فقد جاء في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى ، كقوله تعالى : قل بلى وربي لتبعثن [ 64 \ 7 ] ، وقوله تعالى : قل إي وربي إنه لحق [ 10 \ 53 ] ، وقوله تعالى : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا [ 16 \ 38 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة .

[ ص: 291 ] وقد قدمناها بكثرة في سورة " البقرة " ، وسورة " النحل " ، في الكلام على براهين البعث ، وقدمنا الإحالة على ذلك مرارا .

وأما الثاني منها وهو كونه يكتب ما قدموا في دار الدنيا ، فقد جاء في آيات كثيرة ; كقوله تعالى : أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون [ 43 \ 80 ] ، وقوله تعالى : هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون [ 45 \ 29 ] ، وقوله تعالى : وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا [ 17 \ 13 - 14 ] ، وقوله تعالى : ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها الآية [ 18 \ 49 ] ، وقوله تعالى : ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد [ 50 \ 18 ] . وقد قدمنا بعض الكلام على هذا في سورة " الكهف " .

وأما الثالث منها وهو كونهم تكتب آثارهم ، فقد ذكر في بعض الآيات أيضا .

واعلم أن قوله : وآثارهم ، فيه وجهان من التفسير معروفان عند العلماء .

الأول منهما : أن معنى ما قدموا : ما باشروا فعله في حياتهم ، وأن معنى آثارهم : هو ما سنوه في الإسلام من سنة حسنة أو سيئة ، فهو من آثارهم التي يعمل بها بعدهم .

الثاني : أن معنى آثارهم : خطاهم إلى المساجد ونحوها من فعل الخير ، وكذلك خطاهم إلى الشر ، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم " ، يعني : خطاكم من بيوتكم إلى مسجده صلى الله عليه وسلم .

أما على القول الأول : فالله جل وعلا قد نص على أنهم يحملون أوزار من أضلوهم وسنوا لهم السنن السيئة ; كما في قوله تعالى : ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم الآية [ 16 \ 25 ] ، وقوله تعالى : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم [ 29 \ 13 ] .

وقد أوضحنا ذلك في سورة " النحل " ، في الكلام على قوله تعالى : ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم الآية [ 16 \ 25 ] [ ص: 292 ] وذكرنا حديث جرير وأبي هريرة ، في صحيح مسلم في إيضاح ذلك .

ومن الآيات الدالة على مؤاخذة الإنسان بما عمل به بعده مما سنه من هدى أو ضلالة ، قوله تعالى : ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر [ 75 \ 13 ] ، بناء على أن المعنى بما قدم : مباشرا له ، وأخر : مما عمل به بعده مما سنه من هدى أو ضلال ، وقوله تعالى : علمت نفس ما قدمت وأخرت [ 82 \ 5 ] ، على القول بذلك .

وأما على التفسير الثاني : وهو أن معنى آثارهم : خطاهم إلى المساجد ونحوها ، فقد جاء بعض الآيات دالا على ذلك المعنى ; كقوله تعالى : ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم [ 9 \ 121 ] ; لأن ذلك يستلزم أن تكتب لهم خطاهم التي قطعوا بها الوادي في غزوهم .

وأما الرابع : وهو قوله تعالى : وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ، فقد تدل عليه الآيات الدالة على الأمر الثاني ، وهو كتابة جميع الأعمال التي قدموها بناء على أن المراد بذلك خصوص الأعمال .

وأما على فرض كونه عاما ، فقد دلت عليه آيات أخر ; كقوله تعالى : وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا [ 72 \ 28 ] ، وقوله تعالى : ما فرطنا في الكتاب من شيء [ 6 \ 38 ] ، بناء على أن المراد بالكتاب اللوح المحفوظ ، وهو أصح القولين ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا [ 17 \ 94 ] .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 334.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 328.35 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.81%)]